لماذا لم يتوسع المسلمون او الرومان او اي حضارة اخرى في عز قوتها نحو دول جنوب النيل وما بعدها؟ بل ان المسلمين كانوا مستعدين ان يرسلوا الحملات العسكرية شمالا نحو اوروبا رغم كبر التحديات ولم يرسلوا الحملات جنوبا نحو تنزانيا والكونغو واوغندا وزامبيا مثلا؟
بخصوص هذه النقطة
تم الحديث مراراً عن هذا الموضوع ولماذا لم يستمر الفتح العربي جنوباً من شمال أفريقيا
ويمكن تخليص الأسباب إلى عدة عوامل متنوعة ولا يمكن حصرها مع الأخذ بالاعتبار أن الجنوب ليس له سوى مدخلين فقط الأول من جهة مصر والثاني من جهة المغرب وذلك لاعتبارات بيئية وجغرافية حيث الصحراء الكبرى ستبتلع أي جيش يقطعها حتى وإن وصل الجيش للأدغال فسيواجه صعوبة طول خطوط الإمدادات المتواجدة أصلا في منطقة قاسية للغاية
ومن هذه العوامل:
أولاً عدم وجود حضارة أو أي شكل من أشكال التجمع البشري المعتبر بل تلك المنطقة جنوب النوبة كان البشر ولا يزال أغلبهم يعيش كما قطعان الحيوانات فلا يوجد تنظيم معين يمكن السيطرة عليه كما في العراق والشام
فهؤلاء البشر يعيشون في غابات يتنقلون لا أساس لهم ومن الصعب جداً إخضاعهم وتعليمهم
ثانياً الفتح العربي تركز في مدة وجيزة جداً مقارنة بالتاريخ الإسلامي فقد كانت مدة الفتوحات لا تتجاوز قرن واحد منذ البعثة النبوية وكل الأراضي الإسلامية اليوم تم فتحها في تلك الفترة ما عدا إندونيسيا وبعض الجزر في تلك المنطقة ومقارنة بالمدة الزمنية فالفتوحات كانت واسعة جداً جداً ولو استمر العصر قرن إضافي لتغيرت خارطة العالم التي نعرفها
ثالثاً وجود كثافة كبيرة للغاية من الأقليات وكل أقلية لها دينها ولغتها وأراضيها
رابعاً قارن بين حال شمال أفريقيا وجنوبه من حيث المدن , فالشمال متحضر للغاية مقارنة بالجنوب في تلك الفترة ويوجد هدف واضح وهو السيطرة على المدينة تلو الأخرى ونشر الإسلام كما فعل عقبة بن نافع أما في الجنوب فلا يوجد سوى أدغال تلو الأدغال والمكان جداً موحش ولا يشجع على احتلاله
خامساً وهو أهم سبب من وجهة نظري هي معاهدة عبدالله بن أبي سرح التي عقدها مع أهل النوبة واستمرت حوالي سبعمئة سنة وهي أطول معاهدة في التاريخ من نصوص المعاهدة عدم غزو أي طرف للآخر وبالتالي أغلقت هذه المعاهدة الطريق الأهم للجنوب وهو طريق مصر أما الطريق الثاني فقد توقف تلقائيا مع توقف الفتوحات ولم يستأنف إلا بعد قرون كما سنرى
طبعا هذه الأسباب كلها كانت خلال القرن الأول الهجري وهو عصر الفتوحات الوحيد
بعد هذا العصر بحوالي أربعة قرون تأسست دولة المرابطين في المغرب الإسلامي وأخذ مؤسسها أبو بكر بن عمر وقائدها يوسف بن تشافين بالتغلغل في الجنوب حتى دخل الزنوج الدين أفواجا لكن مشاكل الأندلس دفعت لتوقف هذه الفتوحات فجيش المرابطين شارك في موقعة عظيمة وهي الزلاقة على أرض الأندلس وبعدها لم تتح الفرصة لمزيد من التقدم في الجنوب
ولو عددنا الأسباب جميعها لوجدناها بالعشرات لكن أرى أن هذه من أبرزها