القسامي نضال فرحات : المهندس الأول لصواريخ القسام
الذي أرعب الصهاينة ..نال الشهادة و دفِن إلى جانب شقيقه الشهيد
غزة - خاص :
قد يكتب الإنسان و يسترسل في الكتابة عن قصة إنسان أبدع في مجالات الحياة ، أو رجلٍ كانت له مواقفه التي جعلت منه مثلاً يحتذي به و يشار إليه بالبنان ، و قد نحسن الكتابة و نختار من المعاني أمتنها و أقواها و من الألفاظ أعذبها و أحلاها ... و لكن عندما نكتب عن سيرة شهيد أو مجاهد فإن اللسان يعجز عن التعبير و يجف مداد القلم و تنغلق شرايين العقل خجلاً و حياء من ذاك الرجل ، فكيف الأمر إذا أردنا الكتابة عن شهيدٍ عشق الجهاد و تغنّى بالشهادة ، أحب حياة الخنادق و ظلمة الليل البهيم ، كره النومة الهادئة و الفراش الوثير ، بحث عن الشهادة و أصبح في عداد الشهداء قبل أن يستشهد ، حمل هم إخوانه و دعوته و كان بمثابة الدرع الحامي لحركته ، إنه الشهيد القائد نضال فتحي فرحات "أبو عماد" أحد القادة الميدانيين لكتائب القسام و المهندس الأول لصواريخ القسام و رفيق درب القادة القساميين بدءاً من عماد عقل و محمد الضيف و عبد الرحمن حمدان و إبراهيم سلامة و مروراً بالقادة عوض سلمي و زاهر و ياسين نصار و انتهاء بالشيخ المجاهد القائد العام صلاح شحادة .
نضال ... إن كان من حلم له فهو أن يرى صواريخ القسام تتهاوى على المجدل و تل أبيب و كافة المدن الصهيونية ، و إن كان هناك هًمٌ يحمله ذاك الشاب الطموح الواثق بنصر الله فهو هم الدعوة و كيفية تطوير طرق العمل الجهادي و توفير قطعة سلاحٍ لكلّ شاب ملتزم في صفوف حركته المجاهدة حماس .....
حينما تقابله و إن كانت هذه المقابلة تحدث لأول مرة فإنك ستشعر أنك أمام إنسان لا يعرف الوهن و الضعف إليه سبيلاً ، عيناه البراقتان و إن كانتا تحويان كلّ معاني العطف و المحبة إلا أنهما تفيضان بالعزم و الإصرار .... قوامه الممشوق يدل على الأنفة و العزة التي يتحلّى بها ذاك القائد ، أما بياض وجهه فهو كبياض قلبه الواسع لإخوانه و كلّ من عرفه ، ناهيك عن ابتسامته العريضة التي لا تفارق وجهه حتى في أشد الكربات ، أما روح الدعابة و الضحك مع إخوانه فهي حاضرة في كلّ وقت و كل مكان ....
32 عاماً عاشها الشهيد القسامي القائد نضال فرحات ، شعر و كأنها ثلاثة قرون من شدة شوقه للشهادة و الاستشهاد من أجل اللحاق بقائده و أستاذه القائد عماد عقل "أسطورة الجهاد و المقاومة في فلسطين" ، خاصة و أنه هو من دفنه في المقبرة الشرقية في 24/11/1993 ، فمنذ ذلك التاريخ و روح نضال معلّقة إلى ذلك المكان حيث يوجد جثمان الأحبة ، عماد و شقيقه الأصغر (محمد) بطل عملية اقتحام مغتصبة "عتصمونا" في آذار 2002 و التي أسفرت عن مقتل تسع صهاينة و إصابة العشرات بحسب اعتراف العدو الصهيوني ، فقد جهّز قبره بنفسه و دفع ثمنه و أوصى ألا يدفن إلا بجانب شقيقه محمد .
نضال القائد ولِد و عاش في أسرة ينطبق عليها قوله تبارك و تعالى "منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر" .. فهو لم و لن يكون المجاهد الأول في عائلته فإخوانه موزّعون ما بين شهيد و أسير و مجاهد ، محمد ... سقط شهيداً و هو يدافع عن شرف الأمة و يقاتل من أجل رفع راية لا إله إلا الله ، وسام ... يقضي زهرة عمره و ريعان شبابه في الزنازين و خلف القضبان بعد أن كان من السباقين إلى نقل العمل الجهادي إلى الضفة الغربية ، فقد ألقِيَ القبض عليه داخل شاحنة مفخّخة في مدينة بئر السبع عام 1995 ، أما مؤمن ذاك الشاب الهادي الوديع فهو يسهر على راحة و أمن قادة هذه الأمة حيث يعمل مرافقاً شخصياً للشيخ المجاهد أحمد ياسين ، أما بقية العائلة فهي ما بين شقيقٍ آخر أصيب في يده و بترت أصابعه نتيجة انفجار قنبلة ، و أم مؤمنة صابرة أصيبت أيضاً في يدها و استحقت بجدارة أن تنال لقب "خنساء فلسطين" بعد أنجبت الشهيد و الجريح و الأسير .
لذلك لا غرابة أن نجد نضال الذي عاش وسط هذه الأسرة المؤمنة يأبى إلا أن يتذوّق حلاوة الجهاد و أن يعيش بين أزيز الرصاص و صوت المدافع و صفير الصواريخ ، و شعاره الوحيد "هذا سبيلي إن صدقت محبتي فاحمل سلاحي" ........
ميلاد الفارس :
في الثامن من نيسان لعام 1971م كانت الحاجة (مريم فرحات) تضع مولودها الأول الذي اسمته نضال ، و لم تكن تدريأ نضال سيقود هذا "النضال" ضد المحتلين الغزاة حيث طبّق اسمه على أرض الواقع فيما بعد و أصبح أحد كبار المطلوبين لقوات الاحتلال الصهيوني بتهمة تصنيع و تطوير ما كان الحصول عليه بمثابة حلم للفلسطينيين ، ألا و هي الصواريخ .
في هذا اليوم المشهود ولد شهيدنا المجاهد نضال فتحي رباح فرحات ، و نشأ في أسرة ملتزمة بشرع الله راضية بقضائه تبارك و تعالى .. تربى و منذ نعومة أظفاره في طريق الحق طريق المساجد ، فمنذ أن وعى على هذه الدنيا و قلبه يحب فلسطين و التضحية في سبيل الله عز و جل ثم من أجل تحرير ثرى فلسطين الطاهر . نشأ في أحضان الشباب المسلم التواق للجهاد في سبيل الله و الشهادة من أجله كان يحافظ على دروس العلم و التعلّم و خاصة جلسات تلاوة القرآن الكريم مع كثير من أصدقائه .
التحق نضال بالمدرسة و كان في المرحلتين الابتدائية و الإعدادية هادئاً جداً لم يظهر عليه نشاطه المشهود ، و كان مؤدباً خلوقاً لم يؤذِ أحداً من الناس حتى أحبه من عرفه و من سمع عنه .
من حماس للقسام :
ابتدأ رحلته الإسلامية المعروفة منذ عام 1988م ، أي في انتفاضة المساجد الأولى التي اندلعت عام 1987م .. ففي هذه الفترة تعرّف على العشرات من الشباب المسلم شباب المساجد حيث طلبت أمه منه الانخراط مع الشباب المسلم و الذهاب معهم أنّا ذهبوا فكان لها ما طلبت و التزم نضال في مسجد اإصلاح بحي الشجاعية و الذي يشهد له بأنه خرّج جيلاً جهادياً متميزاً ، و أصبح من أنشط و أبرز شباب المسجد يصاحب الجميع و يضحك مع الجميع حتى أصبح أحد أبناء حركة المقاومة الإسلامية حماس في تلك الفترة و كان يتميّز منذ صغره بالذكاء و الفطنة التي منحها إياه الله تعالى .
شارك نضال بقوة في فعاليات الانتفاضة الأولى و كل من عرفه أكد أنه كان كالأسد الهصور في المواجهات ، اعتقلته قوات الاحتلال الصهيوني خمس مرات قضاها بين إخوانه و أحبابه في السجون الظالمة ، كان من بينهم الشهيد المجاهد رفيق دربه "أيمن مهنا" ، الاعتقال الأخير كان بعد استشهاد القائد عماد عقل في بيته بأسابيع حيث اقتحم الجيش الصهيوني منزل والده و قاموا بتحطيم و تدمير الأثاث و المنزل و كلّ ما طالته أيديهم و حوكِم عليه لمدة ثلاث سنوات بتهمة الانتماء لحركة المقاومة الإسلامية حماس و حيازة أسلحة و إيواء مطلوبين كان من أبرزهم القائد عماد عقل .
بعد الإفراج عنه تزوّج نضال من أختٍ كريمة من عائلة الشيخ خليل من الشجاعية ليصبح أباً لخمسة أبناء (ولد يدعى عماد نسبةً إلى قائده و أستاذه الشهيد عماد عقل – أبو حسين - و أربعة بنات) .
نضال .. الحضن الدافئ للقساميين :
بيت نضال و أهله و خلال الانتفاضة الأولى و ما بعدها لم يكن كأيّ بيت من البيوت الفلسطينية ، بل كان شعلة و علَماً بارزاً في مجال العمل الجهادي .. ففي الوقت الذي كان يخشى فيه الكثيرين من أبناء شعبنا من إيواء أي مطلوب أو تخزين أي رصاصة كان منزل أبو نضال فرحات مأوى و حضناً دافئاً للأبطال مطاردي كتائب القسام الذين استشهد بعضهم و اعتقل البعض الآخر ، حيث كانوا ينامون فيه و ينطلقون منه للعمل الجهادي خلال الانتفاضة الأولى و كان نضال هو المسئول عن إيوائهم و نقلهم و توفير البيوت الآمنة و السيارات و عمل في فترة من الفترات سائقاً شخصياً للقائد عماد عقل - رحمه الله - الذي تعلّق ببيت نضال و أهله و كان لا يستطيع أن يغيب عنهم لقترة طويلة . و عاش نضال خلال هذه الفترة مع أغلب مطاردي كتائب القسام و قادتها و هو ما جعل نضال على خبرة و دراية في المجالات العسكرية المتعدّدة و التي ظهرت نتائجها فيما بعد ، بعد أن أصبح عضواً في الكتائب و أحد قادتها و أبرز مطارديها في القطاع .
غير أن نضال لم يعجبه أن يقتصر دوره على المساعدة و الإيواء فكان أن ألحّ على القائد عماد عقل أن ينضم إلى الكتائب و يخرج لتنفيذ عمليات إلا أن عماد - رحمه الله - رفض ذلك و قال له : "إن دوركم الآن يعتبر أعظم ممن ينفّذ العمل الجهادي و يجب أن تبقى حتى توفّر المكان الآمن للمجاهدين" .
و أمام إصرار القائد نضال - رحمه الله - على ممارسة العمل الجهادي فقد تم الاتفاق على أن يقوم نضال بتنفيذ عملية على الخط الشرقي لحي الشجاعية و ذلك في العام 1993 و كانت هي بمثابة العملية الأولى التي يخرج نضال لتنفيذها و رافقه فيها القائد عوض سلمي - رحمه الله - الذي رصد له المكان ، حيث كان التخطيط أن يقوم نضال بقيادة شاحنة كبيرة تم إيجادها بطريقة ما ثم الاصطدام بسيارة مدنية كانت تقل مستوطنين و تم التجهيز للعملية و خرج الإثنان لتنفيذها و حاول نضال أن يصدم السيارة إلا أن السائق الصهيوني كان مستيقظاً و انحرف عن المسار و لم تصدمه السيارة فانسحب الإثنان و رعاية الله تحيطهم .
كما قام الشهيد نضال بالتخطيط لشنّ هجوم بمفرده على جنديين كانا يخرجان لرمي القمامة من سجن أنصار 2 في غزة حيث استلّ سلاحه من نوع كلاشينكوف و حمل مسدسه و انتظر الجنديان لفترة من الزمن إلا أنهما لم يأتيا كما كان في العادة .
مشوار مستمر في انتفاضة الأقصى :
و مع بداية انتفاضة الأقصى واصل نضال مشواره الجهادي فترك عمله و تفرّغ للعمل الجهادي و انخرط مع إخوانه القساميين في مواجهة قوات الاحتلال و كان دائماً يخرج إلى أماكن وجود الجيش الصهيوني و الطرق التي يسلكها و خاصة الخط الشرقي لرصد الأهداف و الدوريات الصهيونية و زرع العبوات الناسفة ، حيث نفّذ القائد - رحمه الله – و برفقة مجموعة من إخوانه المجاهدين من بينهم الشهيد القائد القسامي أيمن مهنا هجوماً بالأسلحة الرشاشة على سيارة ترانزيت تقل مجموعة من الصهاينة بالقرب من معبر ناحال العوز شرقي حي الشجاعية و ذلك مع بداية الانتفاضة ، كما نفّذ عملية زرع عبوة ناسفة لدورية صهيونية في نفس المنطقة ، و يروي أحد المجاهدين أن عناية الله وحده و يقظة القائد القسامي نضال أنقذتهم من موتٍ محقق حيث خرجت المجموعة لزرع عبوة ناسفة لإحدى الدبابات الصهيونية على طريق كارني نتساريم و ذلك خلال شهر رمضان المبارك من العام الأول للانتفاضة ، و ما إن وصلت المجموعة إلى المكان و همّوا بالتقدم نحو الطريق الذي تسلكه الدوريات الصهيونية لزرع العبوة ، أخذ القائد يتفقّد المكان بواسطة منظار و لاحظ أن هناك بيتاً و على مقربة منهم و عليه بعض الخيام الخاصة بالجيش الصهيوني و لم يكن أحد في المنطقة يعلم أن هذا البيت كان محتلاً من الجيش و قد أقاموا فوقه نقطة مراقبة ، حتى أن الراصد للعملية لم ينتبه لها ، و على الفور أعطى نضال أمراً لأفراد المجموعة بالانسحاب من المنطقة نظراً للخطر المحيط بهم ، و في اللحظة التي استعد المجاهدون للانسحاب فيها بدأ الجيش الصهيوني بإطلاق النار عليهم من فوق البيت و بواسطة دبابة تقدّمت في المكان حيث كانت مختبأة ، و كانت عناية الله تحيط بالمجاهدين و غادروا المنطقة في السيارة التي كان يقودها الشهيد أيمن منها .
و أكّد العديد من مجاهدي القسام أن نضال - رحمه الله - كان دائم البحث عن أهداف صهيونية لتنفيذ عمليات ضدها و كان الأمر لا يقتصر على منطقة غزة وحدها بل توجّه إلى بيت حانون و بيت لاهيا و معبر أيريز و كان يخطّط لخطف جندي من المعبر ، كما رصد عدة أهداف في منطقة دير البلح و البريج و المغازي و ذلك بمساعدة مجموعات الرصد التي جنّدها القائد القسامي في كلّ المناطق من القطاع .
من الهاون للقسام .. مسيرة مستمرة :
و مع إعلان الكتائب عن امتلاكها لمدافع الهاون و إطلاقها عشرات القذائف على المغتصبات الصهيونية كان نضال من أبرز مطلقي قذائف الهاون و قد شارك في عشرات عمليات إطلاق قذائف الهاون على المستوطنات برفقة مجاهدي القسام ، و في إحدى المرات قصفت دبابة صهيونية سيارة مجموعة من الكتائب أثناء عملية إطلاق هاون بالقرب من مقبرة الشهداء شرق غزة فاستشهد المجاهد عبد الحكيم المناعمة - رحمه الله – و اتصل بقية القساميين على نضال - رحمه الله - الذي توجّه فوراً إلى المكان و أنقذ المجموعة بسيارته .
و مع استمرار انتفاضة الأقصى و في ظلّ قلة الأهداف العسكرية الصهيونية و التحصينات العسكرية التي يتخذها الصهاينة أثناء تنقلهم في القطاع ، كان الهم الأول و الأخير لنضال هو كيفية تطوير العمل العسكري للكتائب و إيجاد طرق بديلة للطرق التقليدية في مواجهة المحتل و التي انحصرت في الهجمات بالأسلحة الرشاشة و القنابل اليدوية و زرع العبوات الناسفة فترك عمله حيث كان يعمل مرافقاً خاصاً للشيخ أحمد ياسين و قام و بمساعدات كبيرة من إخوانه المجاهدين و برعاية من قيادة الكتائب بالتفكير في صناعة صاروخ ، و وصل نضال الليل بالنهار و عمل على توفير المواد اللازمة و استعان بالخبراء من مهندسين و كيميائيين و خبراء متفجّرات من أجل إنجاح فكرة الصاروخ و إيجاده على أرض الواقع .
و توثيقاً للقول الذي يقول إن نضال كان طموحاً لتطوير الإمكانيات العسكرية للكتائب فلا بد من الإشارة إلى أن نضال هو أول من صنع صاروخاً في فلسطين قاطبة ليدخل بهذا الشرف العظيم الذي حباه إياه الله تبارك و تعالى باب العزة و الكرامة ، باب الجهاد و المقاومة .
و تقول أم نضال فرحات تلك الأم الصابرة المحتسبة أمرها عند الله تبارك و تعالى : "لقد جاءني نضال في يوم من الأيام و هو لم يخفِ عني أسراره أبداً جاءني مسروراً سروراً لم أشهده من قبل على وجه نضال ، و قال (يا أمي لقد أكرمني الله بصناعة الصاروخ الأول في فلسطين) ، فاستغربت كثيراً" ، و الحديث لأم الشهيد فرحات .. و تقول : "إني حملت هذا الصاروخ و حمدت الله تعالى على هذا الإنجاز العظيم و قرأت عليه آيات من القرآن الكريم عل الله تبارك و تعالى يبارك في هذه الجهود الجبارة التي يبذلها أبناء كتائب القسام ثم دعوت الله له و لإخوانه من أبناء القسام بالتوفيق و السداد و أن يسدّد الله خطاهم نحو النصر و التمكين" .
مع القائد العام :
يؤكّد أحد مجاهدي القسام أن الشهيد نضال حمل الصاروخ الأول و ذهب فرحاً بهذا الإنجاز إلى القائد المعلم الشهيد إن شاء الله الشيخ صلاح شحادة و قال له (يا شيخ لقد اخترعت صاروخاً) ، فتبسّم الشيخ صلاح مستغرباً و قال له (ماذا تقول يا نضال) ، ففتح كيساً و أخرج منه الصاروخ و ركبه أمام الشيخ صلاح فأعجب الشيخ صلاح بهذا الإنجاز الكبير و كان قد وعد الشيخ صلاح بتطوير هذا الصاروخ حتى رأيناه مطوّراً في قسام 2 ، مع العلم أن القائد شحادة كان يحب نضال كثيراً و يقدّره" ...
و جاء الإعلان القسامي عن تصنيع صواريخ القسام 1 و قرّت أعين الفلسطينيين جميعاً و هم يرون القائد القسامي نضال على شاشات التلفزة يعلن عن إطلاق صوارخ القسام 1 على المغتصبات الصهيونية في القطاع ، حيث ظهر نضال ملثماً و إخوانه من حوله و أعلن عن إطلاق أول صاروخ قسام و عندما أطلق الصاروخ الأول لكتائب القسام أثار خوفاً و فزعاً كبيراً في الأوساط الصهيونية ، و فيما بعد استمرت عمليات إطلاق الصواريخ و كان أبو عماد يصر على أن يكون على رأس المجموعات القسامية التي تطلق الصواريخ ، و في خطٍ موازٍ كان يتابع الأمور في الخفاء و يعمل على تطوير قسام 1 و يستعين بالخبراء من هنا و هناك و كان أن شارك في كلّ عمليات تجاربإط الصواريخ من طراز قسام 2 و يرفض إلا أن يكون مع مطلقي هذه الصواريخ ، و يسجّل لنضال أن أول من ابتكر الحشوة الدافعة لصواريخ القسام بمساعدة من خبراء التطوير و المتفجرات في الكتائب ، و يروى أنه وقعت حادثة طريفة مع القائد نضال في بداية معرفتهم بالحشوة الدافعة للصواريخ ، فقد كان يجهّز الحشوة في بيته على الطابق الثاني و بعد أن تم تجهيزها و "طبخها" أخذ قطعة صغيرة و أراد أن يختبرها فأشعل فيها النار دون أن يعلم أنها ستشتعل فاشتعلت فجأة و ملأت المكان دخاناً أبيضاً و كثيفاً و أخرجت صوتاً عالياً فاعتقد نضال أن المكان سينفجِر فألقى بنفسه من الطابق الثاني و بقي ممسكاً بالحائط و معلّقاً في الهواء إلى أن انطفأت النار و رجع ثانية إلى المكان.
و قد شارك القائد نضال في معظم عمليات قصف المستوطنات الصهيونية بقسام واحد و قسام اثنين و كان من أبرز هذه العمليات قصف مدينة أجدروت بخمسة صواريخ من طراز قسام 2 و التي سقطت في إحدى المنازل الصهيونية و أدّت إلى إصابة خمسة صهاينة ، و كذلك سقوط 3 صواريخ في أحد المصانع و إصابة ثلاثة صهاينة ، و استمر نضال كذلك حتى أمره الشهيد القائد صلاح شحادة بعدم الخروج في عمليات إطلاق القسام خوفاً عليه و قال له : "ابق أنت و من معك متفرّغاً للتطوير و صناعة الصواريخ و هناك العشرات ممن تتلمذوا على يديك سيكلّفون بذلك" .
و يذكر أن نضال له باع كبير في تصنيع المواد المتفجرة و العمل الدائم على تطوير هذه المواد المعقدة ، و كثيراً ما أصيب بحروقٍ في يديه و جسده جراء استخدام المواد الكيماوية و العمل على تطويرها ، و قد نظّم نضال العشرات في صفوف كتائب القسام و كان يحرِص أشد الحرص على توفير قطعة سلاح لكلّ شاب من شباب حماس و عرف عنه مهارته في صناعة و تجميع القنابل اليدوية ، و أشرف بنفسه على إرسال العديد من الاستشهاديين و كان منهم أخوه الشهيد المجاهد محمد فرحات الذي اقتحم مغتصبة عتصمونا حيث استمر نضال و مجموعة من القساميين في التحضير و الرصد و الإعداد لعملية شقيقه محمد لمدة أكثر من ستة أشهر و حين اكتملت كلّ الأمور المتعلقة بالعملية تم تسليمها لقيادة الكتائب لمتابعتها و استطاع القسّامي محمد بفضل الله قتل ما يزيد عن سبعة صهاينة باعتراف العدو و جرح العشرات ، و قد أشرف شهيدنا نضال بنفسه على تجهيز شقيقه محمد للعملية في بداية الأمر ثم تركه لمجموعة أخرى من المجاهدين و كان يقول لأمه : "أريد أن أضمن أن أخي شهيد في الجنة" و شجّعته أمه في ذلك .
مواقف لا تنسى :
المواقف المميزة في حياة المجاهدين أكثر من أن تحصى و لكن نضال كان معروفاً عنه أنه لا ينام كثيراً و كان دائماً يبحث عن خبراء للمساعدة في تصنيع العديد من الأسلحة النوعية التي تميز نضال بها و أنه كان دائماً يبحث عن النقود للارتقاء بالعمل العسكري .. و لا بد الإشارة إلى أن نضال - رحمه الله و أسكنه فسيح جناته - كان بنفسه يصنّع المتفجرات أي لا يترك غيره يصنع و هو بعيد بل كان وسط المصنعين .
و في لفتة جميلة في حياة القائد نضال فرحات تذكر أمه أن نضالاً كان يقبّل أيدي شباب القسام الذين يفجّرون الدبابات ، و تذكر أمه أيضاً أن نضال قال للاستشهادي أحمد اسليم منفّذ عملية كوسوفيم الاستشهادية (خذ يا أحمد هذه (البلوزة) و البسها و اشتبك مع الصهاينة و أنت تلبسها حتى تسبقني إلى الجنة) ، كما أعطاه قنبلة يدوية من قنابله الخاصة و طلب من الاستشهادي أحمد أيضاً أن يلقي هذه القنبلة اليدوية أول قنبلة خلال الاشتباك حتى يناله الأجر و الثواب و تشفع له ، و كان نضال قد أشرف على العديد من العمليات الاستشهادية بنفسه .
تحدّي و إصرار :
و قد منعت أجهزة السلطة الفلسطينية نضال في العديد من المرات من إطلاق الصواريخ و لكنه كان يصرّ دائماً على إطلاقها أمام أفراد أجهزة السلطة و كان لا يهتم بمخبريهم و عملائهم المنتشرين في الشوارع ، و في إحدى المرات أصدر أحد أجهزة أمن السلطة مذكرة اعتقال بحقّ الشهيد نضال و علم نضال أن أحد أفراد الأمن الوقائي القريبين من بيته مكلّف بمراقبة تحرّكاته و الإبلاغ عنه و إعداد مخطّط لاعتقاله فكان أن استقل نضال سيارته و ذهب بمفرده إلى بيت هذه الشخص و أخرجه من بيته و قال له : "لو رأيتك مرة قريباً من منزلي أو في المنطقة المحيطة كلها لن تراك الشمس فيما بعد" ، حينها أخذ عضو الوقائي يتودّد له و يقول إنه عبد مأمور .
و مع كلّ اجتياحٍ صهيوني لمدن و مخيمات القطاع كان فارسنا القساميّ يبحث له عن مكانٍ في هذه المواجهة الضارية و كان يشدّ حزامه عند سمع نبأ اجتياح قوات الاحتلال لأيّ من الأماكن القريبة من وجوده حيث كان يتصدّى هو و إخوانه في القسام لأرتال الدبابات الصهيونية التي تحاول دخول مدننا الصامدة و قد انتقل أكثر من مرة و برفقة مجموعته المجاهدة من مدينة غزة إلى بيت حانون حينما كان يأتيه خبر اجتياح القوات الصهيونية لها و ذلك للدفاع عنها و مقاومة القوات الغازية.
رفيق درب القادة القساميين :
و قد عرف عن نضال - رحمه الله - أنه رفيق درب القادة القساميين ، فبالإضافة إلى مصاحبته و معايشته لمعظم مطاردي و شهداء كتائب القسام في الانتفاضة الأولى أمثال القادة عماد عقل و محمد الضيف و عدنان الغول و عبد الرحمن حمدان و إبراهيم عاشور و حسن سلامة و إبراهيم سلامة و رائد الحلاق و محمد دخان و منذر الدهشان و محمد صيام و حاتم وادي و خليل السكني و غيرهم ، فقد كانت علاقاته واسعة و مع الجميع و كانت تربطه علاقة قوية مع القائد عوض سلمي - رحمه الله – ، و يذكر أنه في الليلة التي استشهد عوض فيها كان على موعدٍ بعد صلاة العشاء للقاء نضال في بيته فانتظر نضال عوض كثيراً و أخذ يتصل على جوّاله و جهاز الميرتس الخاص به غير أنه لم يتلقّ أي ردّ و ازداد قلقه و خوفه عليه و قد كان يعلم أنه خرج لزرع عبوة ناسفة ، إلى أن جاء نبأ استشهاد عوض في صباح اليوم الثاني .
كما كانت علاقته مستمرة مع القائد ياسين نصار و الذي كان يشرِف على عمليات التطوير و التصنيع لصواريخ القسام و القنابل اليدوية و غيرها و كان الشهيد ياسين نصار يصر على الخروج مع نضال و مجموعته في كلّ عملية تجريبٍ لصاروخ ليرى بأم عينه و يعاين الخلل ، أما علاقته مع القائد زاهر نصار فقد كانت لا تنقطع ، فقد كان زاهر - رحمه الله - هو المسئول عن تطوير صواعق الصواريخ و القنابل و الأنيرجا و كان مسئولاً عن مجموعة تصنيع الصواريخ و الذين استشهدوا جميعاً في انفجار حي الصبرة ، و بالتنسيق مع نضال - رحمه الله - الذي كان مكلّفاً بإحضار المواد الخام و تحضير الحشوات الدافعة .
تطوّر نوعي :
و قبل استشهاده بعدة أيام تحدّث الشهيد نضال مع أمه في نقلة نوعية في عمل المقاومة القسامية و هو استخدام الطائرة ذات المحرّك لضرب أهداف صهيونية تستهدف المدن و السكان الصهاينة المحتلين لأرضنا سواء في مدننا المحتلة أو في المغتصبات داخل القطاع ، و قال لأمه إن هذه الطائرة تحمل 20 كيلوجراماً من المتفجرات يتم تحريكها عبر رموت كنترول فوق المغتصبة المستهدفة و إلقاء هذه المتفجرات ثم العودة إلى مكان الانطلاق و وعد أمه بتطوير هذه الطائرة حتى استشهد - رحمه الله تعالى – و هو يحمل هذا الحلم ليسخّره في ضرب الاحتلال و إيقاع أكبر خسائر ممكنة بأقلّ تكاليف و أقل خسارة .
خنساء فلسطين تتحدث :
و تقول أم الشهيد نضال فرحات إن حياة نضال في الأسبوع الأخير تغيرت كثيراً و كأنه يشعر بأن موعده مع الشهادة اقترب، و تقول إن نضال كان يبكي كثيراً و يقول (يا أمي أريد أن أضمن الجنة) ، و كرّر هذه المقولة مراراً .
و استكمالاً لمشوار الأم الصابرة تقول أم الشهيدين فرحات : "و الله لقد تقبّلت خبر استشهاد ابني نضال – و هو شهيدها الثاني بعد محمد - بالزغاريد و التكبير و التهليل و حمدت الله كثيراً على هذه الأمنية التي تحقّقت لابني نضال الذي طلب الشهادة من كلّ قلبه" .. و تقول : "إن هذه الحياة هي ألذ حياة يعيشها الإنسان المؤمن بالله عز و جل و هو يرى نفسه يقدّم أغلى ما يملك من أجل ابتغاء مرضاةِ الله تبارك و تعالى ، فالحمد لله الذي منحني هذا الصبر العظيم" .
الاستشهاد :
عصر يوم الأحد 16/2/2003 تسلّم نضال الجزء الثاني من طائرة صغيرة ضمن استعدادات الكتائب لتطوير عملياتها ضد قوات الاحتلال و انطلق إلى منزلٍ يقع في حي الزيتون بمدينة غزة .
و بحسب مصادر مطلعة فقد تسلّم نضال الجزء الأول من الطائرة قبل فترة بسلام من قبل مورّد للسلاح داخل فلسطين المحتلة عام 48 ، رغم الشكوك التي ساورت نضال حول مورد الطائرة نتيجة أحداثٍ سابقة ، لكنه مضى بسيارته لفحصها و وصل إلى منزل في حي الزيتون و تصادف وجود مجموعتين من كتائب القسام في نفس المكان ، رفض نضال كلّ محاولات إخوانه السماح لهم بفحصها قبله لكن القائد أبى إلا فحصها بنفسه ، و بحسب مقربين منه فقد كان يجمع قطع الطائرة وفقاً لإرشادات مرسّلها على الهاتف النقال الذي شدّد عليه أنه يجب عليه هو أن يقوم بتجميعها .. اطمأن نضال إلى الطائرة قليلاً و اقترب إخوانه المجاهدين منه ، فقد كانوا فرحين بها لدرجة أنها ألهتهم عن الإجراءات الوقائية المتبعة عادة في مثل هذه القضايا ، في هذه الأثناء كانت طائرة مراقبة صهيونية تجوب سماء المنطقة .
لحظات و حدث الانفجار بفعل عبوة ناسفة متطوّرة زرعت فيها يبدو أنها تلقّت إشارات من الطائرة و أودى الانفجار بحياة كلّ من القائد نضال فتحي فرحات من حي الشجاعية و القائد أكرم فهمي نصار من حي الزيتون و القائد أيمن إبراهيم مهنا من حي الشيخ رضوان من قادة كتائب القسام و محمد إسماعيل سلمي و مفيد عوض البل و إياد فرج شلدان و جميعهم من حيّ الزيتون .
مورد السلاح الذي ساعد في جريمة الاغتيال تعرفه قلة من قيادة كتائب القسام و بالتأكيد لن يفلت من العقاب القسامي و قبلهم عقاب من لا يغفل و لا ينام ، فقد اعتدى على أحد من جاهدوا لرفع لوائه و دينه و تحرير المقدسات الإسلامية .
و حمّل الرنتيسي العدو الصهيوني و وزير جيشها الإرهابي شاؤول موفاز مسئولية اغتيال القساميين الستة ، و انتقد أيّ لقاءات مع شارون تجري في هذه الأوقات مشدّداً أنه لا يجوز الالتقاء معه بينما يغتال أبناء شعبنا ليل نهار ، و مشدّداً أن حماس ستنتقم لدماء شهدائها .
و أصدرت كتائب الشهيد عز الدين القسام بياناً نعت فيه كوكبة الشهداء الذين قضوا نحبهم غدراً في عملية اغتيال مدبّرة .
الذي أرعب الصهاينة ..نال الشهادة و دفِن إلى جانب شقيقه الشهيد
غزة - خاص :
قد يكتب الإنسان و يسترسل في الكتابة عن قصة إنسان أبدع في مجالات الحياة ، أو رجلٍ كانت له مواقفه التي جعلت منه مثلاً يحتذي به و يشار إليه بالبنان ، و قد نحسن الكتابة و نختار من المعاني أمتنها و أقواها و من الألفاظ أعذبها و أحلاها ... و لكن عندما نكتب عن سيرة شهيد أو مجاهد فإن اللسان يعجز عن التعبير و يجف مداد القلم و تنغلق شرايين العقل خجلاً و حياء من ذاك الرجل ، فكيف الأمر إذا أردنا الكتابة عن شهيدٍ عشق الجهاد و تغنّى بالشهادة ، أحب حياة الخنادق و ظلمة الليل البهيم ، كره النومة الهادئة و الفراش الوثير ، بحث عن الشهادة و أصبح في عداد الشهداء قبل أن يستشهد ، حمل هم إخوانه و دعوته و كان بمثابة الدرع الحامي لحركته ، إنه الشهيد القائد نضال فتحي فرحات "أبو عماد" أحد القادة الميدانيين لكتائب القسام و المهندس الأول لصواريخ القسام و رفيق درب القادة القساميين بدءاً من عماد عقل و محمد الضيف و عبد الرحمن حمدان و إبراهيم سلامة و مروراً بالقادة عوض سلمي و زاهر و ياسين نصار و انتهاء بالشيخ المجاهد القائد العام صلاح شحادة .
نضال ... إن كان من حلم له فهو أن يرى صواريخ القسام تتهاوى على المجدل و تل أبيب و كافة المدن الصهيونية ، و إن كان هناك هًمٌ يحمله ذاك الشاب الطموح الواثق بنصر الله فهو هم الدعوة و كيفية تطوير طرق العمل الجهادي و توفير قطعة سلاحٍ لكلّ شاب ملتزم في صفوف حركته المجاهدة حماس .....
حينما تقابله و إن كانت هذه المقابلة تحدث لأول مرة فإنك ستشعر أنك أمام إنسان لا يعرف الوهن و الضعف إليه سبيلاً ، عيناه البراقتان و إن كانتا تحويان كلّ معاني العطف و المحبة إلا أنهما تفيضان بالعزم و الإصرار .... قوامه الممشوق يدل على الأنفة و العزة التي يتحلّى بها ذاك القائد ، أما بياض وجهه فهو كبياض قلبه الواسع لإخوانه و كلّ من عرفه ، ناهيك عن ابتسامته العريضة التي لا تفارق وجهه حتى في أشد الكربات ، أما روح الدعابة و الضحك مع إخوانه فهي حاضرة في كلّ وقت و كل مكان ....
32 عاماً عاشها الشهيد القسامي القائد نضال فرحات ، شعر و كأنها ثلاثة قرون من شدة شوقه للشهادة و الاستشهاد من أجل اللحاق بقائده و أستاذه القائد عماد عقل "أسطورة الجهاد و المقاومة في فلسطين" ، خاصة و أنه هو من دفنه في المقبرة الشرقية في 24/11/1993 ، فمنذ ذلك التاريخ و روح نضال معلّقة إلى ذلك المكان حيث يوجد جثمان الأحبة ، عماد و شقيقه الأصغر (محمد) بطل عملية اقتحام مغتصبة "عتصمونا" في آذار 2002 و التي أسفرت عن مقتل تسع صهاينة و إصابة العشرات بحسب اعتراف العدو الصهيوني ، فقد جهّز قبره بنفسه و دفع ثمنه و أوصى ألا يدفن إلا بجانب شقيقه محمد .
نضال القائد ولِد و عاش في أسرة ينطبق عليها قوله تبارك و تعالى "منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر" .. فهو لم و لن يكون المجاهد الأول في عائلته فإخوانه موزّعون ما بين شهيد و أسير و مجاهد ، محمد ... سقط شهيداً و هو يدافع عن شرف الأمة و يقاتل من أجل رفع راية لا إله إلا الله ، وسام ... يقضي زهرة عمره و ريعان شبابه في الزنازين و خلف القضبان بعد أن كان من السباقين إلى نقل العمل الجهادي إلى الضفة الغربية ، فقد ألقِيَ القبض عليه داخل شاحنة مفخّخة في مدينة بئر السبع عام 1995 ، أما مؤمن ذاك الشاب الهادي الوديع فهو يسهر على راحة و أمن قادة هذه الأمة حيث يعمل مرافقاً شخصياً للشيخ المجاهد أحمد ياسين ، أما بقية العائلة فهي ما بين شقيقٍ آخر أصيب في يده و بترت أصابعه نتيجة انفجار قنبلة ، و أم مؤمنة صابرة أصيبت أيضاً في يدها و استحقت بجدارة أن تنال لقب "خنساء فلسطين" بعد أنجبت الشهيد و الجريح و الأسير .
لذلك لا غرابة أن نجد نضال الذي عاش وسط هذه الأسرة المؤمنة يأبى إلا أن يتذوّق حلاوة الجهاد و أن يعيش بين أزيز الرصاص و صوت المدافع و صفير الصواريخ ، و شعاره الوحيد "هذا سبيلي إن صدقت محبتي فاحمل سلاحي" ........
ميلاد الفارس :
في الثامن من نيسان لعام 1971م كانت الحاجة (مريم فرحات) تضع مولودها الأول الذي اسمته نضال ، و لم تكن تدريأ نضال سيقود هذا "النضال" ضد المحتلين الغزاة حيث طبّق اسمه على أرض الواقع فيما بعد و أصبح أحد كبار المطلوبين لقوات الاحتلال الصهيوني بتهمة تصنيع و تطوير ما كان الحصول عليه بمثابة حلم للفلسطينيين ، ألا و هي الصواريخ .
في هذا اليوم المشهود ولد شهيدنا المجاهد نضال فتحي رباح فرحات ، و نشأ في أسرة ملتزمة بشرع الله راضية بقضائه تبارك و تعالى .. تربى و منذ نعومة أظفاره في طريق الحق طريق المساجد ، فمنذ أن وعى على هذه الدنيا و قلبه يحب فلسطين و التضحية في سبيل الله عز و جل ثم من أجل تحرير ثرى فلسطين الطاهر . نشأ في أحضان الشباب المسلم التواق للجهاد في سبيل الله و الشهادة من أجله كان يحافظ على دروس العلم و التعلّم و خاصة جلسات تلاوة القرآن الكريم مع كثير من أصدقائه .
التحق نضال بالمدرسة و كان في المرحلتين الابتدائية و الإعدادية هادئاً جداً لم يظهر عليه نشاطه المشهود ، و كان مؤدباً خلوقاً لم يؤذِ أحداً من الناس حتى أحبه من عرفه و من سمع عنه .
من حماس للقسام :
ابتدأ رحلته الإسلامية المعروفة منذ عام 1988م ، أي في انتفاضة المساجد الأولى التي اندلعت عام 1987م .. ففي هذه الفترة تعرّف على العشرات من الشباب المسلم شباب المساجد حيث طلبت أمه منه الانخراط مع الشباب المسلم و الذهاب معهم أنّا ذهبوا فكان لها ما طلبت و التزم نضال في مسجد اإصلاح بحي الشجاعية و الذي يشهد له بأنه خرّج جيلاً جهادياً متميزاً ، و أصبح من أنشط و أبرز شباب المسجد يصاحب الجميع و يضحك مع الجميع حتى أصبح أحد أبناء حركة المقاومة الإسلامية حماس في تلك الفترة و كان يتميّز منذ صغره بالذكاء و الفطنة التي منحها إياه الله تعالى .
شارك نضال بقوة في فعاليات الانتفاضة الأولى و كل من عرفه أكد أنه كان كالأسد الهصور في المواجهات ، اعتقلته قوات الاحتلال الصهيوني خمس مرات قضاها بين إخوانه و أحبابه في السجون الظالمة ، كان من بينهم الشهيد المجاهد رفيق دربه "أيمن مهنا" ، الاعتقال الأخير كان بعد استشهاد القائد عماد عقل في بيته بأسابيع حيث اقتحم الجيش الصهيوني منزل والده و قاموا بتحطيم و تدمير الأثاث و المنزل و كلّ ما طالته أيديهم و حوكِم عليه لمدة ثلاث سنوات بتهمة الانتماء لحركة المقاومة الإسلامية حماس و حيازة أسلحة و إيواء مطلوبين كان من أبرزهم القائد عماد عقل .
بعد الإفراج عنه تزوّج نضال من أختٍ كريمة من عائلة الشيخ خليل من الشجاعية ليصبح أباً لخمسة أبناء (ولد يدعى عماد نسبةً إلى قائده و أستاذه الشهيد عماد عقل – أبو حسين - و أربعة بنات) .
نضال .. الحضن الدافئ للقساميين :
بيت نضال و أهله و خلال الانتفاضة الأولى و ما بعدها لم يكن كأيّ بيت من البيوت الفلسطينية ، بل كان شعلة و علَماً بارزاً في مجال العمل الجهادي .. ففي الوقت الذي كان يخشى فيه الكثيرين من أبناء شعبنا من إيواء أي مطلوب أو تخزين أي رصاصة كان منزل أبو نضال فرحات مأوى و حضناً دافئاً للأبطال مطاردي كتائب القسام الذين استشهد بعضهم و اعتقل البعض الآخر ، حيث كانوا ينامون فيه و ينطلقون منه للعمل الجهادي خلال الانتفاضة الأولى و كان نضال هو المسئول عن إيوائهم و نقلهم و توفير البيوت الآمنة و السيارات و عمل في فترة من الفترات سائقاً شخصياً للقائد عماد عقل - رحمه الله - الذي تعلّق ببيت نضال و أهله و كان لا يستطيع أن يغيب عنهم لقترة طويلة . و عاش نضال خلال هذه الفترة مع أغلب مطاردي كتائب القسام و قادتها و هو ما جعل نضال على خبرة و دراية في المجالات العسكرية المتعدّدة و التي ظهرت نتائجها فيما بعد ، بعد أن أصبح عضواً في الكتائب و أحد قادتها و أبرز مطارديها في القطاع .
غير أن نضال لم يعجبه أن يقتصر دوره على المساعدة و الإيواء فكان أن ألحّ على القائد عماد عقل أن ينضم إلى الكتائب و يخرج لتنفيذ عمليات إلا أن عماد - رحمه الله - رفض ذلك و قال له : "إن دوركم الآن يعتبر أعظم ممن ينفّذ العمل الجهادي و يجب أن تبقى حتى توفّر المكان الآمن للمجاهدين" .
و أمام إصرار القائد نضال - رحمه الله - على ممارسة العمل الجهادي فقد تم الاتفاق على أن يقوم نضال بتنفيذ عملية على الخط الشرقي لحي الشجاعية و ذلك في العام 1993 و كانت هي بمثابة العملية الأولى التي يخرج نضال لتنفيذها و رافقه فيها القائد عوض سلمي - رحمه الله - الذي رصد له المكان ، حيث كان التخطيط أن يقوم نضال بقيادة شاحنة كبيرة تم إيجادها بطريقة ما ثم الاصطدام بسيارة مدنية كانت تقل مستوطنين و تم التجهيز للعملية و خرج الإثنان لتنفيذها و حاول نضال أن يصدم السيارة إلا أن السائق الصهيوني كان مستيقظاً و انحرف عن المسار و لم تصدمه السيارة فانسحب الإثنان و رعاية الله تحيطهم .
كما قام الشهيد نضال بالتخطيط لشنّ هجوم بمفرده على جنديين كانا يخرجان لرمي القمامة من سجن أنصار 2 في غزة حيث استلّ سلاحه من نوع كلاشينكوف و حمل مسدسه و انتظر الجنديان لفترة من الزمن إلا أنهما لم يأتيا كما كان في العادة .
مشوار مستمر في انتفاضة الأقصى :
و مع بداية انتفاضة الأقصى واصل نضال مشواره الجهادي فترك عمله و تفرّغ للعمل الجهادي و انخرط مع إخوانه القساميين في مواجهة قوات الاحتلال و كان دائماً يخرج إلى أماكن وجود الجيش الصهيوني و الطرق التي يسلكها و خاصة الخط الشرقي لرصد الأهداف و الدوريات الصهيونية و زرع العبوات الناسفة ، حيث نفّذ القائد - رحمه الله – و برفقة مجموعة من إخوانه المجاهدين من بينهم الشهيد القائد القسامي أيمن مهنا هجوماً بالأسلحة الرشاشة على سيارة ترانزيت تقل مجموعة من الصهاينة بالقرب من معبر ناحال العوز شرقي حي الشجاعية و ذلك مع بداية الانتفاضة ، كما نفّذ عملية زرع عبوة ناسفة لدورية صهيونية في نفس المنطقة ، و يروي أحد المجاهدين أن عناية الله وحده و يقظة القائد القسامي نضال أنقذتهم من موتٍ محقق حيث خرجت المجموعة لزرع عبوة ناسفة لإحدى الدبابات الصهيونية على طريق كارني نتساريم و ذلك خلال شهر رمضان المبارك من العام الأول للانتفاضة ، و ما إن وصلت المجموعة إلى المكان و همّوا بالتقدم نحو الطريق الذي تسلكه الدوريات الصهيونية لزرع العبوة ، أخذ القائد يتفقّد المكان بواسطة منظار و لاحظ أن هناك بيتاً و على مقربة منهم و عليه بعض الخيام الخاصة بالجيش الصهيوني و لم يكن أحد في المنطقة يعلم أن هذا البيت كان محتلاً من الجيش و قد أقاموا فوقه نقطة مراقبة ، حتى أن الراصد للعملية لم ينتبه لها ، و على الفور أعطى نضال أمراً لأفراد المجموعة بالانسحاب من المنطقة نظراً للخطر المحيط بهم ، و في اللحظة التي استعد المجاهدون للانسحاب فيها بدأ الجيش الصهيوني بإطلاق النار عليهم من فوق البيت و بواسطة دبابة تقدّمت في المكان حيث كانت مختبأة ، و كانت عناية الله تحيط بالمجاهدين و غادروا المنطقة في السيارة التي كان يقودها الشهيد أيمن منها .
و أكّد العديد من مجاهدي القسام أن نضال - رحمه الله - كان دائم البحث عن أهداف صهيونية لتنفيذ عمليات ضدها و كان الأمر لا يقتصر على منطقة غزة وحدها بل توجّه إلى بيت حانون و بيت لاهيا و معبر أيريز و كان يخطّط لخطف جندي من المعبر ، كما رصد عدة أهداف في منطقة دير البلح و البريج و المغازي و ذلك بمساعدة مجموعات الرصد التي جنّدها القائد القسامي في كلّ المناطق من القطاع .
من الهاون للقسام .. مسيرة مستمرة :
و مع إعلان الكتائب عن امتلاكها لمدافع الهاون و إطلاقها عشرات القذائف على المغتصبات الصهيونية كان نضال من أبرز مطلقي قذائف الهاون و قد شارك في عشرات عمليات إطلاق قذائف الهاون على المستوطنات برفقة مجاهدي القسام ، و في إحدى المرات قصفت دبابة صهيونية سيارة مجموعة من الكتائب أثناء عملية إطلاق هاون بالقرب من مقبرة الشهداء شرق غزة فاستشهد المجاهد عبد الحكيم المناعمة - رحمه الله – و اتصل بقية القساميين على نضال - رحمه الله - الذي توجّه فوراً إلى المكان و أنقذ المجموعة بسيارته .
و مع استمرار انتفاضة الأقصى و في ظلّ قلة الأهداف العسكرية الصهيونية و التحصينات العسكرية التي يتخذها الصهاينة أثناء تنقلهم في القطاع ، كان الهم الأول و الأخير لنضال هو كيفية تطوير العمل العسكري للكتائب و إيجاد طرق بديلة للطرق التقليدية في مواجهة المحتل و التي انحصرت في الهجمات بالأسلحة الرشاشة و القنابل اليدوية و زرع العبوات الناسفة فترك عمله حيث كان يعمل مرافقاً خاصاً للشيخ أحمد ياسين و قام و بمساعدات كبيرة من إخوانه المجاهدين و برعاية من قيادة الكتائب بالتفكير في صناعة صاروخ ، و وصل نضال الليل بالنهار و عمل على توفير المواد اللازمة و استعان بالخبراء من مهندسين و كيميائيين و خبراء متفجّرات من أجل إنجاح فكرة الصاروخ و إيجاده على أرض الواقع .
و توثيقاً للقول الذي يقول إن نضال كان طموحاً لتطوير الإمكانيات العسكرية للكتائب فلا بد من الإشارة إلى أن نضال هو أول من صنع صاروخاً في فلسطين قاطبة ليدخل بهذا الشرف العظيم الذي حباه إياه الله تبارك و تعالى باب العزة و الكرامة ، باب الجهاد و المقاومة .
و تقول أم نضال فرحات تلك الأم الصابرة المحتسبة أمرها عند الله تبارك و تعالى : "لقد جاءني نضال في يوم من الأيام و هو لم يخفِ عني أسراره أبداً جاءني مسروراً سروراً لم أشهده من قبل على وجه نضال ، و قال (يا أمي لقد أكرمني الله بصناعة الصاروخ الأول في فلسطين) ، فاستغربت كثيراً" ، و الحديث لأم الشهيد فرحات .. و تقول : "إني حملت هذا الصاروخ و حمدت الله تعالى على هذا الإنجاز العظيم و قرأت عليه آيات من القرآن الكريم عل الله تبارك و تعالى يبارك في هذه الجهود الجبارة التي يبذلها أبناء كتائب القسام ثم دعوت الله له و لإخوانه من أبناء القسام بالتوفيق و السداد و أن يسدّد الله خطاهم نحو النصر و التمكين" .
مع القائد العام :
يؤكّد أحد مجاهدي القسام أن الشهيد نضال حمل الصاروخ الأول و ذهب فرحاً بهذا الإنجاز إلى القائد المعلم الشهيد إن شاء الله الشيخ صلاح شحادة و قال له (يا شيخ لقد اخترعت صاروخاً) ، فتبسّم الشيخ صلاح مستغرباً و قال له (ماذا تقول يا نضال) ، ففتح كيساً و أخرج منه الصاروخ و ركبه أمام الشيخ صلاح فأعجب الشيخ صلاح بهذا الإنجاز الكبير و كان قد وعد الشيخ صلاح بتطوير هذا الصاروخ حتى رأيناه مطوّراً في قسام 2 ، مع العلم أن القائد شحادة كان يحب نضال كثيراً و يقدّره" ...
و جاء الإعلان القسامي عن تصنيع صواريخ القسام 1 و قرّت أعين الفلسطينيين جميعاً و هم يرون القائد القسامي نضال على شاشات التلفزة يعلن عن إطلاق صوارخ القسام 1 على المغتصبات الصهيونية في القطاع ، حيث ظهر نضال ملثماً و إخوانه من حوله و أعلن عن إطلاق أول صاروخ قسام و عندما أطلق الصاروخ الأول لكتائب القسام أثار خوفاً و فزعاً كبيراً في الأوساط الصهيونية ، و فيما بعد استمرت عمليات إطلاق الصواريخ و كان أبو عماد يصر على أن يكون على رأس المجموعات القسامية التي تطلق الصواريخ ، و في خطٍ موازٍ كان يتابع الأمور في الخفاء و يعمل على تطوير قسام 1 و يستعين بالخبراء من هنا و هناك و كان أن شارك في كلّ عمليات تجاربإط الصواريخ من طراز قسام 2 و يرفض إلا أن يكون مع مطلقي هذه الصواريخ ، و يسجّل لنضال أن أول من ابتكر الحشوة الدافعة لصواريخ القسام بمساعدة من خبراء التطوير و المتفجرات في الكتائب ، و يروى أنه وقعت حادثة طريفة مع القائد نضال في بداية معرفتهم بالحشوة الدافعة للصواريخ ، فقد كان يجهّز الحشوة في بيته على الطابق الثاني و بعد أن تم تجهيزها و "طبخها" أخذ قطعة صغيرة و أراد أن يختبرها فأشعل فيها النار دون أن يعلم أنها ستشتعل فاشتعلت فجأة و ملأت المكان دخاناً أبيضاً و كثيفاً و أخرجت صوتاً عالياً فاعتقد نضال أن المكان سينفجِر فألقى بنفسه من الطابق الثاني و بقي ممسكاً بالحائط و معلّقاً في الهواء إلى أن انطفأت النار و رجع ثانية إلى المكان.
و قد شارك القائد نضال في معظم عمليات قصف المستوطنات الصهيونية بقسام واحد و قسام اثنين و كان من أبرز هذه العمليات قصف مدينة أجدروت بخمسة صواريخ من طراز قسام 2 و التي سقطت في إحدى المنازل الصهيونية و أدّت إلى إصابة خمسة صهاينة ، و كذلك سقوط 3 صواريخ في أحد المصانع و إصابة ثلاثة صهاينة ، و استمر نضال كذلك حتى أمره الشهيد القائد صلاح شحادة بعدم الخروج في عمليات إطلاق القسام خوفاً عليه و قال له : "ابق أنت و من معك متفرّغاً للتطوير و صناعة الصواريخ و هناك العشرات ممن تتلمذوا على يديك سيكلّفون بذلك" .
و يذكر أن نضال له باع كبير في تصنيع المواد المتفجرة و العمل الدائم على تطوير هذه المواد المعقدة ، و كثيراً ما أصيب بحروقٍ في يديه و جسده جراء استخدام المواد الكيماوية و العمل على تطويرها ، و قد نظّم نضال العشرات في صفوف كتائب القسام و كان يحرِص أشد الحرص على توفير قطعة سلاح لكلّ شاب من شباب حماس و عرف عنه مهارته في صناعة و تجميع القنابل اليدوية ، و أشرف بنفسه على إرسال العديد من الاستشهاديين و كان منهم أخوه الشهيد المجاهد محمد فرحات الذي اقتحم مغتصبة عتصمونا حيث استمر نضال و مجموعة من القساميين في التحضير و الرصد و الإعداد لعملية شقيقه محمد لمدة أكثر من ستة أشهر و حين اكتملت كلّ الأمور المتعلقة بالعملية تم تسليمها لقيادة الكتائب لمتابعتها و استطاع القسّامي محمد بفضل الله قتل ما يزيد عن سبعة صهاينة باعتراف العدو و جرح العشرات ، و قد أشرف شهيدنا نضال بنفسه على تجهيز شقيقه محمد للعملية في بداية الأمر ثم تركه لمجموعة أخرى من المجاهدين و كان يقول لأمه : "أريد أن أضمن أن أخي شهيد في الجنة" و شجّعته أمه في ذلك .
مواقف لا تنسى :
المواقف المميزة في حياة المجاهدين أكثر من أن تحصى و لكن نضال كان معروفاً عنه أنه لا ينام كثيراً و كان دائماً يبحث عن خبراء للمساعدة في تصنيع العديد من الأسلحة النوعية التي تميز نضال بها و أنه كان دائماً يبحث عن النقود للارتقاء بالعمل العسكري .. و لا بد الإشارة إلى أن نضال - رحمه الله و أسكنه فسيح جناته - كان بنفسه يصنّع المتفجرات أي لا يترك غيره يصنع و هو بعيد بل كان وسط المصنعين .
و في لفتة جميلة في حياة القائد نضال فرحات تذكر أمه أن نضالاً كان يقبّل أيدي شباب القسام الذين يفجّرون الدبابات ، و تذكر أمه أيضاً أن نضال قال للاستشهادي أحمد اسليم منفّذ عملية كوسوفيم الاستشهادية (خذ يا أحمد هذه (البلوزة) و البسها و اشتبك مع الصهاينة و أنت تلبسها حتى تسبقني إلى الجنة) ، كما أعطاه قنبلة يدوية من قنابله الخاصة و طلب من الاستشهادي أحمد أيضاً أن يلقي هذه القنبلة اليدوية أول قنبلة خلال الاشتباك حتى يناله الأجر و الثواب و تشفع له ، و كان نضال قد أشرف على العديد من العمليات الاستشهادية بنفسه .
تحدّي و إصرار :
و قد منعت أجهزة السلطة الفلسطينية نضال في العديد من المرات من إطلاق الصواريخ و لكنه كان يصرّ دائماً على إطلاقها أمام أفراد أجهزة السلطة و كان لا يهتم بمخبريهم و عملائهم المنتشرين في الشوارع ، و في إحدى المرات أصدر أحد أجهزة أمن السلطة مذكرة اعتقال بحقّ الشهيد نضال و علم نضال أن أحد أفراد الأمن الوقائي القريبين من بيته مكلّف بمراقبة تحرّكاته و الإبلاغ عنه و إعداد مخطّط لاعتقاله فكان أن استقل نضال سيارته و ذهب بمفرده إلى بيت هذه الشخص و أخرجه من بيته و قال له : "لو رأيتك مرة قريباً من منزلي أو في المنطقة المحيطة كلها لن تراك الشمس فيما بعد" ، حينها أخذ عضو الوقائي يتودّد له و يقول إنه عبد مأمور .
و مع كلّ اجتياحٍ صهيوني لمدن و مخيمات القطاع كان فارسنا القساميّ يبحث له عن مكانٍ في هذه المواجهة الضارية و كان يشدّ حزامه عند سمع نبأ اجتياح قوات الاحتلال لأيّ من الأماكن القريبة من وجوده حيث كان يتصدّى هو و إخوانه في القسام لأرتال الدبابات الصهيونية التي تحاول دخول مدننا الصامدة و قد انتقل أكثر من مرة و برفقة مجموعته المجاهدة من مدينة غزة إلى بيت حانون حينما كان يأتيه خبر اجتياح القوات الصهيونية لها و ذلك للدفاع عنها و مقاومة القوات الغازية.
رفيق درب القادة القساميين :
و قد عرف عن نضال - رحمه الله - أنه رفيق درب القادة القساميين ، فبالإضافة إلى مصاحبته و معايشته لمعظم مطاردي و شهداء كتائب القسام في الانتفاضة الأولى أمثال القادة عماد عقل و محمد الضيف و عدنان الغول و عبد الرحمن حمدان و إبراهيم عاشور و حسن سلامة و إبراهيم سلامة و رائد الحلاق و محمد دخان و منذر الدهشان و محمد صيام و حاتم وادي و خليل السكني و غيرهم ، فقد كانت علاقاته واسعة و مع الجميع و كانت تربطه علاقة قوية مع القائد عوض سلمي - رحمه الله – ، و يذكر أنه في الليلة التي استشهد عوض فيها كان على موعدٍ بعد صلاة العشاء للقاء نضال في بيته فانتظر نضال عوض كثيراً و أخذ يتصل على جوّاله و جهاز الميرتس الخاص به غير أنه لم يتلقّ أي ردّ و ازداد قلقه و خوفه عليه و قد كان يعلم أنه خرج لزرع عبوة ناسفة ، إلى أن جاء نبأ استشهاد عوض في صباح اليوم الثاني .
كما كانت علاقته مستمرة مع القائد ياسين نصار و الذي كان يشرِف على عمليات التطوير و التصنيع لصواريخ القسام و القنابل اليدوية و غيرها و كان الشهيد ياسين نصار يصر على الخروج مع نضال و مجموعته في كلّ عملية تجريبٍ لصاروخ ليرى بأم عينه و يعاين الخلل ، أما علاقته مع القائد زاهر نصار فقد كانت لا تنقطع ، فقد كان زاهر - رحمه الله - هو المسئول عن تطوير صواعق الصواريخ و القنابل و الأنيرجا و كان مسئولاً عن مجموعة تصنيع الصواريخ و الذين استشهدوا جميعاً في انفجار حي الصبرة ، و بالتنسيق مع نضال - رحمه الله - الذي كان مكلّفاً بإحضار المواد الخام و تحضير الحشوات الدافعة .
تطوّر نوعي :
و قبل استشهاده بعدة أيام تحدّث الشهيد نضال مع أمه في نقلة نوعية في عمل المقاومة القسامية و هو استخدام الطائرة ذات المحرّك لضرب أهداف صهيونية تستهدف المدن و السكان الصهاينة المحتلين لأرضنا سواء في مدننا المحتلة أو في المغتصبات داخل القطاع ، و قال لأمه إن هذه الطائرة تحمل 20 كيلوجراماً من المتفجرات يتم تحريكها عبر رموت كنترول فوق المغتصبة المستهدفة و إلقاء هذه المتفجرات ثم العودة إلى مكان الانطلاق و وعد أمه بتطوير هذه الطائرة حتى استشهد - رحمه الله تعالى – و هو يحمل هذا الحلم ليسخّره في ضرب الاحتلال و إيقاع أكبر خسائر ممكنة بأقلّ تكاليف و أقل خسارة .
خنساء فلسطين تتحدث :
و تقول أم الشهيد نضال فرحات إن حياة نضال في الأسبوع الأخير تغيرت كثيراً و كأنه يشعر بأن موعده مع الشهادة اقترب، و تقول إن نضال كان يبكي كثيراً و يقول (يا أمي أريد أن أضمن الجنة) ، و كرّر هذه المقولة مراراً .
و استكمالاً لمشوار الأم الصابرة تقول أم الشهيدين فرحات : "و الله لقد تقبّلت خبر استشهاد ابني نضال – و هو شهيدها الثاني بعد محمد - بالزغاريد و التكبير و التهليل و حمدت الله كثيراً على هذه الأمنية التي تحقّقت لابني نضال الذي طلب الشهادة من كلّ قلبه" .. و تقول : "إن هذه الحياة هي ألذ حياة يعيشها الإنسان المؤمن بالله عز و جل و هو يرى نفسه يقدّم أغلى ما يملك من أجل ابتغاء مرضاةِ الله تبارك و تعالى ، فالحمد لله الذي منحني هذا الصبر العظيم" .
الاستشهاد :
عصر يوم الأحد 16/2/2003 تسلّم نضال الجزء الثاني من طائرة صغيرة ضمن استعدادات الكتائب لتطوير عملياتها ضد قوات الاحتلال و انطلق إلى منزلٍ يقع في حي الزيتون بمدينة غزة .
و بحسب مصادر مطلعة فقد تسلّم نضال الجزء الأول من الطائرة قبل فترة بسلام من قبل مورّد للسلاح داخل فلسطين المحتلة عام 48 ، رغم الشكوك التي ساورت نضال حول مورد الطائرة نتيجة أحداثٍ سابقة ، لكنه مضى بسيارته لفحصها و وصل إلى منزل في حي الزيتون و تصادف وجود مجموعتين من كتائب القسام في نفس المكان ، رفض نضال كلّ محاولات إخوانه السماح لهم بفحصها قبله لكن القائد أبى إلا فحصها بنفسه ، و بحسب مقربين منه فقد كان يجمع قطع الطائرة وفقاً لإرشادات مرسّلها على الهاتف النقال الذي شدّد عليه أنه يجب عليه هو أن يقوم بتجميعها .. اطمأن نضال إلى الطائرة قليلاً و اقترب إخوانه المجاهدين منه ، فقد كانوا فرحين بها لدرجة أنها ألهتهم عن الإجراءات الوقائية المتبعة عادة في مثل هذه القضايا ، في هذه الأثناء كانت طائرة مراقبة صهيونية تجوب سماء المنطقة .
لحظات و حدث الانفجار بفعل عبوة ناسفة متطوّرة زرعت فيها يبدو أنها تلقّت إشارات من الطائرة و أودى الانفجار بحياة كلّ من القائد نضال فتحي فرحات من حي الشجاعية و القائد أكرم فهمي نصار من حي الزيتون و القائد أيمن إبراهيم مهنا من حي الشيخ رضوان من قادة كتائب القسام و محمد إسماعيل سلمي و مفيد عوض البل و إياد فرج شلدان و جميعهم من حيّ الزيتون .
مورد السلاح الذي ساعد في جريمة الاغتيال تعرفه قلة من قيادة كتائب القسام و بالتأكيد لن يفلت من العقاب القسامي و قبلهم عقاب من لا يغفل و لا ينام ، فقد اعتدى على أحد من جاهدوا لرفع لوائه و دينه و تحرير المقدسات الإسلامية .
و حمّل الرنتيسي العدو الصهيوني و وزير جيشها الإرهابي شاؤول موفاز مسئولية اغتيال القساميين الستة ، و انتقد أيّ لقاءات مع شارون تجري في هذه الأوقات مشدّداً أنه لا يجوز الالتقاء معه بينما يغتال أبناء شعبنا ليل نهار ، و مشدّداً أن حماس ستنتقم لدماء شهدائها .
و أصدرت كتائب الشهيد عز الدين القسام بياناً نعت فيه كوكبة الشهداء الذين قضوا نحبهم غدراً في عملية اغتيال مدبّرة .