لأول مرة وثائق إسرائيل الممنوعة عن انتصار أكتوبر (الحلقة الأولى)

safelife

عضو
إنضم
26 نوفمبر 2010
المشاركات
8,319
التفاعل
17,861 0 0
لأول مرة وثائق إسرائيل الممنوعة عن انتصار أكتوبر (الحلقة الأولى)
256341_0.JPG

نشر أرشيف دولة إسرائيل وأرشيف الجيش الإسرائيلى ما يقرب من عشرة آلاف صفحة من وثائق حرب أكتوبر السرية، التى تم حذف العديد من الأجزاء المهمة منها فى محاولة لإنكار النصر لكننا تمكنا من اكتشافها عندما حاولنا كفريق بحث مصرى الاطلاع اكتشفنا أن الجيش الإسرائيلى وضع عقبات تكنولوجية عديدة تحول بين الباحثين المصريين بالتحديد وبين الاطلاع على نصوص الوثائق. واكتشفنا أيضاً أن الباحثين الذين يدخلون إلى موقع أرشيف الجيش من دول أخرى غير مصر يسمح لهم بذلك، واكتشفنا أيضاً أن الوثائق منشورة على الموقع بطريقة تحول بيننا وبين طبعها فى نسخة ورقية. وأقول لكم بصراحة إن مشاركتى المباشرة فى المعارك ضد إسرائيل بدءاً من حرب 1967 ومروراً بحرب الاستنزاف ووصولاً إلى انتصار أكتوبر 1973 علمتنى ألا أستسلم أمام الموانع التى تضعها إسرائيل وجيشها على غرار خط حصون بارليف على حافة القناة الذى كان يهدف إلى منعنا من العبور. توكلت على الله وقبلت التحدى فأنا أرى أنه من حقنا الوطنى، كمصريين، أن نطالع هذه الوثائق لنتعرف بدقة وبالتفاصيل على الآثار التى أوقعناها فى صفوف القيادات السياسية والعسكرية والمخابراتية، كذلك فإنه من حقنا أن نتيح لباحثينا الشبان فى المجالات المختلفة فرصة الدراسة العميقة للتجربة واستخلاص الدروس المستفادة تحسباً ليوم تقرر أطماع التوسع الإسرائيلية أن تتمدد مرة أخرى فى سيناء. استطاع فريق مصرى من شباب تكنولوجيا المعلومات أن يعاوننى فى تجاوز العقبات ووضعت يدى على ما هو حق لنا، أى جميع الوثائق فى أصولها العبرية.

إن هذه القصة يجب أن تثير سؤالا عند القارئ وهو.. لماذا يريد الإسرائيليون حرماننا فى مصر من دراسة هذه الوثائق والاطلاع عليها؟ أعتقد أن محتوى النصوص يجيب عن هذا السؤال. لقد تعمدوا حجب أهم الوثائق الخاصة بالقيادات العليا مدة تتراوح بين أربعين وخمسين سنة وعندما نشروا بعضها مؤخراً حاولوا منعنا من الاطلاع عليها حفاظاً على معنويات أجيالهم القديمة والجديدة من الحقائق المريرة التى تكشف عنها التفاصيل والتى دعت الصحف الإسرائيلية رغم مرور أربعة عقود وأكثر إلى وصف أداء الحكومة وقيادة الجيش وقيادة المخابرات بالأداء القزم أمام أداء المصريين العملاق. لقد قررت أن أتيح هذه الوثائق بكاملها للقارئ المصرى باللغة العربية وذلك بترجمتها كاملة بمعاونة فريق من أبناء كتيبة العبرى المصرية الممتازين ونشرها على أجزاء بالمركز القومى للترجمة اعتباراً من أكتوبر 2014.

اسمحوا لى بأن أخص قارئ «المصرى اليوم» بعرض للمعلومات التى لم يسبق نشرها للصحافة الإسرائيلية أو العربية أو الدولية خصوصاً أننا عكفنا على دراسة الوثائق والكشف عن الممنوع والمحذوف منها.




256938_0.jpg

أولاً: المخابرات المصرية تخترق محطة التنصت الإسرائيلية المتطورة فى أم خشيب وتستخدمها لإمداد إسرائيل بمعلومات مضللة.

إن هذه إحدى حكايات الأداء المخابراتى المصرى العملاق التى لم تنشر من قبل. كيف توصلنا إلى هذه الحكاية؟ سأحكى لكم.

لقد لاحظت أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية قامت بحذف مواضع فى نصوص الوثائق المنشورة تتراوح بين كلمات أحياناً وأسطر أحياناً أخرى وفقرات أحياناً ثالثة. أعطيت تعليماتى لفريق الترجمة بضرورة إثبات هذه المواضع بعبارة «حذف بواسطة الرقابة العسكرية الإسرائيلية بمقدار كذا». كان هدفى أن أعطى الباحثين والقراء فرصة للتقصى والتحرى عن المعلومات المحذوفة فلدينا جيل كامل شارك فى الحرب ويستطيع المعاونة فى هذه المهمة.

لفت نظرى أن هناك حذفا متكررا فى شهادات كبار المسؤولين مثل رئيسة الوزراء جولدا مائير ووزير الدفاع موشيه ديان ورئيس الأركان دافيد اليعازر ورئيس المخابرات العسكرية الياهو زاعيرا. كان الحذف يظهر عندما يسأل أعضاء لجنة أجرانات التى شكلت للتحقيق فى الهزيمة بعد الحرب أحد هؤلاء المسؤولين عما إذا كان الشىء المحذوف قد فتح فى الفترة الحرجة السابقة على الحرب مباشرة. وأحياناً كان السؤال يقول عندما ارتحتم إلى تقدير للموقف يقول إن الحشود المصرية على القناة ليست سوى مناورة هل كان هذا التقدير مستنداً إلى معلومات دقيقة وهل تأكدتم من أن الشىء المحذوف قد تم حذفه.

إن الإجابات المباشرة هى الأخرى من جانب المسؤولين كانت تتعرض للحذف حتى لا نفهم ما هو هذا الشىء.

إننى أرجح من قراءتى للوثائق العديدة أن هذا الشىء كان محطة عملاقة متطورة بمعايير ذلك الوقت للتنصت على مقار القيادة المصرية وأحاديث القادة وكان مقرها أم خشيب. كذلك أرجح أن المخابرات المصرية قد اكتشفت هذه المحطة واستطاعت اختراق نظامها وبالتالى استخدمتها فى تمرير معلومات مضللة إلى المخابرات الإسرائيلية لإخفاء النوايا الحقيقية وراء الحشود المصرية. الدليل على ذلك ما ذكره وزير الدفاع موشيه ديان من أن جهازى المخابرات العسكرية والموساد «المخابرات العامة» ظلا مصممين حتى دخول ليل يوم الخامس من أكتوبر ومجىء يوم السادس من أكتوبر على أن احتمال الهجوم المصرى احتمال ضعيف. سأترك تفاصيل هذا الاكتشاف للمخابرات المصرية إذا أرادت أن تعلن عنه بعد مرور كل هذا الزمن. بقى أن أقول إننى فهمت من نصوص الوثائق أن هذا الشىء كان مدخراً للأوقات الحرجة ولم يكن يفتح إلا لفترات قصيرة حتى لا يكتشفه المصريون.
ثانياً: تفاصيل عن كواليس مجلس الوزراء والاطمئنان إلى عجز المصريين يكشفها الوزير موشيه كول:

إن الاطمئنان العميق الذى كان يسيطر على رئاسة الحكومة والوزراء والقادة العسكريين حتى مساء الخامس من أكتوبر أمر معروف. أن الشهادة التى قدمها وزير السياحة موشيه كول تكشف حالة الاسترخاء التى كانت مسيطرة لدرجة انصراف كل الوزراء فيما عدا ثلاثة من تل أبيب مقر الحكومة لقضاء العيد فى مزارع أو مقار حياتهم الأسرية.

ويكشف حالة اللامبالاة عند دعوة الوزراء للاجتماع بدون إخطارهم أن حضورهم أمر له أهمية. بل يسجل أيضاً ملاحظة يجب أن نتوقف عندها وهى أن جولدا مائير سافرت إلى النمسا آخر سبتمبر وما كانت لتفعل ذلك لو كان لديها تصور بأن هناك خطراً للحرب وشيكاً.

لقد بين الوزير أنه عندما دعى إلى اجتماع مجلس الوزراء المحدد له ظهر يوم السادس من أكتوبر 1973 كان قد عاد إلى مقره العائلى فى القدس ويبين الصورة على النحو التالى:

أنه غادر منزله واتجه إلى المعبد فى القدس للصلاة صباح 6 أكتوبر وأنه فوجئ بزوجته تحضر من المنزل إلى المعبد لتخبره أن سكرتير الحكومة قد اتصل تليفونياً بالمنزل وطلب منها أن تخبر كول بأن يتصل بمقر الحكومة فى تل أبيب عندما يعود من صلاته فى المعبد. يقول كول فى شهادته التى تطوع بتقديمها أمام لجنة التحقيق فى أسباب الهزيمة «لأنه لم يستدع أصلاً كوزير للسياحة».

إنه إحساس منه بالمسؤولية استأذن الحاخام فى أن يصعد إلى مكتبه بالطابق الأعلى من المعبد ليتصل بمقر الحكومة.. وأنه لو كان انتظر إلى أن يعود إلى البيت فإنه ما كان سيتمكن من السفر إلى تل أبيب وحضور اجتماع مجلس الوزراء ظهراً كما حدث مع وزراء آخرين منهم وزير الأديان. عندما اتصل طلب مكاملة العميد يسرائيل ليئور السكرتير العسكرى لرئيسة الوزراء وسأله هل هناك أهمية لحضوره إلى تل أبيب وأجابه ليئور هناك أهمية قصوى فهناك حشود عسكرية ويجب أن تأتى.

يعلق الوزير كول فى شهادته قائلاً إنه عندما حاول السفر إلى تل أبيب وجد صعوبة كبيرة فاليوم يوم عطلة ولم يجد سائقه ولم يسعفه أحد بتوصيله إلى أن أخبرته زوجته أن أخاها الضابط بالجيش تم استدعاؤه للسفر إلى تل أبيب ويمكن أن يسافر معه فى سيارته. يواصل الوزير شهادته قائلاً إذن كان يمكن ألا أسافر بسبب ذلك الأداء المتكاسل للحكومة فى دعوة الوزراء المسؤولين عن أمن إسرائيل واتخاذ القرارات المصيرية.

ويواصل الوزير كول التساؤلات المريرة أمام لجنة أجرانات منتقداً أداء رئيسة الوزراء فيقول كان واضحاً أمام رئيسة الوزراء فى ساعات الصباح الأولى من يوم 6 أكتوبر أن الحرب ستندلع فى اليوم نفسه بعد العصر بعد أن تلقت إنذاراً مؤكداً بهذا المعنى من رئيس الموساد فلماذا لم تبادر إلى عقد اجتماع طارئ للحكومة بكامل هيئتها باعتبارها قائمة بمهمة المجلس الوزارى الأمنى المصغر الذى لم يكن قد شكل بعد تلقيها الإنذار فى الخامسة فجراً ولماذا اكتفت بالاجتماع بالوزراء الموجودين فى تل أبيب الساعة الثامنة صباحاً للتشاور حول ما يجب عمله.

يقول الوزير كول فى أسى للجنة ما قيمة أن تدعونا لاجتماع الساعة 12 ظهراً وماذا كان فى يدنا لنعمله فى هذا التوقيت سوى الجلوس والاستماع لتقديرات وزير الدفاع حول إمكانية أو عدم إمكانية قيام المصريين والسوريين بالهجوم فى الساعة الخامسة أو السادسة مساء. وينتهى كول إلى إلقاء القنبلة فى وجه أعضاء اللجنة مطالباً إياهم بمحاسبة رئيسة الوزراء عندما قال لقد أخبرونا فى الساعة الثانية ونحن نستمع إلى تقديرات وزير الدفاع بأن الحرب قد اندلعت فعلاً وأن المصريين والسوريين قد فتحوا النيران. ويختتم كول هذا الجزء من شهادته متسائلاً إذا كان لدى رئاسة الحكومة بلاغ مؤكد يفيد أن الحرب ستندلع فى اليوم نفسه فلماذا لم يعقد على الفور اجتماع للوزراء المسؤولين عن مصير الدولة وأمنها. الإجابة التى لم يقلها أحد للوزير كول نقولها له نحن من مصر.


السبب هو حالة الاطمئنان العميقة التى نجحت المخابرات المصرية فى زرعها فى نفوس القيادة الإسرائيلية بأن مصر لا يمكن أن تحارب لأنها تخشى من إسرائيل. لقد تم زرع هذه الحالة من خلال جهود مخابراتية مصرية متنوعة شارك فيها عناصر عديدة من أهمها الرئيس السادات نفسه لإقناع الأجهزة الإسرائيلية أن مصر لن تحارب وأن الرئيس المصرى لن يصدر أبداً أمراً بالهجوم. لقد تحول هذا الإقناع إلى اقتناع راسخ لدى القيادة الإسرائيلية بلغ حد المفهوم الفكرى المستقر ثم وصل إلى حد العقيدة الدينية الراسخة.

لقد أوصل إليهم أشرف مروان محاضر اجتماع الرئيس السادات بالقيادة السوفيتية والذى كان يؤكد فيه أنه لا يمكن أن يصدر قراراً بالهجوم على الإسرائيليين خوفاً من قيام إسرائيل بقصف العمق المصرى وأنه يطالب السوفيت بطائرات بعيدة المدى تمكنه من قصف العمق الإسرائيلى وأقنعهم الرئيس السادات كما تقول جولدا مائير فى شهادتها أمام لجنة أجرانات بأنه رجل هزلى لا يمكن أخذ كلامه عن شن الحرب على محمل الجد أو الاعتداد بالمواعيد التى يعلن فى خطبه أنه سيشن فيها الهجوم عندما تحدث عن عام الحسم ثم تراجع علناً عدة مرات.

كذلك أقنعتهم المخابرات المصرية بوسائل ميدانية عديدة أصبح بعضها معروفاً بأن الحشود ليست سوى مناورات تتكرر كل فترة للاستهلاك الداخلى وللحفاظ على معنويات الجيش لا أكثر ولا أقل.

إن هذه الأمور وغيرها تضافرت لتوفير حالة الاسترخاء العميقة لدى الحكومة ورئاستها ولدى قيادة الجيش والمخابرات لدرجة أن موظفاً مدنياً صغيراً فى شعبة الأبحاث المصرية بالمخابرات العسكرية تعرض للتجاهل عندما حاول أن يقدم لرئيسه رأياً يفيد أنه يعتقد أن السادات قد أصدر أوامره بالفعل بالهجوم بناء على تحليل سياسى.

ثالثاً: عملية فدائية فلسطينية فى النمسا أواخر سبتمبر 1973 لخطف المهاجرين اليهود بهدف صرف أنظار الحكومة الإسرائيلية عن الهجوم:

من الاكتشافات الجديدة التى يمكن التقاط أطرافها من الوثائق المتعددة قصة تلك الرحلة الخارجية التى قامت بها رئيسة الوزراء جولدا مائير إلى سالزبورج فى النمسا لتفقد أحوال المهاجرين اليهود القادمين من الاتحاد السوفيتى إلى إسرائيل عبر النمسا. فلقد قامت المقاومة الفلسطينية باختطاف مجموعة من هؤلاء المهاجرين واحتجزتهم وبالتالى كرست رئيسة الحكومة وطاقمها المساعد الجهود فى متابعة تحرير المختطفين لعدة أيام دون مغادرة مقر رئاسة الوزراء. وعندما لاح أن الجهود قد نجحت قررت جولدا مائير السفر إلى سالزبورج يوم 29 سبتمبر لزيارة المهاجرين والاطمئنان الميدانى.

حتى اليوم لم ينتبه أحد من الباحثين لا فى إسرائيل ولا فى غيرها أن هذه العملية كانت مقصودة فى هذا التوقيت لشغل أذهان القيادة الإسرائيلية وتشتيت انتباهها.

إن ذكر رحلة جولدا إلى سالزبورج يرد كمعلومة عادية فى جميع الوثائق فى مجال استعراض وقائع الأيام السابقة على الحرب أما فى شهادة الوزير كول المنتقد لجولدا مائير فيتساءل عن معنى هذه الرحلة فى هذا التوقيت وهل يدل على درجة اطمئنان رئيسة الوزراء إلى أنه لا يوجد احتمال وقوع حرب، أم يدل على أنه لم تكن هناك معلومات كافية حول احتمال الحرب أم يدل على أن المعلومات المتوفرة تم تحليلها والوصول إلى تقدير رأى يفيد باستبعاد احتمال الهجوم المعادى.

أما فى شهادة نائب رئيس الوزراء يجآل ألون فيقول إنه قام بتوصيل رئيسة الوزراء إلى المطار لتأخذ الطائرة إلى سالزبورج يوم 29 سبتمبر لتواصل متابعة أحوال المهاجرين الروس وأثناء وجوده فى غرفة كبار الزوار جاء إليه رئيس المخابرات العسكرية ورئيس الأركان وأخبراه بأن الحشود المصرية على الضفة الغربية لقناة السويس قد بدأت على التو ويعلن فى شهادته قائلاً كان هذا أول خبر عن بدء الحشود المصرية يصل إلى الحكومة بعد إقلاع طائرة رئيسة الوزراء.

إننى أرجح من تسلسل الوقائع أن تكون العملية الفدائية المذكورة مقصودة بحجمها وتوقيتها لتشتيت ذهن القيادة الإسرائيلية واستسهالها للتفسير الراسخ عندها للحشود المصرية بأنها مجرد مناورة لا أقل ولا أكثر.

تكشف الوثائق الإسرائيلية بالتفاصيل عن درجة الثقة العالية فى النفس، فقد كان القادة الإسرائيليون قبل السادس من أكتوبر يبنون ثقتهم على ثلاثة محاور، المحور الأول الثقة فى قدرة أجهزة المخابرات على كشف وتوقع أى هجوم مصرى أو سورى قبل وقوعه، على الأقل باثنتين وسبعين ساعة، مما يمنح الجيش الفرصة الكافية لجمع قوات الاحتياط التى كانت تقدر بمائتى ألف جندى وضابط، والتى تمثل القوة الرئيسية للجيش.

أما المحور الثانى للثقة. فقد تمثل فى الاطمئنان إلى قدرة السلاح الجوى على شن هجوم مبكر على الحشود المصرية والسورية قبل تحركها للهجوم لتشتيت القوات العربية وإرباك خططها الهجومية. أما المحور الثالث فهو الثقة فى قوة المدرعات والقوات البرية، التى تحتاج إلى 48 ساعة للاستدعاء من الاحتياط، فى استكمال مهمة تشتيت القوات العربية مع سلاح الطيران.

كان الجنرال إلياهو زاعيرا، رئيس المخابرات العسكرية، مسؤولاً هو وجهازه عن تقديم التقديرات للموقف بناء على المعلومات التى تجمعها المخابرات العامة (الموساد) وفروع المعلومات بالمخابرات العسكرية المسؤولة عن الاستطلاع الميدانى للقوات المصرية والسورية. ولقد أعطى الجنرال زاعيرا - كما تكشف وثائق لجنة القاضى أجرانات التى شُكلت للتحقيق فى المسؤولية عن الهزيمة - وعداً قاطعاً للحكومة وقيادة الجيش بأن يقدم إنذاراً مبكراً عن نوايا العدو المصرى والسورى لشن حرب شاملة فى وقت يسمح للجيش باتخاذ التدابير اللازمة، وقد بلغت الثقة فى هذا الوعد حداً كبيراً، بحيث أصبح أساساً راسخاً لبناء خطط.

لقد وقع الجنرال زاعيرا وجهاز الأبحاث التابع له فى المخابرات العسكرية، وكانا الجهة الوحيدة المسؤولة عن تقديم التقديرات فى مصيدة خطة الخداع الاستراتيجى المصرية، التى ذكرنا بعض جنوانبها قبلا، وبالتالى سيطر مفهوم أن مصر لن تقوم بهجوم إلا إذا امتلكت القدرة الجوية اللازمة للهجوم على عمق إسرائيل. تقول الوثائق التى أصدرتها لجنة أجرانات إن المخابرات العسكرية «أمان» وقسم البحوث بها قد توفرت لديهما فى الأيام السابقة على الحرب معلومات تحذيرة كثيرة. وإنذارات متعددة وشواهد ميدانية عديدة تدل على نية الهجوم المصرى والسورى، غير أنهما فشلا فى إدراك هذه المعلومات والإنذارات نتيجة للتمسك بالمفهوم الذى اتخذ صورة العقيدة الراسخة بأن المصريين لن يهاجموا، وأن سوريا لا تستطيع الهجوم وحدها بدون مصر. ويضيف تقرير لجنة أجرانات: ونتيجة لهذا تمكن العدو المصرى والسورى من خداع الجيش الإسرائيلى ومفاجأته بهجوم فعلى تحت ستار التدريب للقوات والقيام بمناورة مصرية فى الخريف تشبه مناورة الصيف التى انتهت بسلام. بناء على هذا الاستنتاج قررت اللجنة أن توصى بعزل رئيس المخابرات العسكرية الجنرال الياهو زاعيرا ورئيس شعبة الأبحاث بها. واستنتجت الدروس المستفادة فأوصت بضرورة الاعتماد على أكثر من جهة لإجراء التقديرات حول احتمالات الحرب وإنشاء قسم للتقديرات فى المخابرات العامة «الموساد» وتعزيز قسم البحوث فى وزارة الخارجية ليقدم تقديراته هو الآخر. وفوق هذا قررت اللجنة التوصية بإنشاء هيئة خاصة للتقديرات المعاكسة، أطلقت عليها اسم «هفخا مستبرا» أى العكس هو الصحيح، مهمتها فحص التقديرات التى تقدمها الجهات المختلفة ودراسة كل البراهين الممكنة الدالة على أن عكسها هو الصحيح، بهدف التأكد من الحقيقة.

 
وفوق هذا قررت اللجنة التوصية بإنشاء هيئة خاصة للتقديرات المعاكسة، أطلقت عليها اسم «هفخا مستبرا» أى العكس هو الصحيح، مهمتها فحص التقديرات التى تقدمها الجهات المختلفة ودراسة كل البراهين الممكنة الدالة على أن عكسها هو الصحيح، بهدف التأكد من الحقيقة.

هذه النقطة تحديدا اعتقد تحدث عنها فيلم امريكي قصته غزو الزومبي للعالم في جزء من الفيلم يذهب البطل الامريكي الي اسرائيل ( فلسطين ) تحديدا الي القدس بناء علي معلومات ان اسرائيل هي البلد الوحيد في العالم الذي نجا من غزو الزومبي لانهم حصنوا نفسهم و اخذوا احتياطاتهم منذ زمن بعيد فيريد ان يعرف سر ذلك فيذهب الي هناك فيلتقي برجل ذو منصب كبير في المخابرات الاسرائيلية فيساله الامريكي كيف علمتم بان الزومبي سيغزون العالم فيقول له ان بعد حرب 1973 انشانا لجنة مكونة من عشرة اشخاص تجتمع عندما يكون هناك اي تهديد محتمل لامن اسرائيل و هل يجب اتخاذ اجراء ام ان التهديد ليس حقيقي و يتم التصويت فاذا اتفق الجميع علي ان التهديد المحتمل وهمي او لا يشكل خطر علي اسرائيل و عضو واحد من العشرة قال عكس ذلك ياخذون براي هذا العضو و يبدوا في اتخاذ الاجراءات المضادة فيقول له ان اجهزتنا رصدت مكالمة لاحد الجنود الهنود انه تم مهاجمة الفصيلة من زومبي فلم نفهم ماذا يقصد الجندي الهندي و اجتمعت اللجنة فيقول ان التسع اشخاص قالوا انه امر غير مفهوم و لا يجب ان نتخذ اي اجراء اما انا فقلت عكس ذلك فبنيان سور حول اسرائيل لحمايتنا من هذا الخطر المحتمل و ظهر بعد ذلك ان ما فعلناه هو الصواب


يعني الجيش المصري و السوري نجوا الاسرائيليين من غزو الزومبي :D
 
لأول مرة.. وثائق إسرائيل الممنوعة عن نصر أكتوبر (الحلقة الثانية)
257105_0.jpg


مفاجآت جديدة تكتشفها كلما تجولت فى العشرة آلاف صفحة من الوثائق السرية الإسرائيلية الخاصة بحرب أكتوبر والتى أفرجت السلطات عن أهمها اعتبارا من الذكرى الأربعين للحرب.

من المفاجآت التى تستحق التوقف للتأمل والدراسة واستخلاص الدروس المستفادة من جانبنا كما يفعل الإسرائيليون مفاجأة اكتشفتها لجنة أجرانات التى شكلت للتحقيق فى أسباب الهزيمة الإسرائيلية.. لقد كان أحد الأسئلة الرئيسية التى وجهتها اللجنة لرئيسة الوزراء ووزراء الحكومة وقادة الجيش والمخابرات سؤالا ناتجا عن هزيمة المخابرات الإسرائيلية مع معركة الذكاء والخداع والدهاء أمام المخابرات المصرية. كان السؤال الموجه إلى جميع المسؤولين الذين اعتبرتهم اللجنة شهودا يقول: «نريد أن نستمع إلى شهادتك حول المعلومات التى توافرت لديك فى يوم 13/9/1973 عندما أسقط سلاحنا الجوى ثلاث عشرة طائرة سورية وفى الأيام التالية وكذلك حول مساعى وتحركات العدو ونواياه لشن الحرب وأيضا التقديرات والقرارات التى صدرت واتخذت فى هذا الشأن».

ظلت اللجنة تستمع إلى شهادات كبار المسؤولين وتقارن بين إجاباتهم لتكتشف أين كان التقصير ومن المسؤول عنه حتى وصلت من خلال ما استمعت إليه من رئيسة الوزراء ووزير الدفاع ووزير الخارجية ورئيس الأركان وقائد المخابرات العسكرية ورؤساء الفروع العاملين تحت قيادته إلى ضرورة استدعاء باحث مدنى صغير اسمه سودائى.

257107_0.jpg

من هو ألبرت سودائى:

طلبت اللجنة أن يمثل أمامها ألبرت سودائى الباحث اليهودى العراقى وكان باحثا مدنيا برتبة تعادل رتبة الرائد فى فرع البحوث بالمخابرات العسكرية الإسرائيلية التى كانت مسؤولة عن وضع التقديرات للموقف.

كان سودائى يشغل وظيفة رئيس القسم السياسى بالشعبة المختصة بالشؤون المصرية وهى الشعبة رقم 6 وكان من مواليد العراق عام 1932 وهاجر إلى إسرائيل عام 1950 السؤال هو ما أهمية هذا الباحث المدنى فى الشؤون السياسية المصرية التى لا تقارن أهميتها بالشؤون العسكرية بالنسبة لفرع البحوث بالمخابرات العسكرية ولماذا طلبت لجنة إجرانات الاستماع إليه. لقد كان الدافع المباشر لدى اللجنة أنها علمت من رئيس فرع البحوث بالمخابرات العسكرية العميد شاليف أثناء الاستماع إلى شهادته أن سودائى هذا حاول مقابلة رئيس شعبة البحوث المصرية يوم الخميس الرابع من أكتوبر 1973 ليبلغه برأيه الخاص عن الحشود المصرية غير أنه لم يتمكن لانشغال رئيس القسم.

المذهل فى الأمر أنك عندما تقرأ شهادة سودائى تكتشف أنه قرر أن يتجه إلى منزله عندما حان وقت الانصراف من العمل دون أن ينتظر رئيسه ليبلغه بأنه يعتقد أن المصريين سيهاجمون بالفعل وأن الأمر لم يعد مناورة.

هل يشير هذا الترهل إلى حالة إهمال داخل جهاز المخابرات الإسرائيلى بحيث يفضل باحث الذهاب إلى البيت فى موعده على الانتظار لأداء مهمة حيوية خطيرة، أم يدل على أن سودائى نفسه لم يكن مقتنعا بدرجة كبيرة بأن لديه براهين تثبت صحة رأيه فى أن المصريين سيقومون بالفعل بالهجوم نتيجة لإحكام خطة الخداع المصرية.

أعتقد كباحث مصرى أن دراسة شهادة سودائى ستعطينا صورة عن الطريقة التى كان يفكر بها والأسانيد التى اعتمد عليها للسباحة ضد تيار القيادات الكبرى التى كانت تستبعد وقوع الهجوم المصرى أو تعتبره احتمالا ضعيفا.

257108_0.jpg

شهادة سودائى أمام لجنة أجرانات:

عندما سأل القاضى أجرانات رئيس لجنة التحقيق الباحث ألبرت سودائى فى بداية التحقيق هل يتذكر واقعة محاولته لقاء رئيسه يوم 4 أكتوبر والموضوع الذى كان يريد عرضه عليه أجاب بنعم وراح يقدم الموضوع على النحو التالى:

1- أنه كان لديه فى ذلك اليوم الرابع من أكتوبر رأى مختلف عن رأى رئيس الشعبة ورأى بقية الباحثين الذين كانوا يجمعون على أن المصريين والسوريين لن يقدموا على الهجوم أو شن الحرب.

2- بنى رأيه هذا على قراءة مختلفة للمعلومات الواردة وتقييم لم يساير بقية الباحثين اعتبارا من مارس 1973 مع تغيير الحكومة فى مصر.

3- إنه منذ تلك اللحظة بدأ يدرك خطورة الوضع بسبب قيام السادات بتولى رئاسة الحكومة بنفسه من ناحية وأيضا بسبب خطاب ألقاه السادات بتاريخ 26 مارس قال فيه إننا نسير نحو مواجهة شاملة.

4- يقول سودائى إنه كان دائما يدرك أن السادات يعتبر منصب رئيس الحكومة أداة لامتصاص غضب الناس والصدمات حيث كان يمكنه دائما إلقاء المسؤولية على رئيس الحكومة وقت الأزمات.

5- وبالتالى فإنه نظر إلى قيام السادات بتولى المنصب بنفسه على أنه قد عزم على القيام بأمر بالغ الخطورة.

6- يؤكد سودائى أنه كان الوحيد فى فرع المعلومات بكل شعبه وأقسامه الذى كان يدرك خطورة هذا التطور وأنه كان يسبح وحده ضد التيار المستخف بمصر والسادات وهو الاستخفاف الذى زرعته خطة الخداع الاستراتيجى المصرية.

7- يوضح سودائى أنه عندما حشدت الحشود المصرية فى شهر مايو 1973 كان لديه إحساس بأن أمرا خطيرا سيحدث. من المعروف أن هذه الحشود كانت جزءا من خطتنا المصرية للخداع الاستراتيجى باعتبارها مجرد مناورة تنفض بعدها الحشود. ولقد لعبت هذه المناورة دورا مؤثرا فى استبعاد الهجوم عندما بدأت الحشود للهجوم الفعلى فى أكتوبر، حيث كانت أسهم المخابرات العسكرية مرتفعة وموضع مصداقية، ذلك أنها اعترضت على إعلان حالة الطوارئ واستدعاء الاحتياط فى مايو وفسرت الحشود على أنها مناورة غير أن الحكومة قررت استدعاء الاحتياط مما شكل عبئا غير ضرورى على الاقتصاد بعد أن تبين أن الحشود مجرد مناورة مصرية كما قدرت المخابرات العسكرية.

257116_0.jpg

8- من الواضح أن سودائى فى مايو كان منحازا لفكرة أن المصريين سيهاجمون وهو ما جعل أفكاره عديمة القيمة أمام زملائه ورؤسائه وجعله موضع سخرية وأضعف ثقته فى نفسه.

9- أما عن حشود سبتمبر وأكتوبر فيقول سودائى للجنة: عندما تطورت الأحداث منذ شهر سبتمبر أدركت أننا لم نكن نمتلك رد فعل شاملا. وبالنسبة لتجمعات القوات السورية لم يكن لدينا فى الحقيقة جواب واف يفسر قيام السوريين بحشد قواتهم منذ بداية سبتمبر. وأما المزاعم التى كانت تتردد فى فرع البحوث من أن الدافع للحشود هو خوف السوريين بسبب إسقاط 13 طائرة لهم فى اشتباك جوى يومى 12 و13 من سبتمبر فقد اعتبرتها لا تمثل جوابا شافيا عن سبب الحشود. لماذا؟ لأن الحشود كانت قد بدأت قبل الاشتباك الجوى المذكور.

10- على الباحثين المصريين أن يلاحظوا أن هذه أول مرة يرد فيها على لسان أى مصدر إسرائيلى أن الحشود السورية بدأت قبل المعركة الجوية فى 13 سبتمبر وبالتالى يرفض تفسير أن تكون هذه الحشود تعبيرا عن الخوف السورى من التعرض لهجوم إسرائيلى. ذلك أن جميع المصادر تجمع على أن الحشود ذات الأهمية بدأت يوم 13 سبتمبر لدرجة أن لجنة إجرانات قد صاغت سؤالها الرئيسى لجميع المسؤولين حول المعلومات والتقديرات المخابراتية على النحو التالى: «نريد أن نستمع إلى شهادتك حول المعلومات التى توافرت لديك فى يوم 13/9/1973 عندما أسقط سلاحنا الجوى ثلاث عشرة طائرة سورية وفى الأيام التالية وكذلك حول مساعى وتحركات العدو ونواياه لشن الحرب وأيضا التقديرات التى صدرت والقرارات التى اتخذت فى هذا الشأن» كما سبق وذكرنا.

11- ترى هل نخرج من هنا بدرس مستفاد إذا صحت معلومات سودائى عن موعد الحشود السورية أنه يمكن لفروع وشعب وأقسام متعددة فى أجهزة المخابرات أن تغفل عن تفصيلة مثل موعد الحشود التى بدأت قبل 13 سبتمبر وبالتالى تبنى تقديرها فى اتجاه خاطئ أم أن سودائى كان يكذب على اللجنة.

12- يربط سودائى فى شهادته أمام اللجنة بين الرأى الذى كان موضع اتفاق داخل المخابرات العسكرية (المسؤولة كما قلنا عن التقديرات) حول استحالة قيام السوريين وحدهم بالحرب وبين المعلومات حول الحشود والمناورة المصرية ليخلص إلى تقدير مختلف وهو أن مصر وسوريا ستقومان بالهجوم. وأشار هنا إلى تحذيرات جاءت من جهة حذفت الرقابة العسكرية اسمها من نص الوثيقة تؤكد أن المصريين سيهاجمون.

257124_0.jpg

التقديرات السائدة لدى القيادات:

من المهم أن يعلم الباحثون المصريون أن التقديرات التى كانت سائدة من جانب قيادة المخابرات العسكرية كانت مخالفة لرأى سودائى. فلقد ورد فى شهادة رئيسة الوزراء جولدا مائير أمام لجنة إجرانات أنه بعد ثلاثة أيام من المعركة الجوية فى 13 سبتمبر اجتمع مجلس الوزراء وقام وزير الدفاع باستدعاء رئيس الأركان، وقرأت من محضر الجلسة أمام اللجنة ذلك التقدير الذى قدمه الفريق دافيد أليعازر، رئيس الأركان، عن توقعاته لرد الفعل السورى على المعركة الجوية.

لقد انبنى تقديره على استبعاد قيام السوريين بهجوم شامل وأنهم قد يكتفون بإطلاق صاروخ على الطائرات الإسرائيلية فوق الجولان وأكد استعداد الجيش لهذا الرد السورى.

كذلك أكدت جولدا مائير أنها اعتبارا من يوم 16 سبتمبر وحتى 25 سبتمبر تلقت معلومات وتقديرات من المخابرات العسكرية تفيد أن السوريين يحشدون قواتهم فى تشكيل طوارئ، غير أن تقدير المخابرات كان مطمئنا.

إلى أن الدوافع لهذه الحشود هى مخاوف السوريين من أن يكون إسقاط طائراتهم مقدمة لهجوم إسرائيلى كبير على القوات السورية. كذلك أوضحت أنها عندما كان فى المطار يوم الأحد 30 سبتمبر للسفر إلى النمسا وصل أول تقرير عن بداية حشود مصرية كبيرة على جبهة قناة السويس، وكان تقدير المخابرات يفيد بأنها مناورة مصرية كبيرة للقيادات والقوات، كما أنها تعبر فى نفس الوقت عن تأثر المصريين بمخاوف السوريين من أن تكون إسرائيل فى طريقها للعدوان على الجبهتين.

إذن سنلاحظ أن الربط الرسمى لدى قيادة المخابرات العسكرية بين الحشود السورية والمصرية كان يتجه إلى تفسيرها تفسيرا بعيدا عن كونها مقدمة لهجوم مصرى سورى تماما على العكس من الربط الإيجابى الذى قدمه الباحث المدنى سودائى والذى انتهى فيه إلى أن الحشود على الجبهتين تعنى استنادا إلى إنذارات العملاء والمعلومات أن قرار الهجوم قد اتخذ من جانب مصر وسوريا.

وزير الخارجية يشرح مصادر المعلومات والتقديرات

من المفيد هنا أيضا أن نستجلى معلومات وزير الخارجية أبا إيبان عن الحشود المصرية والسورية والتقديرات المستقرة عند وزارته بناء على ما تتلقاه من تقارير والتى تسير فى اتجاه عكس ما ذهب إليه الباحث سودائى. يقول أبا إيبان للجنة فى شهادته «أستأذن فى أن أتطرق إلى توقعاتى وتوقعات وزارتى وتقديرى وتقدير وزارتى بشأن احتمال نشوب الحرب فى الأيام السابقة عليها. ملخص القول هو أن الحرب كانت بمثابة مفاجأة لى ولوزارتى، حيث إن نشوبها فى حد ذاته كان يتنافى مع كل التقديرات التى كانت لدينا حول الوضع العسكرى أو بتعبير أدق التقديرات التى كانت لدينا من الجانب الفنى لذلك الوضع. إن التقدير الفنى العسكرى يمثل أول مصدر لنا لتقدير الاحتمالات بالنسبة لنا. أما المصدر الثانى فهو تقديرات الحكومات الصديقة التى اعتادت أن تشاركنا المشورة والتقديرات فيما يتعلق بالوضع فى الشرق الأوسط، وهو يقصد هنا الولايات المتحدة فى الدرجة الأولى ودول أوروبا فى الدرجة الثانية».

ويواصل أبا إيبان قائلا: «أما المصدر الثالث الذى نعتمد عليه فهو تقييم مغزى بيانات وأعمال الحكومات العربية المرشحة لدخول الحرب وفى هذا الصدد أقصد بالطبع مصر وسوريا».

ومع ذلك يعطى أبا إيبان أهمية خاصة لتقديرات المخابرات العسكرية، حيث يستأنف القول «ولكن مما لا شك فيه أنه عند وضع تقديراتنا يكون هناك وضع خاص لجميع المعلومات والتقديرات التى تصل إلينا من المخابرات العسكرية، حيث إن الحرب تنشب عامة على خلفية استعدادات معينة ظاهرة للعين، ولذلك فإن رصد الواقع الميدانى وتقييم وتفسير هذا الواقع لهما دور مهم فى التقديرات التى تضعها وزارتى هذا فضلا عن أنه لم تتوافر تقديرات أخرى تناقض النتائج التى توصلت إليها المخابرات العسكرية الإسرائيلية. وسوف أذكر التقديرات التى نمت إلى علمى إلى أن وصلت أنباء من القدس فى السادس من أكتوبر عن وجود احتمالات قريبة لنشوب الحرب. من المهم أن نعلم أن أبا إيبان كان موجودا فى الولايات المتحدة منذ ما قبل يوم السادس من أكتوبر لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد بلغته أنباء المعركة وهو هناك، ولعب دورا مهما فى إيصال الطلبات الإسرائيلية إلى الأمريكيين، كما سيتبين لاحقا عند الحديث عما كشفته الوثائق عن تفاصيل الدور الأمريكى الداعم لإسرائيل مخابراتياً وسياسياً وعسكرياً.

اجتماع لجنة رؤساء أجهزة المخابرات فى الرابع من أكتوبر

يبدأ أبا إيبان بالحديث عن اجتماع لجنة رؤساء أجهزة المخابرات فى الرابع من أكتوبر وما انتهت إليه من رأى فى الحشود المصرية والسورية. إن هذه اللجنة تمثل هيئة تم إنشاؤها عام 1949 وتضم رؤساء الأجهزة الرئيسية داخل منظومة المخابرات الإسرائيلية وهم رئيس الموساد أى المخابرات العامة، ورئيس المخابرات العسكرية ورئيس جهاز الشاباك، أى الأمن العام الداخلى، كما يشارك فيها السكرتير العسكرى لرئيس الوزراء، وممثل لوزارة الخارجية ومهمتها بحث المسائل المتصلة بالمخاطر والتهديدات والمعلومات المخابراتية المتوافرة حول هذه المخاطر والتقديرات لهذه المعلومات.

يقول أبا إيبان إن تقدير الموقف يوم الرابع من أكتوبر انتهى بناء على رأى المخابرات العسكرية إلى أن الحشود السورية على الجبهة ترجع إلى تخوف السوريين من قيام إسرائيل بمهاجمتهم، ويبدو أن هذه الفكرة جاءتهم من الروس، أما الجبهة المصرية فإن ما يجرى فيها هو مناورة مصرية تهدف إلى التدريب على احتلال سيناء، وهو ما أدى إلى إلغاء الإجازات واستدعاء الاحتياط فى مصر، ولكن ليس لدى المصريين نية للهجوم الفعلى، بل هناك تخوف مصرى من أن تقوم إسرائيل بعملية ضد مصر وهو تخوف متأثر بتخوف السوريين.

إن شهادة أبا إيبان تبين أن رؤساء أجهزة المخابرات كانوا منحازين إلى الربط بين الحشود المصرية والحشود السورية برابطة خوف مصر وسوريا من التعرض لهجوم إسرائيلى، على عكس ما كان يفكر فيه الباحث ألبرت سودائى، وكان تفكيره هو الصحيح والذى ثبتت صحته بعد يومين بنشوب الحرب.

سودائى موضع لسخرية الضباط

من الواضح من جميع الوثائق أن الباحث المدنى ألبرت سودائى كان يسبح بمفرده ضد التيار الجارف الذى خلقته خطة الخداع الاستراتيجى المصرية. لقد أدخلت جميع ضباط فرع الأبحاث المسؤول الأول عن وضع التقديرات الأولية ورفعها إلى رئاسة المخابرات الحربية فى حالة غيبوبة كاملة حالت بينهم وبين الربط الصحيح للمعلومات المتوافرة. لقد قدم سودائى أمام لجنة التحقيق مجموعة معلومات ذات طابع عسكرى أطلع عليها ضباط القسم المصرى العسكرى فى شعبة التقديرات ولم يستنتجوا منها شيئا.

ويقول سودائى إنه ربط بينها ووجد أنها تشير إلى أن المصريين يتجهون هذه المرة إلى القيام بهجوم فعلى. يذكر سودائى أنه اعتبارا من يوم الثلاثاء الموافق الثانى من أكتوبر ازداد قلقه من احتمال حدوث الهجوم المصرى بسبب ورود إنذار من مصدر تم حذف اسمه من الوثيقة بواسطة الرقابة العسكرية الإسرائيلية وهو إنذار يقول إن المناورة المصرية ستتحول إلى هجوم حقيقى لم يهتم به الضباط وتزايد القلق عنده عندما وردت معلومة بأن غواصة مصرية تتجه نحو ميناء بورسودان، وأن هناك مدمرات مصرية تنتقل من عدن إلى بربرة فى الصومال ثم معلومات أخرى بأن المصريين أحضروا وحدات بحرية إلى بورسعيد مع منصات إطلاق صواريخ وهو أمر لم يحدث من قبل، وهى منصات صواريخ مثبتة على متن سفن، كذلك وردت معلومات بأن الطيران المصرى اتخذ له مطارات أمامية بالقرب من الجبهة. الأمر الخطير الدال على درجة نجاح خطة الخداع الاستراتيجى المصرية ما يقوله سودائى من أنه خشى أن يعبر عن قلقه وتقديره صراحة حول جدية احتمال الهجوم المصرى فى اجتماع عام لضباط وباحثى الشعبة المصرية يوم الأربعاء 3 أكتوبر لماذا؟ لأنه تعود أن يتلقى عبارات السخرية والاستهجان من سائر الضباط والباحثين كلما كان يحاول قبل ذلك التعبير عن رأيه المخالف. فقد كان الضباط يمطرونه بعبارات أشبه بما نقوله فى العربية (اتلهى على عينك) أو إنت غاوى تثير الفزع. إن الوثائق تكشف عن مواضع عديدة تؤكد أن الذكاء والدهاء من جانب العقل المخابراتى المصرى قد أحكما قبضتهما على العقل الجماعى لضباط وقادة وباحثى المخابرات المعادية.
 
عودة
أعلى