إريتريا شريان حياة الحوثيين وإيران
هواجس عربية من دور إريتري مشبوه في اليمن بعد أن استثمرت طهران عزلة أسمرة الدولية لتعزيز وجودها العسكري البحري في البحر الأحمر وخليج عدن.
العرب
[نُشر في 08/04/2015، العدد: 9881، ص(6)]
الإيرانيون يستغلون الساحل الإريتري لبناء معسكرات تدريب سرية للحوثيين
أسمرة – تعمل الأجندة الإيرانية بكثافة في منطقة القرن الأفريقي الاستراتيجية، وخاصة في إريتريا التي تعتبر شريان الحياة بالنسبة إلى جماعة الحوثي حيث تقول تقارير إنه يتم تدريب عناصرها على الأراضي الإيرترية، ومن خلالها تتسلّم الدعم من طهران.
تعمل الأجندة الإيرانية على كسر الحصار البحري عليها في مياه الشرق الأوسط وإيجاد قاعدة انطلاق نحو شرق أفريقيا حيث تدور حروب مكملة لما يجري في العراق وأفغانستان واليمن وسوريا، ويمكن لطهران أن تستثمر فيها لخلق استراتيجية أمنية إقليمية غير مستقرّة تفيدها في تحقيق مخطّطاتها، وتفتح لها المجال لتغذية ميليشياتها ومدّها بالأسلحة والعتاد.
ولم يعد خافيا تورط الإيرانيين في تصدير الأسلحة لمناطق الصراعات الأفريقية وفي الشرق الأوسط. وتقول معلومات تناقلتها وسائل الإعلام إنه جرى تزويد إريتريا بمئات من عناصر فيلق القدس وضباط البحرية والخبراء العسكريين من الحرس الثوري الذين يشرفون على قواعد صاروخية منتشرة في كل أراضي البلاد وخصوصا على طول الساحل الإيرتري على البحر الأحمر المقابل لليمن والمملكة العربية السعودية.
وتذكر التقارير أيضا أنه من خلال السواحل الإريترية يتم تهريب الأسلحة إلى الحركات المتمرّدة في اليمن والصومال، وتسهيل نقل عناصر القاعدة من أفغانستان إلى جنوب اليمن، وكذلك تدريب عناصر من جماعة الحوثي بمعسكر دنقلو الإريتري.
ويؤكّد صحة هذه التقارير أيمن شبانة، الأكاديمي بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، الذي قال في تصريحات خاصة لــ “العرب”، إن قائمة الاتهامات الموجهة إلى إريتريا شملت فتح الأراضي والجزر الإريترية في أرخبيل دهلك على البحر الأحمر أمام فيلق القدس وعناصر الحرس الثوري الإيراني، ونصب بطاريات صواريخ إيرانية بالقرب من ميناء عصب، وتوفير مراكز التدريب والإيواء والعلاج لعناصر من الحوثيين، وتخزين سلاح إيراني، وإيصاله إلى صعدة، عبر قوارب صيد صغيرة، تنتقل بين ميناء عصب وميناء حرف سفيان في اليمن.
إيران تعتمد على الولاء الإيرتري لتحقيق السيطرة على مضيق باب المندب والطريق المائي إلى قناة السويس
وتعتمد إيران على الولاء الإريتري لها لتحقيق هدفها الأكبر المُتمثّل في السيطرة على مضيق باب المندب والطريق المائي إلى قناة السويس. بالإضافة إلى أنّ الامتداد الإيراني في إريتريا يمكن أن يكون أكثر أهمية في ما يخص جمع المعلومات الإستخبارتية في مجال الدفاع التكتيكي.
وتستغلّ طهران رغبة إريتريا، التي عاقبتها المجموعة الدولية لدعمها مجموعات مسلحة في القرن الأفريقي وانهالت عليها الانتقادات بسبب نظامها القمعي المتشدد، في الخروج من عزلتها، لتعزيز وجودها العسكري البحري في البحر الأحمر وخليج عدن وقُبالة السواحل الصومالية تحت ذريعة محاربة القرصنة إلى جانب وجود قاعدة عسكرية إيرانية في ميناء عصب الإيرتري.
هذه العلاقة بين إريتريا وإيران، تفسّر موقف نظام أسياس أفورقي من “عاصفة الحزم”، وهو موقف يغرّد خارج سرب موقف بقية الدول الأفريقية التي ترى أنها معنية بعمليات حفظ وبناء السلام في العالم شأن جيبوتي وموريتانيا، وخاصة السنغال التي أكّد رئيسها ماكي سال لدى زيارته للسعودية في مطلع مارس الماضي، أنّه يدرس إمكانية مشاركة بلاده عسكريا للتصدي للتمرد الحوثي وإعادة الاستقرار لليمن.
ومع انطلاق عملية "عاصفة الحزم"، تصاعد تفاعل الكثير من الجهات السياسية، وتوالت التصريحات والبيانات والتصرفات من دول مجاورة، فجيبوتي المطلة على مضيق باب المندب من الجهة المقابلة لليمن، بدأت في استقبال العمالة واللاجئين القادمين من مناطق الحرب، وأكدت رفض استضافة الرئيس السابق على عبد الله صالح، إذا طلب اللجوء السياسي إليها.
وفي حين تزايد توجس دوائر كثيرة من صمت إريتريا الدولة الثانية المقابلة لليمن من الجهة الأخرى، وهو ما دفع لتواتر الاتهامات لنظام الرئيس أسياس أفورقى، بدعم الحوثيين وقوات على عبدالله صالح، في ظل ما يتردد منذ فترة بشأن خصوصية العلاقة بين أسمرة وطهران.
أيمن شبانة: "النفي لا يبدد شكوك الكثيرين حول دور خفي لإيريتريا في دعم الحوثيين"
دور مشبوه
قبل بدء "عاصفة الحزم" عقد لقاء بين ولى العهد السعودي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، ومحمد عمر محمود سفير إريتريا في الرياض، كشف حرص السعودية على عدم فقدان إريتريا لدورها الحيوي في هذه المنطقة، أو على الأقل تحييدها في إطار دعم الشرعية في اليمن.
لكن زيارة وفد رفيع المستوى من الحوثيين، برئاسة حسين العزي رئيس دائرة العلاقات الخارجية في المكتب السياسي لجماعة “أنصار الله” إلى أسمرة أخيرا، أرخى بظلال سلبية على فرص استقطاب أسمرة للجناح العربي، وربما دعمت الزيارة الشكوك في توجهات نظام أفورقي الإقليمية.
وقد ذكرت إحدى إحدى برقيات ويكيليكس، مرسلة من السفارة الأميركية في أسمرا إلى واشنطن بتاريخ 12 فبراير 2010، أن السفير السعودي في إرتيريا قلق من النفوذ الإيراني، وقالت البرقية إن إيران زودت البحرية الإيرترية بالأسلحة وأن وفدا إيرانيا يزور أسمرة. وأضافت أن السفير السعودي يقول إن المتمردين الحوثيين كانوا متواجدين في إريتريا عام 2009. وقد أخبر السفير السعودي ناصر علي الحوطي نظيره الأميركي يوم 11 فبراير 2010 إنه قلق بخصوص المصالح الإيرانية المتزايدة في إريتريا.
وقال السفير إنه شخصيا رأى 5 أو 6 من الزوار الإيرانيين برفقة مدير البروتوكول في الخارجية الإيرترية في أسمرة. وقال إنه يعتقد أن إيران تريد تطويق بلاده.
وجاءت بعض التصريحات الإعلامية، وبينها تصريح منسوب للمحلق العسكري اليمني في القاهرة، بشأن رصد تجهيزات إيرانية في إريتريا، لتعزز الاتهامات الموجهة إلى نظامه حيال دعم المتمردين الحوثيين.
ولئن نفت الخارجية الإيرترية الاتهامات الموجّهة إليها بلعبها دور الطرف الثالث في مثلث الحوثيين وإيران، فإن هذا النفي لم يبدّد شكوك الكثيرين حول الدور الإيرتري الخفي في دعم الحوثيين وتقويض الاستقرار السياسي في اليمن.
ووفق تصريحات أيمن شبانة لـ”العرب” لم يبدد النفي شكوك الكثيرين حول دور خفي لإيريتريا في دعم الحوثيين، وتقويض الاستقرار السياسي باليمن.
واتهم شوقي محمد أحمد أمين، قيادي في الحزب الإسلامي الإيرتري، نظام أفورقي بأنه يقف مع إيران والحوثيين كشوكة في حلق الدول العربية، مشيرا إلى أن هناك تحذيرات ترددت منذ سنوات بشأن الخطر الشيعي في المنطقة، والدور المشبوه الذي تقوم به أسمرة لصالح طهران، الأمر الذي لم تنتبه إليه جيدا الدول العربية، حتى اشتد عود الحوثيين في اليمن، مدعوما من إيران وأرتريا، موضحا أن دور أفورقي في دعم الحوثيين يتمثل في استقبالهم داخل معسكرات تدريب بالأراضي الإيرترية.
مراقبون يطالبون أن تكون إريتريا ذاتها هدفا محتملا لعملية "عاصفة الحزم" في مرحلة لاحقة لقطع خطوط الدعم والإمداد عن الانقلاب الحوثي في اليمن
وفي ذات السياق، صدرت بيانات عن قوى المعارضة الإيرترية تدين موقف الحكومة مع الحوثيين، كما أعلنت وقوفها وتأييدها لتحالف “عاصفة الحزم”.
وتحدّثت وسائل إعلام تابعة للمعارضة الإيرترية، عن دعم حكومة أسمرة “للحوثيين، وكونها حلقة وصل بينهم، وبين إيران الداعم الأساسي لهم في المنطقة، باعتبار إريتريا جسرا ناقلا للمعدات، والإمدادات القادمة من إيران إلى الحوثيين”.
وهذا أيضا ما نقلته مؤخرا صحيفة “الوطن” السعودية اتهمت إريتريا بـ”التورط والوقوف مع الحوثيين”.
بدوره، انتقد وزير الخارجية اليمني، رياض ياسين، عقب انطلاق “عاصفة الحزم”، موقف أسمرة مما يجري في اليمن، متحدّثا عن احتمال هروب الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح إلى إريتريا، فضلا عن عدم إدانة هذه الأخيرة لانقلاب الحوثيين على الشرعية في اليمن، مفضلة اتخاذ ما تزعم أنّه موقف “الحياد” بين أطراف الصراع.
أمام الاتهامات الموجّهة لإريتريا بأنّها تمثل حديقة خلفية لإيران وللميليشيات الحوثيّة، طالب مراقبون أن تكون إريتريا ذاتها، هدفا محتملا لعملية “عاصفة الحزم” في مرحلة لاحقة، لقطع خطوط الدعم والإمداد عن الانقلاب الحوثي في اليمن، خاصة في مرحلة الحرب البرية، التي تفيد تقارير بأنّها ربما تنطلق قريبا، وكذلك إغلاق الطريق أمام المشروع التوسعي الإيراني.
وأشار تقرير صادر عن مركز ستراتفور الأميركي للدراسات الإستراتيجية إلى تعاظم النفوذ الإيراني في إريتريا، من خلال رصد طهران لتمويلات كبيرة يتم ضخّها في اقتصاد إريتريا التي أعلنت عن دعمها للبرنامج النووي الإيراني.
إيران تفتح المجال لتغذية ميليشياتها ومدّها بالأسلحة والعتاد
ولفت التقرير الأميركي إلى أنّ أرخبيل “دهلك” الإيرتري، قرب مضيق باب المندب مرتعا للتواجد الإيراني لمراقبة حركة الملاحة في البحر الأحمر.
وقد سبق أن أعلن الملحق العسكري اليمني بالقاهرة، اللواء أحمد سعيد بن بريك، أنّ عناصر أمنية يمنية رصدت تجهيزات إيرانية وصفها بـ”المريبة” في إريتريا، تستعمل لتوجيه مساعدات للجماعات الحوثية المتمردة في اليمن. كما تمكنت السلطات اليمنية في وقت سابق من مصادرة شحنة أسلحة إيرانية في سواحل حضرموت، يُعتقد أنّها كانت قادمة من إريتريا وموجهة إلى المتمردين الحوثيين.
التقارب مع أسمرة
تنظر الدول العربية بكثير من الريبة والقلق إلى الدور الخفي الذي تلعبه إريتريا في تأجيج الأزمة التي يشهدها اليمن. وهذا الأمر وفق خبراء، يستدعي من البلدان العربية المسارعة بتحييد هذا البلد الأفريقي ودمجه في إطار نظام شامل للأمن الإقليمي، قبل التدخّل برا في اليمن، أو وضعه إن لم يتسنّ ذلك، على الأجندة العسكرية لـ”عاصفة الحزم” كهدف لاحق، في ظل الأهمية القصوى لموقع إريتريا عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
وتشبث إريتريا بالتقارب مع البلدان العربية ونفي موالاتها لإيران (بغضّ النظر عن مدى صدقها) على عكس العديد من الجهات الأخرى التي تعلن ذلك صراحة ولا ترى فيه حرجا، يجب أن يتمّ استغلاله عربيا من أجل سحب البساط من تحت أقدام الإيرانيين، وكذلك من أجل اختبار مدى صدق إريتريا وحسن نواياها.
وبهذا أثارت عملية “عاصفة الحزم”، وفق أيمن شبانة، قضية مهمة تتعلّق بضرورة التواصل العربي الفاعل مع إريتريا، التي تقول إنها تتعرض لأحكام ظالمة، وعدم تركها فريسة لمحاولات الاستغلال الإيرانية، وذلك بالعمل على دمجها في إطار نظام للأمن الإقليمي، يربط بين الدول العربية والأفريقية، بما يحد من التهديدات التي تواجه أمن هذه الدول، خاصة في ظل تنامي نفوذ الجماعات الإسلامية الراديكالية، وانتشار مظاهر الجريمة المنظمة بشكل غير مسبوق.
هواجس عربية من دور إريتري مشبوه في اليمن بعد أن استثمرت طهران عزلة أسمرة الدولية لتعزيز وجودها العسكري البحري في البحر الأحمر وخليج عدن.
العرب
الإيرانيون يستغلون الساحل الإريتري لبناء معسكرات تدريب سرية للحوثيين
أسمرة – تعمل الأجندة الإيرانية بكثافة في منطقة القرن الأفريقي الاستراتيجية، وخاصة في إريتريا التي تعتبر شريان الحياة بالنسبة إلى جماعة الحوثي حيث تقول تقارير إنه يتم تدريب عناصرها على الأراضي الإيرترية، ومن خلالها تتسلّم الدعم من طهران.
تعمل الأجندة الإيرانية على كسر الحصار البحري عليها في مياه الشرق الأوسط وإيجاد قاعدة انطلاق نحو شرق أفريقيا حيث تدور حروب مكملة لما يجري في العراق وأفغانستان واليمن وسوريا، ويمكن لطهران أن تستثمر فيها لخلق استراتيجية أمنية إقليمية غير مستقرّة تفيدها في تحقيق مخطّطاتها، وتفتح لها المجال لتغذية ميليشياتها ومدّها بالأسلحة والعتاد.
ولم يعد خافيا تورط الإيرانيين في تصدير الأسلحة لمناطق الصراعات الأفريقية وفي الشرق الأوسط. وتقول معلومات تناقلتها وسائل الإعلام إنه جرى تزويد إريتريا بمئات من عناصر فيلق القدس وضباط البحرية والخبراء العسكريين من الحرس الثوري الذين يشرفون على قواعد صاروخية منتشرة في كل أراضي البلاد وخصوصا على طول الساحل الإيرتري على البحر الأحمر المقابل لليمن والمملكة العربية السعودية.
وتذكر التقارير أيضا أنه من خلال السواحل الإريترية يتم تهريب الأسلحة إلى الحركات المتمرّدة في اليمن والصومال، وتسهيل نقل عناصر القاعدة من أفغانستان إلى جنوب اليمن، وكذلك تدريب عناصر من جماعة الحوثي بمعسكر دنقلو الإريتري.
ويؤكّد صحة هذه التقارير أيمن شبانة، الأكاديمي بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، الذي قال في تصريحات خاصة لــ “العرب”، إن قائمة الاتهامات الموجهة إلى إريتريا شملت فتح الأراضي والجزر الإريترية في أرخبيل دهلك على البحر الأحمر أمام فيلق القدس وعناصر الحرس الثوري الإيراني، ونصب بطاريات صواريخ إيرانية بالقرب من ميناء عصب، وتوفير مراكز التدريب والإيواء والعلاج لعناصر من الحوثيين، وتخزين سلاح إيراني، وإيصاله إلى صعدة، عبر قوارب صيد صغيرة، تنتقل بين ميناء عصب وميناء حرف سفيان في اليمن.
إيران تعتمد على الولاء الإيرتري لتحقيق السيطرة على مضيق باب المندب والطريق المائي إلى قناة السويس
وتعتمد إيران على الولاء الإريتري لها لتحقيق هدفها الأكبر المُتمثّل في السيطرة على مضيق باب المندب والطريق المائي إلى قناة السويس. بالإضافة إلى أنّ الامتداد الإيراني في إريتريا يمكن أن يكون أكثر أهمية في ما يخص جمع المعلومات الإستخبارتية في مجال الدفاع التكتيكي.
وتستغلّ طهران رغبة إريتريا، التي عاقبتها المجموعة الدولية لدعمها مجموعات مسلحة في القرن الأفريقي وانهالت عليها الانتقادات بسبب نظامها القمعي المتشدد، في الخروج من عزلتها، لتعزيز وجودها العسكري البحري في البحر الأحمر وخليج عدن وقُبالة السواحل الصومالية تحت ذريعة محاربة القرصنة إلى جانب وجود قاعدة عسكرية إيرانية في ميناء عصب الإيرتري.
هذه العلاقة بين إريتريا وإيران، تفسّر موقف نظام أسياس أفورقي من “عاصفة الحزم”، وهو موقف يغرّد خارج سرب موقف بقية الدول الأفريقية التي ترى أنها معنية بعمليات حفظ وبناء السلام في العالم شأن جيبوتي وموريتانيا، وخاصة السنغال التي أكّد رئيسها ماكي سال لدى زيارته للسعودية في مطلع مارس الماضي، أنّه يدرس إمكانية مشاركة بلاده عسكريا للتصدي للتمرد الحوثي وإعادة الاستقرار لليمن.
ومع انطلاق عملية "عاصفة الحزم"، تصاعد تفاعل الكثير من الجهات السياسية، وتوالت التصريحات والبيانات والتصرفات من دول مجاورة، فجيبوتي المطلة على مضيق باب المندب من الجهة المقابلة لليمن، بدأت في استقبال العمالة واللاجئين القادمين من مناطق الحرب، وأكدت رفض استضافة الرئيس السابق على عبد الله صالح، إذا طلب اللجوء السياسي إليها.
وفي حين تزايد توجس دوائر كثيرة من صمت إريتريا الدولة الثانية المقابلة لليمن من الجهة الأخرى، وهو ما دفع لتواتر الاتهامات لنظام الرئيس أسياس أفورقى، بدعم الحوثيين وقوات على عبدالله صالح، في ظل ما يتردد منذ فترة بشأن خصوصية العلاقة بين أسمرة وطهران.
أيمن شبانة: "النفي لا يبدد شكوك الكثيرين حول دور خفي لإيريتريا في دعم الحوثيين"
دور مشبوه
قبل بدء "عاصفة الحزم" عقد لقاء بين ولى العهد السعودي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، ومحمد عمر محمود سفير إريتريا في الرياض، كشف حرص السعودية على عدم فقدان إريتريا لدورها الحيوي في هذه المنطقة، أو على الأقل تحييدها في إطار دعم الشرعية في اليمن.
لكن زيارة وفد رفيع المستوى من الحوثيين، برئاسة حسين العزي رئيس دائرة العلاقات الخارجية في المكتب السياسي لجماعة “أنصار الله” إلى أسمرة أخيرا، أرخى بظلال سلبية على فرص استقطاب أسمرة للجناح العربي، وربما دعمت الزيارة الشكوك في توجهات نظام أفورقي الإقليمية.
وقد ذكرت إحدى إحدى برقيات ويكيليكس، مرسلة من السفارة الأميركية في أسمرا إلى واشنطن بتاريخ 12 فبراير 2010، أن السفير السعودي في إرتيريا قلق من النفوذ الإيراني، وقالت البرقية إن إيران زودت البحرية الإيرترية بالأسلحة وأن وفدا إيرانيا يزور أسمرة. وأضافت أن السفير السعودي يقول إن المتمردين الحوثيين كانوا متواجدين في إريتريا عام 2009. وقد أخبر السفير السعودي ناصر علي الحوطي نظيره الأميركي يوم 11 فبراير 2010 إنه قلق بخصوص المصالح الإيرانية المتزايدة في إريتريا.
وقال السفير إنه شخصيا رأى 5 أو 6 من الزوار الإيرانيين برفقة مدير البروتوكول في الخارجية الإيرترية في أسمرة. وقال إنه يعتقد أن إيران تريد تطويق بلاده.
وجاءت بعض التصريحات الإعلامية، وبينها تصريح منسوب للمحلق العسكري اليمني في القاهرة، بشأن رصد تجهيزات إيرانية في إريتريا، لتعزز الاتهامات الموجهة إلى نظامه حيال دعم المتمردين الحوثيين.
ولئن نفت الخارجية الإيرترية الاتهامات الموجّهة إليها بلعبها دور الطرف الثالث في مثلث الحوثيين وإيران، فإن هذا النفي لم يبدّد شكوك الكثيرين حول الدور الإيرتري الخفي في دعم الحوثيين وتقويض الاستقرار السياسي في اليمن.
ووفق تصريحات أيمن شبانة لـ”العرب” لم يبدد النفي شكوك الكثيرين حول دور خفي لإيريتريا في دعم الحوثيين، وتقويض الاستقرار السياسي باليمن.
واتهم شوقي محمد أحمد أمين، قيادي في الحزب الإسلامي الإيرتري، نظام أفورقي بأنه يقف مع إيران والحوثيين كشوكة في حلق الدول العربية، مشيرا إلى أن هناك تحذيرات ترددت منذ سنوات بشأن الخطر الشيعي في المنطقة، والدور المشبوه الذي تقوم به أسمرة لصالح طهران، الأمر الذي لم تنتبه إليه جيدا الدول العربية، حتى اشتد عود الحوثيين في اليمن، مدعوما من إيران وأرتريا، موضحا أن دور أفورقي في دعم الحوثيين يتمثل في استقبالهم داخل معسكرات تدريب بالأراضي الإيرترية.
مراقبون يطالبون أن تكون إريتريا ذاتها هدفا محتملا لعملية "عاصفة الحزم" في مرحلة لاحقة لقطع خطوط الدعم والإمداد عن الانقلاب الحوثي في اليمن
وفي ذات السياق، صدرت بيانات عن قوى المعارضة الإيرترية تدين موقف الحكومة مع الحوثيين، كما أعلنت وقوفها وتأييدها لتحالف “عاصفة الحزم”.
وتحدّثت وسائل إعلام تابعة للمعارضة الإيرترية، عن دعم حكومة أسمرة “للحوثيين، وكونها حلقة وصل بينهم، وبين إيران الداعم الأساسي لهم في المنطقة، باعتبار إريتريا جسرا ناقلا للمعدات، والإمدادات القادمة من إيران إلى الحوثيين”.
وهذا أيضا ما نقلته مؤخرا صحيفة “الوطن” السعودية اتهمت إريتريا بـ”التورط والوقوف مع الحوثيين”.
بدوره، انتقد وزير الخارجية اليمني، رياض ياسين، عقب انطلاق “عاصفة الحزم”، موقف أسمرة مما يجري في اليمن، متحدّثا عن احتمال هروب الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح إلى إريتريا، فضلا عن عدم إدانة هذه الأخيرة لانقلاب الحوثيين على الشرعية في اليمن، مفضلة اتخاذ ما تزعم أنّه موقف “الحياد” بين أطراف الصراع.
أمام الاتهامات الموجّهة لإريتريا بأنّها تمثل حديقة خلفية لإيران وللميليشيات الحوثيّة، طالب مراقبون أن تكون إريتريا ذاتها، هدفا محتملا لعملية “عاصفة الحزم” في مرحلة لاحقة، لقطع خطوط الدعم والإمداد عن الانقلاب الحوثي في اليمن، خاصة في مرحلة الحرب البرية، التي تفيد تقارير بأنّها ربما تنطلق قريبا، وكذلك إغلاق الطريق أمام المشروع التوسعي الإيراني.
وأشار تقرير صادر عن مركز ستراتفور الأميركي للدراسات الإستراتيجية إلى تعاظم النفوذ الإيراني في إريتريا، من خلال رصد طهران لتمويلات كبيرة يتم ضخّها في اقتصاد إريتريا التي أعلنت عن دعمها للبرنامج النووي الإيراني.
إيران تفتح المجال لتغذية ميليشياتها ومدّها بالأسلحة والعتاد
ولفت التقرير الأميركي إلى أنّ أرخبيل “دهلك” الإيرتري، قرب مضيق باب المندب مرتعا للتواجد الإيراني لمراقبة حركة الملاحة في البحر الأحمر.
وقد سبق أن أعلن الملحق العسكري اليمني بالقاهرة، اللواء أحمد سعيد بن بريك، أنّ عناصر أمنية يمنية رصدت تجهيزات إيرانية وصفها بـ”المريبة” في إريتريا، تستعمل لتوجيه مساعدات للجماعات الحوثية المتمردة في اليمن. كما تمكنت السلطات اليمنية في وقت سابق من مصادرة شحنة أسلحة إيرانية في سواحل حضرموت، يُعتقد أنّها كانت قادمة من إريتريا وموجهة إلى المتمردين الحوثيين.
التقارب مع أسمرة
تنظر الدول العربية بكثير من الريبة والقلق إلى الدور الخفي الذي تلعبه إريتريا في تأجيج الأزمة التي يشهدها اليمن. وهذا الأمر وفق خبراء، يستدعي من البلدان العربية المسارعة بتحييد هذا البلد الأفريقي ودمجه في إطار نظام شامل للأمن الإقليمي، قبل التدخّل برا في اليمن، أو وضعه إن لم يتسنّ ذلك، على الأجندة العسكرية لـ”عاصفة الحزم” كهدف لاحق، في ظل الأهمية القصوى لموقع إريتريا عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
وتشبث إريتريا بالتقارب مع البلدان العربية ونفي موالاتها لإيران (بغضّ النظر عن مدى صدقها) على عكس العديد من الجهات الأخرى التي تعلن ذلك صراحة ولا ترى فيه حرجا، يجب أن يتمّ استغلاله عربيا من أجل سحب البساط من تحت أقدام الإيرانيين، وكذلك من أجل اختبار مدى صدق إريتريا وحسن نواياها.
وبهذا أثارت عملية “عاصفة الحزم”، وفق أيمن شبانة، قضية مهمة تتعلّق بضرورة التواصل العربي الفاعل مع إريتريا، التي تقول إنها تتعرض لأحكام ظالمة، وعدم تركها فريسة لمحاولات الاستغلال الإيرانية، وذلك بالعمل على دمجها في إطار نظام للأمن الإقليمي، يربط بين الدول العربية والأفريقية، بما يحد من التهديدات التي تواجه أمن هذه الدول، خاصة في ظل تنامي نفوذ الجماعات الإسلامية الراديكالية، وانتشار مظاهر الجريمة المنظمة بشكل غير مسبوق.