كتب- بيتر باتريك سنو
في هذه الحلقه سنبحر قليلا في شخصية الملك عبدالله الثاني , وما سنورده هو مجرد أجتهاد تم تكوينه بناءا على معلومات وقراءات متعمقه في الشخصية ...
يسجل للأمير عبدالله بن الحسين أنه كان يعشق الدبابات ويحب تجربتها وكان يملك معلومات هائله ...عن كل دبابه من حيث السرعه ,حجم التصفيح , ومدى المدفع ....
وبما أنه ابتدأ خدمته في الجيش العربي فقد تلقى تعليمه العسكري على فنون القتال عبر السلاح الأمريكي ...وقد كان دوما يسجل ملاحظاته على هذا السلاح بأنه متقدم ومتطور ولكن ثمة مشكله في الدبابة الأمريكيه وهي التصفيح ...فالقذائف المحدوده التأثير قادره على أختراقها.
في بداية الثمانينيات توجه الأمير عبدالله بن الحسين برفقة وفد عسكري أردني الى الصين , من أجل الاطلاع على السلاح الشرقي وكانت الصين تتنتج الدبابات متأثره بالنموذج الروسي (t72) و (t56)...وحين تجول الوفد الأردني كان مبهورا بالماكنه الشرقيه وحجم الأنتاج , ولكن الأمير في ذلك الوقت كان مبهورا بالأطلاع على النوذج الروسي والصيني اي النموذج الشرقي في صناعة الدبابات .
في ذلك الوقت كانت الحرب العراقيه الايرانيه في أوجها وكان السلاح الشرقي يتدفق الى العراق وكان الأمير يراقب أداء هذا السلاح ويراقب كل ما يحدث في تلك الجبهات ...يومها قدم الأمير عبدالله مداخلات أثارت أنتباه الجانب الصيني ...فقد كان يؤمن أن الدبابه الشرقيه يجب أن لا تصنع وفقا لذهنية المهندس الصيني أو الروسي ولكن يجب أن تصنع وفقا لتضاريس ومناخ وطبيعة الأرض التي تقاتل عليها الدبابه وقدم ملاحظات تتجاوز مسألة التصفيح التي يركز عليها السلاح الشرقي وبالتحديد في صناعة الدبابات فالأمير في ذلك الوقت كان يؤمن أنه من الممكن أنتاج دبابه بمواصفات شرقيه من حيث التصفيح والوزن وبمواصفات غربيه من حيث التقنيه ودقة الرمايه ....
الصينيون ذهلوا يومها من حجم المعرفه والقدرات الهندسيه التي يملكها هذا الشاب العشريني ...بالمقابل كان جنرالات الجيش الأردني يستمعون بأهتمام ولكن في الداخل لم يعجبهم الأمر لأنهم جاءوا لمهمه واحده وهي شراء السلاح وتنويع المصادر .
حين كان الملك عبدالله في بداية خدمته في القوات المسلحه يشرح كثيرا للملك حسين عن السلاح وتقنياته وبالتحديد عن الدبابات ...وفي بعض المرات كان الملك حسين يلجأ لأبنه النقيب عبدالله كي يفهم منه بعض مواصفات السلاح وكيفية الأستخدام ...ومما يروى عن الأمير عبدالله – في ذلك الوقت – أنه لشدة معرفته في السلاح كان يستطيع فك أي مسدس والرماية عليه وكان دقيق الأصابة ...لدرجه أن الاسلحه الفرديه التي تصل كهدايا للحسين الراحل كانت تعرض على الأمير كي يعلم خازن السلاح وقتها كيفية الفك والتركيب وطرق الاستعمال ..قبل أن يحفظها.
بعد أن تدرج في الرتبة أنتقل ووصل لرتبة قائد كتيبه بدأ يقرأ بنهم عن المعارك الحديثه والية تطوير الجيوش , ووصل لقناعه مهمه وهي المستقبل للقوات الخاصه ولم تعد حروب الدبابات تشكل عنصر الحسم في المعارك المستقبليه لهذا ..كان يصر على الملك الحسين (والده) بأن يقتصد من نفقات الجيش لصالح تشكيل خلايا عمليات قادره على أختراق الحدود وتجهيزها بأدق الاسلحه ...
في ذلك الوقت تقدم بأستراتيجية تطوير القوات المسلحه فبعد حرب الخليج الأولى تبين عسكريا لكل المحللين أن الجيوش التقليديه لم تعد تحقق الغايات المرجوه منها لهذا بدأ يقاتل وبصلابه من أجل تغيير بنية القوات المسلحه بما يتواكب من النهج العالمي الجديد ...ولكن أحدا لم يسمع والملك حسين بالرغم من أنه كان مقتنعا برؤية الأمير الشاب الا أنه كان صاحب مدرسه كلاسيكيه عسكريه تؤمن بالدبابة والمدفع أكثر من أيمانها بالليزر ...حرب الخليج الأولى وزياراته للولايات المتحده غيرت من تفكيره العسكري ...وكان يقاتل بكل ما أوتي من قوه كي يمنح القوات الخاصه ميزه وأفضليه بين صنوف القوات المسلحه بحكم أن المستقبل لها ولكن الأمير كان يصطدم أحيانا برغبات قائد الجيش وبرفض الأمير حسن وبالعقليات الكلاسيكيه ..ومع ذلك أستطاع أن يترك بصمته في القوات الخاصه .
مما يروى عنه أن سيارته الخاصه لم يكن يستطع تغييرها وكان يرضى أن يركب سياره قديمه تلائم أماكن الوحدات التي يخدم بها ...وهو الأمير الوحيد بين كل الأمراء الذي لم يهتم بالأمتيازات الشخصيه ..فقد كان يسكن في قصر متواضع ..وكان أحيانا اذا تعطلت سيارته أو سيارة الموكب الخاص به يفضل أرسالها للصيانه على أن يطلب من علي شكري مدير المكتب الخاص أو أبو فايز مدير الكراجات تبديل السياره .
في جلساته مع أصدقائه كان الأمير يرتدي اللباس الذي اشتراه من الولايات المتحده حين كان يتلقى دوراته العسكريه , فلم يكن مستغربا على هذا الأمير الشاب مثلا أن يحتفظ ببنطال أو حذاء اشتراه من مخصصاته التي ترسل له من القياده كضابط لمدة (4) سنوات أو أكثر .
لم يكن يهتم أبدا بالمواكب كان يحب أن يركب سيارته وحده ...
وحين كان ضابطا في الولايات المتحده يتلقى دوراته العسكريه كان هو بنفسه يشتري السياره التي سيتجول بها ويفاوض على سعرها ..وكانت سياراته في الغالب بسيطه ..وغير فارهه أبدا .
ظلم الأمير عبدالله بن الحسين حين كان قائدا لأحدى الكتائب وقائدا للقوات الخاصه لأن أحدا لم يهتم بأفكاره وهي أحداث تغيير جذري في بنية القوات المسلحه بما يتلائم وأنماط الحروب الجديده ...لم يعبأ أحد لفكرة الخلايا الصغيره القادره على أختراق الحدود والتي تستطيع تجهيزها بالقذائف المضاده للدبابات وبالكاتيوشا ..
ولكن في حرب (تموز ) والتي خاضها حزب الله ..تبين لكل المحللين العسكريين ولكل من خدم في القوات المسلحه أن ما كان يطلقه هذا الشاب المتحمس من أفكار كانت صحيحه جدا ...فحزب الله أستطاع عبر خلايا (الكوماندوز) التي جهزها ودربها أن ينهي أسطورة (الميركافا) ..وأستطاعت سرية كوماندز بسيطة العدد مجهزه جيدا أن توقف تقدم كتيبة دبابات أسرائيليه وتوقع بها أكبر الخسائر ...بمعنى أخر أن العقيدة العسكرية الجديده التي طرحها هذا الأمير الشاب في بداية التسعينيات والتي قوبلت بالرفض من قائد الجيش وبعدم الأقتناع الكلي من الملك الراحل ..وبالتهميش كانت هي العقيده الصائبه ....فهذا الشاب لم يكن هوسه بعلم السلاح وقراءته لتاريخ الحروب هوسا عبثيا بل كان يملك قدرة واضحه ورؤية مهمه في تصويب الأمور وتطوير الجيش .
حين أصبح ملكا في العام (1999) وقبل حرب تموز وحتى قبل تحرير جنوب لبنان قام الملك عبدالله بحل الفرقه (12) وأستهجن بعض الجنرالات هذا الأمر ..ولكنه بالمقابل حول كامل نفقات تلك الفرقه لصالح العمليات الخاصه... لصالح الحرب المستقبليه ...وهو الذي أسس (كادبي) مركز الملك عبدالله لتطوير الصناعات العسكريه .....وهذا التأسيس جاء على خلفية الموائمه بين السلاح الشرقي والغربي وأعطاء البيئه المحليه وميادين القتال حيزا أكبر وأهمية قصوى في تصنيع أسلحة القوات الخاصه ...وربما كان تطوير قذيفة (هاشم) ...المنسوخه عن قذيفة (الار بي جي) مقدمه لتثبيت معتقدات هذا الرجل ..وفعلا أستطاعت هذه القذيفه أن تدمر دبابة الميركافا الأحدث في العالم ...وربما أن أتهام أسرائيل لروسيا والأردن ..باستعمال هذه القذيفه في حرب تموز من قبل حزب الله لا يقع في أطار التغطيه على هزيمتها ولكنه يقع في أطار التخوف من المشروع العسكري الأردني الجديد الذي بدأ يقلقهم نوعا ما .....
الملك أيضا نقل النموذج الصيني فالجيش ليس للثكنات فقط وأنما هو منتج ورافد للخزينه ..لهذا تفوقت العمليات الخاصه على كل معاهد التدريب الخارجيه وبدأت تدر دخلا مهما وكبيرا من تدريب افراد الجيوش الصديقه والشقيقه ويصب كل هذا المال في تطوير كادبي وشراء التقنيات الحديثه .
في بداية حكم الملك لم يفهم الساسة في الأردن تفكيره العسكري وللان لا أحد في السياسة الأردنيه يدرك أن الجيش الأردني بوضعه الحالي قادر على القيام بأدق المهمات واصعبها ...في أي جزء من العالم وأن تطوير وتغيير عقيدته العسكريه ...بدأ يغطي على جانب التفوق الأسرائيلي في التقنيه ...فحرب تموز أظهرت حقيقه مهمه للأسرائيلين وهي أن المليارات التي صرفت على (الميركافا) تبعثرت كلها أمام قذيفه موجهه ومطوره لحزب الله ثمنها لا يتجاوز ال (10) الالاف دولار .
الملك عبدالله كان يظن للحظه أن تغيير العقيدة العسكريه والنجاحات الهائله التي حققها عبر الجيش يجب أن يرافقه تغييرا في المسار السياسي لهذا وضع أقتصاد الدوله كأولوية في الحكم ...ولكنه نسي أمرأ مهما وهو أن جنود العمليات الخاصه ينفذون أمرا يرسمه لهم القائد ويؤدون مهمة محدده بالمقابل فجنود الأقتصاد ...هم أكثر الناس خذلانا للقائد وقد يبيح لهم هذا المجال أن ينهبوا أو يكذبوا ...الأزمه لم تكن في الملك بل في الأدوات فجميع الذين أختارهم الملك للملف الأقتصادي خذلوه .
هو حاد الذكاء متمرس وقد عاد الان لتصحيح المسارات ...في داخله يؤمن أن الدوله الأردنيه تشبه الدبابه تماما ..يؤمن أن التحالف بين العرش والعشائر هو يشبه حجم التصفيح في الدبابه ...والتصفيح المتقن المكثف قادر على حمايتها من نفاذ القذائف وبالتالي استمرارها في المعركه وهذا هو دور العشيره ...ولكن حتى تستمر الدبابه في القتال فهي تحتاج لمدفع ولحركه مرنه ولسرعه ..ويدرك الملك أن النهوض بأقتصاد الدوله يشبه المدفع الذكي الموجه بالليزر ...ويدرك أيضا أن الأقتصاد يمنحك حرية الحركه يمنح الشعب راحة مطلقه تماما مثل (الأبرامز) الدبابه الأمريكيه التي أعجب بها الملك عبدالله كثيرا فحين صنعت تم التركيز على رفاهية الجندي الذي يعمل بداخلها لهذا تم تزويدها بثلاجه (وكوندشن) ورؤيه ليليه ومرونه في التعامل معها .
الفجوه التي حدثت في الدوله هي أن من أستلموا المسئوليه لم يفهموا عقل الملك جيدا ولم يستوعبوا قاعده مهمه في العمل العسكري بالتحديد في عمل القوات الخاصه وهي أن مفتاح النصر هو ثقة القائد بالجنود وثقتهم به ..والملك وثق بهذه بخياراته من المسئولين السابقين ولكنهم لم يثقوا بأنفسهم أو المرحله .
الجيش الأردني لا تستطيع أن تبقيه كلاسيكيا ..وحدات أسناد ومدرعات وأنماط قتاليه قديمه ...والملك عبدالله لم يكن يريد أن يرث البنية الكلاسيكيه في السياسة وأقتصاد الدوله ...أراد أن يطور ويعدل ..ولكن البعض فهم هذا التطوير والتركيز على الأقتصاد في اطار التوطين أو تفكيك بنية الدوله ...وهو ربما قد يكون فهما مشروعا.
ما حدث في النهايه هو يشبه الى حد بعيد ....مهمات العمليات الخاصه فأنت حين تعطي أمرا ومهمة تنتظر من الجنود التنفيذ ولكن حين يقرر بعض الجنود تغيير الأوامر ..او تعديل خطة الهجوم فستكون النتيجه تعرض المهمه كامله للخطر .
الملك عبدالله الثاني تخلى عن المفهوم العسكري في أدارة الدوله يؤمن أن السياسة مختلفه تماما يؤمن أن ما يحدث مع الجيش قد لا يتوافق مع ما يحدث في المجتمع المدني ...لهذا عاد الى البنى الكلاسيكيه في السياسة والسبب بسيط هو أن عقلية مثل عقلية فايز الطراونه أشبه بالعقلية العسكريه فهي تنفذ ما يصدر اليها من أوامر بعكس الخصاونه الذي يجتهد ويقرر هو دون مرجعية ....الملك عبدالله يؤمن أن القائد هو الاساس في أية مهمة عسكريه ولا يجوز الأجتهاد أو الاضافه على أوامره وهذا ما حدث مع الخصاونه الذي حاول أن يجتهد في مسارات وقضايا هي من أختصاص العرش فقط .
ما هو القادم ؟ الملك الان أنهى مشروعه في التغيير والتطوير بالنسبة للقوات المسلحه هو الان يدير الدوله بالعقليه المدنيه ويطور في الخيارات لم يعد يرتدي الزي العسكري كثيرا ..هو يؤمن أنه مثلما نجح في تغيير بنية القوات المسلحه نحو الأفضل قادر على تطوير بنية المؤسسه السياسيه في الأردن ولكنه قرر أن ينفذ رؤيته بأدوات مختلفه وبأعاده رسم للتحالفات التقليديه ....ولكنه يعاني من الشغب المتصاعد يعاني من بعض القوى الاستغلاليه التي تريد بعد اقالة الخصاونه تحويل الدولة الى جغرافيا متناحره ...المشهد يشبه الى حد ما رؤيته حين كان أميرا في القوات الخاصه ويقدم مقترحات مهمه أغفلها الكثيرون وتبين فيما بعد أنها صائبه ما يفعله الان أنه يقدم رؤية ومشروعا للمستقبل وما تفعله بعض قوى الشغب أنها تريد أعادة الملك الى المربع الأول ...حين كان عقيدا في القوات الخاصه بنفس الاسلوب ونفس الطريقه ونفس الروح المليئة بالكره
ذات يوم أرسلت احدى شركات السلاح مسدسا للملك حسين وكان المسدس غريبا يختلف عن غيره ....كان الأمير عبدالله وقتها شابا ومتمرسا وحين استأذنوه كي يرى السلاح الجديد قام بفكه وأعادة تركيبه في أقل ثوان محدوده ....ثم غادر ..الحكم هو سلاح قوي وخطير وقد يكون قاتلا اذا أسيء استخدامه ولكن الملك عبدالله متمرس بالسلاح ومحترف .....وقد كان الملك حسين الراحل في المناورات العسكريه يختلي بأبنه البكر عبدالله ..كي يشرح له تفاصيل المناوره وتفاصيل السلاح المستعمل ...في العسكرية كان يثق بأبنه ويدرك أنه من أمهر ضباط القوات المسلحه وأقدرهم على القيادة ولكنه كان يخفي عنه هذا الشعور ....وكان يدرك تمام الأدراك أن ما يقدمه الأمير الشاب في مجال التقنيه والتطوير والتدريب هو الصواب ....ولكنه لم يجاهره أبدا بحقيقة مهمه وهي أن الأمير متمرس ومحترف وذكي ....ربما كان يعده للمستقبل ربما كان يريد أن يضعه في معركة مع ذاته ....والملك الان في معركة شرسه مع قوى ظلاميه مع خياراته ..مع ذاته ولكن يجب أن لا ننسى أن للعسكري مهمه وميزه المهمه تتعلق بأبعاد الخطر أما الميزه فهي البقاء والعودة سالما ...والخطر زال أو لنقل أنه في طور الزوال ...والأردن سيبقى أعتقد جازما أنه بالرغم الجرح سيبقى ..ولن يتأثر.
ينشر بالتزامن مع الزميلة رم
http://www.ejjbed.com/viewPost.php?id=42552&sec_id=28