فوربس: حسابات الربح والخسارة في مغامرة بوتين في القرم
الإثنين 3 مارس 2014 / 14:57
إعداد ـ سليم ضيف الله
هل يمكن القول إن الوضع والتوتر الشديد الذي يسيطر على العلاقة بين روسيا والغرب نسخة معدلة من فصول الحرب الباردة التي كانت دائرة بين الطرفين على امتداد نصف قرن بين الحرب العالمية الثانية والتسعينات من القرن الماضي، أم إنها مجرد أزمة عابرة ستجد طريقها للحلّ بين الطرفين بعد التوصل إلى أرضية وتفاهمات جديدة تضمن حقوق جميع الأطراف، مؤقتاً على الأقل.
في الانتظار تعرضت مجلة فوربس على موقعها الإلكتروني، للدواعي والأسباب وحسابات الربح والخسارة التي دفعت بالرئيس الرئيس فلادمير بوتين لاتخاذ موقف متشدد حيال النظام الجديد في أوكرانيا وصولاً إلى التدخل العسكري شبه جزيرة القرم وخلفياته.
وقالت المجلة :"ما أن أسدل الستار على ألعاب سوتشي الأولمبية، حتى سارع بوتين بتعقيد الأمورعلى النظام المؤقت الجديد في أوكرانيا، فأمر بمناورات عسكرية على الحدود مع الدولة الجارة بمشاركة 150 ألف جندي، ولم يفت الملاحظين وقتها التفطن للحضور الطبي الكبير الذي يوحي باستفزاز صريح بالاستعداد إلى اجتياح وعدم الاكتفاء بمجرد المناورة".
شبح الحرب الجورجية
وكان "هذا النشاط العسكري الذي امتد إلى القرم، الجمهورية ذات الحكم الذاتي في أوكرانيا، سبباً كافياً لإثارة القلق والمخاوف بما أنها صورة نسخة مطابقة للأصل وإعادة لما حصل بمناسبة الحرب الروسية الجورجية في 2008".
وتضيف المجلة أن الأمور تطورت وفق منحى تصاعدياً مثيراً فظهر انفصاليون" موالين لروسيا بأزياء عسكرية ولكن بلا رتب مميزة وحاصروا المباني الحكومية وسيطروا على المطار وشبكة الاتصالات في المنطقة، في حين رفعت القوات الروسية من تأهبها لحماية مواطنيها في الجهة، ودعا رئيس حكومة القرم، الروسي الأصل روسيا لتوفير النجدة".
ولم تلبث الأمور أن تطورت بسرعة أكبر في ما يشبه العملية الرامية إلى ذرّ الرماد في العيون، باتهام القوات الأوكرانية بمهاجمة وزارة الداخلية في القرم، ثم أُعلن عن تنظيم استفتاء حول الوضع القانوني المستقبلي للجمهورية وفي المقابل وافق مجلس النواب الروسي على استعمال القوة العسكرية في أوكرانيا ودعوة السفير من الولايات المتحدة".
في الأثناء، حذّر الرئيس أوباما بوتين من الثمن المرتفع الذي سيتحتم عليه دفعه مقابل التدخل في القرم، ما زاد في شحن وتعقيد الوضع.
ولفهم مجريات الأحداث في المنطقة والصراع الدائر فيها على جمهورية شبه جزيرة القرم، تُقدم المجلة بعض التوضيحات التي تساعد على فهم ما يجري في المنطقة.
القرم أهمية وفخر وطني
شبه جزيرة القرم، جمهورية تتمتع بالحكم الذاتي داخل أوكرانيا وتتمتع بصلاحيات واسعة لإدارة شؤونها الداخلية ولكن ضمن السيادة الأوكرانية، وتعتبر المنطقة من أهم الوجهات السياحية الشعبية بفضل جبالها الشاهقة التي تعانق الشواطئ الرمليةعلى ساحل البحر الأسود.
وتقول المجلة: "سياسياً تعتبر المنطقة عقدة سياسية منذ أن قرر خروتشيف في 1954 ضم المنطقة إلى أوكرانيا على حساب روسيا، وهو القرار الذي اعتبر وقتها ولا يزال في نظر الكثيرين غير شرعي وغير قانوني، ويتألف سكان هذه الجمهورية من الروس الذين يشكلون النصف تقريباً في حين يمثل الأوكرانيون الربع، إلى جانب حضور غير محدد للتتار الذين جرى تهجيرهم من مناطقهم الأصلية في 1944 على يد ستالين، والذين لا يشعرون لهذه الأسباب بالامتنان حيال الروس طبعاً. وفي 1992 ومع تفتت الاتحاد السوفياتي اختارت القرم الانضمام إلى الدولة المستقلة حديثاً في أوكرانيا".
بعد الموجز التاريخي السريع، تتعرض المجلة لتفسير حرص روسيا على عدم التخلي شبه جزيرة القرم، فيقول صاحب المقال:" تحتل منطقة مكانة واسعة هامة في التاريخ الروسي، ودارت فيها حرب ضروس في منتصف القرن التاسع عشر بين الامبراطوريات الفرنسية والبريطانية والعثمانية، لكن ورغم خسارة روسيا الحرب، بقيت بطولات الجنود الروس في هذه الحرب خالدة في ذاكرة الروس وأحد مصادر اعتزازهم وفخرهم، تماماً مثل "قلعة ألمو" الأمريكية في تكساس".
أهمية استراتيجية
وتضيف المجلة "لكن أهمية القرم ليست تاريخية فقط عند روسيا، لما تقدم من أسباب ولا حتى لاحتضانها المحادثات التاريخية الشهيرة في يالطا التي تقع فيها بين روزفلت وستالين وشرشيل، فالاهتمام الروسي بالقرم يتجاوز الحنين التاريخي بكثير، ويكفي النظر إلى الخارطة الجيوسياسية للمنطقة لإدراك محورية هذه المنطقة فيها، ومن ثمة أهميتها عند روسيا".
وفي هذا الإطار، تقول المجلة:" تمثل القاعدة البحرية الروسية في مدينة سيفاستوبول بجنوب شرق القرم، المنفذ الوحيد لروسيا للمياه الدافئة، والمدخل الوحيد الذي يسمح لها بتعزيز قواتها في البحر الأبيض المتوسط، وفي الفترة الأخيرة سرت أخبار مفادها أن ميناء المدينة شهد حركة مكثفة لدعم بشار الأسد في الحرب الأهلية الدائرة حالياً في سوريا".
وفي هذا السياق، تمثل خسارة القرم نهاية روسيا القوة العسكرية الكبرى، وتقول المجلة: "رغم أن الوجود الروسي مضمون بموجب الاتفاق مع أوكرانيا حتى 2047، إلا أن كامل الشريط الساحلي للبحر الأسود أصبح في دائرة نفوذ حلفاء شمال الأطلسي، باستثناء جورجيا شرقاً التي تبذل جهدها وتنشط بهدف الانضمام إلى دول الحلف، وأوكرانيا شمالاً"، وعليه فإن خسارة القرم تعني ببساطة نهاية القوة العسكرية الروسية.
وفي المقابل تقول المجلة"تحتل منطقة القرم أهمية مميزة لدى أوكرانيا التي تمرّ بمرحلة حرجة بمناسبة هذا الاختبارالقاسي لسيادتها على المنطقة، فالقرم موطن طائفة واسعة من المواطنين من أصول أوكرانية وغير أوكرانية، وهي أيضاً وجهة مفضلة لمواطنيها لقضاء عطلتهم فيها ما يجعلها بنفس أهمية فلوريدا أو تكساس عند الولايات المتحدة".
ولكن أهمية القرم لاتقتصر على هذا الجانب، أو كما تقول المجلة: "صحيح أن عدة مناطق في شبه الجزيرة وخاصة سيفاستوبول والعاصمة سيمفاروبول، تتميزان بولائهما لروسيا، ولكن مناطق واسعة أخرى لا تدين بهذا الولاء، ولاسيما التتار الذين يرفضون التحول إلى مواطنين روس لأي سبب مهما كان".
انقلاب على التزمات موسكو الدولية
ولكن تهديد أوكرانيا يعني حسب كاتب المقال أكثر من ذلك أو كما يقول: "يمثل الوضع الجديد تخلياً عن مذكرة بودابست الموقعة في 1994، والتي تخلت بموجبها أوكرانيا عن ترسانتها النووية وفي المقابل تعهدت روسيا باحترام استقلال وسلامة أراضي جارتها. وبانتهاكه لهذه المعاهدة يرسل بوتين برسالة مفادها أن الاتفاقات التي قبلت بها ووقّعت عليها موسكو في فترة ضعفها ونقاهتها في التسعينات أصبحت لاغية وغير ملزمة".
وعليه فإن السؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا العرض، إذا قرّر بوتين انتزاع القرم هل يمكن لأوكرانيا أو الولايات المتحدة وحلف دول شمال الأطلسي، التصرف لمنعه من تنفيذ رغبته؟.
تقول المجلة: "لا تملك هذه الأطراف المذكورة ما يُمكّنها من إثناء بوتين عن رغبته، ذلك أن روسيا تملك حضورا وقوة عسكرية هائلة في المنطقة، وحتى في صورة اندلاع أعمال عسكرية لن يغير ذلك شيئاً، وإذا انتهى الأمر باستفتاء حر ونزيه لتقرير مصير المنطقة فإن لدى بوتين ما يسمح له بوضعه بصمة إصبعه على جدول الأحداث في الجهة بما يضمن له الفوز والحصول على هالة إضافية من الشرعية".
وفي المقابل "دعا الرئيس أوباما لمؤتمر صحفي طارئ تعرض فيه للأحداث الجارية في القرم للإعراب عن عميق انشغاله والتحذير من الثمن الذي يتحتم دفعه" ولكن في الخفاء نشطت المحادثات الدبلوماسية التي تجمع الروس بالأوكرانيين والحلفاء الأوروبيين، ولكن ومرة أخرى إذا كان بوتين مصمماً على الأمر فإن كلّ ما يجري حالياً لن يجدي نفعاً".
هل خسرالغرب المعركة قبل أن تبدأ؟
يرد صاحب المقال على ذلك بالإشارة إلى أن"الغرب لم يفقد تماماً زمام وإمكانية المناورة، ذلك أن الإعلام الأمريكي مثلاً لم ينتبه بما يكفي للتوقف المفاجئ للمحادثات التي كانت تدور بين نائب الرئيس بايدن ورئيس الحكومة الجورجية غاريباشفيلي، بعد تدخل الرئيس أوباما لإعلان دعمه لتوطيد العلاقات مع جورجيا ودعم انضمامها الكامل لحلف دول شمال الأطلسي" .
وتضيف المجلة "وربما تكتسي هذه الحركة أهمية أكبر من التحركات العسكرية على الأرض، ذلك أن روسيا لم تعد قوة عسكرية عظمى، صحيح أنها تحتفظ ببعض القدرات العسكرية الهامة، ولكن جيوشها تعاني بشكل حادّ من النقص في التجهيز والعتاد المناسب ومن قلة انضباط واحترافية المُجنّدين، وهم في أغلبهم م الذين لم تنجح عائلاتهم في إنقاذهم من الخدمة العسكرية. وللتذكير أسقطت القوات الجورجية 9طائرات روسية في حرب 2008، في أقل من أسبوع".
في حديثه عن القرم حذّر الرئيس أوباما من الثمن الذي سيتحتم على روسيا دفعه إذا أصرت على موقفها، وهو ما جعل المجلة تتساءل عن طبيعته أو عن نتائج هذه الأزمة المحتملة والممكنة.
وقالت المجلة:"إذا أصرّ بوتين على ضم القرم، سيجابه حتماً بحملة إدانة دولية واسعة مع عقوبات تجارية ضمنية أو صريحة، وبسبب ضعفها الاقتصادي لن تستطيع روسيا تحمل هذا العبء كثيراً. وإذا تراجع سعر النفط بين 15 أو 20% ستعاني البلاد من أزمة اقتصادية أشد من تلك التي تعرضت لها في التسعينات من القرن الماضي".
من جهة "أخرى سيكون على بوتين القبول بحضور عسكري أجنبي مباشر في حديقته الخلفية، ذلك أن حلف الناتو سيبادر بضم جورجيا إليه ما يعني انتصاب أنظمة دفاعية متقدمة على مقربة من روسيا ما يشكل تهديداً جدياً للأمن القومي الروسي، كما يمكن لميناء باتومي في جورجيا أن يتحول إلى قاعدة هامة لدعم هذا الحضور العسكري في المنطقة".
ثمن مرتفع لمكاسب هزيلة
وفي النهاية ورغم الصورة فإن الوضع الحالي يؤكد على الأقل أن بوتين يشعر بعزلة متزايدة، ولكن أيضاً أنه لن يخسر أكثر مما خسر حتى الآن، حسب المجلة التي تقول:" الأهم في ذلك أنه وبتصميمه على ضم القرم، سيخسر بوتين أوكرانيا وإلى الأبد، وسيكون ذلك بمثابة الانتهاك الصارخ الذي يصعب نسيانه أو الصفح عنه، ولكنه في المقابل سيسرع في وتيرة المساعدات الأوروبية لأوكرانيا ونسق انضمامها إلى الاتحاد.
وعلى صعيد آخر سيفرض الوضع الجديد على بوتين التعامل مع رفض التتار الذين يكنون عداوة متأصلة تجاه الروس، للسيادة عليهم مع احتمال أن يتسبب ذلك في وضع مشابه للحرب المدمرة التي عرفتها الشيشان، بعد أن زرع الرئيس الروسي البذرة الأولى للصراعات التي ستنشأ في المنطقة على امتداد عشرات السنين القادمة".
ورغم أن كلّ جهود بوتين كانت تهدف إلى تحقيق العكس، إلا أنه في تقدير المجلة انتهى"بتحركاته الأخيرة إلى وضع مؤسف وعكس مدى استعداده للقطع مع أوكرانيا وأوروبا، ويُعرض نفسه لخطر تسريع خطوات جورجيا للانضمام لحلف الناتو وهو الأمر الذي طالما حرص على تفادي الوقوع فيه تماماً مثل حرصه على عدم خسارة أوكرانيا والتسبب في مزيد من المتاعب لاقتصاده وتهجير جماعي جديد لعدد من سكّان المنطقة، كلّ ذلك في مقابل مكاسب لا تكاد تذكر".
http://www.24.ae/Article.aspx?ArticleId=63698