السلطان مراد الثاني

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,426
التفاعل
17,565 41 0
السلطان مراد الثاني





ولد السلطان مراد الثاني عام 806هـ، وتولى السلطة بعد وفاة أبيه عام 824هـ، وهو ابن السلطان محمد جلبي بن السلطان بايزيد الصاعقة بن مراد الأول بن أورخان بن عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية، فهو سلطان من نسل السلاطين.
نشأ السلطان مراد الثاني في بيت الخلافة العثمانية، التي غرست في أبنائها حب العلم والجهاد في سبيل الله، فنشأ السلطان مراد الثاني نشأة إسلامية صحيحة، مما أهّله لتولي السلطنة وعمره ثمانية عشر عامًا، وعمل منذ توليه الخلافة على نشر الإسلام، فواصل الفتوحات لنشر الدين؛ ففتح سلانيك، وعمل على فتح القسطنطينية، إلا أن المنية عاجلته وكان فتحها من نصيب ابنه محمد.




ملك حب الجهاد قلب السلطان مراد الثاني فبعد أن تخلص من الفتن والثورات الداخلية عمل على نشر الدين الإسلامي وجرد نفسه للفتوحات الإسلامية وكانت فتوحاته تشتمل على:
عمل مراد الثاني على استعادة هيبة الدولة العثمانية داخل أوربا بعد الهزيمة التي وقعت للعثمانيين إثر التحالف بين القوى الصليبية؛ مما اضطر السلطان مراد الثاني إلى عقد معاهدة مع ملك المجر لمدة عشر سنوات. ولما رأى أمير الصرب (جورج برنكوفتش) عجزه عن قتال العثمانيين، عقد معاهد مع السلطان مراد الثاني تقضي بدفع الجزية للسلطان، وهي عبارة عن خمسين ألف دوك ذهبي، وأن يقدم فرقة من جنوده لمساعدة السلطان في حروبه لصد الصليبيين، مع قطع علاقاته مع ملك المجر، وتزوج السلطان مراد من ابنته.
واستعاد السلطان مراد الثني سلانيك عام 833هـ من البندقية، وكان إمبراطور القسطنطينية قد تنازل عنها، وقد حاصرها السلطان خمسة عشر يومًا .
وفتح مراد الثاني ألبانيا سنة 834هـ بعد معارك طاحنة حيث تمكن الألبان من القضاء على جيشين عثمانيين في جبال ألبانيا بل انتصروا على جيوش قادها مراد نفسه مما يدل على ضراوة المقاومة، ولكنها في النهاية أذعنت ثم ما لبثت أن دخل أهل ألبانيا في دين الله أفواجًا.
موقعة فارنا
كان بابا روما كبير صليبيي أوربا يراقب الأحداث والمعارك الطاحنة بين المسلمين والصليبيين وكم سره هزيمة السلطان مراد الثاني، ولكن غضب بشدة من ملك المجر (لاديسلاس) لأنه وقّع عقد هدنة مع مراد الثاني، فأرسل مندوبًا من طرفه هو الكاردينال (سيزاريني) إلى ملك المجر لإقناعه بنقض عهده مع المسلمين بدعوى أنهم كفار لا يجوز التعاهد معهم، وكان (سيزاريتي) عظيم النشاط دائم الحركة لا يكل عن العمل يجد ويسعى قدر جهده لنقض العهود والتأليب على المسلمين، وحمل إليهم رسالة مفادها (أنه باسم الباب يبرى ذمتهم من نكثها ويبارك جنودهم وأسلحتهم وعليهم أن يتبعوا طريقه فإن طريق المجد والخلاص، ومن نازعه ضميره بعد ذلك وخشي الإثم فإنه يحمل عنه وزره وإثمه).
نقض (لاديسلاس) عهد وأعد الجيوش المتحدة، وأتاه الصليبيون من كل حدب وصوب من بولندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا والصرب ورأى (لاديسلاس) أن الفرصة مواتية للهجوم ذلك لأن السلطان مراد الثاني قد اعتزل الملك ومحمد ولده ما زال صغيرًا، وقاموا بالهجوم على مدينة (فارنا) البلغارية الواقعة على ساحل البحر المتوسط.
أرسل رجال الدولة إلى السلطان مراد الثاني في معتكفه يطلبون منه الخروج من عزلته لقيادة الجيوش فخرج الأسد من خلوته ليقود الجيوش واستطاع أن يتفق مع الأسطول الجنوبي لينقل أربعين ألفًا من الجيش العثماني من آسيا إلى أوربا تحت سمع وبصر الأسطول الصليبي وذلك مقابل دينار لكل جندي، واختصر بذلك المسافة ووصل إلى مدينة (فارنا) في نفس اليوم الذي وصل فيه الصليبيون.
وفي يوم 28 من رجب سنة 852 هـ دارت رحى حرب طاحنة عنيفة حامية وقد وضع السلطان مراد المعاهدة التي نقضها الصليبيون على رأس رمح طولي ليشهدهم على غورهم وليزيد جنوده حمية وحماسة، وقد استقتل الصليبيون في القتال حتى جاء هذا المشهد الذي قلما يحدث مثله، ولم يحدث مثله منذ أيام الصحابة أمثال خالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح، حيث برز السلطان مراد الثاني بنفسه واقتتل مع ملك المجر (لاديسلاس) واستطاع أن يطعنه برمحه طعنة قوية ألقته من على جواده مجروحًا فأسرع أحد أبطال المسلمين واحتز رأس الخائن (لاديسلاس) وألقى الرأس على جيش الصليبيين قائلاً: (أيها الكفار، هذا رأس ملككم). فانهزم الصليبيون عندها، وفروا مدبرين، وكان نصرًا عظيمًا للمسلمين على هذا التحالف الصليبي، وقتل الكلب (سيزاريني) مؤلب الفتنة ومثيرها .

محمود شاكر: التاريخ الإسلامي 8/80 بتصرف.




لا عجب أن يأتي وفد من النصارى يطلبون من السلطان مراد الثاني أن يتولى هو حكمهم بدلاً من حاكمهم الذي على ملتهم، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على عدل السلطان مراد الثاني وإنسانيته؛ ففي كتاب (روائع التاريخ العثماني) يقول المؤلف: لما فتح السلطان العثماني مراد الثاني مدينة سلانيك عام 1431م وهزم البندقيين شر هزيمة ودخل المدينة منتصرًا- أعلم الحاجب السلطان أن وفدًا من مدينة (يانيا) قد حضر، وهم يرجون المثول بين يديه لأمر مهم.. تعجب السلطان من هذا الخبر، إذ لم تكن له أي علاقة بهذه المدينة التي كانت آنذاك تحت حكم إيطاليا.
كانت مدينة (يانيا) تحت حكم عائلة (توكو) الإيطالية، وعندما مات (كارلو توكو الأول) عام 1430م، ولي الحكم بعده ابن أخيه (كارلو توكو الثاني) ولكن أبناء (توكو الأول) غير الشرعيين ثاروا وطالبوا بالحكم، فبدأ عهد من الاضطراب والفوضى والقتال عانى منه الشعب الأمرين، وعندما سمعوا بأن السلطان (مراد الثاني) بالقرب منهم في مدينة (سلانيك)، قرروا إرسال وفد عنهم.
أمر السلطان مراد رئيس حجابه بالسماح للوفد بالدخول عليه، ثم قال لرئيس الوفد بواسطة الترجمان:
أهلاً بكم، ماذا أتى بكم إلى هنا؟ وماذا تبغون؟
قال رئيس الوفد: أيها السلطان العظيم، جئنا نلتمس منكم العون، فلا تخيب رجاءنا.
- وكيف أستطيع معاونتكم؟
- يا مولاي، إن أمراءنا يظلموننا، ويستخدموننا كالعبيد، ويغتصبون أموالنا ثم يسوقوننا للحرب.
- وماذا أستطيع أن أفعل لكم؟ إن هذه مشكلة بينكم وبين أمرائكم.
- نحن أيها السلطان لسنا بمسلمين، بل نحن نصارى، ولكننا سمعنا كثيرًا عن عدالة المسلمين، وأنهم لا يظلمون الرعية، ولا يكرهون أحدًا على اعتناق دينهم، وإن لكل ذي حق حقه لديهم.. لقد سمعنا هذا من السياح، ومن التجار الذين زاروا مملكتكم، لذا فإننا نرجو أن تشملنا برعايتكم وبعطفكم، وأن تحكموا بلدنا لتخلصونا من حكامنا الظالمين.
ثم قدموا له مفتاح المدينة الذهبي.. واستجاب السلطان لرجاء أهل مدينة (يانيا)، وأرسل أحد قواده على رأس جيش إلى هذه المدينة، وتم فتحها فعلاً في السنة نفسها، أي في سنة 1431م.
هذه ليست قصة خيالية.. ومع أنها قصة غريبة، إلا أنها حقيقة وتاريخية. لقد كان المسلمون رمزًا للعدل والإنصاف .

أورخان محمد علي: روائع من التاريخ العثماني، ص32.




عمل السلطان مراد الثاني على فتح القسطنطينية حتى يفوز ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم، غير أن المنية عاجلته فارتقى إلى العلا في الخامس من محرم عام 855هـ، ليتسلم ابنه محمد الراية ليلقب بالفاتح بعد تحقيق حُلم أجداده بفتح القسطنطينية، وتطوى صفحة السلطان مراد الثاني بعد حياة حافلة بالجهاد في سبيل الله، نسأل الله أن يتقبله في الصالحين.




قال عنه صاحب النجوم الزاهرة: "اقتدى بسنة أبيه في الجهاد والغزو، ونكاية العدو، وأخذ البلاد والقلاع من يد الفرنج. ومات السلطان مراد بك وهو في أوائل الكهولية، وكان خير ملوك زمانه شرقًا وغربًا، مما اشتمل عليه من العقل والحزم والعزم والكرم والشجاعة والسؤدد. وأفنى عمره في الجهاد في سبيل الله تعالى، وغزا عدة غزوات، وفتح عدة فتوحات، وملك الحصون المنيعة، والقلاع والمدن من العدو المخذول. على أنه كان منهمكًا في اللذات التي تهواها النفوس، ولعل حاله كقول بعض الأخيار، وقد سئل عن دينه فقال: أمزقه بالمعاصي، وأرقعه بالاستغفار. فهو أحق بعفو الله وكرمه، فإن له المواقف المشهورة، وله اليد البيضاء في الإسلام ونكاية العدو، حتى قيل عنه: إنه كان سياجًا للإسلام والمسلمين. عفا الله عنه، وعوض شبابه الجنة، فلقد كان بوجوده غاية التجمل في جنس بني آدم - رحمه الله تعالى" .

ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 4/352.
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى