كيف يمكن أن تبدأ الحرب العالمية الثالثة يوم غد

إنضم
16 فبراير 2013
المشاركات
3,015
التفاعل
8,014 0 0
الدولة
Saudi Arabia
759.jpg



قد تكون شرارة صغيرة كافية للتسبب بنشوب نزاع بين حلف شمالي الأطلسي ناتو، الصين وروسيا، مع ظهور أشكال غير مشهودة سابقاً من الأساليب الحربية.
هناك حكمة قديمة تقول أن العسكريين يحضرون لفشل محتم حين يستعدون للقتال في حرب على شاكلة النزاع المسلح الأخير الناشب, لكن حين نأتي إلى حروب القرن الحادي والعشرين، فإن المشكلة قد لا تكمن في مسألة النظر إلى الخلف، وإنما أننا لم ننظر إلى الخلف بما يكفي.
على مدى العقدين الأخيرين، ركز الزعماء في لندن وواشنطن على العمليات في أمكنة مثل سيراليون، البوسنة، العراق، أفغانستان والآن سوريا حيث كان ومازال القلق ناجم من دول ضعيفة ومتفجرة.
على أن ثمة اتجاهات أكبر تتكون على الصعيد العالمي. إننا نشهد العودة إلى سياسات القوى العظمى - بما يتوازى مع خطر خوض دول قوية مضمار الحرب. لقد بدا أمر حصول نزاعات مع بلدان على شاكلة روسيا أو الصين أمراً بدا منتهياً مع نهاية الحرب الباردة. على أن تصاعد التوترات في يومنا الحاضر يعني أن ثمة خطر بأن مثل هذا الخطر قد يصبح حقيقة واقعة.
كما حصل في الماضي، فمن المحتمل جداً أن حرباً عالمية ثالثة قد تبدأ بحدث صغير، أو حتى على نحو عرضي. قد تصطدم إحدى القاذفات الروسية العديدة التي تحلق لتختبر مدى تحصن حدود أجواء البلدان الأعضاء بحلف ناتو بطائرة مقاتلة من نوع تايفون تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني، ما يؤدي إلى إشتباك جوي على نحوٍ لم يشهده العالم منذ عقود مضت. والواقع أن أجواء سوريا بدأت تكتظ بالطائرات على نحوٍ خطير، مع طائرات روسية تحلق على مقربة من طائرات أميركية في جولات للقصف، مع التلاعب بالدفاعات الجوية الخاصة بتركيا المجاورة. قد يحصل الأمر بحراً مع إصطدام سفينة يابانية أو أميركية بمثيلة لها تابعة للبحرية الصينية بسبب نزاع وسط المنطقة المرجانية في المحيط الهادىء التي باتت مكتظة بالتواجد العسكري كجزء من سباق الأسلحة الجاري حالياً في آسيا.
كما يمكن أن ينشب النزاع كجزء من قرارات أكبر لإعادة تشكيل العالم. إتجاهات موازين القوى في آسيا أخذت تتبدل في آسيا مع بلوغ الجيوش والإقتصاديات في تلك المنطقة مستويات موازية لما هي عليه في الغرب. وقد ربط الرئيس كسي جينبينع بين القوة العسكرية والأولوية القومية في الخطاب الذي ألقاه تحت عنوان الحلم الصيني، وهو الخطاب الذي عرض لمفهوم غوانجون غواجيا جينتي، أي بحلول الصين بدلاً من الولايات المتحدة كقوة رئيسية في العالم.
في هذا الوقت، فإن التحسن الإقتصادي في الصين يحمل في طياته أفق إخراج ناس من حالة الفقر بعدد يفوق كل ما شاهده تاريخ الإنسانية من تحولات بهذا الصدد - وإلى جانب هذا إمكانية بروز أمة تتطلع إلى إعادة ترتيب النظام العالمي بما يتفق مع قوتها المستعادة. إذا ما عدنا إلى التاريخ نجد أن القوى المتصاعدة تسعى على نحو متكرر الإطاحة بميزان القوى القائم. وقد وجد الأستاذ في جامعة هارفارد عراهام أليسون أن 11 من مثل هذه الحالات تمخضت عن نزاعات مسلحة منذ 1500 وحتى الآن.

كما أن القرار قد يصدر ليس من مركز قوة متصاعد، وإنما من دولة تتراجع. روسيا كانت قوة عظمى، لكنها تجتاز الآن مرحلة من التراجع السياسي والإقتصادي. وللطفل المولود في روسيا توقع بمدى الحياة مماثل تقريباً لتوقع العمر المرجح الذي سيبلغه طفل يولد في هايتي, على أن لعبة بوتين مع هذه الأوراق الضعيفة تقضي بممارسة ضغطاً أقوى على حدود بلاده وجعل حلف ناتو يرفع درجات الطوارىء لديه إلى أعلى مستوياتها منذ ثمانينات القرن العشرين.
كيف يمكن أن تنشب حرب عالمية ثالثة؟ ما من شك أن نشوب مثل هذه الحرب سيكون مختلفاً عن الحروب الصغيرة في يومنا الحاضر، وهي حروب أثبتت قسوتها البالغة، ولكنها حملت أيضاً الكثيرين في كل من بكين وموسكو على الظن أنها دليل على ضعفنا يقصد ضعف الغرب. ويبين كتاب الأسطول الشبح أن حرباً تنشب بين القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين سوف تتخطى بسرعة النزاعات التي عهدناها على البر. وعلى عكس ما هو الأمر عليه مع جماعات مثل طالبان أو داعش، أو حتى قوات مسلحة تابعة لبلدان على شاكلة العراق حين كان خاضعاً لحكم الرئيس الراحل صدام حسين، فإن الدول صاحبة القدرات الفعلية قادرة على بسط قواها في جميع الميادين.
قد نشهد معارك من أجل السيطرة على الأجواء والبحار على نحو لم نعهده منذ أكثر من 70 عاماً - والأمر المؤسف أن هذه النزاعات قد تجعل بعض المشتريات الأساسية التي نحن أي القوى الغربية بصدد إجرائها موضع مساءلة. بريطانيا تقوم حالياً بشراء طائرات مقاتلة جديدة بقيمة 12 بليون جنيه إسترليني - على أن البرامج الكمبيوترية الخاصة بتلك الطائرات قد تعرضت للقرصنة في مناسبات عديدة، ومداها التشغيلي أقصر من المدى التشغيلي للطائرات من نفس الفئة التي كانت مستعملة خلال الحرب العالمية الثانية. إننا أي بريطانيا ننفق 6 بليون جنيه أسترليني على حاملة طائرات تفتقر إلى بعض المتطلبات الدفاعية الضرورية في التجهيزات الحربية الحديثة.
على أن عمليات القرصنة المعلوماتية بينت بأننا بتنا نشهد معارك في مجالين جديدين يتمثلان بالفضاء والمجال الشبكي الرقمي سيبرسبايس، الفضاء بات الآن جزء من النظام العصبي العسكري المقصود بذلك أنظمة الرصد والإستشعار. والفضاء العسكري لا يقتصر على الأقمار الإصطناعية العسكرية للتجسس: ٨٠% من الأتصالات العسكرية الخاصة بحلف شمالي الأطلسي ناتو تتحول عبر الأقمار الإصطناعية التجارية، ما يجعل من هذه الأقمار الإصطناعية التجارية أهدافاً يمكن القول بأن أهميتها الإستراتيجية توازي أهمية المدارج الجوية أو القواعد البحرية. وقد ثبتت قدرات الصين في مجال الأسلحة المضادة للأقمار الإصطناعية على نحو متكرر منذ 2007. كما يُعتقد أن روسيا تعمل على تطوير أسلحة سوف تستهدف أنظمة فضائية من أجل وضع قوات الناتو في الظلام. وقد رصدت الولايات المتحدة 5 بليون دولار لخطط الحرب الفضائية الخاصة بها.
كذلك فلقد إنتقل المجال الرقمي من الخيال العلمي إلى الواقع الملموس وبات جزءا لا يتجزأ من الشأن العسكري - والواقع أن المعارك الرقمية قد تكون بدأت منذ الآن. مجموعات القرصنة المدعومة من الصين تسربت في كل شيء من برنامج الطائرة المقاتلة أف - 35 جي أس أف هذه الطائرة صممت لتعطي الحلفاء الغربيين ميزة في ميادين القتال المستقبلية بصفتها متفوقة على مثيلاتها بجيل تكنولوجي كامل، غير أن الصين تستعد منذ الآن لتصدير طائراتها الخاصة جي - 31 التي تبدو وكأنها الشقيقة التوأم للأف - 35، إلى الملفات الشخصية المخزنة لدى جميع مراكز المراقبة الأمنية بالولايات المتحدة. كما أنهم سرقوا 1.1 مليون بصمة مخزنة في قواعد البيانات الرقمية.
إن حرباً قد تنشب في العالم الحقيقي قد تكون مسرحاً لسرقة معلومات بقدر أوسع في العالم الشبكي الرقمي. وقد أتى الأستعمال الروسي لهجمات معلوماتية من أجل التعرض لشبكة الإتصالات وللتجارة في أوكرانيا، أو إستعمال الولايات المتحدة للسلاح الرقمي ستاكسنيت لإلحاق الضرر المادي بمنشآت إيرانية للأبحاث النووية تظهر أن الحرب الرقمية قد تتسبب بأضرار مادية. وتُعتمد برامج على شاكلة برنامج التحكم الصناعي الذي إستهدفه ستاكسنيت لتنظيم كل شيء من حركة السير في مدينة لندن إلى حجرة المحركات في السفن الحربية التي يستعملها سلاح البحرية الملكية البريطانية.
السلاح الرقمي والفضائي غير محصور بالقوى العظمى التي تمتلك طائرات وصواريخ ليس بإمكان تنظيم داعش أو قوات الرئيس بشار الأسد إستهدافها. ففي المجالين الفضائي والرقمي، ليس ثمة حدود جغرافية وما نستطيع إضافته في هذا المجال أن الشبكات العسكرية والمدنية مترابطة في ما بينها، إن كانت شبكات للأسلاك البحرية أو شبكات محلية للإتصالات. الإتصالات العسكرية والمخابراتية تتشارك شبكات الإتصالات نفسها التي تستعملها الجدات لبعث رسائل البريد الإلكتروني لأحفادهن. نظام جي بي أس لتحديد المواقع بالأقمار الإصطناعية مُعتمد من كل من الجيل الأحدث للطائرات دون طيار لدى سلاح الجو الملكي البريطاني، ومن العائلات التي تذهب في رحلة إستجمام لقضاء فترة عطلة...
قد يمكن تقبل فرضية أن مثل هذا النزاع ليس مطلوباً ولا أنه لا يمكن لتلافيه: إن نشوب حرب عالمية ثالثة يعني فشل مكتمل لمفاهيم الردع والدبلوماسية، لكن إحتمال نشوب مثل هذا النزاع يعني أنه ينبغي علينا المقصود ينبغي على الغربيين مراجعة حساباتنا على نحو غير معهود منذ عقود. هناك عدد زائد من الزعماء والمفكرين يكتفون بتقليد أقرانهم قبل قرن من الآن، والذين كانوا يعتقدون أن التجارة والتقدم العمراني قد جعلت خطر إندلاع حرب بين الدول شيئاً من الماضي الغابر. كذلك فإن عدداً زائداً من الضباط العسكريين يتخذون موقفاً معاكساً لموقف أقرنهم في ماضي التاريخ وهم متفائلون على نحو معاكس لظنهم أن مثل تلك الحرب في حال إندلاعها سوف تُختصر بعبارتي قصيرة وحادة.
إن التطرق إلى مثل تلك الإتجاهات لم يعد لائقاً من الناحية السياسية. قد يبدو الخوف من حرب عالمية ثالثة بمثابة خشية من ماضٍ بعيد أو ضرب من الخيال، لكن إذا كان ثمة أمل بالحؤول دون حرب بين القوى العظمى، فالمطلوب لذلك فتح باب المناقشة الصريحة والمنفتحة حولها. ولمن لا يكون مقتنعاً بذلك أن يعود إلى ما أفاد به ضابط عسكري صيني في نشرة رسمية تابعة للنظام في السنة الماضية: الحرب العالمي هي شكل من الحروب ينبغي على العالم بأسره مواجهته. هذه الإفادة جديرة بأن يتم تقييمها مع التصرف إزاء ما لها من إنعكااست ونتائج.

 
عودة
أعلى