السلام عليكم
في هذا الموضوع الجديد سأتطرق الى قوة عسكرية بصمت تاريخ المغرب العسكري السياسي و التاريخي منذ القرن السابع عشر
انه جيش (عبيد البخاري) الذي يعتبر بمثابة انكشارية المغرب
يعود تأسيس هذا الجيش الى السلطان المغربي مولاي اسماعيل رحمه الله الذي اراد ان يكون له جيش محترف يكون ولائه للدولة اولا و اخيرا تماما مثل الانكشارية على اعتبار ان الجيش النظامي كان يعاني من الولاءات القبلية.. وقبل ان نشير الى كيفية التأسيس وكيف اهتدى السلطان الى هاته الفكرة يتوجب علينا الاشارة الى ان السلطان مولاي اسماعيل رحمه الله كان له الفضل في تقوية المغرب و استعادة عدد كبير من سواحل المغرب المحتلة .. كما انه استعاد السيطرة على اجزاء واسعة من الامبراطورية المغربية مثل شنقيط (موريتانيا حاليا)..كما انه اعلى شأن المغرب بين الامم خصوصا بعد التناحر الذي شهده المغرب على السلطة مما دفع بالبلد الى اتون حروب اهلية.
اعتلى السلطان مولاي اسماعيل رحمه الله العرش سنة 1672 بعد وفاة اخيه المولى رشيد في حادثة (الفرس) الشهيرة (التي قد تكون مدبرة) ..حيث قال جملته الشهيرة و هو يحتضر (يامن لا يزول ملكه .. عبدك الرشيد زال ملكه).. وحينما اعتلى اسماعيل العرش كان شابا ذكيا و بما انه كان له تكوين عسكري فقد كانت له دراية كبيرة بالمستجدات العسكرية في الدولة العثمانية و الدول الاوروبية .. فأدرك منذ البداية ان احوال المغرب لن تنصلح الا بوجود قوة عسكرية ولاءها الوحيد للمغرب ..
وقد كان منبهرا بتجربة الانكشارية التركية وكذالك بتجربة (الحرس الاسود) الذي كان قد اقامه السلطان المغربي احمد المنصور الذهبي بعد فتحه لمالي و النيجر عام 1592..وكان من العجيب ان احد ابناء قادة الجيش المغربي انذاك وهو صديق السلطان كان قد اتطلع على الامر واسمه عمر بن قاسم المراكشي ..فاخبره هذا الاخير بانه يملك كناشا مسجلة فيه اسماء جميع الجنود الذين كانو يشكلون قوام قوة (الحرس السود) باسمائهم ومحل سكناتهم .. فأوعز اليه السلطان بجمع ما تبقى منهم من القادرين على الخدمة و لكون الغالبية الساحقة منهم كانت عبيدا فقد امره بمطالبة القبائل المغربية بتسليم من كان من نسلهم للدولة ..
وهكذا فقد سار عمر بن قاسم المراكشي في مراكش و احوازها لجمع العبيد السود والاحرار السود كذالك ورغم ما لاقاه من مشاكل الا انه استطاع في ظرف سنة من جمع 3000 من الذكور و الاناث
v محور بلاد الهبط : بقيادة ابا الحسين علي بن عبد الله الريفي، وصل عددهم 8000 فردا ؛
v محور قبائل الغرب وبني حسن: بقيادة عبد الله محمد بن العياشي، عددهم 2000 عنصرا؛
v محور قبائل تامسنا ودكالة، وصل عددهم إلى 4000 عنصرا.
وقد تم تقسيم جيش البخاري إلى ثلاثة أقسام :
• عبيد خالصي الرقبة : وهم العبيد الذين وجدوا في دفتر عمر بن قاسم المراكشي ، أي بقايا العهد السعدي، واشترتهم الدولة من أصحابهم؛
• العبيد الأحرار : هم الذين حرروا وثم إدماجهم في الجندية إدراجا إجباريا، كما عرفوا بالحر الثاني؛
• العبيد الأحرار خالصي الحرية: وقد اختير هؤلاء للونهم، وكان عدد منهم من الأفارقة الذين يسكنون المغرب، ولا يكونون عصبية داخلية ولا يتميزون بنزعة إقليمية.
بعد أن نجح السلطان مولاي إسماعيل في جمع عدد كبير من العبيد والإماء وبلغ عددهم في البداية حوالي أربعة عشر ألفا وزعهم على مناطق مهمة خاصة بمشرع الرملة الذي كان يوجد على وادي تفلت في جنوب سيدي يحيى، وكذلك بقصبة إدخسان بالمنطقة الشمالية، وقد ارتفع هذا العدد بسبب السياسة التناسلية التي أمر بها السلطان للرفع من عناصرها؛ كما أضيف لهم عدد من الحراطين الذين جلبهم السلطان مولاي إسماعيل خلال حملته على بلاد شنكيط عام 1678، قدر عددهم بـ 2000 فردا، كما أ، القوافل التجارية التي كانت تذهب إلى السودان عبر التوات وغينيا، وتجلب معها العديد من السود، وقد وصل عدد عبيد البخاري في نهاية العقد الثالث من القرن الثامن عشر إلى مائة وخمسين ألف فرد، وقد خضع أفراد هذا الجيش الفتي إلى تنظيم محكم وتكوين مستمر يمكن أن نشبهه بأكاديمية عسكرية متخصصة، في إنتاج العسكر، وتربيتهم تربية عسكرية محضة تأهلهم للانخراط في سلك الجندية بصفة مباشرة.
لقد عمل السلطان مولاي إسماعيل على الوقوف بنفسه على تكوين هذا الجيش الجديد حيث حرص على الاعتناء به وتنظيمه وفق إستراتيجية محكمة وإتباع خطط عسكرية دقيقة، ليتمكن الجندي من الانضباط والتأقلم مع أي وضعية أثناء الحرب والسلم.
ويستشف من النصوص التاريخية أن عملية التكوين تنطلق بالأساس من خلال برنامج علمي يبدأ بشروط الانضمام إلى الأكاديمية الحربية الإسماعيلية إذا جاز لنا تسميتها بذلك، نظرا لتوفر شروط التكوين المستمر ويخضع كذلك لترتيبات لوجيستية تنطلق من اختيار مكان ومدة ومناهج وبرامج التكوين، كما يضع الأسس النظرية التي يجب تلقينها لأولئك الجنود، حتى يحقق السلطان مولاي إسماعيل الأهداف التي رسمها وينجز مشروعه الكبير والمتمثل في توحيد البلاد وضمان أمنها واستقرارها واسترجاع هيبتها بتحرير ثغورها المحتلة.
ففيما يخص مسألة التنظيم، فإن شروط القبول بسلك الجندية؛ يتطلب من المرشح أن لا يقل عمره عن عشر سنوات، وأن يكون أسود اللون، والقبول مفتوح في وجه الذكور والإناث. بينما يخصص مكان التدريب فبالنسبة للذكور تقام في الحوانيت والملاعب أو المعسكرات، وبالنسبة للإناث في القصور السلطانية. وفيما يخص مدة التكوين والتدريب فتمتد ستة سنوات وتم تقسيمها إلى مرحلتين بالنسبة للذكور:
فالمرحلة الأولى تمتد لمدة 3 سنوات، يحصل فيها الفرد عل الثقافة العامة، ومعلومات تعلق بالشؤون الحربية؛ كما أن المرحلة الثانية تمتد بدورها 3 سنوات، وتخص حياة الجندية.
أما مناهج التدريب والتكوين فيمكن أجمالها هي كذلك في مرحلتين أساسيتين:
المرحلة الأولى من التدريب تقام بحوانيت البناء والنجارة والحدادة، وحرف أخرى وتقسم على الشكل التالي : السنة الأولى : يتم فيها تعلم قيادة الدواب؛ السنة الثانية : التدرب على سوق البغال المحملة بالآجر والزليج والخشب؛ السنة الثالثة : التدرب على الجندية مع القيام بأعمال البناء بصنع ألواح الطابية (القالب أو التابوت). أما المرحلة الثانية فبدورها تمتد 3 سنوات، وتخص حياة الجندية : ففي السنة الرابعة : يتم فيها توزيع الملابس والسلاح على المتدربين قصد التمرين على الفنون الحربية؛ وفي السنة الخامسة : تدفع لهم الخيول بدون سروج لجرها في الميدان والتدرب على ركوبها؛ بينما في السنة السادسة والأخيرة : فيتم التدرب على ركوب الخيل بالسروج وتعلم فنون الحرب من كر وفر، والتدرب على الرماية والطعن من فوق صهوات الخيل.
لقد كان السلطان مولاي إسماعيل؛ حسب روايات المؤرخين؛ يسهر بنفسه على تكوين وتدريب جيش البخاري واستعراض المشاة والفرسان، بعد تكوينهم حتى يتسنى له معرفة قدراتهم القتالية، فيخضعهم لخططه العسكرية التي كانت تعتمد على إستراتيجية الهجوم والمناوشة، والمباغتة بواسطة فرق المشاة والفرسان، الذين كانوا يتقنون الحرب الهجومية بفعالية أكبر، حيث اتسم ذلك الجيش بحاسة حربية دقيقة ومهارة واحترافية في قيادة الهجمات ونصب الكمائن وإتقان مسألة الحصار وفكه، واستعمال مختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة من المجانيق والمهاريس والمدافع والكور واستخدام أحدث تقنيات وآلات الحصار.
لم يقتصر التكوين والتدريب جيش البخاري على المجال التطبيقي فحسب، بل سهر السلطان مولاي إسماعيل على استكمال تكوين أفراد جيشه، تكوينا نظريا يتماشى مع ما يصبو إليه من شحذ وذلك من خلال تربية هؤلاء الجند على تربية نظرية ترتكز على مطالعة كتب التاريخ والقصص منها على وجه الخصوص : سيرة عنترة بن شداد وألف ليلة وليلة ، لاستلهام العبر من هذه القصص خاصة في ما فيها من خدع حربية وطرق الكر والفر وكيفية الهجوم، إذ : درج السلطان [السلطان مولاي إسماعيل] على أن يوزع على كبار عسكره سير الأبطال، وأخبار المعارك، ويحضهم على مزاولة مطالعتها، ناظرا في ذلك ... إلى أن يكون عسكره على معرفة متنوعة بمكايد الحروب، والكر والفر، وتدبير نزول الجيوش، والأخذ بالأحوط في ذلك، وكيفية الهجوم، وافتتاح المحاربة، وعقد الصلح، والمهادنة، وترتيب الشروط، وتعلم الإقدام والمخاطرة، وإدراك المراتب والمزايا. (عبد الرحمان الفاسي، منتخبات من نواذر المخطوطات، مطبعة فضالة، المحمدية، 1978، ص. 17). .
وبعد تكوين وتدريب وتخرج مختلف المكونات وتقسيمها إلى فرق ومجموعات، وتحديد مهامها، عمد السلطان مولاي إسماعيل على إضفاء الصبغة الدينية للعلاقة بينه وبين جيشه الجديد، الذي يعتبر السلطان قائده الأعلى، وتلزمه الطاعة التامة له، بعد حفل أداء القسم على خدمة الإسلام والسلطان على صحيح البخاري حيث قال لهم السلطان مولاي إسماعيل : أنا وأنتم عبيد لسنة رسول الله وشرعه المجموع في هذا الكتاب، فكل ما أمر به نفعله وكل ما نهى عنه نتركه وعليه نقاتل، فعاهدوه على ذلك، ثم أمر بالاحتفاظ بتلك النسخة وأمرهم أن يحملوها حال ركوبهم ويقدموها أمام حروبهم. (الاستقصا، ج7، ص. 58).
لقد كان السلطان مولاي إسماعيل بنهجه الجديد، يرمي إلى تأسيس جيش مغربي مستقل عن كل تجاذب سياسي، وقادر على أن يحقق الأهداف المسطرة، ويكون تحت سيطرته وينفذ أوامره ويضمن بالتالي أمن واستقرار البلاد، وقد تمكن بالفعل هذا السلطان من إنجاز مشروعه السياسي والاقتصادي والعسكري، فأصبحت المؤسسة العسكرية بفضل القيادة العامة للسلطان مولاي إسماعيل حاضرة في جميع ربوع المغرب بسبب التوزيع المتقن الذي اعتمده بجعل الجيش في يتدخل في كل ما من شأنه المساس بأمن واستقرار البلاد، وانتشار الحاميات العسكرية في مختلف المحاور والطرق الإستراتيجية والحيوية وبالجبال والسهول والوديان.
وتعتبر الفرق المكونة لجيش عبيد البخاري من نخب الجيش المغربي نظرا للتكوين الصارم الذي خضعت له، والمراقبة المستمرة التي كان يقوم بها السلطان بنفسه لمختلف وحداته، حيث يكون العقاب شديدا خلال تقصير أحد القواد أو المسؤولين العسكريين عن أداء مهامه، لذلك كانت النتيجة الانضباط التام للقانون العسكري الذي سنه. وبذلك استطاع السلطان مولاي إسماعيل أن يمسك بيده جميع السلط العسكرية، وأن يقبض بيد من حديد بهذا الجيش، نازعا منه الوسائل والمقومات التي يمكنه بها العبث باستقرار البلاد، وذات الوقت مانحا إياه كل الوسائل الضرورية ليكون آداة فعالة وقوة عسكرية لا تشكل خطر على الحكم ولا على أمن البلاد. وقد كانت كل فرقة توكل إليها مهمة محددة، فللرماة وظيفتهم وللفرسان دورهم، وكل فرقة يترأسها باشا أو قائد، فمثلا فالفرقة المكونة من خمسة آلاف فارس كان يقودها قائد يحمل اسم قايد راسو وقواد الفرق يطلق عليهم قواد روسهم.
ولاكتساب التجربة والخبرة العسكرية لجأ السلطان مولاي إسماعيل إلى تغيير القيادة العسكرية بين الفينة والأخرى واعتماد مبدأ التناوب بالنسبة لنخبة جيشه النظامي، حيث يقضي جزء منه فترة بالعاصمة مكناس، تم ينتقل إلى منطقة أخرى، ومما زاد في فعالية الجيش، إضافة إلى التكوين والتكوين المستمر، والتكوين النظري، تجهيزه بالعة والعتاد المتطور آنذاك، فيتم تسليح الفرسان بالمكاحل ذات الثفالة والسيوف العريضة والحراب، وهي أسلحة كانت تستورد من أوربا، إضافة إلى الأسلحة التي تصنع محليا، في حين كان المشاة مزودين بالبنادق ذات المدى البعيد والأقواس والرماح القصيرة، كما وظفت المدفعية بشكل كبير أثناء المعارك والمواجهات، والتي كانت تحرم على القبائل امتلاكها، بل الأكثر من ذلك نزع منها جميع وسائل الاستقلال والدفاع من أسلحة وخيل، لتبقى مختلف المقومات العسكرية من اختصاص الجيش المغربي.
في هذا الموضوع الجديد سأتطرق الى قوة عسكرية بصمت تاريخ المغرب العسكري السياسي و التاريخي منذ القرن السابع عشر
انه جيش (عبيد البخاري) الذي يعتبر بمثابة انكشارية المغرب
يعود تأسيس هذا الجيش الى السلطان المغربي مولاي اسماعيل رحمه الله الذي اراد ان يكون له جيش محترف يكون ولائه للدولة اولا و اخيرا تماما مثل الانكشارية على اعتبار ان الجيش النظامي كان يعاني من الولاءات القبلية.. وقبل ان نشير الى كيفية التأسيس وكيف اهتدى السلطان الى هاته الفكرة يتوجب علينا الاشارة الى ان السلطان مولاي اسماعيل رحمه الله كان له الفضل في تقوية المغرب و استعادة عدد كبير من سواحل المغرب المحتلة .. كما انه استعاد السيطرة على اجزاء واسعة من الامبراطورية المغربية مثل شنقيط (موريتانيا حاليا)..كما انه اعلى شأن المغرب بين الامم خصوصا بعد التناحر الذي شهده المغرب على السلطة مما دفع بالبلد الى اتون حروب اهلية.
اعتلى السلطان مولاي اسماعيل رحمه الله العرش سنة 1672 بعد وفاة اخيه المولى رشيد في حادثة (الفرس) الشهيرة (التي قد تكون مدبرة) ..حيث قال جملته الشهيرة و هو يحتضر (يامن لا يزول ملكه .. عبدك الرشيد زال ملكه).. وحينما اعتلى اسماعيل العرش كان شابا ذكيا و بما انه كان له تكوين عسكري فقد كانت له دراية كبيرة بالمستجدات العسكرية في الدولة العثمانية و الدول الاوروبية .. فأدرك منذ البداية ان احوال المغرب لن تنصلح الا بوجود قوة عسكرية ولاءها الوحيد للمغرب ..
وقد كان منبهرا بتجربة الانكشارية التركية وكذالك بتجربة (الحرس الاسود) الذي كان قد اقامه السلطان المغربي احمد المنصور الذهبي بعد فتحه لمالي و النيجر عام 1592..وكان من العجيب ان احد ابناء قادة الجيش المغربي انذاك وهو صديق السلطان كان قد اتطلع على الامر واسمه عمر بن قاسم المراكشي ..فاخبره هذا الاخير بانه يملك كناشا مسجلة فيه اسماء جميع الجنود الذين كانو يشكلون قوام قوة (الحرس السود) باسمائهم ومحل سكناتهم .. فأوعز اليه السلطان بجمع ما تبقى منهم من القادرين على الخدمة و لكون الغالبية الساحقة منهم كانت عبيدا فقد امره بمطالبة القبائل المغربية بتسليم من كان من نسلهم للدولة ..
وهكذا فقد سار عمر بن قاسم المراكشي في مراكش و احوازها لجمع العبيد السود والاحرار السود كذالك ورغم ما لاقاه من مشاكل الا انه استطاع في ظرف سنة من جمع 3000 من الذكور و الاناث
v محور بلاد الهبط : بقيادة ابا الحسين علي بن عبد الله الريفي، وصل عددهم 8000 فردا ؛
v محور قبائل الغرب وبني حسن: بقيادة عبد الله محمد بن العياشي، عددهم 2000 عنصرا؛
v محور قبائل تامسنا ودكالة، وصل عددهم إلى 4000 عنصرا.
وقد تم تقسيم جيش البخاري إلى ثلاثة أقسام :
• عبيد خالصي الرقبة : وهم العبيد الذين وجدوا في دفتر عمر بن قاسم المراكشي ، أي بقايا العهد السعدي، واشترتهم الدولة من أصحابهم؛
• العبيد الأحرار : هم الذين حرروا وثم إدماجهم في الجندية إدراجا إجباريا، كما عرفوا بالحر الثاني؛
• العبيد الأحرار خالصي الحرية: وقد اختير هؤلاء للونهم، وكان عدد منهم من الأفارقة الذين يسكنون المغرب، ولا يكونون عصبية داخلية ولا يتميزون بنزعة إقليمية.
بعد أن نجح السلطان مولاي إسماعيل في جمع عدد كبير من العبيد والإماء وبلغ عددهم في البداية حوالي أربعة عشر ألفا وزعهم على مناطق مهمة خاصة بمشرع الرملة الذي كان يوجد على وادي تفلت في جنوب سيدي يحيى، وكذلك بقصبة إدخسان بالمنطقة الشمالية، وقد ارتفع هذا العدد بسبب السياسة التناسلية التي أمر بها السلطان للرفع من عناصرها؛ كما أضيف لهم عدد من الحراطين الذين جلبهم السلطان مولاي إسماعيل خلال حملته على بلاد شنكيط عام 1678، قدر عددهم بـ 2000 فردا، كما أ، القوافل التجارية التي كانت تذهب إلى السودان عبر التوات وغينيا، وتجلب معها العديد من السود، وقد وصل عدد عبيد البخاري في نهاية العقد الثالث من القرن الثامن عشر إلى مائة وخمسين ألف فرد، وقد خضع أفراد هذا الجيش الفتي إلى تنظيم محكم وتكوين مستمر يمكن أن نشبهه بأكاديمية عسكرية متخصصة، في إنتاج العسكر، وتربيتهم تربية عسكرية محضة تأهلهم للانخراط في سلك الجندية بصفة مباشرة.
لقد عمل السلطان مولاي إسماعيل على الوقوف بنفسه على تكوين هذا الجيش الجديد حيث حرص على الاعتناء به وتنظيمه وفق إستراتيجية محكمة وإتباع خطط عسكرية دقيقة، ليتمكن الجندي من الانضباط والتأقلم مع أي وضعية أثناء الحرب والسلم.
ويستشف من النصوص التاريخية أن عملية التكوين تنطلق بالأساس من خلال برنامج علمي يبدأ بشروط الانضمام إلى الأكاديمية الحربية الإسماعيلية إذا جاز لنا تسميتها بذلك، نظرا لتوفر شروط التكوين المستمر ويخضع كذلك لترتيبات لوجيستية تنطلق من اختيار مكان ومدة ومناهج وبرامج التكوين، كما يضع الأسس النظرية التي يجب تلقينها لأولئك الجنود، حتى يحقق السلطان مولاي إسماعيل الأهداف التي رسمها وينجز مشروعه الكبير والمتمثل في توحيد البلاد وضمان أمنها واستقرارها واسترجاع هيبتها بتحرير ثغورها المحتلة.
ففيما يخص مسألة التنظيم، فإن شروط القبول بسلك الجندية؛ يتطلب من المرشح أن لا يقل عمره عن عشر سنوات، وأن يكون أسود اللون، والقبول مفتوح في وجه الذكور والإناث. بينما يخصص مكان التدريب فبالنسبة للذكور تقام في الحوانيت والملاعب أو المعسكرات، وبالنسبة للإناث في القصور السلطانية. وفيما يخص مدة التكوين والتدريب فتمتد ستة سنوات وتم تقسيمها إلى مرحلتين بالنسبة للذكور:
فالمرحلة الأولى تمتد لمدة 3 سنوات، يحصل فيها الفرد عل الثقافة العامة، ومعلومات تعلق بالشؤون الحربية؛ كما أن المرحلة الثانية تمتد بدورها 3 سنوات، وتخص حياة الجندية.
أما مناهج التدريب والتكوين فيمكن أجمالها هي كذلك في مرحلتين أساسيتين:
المرحلة الأولى من التدريب تقام بحوانيت البناء والنجارة والحدادة، وحرف أخرى وتقسم على الشكل التالي : السنة الأولى : يتم فيها تعلم قيادة الدواب؛ السنة الثانية : التدرب على سوق البغال المحملة بالآجر والزليج والخشب؛ السنة الثالثة : التدرب على الجندية مع القيام بأعمال البناء بصنع ألواح الطابية (القالب أو التابوت). أما المرحلة الثانية فبدورها تمتد 3 سنوات، وتخص حياة الجندية : ففي السنة الرابعة : يتم فيها توزيع الملابس والسلاح على المتدربين قصد التمرين على الفنون الحربية؛ وفي السنة الخامسة : تدفع لهم الخيول بدون سروج لجرها في الميدان والتدرب على ركوبها؛ بينما في السنة السادسة والأخيرة : فيتم التدرب على ركوب الخيل بالسروج وتعلم فنون الحرب من كر وفر، والتدرب على الرماية والطعن من فوق صهوات الخيل.
لقد كان السلطان مولاي إسماعيل؛ حسب روايات المؤرخين؛ يسهر بنفسه على تكوين وتدريب جيش البخاري واستعراض المشاة والفرسان، بعد تكوينهم حتى يتسنى له معرفة قدراتهم القتالية، فيخضعهم لخططه العسكرية التي كانت تعتمد على إستراتيجية الهجوم والمناوشة، والمباغتة بواسطة فرق المشاة والفرسان، الذين كانوا يتقنون الحرب الهجومية بفعالية أكبر، حيث اتسم ذلك الجيش بحاسة حربية دقيقة ومهارة واحترافية في قيادة الهجمات ونصب الكمائن وإتقان مسألة الحصار وفكه، واستعمال مختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة من المجانيق والمهاريس والمدافع والكور واستخدام أحدث تقنيات وآلات الحصار.
لم يقتصر التكوين والتدريب جيش البخاري على المجال التطبيقي فحسب، بل سهر السلطان مولاي إسماعيل على استكمال تكوين أفراد جيشه، تكوينا نظريا يتماشى مع ما يصبو إليه من شحذ وذلك من خلال تربية هؤلاء الجند على تربية نظرية ترتكز على مطالعة كتب التاريخ والقصص منها على وجه الخصوص : سيرة عنترة بن شداد وألف ليلة وليلة ، لاستلهام العبر من هذه القصص خاصة في ما فيها من خدع حربية وطرق الكر والفر وكيفية الهجوم، إذ : درج السلطان [السلطان مولاي إسماعيل] على أن يوزع على كبار عسكره سير الأبطال، وأخبار المعارك، ويحضهم على مزاولة مطالعتها، ناظرا في ذلك ... إلى أن يكون عسكره على معرفة متنوعة بمكايد الحروب، والكر والفر، وتدبير نزول الجيوش، والأخذ بالأحوط في ذلك، وكيفية الهجوم، وافتتاح المحاربة، وعقد الصلح، والمهادنة، وترتيب الشروط، وتعلم الإقدام والمخاطرة، وإدراك المراتب والمزايا. (عبد الرحمان الفاسي، منتخبات من نواذر المخطوطات، مطبعة فضالة، المحمدية، 1978، ص. 17). .
وبعد تكوين وتدريب وتخرج مختلف المكونات وتقسيمها إلى فرق ومجموعات، وتحديد مهامها، عمد السلطان مولاي إسماعيل على إضفاء الصبغة الدينية للعلاقة بينه وبين جيشه الجديد، الذي يعتبر السلطان قائده الأعلى، وتلزمه الطاعة التامة له، بعد حفل أداء القسم على خدمة الإسلام والسلطان على صحيح البخاري حيث قال لهم السلطان مولاي إسماعيل : أنا وأنتم عبيد لسنة رسول الله وشرعه المجموع في هذا الكتاب، فكل ما أمر به نفعله وكل ما نهى عنه نتركه وعليه نقاتل، فعاهدوه على ذلك، ثم أمر بالاحتفاظ بتلك النسخة وأمرهم أن يحملوها حال ركوبهم ويقدموها أمام حروبهم. (الاستقصا، ج7، ص. 58).
لقد كان السلطان مولاي إسماعيل بنهجه الجديد، يرمي إلى تأسيس جيش مغربي مستقل عن كل تجاذب سياسي، وقادر على أن يحقق الأهداف المسطرة، ويكون تحت سيطرته وينفذ أوامره ويضمن بالتالي أمن واستقرار البلاد، وقد تمكن بالفعل هذا السلطان من إنجاز مشروعه السياسي والاقتصادي والعسكري، فأصبحت المؤسسة العسكرية بفضل القيادة العامة للسلطان مولاي إسماعيل حاضرة في جميع ربوع المغرب بسبب التوزيع المتقن الذي اعتمده بجعل الجيش في يتدخل في كل ما من شأنه المساس بأمن واستقرار البلاد، وانتشار الحاميات العسكرية في مختلف المحاور والطرق الإستراتيجية والحيوية وبالجبال والسهول والوديان.
وتعتبر الفرق المكونة لجيش عبيد البخاري من نخب الجيش المغربي نظرا للتكوين الصارم الذي خضعت له، والمراقبة المستمرة التي كان يقوم بها السلطان بنفسه لمختلف وحداته، حيث يكون العقاب شديدا خلال تقصير أحد القواد أو المسؤولين العسكريين عن أداء مهامه، لذلك كانت النتيجة الانضباط التام للقانون العسكري الذي سنه. وبذلك استطاع السلطان مولاي إسماعيل أن يمسك بيده جميع السلط العسكرية، وأن يقبض بيد من حديد بهذا الجيش، نازعا منه الوسائل والمقومات التي يمكنه بها العبث باستقرار البلاد، وذات الوقت مانحا إياه كل الوسائل الضرورية ليكون آداة فعالة وقوة عسكرية لا تشكل خطر على الحكم ولا على أمن البلاد. وقد كانت كل فرقة توكل إليها مهمة محددة، فللرماة وظيفتهم وللفرسان دورهم، وكل فرقة يترأسها باشا أو قائد، فمثلا فالفرقة المكونة من خمسة آلاف فارس كان يقودها قائد يحمل اسم قايد راسو وقواد الفرق يطلق عليهم قواد روسهم.
ولاكتساب التجربة والخبرة العسكرية لجأ السلطان مولاي إسماعيل إلى تغيير القيادة العسكرية بين الفينة والأخرى واعتماد مبدأ التناوب بالنسبة لنخبة جيشه النظامي، حيث يقضي جزء منه فترة بالعاصمة مكناس، تم ينتقل إلى منطقة أخرى، ومما زاد في فعالية الجيش، إضافة إلى التكوين والتكوين المستمر، والتكوين النظري، تجهيزه بالعة والعتاد المتطور آنذاك، فيتم تسليح الفرسان بالمكاحل ذات الثفالة والسيوف العريضة والحراب، وهي أسلحة كانت تستورد من أوربا، إضافة إلى الأسلحة التي تصنع محليا، في حين كان المشاة مزودين بالبنادق ذات المدى البعيد والأقواس والرماح القصيرة، كما وظفت المدفعية بشكل كبير أثناء المعارك والمواجهات، والتي كانت تحرم على القبائل امتلاكها، بل الأكثر من ذلك نزع منها جميع وسائل الاستقلال والدفاع من أسلحة وخيل، لتبقى مختلف المقومات العسكرية من اختصاص الجيش المغربي.
الشبح