الصواريخ الكورية الجنوبية: التكنولوجيا والاستراتيجية في عصر التوترات الإقليمية

يُعد برنامج الصواريخ الباليستية الكورية الجنوبية (جمهورية كوريا - ROK) أحد أبرز البرامج العسكرية في آسيا، وهو يعكس التوترات المستمرة مع كوريا الشمالية (DPRK). بدأ البرنامج في السبعينيات كجهد لتطوير قدرات دفاعية محلية، وتطور ليصبح جزءًا أساسيًا من عقيدة "الدفاع الذاتي"، مدعومًا بتقنيات أمريكية وروسيّة في البداية. اليوم، يركز البرنامج على الضربات الدقيقة والدفاع الصاروخي، مع التركيز على استراتيجيات مثل "سلسلة القتل" (Kill Chain) و"العقاب والرد الضخم الكوري" (KMPR)، بالإضافة إلى نظام الدفاع الجوي والصاروخي الكوري (KAMD).
البدايات والتأسيس (السبعينيات - التسعينيات)
بدأ برنامج الصواريخ الباليستية في كوريا الجنوبية في عام 1971، تحت قيادة الرئيس السابق بارك تشونغ هي، الذي أمر بتطوير قدرات صاروخية محلية لمواجهة التهديدات من كوريا الشمالية. كان الصاروخ الأول "بايكغوم" (Baekgom)، الذي طور بين 1971 و1978، وكان مستوحى من تقنيات صينية وأمريكية. ومع ذلك، واجه البرنامج عقبات بسبب الضغوط الأمريكية، التي أوقفت التطوير في الثمانينيات بموجب اتفاقيات السيطرة على الأسلحة.

الرئيس بارك يشاهد أول اختبار لصاروخ بايكغوم في سبتمبر 1978
في التسعينيات، أعادت كوريا الجنوبية إحياء البرنامج بعد إطلاق كوريا الشمالية صواريخ نودونغ (Nodong) في 1993، مما دفع سيئول إلى البحث عن قدرات ردعية. في عام 1995، وقعت كوريا الجنوبية صفقة مع روسيا للحصول على تقنيات صاروخية، مما أدى إلى تطوير سلسلة "هيونمو" (Hyunmoo) المبنية على نظام نايك هيركليس الأمريكي القديم. كان هيونمو-1 (NHK-1) أول صاروخ باليستي محلي الإنتاج في 1996، بمدى 180 كم.

اختبار صاروخ هيونمو-1. لاحظ المحرك الوحيد للمرحلة الأولى.
التطورات الرئيسية (الألفية الجديدة - 2010)
شهدت العقد الأول من الألفية الجديدة تسريعًا في التطوير، مدفوعًا باختبارات كوريا الشمالية للصواريخ. في 2006، أعلنت كوريا الجنوبية عن هيونمو-2A بمدى 300 كم، وفي 2010، هيونمو-2B بمدى 500 كم. كما طور برنامجًا للصواريخ المضادة للسفن مثل هيونمو-3C (مدى 1,500 كم).
في 2017، أطلقت كوريا الجنوبية هيونمو-2C بمدى 800 كم، وهو قادر على حمل رؤوس حربية متعددة، كجزء من استراتيجية "الثلاثية" (Kill Chain، KMPR، KAMD). هذه الاستراتيجية، التي أُعلنت في 2015، تعتمد على الضربات الاستباقية والرد النووي للردع الشمالي.
الاستراتيجيات والدفاع الصاروخي (2010 - الحاضر)
لقد أصبحت الضربة الدقيقة عنصرًا حاسمًا في العقيدة العسكرية لكوريا الجنوبية في السنوات الأخيرة. تعتمد استراتيجيتان مركزيتان لجمهورية كوريا (ROK) – "سلسلة القتل" (Kill Chain) و"العقاب والرد الضخم الكوري" (KMPR) – بشكل كبير على الذخائر الموجهة بدقة وأنظمة المراقبة لاكتشاف هجوم كوري شمالي، والتصدي له بشكل استباقي، و/أو الرد عليه. تعمل هاتان الاستراتيجيتان جنبًا إلى جنب مع هيكلية الدفاع الجوي والصاروخي الكوري (KAMD) الناشئة، والتي تهدف إلى حماية الأصول العسكرية وتقليل الخسائر البشرية في كوريا الجنوبية.
سلسلة القتل (Kill Chain):تُعد "سلسلة القتل" عقيدة كوريا الجنوبية للاكتشاف والضربة الاستباقية. تقوم أصول الاستخبارات والمراقبة الكورية الجنوبية بمراقبة البيئة العسكرية والسياسية في كوريا الشمالية باستمرار. في حال تبين أن هجومًا من كوريا الشمالية (DPRK) وشيك، تطالب "سلسلة القتل" باستخدام أصول الضربة لتدمير المنشآت النووية والصاروخية ومدفعية المدى البعيد التابعة لكوريا الشمالية. ولمنع التصعيد الإضافي، لا تسعى "سلسلة القتل" إلى إحداث تغيير في النظام الحاكم في الشمال.
العقاب والرد الضخم الكوري (KMPR):يُعد KMPR نسخة انتقامية من "سلسلة القتل"، ومن المرجح أن يتم تنفيذه بعد هجوم نووي من كوريا الشمالية أو ضربة تقليدية كبيرة. بالإضافة إلى استهداف المنشآت النووية والصاروخية ومدفعية المدى البعيد التابعة لكوريا الشمالية، يشمل KMPR مهمة إضافية تتمثل في استهداف القيادة السياسية والعسكرية لكوريا الشمالية بهدف تحفيز تغيير النظام.
بينما من المرجح أن يتبع ذلك حرب برية مع الشمال، يُعتقد على نطاق واسع أن الساعات الأولى من الصراع في شبه الجزيرة الكورية ستكون ذات أهمية بالغة، وخلال هذه الفترة ستكون الصواريخ الكورية الجنوبية وأنظمة الدفاع الصاروخي في أوج نشاطها.
خارج إطار العلاقة بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية:قد يوفر برنامج الصواريخ الكوري الجنوبي أيضًا إطارًا لمنع الوصول وتأمين المنطقة (A2/AD) ضد أي عدوان محتمل من الصين. على الرغم من تفاؤل المسؤولين الكوريين الجنوبيين بشأن علاقتهم مع الصين الصاعدة، إلا أن هذا الوضع قد يتغير. الإجراءات الصينية الاستفزازية في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، أو العقوبات الاقتصادية ضد الشركات الكورية الجنوبية ردًا على نشر نظام الدفاع الصاروخي THAAD، أو الدعم السياسي والاقتصادي الصيني لكوريا الشمالية، أو غيرها من العوامل، قد تؤثر سلبًا على علاقة كوريا الجنوبية مع الصين. وبالتالي، قد تُثبت قوات الصواريخ المتطورة لكوريا الجنوبية أهمية كبيرة كوسيلة للتحوط ضد المستقبل.
في 2023، أجرت كوريا الجنوبية اختبارات لصواريخ هيونمو-4A بمدى 800 كم، وهيونمو-5 بمدى 5,000 كم، مما يعزز الردع ضد الصين أيضًا.
سنتطرق في هذا التقرير ترسانة كوريا الجنوبية من الصواريخ البالستية متابعة شيقة للجميع.
التعديل الأخير: