"فورين بوليسي": خيانة أوباما الكارثية لثوار سوريا
في فبراير الماضي، شن نظام بشار الأسد وحلفاؤه من الميلشيات الشيعية حملة واسعة النطاق في محاولة لمحاصرة حلب، المدينة المقسمة بين النظام والثوار منذ عام 2012، واستهدف الدكتاتور المناطق المحررة بالبراميل الحارقة.
وقد صدَ الثوار الإسلاميون وغير الإسلاميين الهجوم في ذلك الوقت، مفاجئين بهذا أولئك الذين سخروا من أدائهم. وأعقب ذلك سلسلة من التقدم الميداني للثوار في جميع أنحاء البلاد، وهو ما أضعف الأسد بكثير، ودفع لموسكو المباشر عسكريا في سبتمبر، بالتنسيق مع القوات الإيراني، لضمان بقائه، كما كتبت مجلة "فورين بوليسي".
وبعد بداية بطيئة -ورغم التقديرات الغربية بأن موسكو لن تقدر على عمل عسكري مؤثر خارج عمقها الجغرافي- حققت الحملة الروسية أخيرا تقدما ميدانيا مهما لنظام الأسد. فقد سمحت القوات الجوية الروسية، هذا الأسبوع، للأسد وحلفائه العسكريين بقطع "ممر اعزاز" الضيق الذي يسيطر عليه الثوار، والذي يربط الحدود التركية بمدينة حلب.)يربط ممر أعزاز الجزء الشرقي من حلب بتركيا. ويوفر الموقع الحدودي الشمالي "باب السلامة" المعونة الإنسانية والدعم اللوجستي للثوار(.
ويقول كاتب المقال إن تطويق كامل للمدينة هو الآن احتمال بارز، خصوصا مع انتقال قوات النظام والميلشيات الشيعة من الجنوب والغرب والشمال. وإذا ما سقطت الأجزاء التي يسيطر عليها الثوار، فسيكون هذا انتصارا مثيرا للأسد وأكبر انتكاسة للثورة منذ بدء الانتفاضة في عام 2011.
وفي موازاة ذلك، فرضت روسيا على جيران سورية قواعد جديدة للعبة، الأمر الذي أثار خوف الأردن، فخفض مستوى مساعدته للجبهة الجنوبية في سورية، وهو تحالف سوري غير إسلامي في جنوب البلاد، منع حتى الآن وجود أي متطرفين على حدود الأردن.
كما قامت روسيا بالانتقام من تركيا لإسقاطها مقاتلة روسية وقصفت أصدقاء تركيا من الثوار عبر محافظات إدلب وحلب، كما توددت موسكو لأكراد سورية، الذين وجدوا شريكاً جديداً للعب مع الولايات المتحدة في علاقاتهم المعقدة مع واشنطن، ووافقت روسيا على المصالح المؤقتة لإسرائيل في جنوب سوريا.
أما داخل سوريا، فإن الغالبية الساحقة من الغارات الروسية قد استهدفت المعارضة السورية وليس تنظيم "الدولة"، وفي الواقع، كما يرى كاتب المقال، سُرَت كل من موسكو وعصابة الأسد لرؤية الولايات المتحدة تتحمل العبء الأكبر ضد تنظيم الدولة في الشرق، ليركزا عملياتهم الحربية على محاصرة الثوار في غرب سوريا، وكان الهدف واضحا: إجبار العالم على الاختيار بين الأسد وتنظيم الدولة.
وتطويق حلب يفجر كارثة إنسانية ضخمة، قد تطغى على الحصار المروع على مضايا والمناطق المنكوبة الأخرى التي لم يلتفت إليها العالم إلا لفترة قصيرة، فعشرات الآلاف من سكان حلب يفرون بالفعل نحو كلس، المدينة التركية التي تقع مقابل أعزاز على الحدود.
وأزمة النزوح هذه أمر متعمد من النظام السوري وإستراتيجية روسية لتطهير مناطق مهمة من السكان، كما يشل بها حركة الثوار والبلدان المجاورة والدول الغربية والأمم المتحدة.
وكان الأسد يستخدم دائماً إستراتيجية التصعيد التدريجي ذاتها، وقد عملت هذه الخطة بشكل جيد، فالسوريون الآن يقارنون بسخرية الانتقادات الدولية وردود الفعل الضخمة التي لاقتها حصار مدينة عين العرب أو "كوباني "من قبل التنظيم وما بين إهمال العالم وعدم اهتمامه بأزمة السوريين التي امتدت لخمسة أعوام، وخصوصا الأزمة الحالية في حلب.
وما يعقد الوضع أكثر، أن تقدم النظام قد يعني السماح بالهيمنة الكردية، فقد تستولي القوات السورية الديمقراطية المدعومة من أمريكا على المنطقة التي يسيطر عليها حالياً الجيش السوري الحر وبعض الجماعات الإسلامية، بين الحدود التركية والخطوط الأمامية الجديدة شمال بلدتي "نبل والزهراء"، وهذا من شأنه تأليب وحدات الدفاع الكردية ضد تنظيم الدولة على جبهتين: من الغرب، حال تمكن أكراد عفرين من الاستيلاء على تل رفعت، عزاز والمناطق المحيطة بها، ومن الشرق، حيث تفكر وحدات حماية الشعب الكردية بعبور نهر الفرات، وهزيمة التنظيم هناك، الأمر الذي سيؤدي إلى إغلاق الحدود مع تركيا، ويلبي ذلك هدفاً مهماً للأمريكان.
واحتمال حدوث مزيد من التوسع الكردي قد أثار قلق تركيا بالفعل، ولذلك سعت أنقرة خلال الصيف الماضي لإقامة منطقة آمنة منعا لأي توسع، وقد أخرجت الثوار الإسلاميين من هذه المناطق تمهيدا لهذه الخطوة، ولكن إدارة أوباما المترددة قد تركت الاقتراح التركي معلقاً حتى أصبح تنفيذه أمرا صعبا بعد ذلك.
وتواجه تركيا حاليا معضلة كارثية: مشاهدة وعدم فعل شيء حيال العاصفة التي تحدث على حدودها، أو خيار التدخل المباشر في سورية، والذي من شأنه حتماً تأجيج المشكلة الكردية الخاصة بها وتهييج قوات تحالف الأسد، بما في ذلك روسيا، وكذا تنظيم الدولة ضدها.
ويبدو أن تركيا والسعودية، وهما من المؤيدين الرئيسيين للمعارضة السورية، مجرَدان الآن من أية خيارات. فليس من المرجح أن تغير أي كمية من الأسلحة موازين القوى على الأرض. كان إدخال صواريخ مضادة للطائرات ردا فعَالا ضد سلاح الجو التابع لنظام الأسد، ولكنَ أيا من الدولتين على استعداد للتصعيد ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من دون غطاء أمريكي.
ومن المفارقات أن هذا التحول في ساحة المعركة يتزامن مع محاولات دفع مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، مرة أخرى الصراع في سوريا إلى المسار الدبلوماسي في جنيف، ولكن التطورات على الأرض تهدد بإفشال مخطط السلام الدبلوماسي، بالإضافة إلى حقيقة أن الأمم المتحدة قد فقدت مصداقيتها، لارتباط ذراعها الإنساني في دمشق مع النظام السوري، كما لا يستطيع كيري ولا دي ميستورا الضغط جديا على روسيا والأسد خوفا من تعريض محادثات جنيف للفشل.
ويعتمد دي ميستورا في هذا الوقت -ولا يبدو أنه منزعج من هذا الجدل- على التقارب الواضح بين الولايات المتحدة وروسيا، وعلى أمل واشنطن الدائم بأن روسيا ستجبر الأسد أخيرا على التنحي، وقد يكون للرئيس الروسي بالتأكيد تحفظات على الأسد، ولكن إذا حكمنا من خلال سلوك قواته في الشيشان والآن في سوريا، ففي الوقت الحاضر، تدرك موسكو تدرك أنه من دون الأسد، لا يوجد نظام في دمشق يمكن أن يضفي الشرعية على تدخلها.
ومنذ عام 2011، فقد اختفت الولايات المتحدة وراء الأمل في التحول الروسي وأغلقت عينيها على أذى بوتين لتجنب الخيارات الصعبة في سوريا.
ومع ذلك، فإن روسيا لم تكن قادرة على زيادة وتيرة عملياتها العسكرية، وفقط، ولكنها بررت أيضا تكلفتها المتزايدة. وخلافا لبعض النقاد، الذين أشادوا بالتدخل الروسي باعتباره أفضل فرصة لمنع توسع "داعش"، فإن واشنطن تدرك جيدا أن نتيجة الحملة الروسية هي تعزيز المجموعات الجهادية وسط سوريا في المدى القصير. ويبدو أن واشنطن على استعداد لدفع هذا الثمن من أجل إنقاذ عملية جنيف.
ورأى الكاتب أن إفلاس سياسة الولايات المتحدة صار أعمق، وقد تخلت واشنطن فعليا عن نقاط رئيسة حول مستقبل الأسد، واستغلت روسيا والنظام السوري بسرعة هذه التنازلات، في حين لم يقدموا شيئا بالمقابل، وفي الفترة التي سبقت الأيام الأولى من محادثات جنيف، أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة تمارس الكثير من الضغط على المعارضة، الأمر الذي لم تفعله مع روسيا، ناهيك عن الأسد.
وكلما صعَدت روسيا سياسيا وعسكريا، قابلت إدارة أوباما هذا باستهانة وتبعها في هذا حلفاؤها بطلب منها، وهذا أضعف القوات الثورية التي تعتمد على شبكات الإمداد التي تشرف عليها الولايات المتحدة، وفي جنوب سورية طالبت الولايات المتحدة بتخفيض شحنات الأسلحة إلى الجبهة الجنوبية، بينما في الشمال، تقول التقارير إن غرفة العمليات ومقرها في تركيا آثرت النوم.
والنتيجة، كما يرى الكاتب، هو شعور واسع النطاق، وبشكل متزايد، بين الثوار والمعارضة السورية بخيانة أمريكا للقضية السورية، كما إن المسؤولين الأمريكيين الأصدقاء قد فقدوا ماء وجههم داخل دوائر المعارضة.
ومن المفهوم بالنسبة للولايات المتحدة دعمها لعملية سياسية وحثَها المعارضة على الانضمام للحوار، ولكن أن تقوم بذلك فيما تسمح بانقضاض الأسد وروسيا وإيران على الثوار في سورية ودون التخطيط والتحسب للطوارئ، فهذا فعل شائن، ويبدو أن واشنطن غافلة عن الحقيقة البسيطة أن الدبلوماسية لها تكلفة، كما فشلها، ربما لأن هذه التكلفة سوف يتحملها الثوار، التي تكنَ لهم واشنطن القليل من الاحترام أو الرعاية، وسوف يرث هذه التركة خليفة أوباما.
وقال الكاتب إن الظروف مهيأة لكارثة انهيار محادثات جنيف التي تأجلت إلى آخر الشهر، على الأقل حتى الآن، وستكون النتيجة أيضاً مؤلمة بعام دموي في سورية، وقد فهم جميع المؤثرين في الصراع أن أوباما الذي لم يشارك جديا في وقف انهيار البلد، لن يغير نهجه الآن. وكلهم يتصورون، ربما عن حق، أنه أكثر اهتماما بظهور عملية سلام زائفة في آخر حكمه، أكثر من إنفاق رأسماله السياسي على سورية.