قصة الإسلام في الفلبين
تقع الفليبين في جنوب شرقي آسيا على شكل أرخبيل يضم أكثر من سبعة آلاف جزيرة، تتفاوت في مساحتها تفاوتًا كبيرًا، ومعظمها غير مأهول بالسكان، وتعتبر الفليبين جزءًا من أرخبيل الملايو الذي يضم ثلاثة دول، وهي: إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، وهي الدول العامرة بالخيرات والثروات الطبيعية ممَّا جلب عليها أطماع الدول الأوروبية.
تتسم بعض جزر الفلبين بأنها بركانيَّة، وكثيرًا ما تتعرَّض للزَّلازل والبراكين الثَّائرة، والتي من بينها بركان "مايون"، وهو من أضخم براكين العالَم، ويقع في حزيرة لوزون، وبركان "إيو" في جزيرة مندناو، ويرتفع لمسافة 9.450 قدَمًا فوق سطح البحر.
بدأ الإسلام في جزر الفليبين في منتصف القرن الثالث الهجري عن طريق التجارة، حيث كان التجار المسلمون يجوبون البلاد، ويطوفون أنحاء المعمورة من أجل التجارة والدعوة إلى الله تعالى؛ فالتاجر المسلم قديمًا كان خير داعية للإسلام بحسن تعامله مع الناس وعدله وأمانته وسمته وهديه.
ومع دخول القرن الخامس ظهر الأثر الإسلامي في تلك البقاع، حيث استوطن كثير من المسلمين شبه جزيرة الملايو وسومطرة وجاوة وأرخبيل الفليبين.
ومع سقوط الخلافة العباسية سنة 656هـ ـ 1258م حدث تحول كبير في تاريخ الوجود الإسلامي في المنطقة بأسرها؛ إذ هاجر كثير من الفقهاء والمشايخ والأسر المسلمة إلى تلك الجزر، وحصل نشاط كبير للدعوة الإسلامية في الفليبين، أدى لقيام العديد من الممالك والإمارات الإسلامية، على الرغم من أن غالبية السكان ما زالوا على الوثنية، ولكن المسلمين كانوا هم الفئة الحاكمة لرقيهم في شتى المجالات، ومن هذه الممالك والإمارات مملكة «صولو» الإسلامية والتي كانت تشرف على أكثر إمارات وممالك الجنوب، ومملكة «أمان الله» التي أصبحت بعد ذلك «مانيلا» وتشرف على إمارات وممالك الشمال، وعلى رأس كل مملكة أو إمارة صغيرة حاكم يُدعى (داتو) ويندمج بعضها مع بعض في كيانات أكبر يحكمها (راجا)، وكان أشهر الراجات راجا مانيلا، وراجا صولو.
وبالجملة فإنَّ الإسلام قد وصل جزر الفليبين وانتشر وحكم وساد وأقام الممالك الكبيرة والقوية وذلك كله دون أن يشهر سيف واحد أو تراق نقطة دم واحدة من المسلمين أو من أهل البلاد، مما يوضح مدى عظمة هذا الدين وتأثيره، ويوضح أيضًا الدور الكبير والرائع الذي حققه التجار والدعاة في نشر رسالة الإسلام حتى أقصى بلاد الأرض.
البرتغال وجنوب شرق آسيا:
كان البرتغاليون هم أول الأوروبيين وصولاً إلى بلاد الهند والجزر الإندونيسية، وأرخبيل الملايو، وذلك في أوائل القرن العاشر الهجري وذلك بدوافع صليبية محضة مغلفة بأطماع وطموحات اقتصادية، فهم كانوا يستهدفون من وصولهم إلى هذه الجزر القضاء على الإسلام ونشر النصرانية، ثمَّ السيطرة على تجارة المشرق وحرمان المماليك وأعوانهم من المدن التجارية الإيطالية من مصادر هذا الثراء العظيم.
أدرك مسلمو الفليبين لأول وهلة مدى خطورة وتعصب البرتغاليين، وكان أكبر سلاطين المنطقة آنذاك السلطان محمود شرف الدين حاكم «ملقا» والذي استطاع استدراج البرتغاليين للداخل حيث تجمعات المسلمين السكانية، وبدأ في تأسيس سلطنة جديدة تزعمت لواء مقاومة العدوان البرتغالي على بلاده، وقام أحد أبناء السلطان واسمه محمد كابونسوان بتأسيس سلطنة أخرى جديدة في «ملابانك»، فعجز البرتغاليون رغم تفوقهم العسكري عن زحزحة المسلمين عن مناطق نفوذهم وممالكهم حتى ظهر في الأفق عدو طارئ جديد هم الأسبان.
ماجلان الصليبي ولابو لابو المسلم:
كما كان فاسكو دي جاما أشهر بحارة البرتغال ومكتشف طريق رأس الرجاء الصالح، كان فرناندو ماجلان أشهر بحارة إسبانيا، ونظرًا للتنافس الكبير بين أسبانيا والبرتغال قررت الأولى إرسال حملة بحرية تدور حول أفريقيا لتكتشف طريقًا جديدًا للتجارة يصلون خلاله مباشرة إلى مناجم الثروات الطبيعية في جنوب شرق آسيا دون المرور على المراكز البرتغالية التي تتحكم في حركة التجارة العالمية وقتها.
خرج (ماجلان) بحملة بحرية مكونة من خمس سفن وطاقم مكون من 265 بحارًا، لاكتشاف الطريق الجديد، وذلك في أواخر سنة 925هـ، فظل في رحلته البحرية طيلة عشرين شهرًا في غير فائدة حتى استبد اليأس بقلبه، وأخيرًا رست سفن ماجلان على سواحل الجزر الفليبينية، وقد ظن ماجلان أنه وصل جزر المولوك المشهورة بالتوابل ولكن سرعان ما اكتشف الحقيقة، فأطلق على الجزيرة التي رست سفنه عندها اسم «سانت لازار» الوثنية، فاتفق ماجلان مع حاكم جزيرة «سيبو» ويُدعى (هومابون) وكان وثنيًا على أن يدخل النصرانية مقابل أن يكون ملكًا على جميع الجزر تحت اسم ملك أسبانيا، وفي المقابل يعمل ماجلان بجنوده وأسلحته النارية على توسيع ملك (هومابون) وتمكينه من السيطرة على سائر الجزر.
انتقل ماجلان من جزيرة «سيبو» إلى جزيرة «ماكنتان» وكان عليها السلطان المسلم لابو لابو، فما علم الأسبان بإسلام أهل الجزيرة إلا وأصابهم الغضب الشديد وثارت أحقادهم؛ فأضرموا النار في بيوت السكان وسرقوا مؤنهم، ورفض لابو لابو التسليم والخضوع للعرض الذي قدمه ماجلان كما فعل مع (هومابون)، فحشد ماجلان قواته وقرر تأديب لابو لابو حتى يكون عبرة لغيره من الأمراء والسلاطين.
وخطب ماجلان الصليبي بكل صلف وعنجهية واستعلاء صليبي في أهل الجزيرة قائلاً: « باسم المسيح أطلب منكم التسليم، ونحن العرق الأبيض أصحاب الحضارة أولى منكم بحكم هذه البلاد»؛ فأجاب السلطان لابو لابو بكل عزة وشموخ: «إن الدين لله، وإنَّ الإله الذي أعبده هو إله جميع البشر على اختلاف ألوانهم»، ثم اشتبك المسلمون الفليبينيون مع الأسبان، وقتل لابو لابو ماجلان بيده، وشتت شمل فرقته، وأنزل بهم هزيمة منكرة، ورفض تسليم جثة ماجلان للأسبان، ودفنه في أرض الجزيرة كَرمز على نصر المسلمين على الصليبيين؛ فانسحب الأسبان إلى بلادهم.
أرسل الأسبان أربع حملات دينية متتابعة ليشفوا غليلهم وينتقموا من مصابهم ومن سوء طالعهم أن هذه الحملات رست على شواطئ جزيرة «مينداناو» في الجنوب حيث أغلبية السكان من المسلمين، ففتك المسلمون بتلك الحملات كلها وذلك خلال الفترة من 930هـ حتى سنة 950هـ، وكان (روي لوبيز) قائد الحملة الرابعة وهو الذي أطلق على تلك الجزر اسم (الفليبين) على اسم ملك أسبانيا (فليب الثاني) وخلال الحملات الأسبانية الفاشلة كوّن الأسبان رؤية مستقبلية في التعامل مع صلابة المقاومة الإسلامية في الفليبين.
* الاحتلال الأسباني لجزر الفليبين:
بدأ الاحتلال الأسباني للفليبين سنة 973هـ، أي بعد قرابة الخمسين عامًا من وصول ماجلان لشواطئها، حيث وصلت حملة أسبانية ضخمة بقيادة "ميجل" إلى سواحل الفليبين سنة 973هـ، فرست عند جزيرة «سيبو» وقام الأسبان ببناء قلعة حصينة، جعلوها مقرًا لإقامة الجند ونقطة انطلاق للإغارة على باقي الجزر وبعد قتال عنيف ومرير استولى الأسبان على مملكة «راجا سليمان» في الشمال، ودمر عاصمتها «أمان الله» وأقاموا مكانها مدينة جديدة أسموها «مانيلا»، ولكن مع ذلك التوسع والنصر على المملكة الإسلامية في الشمال ظل الأسبان في حالة فزع وخوف من انقضاض السكان عليهم لضراوة المقاومة الإسلامية هناك، لذلك عمدوا إلى بناء مدينة صغيرة داخل مدينة مانيلا، ولكن شديدة التحصين أطلقوا عليها اسم «انترامورس» أي المدينة المسَّورة ضد المسلمين، وجعلوها مقرًا لحكومة الاحتلال.
وانطلاقًا من مدينة «مانيلا» استولى الأسبان على الجزر الشمالية لقلة عدد المسلمين بها وغلبة الوثنيين، في حين عجزوا تمامًا عن السيطرة على الجزر الجنوبية التي يحكمها المسلمون، وعلى الرغم من المحاولات المستميتة للأسبان لاحتلال مناطق المسلمين إلا إنهم فشلوا في النهاية، فقرروا التركيز على ما تحت أيديهم، فأجبروا السكان على التنصر والتحول إلى الكاثوليكية، وامتزج الأسبان مع السكان الأصليين للجزر المعروفين بالأنديو، فنشأ عنصر خليط من ذلك التمازج هو عنصر «المستيزو» وهو الذي سيشكل رأس الحربة الصليبية ضد مسلمي الفليبين لعهود طويلة وحتى وقتنا الحاضر.
* ملحمة حروب المورو - المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال الأسباني:
المورو هو الاسم الذي يطلق على المسلمين في الفليبين وتايلاند وسيلان ومدغشقر وسائر البقاع التي دخلها الاحتلال الأسباني والبرتغالي لمنطقة جنوب شرق آسيا، وأصل التسمية مأخوذ من لفظة أسبانية معناها صاحب الوجه الأسمر أو الكالح، وكان الأسبان يطلقونها على مسلمي الأندلس والمغرب، فلما فرغوا من إنهاء الوجود الإسلامي في الأندلس، وداروا دورتهم حول أفريقيا، ورست أساطيلهم على جزر أرخبيل الملايو، رأوا المسلمين بها فصعقوا وقالوا: الموروس، ومن يومها أطلق على مسلمي تلك الجزر اسم المورو.
عند احتلال الأسبان للجزر الشمالية للفليبين كان للمسلمين عدة ممالك قوية في الجنوب أهمها سلطنة «ديبتروان»، وسلطنة «صولو»، وسلطنة «ماجنيدنا»، وسلطنة «بويان»، وتلك الممالك هي التي قادت الجهاد الإسلامي ضد الاحتلال الديني الأسباني وبرز العديد من قادة الجهاد الإسلامي مثل البطل المقدام (ديبتروان قدرات) الذي دوخ الأسبان وقهرهم في معارك كثيرة، ومنهم السلطان نصر الدين سلطان المسلمين في جزيرة صولو، والذي قاد الجهاد الإسلامي من داخل الغابات، وأصبح أسطورة البلاد والشبح الذي بث الرعب في نفوس الأسبان لفترات طويلة.
استمرت المقاومة الإسلامية في الفليبين ضد الاحتلال الأسباني طيلة فترة وجود ذلك الاحتلال أي لزيادة على ثلاثة قرون، أخذت خلالها المقاومة الإسلامية هناك شكل الملحمة التاريخية الرائعة ومرت بست مراحل لا تكاد تنتهي الحروب من واحدة حتى تبدأ الثانية، وذلك في التواريخ الآتية:
1ـ الحروب الأولى من سنة 1565م حتى 1578م.
2ـ الحروب الثانية من سنة 1587م حتى 1599م.
3ـ الحروب الثالثة من سنة 1606م حتى 1635م.
4ـ الحروب الرابعة من سنة 1637م حتى 1645م.
5ـ الحروب الخامسة من سنة 1818م حتى 1850م.
6ـ الحروب السادسة من سنة 1851م حتى 1898م.
وخلال تلك الحروب كلها استخدم الأسبان كل أنواع الأسلحة المادية والمعنوية، وأظهروا صليبية مقيتة وصبغوها بصفة دينية كاملة، وتعاون معهم في بعض مراحلها الهولنديون على الرغم من العداوة التاريخية الشديدة بين الأسبان والهولنديين، ولكنه نداء الدين ووحدة الصليب الذي جعلهم يتناسون أحقادهم ويتحالفون ضد المسلمين.
وقد أبدى المسلمون في الفليبين مقاومة باسلة ورائعة صارت مضرب الأمثال في جنوب شرق آسيا كله، فلقد حارب المسلمون من بيت إلى بيت، فلما أحرقوا منازلهم انتقلوا إلى الغابات، فلما أحرقوا الغابات عادون يبنون بيوتًا جديدة من الأغصان وظلوا يقاتلون بمنتهى الشراسة على الرغم من وحشية الاحتلال الأسباني مع مواجهة المقاومة، حتى أنهم أجبروا الحاكم العام الأسباني في الفليبين على الفرار إلى هونج كونج سنة 1895م وهو ما جعل الأسبان يفكرون جديًا في كيفية الخروج من المأزق الفليبيني المرعب ولكن بصورة تحفظ لهم كرامتهم التي تمرمغت في الوحل على يد المقاومة الإسلامية هناك.
* مؤامرة أمريكية أسبانية:
شعر الأسبان بعجزهم الكبير عن مواجهة المقاومة الإسلامية في الفليبين، وبحثوا عن مخرج لأزمتهم فقرروا الاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية وكانت وقتها قوة جديدة وناشئة على بيع جزر الفليبين وكوبا وبورتوريكو وهي المستعمرات الأسبانية بمبلغ خمسة ملايين دولار، وذلك بعد عدة معارك استعراضية بين الأسبان والأمريكان سنة 1316هـ ليظهر الأمريكان بصورة المنقذ والمحرر لجزر الفليبين من الاحتلال الأسباني، وبالفعل انطلت الخدعة على سكان البلاد ورحبوا بالأمريكان وساعدوهم بقوة ضد الأسبان، وأعلنت أسبانيا على لسان الحاكم العام للفليبين الجنرال (جوينالدو) استقلال الفليبين عن أسبانيا وذلك سنة 1316هـ.
ولكن سرعان ما اكتشف أهل البلاد الخديعة إذ أعلن الأسبان انسحابهم من الجزر والأمريكان ما زالوا على أراضيها، فطلب مسلموا الفليبين من الأمريكان المغادرة فرفضوا بشدة وأعلنوا ضم الفليبين للولايات المتحدة الأمريكية، فثار المسلمون لذلك وحملوا سلاحهم مرة أخرى ضد الأمريكان الذين ساروا على نفس الخط الأسباني في محاربة الممالك الإسلامية وعزل مناطق المسلمين وفرض سياج من الجهل والتخلف والفقر على أبناء الإسلام هناك، في حين تم تقريب نصارى البلاد واحتضانهم ورفع مستوى المعيشة لأبنائهم وذلك للهدف البعيد وهو تسليم البلاد لتلك الطبقة النصرانية الموالية للاحتلال الأجنبي.
استمر الاحتلال الأمريكي الصليبي للفليبين قرابة النصف قرن استطاع خلالها أن يحقق ما عجز عنه الأسبان في ثلاثة قرون باستخدام الخديعة والمكر والخداع.
* كفاح المسلمين ضد أذناب الاحتلال:
حصلت الفليبين على استقلالها الظاهري من الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1946م ـ 1365هـ، بعد أن سلمت أمريكا الحكم لحلفائهم النصارى وتأكدت من ولائهم التام للسياسة الأمريكية، وأيضًا تركت لهم مهمة محاربة الوجود الإسلامي في البلاد، وبالفعل بدأت الحكومة الصليبية في الفليبين تمارس سياسة البطش والإرهاب ضد مسلمي البلاد بصورة منهجية كما يلي:
1ـ تشجيع النصارى على الاستيطان في مناطق المسلمين وتمليكهم لأراضيهم، مع حرمان المسلمين من المشاركة في المشاريع الهامة والحيوية في البلاد.
2ـ إغراق المناطق الإسلامية بأعداد ضخمة من قوات الأمن لمراقبة تحركات المسلمين وقمع أي ثورة يقوموا بها ضد مظالم الحكومة الصليبية.
3ـ دفع المسلمين لترك أراضيهم الزراعية ومصايد الأسماك، وإرغامهم على اللجوء إلى الغابات والأحراش وشعب الجبال ليمتهنوا أشق الأعمال وأحقرها.
4ـ تشكيل العصابات الإجرامية والمنظمات الإرهابية التي تعمل على إنهاء الوجود الإسلامي في الفليبين وإجبار المسلمين على التنصر أو القتل، ولقد تشكلت عدة عصابات إرهابية كبيرة مثل منظمة «إيلاجا» وقد أشرف عليها الرئيس الفليبيني الهالك ماركوس، وهي مزودة بأحدث الأسلحة ويبلغ عدد أفرادها مائة ألف مجرم وقاتل مأجور، وعصابة الفئران وكانت تهدف لإحراق المزارع وتدمير الأملاك، وعصابة الأخطبوط وتهدف لتصفية قادة المسلمين واغتيال الشباب والعلماء والشيوخ، ولقد قامت تلك التشكيلات الإرهابية والإجرامية بمجازر مروعة بحق المسلمين يندى لها جبين كل حر في العالم المعاصر.
5ـ معارضة كل اتجاه نحو فتح مدارس إسلامية أو إقامة شعائر الإسلام مع تبني عمليات التنصير المنظمة داخل مناطق المسلمين وخاصة الفقيرة منها تحت شعار الفلبيني الصالح هو الفلبيني النصراني.
6ـ استدراج المسلمين لصدامات مفتعلة لخلق الذرائع اللازمة للقضاء عليهم وجر المسلمين لمعركة هم غير مستعدين لها، وكانت الخطة الصليبية تقضي بأن يتم الاستيلاء على أراضي المسلمين في البداية لجرهم إلى القتال وهم غير مستعدين على حين تهيأ النصارى للقتال واستعدوا، وبالفعل تم زحف النصارى من الشمال إلى الجنوب حيث مناطق المسلمين وذلك سنة 1391هـ ـ 1970م، وبدأت عمليات الشغب وحرق المزارع وإلقاء السموم في الآباء وقتل الحيوانات، كما قامت حوادث الخطف والاغتيال وأدى ذلك القتال لتشريد أكثر من ستين ألف أسرة مسلمة في الجبال والغابات.
على الرغم من ضخامة وكثافة الهجوم الصليبي على مسلمي الفليبين إلا أن مسلمي الفليبين الذين جاهدوا الاحتلال الأسباني ثم الأمريكي لقرون زادوا استمساكًا بدينهم وإصرارًا على حقوقهم، وتكونت في بداية الأمر منظمة إسلامية لقيادة الكفاح الإسلامي ضد العدوان الصليبي وهي جبهة اتحاد الهيئات الإسلامية وتعرف اختصارًا (بانسا) بزعامة الدكتور أحمد ألونتو ثم تكون الذراع العسكري لتلك الجبهة باسم «الجبهة الوطنية لتحرير مورو» بزعامة نورميسوري وسلامات هاشم رحمه الله.
تحصن المسلمون بأعداد كبيرة في بلدة «بابا لومان» وطالبوا بفصل المناطق الإسلامية في جزر مينداناو وصولو وبالاوان، وتدخلت منظمة المؤتمر الإسلامي، ولكن أصر نصارى الفليبين وزعيمهم ماركوس على مواصلة قمع المسلمين، وظل القتال بين الطرفين عدة سنوات أبدى فيه المسلمون ضراوة في القتال والمقاومة أجبرت الحكومة الصليبية في الفليبين على الجلوس على مائدة المفاوضات وذلك سنة 1396هـ بعاصمة الجماهيرية الليبية طرابلس وبرعاية الرئيس الليبي معمر القذافي، وتم الاتفاق على بنود معاهدة السلام بين الطرفين كانت في مجملها لصالح المسلمين في الفليبين.
لم يكن في نية الحكومة الصليبية في مانيلا الوفاء بأي بند من بنود معاهدة السلام، وإنما كانت مناورة لالتقاط الأنفاس والتعرف على قادة المسلمين الحقيقيين ومواطن قوة المقاومة، وبالفعل لم تمض سوى عدة شهور حتى نقضت الحكومة الصليبية في منانيلا تعاهداتها كلها وهجمت بقوات ضخمة على جزيرة مينداناو سنة 1397هـ، وأوقعت عدة مجازر مروعة في بولوان وكوتاباتو، وقرية سوباه بوكول، وكان الهجوم من كل الاتجاهات برًا وبحرًا وجوًا، وسقط الضحايا بالآلاف، وكان القصف بأسلحة محرمة دوليًا، وكانت القوات الصليبية تتعمد استهداف المساجد والجوامع والكتاتيب لطمس معالم الوجود الإسلامي غير أن قوات حركة تحرير مورو استطاعت أن تصد الهجوم الحكومي وتكبده خسائر كبيرة من بينها قائد الحملة الصليبية نفسه الجنرال المجرم (باتيستا)، وبرز في المقاومة الإسلامية القائد البطل (عثمان صالح) الذي أرهق الصليبيين بتكتيكاته القتالية الذكية حتى أن الطاغية ماركوس قد وضع مكافأة تقدر بمائة ألف دولار لمن يأتي بعثمان صالح حيًا أو ميتًا، وقد حاولت منظمة المؤتمر الإسلامي وبعض الدول الإسلامية الاحتجاج على المجازر التي ترتكبها الحكومة الصليبية بحق مسلمي الفليبين، ولكن ذهبت كلها أدراج الرياح.
وعلى الرغم من رحيل ماركوس الصليبي في سنة 1406هـ ـ 1986م، وتظاهر الحكومة الجديدة بإنصاف المسلمين وإعطائهم حقوقهم السليبة إلا إن شيئًا لم يتغير على أرض الواقع، وما زالت فصول الملحمة قائمة.
عن موقع قصة الإسلام
تقع الفليبين في جنوب شرقي آسيا على شكل أرخبيل يضم أكثر من سبعة آلاف جزيرة، تتفاوت في مساحتها تفاوتًا كبيرًا، ومعظمها غير مأهول بالسكان، وتعتبر الفليبين جزءًا من أرخبيل الملايو الذي يضم ثلاثة دول، وهي: إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، وهي الدول العامرة بالخيرات والثروات الطبيعية ممَّا جلب عليها أطماع الدول الأوروبية.
تتسم بعض جزر الفلبين بأنها بركانيَّة، وكثيرًا ما تتعرَّض للزَّلازل والبراكين الثَّائرة، والتي من بينها بركان "مايون"، وهو من أضخم براكين العالَم، ويقع في حزيرة لوزون، وبركان "إيو" في جزيرة مندناو، ويرتفع لمسافة 9.450 قدَمًا فوق سطح البحر.
بدأ الإسلام في جزر الفليبين في منتصف القرن الثالث الهجري عن طريق التجارة، حيث كان التجار المسلمون يجوبون البلاد، ويطوفون أنحاء المعمورة من أجل التجارة والدعوة إلى الله تعالى؛ فالتاجر المسلم قديمًا كان خير داعية للإسلام بحسن تعامله مع الناس وعدله وأمانته وسمته وهديه.
ومع دخول القرن الخامس ظهر الأثر الإسلامي في تلك البقاع، حيث استوطن كثير من المسلمين شبه جزيرة الملايو وسومطرة وجاوة وأرخبيل الفليبين.
ومع سقوط الخلافة العباسية سنة 656هـ ـ 1258م حدث تحول كبير في تاريخ الوجود الإسلامي في المنطقة بأسرها؛ إذ هاجر كثير من الفقهاء والمشايخ والأسر المسلمة إلى تلك الجزر، وحصل نشاط كبير للدعوة الإسلامية في الفليبين، أدى لقيام العديد من الممالك والإمارات الإسلامية، على الرغم من أن غالبية السكان ما زالوا على الوثنية، ولكن المسلمين كانوا هم الفئة الحاكمة لرقيهم في شتى المجالات، ومن هذه الممالك والإمارات مملكة «صولو» الإسلامية والتي كانت تشرف على أكثر إمارات وممالك الجنوب، ومملكة «أمان الله» التي أصبحت بعد ذلك «مانيلا» وتشرف على إمارات وممالك الشمال، وعلى رأس كل مملكة أو إمارة صغيرة حاكم يُدعى (داتو) ويندمج بعضها مع بعض في كيانات أكبر يحكمها (راجا)، وكان أشهر الراجات راجا مانيلا، وراجا صولو.
وبالجملة فإنَّ الإسلام قد وصل جزر الفليبين وانتشر وحكم وساد وأقام الممالك الكبيرة والقوية وذلك كله دون أن يشهر سيف واحد أو تراق نقطة دم واحدة من المسلمين أو من أهل البلاد، مما يوضح مدى عظمة هذا الدين وتأثيره، ويوضح أيضًا الدور الكبير والرائع الذي حققه التجار والدعاة في نشر رسالة الإسلام حتى أقصى بلاد الأرض.
البرتغال وجنوب شرق آسيا:
كان البرتغاليون هم أول الأوروبيين وصولاً إلى بلاد الهند والجزر الإندونيسية، وأرخبيل الملايو، وذلك في أوائل القرن العاشر الهجري وذلك بدوافع صليبية محضة مغلفة بأطماع وطموحات اقتصادية، فهم كانوا يستهدفون من وصولهم إلى هذه الجزر القضاء على الإسلام ونشر النصرانية، ثمَّ السيطرة على تجارة المشرق وحرمان المماليك وأعوانهم من المدن التجارية الإيطالية من مصادر هذا الثراء العظيم.
أدرك مسلمو الفليبين لأول وهلة مدى خطورة وتعصب البرتغاليين، وكان أكبر سلاطين المنطقة آنذاك السلطان محمود شرف الدين حاكم «ملقا» والذي استطاع استدراج البرتغاليين للداخل حيث تجمعات المسلمين السكانية، وبدأ في تأسيس سلطنة جديدة تزعمت لواء مقاومة العدوان البرتغالي على بلاده، وقام أحد أبناء السلطان واسمه محمد كابونسوان بتأسيس سلطنة أخرى جديدة في «ملابانك»، فعجز البرتغاليون رغم تفوقهم العسكري عن زحزحة المسلمين عن مناطق نفوذهم وممالكهم حتى ظهر في الأفق عدو طارئ جديد هم الأسبان.
ماجلان الصليبي ولابو لابو المسلم:
كما كان فاسكو دي جاما أشهر بحارة البرتغال ومكتشف طريق رأس الرجاء الصالح، كان فرناندو ماجلان أشهر بحارة إسبانيا، ونظرًا للتنافس الكبير بين أسبانيا والبرتغال قررت الأولى إرسال حملة بحرية تدور حول أفريقيا لتكتشف طريقًا جديدًا للتجارة يصلون خلاله مباشرة إلى مناجم الثروات الطبيعية في جنوب شرق آسيا دون المرور على المراكز البرتغالية التي تتحكم في حركة التجارة العالمية وقتها.
خرج (ماجلان) بحملة بحرية مكونة من خمس سفن وطاقم مكون من 265 بحارًا، لاكتشاف الطريق الجديد، وذلك في أواخر سنة 925هـ، فظل في رحلته البحرية طيلة عشرين شهرًا في غير فائدة حتى استبد اليأس بقلبه، وأخيرًا رست سفن ماجلان على سواحل الجزر الفليبينية، وقد ظن ماجلان أنه وصل جزر المولوك المشهورة بالتوابل ولكن سرعان ما اكتشف الحقيقة، فأطلق على الجزيرة التي رست سفنه عندها اسم «سانت لازار» الوثنية، فاتفق ماجلان مع حاكم جزيرة «سيبو» ويُدعى (هومابون) وكان وثنيًا على أن يدخل النصرانية مقابل أن يكون ملكًا على جميع الجزر تحت اسم ملك أسبانيا، وفي المقابل يعمل ماجلان بجنوده وأسلحته النارية على توسيع ملك (هومابون) وتمكينه من السيطرة على سائر الجزر.
انتقل ماجلان من جزيرة «سيبو» إلى جزيرة «ماكنتان» وكان عليها السلطان المسلم لابو لابو، فما علم الأسبان بإسلام أهل الجزيرة إلا وأصابهم الغضب الشديد وثارت أحقادهم؛ فأضرموا النار في بيوت السكان وسرقوا مؤنهم، ورفض لابو لابو التسليم والخضوع للعرض الذي قدمه ماجلان كما فعل مع (هومابون)، فحشد ماجلان قواته وقرر تأديب لابو لابو حتى يكون عبرة لغيره من الأمراء والسلاطين.
وخطب ماجلان الصليبي بكل صلف وعنجهية واستعلاء صليبي في أهل الجزيرة قائلاً: « باسم المسيح أطلب منكم التسليم، ونحن العرق الأبيض أصحاب الحضارة أولى منكم بحكم هذه البلاد»؛ فأجاب السلطان لابو لابو بكل عزة وشموخ: «إن الدين لله، وإنَّ الإله الذي أعبده هو إله جميع البشر على اختلاف ألوانهم»، ثم اشتبك المسلمون الفليبينيون مع الأسبان، وقتل لابو لابو ماجلان بيده، وشتت شمل فرقته، وأنزل بهم هزيمة منكرة، ورفض تسليم جثة ماجلان للأسبان، ودفنه في أرض الجزيرة كَرمز على نصر المسلمين على الصليبيين؛ فانسحب الأسبان إلى بلادهم.
أرسل الأسبان أربع حملات دينية متتابعة ليشفوا غليلهم وينتقموا من مصابهم ومن سوء طالعهم أن هذه الحملات رست على شواطئ جزيرة «مينداناو» في الجنوب حيث أغلبية السكان من المسلمين، ففتك المسلمون بتلك الحملات كلها وذلك خلال الفترة من 930هـ حتى سنة 950هـ، وكان (روي لوبيز) قائد الحملة الرابعة وهو الذي أطلق على تلك الجزر اسم (الفليبين) على اسم ملك أسبانيا (فليب الثاني) وخلال الحملات الأسبانية الفاشلة كوّن الأسبان رؤية مستقبلية في التعامل مع صلابة المقاومة الإسلامية في الفليبين.
* الاحتلال الأسباني لجزر الفليبين:
بدأ الاحتلال الأسباني للفليبين سنة 973هـ، أي بعد قرابة الخمسين عامًا من وصول ماجلان لشواطئها، حيث وصلت حملة أسبانية ضخمة بقيادة "ميجل" إلى سواحل الفليبين سنة 973هـ، فرست عند جزيرة «سيبو» وقام الأسبان ببناء قلعة حصينة، جعلوها مقرًا لإقامة الجند ونقطة انطلاق للإغارة على باقي الجزر وبعد قتال عنيف ومرير استولى الأسبان على مملكة «راجا سليمان» في الشمال، ودمر عاصمتها «أمان الله» وأقاموا مكانها مدينة جديدة أسموها «مانيلا»، ولكن مع ذلك التوسع والنصر على المملكة الإسلامية في الشمال ظل الأسبان في حالة فزع وخوف من انقضاض السكان عليهم لضراوة المقاومة الإسلامية هناك، لذلك عمدوا إلى بناء مدينة صغيرة داخل مدينة مانيلا، ولكن شديدة التحصين أطلقوا عليها اسم «انترامورس» أي المدينة المسَّورة ضد المسلمين، وجعلوها مقرًا لحكومة الاحتلال.
وانطلاقًا من مدينة «مانيلا» استولى الأسبان على الجزر الشمالية لقلة عدد المسلمين بها وغلبة الوثنيين، في حين عجزوا تمامًا عن السيطرة على الجزر الجنوبية التي يحكمها المسلمون، وعلى الرغم من المحاولات المستميتة للأسبان لاحتلال مناطق المسلمين إلا إنهم فشلوا في النهاية، فقرروا التركيز على ما تحت أيديهم، فأجبروا السكان على التنصر والتحول إلى الكاثوليكية، وامتزج الأسبان مع السكان الأصليين للجزر المعروفين بالأنديو، فنشأ عنصر خليط من ذلك التمازج هو عنصر «المستيزو» وهو الذي سيشكل رأس الحربة الصليبية ضد مسلمي الفليبين لعهود طويلة وحتى وقتنا الحاضر.
* ملحمة حروب المورو - المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال الأسباني:
المورو هو الاسم الذي يطلق على المسلمين في الفليبين وتايلاند وسيلان ومدغشقر وسائر البقاع التي دخلها الاحتلال الأسباني والبرتغالي لمنطقة جنوب شرق آسيا، وأصل التسمية مأخوذ من لفظة أسبانية معناها صاحب الوجه الأسمر أو الكالح، وكان الأسبان يطلقونها على مسلمي الأندلس والمغرب، فلما فرغوا من إنهاء الوجود الإسلامي في الأندلس، وداروا دورتهم حول أفريقيا، ورست أساطيلهم على جزر أرخبيل الملايو، رأوا المسلمين بها فصعقوا وقالوا: الموروس، ومن يومها أطلق على مسلمي تلك الجزر اسم المورو.
عند احتلال الأسبان للجزر الشمالية للفليبين كان للمسلمين عدة ممالك قوية في الجنوب أهمها سلطنة «ديبتروان»، وسلطنة «صولو»، وسلطنة «ماجنيدنا»، وسلطنة «بويان»، وتلك الممالك هي التي قادت الجهاد الإسلامي ضد الاحتلال الديني الأسباني وبرز العديد من قادة الجهاد الإسلامي مثل البطل المقدام (ديبتروان قدرات) الذي دوخ الأسبان وقهرهم في معارك كثيرة، ومنهم السلطان نصر الدين سلطان المسلمين في جزيرة صولو، والذي قاد الجهاد الإسلامي من داخل الغابات، وأصبح أسطورة البلاد والشبح الذي بث الرعب في نفوس الأسبان لفترات طويلة.
استمرت المقاومة الإسلامية في الفليبين ضد الاحتلال الأسباني طيلة فترة وجود ذلك الاحتلال أي لزيادة على ثلاثة قرون، أخذت خلالها المقاومة الإسلامية هناك شكل الملحمة التاريخية الرائعة ومرت بست مراحل لا تكاد تنتهي الحروب من واحدة حتى تبدأ الثانية، وذلك في التواريخ الآتية:
1ـ الحروب الأولى من سنة 1565م حتى 1578م.
2ـ الحروب الثانية من سنة 1587م حتى 1599م.
3ـ الحروب الثالثة من سنة 1606م حتى 1635م.
4ـ الحروب الرابعة من سنة 1637م حتى 1645م.
5ـ الحروب الخامسة من سنة 1818م حتى 1850م.
6ـ الحروب السادسة من سنة 1851م حتى 1898م.
وخلال تلك الحروب كلها استخدم الأسبان كل أنواع الأسلحة المادية والمعنوية، وأظهروا صليبية مقيتة وصبغوها بصفة دينية كاملة، وتعاون معهم في بعض مراحلها الهولنديون على الرغم من العداوة التاريخية الشديدة بين الأسبان والهولنديين، ولكنه نداء الدين ووحدة الصليب الذي جعلهم يتناسون أحقادهم ويتحالفون ضد المسلمين.
وقد أبدى المسلمون في الفليبين مقاومة باسلة ورائعة صارت مضرب الأمثال في جنوب شرق آسيا كله، فلقد حارب المسلمون من بيت إلى بيت، فلما أحرقوا منازلهم انتقلوا إلى الغابات، فلما أحرقوا الغابات عادون يبنون بيوتًا جديدة من الأغصان وظلوا يقاتلون بمنتهى الشراسة على الرغم من وحشية الاحتلال الأسباني مع مواجهة المقاومة، حتى أنهم أجبروا الحاكم العام الأسباني في الفليبين على الفرار إلى هونج كونج سنة 1895م وهو ما جعل الأسبان يفكرون جديًا في كيفية الخروج من المأزق الفليبيني المرعب ولكن بصورة تحفظ لهم كرامتهم التي تمرمغت في الوحل على يد المقاومة الإسلامية هناك.
* مؤامرة أمريكية أسبانية:
شعر الأسبان بعجزهم الكبير عن مواجهة المقاومة الإسلامية في الفليبين، وبحثوا عن مخرج لأزمتهم فقرروا الاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية وكانت وقتها قوة جديدة وناشئة على بيع جزر الفليبين وكوبا وبورتوريكو وهي المستعمرات الأسبانية بمبلغ خمسة ملايين دولار، وذلك بعد عدة معارك استعراضية بين الأسبان والأمريكان سنة 1316هـ ليظهر الأمريكان بصورة المنقذ والمحرر لجزر الفليبين من الاحتلال الأسباني، وبالفعل انطلت الخدعة على سكان البلاد ورحبوا بالأمريكان وساعدوهم بقوة ضد الأسبان، وأعلنت أسبانيا على لسان الحاكم العام للفليبين الجنرال (جوينالدو) استقلال الفليبين عن أسبانيا وذلك سنة 1316هـ.
ولكن سرعان ما اكتشف أهل البلاد الخديعة إذ أعلن الأسبان انسحابهم من الجزر والأمريكان ما زالوا على أراضيها، فطلب مسلموا الفليبين من الأمريكان المغادرة فرفضوا بشدة وأعلنوا ضم الفليبين للولايات المتحدة الأمريكية، فثار المسلمون لذلك وحملوا سلاحهم مرة أخرى ضد الأمريكان الذين ساروا على نفس الخط الأسباني في محاربة الممالك الإسلامية وعزل مناطق المسلمين وفرض سياج من الجهل والتخلف والفقر على أبناء الإسلام هناك، في حين تم تقريب نصارى البلاد واحتضانهم ورفع مستوى المعيشة لأبنائهم وذلك للهدف البعيد وهو تسليم البلاد لتلك الطبقة النصرانية الموالية للاحتلال الأجنبي.
استمر الاحتلال الأمريكي الصليبي للفليبين قرابة النصف قرن استطاع خلالها أن يحقق ما عجز عنه الأسبان في ثلاثة قرون باستخدام الخديعة والمكر والخداع.
* كفاح المسلمين ضد أذناب الاحتلال:
حصلت الفليبين على استقلالها الظاهري من الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1946م ـ 1365هـ، بعد أن سلمت أمريكا الحكم لحلفائهم النصارى وتأكدت من ولائهم التام للسياسة الأمريكية، وأيضًا تركت لهم مهمة محاربة الوجود الإسلامي في البلاد، وبالفعل بدأت الحكومة الصليبية في الفليبين تمارس سياسة البطش والإرهاب ضد مسلمي البلاد بصورة منهجية كما يلي:
1ـ تشجيع النصارى على الاستيطان في مناطق المسلمين وتمليكهم لأراضيهم، مع حرمان المسلمين من المشاركة في المشاريع الهامة والحيوية في البلاد.
2ـ إغراق المناطق الإسلامية بأعداد ضخمة من قوات الأمن لمراقبة تحركات المسلمين وقمع أي ثورة يقوموا بها ضد مظالم الحكومة الصليبية.
3ـ دفع المسلمين لترك أراضيهم الزراعية ومصايد الأسماك، وإرغامهم على اللجوء إلى الغابات والأحراش وشعب الجبال ليمتهنوا أشق الأعمال وأحقرها.
4ـ تشكيل العصابات الإجرامية والمنظمات الإرهابية التي تعمل على إنهاء الوجود الإسلامي في الفليبين وإجبار المسلمين على التنصر أو القتل، ولقد تشكلت عدة عصابات إرهابية كبيرة مثل منظمة «إيلاجا» وقد أشرف عليها الرئيس الفليبيني الهالك ماركوس، وهي مزودة بأحدث الأسلحة ويبلغ عدد أفرادها مائة ألف مجرم وقاتل مأجور، وعصابة الفئران وكانت تهدف لإحراق المزارع وتدمير الأملاك، وعصابة الأخطبوط وتهدف لتصفية قادة المسلمين واغتيال الشباب والعلماء والشيوخ، ولقد قامت تلك التشكيلات الإرهابية والإجرامية بمجازر مروعة بحق المسلمين يندى لها جبين كل حر في العالم المعاصر.
5ـ معارضة كل اتجاه نحو فتح مدارس إسلامية أو إقامة شعائر الإسلام مع تبني عمليات التنصير المنظمة داخل مناطق المسلمين وخاصة الفقيرة منها تحت شعار الفلبيني الصالح هو الفلبيني النصراني.
6ـ استدراج المسلمين لصدامات مفتعلة لخلق الذرائع اللازمة للقضاء عليهم وجر المسلمين لمعركة هم غير مستعدين لها، وكانت الخطة الصليبية تقضي بأن يتم الاستيلاء على أراضي المسلمين في البداية لجرهم إلى القتال وهم غير مستعدين على حين تهيأ النصارى للقتال واستعدوا، وبالفعل تم زحف النصارى من الشمال إلى الجنوب حيث مناطق المسلمين وذلك سنة 1391هـ ـ 1970م، وبدأت عمليات الشغب وحرق المزارع وإلقاء السموم في الآباء وقتل الحيوانات، كما قامت حوادث الخطف والاغتيال وأدى ذلك القتال لتشريد أكثر من ستين ألف أسرة مسلمة في الجبال والغابات.
على الرغم من ضخامة وكثافة الهجوم الصليبي على مسلمي الفليبين إلا أن مسلمي الفليبين الذين جاهدوا الاحتلال الأسباني ثم الأمريكي لقرون زادوا استمساكًا بدينهم وإصرارًا على حقوقهم، وتكونت في بداية الأمر منظمة إسلامية لقيادة الكفاح الإسلامي ضد العدوان الصليبي وهي جبهة اتحاد الهيئات الإسلامية وتعرف اختصارًا (بانسا) بزعامة الدكتور أحمد ألونتو ثم تكون الذراع العسكري لتلك الجبهة باسم «الجبهة الوطنية لتحرير مورو» بزعامة نورميسوري وسلامات هاشم رحمه الله.
تحصن المسلمون بأعداد كبيرة في بلدة «بابا لومان» وطالبوا بفصل المناطق الإسلامية في جزر مينداناو وصولو وبالاوان، وتدخلت منظمة المؤتمر الإسلامي، ولكن أصر نصارى الفليبين وزعيمهم ماركوس على مواصلة قمع المسلمين، وظل القتال بين الطرفين عدة سنوات أبدى فيه المسلمون ضراوة في القتال والمقاومة أجبرت الحكومة الصليبية في الفليبين على الجلوس على مائدة المفاوضات وذلك سنة 1396هـ بعاصمة الجماهيرية الليبية طرابلس وبرعاية الرئيس الليبي معمر القذافي، وتم الاتفاق على بنود معاهدة السلام بين الطرفين كانت في مجملها لصالح المسلمين في الفليبين.
لم يكن في نية الحكومة الصليبية في مانيلا الوفاء بأي بند من بنود معاهدة السلام، وإنما كانت مناورة لالتقاط الأنفاس والتعرف على قادة المسلمين الحقيقيين ومواطن قوة المقاومة، وبالفعل لم تمض سوى عدة شهور حتى نقضت الحكومة الصليبية في منانيلا تعاهداتها كلها وهجمت بقوات ضخمة على جزيرة مينداناو سنة 1397هـ، وأوقعت عدة مجازر مروعة في بولوان وكوتاباتو، وقرية سوباه بوكول، وكان الهجوم من كل الاتجاهات برًا وبحرًا وجوًا، وسقط الضحايا بالآلاف، وكان القصف بأسلحة محرمة دوليًا، وكانت القوات الصليبية تتعمد استهداف المساجد والجوامع والكتاتيب لطمس معالم الوجود الإسلامي غير أن قوات حركة تحرير مورو استطاعت أن تصد الهجوم الحكومي وتكبده خسائر كبيرة من بينها قائد الحملة الصليبية نفسه الجنرال المجرم (باتيستا)، وبرز في المقاومة الإسلامية القائد البطل (عثمان صالح) الذي أرهق الصليبيين بتكتيكاته القتالية الذكية حتى أن الطاغية ماركوس قد وضع مكافأة تقدر بمائة ألف دولار لمن يأتي بعثمان صالح حيًا أو ميتًا، وقد حاولت منظمة المؤتمر الإسلامي وبعض الدول الإسلامية الاحتجاج على المجازر التي ترتكبها الحكومة الصليبية بحق مسلمي الفليبين، ولكن ذهبت كلها أدراج الرياح.
وعلى الرغم من رحيل ماركوس الصليبي في سنة 1406هـ ـ 1986م، وتظاهر الحكومة الجديدة بإنصاف المسلمين وإعطائهم حقوقهم السليبة إلا إن شيئًا لم يتغير على أرض الواقع، وما زالت فصول الملحمة قائمة.
عن موقع قصة الإسلام