قراءة تفسيرية وتحليلية لما وراء قرار روسيا القاضي بتعليق مشاركتها في إتفاقية تصدير الحبوب ( منقول ) :
في 22 يوليو الماضي وقعت روسيا وأوكرانيا بوساطة تركية ورعاية الأمم المتحدة على إتفاق يسمح بإستئناف صادرات الحبوب والمنتجات الزراعية والأسمدة من أوكرانيا ، من خلال ممر بحري آمن من ثلاثة موانئ أوكرانية رئيسية تقع في مقاطعة أوديسا إلى بقية دول العالم .
منذ بداية الإتفاق حتى يوم البارحة غادرت الموانئ الأوكرانية 455 شحنة من الحبوب والمنتجات الزراعية ، شكلت منها الذرة 43% و القمح 29% و زيت عباد الشمس 6% .
توجه 44% من القمح إلى تركيا والدول الآسيوية ، وتوجه 24% إلى إفريقيا ، و %36 فقط إلى دول الإتحاد الأوروبي ( وذلك يبين زيف كل الإدعاءات الروسية بأن دول الإتحاد الأوروبي تحتكر الغالبية العظمى من صادرات الحبوب الأوكرانية ، ولا تترك لباقي دول العالم النامي الفقيرة سوى الفتات منها فقط ) .
مشاهدة المرفق 525451
من المفترض أن تنتهي صلاحية إتفاق تصدير الحبوب في 19 نوفمبر 2022 , وأبدت روسيا عدم الرضى عن الإتفاق الحالي وعبرت عن رغبتها في تعديله في الشهور الماضية ، وفي شهر سبتمبر الماضي هدد بوتين بتقيد صادرات الحبوب الأوكرانية متذرعاً بحجة أن فقط 3٪ من الحبوب تذهب إلى البلدان النامية ، وذلك بخلاف كل بيانات الأمم المتحدة .
مشاهدة المرفق 525452
إدعاءات الروس حول إهتمامهم بالشعوب والدول الأكثر فقراً لا يدعمها سلوكهم في السابق ، حيث لم تدعم تلك الشعوب ودولها مسبقا ، ولم تكن يوماً هذه الدول ضمن قائمة وجهات الإستثمار الروسية ، ولذلك فإن ذريعة وجهات التصدير هذه هي مجرد توظيف إعلامي لحشد رأي عام في تلك الدول . أما التدقيق في الخلفيات يكشف لنا عن إهتمامات ثانية .
من شأن إنسحاب روسيا من الإتفاق أن يحرم أوكرانيا من عائدات كبيرة هي بحاجة لها نتيجة أعباء الإنفاق العسكري الذي ترافق مع تقلص الناتج المحلي الإجمالي الاوكراني بنسبة 35% ، وكذلك سيخلق مشاكل تخزينية في أوكرانيا متصلة بتكدس الحبوب و المنتجات الزراعية التي لم يتم تصديرها بعد .
إرتفاع الطلب على الحبوب في أوروبا نتيجة الجفاف الذي أثر سلباً على موسم الحبوب في أوروبا التي ستواجه مأزق مع أي زيادة جديدة للأسعار لأنها ستنعكس على التضخم الذي وصل مستويات عالية مما سيمنح روسيا فرصة للضغط وإستخدام الغذاء كسلاح للإبتزاز من أجل "صفقات مقابل رفع العقوبات" .
ولكن في المقابل ومن جهة أخرى الصادرات الروسية تراجعت بنسبة 22% ، على الرغم أن المنتجات الزراعية الروسية لا تخضع للعقوبات الغربية ، إلا أن كثير من البنوك وشركات التأمين والشحن تتردد في التعامل مع روسيا ، وكذلك فإن سياسة الروبل القوي أضرت بصادراتها ، وفي المحصلة الأخيرة تضررت سمعة روسيا كمورد موثوق على المدى البعيد .
مصالح النخبة الروسية ليست بعيدة عن توجهات روسيا ، مثلا صهر وزير الخارجية لافروف هو ألكسندر فينوكوروف الشريك في مجموعة ماراثون المالكة لديميترا هولدينج ،و تكاتشيف أغروكومبلكس فهي مملوكة لوزير الزراعة السابق ألكسندر تكاتشيف ، وكذلك مجموعة ميراتورغ مملوكة للأخوان ليينك ذوي الصلة والقرابة بزوجة ميدفيديف . وكل ما سبق ذكره من شركات هي لأكبر المجموعات التجارية الروسية المهيمنة والمحتكرة لتصدير الحبوب والمنتجات الزراعية الروسية .
كما تحتاج البنوك الروسية إلى إلغاء تجميد أصولها المجمدة جزئيًا حاليا ، وذلك لتجنب التأخير في دفع ثمن المنتجات الزراعية . وهذه البنوك هي مثل بنك روسيا ( المملوك لأصدقاء بوتين يوري كوفالتشوك ونيكولاي شمالوف ) ، وبرومسفياز بانك ( وهو البنك الرئيسي الذي يستخدمه قطاع الدفاع الروسي ) .
❇ الخلاصة :
ليس من مصلحة روسيا عدم العودة الى إتفاق تصدير الحبوب ، ولكنها ستحاول فرض صيغة جديدة تستطيع من خلالها التحكم أكثر بصادرات الحبوب الأوكرانية ، ورفع العوائق أمام صادراتها .
ومن المحتمل عند فشل المفاوضات لتجديد الإتفاق ، إستخدام قوة بحرية لدولة ثالثة لحماية الصادرات الاوكرانية من أي هجوم روسي عليها .
رابط لمقال يناقش بنود وآليات تنفيذ إتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية
بعد توقيع أوكرانيا وروسيا وتركيا والأمم المتحدة اتفاق صادرات الحبوب الأوكرانية، أكدت واشنطن أنها ستراقب التزام روسيا بالاتفاق، فيما شددت كندا على أن مجموعة السبع ستضمن عدم تسبب اتفاق الحبوب في مخاطر إضافية لأوكرانيا.
m.dw.com