الصفقة الاميركية السعودية
لا يمكن الحديث عن صفقة السلاح الاميركية السعودية بمعزل عن كل ما يرتبط بها من اتفاقيات اخرى كالحوار الأمني الخليجي ـ الأميركي" gulf security cooperation dialogue وانظمة c41 systems ودرع السلام السعودي المرتبط بهذا النظام المعلوماتي الحربي خصوصا في ظل تحفظات عدد من اعضاء الكونغرس على الصفقة والضغوطات الاسرائيلية التي ادت الى تأخيرها والرفض السعودي الحصول على النسخ التصديرية واصرارها على الحصول على النسخ الاصلية من الاجهزة المركبة على المقاتلات .
الصفقة الاميركية تتضمن شراء طائرات f15 و f16 بالإضافة الى البرمجيات المتطورة للـF15 ، كما تتضمن صواريخ aim -9x كما ستحصل السعودية بموجب الصفقة على معدات متقدمة متل الصواريخ الذكية وقد يرتفع سعر الصفقة إذا بيعت كل الاسلحة موضوع التفاوض ومنها السفن الحربية المتطورة والدبابات ونظم متقدمة للدفاع الجوي . ولم يقدم المسؤولون الاميركيون رقما للمبيعات المقترحة، ولكن مصدرا في وزارة الدفاع (البنتاغون ) قال ان القيمة يمكن ان تتراوح بين 5 و10 مليارات دولار.
الملك عبد الله والرئيس الاميركي
جورج بوش خلال زيارة الاخير الى السعودية
السعودية من جهتها وان كانت تفضل التقنيات الاميركية، لكنها تتجه الى عدم حصر نفسها بهذا المصدر الذي يحاول فرض شروطه على الصفقة المنتظرة ..المملكة تسعى الى ضم الاحدث الى اسطولها في الوقت الذي تحاول فيه اميركا إرضاء حليفتها اسرائيل والتي كانت من اشرس المعارضين للصفقة لخشيتها من ان تقلص هذه الاسلحة المتطورة تفوقها العسكري على منافسيها في المنطقة .
ونقلت تقارير صحافية عن مصادر اميركية تأكيدهم الاخبار المتدوالة عن قيام وفد اسرائيلي بزيارة واشنطن لايضاح اعتراضاتهم على صفقة الاسلحة المزمع عقدها خصوصا تلك التي تتميز بدقة التوجيه والتي تحسن قدرة الطائرات السعودية على ضرب الاهداف . يذكر ان الولايات المتحدة كانت قد عقدت صفقات قليلة جدا لبيع اسلحة موجهة عن طريق الاقمار الصناعية الى دول الخليج بينما تتلقى اسرائيل مثل هذه الاسلحة منذ تسعينات القرن الماضي وقد استخدمتها في حربها الاخيرة ضد مقاتلي حزب الله .
مع التئام الكونغرس مطلع شهر ايلول فإنه يواجه عقبتين رئيستين لرفض او إجراء تعديل على أي مقترح رئاسي لبيع معدات وتجهيزات عسكرية لدول أخرى ، فمن ناحية يجب أن يكون الكونغرس قادراً على تمرير تشريع يعبر عن رغبته بشأن الصفقة، ومن ناحية ثانية ينبغي أن يمتلك القدرة أيضاً على التغلب على الفيتو "حق النقض" الرئاسي المحتمل إزاء القرار الصادر عن الكونغرس.
ووفقاً للقانون الأميركي فإنه يحق للكونغرس أن يرفض أي صفقات سلاح تحت "قانون التحكم في مبيعات الأسلحة" إذ ينبغي على الإدارة الأميركية إخطار الكونغرس بالصفقة والذي بدوره يجب عليه في غضون 30 يوماً تقديم قرار مشترك بين مجلسي النواب والشيوخ لرفض هذه الصفقة.
كما ينص قانون مبيعات الأسلحة على أن الخدمات الدفاعية الأميركية يجب أن تباع فقط إلى حلفاء واشنطن من أجل استخدامها في خمسة أغراض رئيسة، وهي تعزيز الأمن الداخلي، والدفاع الشرعي عن النفس، وتمكين الدول المستقبلة لهذه الخدمات من المشاركة في التدابير الجماعية المطروحة من الجانب الأميركي للحفاظ على الأمن والسلم العالميين، وأخيراً المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الحليفة.
اما على صعيد الشركات المصنعة للاسلحة، فتمارس شركة بوينغ من جهتها جهودا كبيرة لضمان إنجاز الصفقة خصوصا وان انفتاح السعودية على الاسواق الروسية والصينية والفرنسية والالمانية فتحت باب الصراع بين شركات تصنيع الاسلحة على مصراعيه .
وكانت بوينغ قد خسرت عقدا لبيع المملكة 3 طائرات صهريج للتزويد بالوقود جوا لصالح الشركة الاوروبية EADS ما أدخل العملاقين في صراع شرس. وعلى الرغم من ان تكلفة كل طائرة MRTT (MULTI –ROLE TANKER TRANSPORT ) والمعروفة بصهاريج النقل المتعددة الادوار تبلغ 295 مليون دولار اميركي وهو رقم صغير نسبيا في المعايير الجو فضائية العالمية لكنه قرار سعودي لافت بدعم الشركات الاوروبية على حساب الشركات الاميركية ، الامر الذي اعتبر خرقا مهما في منافسات طائرات الصهريج في كل من اميركا وبريطانيا.
لكن الصراع لا يكمن بين الشركات فحسب ، فالمبالغ المطروحة للصفقات المزمع عقدها لا تسيل لعاب شركات فحسب ، بل كفيلة بجعل دول تلهث خلفها .
وتكمن اهمية الصفقة السعودية الاميركية من خلال ارتباطها بنظم تعاون اخرى ببلايين الدولارات، ومنها الحوار الأمني الخليجي ـ الأميركي" gulf security cooperation dialogue وهي جمعية اميركية خليجية تم تأسيسها عام 2006 هدفها البحث في الاحتياجات الامنية وسبل تذليل الضغوطات المضادة لافساح المجال لدول الخليج بالحصول على المعدات الامنية والوصول الى برامج حماية الامن. كما يعمل كآلية لتعزيز التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون فضلاً عن مواجهة التهديدات. وكانت مبادرة الحوار ومنذ انطلاقها قد حركت صفقات الاسلحة الى دول الخليج ، وعليه فإن اي فشل في الصفقة الحالية سيؤثر في مبادرة الحوار الامني هذه القائمة على 20 بليون دولار . كما ان الصفقة مرتبطة ايضا بانظمة C4I Systems (Command Control Communication Computer Intelligence وهي تكنولوجيا المعارك والتي تعتبر اقصى ما تسعى اليه الدول العربية وذلك من خلال ادخال " تكنولوجيا المعركة الرقمية .
يحاول الجيش السعودي الحصول على انظمة القيادة والسيطرة والمعلومات من جيل C41 كونها أحدث اجيال انظمة الاتصالات سواء للجندي او للالية وتتميز بقدرتها على مقاومة التشويش والتنصت كما ان بعضها مزود بالتجهيزات اللازمة لاجراء اتصالات عبر السواتل العسكرية .
وترددت معلومات عن رغبة جدية باقتناء سواتل للاستخدامات العسكرية ، خصوصا تصوير ميادين المعارك بالصورة الحية وما يرتبط بها من التجهيزات الخاصة بجنود المستقبل كأنظمة الاتصالات الفردية الخفيفة التي تتيح للجندي اجراء اتصالات وهو في المعركة بالإضافة الى الملابس والخوذات الخاصة التي تقي الجنود من الرصاص والشظايا. وتتيح هذه المعدات للقيادات معرفة موضع تمركز كل جندي على الخارطة .
كما ان نظام C41 مرتبط بدرع السلام السعودي الذي هو نظام دفاعي جوي متكامل اسمه سي 31 تم تطويره لصالح القوات الجوية السعودية ويتكون النظام من مركز عمليات القيادة في الرياض، وخمسة مراكز قيادة فرعية في الظهران والطائف وتبوك وخميس مشيط والخرج ومراكز عمليات قطاع أخرى في قواعد العمليات الرئيسة. يضم هذا النظام مجموعة من الرادارات التي تتكون من 17 AN/FPS-117s و 28 AN/TPS-43s و 35 AN/TPS-63s بالإضافة إلى RSAF E-3A ، ودفاعات أرضية.
إن جوهر هذا النظام يتكون من 17 AN/FPS -117s حيث يوجد ثلاثة منها في كل مركز تحت سيطرة وتحكم مركز القيادة في خميس مشيط والخرج والظهران والطائف، وخمسة مراكز تحت قيادة تبوك. ويضم النظام كله 164 موقعا وأكثر من 1600 دائرة اتصالات.
وتتضمن شبكة الاتصالات أجهزة راديو بالغة السرية، وشبكة هاتف جوال، ونظم خطوط رؤية ذات موجات قصيرة، وشبكة تلقي وتخزين الرسائل ونظام ألياف ضوئية بعرض واتساع المملكة. كما أن نظام درع السلام أيضا يربط شبكات القوات الأرضية في المملكة والقوات البحرية. ويدمج هذا النظام بين الرادار وآلات الاتصالات مع محطات AMD-44 و محطات HDP-6200 ذات شاشات العرض العملاقة، ونظام حديث لمعالجة البيانات وبرنامج متقدم قائم على نظام الحراسة من أنظمة ثالزريتون. ويتم تحديث هذا النظام باستمرار وفق برنامج صيانة وتطوير مستمر، من أجل توفير شبكة اتصالات عالية السرعة تربط بين جميع القواعد الجوية ومحطات الرادار والتي بدأت العمل في عام 2003.
إن تشغيل نظام درع السلام قد تم على أساس تبادل المعلومات من الحكومة إلى الحكومة باستخدام قسم أنظمة الكترونية مثل ما هو موجود في إدارة القوات الجوية الأميركية. وإن شركة هيوز للطائرات (والمعروفة الآن باسم رايثون) قد حصلت على عقد قيمته 837 مليون دولار أميركي من أجل تنفيذ برنامج درع السلام ( وتكلفة البرنامج الكلية تراوحت بين 1.5 و 2 بليون دولار أميركي). وقد بدأ تنفيذ نظام درع السلام في أواخر عام 1996.
السلاح الروسي.. والصيني
في اطار "تنويع مصادر التسلح " كما جاء على لسان الامير بندر بن سلطان ، كان توقيع صفقة تسلح روسية سعودية في 14 تموز الماضي تم التمهيد لها خلال زيارة ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز الى موسكو في 23-11-2007 . . وتتضمن الصفقة 150 دبابة طراز تي 90 و160 طائرة هليكوبتر وأنظمة دفاع جوي ولا سيما من أحدث طرازين، "سام ــ 300" و"سام ــ 400 مقابل ما يقارب الـ 4 مليارات دولار . ومن المتوقع ان تتصدر "طائرات عمودية للنقل العسكري "أم آي ــ 17" ومروحيات الشحن والقتال "أم آي ــ 35" الاتفاقيات المرتقبة بين البلدين .
اما مشروع دمج منظومات الدفاع الجوي الروسية "س-300" و"س-400" وصواريخ "باتريوت" الأميركية الموجودة في السعودية فيتطلب مزيدا من المحادثات.
صفقة تتجاوز دلالاتها التعاون في مجال التسلح ، فالاهتمام السعودي بالسلاح الروسي في هذه الفترة تحديدا يحمل رسالة مباشرة الى اميركا التي ما تنفك تفرض شروطها على صفقات الاسلحة معها لكنها في الوقت عينه تزود كوريا وسنغافورة باحدث ما تملكه من دون شروط ... كما ان رسائلها السياسية تضيق رقعتها لتصل الى عدد من الاطراف الاقليمية . وبعيدا من اي تفسيرات سياسية للصفقات فان السلاح الروسي الذي وجد طريقه الى المملكة سيكون عامل ضغط أساسي على أميركا وعلى أي صفقات مستقبلية بين البلدين .. ضغوطات حكما ستسقط "الشروط " الاميركية التي لطالما وضعتها على الاسلحة المصدرة الى السعودية .
مروحية الشحن والقتال الروسية "أم آي ــ 35"
المملكة وسعت دائرة اهتماماتها وتعاونها ، بحثت عن البدائل وعقدت الصفقات والتي كان اخرها مع الصين بتاريخ 18 -8 -2008 . وحصلت السعودية من خلال هذه الصفقة على 54 مدفعا ذاتي الحركة من طراز PLZ-45 معياره 155 مم. بالاضافة الى المدافع، تتجهز كل كتيبة من كتيبتي المدفعية ب18 عربة جنزير لشحن الذخائر، و3 عربات قيادة، و3 عربات استطلاعية، ومحطة رادار للارصاد الجوية، ومحطة رادار آلية مضادة للمدفعية وعربات صيانة وتجهيزات فنية مساعدة اخرى.ولكن كلا الطرفين السعودي والصيني لم يعلنا عن قيمة الاتفاقية وموعد تنفيذها.
يذكر ان مدفع PLZ-45 ذاتى الحركة يستخدم هيكل جنزير، ووزنه الاجمالي 33 طنا. ويمكن لهذا المدفع ان يطلق ذخائر من شتى انواعها، منها ذخيرة موجهة ليزريا من صنع روسيا، واقصى مداه 50 كيلومترا. وغزارة نيران هذا المدفع 4 الى 5 ذخائر في كل دقيقة، والعدد التعبوي 30 ذخيرة.
...يتخوف عدد من المحللين من حرب عربية باردة تقودها الدول المصنعة للاسلحة، السعودية من جهتها تسعى الى نقل التكنولوجيا الى عقر دارها وتدريب كوادرها على التطوير والتحديث .ولعل خطوة إنشاء مصنع لتجميع طائرات التايفون في مدينة الطائف تؤكد عزم السعودية تحصين نفسها من شروط الاخرين بحيث تناور داخل الشروط التي ترافق صفقات التسلح لاكتساب "مناعة " داخلية تمكنها من الاعتماد على الذات ضمن اطر من التعاون مع الطرف الاخر في الصفقة .
وفي ما يتعلق بقرار الكونغرس المنتظر ، فان السعودية حسمت قرارها مسبقا رافضة اي معدات تصديرية واي شروط انتقائية فهي تريد كل شيء والا فإن مصير الصفقة .. الالغاء. وعليه فان قرار " كل شيء او لا شيء" من شأنه ليس فقط إلغاء صفقة كاملة ، بل سيترك تداعياته حتما على مشاريع اخرى مرتبطة بشكل او باخر بالسعودية او بمنطقة الخليج .. السوق التي ليس من مصلحة اميركا اغضابها خصوصا في ظل الركود الاقتصادي الذي يجثم فوق صدر الاميركيين مقابل الارباح المهولة التي حققتها دول الخليج نتيجة ارتفاع اسعار النفط .
http://www.elaph.com/Web/Politics/2008/8/359297.htm