هل يكون اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية سببا في تجويع شعوب الشرق الأوسط؟
دول في المنطقة تعتمد على كييف وموسكو في استيراد الحبوب تواجه سيناريوهات كارثية.
الأربعاء 2022/02/02
التوغل الروسي المحتمل في أوكرانيا له ارتداداته في الشرق الأوسط
مع استمرار التصعيد المتبادل بين روسيا والغرب بشأن الأزمة الأوكرانية يترقب الشرق الأوسط هو الآخر مآلات الأزمة المذكورة خاصة أن تفجر الوضع قد تكون له عواقب وخيمة تتمثل في إمكانية تجويع شعوب المنطقة التي تعتمد دولها بشكل كبير في إمدادات الأغذية على كييف وموسكو.
لندن – في الوقت الذي تواصل فيه روسيا حشد قواتها على الحدود مع أوكرانيا وتوعد الغرب وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بردّ قاس على موسكو في حال قامت بغزو أوكرانيا، تتصاعد التساؤلات بشأن تداعيات اندلاع النزاع المحتمل هناك على إمدادات الطاقة والغذاء للأسواق العالمية.
ويطرح العديد من الخبراء فرضية أن يُفضي الاندلاع المحتمل للنزاع في أوكرانيا إلى حدوث نقص في إمدادات الأغذية إلى الشرق الأوسط الذي يعتمد بشكل كبير على كييف وموسكو في مواد مثل الحبوب.
أكبر مصدري الحبوب
تُعد روسيا وأوكرانيا من أكبر مصدري الحبوب في العالم، حيث تمثل صادراتهما من القمح مجتمعة ما يقرب الربع من ذلك الإجمالي، 206.9 مليون ميغا طن من محصلة مجموع الحبوب المنتجة عالميًا، وذلك وفقًا لتوقعات وزارة الزراعة الأميركية.
وفي الوقت ذاته، تعد مصر وتركيا من بين أكبر مستوردي القمح في العالم، مما يعني أن الدولتين في الشرق الأوسط يمكن أن تدفعا ثمنا باهظا إذا أدى الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى توقف الإمدادات الغذائية العالمية.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية في عام 2021 بنحو 30 في المئة مقارنة بالعام الماضي، حتى من دون وجود صراع كبير جديد في أوروبا الشرقية، (حيث كان الانفصاليون المدعومين من روسيا يقاتلون القوات الأوكرانية في دونباس منذ عام 2014)، وبينما صدّرت أوكرانيا معظم محاصيلها من الحبوب في صيف عام 2021
فإن الغزو الروسي قد يوقف بذر الحبوب في فصل الربيع، وأضف إلى ذلك أزمة الأسمدة الإقليمية التي أشعلتها أزمة الطاقة وقيود الصادرات والعقوبات التجارية، فضلاً عن أن المزارعين الروس والأوكرانيين يواجهون حاليا تحديات زراعية كبيرة. واعتبر نيكولا ميكوفيتش، وهو محلل سياسي في صربيا، أن “الحرب ستُفاقم من المخاطر إلى حد كبير، على سبيل المثال، إذا فرضت الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون قيودًا على الشركات الروسية بسبب العمل العسكري، فمن المرجّح أن يحد ذلك من الإمدادات الغذائية من روسيا إلى غرب آسيا، وهذا بدوره سيزيد الطلب على القمح الأوكراني، وخاصة من دول الشرق الأوسط، وأوكرانيا هي واحدة من أكبر مصدري المنتجات الزراعية في العالم وقد توسع نشاطها مؤخرًا في أسواق الشرق الأوسط”.
ولا يعد انتشار السلع الأوكرانية وتوفرها في الأسواق العالمية بالشيء الجديد، فبعد الحرب العالمية الثانية، كان الاتحاد السوفييتي مكتفيًا ذاتيًا إلى حد كبير من منتجات الحبوب، وأصبحت أوكرانيا، سلة غذاء الإمبراطورية السوفييتية، بفضل حقولها الخصبة من القمح وبصفتها جزءا من الاتحاد، كما طورت أوكرانيا قاعدة صناعية قوية، ولكن لأن أوكرانيا فقدت بعض قوتها الصناعية التي كانت تتمتع بها خلال الفترة السوفييتية، فقد أصبحت الزراعة أهم قطاعاتها الاقتصادية.
وقال ميكوفيتش، الذي يركز عمله في الغالب على السياسات الخارجية لروسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، مع اهتمام خاص بالطاقة و“سياسات خطوط الأنابيب، إن “المشكلة الآن تكمن في أن اشتعال حرب أخرى في منطقة البحر الأسود لن تؤثر فقط على الإنتاج الزراعي لأوكرانيا، بل ستؤثر أيضًا على قدرتها على نقل القمح والمنتجات الأخرى إلى الخارج،
ما يعني أن الاحتلال العسكري لموانئ البحر الأسود قد يحجب كمية كبيرة من المواد الغذائية عن الأسواق الدولية، مما سيؤثر بلا شك على دول مثل لبنان ومصر واليمن وإسرائيل وسلطنة عمان، وهم المشترون الرئيسيون للقمح الأوكراني”.
وتثير احتمالية نشوب حرب بين روسيا وأوكرانيا ومن خلفها الغرب والناتو مخاوف عن ضمان الشرق الأوسط لأمنه الغذائي خاصة وأن لبنان واليمن على سبيل المثال يواجهان تحديات خطيرة تتعلق بذلك وأي تشديد عن إمدادات الموارد قد تكون له عواقب وخيمة عليهما.
الشرق الأوسط على الخط
قال ميكوفيتش إنه “يمكن لدول الخليج الشعور أيضًا بتلك الآثار، ففي عام 2020، كان خمسة من أكبر 11 مستوردًا للدجاج الأوكراني من دول الشرق الأوسط، حيث أن الكويت والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، هي وجهات التصدير الرئيسية لمنتجي لحوم الدجاج الأوكرانية”.
بينما تبحث روسيا والغرب عن طريقة سلمية للخروج من مأزق شبح الحرب، فإن العواقب غير المقصودة للأمن الغذائي على الشرق الأوسط يجب تضمينها في الحسابات الدبلوماسية
ورأى أن “التداعيات المحتملة لتوقف إمدادات الغذاء تبقى أكثر من مجرد حديث نظري (..) ففي عام 2010، بعد أن دمر الجفاف محصول القمح الروسي، فرضت موسكو حظراً على تصدير القمح إلى الخارج لتأمين احتياجاتها المحلية، وقد تكون تلك الخطوة هي ما ساهم بشكل غير مباشر في انتفاضات الربيع العربي في الشرق الأوسط. حيث ارتفعت أسعار القمح على مستوى العالم، وشعرت مصر باعتبارها أكبر مستهلك للحبوب في روسيا بالعواقب المباشرة، وطالب المتظاهرون بوقف ارتفاع أسعار الخبز، وسرعان ما توسعت الاحتجاجات لتشمل مطالب أخرى، ولعبت أزمة الغذاء العالمية دورا في الانتفاضات الإقليمية التي بدأت في تونس ومصر”.
وبينما أصبحت روسيا لاعبًا رئيسيًا في مجال الإمدادات الغذائية في الشرق الأوسط، فإنه لم يكن هذا هو الحال في الماضي، ففي عام 2001، صدرت روسيا 696 ألف ميجا طن من القمح، بينما صدرت في عام 2020 على الرغم من الوباء 38 مليون ميجا طن. بمعنى آخر، فعلى الرغم من التصور بأن موسكو لا تصدر سوى الأسلحة والطاقة، إلا أن روسيا قد طورت قطاعا قويا لتصدير القمح، ويعد الشرق الأوسط أحد أهم أسواقها.
وإذا رد الحلفاء الغربيون على غزو روسيا لأوكرانيا بفرض عقوبات على الصادرات الغذائية الروسية أو من خلال حظر موسكو من ”جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك” (سويفت) وهو نظام الدفع الدولي الذي تستخدمه البنوك في جميع أنحاء العالم، فليس من المستبعد أن ترتفع أسعار السلع الأساسية في الشرق الأوسط بشكل كبير.
وتعد أوكرانيا سادس أكبر مُصدّر للقمح في العالم وينظر إليها الكثيرون على أنها أحد الضامنين للأمن الغذائي في العالم، ويهدد موقف موسكو الذي ينزع نحو شن الحرب موقع كييف على الصعيد العالمي.
ويُعرف الأمن الغذائي حسب الأمم المتحدة بقدرة الناس في كل مكان على التمتع بإمكانية الوصول المادي والاجتماعي والاقتصادي إلى أغذية كافية ومأمونة ومغذية تلبّي أذواقهم واحتياجاتهم الغذائية، وإلى جانب العديد من أهوال الحرب الأخرى، فإن هذا الحق الأساسي من حقوق الإنسان يمكن أن يتعرض للخطر في حال المواجهة العسكرية المباشرة بين روسيا وأوكرانيا.
وتمثل الحروب أحد الأسباب الرئيسية التي قد تولد نقص الغذاء بين المجتمعات، والصراعات تؤدي دائمًا إلى ارتفاع أسعار الغذاء، ولكن في ظل اقتصاد مُعولم، فإن التأثيرات على توافر الغذاء تكون محسوسة حتى بعيدًا عن ساحات المعارك، وبينما تبحث روسيا والغرب عن طريقة سلمية للخروج من مأزق شبح الحرب، فإن العواقب غير المقصودة للأمن الغذائي على الشرق الأوسط يجب تضمينها في الحسابات الدبلوماسية.