تزخر الصحف العربية والعالمية بتقارير وتحليلات في إتجاهين، الإتجاه الأول يتحدث عن حرب سورية – إسرائيلية مرتقبة في الصيف أو الخريف أو في أقصى حد، الربيع القادم، أما الإتجاه الثاني فيتحدث عن حرب إيرانية – أمريكية مرتقبة، أيضاً في بداية الربيع القادم كحد أقصى.
لا نعرف ما سرّ هاجس الفصول الذي سيطر على عقول المحللين والمراقبين المختصين بالشرق الأوسط، لكن ما نعرفه أن الجميع يتحدث عن فصل ساخن، ستشهده المنطقة في حدود عام من الآن كحد أقصى.
حديث الحرب الزاخر له مبرراته والمعطيات التي تدعمه، لكن معظم المراقبين القائلين به يتجاهلون عنصراً معيناً له دور كبير في تحديد طبيعة الحرب المرتقبة والأطراف المشاركة فيها، من الذي سيوجه الضربة الأولى فيها؟
البعض يتحدث عن أن سوريا قد تكون الطرف المبادر، فهي باتت واثقة بنفسها بعد أن تغيّرت العديد من المعادلات الحاكمة لموازين القوى بينها وبين تل أبيب منذ صيف العام الماضي.
آخرون يتحدثون عن نيّة إسرائيلية عدوانية تجاه سوريا، بغية إسترداد الهيبة وإحياء عامل الردع الإسرائيلي تجاه العرب، بعد أن تهشّم في صيف العام الماضي.
فريق ثالث يتوقع أن يقرر بوش لعب "البوكر" مع إيران ويشن حرباً كبرى ضدها على مبدأ "يا قاتل يا مقتول" رغم علمه بكل التداعيات الكارثية المرتقبة لحرب من هذا النوع.
لكن لا أحد يتوقع مبادرة إيرانية بحرب ضد أمريكا.
إذاً لدينا ثلاث بدايات مرتقبة للحرب، تتعلّق بمن سيوجّه الضربة الأولى؟
سوريا أم إسرائيل أم أمريكا، ومن هي الأطراف التي ستشارك في الحرب؟
هل تكون حرباً سورية – إسرائيلية خالصة، أم إيرانية – أمريكية خالصة، أم حرب شاملة يدخل فيها المحور السوري – الإيراني بكل عناصر قوته ضد المحور الإسرائيلي – الأمريكي، وربما بمشاركة أطراف أوروبية أيضاً.
ثلاث مشاهد مرتقبة للحرب، وثلاث أطراف مرتقبة للمبادرة.
لكن ما هو العنصر المفقود في تحليلات معظم المراقبين القائلين بحتمية الحرب؟
العنصر المفقود هو: عنصر "توازن الرعب".
يعدّ عنصر "توازن الرعب" أحد أكثر العناصر فاعلية في منع وقوع الحروب عادةً.
هناك نوعان من توازن الرعب، توازن الرعب النووي، وتوازن الرعب التقليدي، أما الأخير فهو النوع المقصود في حالتنا، ففي المشاهد الثلاثة المقترحة للحرب يتواجد عنصر توازن الرعب بفعالية.
لكن على أي أساس جزمنا بوجود عنصر توازن الرعب؟
لنبدأ بالمشهد الأول المقترح للحرب، حرب سورية – إسرائيلية خالصة، ألا يوجد توازن للرعب بين دمشق وتل أبيب؟
لنبدأ من الجانب الإسرائيلي، منذ العام 1975 وسوريا تعدّ الطرف الأكثر إضراراً بإسرائيل، ورغم أن سوريا لم تملك منذ عقود القدرة على التهديد المباشر لأمن إسرائيل، بسبب التفوق النوعي للسلاح الإسرائيلي الذي يحظى برعاية أمريكية، مقابل ذبول الدعم السوفيتي لسوريا بصورة تدريجية إنتهت مع إنهيار الإتحاد السوفيتي عام 1991، إلا أن دمشق، رغم التفوق النوعي الإسرائيلي، إستطاعت بفعالية أن تضرّ بإسرائيل، ويكفي أن ندقق في المرحلة الممتدة من العام 1985 حتى اليوم، فسوريا قامت برعاية وتدعيم أكثر فصيلين أضرّا بإسرائيل، حزب الله وحماس، والسؤال هنا، لماذا لم تقرر إسرائيل طوال تلك الفترة الطويلة إستخدام تفوق سلاحها النوعي لتأديب دمشق وإجبارها على وقف دعمها لحزب الله وحماس؟
كي نستوعب ضخامة الضرر الذي تسببت به دمشق لإسرائيل لأكثر من عقدين من الزمن، يكفينا أن نراجع حجم الأضرار المعنوية والمادية التي تلقتها إسرائيل من فصيلي المقاومة، حزب الله وحماس، منذ العام 1985، وحتى اليوم.
إذاً، لماذا لم تقرر إسرائيل ضرب دمشق، حتى لو كانت ضربة تأديبية تجبر بها العاصمة السورية على إنهاء دعمها لفصائل المقاومة المضرّة بتل أبيب؟
إن حاولنا البحث عن إجابة مقنعة للتساؤل الأخير لن نجد إلا عنصر "توازن الرعب" التقليدي الموجود دون شك بين العاصمتين السورية والإسرائيلية.
إسرائيل التي عانت الأمرين منذ أكثر من عقدين من حزب الله، ومنذ العام 1987 من حماس، لم تجرؤ على ضرب دمشق عسكرياً رغم أنها متفوقة عليها نوعياً، ولم تتعدى أعلى درجات التصعيد بينهما، بضع عمليات إخترقت فيها الطائرات الإسرائيلية الأجواء السورية لغايات إستفزازية، وعمليتين ضربت فيهما إسرائيل مواقع سورية في لبنان بصورة محدودة، لكن الطرفين لم يسمحا لتلك العمليات المحدودة أن تتجاوز ذلك، فلماذا؟، لماذا لم ترفع إسرائيل من درجات تصعيدها ضد دمشق لتشن ضدها حرباً شاملة، أو على الأقل سلسلة ضربات جوية تدمّر بها تل أبيب عناصر القدرة العسكرية السورية الرئيسية، بما يضعف موقف دمشق السياسي، وقد يجبرها على طرد قادة حماس من دمشق، وقطع إمدادات الدعم العسكري عن حزب الله؟
ما هو السرّ وراء صمت إسرائيل المرير على ضربات دمشق الغير مباشرة التي كانت تتم بأيدي مقاتلي حزب الله واستشهادي حماس؟
السرّ في توازن الرعب التقليدي بين العاصمتين، وتحديداً في القدرة الصاروخية السورية التي تشير المصادر المختصة إلى أن برامج إحيائها وتطويرها بدأت منذ العام 1988، وربما في فترات أبكر من ذلك، هذه الصواريخ الباليستية السورية هي مكمن الرعب لدى الإسرائيليين منذ أمد، فهي سلاح دفاعي فعّال في الإيلام وكسر العظم.
دون شك أن توازن الرعب هذا كان متبادلاً، فسوريا بقيت صابرة لعقود على الإحتلال الإسرائيلي للجولان، باحثة عن إستراتيجيات غير تقليدية في الضغط على إسرائيل لإرجاع الهضبة المحتلة، وهو ما تمثّل في الدعم السوري لقوى المقاومة ضد إسرائيل، دون أن تتجرأ دمشق على شن حرب مباشرة ضد إسرائيل بنفسها، لأنها تعلم بحقيقة التفوق النوعي الإسرائيلي عليها، وهي تخشى أن تكرر تجربة العام 1967، فسلاحها الصاروخي الباليستي أداة دفاعية فاعلة، لكنها لن تكون أداة هجومية فاعلة إن لم يرافقها سلاح جوي وبري فاعل، وهو ما كانت دمشق تفتقده منذ إنهيار الإتحاد السوفيتي، وإغلاق أبواب السلاح الروسي في وجهها طوال حقبة بوريس يلتسن، بضغط أمريكي.
إذاً، فأي من الطرفان لم يجرؤ على التصعيد بإتجاه مواجهة مباشرة بينهما، وهذا ما يجعلنا نستنتج أن توازن الرعب بين سوريا وإسرائيل قديم العهد، وليس حديثاً، لكن ما استجد هو أن هذا التوازن تعزّز من الجانب السوري تحديداً.
عند هذه النقطة تماماً، يجب أن ندقّق في التطورات النوعية التي طرأت على توازنات القوى في الشرق الأوسط في العامين الأخيرين:
* التطور الأول: إنفتاح بوابة السلاح الروسي مجدداً، وتجاوز سوريا لعقبتين أساسيتين في هذا المجال، الضغط الأمريكي الذي كان معيقاً لأي صفقات سلاح سورية – روسية، والدَين الروسي الكبير على سوريا والذي سويّ مطلع العام 2005، إلى جانب الدعم المالي الإيراني الذي تتحدث عنه بعض المصادر الإعلامية، الأمر الذي ينبئ بأن العقبة المالية التي كانت تعيق مسعى سوريا لإعادة تحديث جيشها قد زالت نسبياً.
* التطور الثاني: هو حقيقة أن الإنتصار النوعي الذي حققه حزب الله على إسرائيل في العام الماضي، لم يكن إنتصاراً لحزب الله وحده ضد إسرائيل، ولم يكن إنتصاراً للمحور السوري – الإيراني ضد المحور الإسرائيلي – الأمريكي فقط، بل كان إنتصاراً للمحور الروسي – الصيني ضد المحور الأمريكي – الأوروبي أيضاً، لأن إنتصار حزب الله على إسرائيل لا يرجع إلى بسالة مقاتلي الحزب وحدها، على أهميتها، بل يرجع أيضاً إلى نوع السلاح المستخدم من حزب الله والذي هو، حسب التقارير، سلاح روسي – صيني، وقد إنتصر هذا السلاح على أكثر الأسلحة الأمريكية تقدماً، التي زودت بها الولايات المتحدة إسرائيل قبل وأثناء الحرب.
إذاً، فإنتصار حزب الله يحمل مؤشراً قلما انتبه إليه أحد، أن السلاح الروسي – الصيني أكثر فاعلية في الحروب التقليدية من السلاح الأمريكي، وأكبر شاهد على ذلك، هو تدمير الصواريخ المضادة للدروع، الروسية الصنع، التي إستخدمها حزب الله، لأسطورة دبابة الميركافا الإسرائيلية المدموغة أمريكياً.
* التطور الثالث: هو أن إنتصار حزب الله على إسرائيل عبر نموذج حرب الخنادق والعصابات دمّر العنصر الأكثر فاعلية في التفوق النوعي الإسرائيلي، سلاح الطيران، الذي لم يستطع حسم المعركة، بعد أن بقي الحصان الرابح إسرائيلياً في جميع الحروب السابقة.
بعد أن ندقق في التطورات الثلاث المذكورة، وبعد أن نسترجع التقارير العديدة والكثيفة التي أوردتها وسائل الإعلام المختلفة، والتي لم تنكر سوريا أو روسيا معظمها، والتي تتحدث عن مضادات للدروع ومضادات للطيران متطورة للغاية وصلت من روسيا لأيدي السوريين، وإن دققنا في طبيعة الصراع في المنطقة، ولمحنا البعد الدولي فيه، وموقع روسيا والصين وأوروبا وأمريكا منه، أدركنا أن من مصلحة الروس تعزيز قوة سوريا وإيران العسكرية، لأن هاتين الدولتين هما الطرفان القادران على إثبات فاعلية السلاح الروسي – الصيني في مواجهة السلاح الأمريكي، وإن عرفنا أن تفوق سلاح دول عظمى على سلاح دول عظمى أخرى في حرب ما، يمثّل مؤشراً على تراجع الدولة الثانية وترديها، فإن ذلك يعني أن حرباً أخرى في المنطقة، تكون أشمل وأكثر شراسة، يتفوق فيها السلاح الروسي – الصيني على نظيره الأمريكي، سيكون مؤشراً على تردي قوة الولايات المتحدة الأمريكية من الناحية العسكرية.
أمام كل ما سبق، يجب أن ندرك أن توازن الرعب التقليدي بين سوريا وإسرائيل قد تعزّز من الجانب السوري، فإسرائيل يجب أن تكون اليوم، حسب المعايير الإستراتيجية، أكثر خشية من أي وقت سبق، من نتائج مواجهة سورية – إسرائيلية مباشرة.
لكن ماذا عن دمشق؟، هل يمكن أن تشن الأخيرة حرباً مفاجئة ضد إسرائيل، أو أن تجرّها إلى مواجهة شاملة عبر سلسلة تفجير للأوضاع في الجولان، كما يروّج له البعض في وسائل الإعلام المختلفة؟
إن دققنا جيداً في طبيعة قدرات سوريا العسكرية، سندرك أن الإعتداء عليها من جانب تل أبيب، حماقة حقيقية، لكن في المقابل، فإن قرار سوريا بشن حرب ضد تل أبيب يحتاج أيضاً إلى التدقيق، فكل الأسلحة التي تحدثت عنها مختلف وسائل الإعلام على إختلاف إنتماءاتها، هي أسلحة ذات طبيعة دفاعية، كما أن طبيعة العلاقات الروسية الإسرائيلية الممتازة منذ أمد، لن تسمح لروسيا أن تقدم للسوريين أسلحة تجعلهم متفوقين على تل أبيب، فمضادات الدروع، ومضادات الطائرات، والصواريخ البالسيتية، كلها أسلحة فاعلة دفاعياً، لا يمكن أن تكون فاعلة هجومياً إن لم تعزّز بسلاح طيران متطور ومتفوق على الطيران الإسرائيلي النوعي، وسلاح مدرعات ومشاة متفوق على نظيره الإسرائيلي، وهو ما لم تذكر أية وسيلة إعلامية توفرها للسوريين، الأمر الذي يعني أن سوريا لن تكون مستعدة في الوقت الراهن لقيادة الهجوم ضد تل أبيب، وأن كل إمكانياتها العسكرية هي إمكانيات دفاعية لا هجومية، وأنها إن بادرت بالمواجهة ستتمكن من إيلام إسرائيل، لكن يستبعد أن تحقق نصراً ميدانياً فعلياً عليها، كما أنها ستتألم بدورها من رد الفعل الإسرائيلي.
الأمر الذي يدفعنا إلى التأكيد بأن توازن الرعب التقليدي بين سوريا وإسرائيل ما يزال قائماً كما كان، بل وتعزّز أكثر، مما يجعل سيناريو الحرب السورية – الإسرائيلية الخالصة مستبعداً.
والآن إن أسقطنا كل ما سبق ذكره على المشهدين الآخرين المقترحين للحرب سنجد أنهما أيضاً مستبعدين.
إن استرجعنا بعض النقاط التي خلصنا إليها في المقال:
* إستبعاد مبادرة إيران بشن حرب على أمريكا، وهو إستبعاد يجمع عليه جميع المراقبين على إختلاف سيناريوهاتهم.
* إدراك أن توازن الرعب التقليدي كامن في المشاهد الثنائية المقترحة للحرب: حرب سورية – إسرائيلية، حرب إيرانية – أمريكية، حرب شاملة بين المحورين.
نستنتج مما سبق أن تعديلاً بسيطاً للمشاهد المقترحة للحرب سيضعف توازن الرعب التقليدي تماماً، كأن تشن أمريكا ضربات عسكرية ضد سوريا، مع بقاء إسرائيل على الحياد، سوريا حينها سترد على إسرائيل، لأن إمكاناتها العسكرية لا تؤهلها ضرب مواقع التمركز العسكري الأمريكي، خاصة في الخليج، وفي هذه الحالة، ستنشأ حرب أمريكية – إسرائيلية مشتركة ضد سوريا، وستكون المراهنة الأساسية على خشية إيران من الولوج في خضم هذه الحرب.
إن شن أمريكا لحرب ضد سوريا، وإشتراك إسرائيل فيها رداً على رد الفعل السوري المرتقب تجاهها، سيكون مشهداً للحرب تخلو منه عناصر توازن الرعب التقليدي، وإن كانت إسرائيل ستتلقى معظم الضربات السورية، إلا أن سوريا ستتحمل عبئاً مضاعفاً فيما لو كانت تحارب إسرائيل وحدها، فهي تحارب أمريكا التي لا تستطيع أن تطال قواعدها في الخليج، وفي هذه الحالة يغلب أن تترنح سوريا عسكرياً، إن لم تتدخل إيران في الوقت المناسب، فهل تتدخل إيران حينها؟، هذا سؤال يتعلّق بتركيبة صناع القرار الإيرانيين، ذلك أنه من ناحية التحليل الإستراتيجي الواقعي يستبعد أن تتدخل إيران، لأن تدخلها يعني أنها ستتلقى رد فعل أمريكي عنيف للغاية، سيجعلها تخسر أضعاف ما ستكسبه من هزيمة القوات الأمريكية إستراتيجياً في المنطقة، وهنا سيكون صناع القرار الإيراني أمام خيار مصيري قد يؤدي بهم إلى تدمير معظم بناهم التحتية العسكرية والمدنية، حتى لو كانت نتيجة ذلك توجيه ضربة نوعية للقوة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.
يضاف إلى المشهد السابق أن الأمريكيين سيحاولون إعتماد سيناريو سبق أن طرح في خريف عام 2005، حينما تحدثت بعض وسائل الإعلام الأمريكية عن نقاش يدور في كواليس صنع القرار الأمريكي حول ضرب سوريا عسكرياً، حينها تحدثت التقارير الإعلامية عن سيناريو يستهدف ضرب الأدوات العسكرية والأمنية المسؤولة عن حماية النظام السوري، بغية خلخلة قوة النظام تجاه الداخل على أمل أن يتيح ذلك الفرصة لحدوث تغيير من الداخل السوري.
هذا السيناريو قد ينجح وقد لا ينجح، لكن الأمريكيين يتوقعون كسر سوريا عسكرياً بصورة أكثر شراسة مما لو قامت إسرائيل وحدها بضربها، مع تقليل إمكانات سوريا على الإضرار بتل أبيب.
قد يشارك حزب الله في هذه الحرب دعماً لسوريا، لكن أحداً لا يتوقع أن تكون مشاركة الحزب فعّالة في تغيير النتائج المتوقعة للحرب، خاصة أن الحزب لن يتمكن من إستهداف إلا إسرائيل، وهو ما تستطيع سوريا إستهدافه، أو أكثر، في حين ستأتي الضربات الأكثر إيلاماً من جانب الأمريكيين، إلى جانب أن تل أبيب قد تلجأ لسيناريو سبق أن طرح حيال حزب الله، سيناريو الأرض المحروقة، والعمل على تهجير سكان الجنوب اللبناني بصورة أكثر شراسة مما حدث في صيف العام الماضي.
المشهد السابق قد يكون متشائماً للغاية، لكن انكسار سوريا المأمول أمريكياً قد يوفر لواشنطن فرصة تغيير موازين القوى الإقليمية تماماً، وقد يتيح هذا الإنكسار فرصة لعقد تسوية مع سوريا تنقل دمشق إلى المحور الأمريكي، أي مراضاتها بعد كسر قوتها، وهنا نقول أن نقل سوريا إلى المحور الأمريكي سيضعف الكثير من عوامل القوة الإيرانية في المنطقة، وهنا نحيل القارئ إلى معادلة إستخباراتية كانت المخابرات المركزية الأمريكية تعتمدها في خمسينات القرن الماضي، وذلك وفقاً للصحفي المصري الشهير، محمد حسنين هيكل، المعادلة مفادها: من يحكم سفح جبل قاسيون يحكم المنطقة من بغداد إلى المتوسط، أبعاد هذه القاعدة كافية لتصور ما يعنيه أن تنتقل سوريا إلى المحور الأمريكي، وهو ما لن يتم، إن لم يتم كسر قوة سوريا.
يبقى أن نقول أن العنصر الذي قد يدمّر مخططاً أمريكياً – إسرائيلياً، كهذا المذكور، هو قرار إيران بدخول الحرب إلى جانب دمشق، فهل تدخل إيران الحرب إن وقعت؟، هذا ما لا يستطيع الكثيرون الجزم به.
لا نعرف ما سرّ هاجس الفصول الذي سيطر على عقول المحللين والمراقبين المختصين بالشرق الأوسط، لكن ما نعرفه أن الجميع يتحدث عن فصل ساخن، ستشهده المنطقة في حدود عام من الآن كحد أقصى.
حديث الحرب الزاخر له مبرراته والمعطيات التي تدعمه، لكن معظم المراقبين القائلين به يتجاهلون عنصراً معيناً له دور كبير في تحديد طبيعة الحرب المرتقبة والأطراف المشاركة فيها، من الذي سيوجه الضربة الأولى فيها؟
البعض يتحدث عن أن سوريا قد تكون الطرف المبادر، فهي باتت واثقة بنفسها بعد أن تغيّرت العديد من المعادلات الحاكمة لموازين القوى بينها وبين تل أبيب منذ صيف العام الماضي.
آخرون يتحدثون عن نيّة إسرائيلية عدوانية تجاه سوريا، بغية إسترداد الهيبة وإحياء عامل الردع الإسرائيلي تجاه العرب، بعد أن تهشّم في صيف العام الماضي.
فريق ثالث يتوقع أن يقرر بوش لعب "البوكر" مع إيران ويشن حرباً كبرى ضدها على مبدأ "يا قاتل يا مقتول" رغم علمه بكل التداعيات الكارثية المرتقبة لحرب من هذا النوع.
لكن لا أحد يتوقع مبادرة إيرانية بحرب ضد أمريكا.
إذاً لدينا ثلاث بدايات مرتقبة للحرب، تتعلّق بمن سيوجّه الضربة الأولى؟
سوريا أم إسرائيل أم أمريكا، ومن هي الأطراف التي ستشارك في الحرب؟
هل تكون حرباً سورية – إسرائيلية خالصة، أم إيرانية – أمريكية خالصة، أم حرب شاملة يدخل فيها المحور السوري – الإيراني بكل عناصر قوته ضد المحور الإسرائيلي – الأمريكي، وربما بمشاركة أطراف أوروبية أيضاً.
ثلاث مشاهد مرتقبة للحرب، وثلاث أطراف مرتقبة للمبادرة.
لكن ما هو العنصر المفقود في تحليلات معظم المراقبين القائلين بحتمية الحرب؟
العنصر المفقود هو: عنصر "توازن الرعب".
يعدّ عنصر "توازن الرعب" أحد أكثر العناصر فاعلية في منع وقوع الحروب عادةً.
هناك نوعان من توازن الرعب، توازن الرعب النووي، وتوازن الرعب التقليدي، أما الأخير فهو النوع المقصود في حالتنا، ففي المشاهد الثلاثة المقترحة للحرب يتواجد عنصر توازن الرعب بفعالية.
لكن على أي أساس جزمنا بوجود عنصر توازن الرعب؟
لنبدأ بالمشهد الأول المقترح للحرب، حرب سورية – إسرائيلية خالصة، ألا يوجد توازن للرعب بين دمشق وتل أبيب؟
لنبدأ من الجانب الإسرائيلي، منذ العام 1975 وسوريا تعدّ الطرف الأكثر إضراراً بإسرائيل، ورغم أن سوريا لم تملك منذ عقود القدرة على التهديد المباشر لأمن إسرائيل، بسبب التفوق النوعي للسلاح الإسرائيلي الذي يحظى برعاية أمريكية، مقابل ذبول الدعم السوفيتي لسوريا بصورة تدريجية إنتهت مع إنهيار الإتحاد السوفيتي عام 1991، إلا أن دمشق، رغم التفوق النوعي الإسرائيلي، إستطاعت بفعالية أن تضرّ بإسرائيل، ويكفي أن ندقق في المرحلة الممتدة من العام 1985 حتى اليوم، فسوريا قامت برعاية وتدعيم أكثر فصيلين أضرّا بإسرائيل، حزب الله وحماس، والسؤال هنا، لماذا لم تقرر إسرائيل طوال تلك الفترة الطويلة إستخدام تفوق سلاحها النوعي لتأديب دمشق وإجبارها على وقف دعمها لحزب الله وحماس؟
كي نستوعب ضخامة الضرر الذي تسببت به دمشق لإسرائيل لأكثر من عقدين من الزمن، يكفينا أن نراجع حجم الأضرار المعنوية والمادية التي تلقتها إسرائيل من فصيلي المقاومة، حزب الله وحماس، منذ العام 1985، وحتى اليوم.
إذاً، لماذا لم تقرر إسرائيل ضرب دمشق، حتى لو كانت ضربة تأديبية تجبر بها العاصمة السورية على إنهاء دعمها لفصائل المقاومة المضرّة بتل أبيب؟
إن حاولنا البحث عن إجابة مقنعة للتساؤل الأخير لن نجد إلا عنصر "توازن الرعب" التقليدي الموجود دون شك بين العاصمتين السورية والإسرائيلية.
إسرائيل التي عانت الأمرين منذ أكثر من عقدين من حزب الله، ومنذ العام 1987 من حماس، لم تجرؤ على ضرب دمشق عسكرياً رغم أنها متفوقة عليها نوعياً، ولم تتعدى أعلى درجات التصعيد بينهما، بضع عمليات إخترقت فيها الطائرات الإسرائيلية الأجواء السورية لغايات إستفزازية، وعمليتين ضربت فيهما إسرائيل مواقع سورية في لبنان بصورة محدودة، لكن الطرفين لم يسمحا لتلك العمليات المحدودة أن تتجاوز ذلك، فلماذا؟، لماذا لم ترفع إسرائيل من درجات تصعيدها ضد دمشق لتشن ضدها حرباً شاملة، أو على الأقل سلسلة ضربات جوية تدمّر بها تل أبيب عناصر القدرة العسكرية السورية الرئيسية، بما يضعف موقف دمشق السياسي، وقد يجبرها على طرد قادة حماس من دمشق، وقطع إمدادات الدعم العسكري عن حزب الله؟
ما هو السرّ وراء صمت إسرائيل المرير على ضربات دمشق الغير مباشرة التي كانت تتم بأيدي مقاتلي حزب الله واستشهادي حماس؟
السرّ في توازن الرعب التقليدي بين العاصمتين، وتحديداً في القدرة الصاروخية السورية التي تشير المصادر المختصة إلى أن برامج إحيائها وتطويرها بدأت منذ العام 1988، وربما في فترات أبكر من ذلك، هذه الصواريخ الباليستية السورية هي مكمن الرعب لدى الإسرائيليين منذ أمد، فهي سلاح دفاعي فعّال في الإيلام وكسر العظم.
دون شك أن توازن الرعب هذا كان متبادلاً، فسوريا بقيت صابرة لعقود على الإحتلال الإسرائيلي للجولان، باحثة عن إستراتيجيات غير تقليدية في الضغط على إسرائيل لإرجاع الهضبة المحتلة، وهو ما تمثّل في الدعم السوري لقوى المقاومة ضد إسرائيل، دون أن تتجرأ دمشق على شن حرب مباشرة ضد إسرائيل بنفسها، لأنها تعلم بحقيقة التفوق النوعي الإسرائيلي عليها، وهي تخشى أن تكرر تجربة العام 1967، فسلاحها الصاروخي الباليستي أداة دفاعية فاعلة، لكنها لن تكون أداة هجومية فاعلة إن لم يرافقها سلاح جوي وبري فاعل، وهو ما كانت دمشق تفتقده منذ إنهيار الإتحاد السوفيتي، وإغلاق أبواب السلاح الروسي في وجهها طوال حقبة بوريس يلتسن، بضغط أمريكي.
إذاً، فأي من الطرفان لم يجرؤ على التصعيد بإتجاه مواجهة مباشرة بينهما، وهذا ما يجعلنا نستنتج أن توازن الرعب بين سوريا وإسرائيل قديم العهد، وليس حديثاً، لكن ما استجد هو أن هذا التوازن تعزّز من الجانب السوري تحديداً.
عند هذه النقطة تماماً، يجب أن ندقّق في التطورات النوعية التي طرأت على توازنات القوى في الشرق الأوسط في العامين الأخيرين:
* التطور الأول: إنفتاح بوابة السلاح الروسي مجدداً، وتجاوز سوريا لعقبتين أساسيتين في هذا المجال، الضغط الأمريكي الذي كان معيقاً لأي صفقات سلاح سورية – روسية، والدَين الروسي الكبير على سوريا والذي سويّ مطلع العام 2005، إلى جانب الدعم المالي الإيراني الذي تتحدث عنه بعض المصادر الإعلامية، الأمر الذي ينبئ بأن العقبة المالية التي كانت تعيق مسعى سوريا لإعادة تحديث جيشها قد زالت نسبياً.
* التطور الثاني: هو حقيقة أن الإنتصار النوعي الذي حققه حزب الله على إسرائيل في العام الماضي، لم يكن إنتصاراً لحزب الله وحده ضد إسرائيل، ولم يكن إنتصاراً للمحور السوري – الإيراني ضد المحور الإسرائيلي – الأمريكي فقط، بل كان إنتصاراً للمحور الروسي – الصيني ضد المحور الأمريكي – الأوروبي أيضاً، لأن إنتصار حزب الله على إسرائيل لا يرجع إلى بسالة مقاتلي الحزب وحدها، على أهميتها، بل يرجع أيضاً إلى نوع السلاح المستخدم من حزب الله والذي هو، حسب التقارير، سلاح روسي – صيني، وقد إنتصر هذا السلاح على أكثر الأسلحة الأمريكية تقدماً، التي زودت بها الولايات المتحدة إسرائيل قبل وأثناء الحرب.
إذاً، فإنتصار حزب الله يحمل مؤشراً قلما انتبه إليه أحد، أن السلاح الروسي – الصيني أكثر فاعلية في الحروب التقليدية من السلاح الأمريكي، وأكبر شاهد على ذلك، هو تدمير الصواريخ المضادة للدروع، الروسية الصنع، التي إستخدمها حزب الله، لأسطورة دبابة الميركافا الإسرائيلية المدموغة أمريكياً.
* التطور الثالث: هو أن إنتصار حزب الله على إسرائيل عبر نموذج حرب الخنادق والعصابات دمّر العنصر الأكثر فاعلية في التفوق النوعي الإسرائيلي، سلاح الطيران، الذي لم يستطع حسم المعركة، بعد أن بقي الحصان الرابح إسرائيلياً في جميع الحروب السابقة.
بعد أن ندقق في التطورات الثلاث المذكورة، وبعد أن نسترجع التقارير العديدة والكثيفة التي أوردتها وسائل الإعلام المختلفة، والتي لم تنكر سوريا أو روسيا معظمها، والتي تتحدث عن مضادات للدروع ومضادات للطيران متطورة للغاية وصلت من روسيا لأيدي السوريين، وإن دققنا في طبيعة الصراع في المنطقة، ولمحنا البعد الدولي فيه، وموقع روسيا والصين وأوروبا وأمريكا منه، أدركنا أن من مصلحة الروس تعزيز قوة سوريا وإيران العسكرية، لأن هاتين الدولتين هما الطرفان القادران على إثبات فاعلية السلاح الروسي – الصيني في مواجهة السلاح الأمريكي، وإن عرفنا أن تفوق سلاح دول عظمى على سلاح دول عظمى أخرى في حرب ما، يمثّل مؤشراً على تراجع الدولة الثانية وترديها، فإن ذلك يعني أن حرباً أخرى في المنطقة، تكون أشمل وأكثر شراسة، يتفوق فيها السلاح الروسي – الصيني على نظيره الأمريكي، سيكون مؤشراً على تردي قوة الولايات المتحدة الأمريكية من الناحية العسكرية.
أمام كل ما سبق، يجب أن ندرك أن توازن الرعب التقليدي بين سوريا وإسرائيل قد تعزّز من الجانب السوري، فإسرائيل يجب أن تكون اليوم، حسب المعايير الإستراتيجية، أكثر خشية من أي وقت سبق، من نتائج مواجهة سورية – إسرائيلية مباشرة.
لكن ماذا عن دمشق؟، هل يمكن أن تشن الأخيرة حرباً مفاجئة ضد إسرائيل، أو أن تجرّها إلى مواجهة شاملة عبر سلسلة تفجير للأوضاع في الجولان، كما يروّج له البعض في وسائل الإعلام المختلفة؟
إن دققنا جيداً في طبيعة قدرات سوريا العسكرية، سندرك أن الإعتداء عليها من جانب تل أبيب، حماقة حقيقية، لكن في المقابل، فإن قرار سوريا بشن حرب ضد تل أبيب يحتاج أيضاً إلى التدقيق، فكل الأسلحة التي تحدثت عنها مختلف وسائل الإعلام على إختلاف إنتماءاتها، هي أسلحة ذات طبيعة دفاعية، كما أن طبيعة العلاقات الروسية الإسرائيلية الممتازة منذ أمد، لن تسمح لروسيا أن تقدم للسوريين أسلحة تجعلهم متفوقين على تل أبيب، فمضادات الدروع، ومضادات الطائرات، والصواريخ البالسيتية، كلها أسلحة فاعلة دفاعياً، لا يمكن أن تكون فاعلة هجومياً إن لم تعزّز بسلاح طيران متطور ومتفوق على الطيران الإسرائيلي النوعي، وسلاح مدرعات ومشاة متفوق على نظيره الإسرائيلي، وهو ما لم تذكر أية وسيلة إعلامية توفرها للسوريين، الأمر الذي يعني أن سوريا لن تكون مستعدة في الوقت الراهن لقيادة الهجوم ضد تل أبيب، وأن كل إمكانياتها العسكرية هي إمكانيات دفاعية لا هجومية، وأنها إن بادرت بالمواجهة ستتمكن من إيلام إسرائيل، لكن يستبعد أن تحقق نصراً ميدانياً فعلياً عليها، كما أنها ستتألم بدورها من رد الفعل الإسرائيلي.
الأمر الذي يدفعنا إلى التأكيد بأن توازن الرعب التقليدي بين سوريا وإسرائيل ما يزال قائماً كما كان، بل وتعزّز أكثر، مما يجعل سيناريو الحرب السورية – الإسرائيلية الخالصة مستبعداً.
والآن إن أسقطنا كل ما سبق ذكره على المشهدين الآخرين المقترحين للحرب سنجد أنهما أيضاً مستبعدين.
إن استرجعنا بعض النقاط التي خلصنا إليها في المقال:
* إستبعاد مبادرة إيران بشن حرب على أمريكا، وهو إستبعاد يجمع عليه جميع المراقبين على إختلاف سيناريوهاتهم.
* إدراك أن توازن الرعب التقليدي كامن في المشاهد الثنائية المقترحة للحرب: حرب سورية – إسرائيلية، حرب إيرانية – أمريكية، حرب شاملة بين المحورين.
نستنتج مما سبق أن تعديلاً بسيطاً للمشاهد المقترحة للحرب سيضعف توازن الرعب التقليدي تماماً، كأن تشن أمريكا ضربات عسكرية ضد سوريا، مع بقاء إسرائيل على الحياد، سوريا حينها سترد على إسرائيل، لأن إمكاناتها العسكرية لا تؤهلها ضرب مواقع التمركز العسكري الأمريكي، خاصة في الخليج، وفي هذه الحالة، ستنشأ حرب أمريكية – إسرائيلية مشتركة ضد سوريا، وستكون المراهنة الأساسية على خشية إيران من الولوج في خضم هذه الحرب.
إن شن أمريكا لحرب ضد سوريا، وإشتراك إسرائيل فيها رداً على رد الفعل السوري المرتقب تجاهها، سيكون مشهداً للحرب تخلو منه عناصر توازن الرعب التقليدي، وإن كانت إسرائيل ستتلقى معظم الضربات السورية، إلا أن سوريا ستتحمل عبئاً مضاعفاً فيما لو كانت تحارب إسرائيل وحدها، فهي تحارب أمريكا التي لا تستطيع أن تطال قواعدها في الخليج، وفي هذه الحالة يغلب أن تترنح سوريا عسكرياً، إن لم تتدخل إيران في الوقت المناسب، فهل تتدخل إيران حينها؟، هذا سؤال يتعلّق بتركيبة صناع القرار الإيرانيين، ذلك أنه من ناحية التحليل الإستراتيجي الواقعي يستبعد أن تتدخل إيران، لأن تدخلها يعني أنها ستتلقى رد فعل أمريكي عنيف للغاية، سيجعلها تخسر أضعاف ما ستكسبه من هزيمة القوات الأمريكية إستراتيجياً في المنطقة، وهنا سيكون صناع القرار الإيراني أمام خيار مصيري قد يؤدي بهم إلى تدمير معظم بناهم التحتية العسكرية والمدنية، حتى لو كانت نتيجة ذلك توجيه ضربة نوعية للقوة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.
يضاف إلى المشهد السابق أن الأمريكيين سيحاولون إعتماد سيناريو سبق أن طرح في خريف عام 2005، حينما تحدثت بعض وسائل الإعلام الأمريكية عن نقاش يدور في كواليس صنع القرار الأمريكي حول ضرب سوريا عسكرياً، حينها تحدثت التقارير الإعلامية عن سيناريو يستهدف ضرب الأدوات العسكرية والأمنية المسؤولة عن حماية النظام السوري، بغية خلخلة قوة النظام تجاه الداخل على أمل أن يتيح ذلك الفرصة لحدوث تغيير من الداخل السوري.
هذا السيناريو قد ينجح وقد لا ينجح، لكن الأمريكيين يتوقعون كسر سوريا عسكرياً بصورة أكثر شراسة مما لو قامت إسرائيل وحدها بضربها، مع تقليل إمكانات سوريا على الإضرار بتل أبيب.
قد يشارك حزب الله في هذه الحرب دعماً لسوريا، لكن أحداً لا يتوقع أن تكون مشاركة الحزب فعّالة في تغيير النتائج المتوقعة للحرب، خاصة أن الحزب لن يتمكن من إستهداف إلا إسرائيل، وهو ما تستطيع سوريا إستهدافه، أو أكثر، في حين ستأتي الضربات الأكثر إيلاماً من جانب الأمريكيين، إلى جانب أن تل أبيب قد تلجأ لسيناريو سبق أن طرح حيال حزب الله، سيناريو الأرض المحروقة، والعمل على تهجير سكان الجنوب اللبناني بصورة أكثر شراسة مما حدث في صيف العام الماضي.
المشهد السابق قد يكون متشائماً للغاية، لكن انكسار سوريا المأمول أمريكياً قد يوفر لواشنطن فرصة تغيير موازين القوى الإقليمية تماماً، وقد يتيح هذا الإنكسار فرصة لعقد تسوية مع سوريا تنقل دمشق إلى المحور الأمريكي، أي مراضاتها بعد كسر قوتها، وهنا نقول أن نقل سوريا إلى المحور الأمريكي سيضعف الكثير من عوامل القوة الإيرانية في المنطقة، وهنا نحيل القارئ إلى معادلة إستخباراتية كانت المخابرات المركزية الأمريكية تعتمدها في خمسينات القرن الماضي، وذلك وفقاً للصحفي المصري الشهير، محمد حسنين هيكل، المعادلة مفادها: من يحكم سفح جبل قاسيون يحكم المنطقة من بغداد إلى المتوسط، أبعاد هذه القاعدة كافية لتصور ما يعنيه أن تنتقل سوريا إلى المحور الأمريكي، وهو ما لن يتم، إن لم يتم كسر قوة سوريا.
يبقى أن نقول أن العنصر الذي قد يدمّر مخططاً أمريكياً – إسرائيلياً، كهذا المذكور، هو قرار إيران بدخول الحرب إلى جانب دمشق، فهل تدخل إيران الحرب إن وقعت؟، هذا ما لا يستطيع الكثيرون الجزم به.