القدرات الصاروخية و عناصر تخطيط الضربة الأولى
ترتبط فاعلية القدرات الصاروخية لدولة ما و آليات استخدام هذه القدرات ارتباطاً وثيقاً بالإمكانيات و الوسائل المتاحة لهذه الدولة لوضع الخطط اللازمة لتنفيذ ضربات صاروخية فعالة و ناجحة تحقق الأهداف المرادة من هذه الهجمات و لا سيما العناصر اللازمة في تخطيط الضربة الأولى First Strike التي هي دون شك أهم مراحل الهجوم بالصواريخ و حيث تمنح ضربة صاروخية أولى ناجحة الجانب المهاجم قدرة الحسم السريع و بأقل الخسائر الممكنة .
- مفهوم الضربة الأولى :
عندما تريد أي قوة صاروخية وضع الخطط اللازمة للضربة الأولى يجب أن يقوم هذا الطرف بتقسيم الأهداف المحتملة لدى العدو إلى قسمين أساسيين هما أهداف محورية و أخرى ثانوية بالنسبة لمفهوم الضربة الأولى .
و تختص الضربة الأولى بضرب الأهداف المحورية دون باقي الأهداف و ذلك لشل أو إضعاف قدرة الخصم بشكل كبير على الرد Retaliation و تتصف هذه الأهداف بأنها ذات طابع عسكري بحت كما تكون ذات أهمية كبرى Essential Element بالنسبة للطرف المقابل حيث يعتمد عليها بشكل أساسي في أي رد فعل متوقع على الضربة الصاروخية الذي تم تنفيذها و تكون هذه الأهداف عادةً المطارات العسكرية الرئيسية و منصات إطلاق الصواريخ أو سفن السطح و الغواصات التي قد تكون جزء من خطة الخصم في تنفيذ الهجمات الثأرية و وسيلة من وسائله للرد على الهجوم الصاروخي .
- عناصر تخطيط الضربة الأولى :
1- خطة القيادة و السيطرة و الاتصالات :
لا بد للجهة المقبلة على تنفيذ الضربة الصاروخية الأولى أن تملك خطة للقيادة و السيطرة و الاتصالات بحيث تستطيع تنسيق و توحيد الأوامر عند الهجوم بشكل يضمن التجاوب الكامل من قبل الوحدات الصاروخية المشاركة بهذا الهجوم و ذلك يعتبر أحد أسس تنفيذ هذا النوع من الهجمات الصاروخية حيث من الضروري أن يكون الهجوم متزامن و شامل لكل الأهداف الموضوعة من قبل الطرف المهاجم و ذلك لتحقيق أكبر دمار ممكن في وسائل الرد لدى الخصم إذ تعتبر كل خسارة تصيب الخصم هي مكسب للطرف المهاجم Zero-sum game و هذا بدوره يقلل من قدرة الطرف الآخر على الرد و يضعف حجم رد الفعل الذي سيقوم به .
2- الاستخبارات و الصور الجوية و صور أقمار الاستطلاع :
في ذروة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي و الولايات المتحدة الأمريكية لم يستطع القادة الميدانيون من الحصول على صور جوية آنية Real time إذ لم تكن تتوفر التكنولوجيا المتقدمة للأقمار الاصطناعية كما كانت صور الاستطلاع الجوي التي توفرها طائرات التجسس لا تؤمن الإحاطة الشاملة الآنية بالواقع على الأرض إذ كانت تحتاج هذه الصور فترات طويلة من الفحص و التحليل و هذا دون ذكر صعوبة تنفيذ مثل هذه المهمات الاستطلاعية .
إلا أن الحالة اليوم تختلف تماماً إذ باتت كثير من الدول اليوم تستطيع النفاذ و الوصول إلى هذا النوع من الصور أكان بالنسبة للدول التي تملك شبكة الأقمار الاصطناعية الخاصة بها أو من خلال الصور التجارية المتاحة بشكل كبير الأمر الذي أدى إلى إمكانية الاستفادة من هذه الصور الفضائية عالية الدقة من قبل شريحة أكبر من الدول و التي لا تملك شبكة أقمار اصطناعية خاصة بها .
و تعتبر المعلومات التي تقدمها وسائل الاستطلاع الفضائي ذات أهمية كبيرة للطرف المهاجم و كذا المدافع أيضاً حيث أن لتحديد الأهداف و مواقع منظومات الدفاع الصاروخي دور كبير في مدى نجاح الضربة الأولى كما أن المدافع يستفيد بشكل كبير من صور الاستطلاع الفضائي من حيث اكتشاف مواقع إطلاق الصواريخ و اتجاهاتها الأمر الذي يسمح لرادارات منظومات الدفاع الصاروخي بتركيز البحث على اتجاهات محددة بغية اكتشاف أسرع للصواريخ و تنفيذ عملية الاعتراض لها .
و أخيراً فإن تجهيز خطة لاستيعاب الرد المحتمل الذي قد يصدر عن الجهة التي تعرضت للهجوم بالصواريخ يعد هذا الأمر من أساسيات توجيه الضربة الصاروخية الأولى لما له من أهمية من حيث تقليل الخسائر و تحجيم رد فعل الخصم و التقليل من فاعليته .