قوة إيران من منظور واقعي..
يوسف الكويليت 28- سبتمبر - 2014
بريطانيا خرجت من إمبراطوريتها العظمى، إما بكفاح الشعوب، أو الإقرار بأنها غير قادرة اقتصادياً وعسكرياً على إدارة تلك الإمبراطورية، والتسليم بالأمر الواقع، لأن الظرف التاريخي لا يمكن أن يبقيها سيدة العالم، ونفس الأمر مع فرنسا التي كادت أن تنهار في حربها مع الجزائر، وبقية المستعمرات، ولحقتهما بقية الدول بسبب تغير الظروف والأزمنة..
وُزعت تركة الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى، تسابقت مع أمريكا في غزو الفضاء وحرب النجوم، وتقاسم النفوذ على الكرة الأرضية، وحشدت أكبر مخزون للأسلحة النووية والصواريخ عابرة القارات، ولكنها عجزت عن أن توفر لشعوبها وجنودها الأحذية، أي أنها رأس في السماء وعري على الأرض، فانهارت لأسباب اقتصادية وسياسية، وأيديولوجيا شمولية تباعد عنها العصر والزمن..
أمريكا، وبغرور القطبية الواحدة، قسمت العالم إلى قديم وحديث، عدو وصديق، وضرورات التأديب تأتي بقوة شن الحروب حتى إن بوش الابن قال إنه مستعد لشن ثلاث حروب في ظرف زمني واحد ودون استشارة مجلس الأمن متخطياً الأعراف والقوانين الدولية، لكنه في آخر حروبه في العراق وأفغانستان أحس شعبه وقادته بوطأة الحمل عندما سجلت التكاليف أكثر من ترليوني دولار ما سبب عجزاً مالياً وشبه انهيار اقتصادي ما جعل خلفه أوباما يعتبرهما آخر الحروب العالمية..
هذه الشواهد من قبل قوى كبرى حاولت سيادة العالم لن تقنع إيران بمحاولة الانتشار في كل الاتجاهات، وأولوياتها في المنطقة العربية، حروب في العراق وسورية ولبنان تدعمها عسكرياً ومالياً، وقواعد في السودان وآسيا الوسطى، ثم أخيراً وليس آخراً الدخول في اليمن بنظرية توسيع دائرة مذهبها بالتحالف مع الحوثيين، ولعلها تتذكر أن عبدالناصر خاض التجرية وخسر اليمن وانهزم في حرب ١٩٦٧م، وإيران التي لا يتجاوز اقتصادها دولة في العالم الثاني قبل ماليزيا أو تركيا أو حتى تايوان، هل تستطيع تحمل أثقال وخسائر مادية وعسكرية بمفهوم عودة الإمبراطورية الفارسية وهذه المرة تحت غطاء إسلامي؟
المعطيات الراهنة تذهب إلى أن مغامرات إيران سوف تستنزف مواردها التي يحتاجها شعبها، حتى إن البعض الذي وصل إلى حد خط الفقر، سوف يتساءل عن أي هدف يجوع لأجله وتتبدد مداخيله على حروب وتدخلات عبثية؟
وهناك من ينظر لهذه الأمور بمنظور متشائم بأن القوة النووية لم تحم السوفيات من التفكك، ولن تحمي إيران من ولادة صراعات داخلية تبعاً لتنوع القوميات والمذاهب والأديان دفاعاً عن الحق الوطني والقومي، والأمر لا يدخل في التفاؤل والتشاؤم أو النصائح بالكف عن هذا العبث، وإنما ما ترسمه الدوائر العالمية الاستراتيجية عن مستقبل إيران كدولة موحدة عندما تخوض حروب استنزاف لا تقوى عليها..