انتصار القوات المسلحة السعودية ,, في الميزان الاستراتيجي
بقلم \ العميد الركن الدكتور
ظــــافــر بن عـــــلي الشـهـــــري
أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز– حفظه الله تعالى– عن انتصار قواتنا المسلحة الباسلة على المتسللين الإرهابيين، ودحرهم خارج الحدود السعودية، وأكد– يحفظه الله– أن القوات المسلحة السعودية تتحرك ضمن حدود المملكة، ولم ولن تتجاوزها، كما أكد عدم التدخل في شؤون أي دولة، فإنه لا يرحب بالتدخل في شؤون المملكة العربية السعودية. كلمات قليلة ثمينة توضح بما لا يقبل الشك أو التشكيك سياسة المملكة والظفر السعودي الحاسم، ومنذ نوفمبر الماضي (11 / 2009م) والقوات السعودية الباسلة تحيط حدودنا الجنوبية في (الدرع الجنوبي) جوار الشقيقة اليمن بأجساد متراصة، وأقدام ثابتة، وإرادة لا تلين للذود عن الوطن وتطهيره من رجس جرائم المتسللين المضللين بالعصبية المذهبية العرقية من بعض الدول الإقليمية لزرع الفتنة والاقتتال في هذه المنطقة المسالمة، وما عهدنا عن الدولة السعودية طوال تاريخها إلا الأمن والأمان، والجنوح للسلم والسلام عبر كل دول الجوار بالدرجة الأولى أو عبر علاقاتها الإقليمية والدولية بالحرص نفسه، لكنها وقد وجدت من طغمة المتسللين أعمالاً طائشة شنيعة وتخريبية طالت الأبرياء وأملاكهم، ودنست بخطواتها الآثمة تراب الوطن، فلم تتردد قيادتنا لحظة واحدة في صد هذا البغي، وردعه، وسحقه في تصميم شديد على تطهير حدودنا من تلك العناصر الباغية، وفي حزم لصد وقطع دابر هذه الدسائس والمؤامرات من قاع أوكارها، ما جعل قواتنا العسكرية في حالة استنفار وكر دائمين في اتجاه مصادر التسلل، ومعاقل الإجرام، فخاضت القوات المسلحة السعودية معارك نوعية فرضتها الطبيعة الوعرة والجبلية المعقدة للمنطقة المتاخمة لحدودنا المشتركة مع اليمن الشقيق، تطلبت تكتيكات وغارات مركزة محددة نحو أهداف بعينها، حريصة كل الحرص على أن تسحق زمر المعتدين، وفي الوقت نفسه تجنب المدنيين المخاطر، الأمر الذي استدعى مساحة من الوقت لكي يكون الإنجاز العسكري بأقل الأثمان من الشهداء الأبطال أو من الخسائر المادية والمدنية
هذا الانتصار الغالي وقف خلفه القائد الأعلى لقواتنا المسلحة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ووضع له خططه، وأشرف عليه وتابعه سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام الأمير سلطان بن عبد العزيز، وقاده في الميدان سمو مساعد وزير الدفاع والطيران للشؤون العسكرية الأمير خالد بن سلطان بمعاونة رئيس هيئة الأركان ونائبه وقادة القوات، وكتبه بالثبات والتضحية نائب قائد القوات البرية صاحب السمو الملكي اللواء الركن خالد بن بندر بن عبد العزيز وضباط وجنود قواتنا المسلحة البواسل..
إنه انتصار للسلام من أجل السلام، انتصار للأمن من أجل الأمن، انتصار قواتنا المسلحة من أجل المواطنين، بل انتصار قواتنا المسلحة والمواطنين من أجل وطن شاءته قيادته، كما شاءه شعبه، أسوة حسنة لمصلحة استقرار وكرامة العرب، مثلما هو أيضاً نبراس حق، وعدل، وسلام، منذ أن اختاره الله مهبطاً للوحي، ومقراً للمشاعر المقدسة، وقبلة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ومهوى أفئدة الخلق للأمن والأمان فيه، لأنه البلد الأمين.
إن أداء القوات المسلحة بتوجيه خادم الحرمين الشريفين في الذود عن الحدود الجنوبية للمملكة هو ملحمة عسكرية في ميزان الاستراتيجية، وقد أثبتت قوات خادم الحرمين الشريفين المسلحة استمرارها بكلِّ ثبات وإخلاص، في صون الرسالة وأداء الواجب، سلاحها الإيمان، وحافزها ثقة القيادة والوطن والتفافه حولهم، وفي استعدادهم الدائم للبذل والتضحية ذود عن حياض الوطن، وحفاظ على أمنه واستقراره، لتجسيد أصدق معاني العسكرية المحترفة في أتم جاهزيتها واستعدادها، ولا بد من التنويه هنا بدور قيادة العمليات التي أدارها بجسارة وحنكة سمو الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، مساعد وزير الدفاع الذي أشار إلى أن: (القوات المسلحة تنفذ ما أمر به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز آل سعود القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو تطهير كل شبر من أرض الوطن، وعدم الاعتداء على أحد ولو بشبر واحد)،
وأن أي شخص، أو متسلل، أو قناص يدخل هذه المنطقة، فإن أمامه الاستسلام أو القتل.
لقد استطاعت القوات المسلحة السعودية أن تثبت جاهزيتها واستعدادها الدائم للدفاع عن كل شبر من أراضي المملكة، وأن تثبت أن جهود التحديث للقوات المسلحة السعودية التي يقوم بها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، أتت أُكلها- بفضل الله- ولا نبالغ بالقول بأن ذلك الأداء الفريد قد أحدث تغييرات تكتيكية في نظريات الحروب غير المتناظرة، وأضاف أبعاداً جديدة لتلك النظريات والتكتيكات.
ولا يمكن استيعاب أهمية الانتصار السعودي بمعزل عن الإحاطة الدقيقة بالبيئة الاستراتيجية التي تمت في إطارها المعارك والأهداف الجيواستراتيجية للأهداف المتوخاة من أطرافها، والمتغيرات الإقليمية والدولية التي تتم في سياقها، والأداء العسكري المذهل لقواتنا ومن هذه الأهداف ما يلي:
أولاً: النظرة الشاملة للاستراتيجية السعودية:
للمملكة استراتيجية شاملة أو عقيدة استراتيجية تستند إلى ركائز معينة تحدد فيها الأسس التي تعتمد عليها هذه الاستراتيجية والأهداف التي تتطلع إليها، والوسائل اللازمة لتحقيقها، والإطار الزمني الذي تتم فيه، والرقعة الجغرافية التي تحتوي عليها، والمدى الذي تؤثر فيه هذه الاستراتيجية في النطاقين المحلي أو العالمي.
وإذا أخذنا بالنظرة الشاملة للاستراتيجية السعودية من حيث كونها تعكس تطلعاتها لتحقيق الأمن الوطني في مرحلة زمنية معينة، نجد أن المحددات التي تحكم التحرك السعودي في إطار الاستراتيجية الشاملة للأمن الوطني تتمثل في القدرة على الدفاع عن النفس ضد التهديدات العسكرية الخارجية، سواء كانت تلك القدرة ترتبط باستراتيجية دفاعية تهدف إلى صد وإحباط العدوان العسكري في حالة وقوعه أو استراتيجية ردعية تهدف إلى منع وقوع العدوان من خلال امتلاك قدرة مؤكدة على التحرك الاستباقي أو الرد المضاد، وهذا يؤكد أن التوجهات السعودية استقرت منذ فترة طويلة على اتباع سياسات تعتمد على عدم المغامرة العسكرية أو التورط الخارجي، وقد استمرت المملكة في التأكيد على ثوابتها العسكرية والثقة بخياراتها الدفاعية دون التأثر بأي أجواء من الشحن أو الضغط على طريق التورط العسكري بما يتعارض مع ما تمليه من مصالحها الوطنية.
واقع الأمر أنه يحق لشعب المملكة العربية السعودية أن يفخر بقوات الملك عبد الله بن عبد العزيز المسلحة، هذه القوات المسلحة التي يدعمها ويوجهها من خلال الإمكانات الكبيرة التي حققها لنا القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولقد قامت القوات المسلحة بواجبها في صد المتسللين وطردهم، وكان لا بد من ردعهم لعدم المغامرة مع دولة بوزن المملكة، تظل المملكة العربية السعودية أحد البلدان الرئيسية والمحورية في منطقة الخليج والعالم العربي، فهي تلعب دوراً محورياً رائداً في ضمان أمن واستقرار المنطقة، كما أنها تلعب دوراً أساسياً فيما يتعلق بحاضر ومستقبل هذه المنطقة الحيوية لاستقرار وثبات الاقتصاد العالمي، فهي محط أنظار العالم بأسره، إضافة إلى دورهاالروحي الكبير.
وفي إطار حرص المملكة العربية السعودية تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين بما لها من ثقل إسلامي، وعربي، وعالمي، واقتصادي، وحضاري على معالجة الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل الذي لا يقتصر فقط على المسائل العسكرية والمحافظة على وحدة التراب الوطني والسيادة، بل ويشتمل أيضاً على الجوانب الأمنية، والاقتصادية، والثقافية، والحضارية، والعمل على إيجاد آلية لحل النزاعات البينية، خاصة أن التجربة أثبتت بما لا يقبل الشك قدرة الجهد المخلص لقيادتنا على حل القضايا العربية في إطار البيت العربي بمنأى عن أية تدخلات خارجية، فقد تقدمت المملكة خلال اجتماع القمة العربي الذي عقد في المملكة في أواخر شهر مارس 2007 بورقة عمل تم اعتمادها في القمة هدفت إلى معالجة الأمن القومي بمفهومه الشامل، والعمل على إيجاد آلية لتفعيل العمل العربي المشترك، وحل جل القضايا في الإطار العربي لمنع التدخلات الخارجية، وحفظ الأوطان العربية وصيانتها والنهوض بالأمة، وتكريس هويتها، ووطنيتها لمواجهة التحديات التي تواجهها الأمة.
فالمملكة في تحركاتها تهدف إلى بقاء الدول العربية وسيطرتها الكاملة على كل أراضيها، وحماية حدودها، وممارسة سيادتها الوطنية، واستقلال قرارها السياسي، والاقتصادي، والتكنولوجي، مع الحفاظ على الثروات العربية بمختلف أنواعها للوطن العربي، والتأكيد على تعزيز الانتماء الوطني والاعتزاز بالهوية، واحترام القيم الدينية إسلامية، ومسيحية، والحفاظ على أصالة الثقافة الإسلامية والعربية، وتراثها الحضاري، وأعراف وتقاليد مجتمعها، ومقاومة التغريب ودعاته، والتطرف وجماعاته، كل تلك الأهداف تجدها بعض الدول الإقليمية كابحاً لتطلعاتها الإقليمية في الهيمنة على دول الخليج والدول العربية.
ثانياً: استخدام عناصر الميليشيا (المتمردين) كأداة لتطلعات إقليمية:
بدأت أولى مراحل الصراع بين عناصر الميليشيا (المتمردين)، والسلطة اليمنية في عام 2004، فعلى مدى الأشهر الثلاثة الممتدة من يونية حتى أغسطس من ذلك العام، دارت معارك عنيفة بين قوات الجيش اليمني، وقوات عناصر الميليشيا (المتمردين)، وأشارت التحليلات إلى أن مسرح المواجهة كان يتميز بالصعوبة الشديدة بسبب الطبيعة الجبلية الوعرة، وكانت معاناة القوات الحكومية كبيرة، لأنها كانت تواجه مسلحين يحتمون بالجبال، إضافة إلى معرفتهم التامة بالأرض، وتمتعهم بدعم السكان المحليين، وقد بلغ عدد القتلى زهاء (1000) قتيل كان من بينهم (قائد المتمردين) نفسه.. ولم يكد يمر عام إلا واندلعت مرحلة ثانية من المواجهات بين الطرفين خلال شهري مارس وإبريل عام 2005، ليصل عدد القتلى إلى زهاء (1500) شخص، وفي مايو من العام نفسه رفضت ميليشيا (المتمردين) مبادرة طرحها الرئيس اليمني تقضي بإبرام صفقة تقوم على منح عناصر الميليشيا عفواً عاماً مقابل إلقائهم السلاح والاستسلام، وقد أدى رفضها إلى استمرار الحرب حتى فبراير 2006، لتعود من جديد مع بداية عام 2007 عندما قامت الميليشيا في 28 يناير بمهاجمة بعض المنشآت العسكرية اليمنية، ليأتي الرد من جانب الحكومة في التاسع عشر من فبراير من العام نفسه عن طريق حملة عسكرية واسعة النطاق، استهدفت مناطق التمركز الشيعي في محافظة صعدة، واستمر القتال حتى السادس من يونية 2007، حيث تم التوصل إلى اتفاق وقف العمليات المسلحة بين الطرفين، غير أنه سرعان ما انهار هذا الاتفاق لتبدأ جولة أخرى من الصراع في إبريل 2008 عندما اشتبكت مجموعة من الجنود الحكوميين مع بعض عناصر الميليشيا في الثاني من مايو 2008 عقب انفجار استهدف الشيعة في أحد مساجد صعدة أدى إلى مقتل (15) وجرح (55) من المصلين، لتبدأ المواجهة بين الطرفين في الثاني عشر من الشهر نفسه، وتستمر حتى السابع عشر من يونيو من العام نفسه بإعلان الرئيس اليمني وقف العمليات القتالية.
بيد أنه سرعان ما تجدد مرة أخرى في يونيو 2009، حينما دار عديد من الاشتباكات بين الطرفين، وإن ظل الهدوء النسبي هو المسيطر على العلاقة بين الطرفين، لتنفجر الأوضاع بجولة سادسة من الصراع في الحادي عشر من أغسطس من العام نفسه 2009، وتستمر إلى اليوم، مخلفة عشرات من القتلى من الجانبين، إضافة إلى دمار هائل، ونزوح أكثر من 200 ألف عن ديارهم، وهو ما يؤثر بتداعياته السلبية في مستقبل الأوضاع في اليمن، ليفتح الباب واسعاً أمام سيل من التفاسير والتأويلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا الصراع.
والحقيقة أن التداخل بين تحديات الداخل، وتضارب المصالح والأهداف والاستراتيجيات على مستوى الخارج أدى إلى تكوين كل هذا التعقيد والتشابك في القراءات المتعددة للأزمة. وهو ما يدفعنا– بداية– إلى تسجيل ملاحظتين مهمتين في هذا الخصوص:
الأولى: إن أزمة عناصر الميليشيا (المتمردين) لم تكن أزمة طارئة (وليدة اليوم، وإنما امتدت إلى أكثر من خمس سنوات فشلت الحكومة اليمنية في حسمها، سواء عسكرياً، أو سياسياً، بما يمكن معه القول بأنها كانت بمعدل معركة واحدة كل عام، مع استمرار المناوشات والاشتباكات المحدودة بين كل معركة كبيرة وأخرى، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل أبرزها أن جغرافيا اليمن الجبلية مكنت أنصار عناصر الميليشيا من الاحتماء بالجبال بصورة تمثل عائقاً أمام استهداف القوات الحكومية لهم، وتوافر السلاح لعناصر الميليشيا بشكل كبير، وذلك بالنظر إلى واقع ظاهرة انتشار السلاح في اليمن بشكل عام وسهولة الحصول عليه، واستفادة تلك الشرذمة (عناصر الميليشيا المتمردين) من تردد الحكومة في حسم مواجهتهم منذ البداية، بل دعمهم مالياً في بعض الأحيان من أجل استرضائهم، فضلاً عن الدعم القبلي لأنصار الحركة، حيث تشير المصادر المختلفة إلى أن هناك بعض القبائل التي تدعم تلك العناصر المتمردة بوازع الثأر من النظام الحاكم بسبب مقتل بعض أبنائها في المواجهات السابقة.
الثانية: تتعلق بمدى خطورة هذه الأزمة، مقارنة بالأزمات الأخرى التي يواجهها اليمن، وتنبع هذه الخطورة من انطوائها على أبعاد مختلفة يمكن أن تتسع بشكل يؤدي إلى تشابك وتداخل الخيوط بين السياسي والمذهبي، والداخلي والإقليمي، بشكل خطر.. وهنا ينبع البعد المذهبي في الصراع كون عناصر المتمردين شيعة ينطلقون من منطلقات دينية مذهبية تعتمد على أنصار المذهب، وترفع شعار المطالبة بحقوق الشيعة اليمنيين.. والدولة من جانبها تركز أيضاً في معطيات مذهبية في مواجهتها لهم، إذ تتهمهم بالتآمر على النظام الجمهوري، والتخطيط لإعادة نظام الإمامة، كما اتهمت عناصر المتمردين بادعاء الإمامة.
وقد استغلت بعض الدول الإقليمية هذا الصراع لإمداد عناصر ميليشيا المتمردين بالمال والسلاح ثم تحريضهم على التسلل إلى أراضي المملكة، ليكونوا رأس رمح في مخططهم الإقليمي في المنطقة الساعي إلى الهيمنة، سواء عبر علاقاته مع أطراف حاكمة في العراق أو عبر تزويد حزب الله بأسباب قوته من حيث التسليح، والتمويل، والتدريب، وكذلك مساندة حركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي بالمال. وترى بعض الدول الإقليمية أن البيئة الإقليمية في أعقاب غزو العراق أضحت ملائمة لمصالحهم ولأهدافهم الإقليمية– وهذه سمة أخرى من سمات غياب الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة. وقد خدم احتلال الولايات المتحدة العسكري للعراق وأفغانستان تلك الدول الإقليمية، فقد زال نظامان مناهضان لها هما النظام العراقي، ونظام طالبان. فبعض الدول الإقليمية في موضوع عناصر ميليشيا المتمردين يريدون استهداف الدور السعودي الإسلامي والعربي الجامع السابق الإشارة إليه وإرباكه وإضعافه.
ومن هنا يتبين أن المملكة ليس لها علاقة بذلك الصراع داخل اليمن، إلا أنه حدث وفقاً لمخطط بعض الدول الإقليمية بأن قام عناصر ميليشيا المتمردون بإرسال مقدمات بذريعة اتهام المملكة العربية السعودية بمساعدة الحكومة اليمنية، وأن قواتها تضرب مواقعهم، وهو ما نفته المملكة، والأمر ليس جديداً عندما تخسر أي فئة مواقعها وتشعر بالخسارة، تلجأ إلى خلق جهة أو عدو تضيفه لخلافاتها، وعملية فتح معركة مع المملكة لمصلحة طرف خارجي، وتسويغ هذا الأمر بعمل قلاقل لها تأتي كشاهد أن عناصر ميليشيا المتمردين مجرد أداة في إدارة لعبة أكبر.
والثابت أن المملكة تفضل دائماً الحياد في الصراعات العربية الداخلية بما فيها اليمن لإدراكها أن الحساسيات السياسية قد تتطور إلى اتهامات، فحروب، أو أعمال تخريبية، والتجارب كثيرة. فالمملكة لا تريد أن تكون طرفاً في مشكلة يمنية داخلية، وقد عملت المملكة ولا تزال بكل جهودها على استقرار اليمن الذي تدرك أهميته بأن يكون بلداً يتسع لكل المذاهب والأحزاب، ويبني مؤسساته بإرادة جماعية، ولعل عناصر ميليشيا المتمردين يدركون من تجارب اليمن نفسه كيف كانت خسائر الحروب الأهلية والانقلابات، وأيضاً اتخاذ تجربة لبنان، والعراق، وأفغانستان وغيرها، ومدى ما خلفته تلك الحروب من مآسٍ لا تزال تدفع ثمنها حتى اليوم.
لقد عاش اليمن في عهوده المختلفة وحدته الوطنية، ولم تبرز الطائفية حتى في أقسى الظروف، إلا أن عناصر ميليشيا المتمردين الذين أرادوا تغيير المعادلات بعمل فوضى تقسم اليمن إلى ولاءات وصراعات قبلية بمذاهب متعددة، بإيعاز خارجي له أجندته في المنطقة، فتورطهم بإرسال مجموعات تسللت إلى أرض المملكة، وأطلقت النار على بعض قوات حرس الحدود، وغيرها من الأعمال العدائية في خرق واضح وفاضح لحرمة التراب الوطني السعودي.
ثالثاً: السياق الاستراتيجي:
القضية أبعد من تسلل شرذمة آثمة إلى أراضي المملكة، فتحرك عناصر ميليشيا المتمردين المتسللين تم بتدبير أحكم بليل في إطار الموقع والموقف الاستراتيجي الذي تدور من خلاله الأحداث، فبعض الدول الإقليمية تعلم تماماً أهمية البعد الاستراتيجي لموقع اليمن، حيث يتميز اليمن بموقع استراتيجي فريد، فهو يقع على مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية الكبرى. كما أنه يملك سواحل طويلة على كل من البحر الأحمر، وخليج عدن، إضافة إلى تبعية عدد من الجزر المهمة مثل جزر حنيش الكبرى والصغرى عند مدخل مضيق باب المندب بين البحر الأحمر، وجزر سومطرة في بحر العرب، ناهيك من أنه البوابة الرئيسية التي تربط شبه الجزيرة العربية بالقارة السمراء، وعقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر دفعت الاعتبارات الأمنية ببعض أدبيات التفكير الاستراتيجي الغربية إلى التوسع في استخدام مفهوم القرن الإفريقي ليشمل اليمن، وربما بعض بلدان الخليج العربية، يقول (روبرت روتبرج) في ذلك: إن القرن الإفريقي الكبير ينطلق بقوة دفعه الذاتية صوب اليمن، ومنها إلى قلب الجزيرة العربية والخليج العربي، كما أنه يشمل منطقة بالغة التعقيد في شمال شرق إفريقيا، وهي تمتد من قمم جبل كليمنجارو حتى منخفضات جيبوتي، ومن صحراء تشاد حتى سواحل البحر الأحمر، وهو يتجه جنوباً مروراً برأس عسير حتى سواحل بلاد بونت (الصومال)، ويمكن لنا أن نحدد جملة من المتغيرات أسهمت، ولا تزال في إعادة صياغة وتشكيل القرن الإفريقي، أهمها الموقع الجغرافي وأثره على التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمنطقة، إذ لا يخفى أن القرن الإفريقي يمثل ممراً وبوابة للبحر الأحمر، وخليج عدن، إضافة إلى الخليج العربي والمحيط الهندي، وهو الأمر الذي جعله لقرون طويلة، ولا يزال محط اهتمام القوى الدولية المسيطرة، وكذلك القوى الإقليمية.
وعلى هذا، فإن التدخلات الخارجية من أجل السيطرة والنفوذ هي التي حددت بشكل كبير تطور الأحداث ومآلاتها في المنطقة، بيد أن درجة ومستوى هذه التدخلات تباينت من فترة زمنية لأخرى مع انتشار المجاعة والكوارث الطبيعية، ويبدو أن الصور الذهنية التي تروج لها وسائل الإعلام الغربية والدولية، أضحت تقارب بين الإقليم والمجاعة، حتى إنه بات يعرف باسم قرن المجاعة، ولعل أخطر موجة ضربت الإقليم كانت عامي 1984 و1985، وقد أفضت هذه الكوارث إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي الذي أسهم بدوره مع الحروب الأهلية في زيادة مأساة ومعاناة المواطنين. ويبدو أن الدول الغربية والقوى المانحة التي تهرع لتقديم العون والمساعدة للإقليم ما فتئت تستخدم هذا الغطاء الإنساني لتخفي وراءه أجندة التنافس من أجل السيطرة والنفوذ، وهو ما يشكل أحد أبرز أبعاد الصياغة الجيواستراتيجية للمنطقة، فقد ورث القرن الإفريقي انتشاراً غير مسبوق لتجارة الأسلحة الصغيرة والخفيفة التي أصبحت اليوم أكبر مصدر لتهديد الأمن والاستقرار في الإقليم برمته على أن عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر قد جعل المنطقة تعج بالأنشطة العسكرية، والاستخباراتية الغربية، والأمريكية، والإقليمية، وذلك بحجة محاربة الإرهاب تارة، ومواجهة أعمال القرصنة تارة أخرى.
فإذا ما أضفنا العلاقات الاستراتيجية الوثيقة ما بين إيران وإريتريا لاتضحت الصورة أكثر وأوضح، وقد بدأت العلاقات الإيرانية الإريترية في عام 2006 عندما ذهب مبعوث إريتري إلى طهران بدعوة من الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لبناء علاقات مع إريتريا لموقعها الاستراتيجي في البحر الأحمر حتى يتمكن من تضييق الخناق على المملكة العربية السعودية ومصر واليمن.
في شهر مايو 2008 تم التوقيع على عدة اتفاقيات بين البلدين التي تنص في الظاهر على التعاون الاقتصادي، والزراعي، والاستثمارات الفنية، وفي حفل التوقيع على مذكرات التفاهم (كما توصف) قال الرئيس الإيراني أحمدي نجاد: إن إيران، وإريتريا عازمتان على تطوير علاقاتهما في المجالات كافة، وقد أعطى الرئيس الإريتري كامل الصلاحيات للإيرانيين بالتصرف في مصفاة تكرير البترول التي تم بناؤها من قبل الروس في ميناء (عصب) والتي تم توقف أعمالها قبيل بدء الحرب الحدودية مع إثيوبيا، ومن خلال هذه القاعدة التي هي في الظاهر اقتصادية، وفي الباطن عسكرية استخباراتية، أرسلت إيران سفنها وغواصاتها المحملة بالصواريخ البالستية إلى ميناء (عصب)، وشوهد عناصر من الحرس الثوري الإيراني في منطقة أبو علي جنوب غرب ميناء عصب.
واستخدمت تلك القاعدة لمد عناصر ميليشيا المتمردين بالسلاح عبر رحلات بحرية إلى المناطق القريبة من سواحل مينائي ميدي واللحية القريبين من صعدة، وللتأكيد على أن إيران لها أهداف مبيتة غير تلك المعلنة المتعلقة بمصفاة تكرير البترول، ومن تلك الأهداف تمركز إيران في أهم ممرين مائيين في العالم هما: مضيق هرمز، وباب المندب.
ونقلت تقارير أن سفناً إيرانية محملة بالأسلحة والعتاد المختلفة لعناصر الميليشيا المتمردين وصلت مؤخراً إلى جنوب البحر الأحمر، لكنها لم تستطع الاقتراب من السواحل اليمنية، وتحديداً سواحل منطقة ميدي نتيجة طوق الحصار المحكم الذي تفرضه قوات البحرية السعودية، ما دفع بتلك السفن التوجه إلى السواحل الإريترية وإفراغ شحنتها من الأسلحة هناك ليتم بعد ذلك تهريبها، ونقلها إلى الأراضي اليمنية عبر قوارب صغيرة بما فيها قوارب خاصة بالصيد، والأمر اللافت هنا أن إرسال الصواريخ والسلاح الإيراني بأنواعه لعناصر ميليشيا المتمردين المأجورين في اليمن عبر السواحل الإريترية التي توجد فيها قواعد عسكرية إسرائيلية لم يتم ضربها من قبل إسرائيل، وبكل تأكيد ما يدور في إريتريا بين إيران وإسرائيل زواج متعة، ويتمتعان معاً في ضرب المملكة العربية السعودية، لأن إضعاف المملكة غاية الطرفين.
رابعاً: عناصر ميليشيا المتمردين ومخطط بعض الدول الإقليمية لاستخدام (استراتيجيات غير متناظرة):
كانت الاستراتيجية لبعض الدول الإقليمية من توريط عناصر ميليشيا المتمردين المتسللين في اقتحام أراضي المملكة هو استخدام (استراتيجيات غير متناظرة) ضد القوات السعودية المسلحة بغية الإرباك كعتلة لتسليط ضغط استراتيجي على المملكة، وهذه الاستراتيجيات قد يتراوح مداها بين الإرهاب عند الطرف الأدنى، وخطر الصواريخ عند الطرف الأعلى، وهنا تتلاقى تلك الأهداف مع تنظيم القاعدة الإرهابي الذي يهدد بمهاجمة أهداف محددة ذات صلة بالطاقة، سواء باب المندب أو مضيق هرمز، حيث إمدادات الطاقة والنفط. ففي حسابات تلك الدول الإقليمية قد لا يكون من الضروري إدامة شن الحملات، ولكن الطرف المهاجم قد يبقى يعلق آماله على إثارة الفوضى في بلد يتحكم، ويؤثر بصفة رئيسية في أسواق النفط والمال العالمية، وهذا يقع تماماً ضمن الخط التقليدي للاستراتيجية التي تستهدف الإرباك بدلاً من التدمير كعتلة لتسليط ضغط استراتيجي، إن محاولة إحداث إرباك مؤقت في المملكة (وهو الأمر الذي يؤثر في أسواق الطاقة والمال أو من خلال اتباع أعمال التخريب) كانت ضمن مخططات بعض الدول الإقليمية باستخدام أداة هي عناصر ميليشيا المتمردين.
خامساً: الأداء الملحمي للقوات المسلحة السعودية في الميزان الاستراتيجي:
في التقييم الاستراتيجي لأداء القوات المسلحة السعودية، فإنه يمكن تقييمها الموضوعي والعلمي عبر المحددات التالية:
الأهداف:
تركز الأهداف للأعمال العسكرية (في المعنى المجازي: الهدف هو التأثير المطلوب. وفي المعنى الملموس، الهدف هو الشيء المادي للعمل المتخذ) يتطلب اختيار القصد تفكيراً واضحاً ومنطقياً، يجب أن يكون الهدف واضحاً ومباشراً، وأن يفسّر سبب القيام بالعمل العسكري.
المهمات والواجبات:
الواجب هو عمل أو وظيفة تعطى للمرؤوس من قبل سلطة أعلى، والمهمة هي الواجب الذي مع السبب بإمكانه أن يشير بوضوح إلى العمل الذي يجب القيام به، وفي أثناء ديناميكية الصراع يسيطر السبب على الواجب.
حرية الحركة:
هي القدرة على التصرّف، وفقاً للإرادة، وحرية حركتنا السياسية والعسكرية هي مفتاح النجاح في الصراع، لذلك يكون القصد التركيز على الاحتفاظ بحرية الحركة ومنعها على العدو.
السيطرة:
في المعنى العسكري السيطرة على بقعة أرض أو على نشاط ما يمنع القوة المسيطرة حرية استعمالها، ومنعها عن العدو في الحرب أو في العمليات المحدودة، ويمكن اللجوء إلى العمل العسكري ليس للسيطرة على بقعة أرض أو نشاط فحسب، بل للمساهمة أيضاً في إرساء السيطرة السياسية، وذلك بهدف مساعدة السكان على التغيير بطرق تحسّن النظام الداخلي والدولي.
الهجوم والدفاع:
هي الأشكال الأساسية للعمل العسكري، فالدفاع: هو حماية شيء ما ضد الضربة، والهجوم: هو إطلاق الضربة– نقل المعركة إلى أرض العدو– لا يمكن اعتبار كل من المفهومين مستقلاً عن الآخر فهما متكاملان.
العمليات واللوجستية:
العمليات: هي ترتيب أنظمة القتال المتوافرة في نموذج منسق من الأعمال وتوجيهها كرد على متطلبات الاستراتيجية واللوجستية، أحياناً تفرض اللوجستية مجرى الأمور على العمليات، إذا كان النظام اللوجستي بحاجة إلى قاعدة تمركز أو مركز اتصالات أو محور، يجب أولاً الحصول عليها ومن ثم المدافعة عنها.
اللوجستية: هي ترتيب أنظمة الموارد (التموين، النقل، الصيانة، الطبابة،... إلخ). التحضير اللوجستي الجيد ينتج ليونة عملياتية، لذا يتم تنسيق المسعى العملياتي اللوجستي.
الخداع:
هو أي عمل يستهدف العدو من خلال التأثير في فهمه للوضع، ويعرف عنه على أنه تلك الإجراءات المتخذة لتضليل العدو بواسطة التلاعب، أو التحريف، أو تزوير الوقائع بهدف إقناعه، ودفعه إلى ردات فعل تناقض مصالحه. وهناك مقاربتان أساسيتان للخداع، الأولى: تكمن في زيادة عامل القلق والشك بهدف منع العدو من التحرك في الوقت المناسب، والثانية: هي تضليل العدو عن محور عمل يدعم المجهود الميداني.
العوامل الإنسانية:
يتطلب الفن العسكري تفهماً للطبيعة الإنسانية، الصديقة والعدو على السواء، خصوصاً في إطار الأعمال الحربية.
وقد نجحت القوات المسلحة، وفق تلك المحددات تماماً، ولم يُفاجأ المتسللون باكتشاف أهدافهم هم والقاعدة فحسب، بل بالقدرة السعودية الهائلة، والتنظيم السريع بين وحدات حرس الحدود التابعة لوزارة الداخلية، وبين تشكيلات القوات المسلحة بتنوعها وتعددها التابعة لوزارة الدفاع وبالتنظيم المتقن والسريع حتى مع وزارات المالية، والصحة، والدفاع المدني، ومحافظات المنطقة بتعددها، ما يشير إلى تناسق رائع ومدهش في أعمال هذه الوزارات، سواء كانت مدنية أو عسكرية عند حدوث الملمات والطوارئ، ثم الاستجابة الشعبية الرائعة جداً من صحف مطبوعة وإلكترونية غطت الحدث ببراعة، ولم تترك لترهات القنوات الفضائية المتحيزة دوراً، وحتى المواطنين في القرى التي تم إخلاؤها تماماً استجابوا للتنسيق بهدوء، وتم نقلهم إلى مراكز جهزت لغرض إيوائهم ومواصلة أبنائهم للدراسة، كل ذلك في أقل من يومين.
بهذا التنظيم المحكم الرائع والسريع استطاعت القوات المسلحة السعودية أن تشكل حزاماً أمنياً بعمق عشرة كيلومترات داخل الأراضي السعودية بعد أن تم إخلاء جميع القرى داخل هذا السياج الأمني، وبالتالي تتبع جميع حالات التسلل المخطط لها واكتشافها بسهولة للاستسلام أو تعرضها لنيران القوات المسلحة. كما شنت القوات الجوية السعودية هجمات ضد المتمردين المتسللين باستخدامها مقاتلات من طراز (إف– 15)، وطائرات (التورنيدو) للهجوم على المواقع الأرضية، لعمل حزام أمني يمتد نحو عشرة كيلو مترات لمنع المتمردين المتسللين من معاودة التسلل.
إن ملحمة النصر في (الدرع الجنوبي) والسيطرة الكاملة عليه، الذي يعد من (أهم المناطق استراتيجياً)، يؤكد أن القوات السعودية قامت بتطهير وتدمير أي قوة معادية موجودة.
ولا بد من التنويه هنا بأن زيارة سيدي خادم الحرمين الشريفين لجنوده والاطمئنان على سير المعارك لهو دليل على امتزاج القيادة السعودية الرشيدة بقواتها المسلحة، كما قام المليك بتفقد مراكز إيواء النازحين، وأكد سيدي خادم الحرمين الشريفين أثناء الزيارة في حديث توجه به إلى قياداته الأمنية أن المملكة (لن تسمح لكائن من كان أن يدنس شبراً من أراضيها ) مضيفاً: ( أنه لا خيارات مفتوحة للدفاع عن النفس سوى النصر بعزة وكرامة أو الشهادة في سبيل الله ثم الوطن)، إن القوات المسلحة، وحرس الحدود يؤديان واجبات وطنية غاية في الأهمية، وبقدر ما تضحي قواتنا العسكرية، فإنه قليل من أجل الوطن الغالي، وبقدر ما يكون التضامن الوطني محققاً لصادق الولاء والوفاء لقيادة المملكة، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين القائد الأعلى للقطاعات العسكرية كافة، ولسمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وقد كان اعتداء العناصر المتسللة المخربة على جزء من حدود المملكة الجنوبية سبباً في تحريك قوات الواجب السعودية لمواجهة المعتدين، وحسم الموقف في المكان والوقت المناسب، وهو الأمر الذي حظي بالاحترام والتضامن من داخل المملكة وخارجها.
وقد مكن الله– سبحانه وتعالى– لجنودنا البواسل أن يحققوا النصر المؤزر في حروب وعمليات حربية وأمنية متعددة، لتصبح بلادنا واحدة من أكثر بلدان العالم أمناً واستقراراً، فالقوات المسلحة السعودية، وقوى الأمن السعودي كافة تعمل في ظل سياسة سعودية حكيمة منطلقها العدل والوضوح.
وقد كانت، ولا تزال القوات السعودية، تنطلق من مبادئ عادلة، وتخوض حرباً أو عمليات عادلة غايتها إحقاق الحق، وقطع دابر العدوان، وإذا كانت معركة الخفجي قد تمت في إطار حرب عامة أكدت فيها القيادة السعودية قدرتها على اتخاذ القرار الصائب، وحسم الموقف بقوة السلاح، وعزيمة الرجال المخلصين، فإنها اليوم تنفذ عمليات حربية مكثفة قوامها العمليات المشتركة المنسقة، وكما كان الجندي السعودي المظفر عند حسن ظن القيادة ومفخرة للوطن على مر التاريخ، فإنه بما يحقق هذه الأيام على الحدود الجنوبية (الدرع الجنوبي) يزداد احتراماً، ويكسب مزيداً من المصداقية بجاهزيته لتلبية نداء الواجب، وباحترافه العمل العسكري وتفوقه في استخدام السلاح.
ومن يعرف طبوغرافية مسرح العمليات الراهنة على الحدود السعودية اليمنية يدرك طبيعة العمليات التي تتم خلالها أبرز أشكال فن الحرب، وتديرها القيادة السعودية بكل ثقة واقتدار، إنها نوع من أنواع الحرب تسمى العمليات الحربية في غير زمن الحرب، وينظر إليها بأنها نوع من الصراع منخفض الشدة لاحتوائه على مهام متعددة لتحقيق غاية حربية واحدة، وفي هذه العمليات تكامل لعدد من المهام الحربية في عمليات مشتركة تنفذها القوات السعودية بمستوى من القيادة، والسيطرة، والاتصال يبرهن على التفوق، ودقة الأداء الحربي.
فهنالك عمليات برية، وجوية، وبحرية، وعمليات للقوات الخاصة، وعمليات أمنية، ومهام استطلاع مستمرة ناهيك عن العمليات الإنسانية في الإخلاء والإيواء للسكان، وتنظيم شؤون المتسللين، وتنفذ هذه العمليات في منطقة شديدة التضاريس، وفي مواجهة عناصر معادية مختلفة كلياً في غاياتها وقيمها الحربية، ما يبرهن عن فروسية المقاتل السعودي الذي يخوض المعارك بأخلاق وقيم رفيعة تعكس قيم الدولة والمجتمع على حد سواء.
وإذا كانت القوات السعودية قد تمكنت من الانتقال إلى الحدود السعودية عبر أكثر من محور وطني، فإنها قد تمكنت بسبب مظاهرها الحربية المشرفة من كسب القلوب والعقول على المستوى الوطني، وهي تنفذ عمليات حربية وأمنية، وتقدم مساندة إنسانية كريمة.
فلم تعد الحروب والعمليات الحربية تدار بعيداً عن أعين العالم، بل إن حجم التغطيات الإعلامية، وتوافر جميع وسائل الإرسال والاتصال جعلت مسرح العمليات الحربية أكثر شفافية ووضوحاً، وقد ساهمت وسائل الإعلام المباشر في جعل العالم على اطلاع مستمر عن مدى عدالة الموقف السعودي، وعدالة القوات السعودية في عملياتها الميدانية التي لم تخرج فيها عن الغاية التي من أجلها تدار هذه الأزمة.
لقد كان تطهير المناطق الحدودية من المخربين، ومنع تسللهم هدفاً رئيسياً يعكس في واقعه مدى الإصرار والعزيمة لقمع كل من تسول له نفسه أن يعبث بالتراب السعودي. وفي هذه العمليات رسالة شديدة الوضوح لمن يدعم هؤلاء الأشرار أو يتعاطف معهم، وسيعلم أصحاب النوايا الشريرة أو الأجندة الإقليمية أن هزيمة تلك الميليشيا المتمردة من قبل الجيش اليمني داخل أرض اليمن الشقيق ثم هزيمتهم على الحدود السعودية تعد أكبر رسالة لأعوانهم للتعبير عن تضامن قوي وتعاون مؤكد بين المملكة واليمن، لتنسيق جميع المواقف الأمنية لمنع مخاطر الإرهاب، وتجفيف منابعه الفكرية والسياسية.
لقد استطاعت القوات المسلحة السعودية أن تثبت جاهزيتها واستعدادها الدائم للدفاع عن كل شبر من أراضي المملكة، وأن تثبت أن جهود التحديث للقوات المسلحة السعودية التي يقوم بها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام آتت أكلها بفضل الله.
ويمكن استخلاص أهم الدروس التي استخلصها العسكريون والمحللون من الأداء القتالي السعودي كالتالي:
- التأكيد على أهمية المعلومات الاستخباراتية.
- التركيز على السكان واحتياجاتهم وأمنهم.
- تأسيس وتوسيع نطاق المناطق الآمنة.
- عزل المتمردين عن المناطق المأهولة.
- إجراء عمليات تجميع معلومات بصورة مستمرة، وفعالة، وموسعة.
- توعية وتدريب القوات على القيام بعمليات مكافحة التمرد.
- الاستفادة من الخبرات العسكرية، وزرع العملاء، وتطوير العمليات الخاصة.
- حرمان المتمردين من الملاذ الآمن.
- تشجيع تبادل المعلومات والتعاون العسكري والسياسي الوثيق.
- تأمين حدود الدولة، وحماية البنى الأساسية فيها بتوافر قاعدة معلوماتاستخبارية مسبقة.
إن القوات المسلحة لخادم الحرمين الشريفين قد سطرت بأدائها البطولي، وبدمائها الزكية الكرامة وقوة استمرارها، واليوم وبعد تحقيق النصر تقف القوات المسلحة السعودية (قوات خادم الحرمين الشريفين) شامخة بسيوفها المعقودة في ساحات المجد، والعزة، والكرامة، وما الشهداء الذين سقطوا سوى أبطال من أبطالها، ما رضوا بالغدر والعدوان، فخلدوا ليخلّد العلم، وينهض الوطن، هم الذين عصوا على العدو، فما استطاعت شرذمتهم تحقيق أهدافهم الخبيثة، وانتصرنا عليهم، حفظاً لعزّة الوطن، وصوناً لقيمه وحضارته الإسلامية الفريدة المميزة، فلقد حاول الإرهاب، وتحت ستار الدين، الذي هو منه براء، أن يوجه لوطننا ضربة قاصمة باعتقاده أنه يستطيع إرهاب قواتنا المسلحة باعتبارها مقدّمة لإنهاء الوطن، كما نشط المتسللون الغادرون المدفوعون بتوجهات من الخارج، إلا أن تضحيات قواتنا وصمودهم وسهرهم الدائم، وهم أصحاب قضية الدفاع عن الإسلام والوطن، أحبط كل تلك المؤامرات.
إن هذا النصر ما هو إلا ثمرة جهود قوات خادم الحرمين الشريفين، وتضحياتها، والتزامها الدؤوب، وهي دوماً حزاماً للأمن والأمان لوطن ينعم- بحمد الله- تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، والمخلصين من أبناء هذا الوطن، برونقه، وتألقه، وعدله، وسماحته، وخدمته لمقدسات الإسلام والمسلمين، وتراب الوطن الغالي.
حمى الله ديننا، وبلدنا، ومليكنا، وولي عهده، وشعبنا من كل مكروه، ولقائد الميدان البطل الأمير خالد بن سلطان ومعاونيه التحية والإجلال، ولبواسل وأبطال قواتنا المسلحة الأحياء منهم والشهداء والمصابين الفخر والاعتزاز.