بسم الله الرحمن الرحيم
الدولة العثمانية
وموقف دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب منها
تأليف الشيخ
ناصر الفهد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله.
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه.
وبعد:
فهذا بحث مختصر يبين حقيقة الدولة العثمانية التي ينعق كثير - ممن يسمون بالمفكرين الإسلاميين - بمدحها والثناء عليها ووصفها بأنها آخر معقل من معاقل الإسلام والذي بهدمه ذهبت عزة المسلمين، كما أنه يبين حقيقة موقف دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى من هذه الدولة، وقد جعلته في فصلين:
الفصل الأول: في حقيقة الدولة العثمانية.
الفصل الثاني: في موقف دعوة الشيخ منها.
وصلى الله على محمد.
الفصل الأول
حقيقة الدولة العثمانية
إن من يتأمل حال الدولة العثمانية - منذ نشأتها وحتى سقوطها - لايشك في مساهمتها مساهمة فعلية في إفساد عقائد المسلمين، ويتضح ذلك من خلال أمرين:
الأول: من خلال نشرها للشرك.
الثاني: من خلال حربها للتوحيد
[1].
وقد نشرت الدولة العثمانية الشرك بنشرها للتصوف الشركي القائم على عبادة القبور والأولياء، وهذا ثابت لا يجادل فيه أحد حتى من الذين يدافعون عنها وسوف أنقل فيما يلي بعض النصوص التي تثبت ذلك من المتعاطفين مع الدولة العثمانية:
فقد قال (عبد العزيز الشناوي) في كتابه (الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها!! 1/59) - على سبيل المدح -: "وقد كان من مظاهر الاتجاه الديني في سياسة الدولة تشجيع التصوف بين العثمانيين وقد تركت الدولة مشايخ الطرق الصوفية يمارسون سلطات واسعة على المريدين والأتباع، وانتشرت هذه الطرق أولاً انتشاراً واسعاً في (آسيا الوسطى) ثم انتقلت إلى معظم أقاليم الدولة.. وقد مدت الدولة يد العون المالي إلى بعض الطرق الصوفية.. وكان من أهم الطرق الصوفية (النقشبندية) و (المولوية) و (البكتاشية) و (الرفاعية)...." أ. هـ
[2].
وقال (محمد قطب) في كتابه (واقعنا المعاصر) ص 155: "لقد كانت الصوفية قد أخذت تنتشر في المجتمع العباسي، ولكنها كانت ركناً منعزلاً عن المجتمع، أما في ظل الدولة العثمانية، وفي تركيا بالذات فقد صارت هي المجتمع، وصارت هي الدين" ا. هـ.
وفي (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة) ص348: "البكداشية: كان الأتراك العثمانيون ينتمون إلى هذه الطريقة وهي ما تزال منتشرة في ألبانيا كما أنها أقرب التصوف الشيعي منها إلى التصوف السني
[3]... وكان لها سلطان عظيم على الحكام العثمانيون ذاتهم" أ. هـ.
وفي كتاب (الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة) ص411: "وتنافس السلاطين العثمانيون في بناء التكايا والزوايا والقبور البكتاشية.. فبينما ناصرها بعض السلاطين، عارضها البعض الآخر مفضلين طريقة أخرى غيرها" أ. هـ.
لذلك فلا عجب من انتشار الشرك والكفر واندراس التوحيد في البلاد التي يحكمونها.
وقد قال الشيخ حسين بن غنام رحمه الله تعالى في وصف حال بلادهم: "كان غالب الناس في زمانه - أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب - متضمخين بالأرجاس متلطخين بوضر الأنجاس حتى قد انهمكوا في الشرك بعد حلول السنة بالأرماس... فعدلوا إلى عبادة الأولياء والصالحين وخلعوا ربقة التوحيد والدين، فجدوا في الاستغاثة بهم في النوازل والحوادث والخطوب المعضلة الكوارث، وأقبلوا عليهم في طلب الحاجات وتفريج الشدائد والكربات من الأحياء منهم والأموات، وكثير يعتقد النفع والضر في الجمادات... - ثم ذكر صور الشرك في نجد والحجاز والعراق والشام ومصر وغيرها - " أ. هـ
[4].
ويقول الإمام سعود بن عبد العزيز رحمه الله تعالى (ت 1229 هـ) في رسالة له إلى والي العراق العثماني واصفاً حال دولتهم: "فشعائر الكفر بالله والشرك هي الظاهرة عندكم مثل بناء القباب على القبور وإيقاد السرج عليها وتعليق الستور عليها وزيارتها بما لم يشرعه الله ورسوله واتخاذها عيداً وسؤال أصحابها قضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات، هذا مع تضييع فرائض الدين التي أمر الله بإقامتها من الصلوات الخمس وغيرها فمن أراد الصلاة صلى حده ومن تركها لم ينكر عليه وكذلك الزكاة وهذا أمر قد شاع وذاع وملأ الأسماع في كثير من بلاد: الشام والعراق ومصر وغير ذلك من البلدان" أ. هـ[5].
هذا حال الدولة العثمانية باختصار شديد، ومن لم تكفه النقول السابقة في بيان حالها فلا حيلة فيه.
وأما حال سلاطينها - وإن كنت أشرت إليه إجمالاً - فهو من هذا الجنس أيضاً، وسوف أذكر نماذج متفرقة من هؤلاء السلاطين لبيان حالتهم:
السلطان أورخان الأول (ت 761 هـ):
وهو السلطان الثاني لهذه الدولة بعد أبيه عثمان (عثمان الأول ت 726 هـ)، واستمر في الحكم 35 سنة، وقد كان هذا السلطان صوفياً على الطريقة البكتاشية
[6].
والطريقة البكتاشية؛ وقد مرت في أكثر من موضع - وهي طريقة صوفية شيعية باطنية أسسها (خنكار محمد بكتاش الخرساني) ونشرها في تركيا عام 761 هـ، وهي مزيج من عقيدة وحدة الوجود وعبادة المشايخ وتأليههم وعقيدة الرافضة في الأئمة، ولهم غلو في النبي صلى الله عليه وسلم - مخرج عن الإسلام - ومن ذلك قول الطالب والمريد إذا أراد الدخول في هذه الطريقة: "جئت بباب الحق بالشوق سائلاً، مقراً به محمداً وحيدراً، وطالب بالسر والفيض منهما، ومن الزهراء وشبير شبراً" ثم يقول: "وبالحب أسلمت الحشا خادماً لآل العباس، وملاذي هو الحاج بكتاش قطب الأولياء "ويقول لشيخه:"وجهك مشكاة وللهدى منارة، وجهك لصورة الحق إشارة، وجهك الحج والعمرة والزيارة، وجهك للطائعين قبلة الإمارة، وجهك للقرآن موجز العبارة"، وأوراد البكتاشيين هي على عقيدة الرافضة الأثني عشرية، ولهم في عقيدتهم من الأوراد الباطنية وطريقة زياراتهم للقبول الشركية ما يجل عن الوصف
[7].
السلطان محمد الثاني (الفاتح) (ت 886 هـ):
وهو من أشهر سلاطين هذه الدولة، ومدة حكمه 31 سنة:
1) فإنه بعد فتحه للقسطنطينية سنة 857 هـ، كشف موقع قبر (أبي أيوب الأنصاري) رضي الله عنه وبنى عليه ضريحاً، وبنى بجانبه مسجداً وزين المسجد بالرخام الأبيض وبنى على ضريح أبي أيوب قبة، فكانت عادة العثمانيين في تقليدهم للسلاطين أنهم كانوا يأتون في موكب حافل إلى هذا المسجد ثم يدخل السلطان الجديد إلى هذا الضريح ثم يتسلم سيف السلطان (عثمان الأول) من شيخ (الطريقة المولوية)
[8].
2) وهذا السلطان هو أول من وضع مبادئ (القانون المدني) (وقانون العقوبات) فأبدل العقوبات البدنية الشرعية الواردة في الكتاب والسنة - أي السن بالسن والعين بالعين بالعين - وجعل عوضها الغرامات النقدية بكيفية واضحة أتمها السلطان سليمان القانوني[9].
3) كما أصدر قانوناً - عُمِل به بعده - وهو أن كل سلطان يلي السلطة يقتل كل إخوته !! حتى يسلم له العرش[10].
السلطان سليمان القانوني (ت 974 هـ):
وهو أيضاً من أشهر سلاطين الدولة العثمانية، وحكم 46 سنة تقريباً.
1) فإنه لما دخل (بغداد) بنى ضريح أبي حنيفة وبنى عليه قبة، وزار مقدسات الرافضة في (النجف) و (كربلاء) وبنى منها ما تهدم
[11].
2) كما أنه إنما لقب بالقانوني لأنه أول من أدخل القوانين الأوربية على المسلمين وجعلها معمولاً بها في المحاكم، وقد أغراه بذلك اليهود والنصارى
[12].
السلطان سليم خان الثالث (ت 1223 هـ):
قال الإمام سعود بن عبد العزيز رحمه الله تعالى في رسالته لوالي بغداد - والتي سبق الإشارة إليها -: " وحالكم وحال ائمتكم وسلاطينكم تشهد بكذبكم وافترائكم في ذلك - أي في ادعائهم الإسلام - وقد رأينا لما فتحنا الحجرة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام عام (اثنين وعشرين) رسالة لسلطانكم (سليم) أرسلها ابن عمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغيث به ويدعوه ويسأله النصر على الأعداء، وفيها من الذل والخضوع والخشوع ما يشهد بكذبكم، وأولها: (من عُبَيْدك السلطان سليم، وبعد: يا رسول الله قد نالنا الضر ونزل بنا المكروه ما لا نقدر على دفعه، واستولى عبّاد الصلبان على عبّاد الرحمن !! نسألك النصر عليهم والعون عليهم) وذكر كلاماً كثيراً هذا حاصله ومعناه، فانظر إلى هذا الشرك العظيم، والكفر بالله الواحد العليم، فما سأله المشركون من آلهتهم العزى واللات، فإنهم إذا نزلت بهم الشدائد أخلصوا لخالق البريات " ا هـ
[13].
السلطان عبد الحميد الثاني (1327 هـ):
وقد كان هذا السلطان صوفياً متعصباً على الطريقة (الشاذلية)، وإليك رسالة له إلى شيخ الطريقة الشاذلية في وقته يقول فيها: " الحمد لله....أرفع عريضتي هذه إلى شيخ الطريقة العلية الشاذلية، وإلى مفيض الروح والحياة !!، شيخ أهل عصره الشيخ محمود أفندي أبي الشامات وأقبل يديه المباركتين، راجياً دعواته الصالحات، سيدي: إنني بتوفيق الله تعالى أدوام على قراءة الأوراد الشاذلية ليلاً ونهاراً، وأعرض أنني لا زالت محتاجاً لدعواتكم القلبية بصورة دائمة"
[14].
والطريقة الشاذلية طريقة صوفية قبورية شركية عليها من العظائم والطوام ما يكفي بعضه لإلحاقها بالكفار الوثنيين
[15] [16].
فصل
أما حرب العثمانيون للتوحيد فمشهور جداً، فقد حاربوا دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله كما معروف (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم).
وأرسلوا الحملات تلو الحملات لمحاربة أهل التوحيد حتى توَّجوا حربهم هذه بهدم الدرعية عاصمة الدعوة السلفية عام 1233 هـ
[17] وقد كان العثمانيون في حربهم للتوحيد يطلبون المعونة من إخوانهم النصارى، فقد عثر بعض الدارسين في (أوربا) على وثائق كانت متبادلة بين (نابليون بونابرت) زعيم (فرنسا) و (الباب العالي) - كبير العثمانيين - بخصوص دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ووجوب عمل اللازم تجاهها كخطر على مصالحهم في الشرق [18].
وقد حدث في حروب العثمانيين لأهل التوحيد من الفظائع ما يهون ما ارتكبه الصليبيون، وإليك بعض الأمثلة:
1) أرادت الدولة العثمانية حث جنودها على قتل أهل التوحيد فأصدرت قراراً أن للجندي بكل قتيل مكافأة، ولابد أن يُثبت الجندي القتل وذلك بقطعه لآذان المقتول وإرسالها لـ (الأستانه) العاصمة، ففعلوا ذلك في (المدينة) و (القنفذة) و(القصيم) و(ضرمى) وغيرها[19].
2) أما هدمهم للقرى والمدن بل وإحراقهم للمساجد فحدث ولا حرج
[20].
3) ومن جرائمهم أنهم قاموا بسبي النساء والغلمان - من أهل التوحيد - وبيعهم.
قال (الجبرتي) في تاريخه: "واستهل شهر صفر بيوم الجمعة سنة 1235 هـ.... وفيه وصل جماعة من عسكر المغاربة والعرب الذين كانوا ببلاد الحجاز وصحبتهم أسرى من (الوهابية) نساءً وبنات وغلماناً، نزلوا عند (الهمايل) وطفقوا يبيعونهم على من يشتريهم، مع أنهم مسلمون وأحرار" أ. هـ
[21].
4) وأختم ذلك بهذه الحادثة التي يرويها مؤرخ روسي، قال: "في عام 1818م - أي عام 1234 هـ - نُقل عبد الله
[22] عن طريق القاهرة إلى الاستانة بصحبة اثنين من المقربين إليه في مطلع كانون الأول - ديسمبر - وأفادت السفارة الروسية من (الأستانة): في الأسبوع الماضي قُطعت رؤوس زعيم الوهابيين ووزيره وإمامه
[23] الذين أسروا في (الدرعية) ونقلوا إلى العاصمة مؤخراً، وبغية إضفاء المزيد من الفخفخة على الانتصار على ألد أعداء المدينتين اللتين تعتبران مهد الإسلام، أمر السلطان في هذا اليوم بعقد المجلس في القصر القديم في العاصمة وأحضروا إلى القصر الأسرى الثلاثة مقيدين بسلال ثقيلة ومحاطين بجمهور من المتفرجين وبعد المراسم أمر السلطان بإعدامهم، فقطعت رقبة الزعيم أمام البوابة الرئيسة للقديسة (صوفيا)، وقطعت رقبة الوزير أمام مدخل السراي، وقطعت رقبة الثالث في أحد الأسواق الرئيسة في العاصمة، وعرضت جثثهم ورؤوسها تحت آباطهم، وبعد ثلاثة أيام ألقوا بها في البحر وأمر صاحب الجلالة بأداء صلاة عمومية شكراً لله على انتصار سلاح السلطان وعلى إبادة الطائفة التي خربت مكة والمدينة ونشرت الذعر في قلوب المسلمين وعرضتهم للخطر" أ. هـ
[24].
فصل
فهذه عداوتهم للتوحيد وأهله، وهذا نشرهم للشرك والكفر، فكيف يُزعم أن هذه الدولة الكافرة الفاجرة (خلافة إسلامية)؟! فرحمه الله على الإمام سعود ابن عبد العزيز (ت 1229 هـ) حينما قال له والي بغداد العثماني: "فنحن مسلمون حقاً، وأجمع على ذلك أئمتنا أئمة المذاهب الأربعة ومجتهدو الدين والملة ".
فأجاب الإمام: "قد بيّنا من كلام الله تعالى وكلام رسوله وكلام أتباع الأئمة الأربعة ما يدحض حجتكم الواهية، ويبطل دعواكم الباطلة، وليس كل من ادعى دعوى صدقها بفعله، فما استغنى فقير بقوله (ألف دينار)، وما احترق لسان بقوله (نار)، فإن اليهود أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لرسول الله لما دعاهم إلى الإسلام (نحن مسلمون) وقالت النصارى مثل ذلك، وكذلك فرعون قال لقومه: {وما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} وقد كذب وافترى في قوله ذلك " أ. هـ[25].
وكذلك من أدعى أن الدولة العثمانية دولة مسلمة فقد كذب وافترى، وأعظم فرية في هذا الباب أنها خلافة إسلامية !![26].