الحروب الدينية لعبة غربية !!
محمد مصطفى
ليست تلك العناوين التى ذاع صيتُها فى المنطقة الآن ( الوهابية المتسلفة .. الإخوان.. الجهاد.. القاعدة .. داعش .. أنصار بيت المقدس .. إلخ والقائمة طويلة ) ليست من الإسلام فى شيء اللهم إلا فى التسميات .. بل هى حملة غربية استعمارية على منطقتنا ملتحفة برداء إسلامى للإجهاز على المشرق العربى .. وحين نرى كل فعل لهؤلاء المتأسلمين يُمكن الغرب من رقابنا ندرك خبيئتهم .. وحين نرى استقواء هؤلاء بالغرب على حساب أوطانهم كما ثوار الناتو فى ليبيا، والإخوان فى مصر نقف على حقيقتهم .. وحين نراهم يزدرون الانتماء للأوطان، ويُكفرون من ليس على دربهم، ويستبيحون الدماء، نستيقن أنه تأسلم يُبشر به الغرب، بديلاً عن الإسلام الحق القاتل لطموحه الاستعمارى .. فما قصة هؤلاء القوم، الذين يباركهم الغرب ويمقتهم الشرق ..
إنها قصة الحروب الدينية، تلك التى أنهكت أوروبا، واستمرت بصورة متعاقبة لمدة مائة وواحد وثلاثين سنة بين عامي (1517 - 1648 م) وتخلصوا منها فتقدموا ونهضوا .. وأتوا فى العصر الحديث ليُصدِّروها لنا لنتقهقر نحن للوراء، حتى نكون فريسة سهلة لأطماعهم .. فهى إذن حيلة ماكرة لجأ إليها الغرب، بعدما استيأس الصدام العسكرى على الأرض، فاستدعى من جوف التاريخ ما كان سبباً فى تأخره وتخلفه ـ إنها الحروب الدينية ـ التى أنهكته، استدعاها الآن ليقررها على منطقتنا مصيراً لنا، أيام قامت دعوات الإصلاح الدينى فى أوروبا عبر محطاتها الثلاث :
- فى إنجلترا فى منتصف القرن الرابع عشر على يد ( جون ويكلف/ 1324- 1384م )
الذى أسقط هالة الباباوية وكفَّر صكوك الغفران،وغيرها من المعتقدات الكاثوليكية.
- فى بولندا فى أواخر القرن الرابع عشر على يد ( حنا هوس/ 1365- 1415م ) الذى حارب جبروت الكنيسة،واتهمته الكنيسة بالإلحاد.
- فى ألمانيا فى بدايات القرن السادس عشر،على يد ( مارتن لوثر/ 1483- 1546م ) وكانت حركة لوثر هى المتوجة للثورة البروتستانتينية على الكاثوليكية .
وإثر ظهور حركات الإصلاح الدين،غطت أوروبا فى أتون حروب أهلية جراء النزعات الدينية المتطرفة،دامت لمئة وثلاثين عاماً .
فاستطاع دهاة الغرب ومفكروهم أن يُخرجوا للمنطقة العربية فكراً إسلامياً،كان فى الماضى منسجماً مع عصره،ثم بعثوه بعثاً حياً،فتصادم مع العصر فكانت حيلة ماكرة،فتحت على المنطقة أبواب الجحيم،حين عادت الصحوة الإسلامية من روافد مشبوهة،فأنجبت ظاهرة التأسلم السياسى بكل طوائفه، بدءاً بحركة محمد بن عبد الوهاب ( 1744م ) .. ومروراً بحركة حسن البنا ( 1928م ) .. وانتهاءً بالقاعدة ( 1988م ) .. وما انشطر عنها من التكفيريين الإرهابيين .. بغية تأجيج الطحان على أسس دينية تصل فى النهاية لتمزيق المنطقة العربية التى وقعت فى ثلاث حلقات من لعبة الحروب الدينية ..
الأولى: محمد بن عبد الوهاب والتمهيد لإسقاط الدولة العثمانية ( 1744م )
الثانية: حسن البنا وإعاقة الدولة المصرية عن النهوض ( 1928م )
الثالثة: القاعدة وأخواتها .. داعش والنصرة والجهاديين التكفيريين .. وتفكيك الشرق الأوسط ( 2011م )
الحلقة الأولى: الوهابية المتسلفة .
وبدأت لعبة الحروب الدينية فى الوقت الذى دب الضعف والوهن فى الدولة العثمانية، وكان الصراع بين الفرنسيين والإنجليز على أشده، لمن يكون وريثها فى السيطرة على المنطقة، فمن يبادر بإسقاطها تكون التركة العثمانية من نصيبه .. فبادرت إنجلتر فكان لها السبق، لما اقتنصت الفرصة الذهبية بمباركتها ودعمها لدعوة محمد بن عبد الوهاب ( 1744م ) والتى من خلالها اشتعلت الحروب الدينية فى المنطقة بأثرها .
فكان ابن عبد الوهاب هو الوسيلة التي تمكنت بريطانيا عبرها، من غرس هذه الفكرة الشريرة في عقول مسلمي شبه الجزيرة العربية. فقد أطلق ابن عبد الوهاب فكرته التى اعتبر فيها أن الأتراك يُطبق عليهم حكم المرتد لأنهم يُوجهون الدعاء للأولياء والصالحين، وهو أمر كان شائعاً، أي أن الأتراك العثمانيين ارتدوا عن الإسلام، وبالتالي أفتى بجواز قتل كل من يرفض الانصياع لفتواه وسبي وأسر نسائهم وأولادهم. لكن تلك الفتوى شملت العالم الإسلامي بالكامل، باستثناء مجموعته الصغيرة من مريديه الذين غرر بهم .. لكن المذهب الوهابي كان غير ذي شأن بدون دعم الإنجليز . ولقد تصدى علماء الشريعة في ذلك العصر لدعوة ابن عبد الوهاب واعتبروا أتباعه زنادقة وقاموا بإدانة التعصب وعدم التسامح الذي يتسم به المذهب الوهابي المتسلف، والذى كانت بداية نشأته يُعد القاعدة الأصيلة التى قام عليها بنيان الجماعات المتأسلمة، التى تعربد الآن فى مشرقنا العربى ..
واندفع الوهابيون على أسس مذهبية للاستيلاء على البلاد الإسلامية الخاضعة لسلطان الخلافة،أي رفعوا السيف في وجه الخلافة تلك التى ينادون اليوم بإعادتها، فكانوا أول من دق مسمار فى نعشها، بتحريض من الإنجليز وإمداد منهم. وذلك لأخذ البلاد من الخليفة وحكمها حسب مذهبهم، وإزالة ما أحدثته المذاهب الإسلامية الأخرى غير مذهبهم بالقوة وحدِّ السيف.
فأغاروا على الكويت (سنة 1788م ) واحتلوها، ثم واصلوا تقدمهم إلى الشمال حتى حاصروا بغداد، وكانوا يريدون الاستيلاء على كربلاء، وعلى قبر الحسين رضي الله عنه لهدمه ومنع زيارته. ثم في نيسان (سنة 1803م ) شنّوا هجوماً على مكة واحتلوها، وفي ربيع (سنة 1804م ) سقطت المدينة المنورة في أيديهم، فخرَّبوا القباب الضخمة التي تظلّل قبر الرسول،وجرَّدوها من جميع النفائس. وبعد أن انتهوا من الاستيلاء على الحجاز كله ساروا نحو الشام، وقاربوا حمص. وفي (سنة 1810م ) هاجموا دمشق كرّة أخرى كما هاجموا النجف. وقد دافعت دمشق عن نفسها دفاعاً مجيداً. ولكن الوهابيين مع محاصرتهم لدمشق انطلقوا نحو الشمال، وبسطوا سلطانهم على أكثر أراضي سورية حتى حلب. وكان معروفاً أن هذه الحملة الوهابية عمل إنجليزي، استغل المذهب الوهابي في أعمال سياسية لضرب دول المنطقة وتمزيقها، عبر الطحان الداخلى بين المذاهب الإسلامية وبعضها البعض، لإثارة حروب مذهبية داخل المنطقة العربية الخاضعة لحكم العثمانيين، خدمةً لمخططات طلائع المستعمرين الجدد، فى استلاب تركة الخلافة العثمانية لحساب الإنجليز فى خطوة لاحقة، دون أن يدرك ذلك أتباع هذا المذهب، ولكن عن إدراك ووعي من محمد بن عبد الوهاب .
ولم يمنع ذلك أتباع المذهب الوهابي من إظهار عدم التزامهم بالدين الذي يدَّعون الإيمان به، فقاموا بذبح المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، ومن ثم قاموا بتدمير كافة الأضرحة المقدسة والمدافن، وقاموا بسرقة خزينة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تضم كتباً قيمةً من تراثنا الإسلامى، وأعمالا فنية، وهدايا عديدة لا تُقدر بثمن، ولكن لله الحمد قد تم إرسالها إلى المدينة على مدى الألفية الماضية .. فما كان من الدولة العثمانية إلا أن فوضت محمد على باشا للقضاء على الوهابية .. (سنة 1811م ) فأرسل ابنه طوسون لمحاربتهم، ودارت معارك عديدة بينهم وبين جيش مصر، وتمكن جيش مصر (سنة 1812م ) من فتح المدينة. ثم في آب (سنة 1816م ) أرسل ابنه إبراهيم من القاهرة فَسحَقَ الوهابيين سَحْقاً حتى تراجعوا إلى عاصمتهم الدِّرْعِيّة وتحصنوا فيها، فحاصرهم إبراهيم في نيسان (سنة 1818م ) طوال الصيف. وفي 9 أيلول (سنة 1818م ) استسلم الوهابيون .. وبذلك انتهت محاولة الإنجليز فى تلك المحطة،لكن ليس نهائياً فالفكرة المستدعاة من حروب أوروبا الدينية قد نبتت فى أرض المشرق العربى .. فازدهر المذهب الوهابى المتسلف من جديد، وصار أتباعة هم طلائع الثورة على الخلافة العثمانية،بل وكان الإنجليز يقفون خلف الوهابية بالدعم والتأييد .
وبعد الحرب العالمية الأولى ( 1918م ) تم تقسيم أجزاء الامبراطورية العثمانية السابقة إلى بلدان صورية تخضع للسيطرة الإنجليزية الفرنسية، فيما يعرف (بسيكس بيكو / 1916م ) التى أُبرمت سراً من خلف ظهر العرب إبان استعار رحى الحرب، وتلك أول ثمار لعبة الحروب الدينية التى قررها علينا الغرب من يومها وحتى اليوم .
محمد مصطفى
ليست تلك العناوين التى ذاع صيتُها فى المنطقة الآن ( الوهابية المتسلفة .. الإخوان.. الجهاد.. القاعدة .. داعش .. أنصار بيت المقدس .. إلخ والقائمة طويلة ) ليست من الإسلام فى شيء اللهم إلا فى التسميات .. بل هى حملة غربية استعمارية على منطقتنا ملتحفة برداء إسلامى للإجهاز على المشرق العربى .. وحين نرى كل فعل لهؤلاء المتأسلمين يُمكن الغرب من رقابنا ندرك خبيئتهم .. وحين نرى استقواء هؤلاء بالغرب على حساب أوطانهم كما ثوار الناتو فى ليبيا، والإخوان فى مصر نقف على حقيقتهم .. وحين نراهم يزدرون الانتماء للأوطان، ويُكفرون من ليس على دربهم، ويستبيحون الدماء، نستيقن أنه تأسلم يُبشر به الغرب، بديلاً عن الإسلام الحق القاتل لطموحه الاستعمارى .. فما قصة هؤلاء القوم، الذين يباركهم الغرب ويمقتهم الشرق ..
إنها قصة الحروب الدينية، تلك التى أنهكت أوروبا، واستمرت بصورة متعاقبة لمدة مائة وواحد وثلاثين سنة بين عامي (1517 - 1648 م) وتخلصوا منها فتقدموا ونهضوا .. وأتوا فى العصر الحديث ليُصدِّروها لنا لنتقهقر نحن للوراء، حتى نكون فريسة سهلة لأطماعهم .. فهى إذن حيلة ماكرة لجأ إليها الغرب، بعدما استيأس الصدام العسكرى على الأرض، فاستدعى من جوف التاريخ ما كان سبباً فى تأخره وتخلفه ـ إنها الحروب الدينية ـ التى أنهكته، استدعاها الآن ليقررها على منطقتنا مصيراً لنا، أيام قامت دعوات الإصلاح الدينى فى أوروبا عبر محطاتها الثلاث :
- فى إنجلترا فى منتصف القرن الرابع عشر على يد ( جون ويكلف/ 1324- 1384م )
الذى أسقط هالة الباباوية وكفَّر صكوك الغفران،وغيرها من المعتقدات الكاثوليكية.
- فى بولندا فى أواخر القرن الرابع عشر على يد ( حنا هوس/ 1365- 1415م ) الذى حارب جبروت الكنيسة،واتهمته الكنيسة بالإلحاد.
- فى ألمانيا فى بدايات القرن السادس عشر،على يد ( مارتن لوثر/ 1483- 1546م ) وكانت حركة لوثر هى المتوجة للثورة البروتستانتينية على الكاثوليكية .
وإثر ظهور حركات الإصلاح الدين،غطت أوروبا فى أتون حروب أهلية جراء النزعات الدينية المتطرفة،دامت لمئة وثلاثين عاماً .
فاستطاع دهاة الغرب ومفكروهم أن يُخرجوا للمنطقة العربية فكراً إسلامياً،كان فى الماضى منسجماً مع عصره،ثم بعثوه بعثاً حياً،فتصادم مع العصر فكانت حيلة ماكرة،فتحت على المنطقة أبواب الجحيم،حين عادت الصحوة الإسلامية من روافد مشبوهة،فأنجبت ظاهرة التأسلم السياسى بكل طوائفه، بدءاً بحركة محمد بن عبد الوهاب ( 1744م ) .. ومروراً بحركة حسن البنا ( 1928م ) .. وانتهاءً بالقاعدة ( 1988م ) .. وما انشطر عنها من التكفيريين الإرهابيين .. بغية تأجيج الطحان على أسس دينية تصل فى النهاية لتمزيق المنطقة العربية التى وقعت فى ثلاث حلقات من لعبة الحروب الدينية ..
الأولى: محمد بن عبد الوهاب والتمهيد لإسقاط الدولة العثمانية ( 1744م )
الثانية: حسن البنا وإعاقة الدولة المصرية عن النهوض ( 1928م )
الثالثة: القاعدة وأخواتها .. داعش والنصرة والجهاديين التكفيريين .. وتفكيك الشرق الأوسط ( 2011م )
الحلقة الأولى: الوهابية المتسلفة .
وبدأت لعبة الحروب الدينية فى الوقت الذى دب الضعف والوهن فى الدولة العثمانية، وكان الصراع بين الفرنسيين والإنجليز على أشده، لمن يكون وريثها فى السيطرة على المنطقة، فمن يبادر بإسقاطها تكون التركة العثمانية من نصيبه .. فبادرت إنجلتر فكان لها السبق، لما اقتنصت الفرصة الذهبية بمباركتها ودعمها لدعوة محمد بن عبد الوهاب ( 1744م ) والتى من خلالها اشتعلت الحروب الدينية فى المنطقة بأثرها .
فكان ابن عبد الوهاب هو الوسيلة التي تمكنت بريطانيا عبرها، من غرس هذه الفكرة الشريرة في عقول مسلمي شبه الجزيرة العربية. فقد أطلق ابن عبد الوهاب فكرته التى اعتبر فيها أن الأتراك يُطبق عليهم حكم المرتد لأنهم يُوجهون الدعاء للأولياء والصالحين، وهو أمر كان شائعاً، أي أن الأتراك العثمانيين ارتدوا عن الإسلام، وبالتالي أفتى بجواز قتل كل من يرفض الانصياع لفتواه وسبي وأسر نسائهم وأولادهم. لكن تلك الفتوى شملت العالم الإسلامي بالكامل، باستثناء مجموعته الصغيرة من مريديه الذين غرر بهم .. لكن المذهب الوهابي كان غير ذي شأن بدون دعم الإنجليز . ولقد تصدى علماء الشريعة في ذلك العصر لدعوة ابن عبد الوهاب واعتبروا أتباعه زنادقة وقاموا بإدانة التعصب وعدم التسامح الذي يتسم به المذهب الوهابي المتسلف، والذى كانت بداية نشأته يُعد القاعدة الأصيلة التى قام عليها بنيان الجماعات المتأسلمة، التى تعربد الآن فى مشرقنا العربى ..
واندفع الوهابيون على أسس مذهبية للاستيلاء على البلاد الإسلامية الخاضعة لسلطان الخلافة،أي رفعوا السيف في وجه الخلافة تلك التى ينادون اليوم بإعادتها، فكانوا أول من دق مسمار فى نعشها، بتحريض من الإنجليز وإمداد منهم. وذلك لأخذ البلاد من الخليفة وحكمها حسب مذهبهم، وإزالة ما أحدثته المذاهب الإسلامية الأخرى غير مذهبهم بالقوة وحدِّ السيف.
فأغاروا على الكويت (سنة 1788م ) واحتلوها، ثم واصلوا تقدمهم إلى الشمال حتى حاصروا بغداد، وكانوا يريدون الاستيلاء على كربلاء، وعلى قبر الحسين رضي الله عنه لهدمه ومنع زيارته. ثم في نيسان (سنة 1803م ) شنّوا هجوماً على مكة واحتلوها، وفي ربيع (سنة 1804م ) سقطت المدينة المنورة في أيديهم، فخرَّبوا القباب الضخمة التي تظلّل قبر الرسول،وجرَّدوها من جميع النفائس. وبعد أن انتهوا من الاستيلاء على الحجاز كله ساروا نحو الشام، وقاربوا حمص. وفي (سنة 1810م ) هاجموا دمشق كرّة أخرى كما هاجموا النجف. وقد دافعت دمشق عن نفسها دفاعاً مجيداً. ولكن الوهابيين مع محاصرتهم لدمشق انطلقوا نحو الشمال، وبسطوا سلطانهم على أكثر أراضي سورية حتى حلب. وكان معروفاً أن هذه الحملة الوهابية عمل إنجليزي، استغل المذهب الوهابي في أعمال سياسية لضرب دول المنطقة وتمزيقها، عبر الطحان الداخلى بين المذاهب الإسلامية وبعضها البعض، لإثارة حروب مذهبية داخل المنطقة العربية الخاضعة لحكم العثمانيين، خدمةً لمخططات طلائع المستعمرين الجدد، فى استلاب تركة الخلافة العثمانية لحساب الإنجليز فى خطوة لاحقة، دون أن يدرك ذلك أتباع هذا المذهب، ولكن عن إدراك ووعي من محمد بن عبد الوهاب .
ولم يمنع ذلك أتباع المذهب الوهابي من إظهار عدم التزامهم بالدين الذي يدَّعون الإيمان به، فقاموا بذبح المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، ومن ثم قاموا بتدمير كافة الأضرحة المقدسة والمدافن، وقاموا بسرقة خزينة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تضم كتباً قيمةً من تراثنا الإسلامى، وأعمالا فنية، وهدايا عديدة لا تُقدر بثمن، ولكن لله الحمد قد تم إرسالها إلى المدينة على مدى الألفية الماضية .. فما كان من الدولة العثمانية إلا أن فوضت محمد على باشا للقضاء على الوهابية .. (سنة 1811م ) فأرسل ابنه طوسون لمحاربتهم، ودارت معارك عديدة بينهم وبين جيش مصر، وتمكن جيش مصر (سنة 1812م ) من فتح المدينة. ثم في آب (سنة 1816م ) أرسل ابنه إبراهيم من القاهرة فَسحَقَ الوهابيين سَحْقاً حتى تراجعوا إلى عاصمتهم الدِّرْعِيّة وتحصنوا فيها، فحاصرهم إبراهيم في نيسان (سنة 1818م ) طوال الصيف. وفي 9 أيلول (سنة 1818م ) استسلم الوهابيون .. وبذلك انتهت محاولة الإنجليز فى تلك المحطة،لكن ليس نهائياً فالفكرة المستدعاة من حروب أوروبا الدينية قد نبتت فى أرض المشرق العربى .. فازدهر المذهب الوهابى المتسلف من جديد، وصار أتباعة هم طلائع الثورة على الخلافة العثمانية،بل وكان الإنجليز يقفون خلف الوهابية بالدعم والتأييد .
وبعد الحرب العالمية الأولى ( 1918م ) تم تقسيم أجزاء الامبراطورية العثمانية السابقة إلى بلدان صورية تخضع للسيطرة الإنجليزية الفرنسية، فيما يعرف (بسيكس بيكو / 1916م ) التى أُبرمت سراً من خلف ظهر العرب إبان استعار رحى الحرب، وتلك أول ثمار لعبة الحروب الدينية التى قررها علينا الغرب من يومها وحتى اليوم .