ارتباط وجداني بين شعبي الإمارات واليمن
سد مأرب .. زايد أعاد إليه الحياة وأبناؤه رووه بدمائهم
صنعاء - «الخليج»:
لسد مأرب العظيم ارتباط وثيق بتاريخ اليمن، فقد كان السد مؤشراً على ما عاشه اليمن في الماضي من حياة رغدة، حتى إنه أطلق عليه اسم «اليمن السعيد» نسبة إلى الخير الذي كان يعود على اليمن من جراء خدمات سد مأرب في منطقة سبأ، وهي إحدى الممالك القديمة التي حكمت اليمن السعيد.
وعلى الرغم من تعرضه للكثير من التخريب والدمار، إلا أن سد مأرب بقي أحد شواهد عظمة التاريخ في هذا البلد العريق، فسد مأرب، وهو سد مائي قديم يعود تاريخه إلى بدايات الألفية الأولى ق.م، وتحديداً القرن الثامن، عده المؤرخون أحد أقدم السدود في العالم، واعتبره الباحثون «معجزة تاريخ شبه الجزيرة العربية»، وقيل إن السد منذ زمن ملكة سبأ بلقيس؛ حيث تم بناء وتشييد السد منذ ذلك الوقت، وعند قراءة الآيات القرآنية التي تحدثت عن سبأ وعن بلقيس، نستدل على حضارة عريقة كبيرة، وهي الحضارة السبئية التي كانت حاضرة في ذلك الزمن.
ويعتبر سد مأرب واحداً من أهم السدود اليمنية القديمة التاريخية، إضافة إلى سد جفينة وسد الخانق وسد أضرعة وسد مرخة وسد شاحك، وجميع هذه السدود تقع في محافظة مأرب، التي تشهد اليوم تغيراً في ملامح الخارطة الجغرافية والسياسية لبلد عبث فيها السياسيون وأحالوا التاريخ والجغرافيا فيها إلى مجرد أرقام وقطع أرض.
اقترن سد مأرب خلال ثمانينات القرن الماضي باسم مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي وضع نصب عينيه إعادة التاريخ والوظيفة الزراعية والحضارية للسد بعد أن تعرض للإهمال الكبير، ولم تجد الحكومة اليمنية من وسيلة لإعادة دوره ومجده القديم إلا بالاستنجاد بالمنقذ، وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
بني السد من حجارة اقتطعت من صخور الجبال، حيث نحتت بدقة، ووضعت فوق بعضها بعضا واستخدم الجبس لربط الحجارة المنحوتة ببعضها بعضا، كما تم استخدام قضبان أسطوانية من النحاس والرصاص يبلغ طول الواحدة منها 16 متراً، وقطرها حوالي 4 سنتمترات توضع في ثقوب الحجارة فتصبح كالمسمار فيتم دمجها بصخرة مطابقة لها وذلك ليتمكن من الثبات أمام خطر الزلازل والسيول العنيفة.
الأرجح أن سبأ بن يشجب هو الذي بنى سد مأرب، وجعل مياه 70 نهراً تصب فيه، ولكنه مات قبل تشييده، فأتمه ملوك حِمير، واسم سبأ هو: عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد وردت أسماء عدة كالملك (سمه علي نيوف)، ولقمان بن عاد بن أبكر، أنهم من بنوا السد، وأقوال أخرى تقول إنهم كانوا ممن رمموا السد.
ويرى خبراء هندسيون أن سد مأرب العظيم يعد من أرقى السدود من الناحية الهندسية، وقد قام المهندسون بمعاينة طبيعة الأرض قبل إنشاء السد، ثم بنوا عليها المخطط الهندسي الذي هو عبارة عن حائط حجري ضخم أقيم في مربط الدم عند مخرج السيل من الوادي، وبني على زاوية منفرجة، ممتدًا من الجنوب إلى الشمال مسافة 650 مترًا، وله فتحات وأبواب تُفتح وتُغلق حسب الحاجة لمرور الماء منها المسايل المتصلة بها لإرواء الحقول والبساتين والمزارع.
وقد تعرض سد مأرب للإهمال، ما أدى إلى خراب جزء كبير منه، وبسبب تهدمه هاجر عشرات الآلاف من الساكنين في منطقة سد، وقد كان دمار سد مأرب حدثا تاريخياً كبيراً غير مجرى حياة اليمنيين، وجاء ذكر ذلك في القرآن الكريم أكثر من مرة.
كان قد ترتب على انهيار سد مأرب فشل نظام الري، ما أدى لهجرة ما يصل إلى 50،000 شخص من اليمن إلى مناطق أخرى من شبه الجزيرة العربية. وعلى الرغم من الروايات المتداولة حول سبب انهيار سد مأرب، من بينها ما تم تداوله حول تسبب الفئران بانهياره، إلا أن الرواية الأقرب إلى الحقيقة تشير إلى أن السد تعرض لإهمال كبير وتهدمت خزاناته قبل أن يحل الخراب بالمنطقة بأسرها.
زايد يعيد الحياة لمأرب
بعد الخراب الذي حل بمأرب بسبب تهدم السد والضرر الكبير الذي لحق بالمنطقة الزراعية التي كانت تغذي بقية المناطق المحيطة به بالماء لزراعة القمح والخضروات والفاكهة، جاء تدخل حكيم العرب المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لإعادة كتابة التاريخ وأسطر المجد للسد إيماناً منه بالدور العظيم الذي أداه في الماضي وأن عليه اليوم القيام بدور لا يقل عن الدور الذي كان عليه قبل قرون من الزمن.
تعود بداية التدخل الحكيم لحكيم العرب لإنقاذ سد مأرب إلى شهر إبريل من 1982 عندما خصصت دولة الإمارات العربية المتحدة قرابة 3 ملايين دولار أمريكي بشكل عاجل لمساعدة المنكوبين الذين تضرروا من الفيضانات في اليمن، بيد أن الشيخ زايد، رحمه الله، أدرك أن المساعدة على المدى القصير لا تحل المشكلة، لذا تبرع شخصياً في وقت لاحق من الشهر ذاته بالأموال اللازمة لإعادة بناء سد مأرب، وبذلك وضع حلاً نهائياً للمشكلة الأساسية التي كانت تواجه اللذا تبرع شخصياً في وقت لاحق من الشهر ذاته بالأموال اللازمة لإعادة بناء سد مأرب، وبذلك وضع حلاً نهائياً للمشكلة الأساسية التي كانت تواجه اليمن ويعجز عن حلها، والمتمثلة في إعادة الدور التاريخي لمأرب.
في عام 1984 قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة أموالاً إضافية لمواصلة العمل في بناء السد، وفي الثاني من شهر أكتوبر من العام نفسه وضع المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد حجر الأساس لمشروع ينهي الدمار الذي تسببه الفيضانات ويجدد خصوبة آلاف الهكتارات من الأرض الصالحة للزراعة مستقبلاً، وبعد عامين قام الشيخ زايد بافتتاح السد الذي انتهى العمل فيه قبل التوقيت المقرر له، والذي امتدت فوائده إلى جزء كبير من اليمن.
ولم يتوقف دعم الشيخ زايد لاستكمال سد مأرب حيث تم في 25 نوفمبر 2002 في العاصمة صنعاء توقيع اتفاقية تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع السد بتكلفة قدرها 87 مليوناً و820 ألف درهم على نفقة الشيخ زايد الخاصة للإسهام في ري أكثر من 10 آلاف هكتار من المساحات مزروعة بالمحاصيل.
وتؤكد شخصيات سياسية وحكومية واجتماعية وقبلية يمنية من مختلف التوجهات الحزبية على مدى خلود المشاريع والمساعدات والمساهمات الإنسانية للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، التي تم تنفيذها وإنشاؤها على الأراضي اليمنية، وظلت باقية في وجدان وأذهان كل اليمنيين من دون استثناء، إذ إن الدعم الذي قدمه الشيخ زايد أكد عروبة وأصالة وكرم ومساهمة الشيخ زايد، في تنفيذ المشاريع الخيرية ودعم التنمية الاقتصادية الشاملة في الوطنين العربي والإسلامي بشكل عام وبلاد اليمن بشكل خاص.
ويقول وزير الإدارة المحلية السابق علي محمد اليزيدي، إن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، امتلك نزعة إنسانية أصيلة تجسدت في عمل الخير حتى أصبحت صفة تلازمه ولصيقة به، وفي اليمن لا تزال الألسن تردد لقب (زايد الخير)، كلما جاء ذكر الرجل الطيب على أفواههم، مشيراً إلى أنه «منذ زيارة الشيخ زايد، رحمه الله، الأولى إلى اليمن في بداية الثمانينات من القرن الماضي، والعلاقات الأخوية بين اليمن والإمارات تزداد متانة، مستمدة ذلك من مقومات الدين وصلات القربى والتاريخ المشترك والجوار الجغرافي، ومنذ ذلك الحين ودولة الإمارات تقدم الدعم السخي لليمن عن طريق المساعدات التنموية والإنسانية».
ويرى أن من أبرز نتاج تلك العلاقة الطيبة بين البلدين، كان مشروع إعادة بناء سد مأرب القديم على نفقة الإمارات وبتوجيهات من الشيخ زايد في العام 1984 وهو المشروع الذي أعاد الألق لأرض سبأ وحضارتها التليدة، وكان بحق أحد أكبر المشاريع الإنمائية في اليمن، إذ شهدت المنطقة المحيطة بالمشروع نهضة زراعية ما زال اليمنيون ينعمون بثمارها حتى اليوم.
حضور يسد الغياب
اليوم يحاول أعداء التاريخ إعادة كتابته بطريقة مشوهة، فبعد ثورة اقتلعت جذور الرئيس السابق علي عبدالله صالح العام 2011، عاد ليتحالف مع قوى أكثر ظلامية، وعوضاً عن لعب دور تنموي في بلاد مملكة سبأ، أحال صالح والحوثيون منطقة مأرب بسدها وأرضها الجغرافية إلى ساحة للقتل والتدمير.
حضرت دولة الإمارات العربية من جديد لتعيد الحياة إلى سد مأرب ومملكة سبأ العظيمة وإلى الشعب اليمني بأكمله بعد أن أطبق الظلاميون على هذه الأرض وحولوا خيراتها إلى يباب.
ومثلما أعاد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الحياة إلى مأرب وملأه بالماء والحياة معاً، تصدى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لحمل راية والده مجدداً ليروي أرض سد مأرب بالدماء الطاهرة للشهداء، الذين لبوا نداء الواجب العروبي وذهبوا إلى مأرب، تماماً كما ذهبوا إلى عدن وبقية مدن اليمن ليساهموا في إزاحة الظلام الذي يسيطر اليوم على اليمن بحكم ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح.
قدمت دولة الإمارات المتحدة خيرة رجالها على أرض مأرب، وروت دماء العشرات من كواكبها أرضها بالقرب من السد الذي أعاد الشيخ زايد إحياءه من جديد، ولا يزال أبطال القوات المسلحة مرابطين في مأرب، ولن يعودوا إلا باكتمال النصر الذي وعد به صقر الإمارات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد ابوظبي نائب القائد العام للقوات المسلحة استكمالاً لمسيرة المؤسس.
لقد وعد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد باستعادة سد مأرب، واستعادة المجد الذي زرعه المؤسس والمغفور له بإذن الله الشيخ زايد، وكان له ما كان، عندما حققت المقاومة الشعبية والجيش الوطني اليمني، المدعوم بقوات التحالف العربي تقدماً على أرض المعركة بالاستيلاء على منطقة سد مأرب بالكامل ليتحقق بذلك صدق وعد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد برفع علمي اليمن والإمارات على السد.