في ذكرى الحملة الفرنسية على مصر.. الغزو الثقافي يسبق العسكري.. "نابليون" حاول استمالة عاطفة المصريين

safelife

عضو
إنضم
26 نوفمبر 2010
المشاركات
8,319
التفاعل
17,861 0 0
في ذكرى الحملة الفرنسية على مصر.. الغزو الثقافي يسبق العسكري.. "نابليون" حاول استمالة عاطفة المصريين بـ"الدين".. والمصريون أفشلوا مخطط الحملة في العبث بثقافتهم وهويتهم
165.jpg


لم تكن الحملة الفرنسية على مصر، والتي تحل ذكراها هذه الأيام، مجرد غزو أجنبي كما كان يحدث طوال تاريخها، وإنما كان الأمر مختلفًا بشكل كبير، سواء في الدوافع إلى ذلك أو الطريقة التي تعامل بها الاحتلال مع المصريين، أو حتى في النتائج التي ترتبت على الحملة الفرنسية نفسها في كثير من المجالات وعلى رأسها المجال الاقتصادي.
ولأول مرة في تاريخ مصر كانت اللغة والعلم والثقافة قوة استطاع من خلالها المحتل التقرب إلى المصريين، ودخل منها باعتبارها أفضل الأبواب وأصعبها ليمتلك عقول وقلوب المصريين، حيث تأثر به عامة الشعب ولكنه سرعان ما نفر من الفكرة التي أرد من خلاله السيطرة والحكم على الشعب المصري.
كما أن الحملة الفرنسية لم تكن في بداية قدومها لمصر قائمة على الغزو العسكري المباشر لمصر وإنما قامت على غزو الفكر والثقافة المصرية والتي أبى المصريون ذلك الغزو، وحينما جاءت الحملة الفرنسية عام 1798 لتستولي على أرض مصر والشرق كانت تهدف إلى قطع الطريق ما بين بريطانيا ومستعمراتها في الهند وأيضًا لاستغلال مواردها في غزواته في أوروبا، بينما رافقهم علماء وفلاسفة، والذين قاموا بفك رموز حجر رشيد كما قدموا كتاب وصف مصر، وعند جلاء الحملة الفرنسية عن مصر، سلم الفرنسيون كل الآثار والمخطوطات التي عثروا عليها في مصر إلى قائد الأسطول الإنجليزي، ومنها حجر رشيد الذي يوجد الآن في المتحف البريطاني بلندن.

760.jpg

محاولات فاشلة..
أراد نابليون استمالة العاطفة للتقرب للشعب من خلال العلماء والمشايخ والصفوة أصحاب التأثير في عقول المصريين، وما يدل على عبقرية بونابارت استخدام إستراتيجيات متنوعة في السيطرة على البلاد حيث أمر جنوده بتوزيع منشورات توجه إلى العلماء والمشايخ وكان أول المنشورات موجه للعلماء "بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله وحده ولا شريك له في ملكه... أيها المشايخ والأئمة.. قولوا لأمتكم أن الفرنساوية هم أيضًا مسلمون مخلصون وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائمًا يحّث النصارى على محاربة الإسلام، ثم قصدوا جزيرة مالطا وطردوا منها الكوالليرية الذين كانوا يزعمون أن الله يطلب منهم مقاتلة المسلمين، ومع ذلك فإن الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني.. أدام الله ملكه.. أدام الله إجلال السلطان العثماني أدام الله إجلال العسكر الفرنساوي لعن الله المماليك وأصلح حال الأمة المصرية"، وأشيع أن بونابارت أشهر إسلامه وظل يتقرب للمصريين وكل محاولاته بآت بالفشل، بسبب مقاومة المصريين للاستعمار بكافة أشكاله.

761.jpg

السيد محمد كريّم

حلم يتبدد..
وفي مثل هذه الأيام تبدد الحلم الفرنسي وأفشل المصريون المخطط وفشلت الحملة الفرنسية في العبث بثقافة وهوية المصريين واستبدالها لتظل الثقافة المصرية أبية ورافضة لأي ثقافة دخيلة على النسيج المصري الذي يعتز بثقافته وهويته، وكانت المقاومة الشعبية حائط الصد الذي وقف أمام الحملة منذ نزولها إلى شواطئ الإسكندرية في اليوم الأول.
وظل قائد المقاومة السيد محمد كريّم يصد الهجوم ثم كانت المقاومة سجال بين الطرفين إلى أن غلبت العدة والعتاد الفرنسي حركة المقاومة الشعبية بعد مناوشات ومعارك عدة دخل بونابارت إلى القاهرة، تحوطه قواته من كل جانب، ولكي يثبت نفسه ويرسخ احتلاله للبلاد، عكف على استمالة الود للمصريين وبإقامة علاقة صداقة مع الدولة العثمانية، وباحترام عقائد أهالي البلاد والمحافظة على تقاليدهم وعاداتهم؛ حتى يتمكن من إنشاء القاعدة العسكرية، وتحويل مصر إلى مستعمرة قوية يمكنه منها توجيه ضربات قوية إلى الإمبراطورية البريطانية، ومن الأفكار التي أراد تنفيذها على أرض الواقع أنشأ ديوان القاهرة من تسعة من كبار المشايخ والعلماء لحكم مدينة القاهرة، وتعيين رؤساء الموظفين، وكانت السلطة استشارية.
وكان الغرض من مجلس القاهرة هو تفعيل الحياة المدنية بالمفهوم الحديث ومشاركتها جنبًا إلى جنب مع الإدارة والسلطات الحاكمة في البلاد، وكان الهدف تفعيل دور المجتمع والمشاركة المجتمعية في الإدارة والحكم، وهو قائم على أفكار المفكر والعالم الاجتماعي چان چاك روسو ونظريته المعروفة باسم نظرية العقد الاجتماعي، كانت المجالس النيابية هي إحدى المقتضيات الأساسية والمفردات الدارجة بشكل أساسي والتي واكبت الفترة إبان الثورة الفرنسية وما واكبها من أفكار وحراك فكرى وسياسي في فرنسا وفي كثير من دول العالم فيما بعد.
هكذا كانت بداية الغزو الفكري والثقافي فنابليون بونابارت الذي قال للقائد كليبر "إذا أردت أن تحكم مصر طويلا فعليك باحترام مشاعر الناس الدينية واحترام حرمات منازلهم".
لم تنخدع الجماهير بتظاهر نابليون بالتقوي وتقربه للمسلمين بمنشوراته الهزلية، ولم ير شعب مصر في الحملة إلا جيش محتل لا يختلف عن الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع التي ضربت شواطئ دمياط منذ أكثر من خمسة قرون.

763.jpeg

انكشاف الملعوب..
خرج المصريون بكل ما لديهم من سلاح وشوم وحراب على الجنود الفرنسيين يقتلوهم وتحصنوا بأسوار الحارات وفي الأزقة، ونصبوا المتاريس على مداخلها ولكن فاتهم أن يحتلوا الأماكن المرتفعة المطلة على الحارات فسارع نابليون باحتلالها ونصب مدافعه فوق مآذن جامع السلطان حسن، وانهالت القنابل منه ومن القلعة على جامع الأزهر، مبعث الثورة، وكل ما يحيطه من بيوت وحوانيت.
استمر الضرب حتى المساء حتى تدخل أعضاء الديوان الذي شكله نابليون من المشايخ المتعاونين مع الفرنسيين "فركب المشايخ إلى كبير الفرنسيين ليرفع عنهم هذا النازل، ويمنع عسكره من الرمي المتراسل ويكفهم ما انكف المسلمون عن القتال".
فقبل نابليون وقف الضرب، ولكنه أرسل جنوده إلى الأزهر، فدخلوا الجامع بخيولهم عنوة وربطوها بصحنه وكسروا القناديل وحطموا خزائن الكتب ونهبوا ما وجدوه من متاع، ولم يخرجوا منه إلا بعد أن ركب الشيخ محمد الجوهري إلى نابليون وطلب منه متوسلًا أن يخرج جنوده من الجامع الأزهر. فقبل نابليون.
عرفوا المصريون أن الاحتلال هو الاحتلال مهما تلون بألوان مبهجة من تقدم علمي أو إداري أو تنظيمي، فالتقدم إن لم يأت بأيدي وعقول أهل البلد، فسوف يأتي تفضلًا من السيد المحتل إلى العبيد أو يأتي مشروطًا بخلع عباءة الهوية المصرية.
مينو القائد الذي تولي بعد القائد كليبر وكان ينوي الإقامة في مصر وتحويلها إلى مستعمرة فرنسية كبري، وتحقيقًا لذلك قام ببعض سياسات إصلاحية وقدم مشروعًا عرف بالمشروع العظيم ولكن جلاء الحملة عن مصر حال دون تنفيذ المشروع.
 
عودة
أعلى