حوطة لحج.. دمار طال البنية التحتية والمساكن والمعالم التاريخية( تقرير مصور)
تقرير/ امجاد باشادي لم تعد لحج" الخضيرة" كما اطلق عليها لعقود من الزمن، فقد نالت المحافظة وعلى وجه الخصوص عاصمتها (الحوطة) نصيب وافر من الدمار، والحقد الحوثي العفاشي، فقد كانت هي المنفذ لدخول مليشيا الحوثي إلى عدن، حيث دارت معارك طاحنة وشرسة فيها خاصة "في (الحوطة،وصبر) التي شكلت عائق " كبير" امام الحوثة في مرور قواتهم إلى عدن، ومن هنا- بدأ الحقد تجاه لحج، فكان رد الميليشيا عنيف تجاه كل شيء في لحج،
دمار في كل مكان
شمل التدمير كل المناطق سواء " التي كانت تتمركز فيها المقاومة ،أو التي كانوا ينسحبون منها، فلم تكتفي بما دمرته، بل قامت بزرع الألغام في منازل المواطنين وعلى الطرقات لقتل الناس الأبرياء، وتدمير ممتلكاتهم.
فريق حصر المباني المتضررة من الشباب الناشطين لدى منظمات المجتمع المدني في لحج؛ قام هو الآخر بحصر وتوثيق كل الدمار الشامل؛ حيث وجد هذا الفريق في بداية طريقة صعوبة تمثلت في تخوف المواطنين الذين راودهم الشك فبدأوا يتساءلون : لمن يصورون هؤلاء؟! وحين اتضح الأمر وعلم المواطنون أن هؤلاء فريق خصص لحصر الدمار الشامل في الحوطة وما جاورها أصبحوا بأنفسهم يستدعون هذا الفريق لتوثيق كل شيء من الدمار والخراب، وواصل الفريق عمله حتى الآن.
لم تتنفس الصعداء
انتهت الحرب وفرح اللحجي بأن معاناته في كل تفاصيل حياته ستنتهي؛ لكنها ازدادت وتفاقمت، فلم يبقى في لحج سوى الدمار، فبالإضافة إلى الظروف المعيشية الصعبة، والخدمات المتردية، مازالت عودة الحياة الى لحج تهددها عراقيل عدة ككل المناطق التي طالتها الحرب؛ صار الناس يخافون من منظومة جديدة أن تحكمهم، من جماعات متشددة لا تنتمي إلى الحياة، في ظل غياب تام للسطات المحلية او الامنية، حيث شهدت منطقة الحمراء خلال اليومين الماضيين اشتباكات بالأسلحة المتوسطة خلفت رعب كبير في أوساط السكان، كما تكررت حوادث السطو على المرتبات دون رادع.
مشاهد ما بعد الحرب
كل هذه الأمور دعتني إلى أن اتجول في الحوطة، فحملت كاميرتي وفي رأسي سيل من الأسئلة، لعلي اجد لها اجابة، حيث انطلقت لتصوير الخراب والدمار الذي لحق بهذه المدينة الجميلة؛ هنا كانت الصدمة ؛ تخنقني العبارات ، وتحتبس الكلمات ؛ فلم أشعر غير بدموعي تنسكب قهرا " لما رأيت ما حدث للحبيبة لحج!
منازل نسفت، وأخرى دمرت، مباني ومنشئات حكومية وخدمية تلاشت تماما"؛ مساجد ،مدارس ، دكاكين مدمرة .. شبكة المجاري طفحت في الشارع الخلفي والامامي لتزيد الأوضاع سوءا"، كما طال الدمار المدرسة المحسنية المعالم التاريخي الذي يعود إلى عام 1931م، تأسست المدرسة المحسنية عام 1931م كصرح علمي لا يستهان به آنذاك وتعتبر معلماً تربوياً و تعليمياً واثرياً شاهداً على حقبة من الزمن لتاريخ لحج العريق.
تحركت بعدها إلى بعض المنازل المدمرة في بعض الحارات، لكي أجري لقاءات مع بعض الأسر؛ كنت استمع وكاميرتي تصور إلى تلك القصص التي تعصر القلب الم.. لنقف هنا قليلا .. لنسمع مأساة أسرة كانت سعيدة، بسيطة في حلمها ومعاشها، حولتها تلك الحرب إلى أسرة مشردة، وجزء منها مكومة في غرفة واحدة تطلق صرخات الزفير القاتل.
نكبة الخديوي
الخديوي _وهذا اسمه_ وزوجته وأبناءه من مواطني الحوطة نجا بنفسه وأسرته من محرقة تلك الحرب إلى مكان آمن ، فوجئ بين (عشية وضحاها) بمنزله يتحول إلى حطام وذلك نتيجة للقصف العشوائي الذي مارسته المليشيات على منازل المواطنين تاركين خلفهم الأوجاع والانين.
تحدث إلينا الخديوي والألم يعتصر قلبه والدموع تملئ عينيه قائلا: "هربت بعائلتي من منزلي بعد أن أشتد القصف الوحشي وتركت خلفي كل شيء، لم أفكر حينها سوى أن انجو بنفسي وعائلتي؛ وبعد أن انتهت رحى الحرب الطاحنة وتحرير الجنوب لم تسعني الأرض من الفرحة فشددت الرحال شوقا إلى مسقط الرأس، كنت وعائلتي في غاية الفرح، لانتصار الجنوب وطرد الجيف من أرضه، والعودة لوطننا الأصغر (بيتنا)، وكانت الصدمة بانتظارنا ..
هنا توقف الخديوي ولم يستطع إكمال حديثه، ﻷن الصدمة كانت قاسية لرجل لا يمتلك شيئا من حطام الدنيا ليساعده في أيامه السوداء.
حاولت تهدئته.. فعاد لإكمال حديثه قائلا : "لم أجد منزلي بل وجدت أطلال دفنت كل ذكرياتي ؛ كانت صدمة كبيرة لي لم أستطع تحملها وصرت بعدها طريح الفراش .. فمنزل والدتي الصغير والذي يحوي غرفة واحدة صار الملجأ الوحيد لنا واخوتي الآن"!
ظروف صعبة ومأساوية تعيشها هذه الأسرة فثمان اسر تكدست في منزل لا يكاد يصلح لسكن الأشباح وفضلت العيش فيه بدلا من التشرد في العراء!
أم الخديوي الطاعنة في العمر لم تنجو هي الأخرى من شظايا الحرب؛فأصيبت في ساقها وأجزاء من جسمها ولكن بإرادة الله وحده كتب لها عمر جديد.
ختاما.. يبدو سكان حوطة لحج اليوم كمن انتهى لتوه مع نزال غير متكافئ مع الموت -فمنهم من فقد أحبابهم ومنهم من دمرت منازلهم وذاقو التشرد والحرمان، فتأريخ الحسيني والخضيرة؛ لم تعد سوى ذكريات.. أغنيات القمندان، نسمعها بصوت فيصل علوي الذي تركنا هو اﻵخر
راحلا" الى الدار اﻵخرة؛ فاندثر الفن الأصيل بعده، وصارت لحج منبع الصراعات لقوى الشر تعبث بها كيف شاءت على صمت وإهمال من سلطتها وحكومتها التي ظلت تركض وراء مصالحها تاركين هذه البلاد الجميلة تغرق يوما "تلو الآخر في مستنقع الصراعات.