إيران: عودة "الزمن الصعب" مع جمهوريي الولايات المتحدة
ما أن تمّ الإعلان رسميّاً عن نتائج الانتخابات النصفية في الكونغرس الأميركي، حتى ركزت وسائل الإعلام الإيرانية بمختلف انتماءاتها على فوز الجمهوريين بغالبية المقاعد، وبدأت بتكثيف تحليلاتها وتوقعاتها حول كيفية تأثير تغير التركيبة في الكونغرس على محادثات البلاد النووية، والتوافق المرتقب بين طهران والسداسية الدولية.
أجمع الداخل الإيراني على أن خسارة الديمقراطيين تعني أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، فقد شعبيته، لفشل سياساته الداخلية، ولا سيما الاقتصادية منها، وزاد الحديث عن أن هذه الانتخابات أشاحت بالضباب عن حقيقة الموقف الشعبي الأميركي، الذي عبّر عن عدم رضاه عن الوضع الحالي.
وتُعدّ إيران معنية بشكل أو بآخر، بنتائج هذه الانتخابات، ولا سيما أن الولايات المتحدة هي الطرف الأكثر تأثيراً على طاولة الحوار النووي مع دول "
5+1". ويعود الإيرانيون بالذاكرة إلى أيام حكم الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش الابن، التي دامت ثماني سنوات (2000 ـ 2008).
آنذاك كانت إيران جزءاً من "محور الشر"، واقتربت نيران الحرب منها كثيراً، إلا أن السياسات الإصلاحية للرئيس السابق، محمد خاتمي، الذي ترك القصر الرئاسي عام 2005، كانت كفيلة بإبعاد هذا التهديد عن البلاد. وخضعت إيران، في المقابل، للعقوبات الاقتصادية التي تم تشديدها مع تشدد السياسة الخارجية الإيرانية في عهد الرئيس المحافظ، محمود أحمدي نجاد، فأثقل كاهل البلاد، ودفع الإيرانيون الثمن غاليّاً، وخاضوا تجربة سيئة للغاية مع جمهوريي الولايات المتحدة.
ولم ترَ صحيفة "كيهان"، المحسوبة على التيار المتشدد، في افتتاحيتها، أي فرق بين الديمقراطيين والجمهوريين الأميركيين. إذ بالنسبة لمتشددي إيران، فإن الولايات المتحدة تُمثّل "الشيطان الأكبر الذي لا يُمكن الوثوق فيه على الإطلاق".
وذكرت الصحيفة أنه "مرّ على
الكونغرس خلال السنوات الماضية، كلا التيارين، والنتيجة كانت سيان بالنسبة لإيران، وتتلخص في جملة واحدة وهي: عداوة وبغضاء إزاء الطرف الإيراني". ونقلت الصحيفة عن المستشارة في الخارجية الأميركية، ويندي شيرمن، اقتباسها عبارة وزيرة الخارجية السابقة، مادلين أولبرايت، بأن "المحادثات كالفطر تنمو أسرع في الظلام"، في إشارة منها إلى ضرورة خوض المحادثات بسرية مع إيران، كي تصل إلى نتائجها المرجوة بشكل أسرع.
واعتبرت الصحيفة أن "هذا الفطر سامّ في كل الحالات، ففي عام 2003، شددت الولايات المتحدة العقوبات على طهران، وهمشتها وعزلتها، ولم يكن البرنامج النووي متطوراً كما هو الحال اليوم". وتوقعت الصحيفة أن "يكون السمّ الأميركي هذه المرة أكثر خطورة، ولا سيما مع سيطرة الجمهوريين على مقاعد الكونغرس، ما يعزّز موقف المتشددين الإيرانيين الرافض أساساً للاتفاق النووي، كونه يشكّل بالنسبة إليهم مقدمة للحوار مع الولايات المتحدة، حول قضايا أخرى، وهو ما يرفضه هؤلاء أيضاً، ويجعلهم يزيدون من انتقاداتهم لسياسة الرئيس المعتدل حسن روحاني".
"
بالنسبة لغالبية الإصلاحيين، كما للمعتدلين في إيران، فإن كلاً من طهران وواشنطن لا يريد أن نسف الحوار حول النووي، بل يرغبان في توقيع اتفاق، لكن العقدة تكمن في متشددي الطرفين
"
أما صحيفة "شرق" الإصلاحية، فأفردت صفحتها الأولى لتحليلات عديدة عن مدى تأثير هذه الانتخابات الأميركية على الملف النووي الإيراني، والتخوّف كان واضحاً في كل قراءات الخبراء الإيرانيين. كما اعتبر الإصلاحي صادق زيبا كلام، في مقاله، أن "فوز الجمهوريين يعني فوز التشدد في الولايات المتحدة، وتضييق طريق الحوار وتعقيده". لكنه رأى أن "هذا لا يعني نسف كل سياسات أوباما تجاه إيران بين ليلة وضحاها".
وأشار كلام إلى أن "محافظي الولايات المتحدة يختلفون عن محافظي إيران، الذين ما أن تسلّموا السلطة في البلاد حتى تغيّر خطاب السياسة الخارجية بالكامل واتجه نحو التشدد، أما في الولايات المتحدة فهناك محافل إعلامية وسياسية، ونخب علمية يجب أخذ رأيها، بعين الاعتبار، وتأييدها، وهو ما لن يمحو جهد 14 شهراً خاضها أوباما في مفاوضات نووية مكثفة مع إيران"، حسب تعبيره.
بالنسبة لـ"شرق"، فإن "أوباما يستطيع الوقوف في وجه الجمهوريين خلال هذه المدة، وكان قد لوّح في السابق باستخدام الفيتو ضد تشديد الكونغرس عقوبات جديدة على إيران. إذ من حق الرئيس الأميركي تعليق أي عقوبات لمدة محددة، لكن هذا يبقى مشروطاً بظروف معينة في الداخل الأميركي أيضاً".
صحيح أن في الكونغرس الآن جمهوريين وديمقراطيين معارضين لإيران ولتطوير نشاطها النووي، ولكن بالنسبة لغالبية الإصلاحيين، كما للمعتدلين في إيران، فإن كلاً من طهران وواشنطن لا تريد نسف الحوار حول النووي، بل يرغب الطرفان في توقيع اتفاق، لكن العقدة تكمن في متشددي الطرفين، الذين سيستغلون الفرص في حال لم تتوصل إيران مع السداسية الدولية إلى اتفاق نهائي في مهلة أقصاها 24 نوفمبر/تشرين الثاني.
ويؤمن الجمهوريون الأميركيون بأن تشديد الحظر على إيران قد يضعفها ويزعزعها من الداخل، وهو ما قد يكبح جماحها قليلاً، فيما يعتبر الديمقراطيون أن الحوار مع بعض الأطراف قد يزيد الضغط على إيران، ويمنعها من المضيّ قدماً في ملفها النووي ويمنعها من تهديد إسرائيل، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، ولذا تطرح، على طاولة الحوار الآن، سيناريوهات تسعى إلى الإبقاء على بعض العقوبات ومنح إيران امتيازات معيّنة، في مقابل تنازلها عن عدد من أجهزة الطرد المركزي.
من جهة ثانية، يعلم المحافظون في إيران أنه لا اتفاق دون تقديم تنازلات مصيرية، تبدأ من النووي وتنسحب على باقي الملفات، فيما لا يزال الفريق المفاوض الذي ينتمي إلى الحكومة المعتدلة، يرى أنه من الممكن إثبات حسن النوايا الإيرانية، في مقابل الإلغاء الكامل والفوري للعقوبات، وهذا هو المُقابل الوحيد الذي قد يُسكت متشددي إيران.
وهنا تكمن العقدة، فهذا الشرط الإيراني، هو ما قد يعقد المفاوضات، ويفتح أمام الجمهوريين الفرصة مستقبلاً للتصعيد والتصويت على قرارات بفرض عقوبات جديدة. ويرى مراقبون أن "الإصرار الإيراني على إلغاء العقوبات بالكامل، يعني البحث عن ضمانات مستقبلية وقانونية، لا تسمح بفرض شروط جديدة عليها لاحقاً".
وعلى الرغم أن أوباما يستطيع إيقاف قرارات العقوبات الآن، غير أن هذا الأمر يحتاج إلى وقتٍ، في ظلّ حسابات سياسية في الداخل الأميركي. ليبقى الخيار الوحيد المُتاح الآن هو دفع الطرفين في اتجاه توقيع اتفاق قبل المهلة التي حددها اتفاق جنيف في 24 نوفمبر، وأي تمديد للتفاوض قد يُرهق الكل، وإيران تدرك جيداً هذه المعادلة، وهذا واضح في القراءات للموقف الإيراني.
سيُرسم مستقبل العلاقات الإيرانية الأميركية، في فترة لا تتعدّى الشهر، فتوقيع الاتفاق النووي بات وشيكاً كما يرى كثر، ولا سيما أن سلطنة عمان، الوسيط التاريخي بين طهران وواشنطن، هي المستضيفة لجولة الحوار المقبلة، التي ستُعقد بعد اجتماع إيراني أميركي على مستوى وزراء الخارجية، بحضور ممثلة السداسية، كاثرين آشتون، في 9 و10 نوفمبر الحالي.
والاتفاق يعني تجاوز منعطف خطير، سيصعب مهمات متشددي البلدين معاً. وسيكون أوباما قد أثبت أنه استطاع ترويض الغول الإيراني في الشرق الأوسط، وهو ما سيرفع أسهم سياسة حزبه الخارجية رغم المعوقات الكثيرة التي تعترضه في الداخل، وسيكون أمام المعتدلين الذين يمثلهم الرئيس روحاني في الداخل الإيراني، فرصة لاكتساب غالبية مقاعد البرلمان في انتخابات مجلس الشورى العام المقبل، وسيُنعشون معهم التيار الإصلاحي على حساب المحافظ.
ولكن كل هذا يبقى مشروطاً بالتوصل إلى خيار وسطي يرضي الجميع، وخصوصاً أن إيران تُصرّ على إلغاء الحظر بالكامل، وهو ما سيُعطيها ضمانات ضد الجمهوريين، ولن يكون سهلاً أن يمنح الأميركيون هذا الامتياز طهران. - See more at:
http://www.alaraby.co.uk/politics/f3a2aa2a-7be5-4a18-88b8-d8c2bb1226ee#sthash.tgDowrfx.dpuf