الدور الإيراني المُبطّن والتواطؤ الاستخباراتي
تشير وثائق وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية المُرفوع عنها السرية إلى أن إيران لم تكن مجرد محطة عبور أولى للطائرة المخطوفة، بل كان لها دور أعمق من المُعلن رسمياً. فبينما أعلنت طهران رسمياً أنها لم تُشارك في التخطيط للعملية ولم تقدم دعماً مادياً مباشراً، إلا أن شهادات الركاب المُفرج عنهم تناقض ذلك بشدة. ذكر العديد من الرهائن أن الخاطفين تلقوا أسلحة ومتفجرات إضافية أثناء وجود الطائرة في مطار مشهد، مما يُشير إلى تواطؤ السلطات الإيرانية أو على الأقل تسهيلها لعملية تسليح الخاطفين.
علاوة على ذلك، كشفت تقارير استخباراتية أن جواسيس إيرانيين في الكويت كانوا يراقبون أنظمة حجوزات شركات الطيران بحثاً عن أسماء شخصيات مهمة على متن الرحلات، وهو ما يفسر معرفة الخاطفين المُسبقة بوجود ثلاثة أفراد من العائلة الحاكمة الكويتية على متن الرحلة 422. هذا التنسيق الاستخباراتي المُسبق يُثبت أن العملية لم تكن عفوية بل مُخطط لها بدقة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الإيرانية.
عماد مغنية: العقل المُدبّر الخفي
بينما لم يُعلن رسمياً في حينه، أكدت السلطات الكويتية لاحقاً أن عماد مغنية، القيادي البارز في حزب الله، كان العقل المُدبّر وراء الاختطاف. وأكد وزير الداخلية الكويتي الشيخ جابر الخالد الصباح في عام 2008 أن مغنية كان مسؤولاً عن الحادثة ومقتل الكويتيَين على أرض مطار لارنكا.
الأكثر إثارة أن طاقم الطائرة المصري تعرّف على مغنية شخصياً، حيث ذكر أحد مضيفي الطيران المصريين – الذي كان على متن الطائرة المخطوفة عام 1984 أيضاً – أنه شاهد مغنية وجهاً لوجه في عملية الاختطاف هذه، واصفاً إياه بأنه "عديم الرحمة وأقسى من الشيطان". هذه الشهادة تُؤكد أن مغنية لم يكن مُخططاً من الخلف فحسب، بل كان حاضراً شخصياً على متن الطائرة أو في مراحل معينة من العملية.
ما يزيد الأمر غموضاً أن مغنية خضع لعمليات تجميل متعددة في إيران لتغيير ملامح وجهه منذ عام 1990، واستخدم جوازات سفر دبلوماسية إيرانية مُزيّفة للتنقل بين طهران ودمشق وبيروت، مما سهّل تنفيذه لعمليات إرهابية دون أن يُكشف أمره لعقود.
الصفقة الجزائرية السرية: ممر آمن للخاطفين
أحد أكثر الجوانب غموضاً في الحادثة هو الطريقة التي انتهى بها الاختطاف في الجزائر. فبينما أُعلن رسمياً أن الخاطفين أطلقوا سراح الرهائن دون مقابل، تُشير مصادر متعددة إلى وجود صفقة سرية لم يُكشف عنها حتى اليوم.
حسب تقارير صحفية أمريكية، نقل الخاطفون على متن طائرة جزائرية خاصة إلى دمشق، ثم سافروا براً إلى بيروت. مصادر كويتية قريبة من الوفد المُفاوض في الجزائر أكدت أن الخاطفين "طاروا إلى وجهة غير مُعلنة" على متن طائرة خاصة ضمن ضمانة جزائرية بالمرور الآمن.
وفق مصادر دبلوماسية، كان القرار الجزائري بالسماح للطائرة المخطوفة بالهبوط في الجزائر قد جاء بعد اتصالات مباشرة بين الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد وقيادة الكويت. لكن التفاصيل الدقيقة للاتفاق – بما في ذلك ما إذا كانت الكويت قدمت أي تنازلات غير مباشرة أو ما إذا كانت الجزائر قد توسطت في ترتيبات سرية مع إيران أو حزب الله – ظلت طي الكتمان.
السجناء السبعة عشر: الهروب الغامض عام 1990
كانت المطالب الرئيسية للخاطفين تتمحور حول إطلاق سراح 17 سجيناً من حزب الدعوة الإسلامية العراقي المُدانين بتفجيرات الكويت عام 1983. من بين هؤلاء السجناء كان مصطفى بدر الدين (المعروف بالاسم المستعار "إلياس فؤاد صعب")، ابن عم وصهر عماد مغنية، الذي حُكم عليه بالإعدام.
ما لم يُنشر على نطاق واسع هو الطريقة الفعلية لهروب هؤلاء السجناء. عندما غزا العراق الكويت في أغسطس 1990، شهدت السجون الكويتية فوضى عارمة. سجين لبناني يُدعى عبد العزيز كريّم – الذي كان مسجوناً بتهمة التعاون مع الـ17 – أكد أنه شاهد السجناء السبعة عشر وهم يركبون سيارات أجرة كويتية بعد اقتحام السجن.
لكن الرواية الأكثر إثارة تُشير إلى أن بدر الدين والسجناء الآخرين لم يهربوا بشكل عشوائي، بل تم تهريبهم من قِبل عناصر الحرس الثوري الإيراني الذين دخلوا الكويت مع القوات العراقية أو بالتنسيق معها. هناك تقارير تفيد بأن بدر الدين لجأ مباشرة إلى السفارة الإيرانية في الكويت أو في العراق قبل أن يُهرّب إلى بيروت. هذا التنسيق الدقيق يُشير إلى عملية استخباراتية مُخطط لها وليس مجرد هروب عفوي.
التعذيب والقتل على الأرض القبرصية
بينما أُعلن رسمياً عن مقتل راكبين كويتيَين في قبرص – عبد الله محمد حبيب شبيب الخالدي (25 عاماً) وخالد أيوب بندر (20 عاماً) – فإن الروايات الكاملة لطريقة قتلهما لم تُنشر تفصيلياً.
شهادات الرهائن المُفرج عنهم كشفت أن الخالدي، وهو ضابط في حرس الحدود الكويتي، تعرّض للتعذيب الشديد قبل إطلاق النار عليه عندما رفضت السلطات القبرصية تزويد الطائرة بالوقود. تم إلقاء جثته على المدرج في مشهد صُمّم لإرهاب السلطات القبرصية والرهائن معاً.
الأكثر إثارة أن أحد الرهائن الذين أُفرج عنهم كشف أن أيديهم كانت مُقيّدة بأربطة بلاستيكية قطعت عميقاً في معاصمهم، وأن الرهائن مُنعوا من القراءة أو التحدث طوال الرحلة، وكانوا مُكدّسين في المقاعد الأمامية للطائرة. بعض الرهائن أُصيبوا بالمرض بسبب تلوث دورات المياه التي لم يُسمح بتنظيفها لأيام.
الشبهات حول الضحايا الأمريكيين
في عملية الاختطاف السابقة لطائرة الخطوط الجوية الكويتية رقم 221 عام 1984، قُتل موظفان أمريكيان من وكالة التنمية الدولية الأمريكية: تشارلز هيغنا وويليام ستانفورد. ما لم يُنشر على نطاق واسع هو أن الخاطفين اتهموا هيغنا وستانفورد بأنهما عميلان لوكالة الاستخبارات المركزية، وهو ما استخدموه كمبرر لقتلهما.
وثائق الاستخبارات الأمريكية تُشير إلى أن الخاطفين كانوا يعرفون بدقة هوية المسؤولين الأمريكيين على متن الطائرة، مما يُعزز فرضية وجود تسريب استخباراتي مُسبق. في حادثة 1988، لم يكن هناك أمريكيون بارزون على متن الطائرة، لكن الخاطفين كانوا يُركزون على الكويتيين وأفراد العائلة الحاكمة تحديداً.
دور حسن عز الدين: القاتل المطلوب
أحد الخاطفين البارزين في عملية 1988 كان حسن عز الدين، الذي سبق أن شارك في اختطاف طائرة TWA رقم 847 عام 1985 وقتل الغطّاس الأمريكي روبرت ستيثم. عز الدين كان مطلوباً بموجب أمر اعتقال أمريكي قبل عملية اختطاف الطائرة الكويتية، لكنه تمكن من تنفيذ عملية جديدة دون أن يُلقى القبض عليه.
السلطات الأمريكية اشتبهت في أن أحد الخاطفين في عملية 1988 قد يكون نفس الشخص الذي قتل ستيثم عام 1985، وهو ما دفعها للمطالبة بمقاضاة الخاطفين، لكن اختفاءهم في الجزائر أحبط هذه الجهود.
الاتهامات المُتبادلة: الكويت ترفض أي صفقة
بينما أنكرت الكويت رسمياً تقديم أي تنازلات للخاطفين، فإن بعض المصادر الإعلامية ذكرت أن الكويت قدّمت صوراً وتسجيلات للسجناء الـ17 لإثبات أنهم لم يتعرضوا للأذى أثناء سجنهم. هذا العرض، وإن لم يكن إطلاق سراح مباشراً، كان بمثابة استجابة جزئية لمطالب الخاطفين التي لم تُعلن للجمهور.
علاوة على ذلك، ظلت الكويت ممتنعة عن تنفيذ أحكام الإعدام بحق السجناء الثلاثة المحكومين بالإعدام، خشية أن يُثير ذلك الأقلية الشيعية في الكويت التي تُشكل نحو 30% من السكان. هذا الموقف الحذر يُظهر أن الكويت كانت تُوازن بين الصمود أمام الإرهاب وبين تجنب الفتنة الداخلية.
العلاقات الجزائرية-الإيرانية: الخلفية غير المُعلنة
ما يُفسّر الدور الجزائري الغامض في إنهاء الأزمة هو طبيعة العلاقات بين الجزائر وإيران في تلك الفترة. فالجزائر كانت تُمثّل مصالح إيران في الولايات المتحدة منذ عام 1981 حتى اندلاع الحرب الأهلية الجزائرية. هذا الدور الوسيط منح الجزائر قنوات اتصال مباشرة مع طهران، وهو ما سهّل التفاوض غير المباشر في أزمة الاختطاف.
لكن العلاقات بين البلدين شهدت توتراً لاحقاً عندما اتهمت الجزائر إيران بالتدخل في شؤونها الداخلية ودعم الجماعات الإسلامية المسلحة، مما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية عام 1993. هذا التاريخ المُعقّد يُفسّر لماذا فضّلت الجزائر عدم الكشف عن تفاصيل الصفقة التي أنهت الاختطاف حفاظاً على علاقاتها الإقليمية.
الإرث المخفي: تأثير الحادثة على السياسة الإقليمية
ما لم يُناقش على نطاق واسع هو التأثير طويل المدى للحادثة على الأمن الخليجي. فاختطاف الجابرية عزّز قناعة دول الخليج بأن إيران وحزب الله يُشكلان تهديداً استراتيجياً مباشراً، وهو ما دفع الكويت لتعزيز تعاونها الأمني مع الولايات المتحدة والدول الغربية.
كما أن هروب السجناء الـ17 عام 1990 فتح الباب لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين في لبنان، حيث كانت "منظمة الجهاد الإسلامي" (الواجهة الإعلامية لحزب الله) تُطالب بإطلاق سراح هؤلاء السجناء مقابل الإفراج عن الرهائن الأمريكيين مثل تيري أندرسون. بعد هروب السجناء، أصبح الطريق مفتوحاً أمام مفاوضات الأمم المتحدة التي أدت لإطلاق سراح أندرسون في ديسمبر 1991.