مجزرة تدمر وأخواتها سلسلة دموية تطوق عنق النظام السوري
محمد فاروق الإمام
محمد فاروق الإمام
في 27 حزيران 1980م، نفذت العصابات الأسدية الباغية مجزرة بشعة بحق 1000 سجين معتقل في سجن تدمر الصحراوي، كانوا من صفوة السوريين وأخيارهم من علماء وأطباء ومهندسين وأساتذة وطلبة جامعات وضباط، غالبيتهم محسوبون على جماعة الإخوان المسلمين المعارضة أو مناصريهم.
ونفذ هذه المجزرة البشعة أكثر من 100 عنصر بمختلف الرتب تابعة لسرايا الدفاع يقودها المقدم محمد ناصيف بأوامر من العقيد رفعت الأسد، حيث نقلوا من دمشق إلى مطار تدمر العسكري، بواسطة 12 مروحية، ثم توجه نحو 80 منهم إلى السجن، ودخلوا على السجناء في زنازينهم وأعدموا المئات منهم بدم بارد رمياً بالرصاص والقنابل المتفجرة.
ووفق ما يتوفر من معلومات فإن جثامين القتلى نقلت بواسطة شاحنات وتم دفنها في مقابر جماعية أعدت مسبقا في وادِ يقع إلى الشرق من بلدة تدمر، دون أن يعترف النظام السوري بارتكابه هذه المجزرة أو الكشف عن أسماء ضحاياها وأماكن دفنهم.
وقعت هذه المجزرة البشعة وسط تعتيم إعلامي محلي وعالمي بعيداً عن أي ضجة يمكن أن تثار حول النظام، ولم يكتشف الناس أو يعلموا بوقوعها إلا بعد اعتقال السلطات الأردنية اثنين من المشاركين في المجزرة، كانا ضمن مجموعة اتهمت بالتخطيط لاغتيال رئيس وزراء الأردن الأسبق مضر بدران، حيث أدليا بتفاصيل المجزرة، فسارعت في حينه منظمة العفو الدولية إلى مطالبة السلطات السورية بإجراء تحقيق في المجزرة، لكن دون جدوى.
ونشرت مواقع حقوقية سورية شهادات لعناصر شاركوا في تنفيذ المجزرة، فأكدوا فيها أن مهمتهم كانت مهاجمة سجن تدمر. وقدر أحدهم عدد القتلى بأكثر من 500 قتيل. بينما قال أحدهم إنه شاهد الأيدي والأرجل ملطخة بالدماء.
ووصفت لجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة -في حينه- المجزرة بأنها تتعدى حدود جرائم القتل العمد المعاقب عليها بموجب قانون العقوبات السوري، حيث يعتبر الآمرون بها وكل منفذيها مسؤولين جنائياً عن هذه المجزرة.
ولم تكن مجزرة تدمر هذه هي الوحيدة في عهد حافظ الأسد، بل وثقت منظمات حقوقية سبع مجازر جماعية في سجن تدمر وقعت خلال الأعوام 1980 و1981 و1982 وراح ضحيتها مئات السوريين.
في حين كشف عدد ممن أطلق سراحهم من المعتقلين فيما بعد أنه كان يتم يومياً إعدام ما بين عشرة وعشرين في اليوم الواحد على مدى وجودهم في سجن تدمر، وقد تجاوز اعتقال بعضهم 20 سنة.
وقد كثرت الكتب التي يصور أصحابها المآسي في تلك الفترة، من ذلك كتاب شاهد ومشهود للمعتقل الأردني محمد سليم حماد لمدة 11 عاماً صدر عام 1998م، وهو طالب أردني كان يدرس في جامعة دمشق، واعتقل مع آخرين. وقد صور فيه أهوال التعذيب في سجن تدمر، من صعق بالكهرباء, والتعليق من القدمين، والضرب المبرح، وتحدث الكاتب عن الأجواء المرعبة والإعدامات المتواصلة لسجناء الرأي داخل السجن، وقد شاهد وفاة عدد منهم، والكتاب مطبوع في الأردن.
وهناك المواطن السوري الذي آثر أن يروي مأساته في روايته المدهشة (القوقعة-يوميات متلصص) تحت اسم (مصطفى خليفة) وهو مسيحي يدين بالمذهب الكاثوليكي، وعاش لنحو 6 سنوات في باريس يدرس الإخراج السينمائي وفضل العودة إلى الوطن ليقدم خبرته لبلده فساقه حظه العاثر إلى سجن تدمر بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين وأمضى في السجن الصحراوي سيء السمعة نحو 12 سنة وضمّن ذكرياته الأليمة في كتابه القوقعة الذي نشرته دار الآداب-بيروت 2008.
وكذلك كانت حكاية الشاب الأردني المهندس سليمان أبو الخير الذي كان يدرس في ألمانيا وكان ينوي زيارة أهله في الأردن في العطلة الصيفة فدخل سورية عن طريق البر في سيارة ألمانية، فكان جلاوزة الأمن على الحدود السورية له بالمرصاد، فاقتيد إلى أحد فروع المخابرات في دمشق، وليحط رحاله فيما بعد في سجن تدمر الصحراوي لمدة خمس سنوات، ويروي عذاباته في ذلك السجن الرهيب في كتاب تحت عنوان (الطريق إلى تدمر – كهف في الصحراء – الداخل مفقود، والخارج مولود) طبع في الأردن-دار الأعلام 2011م.
ذكريات مجازر تدمر وعذابات سجنائها والتعتيم على فقدان أكثر من 17000 معتقل دون الإعلام عن مصيرهم إن كانوا من بين الأموات أو في عالم الأحياء منذ العام 1980 وحتى الآن، وما خلفوا وراءهم من مآسي إنسانية وأسرية.. لا تزال هذه الذكريات كابوس يجسم على صدور السوريين ويؤرق حياتهم، وسيظل هذا هو الحال حتى القضاء على هذا النظام بكل مكوناته السادية التي لا تعرف إلا القمع والقتل والتدمير والفساد.
سلسلة المجازر الدموية المتواصلة منذ تسلق حفنة من الضباط البعثيين المغامرين جدران القصر الجمهوري في عتمة ليل الثامن من آذار عام 1963 والتي زادت وتيرتها وتوسعت أفقياً وعمودياً وكيفاً وكماً حتى الآن، تؤكد على أن على العالم أن يقف وقفة شجاعة تجاه هذا النظام الدموي لوقف خطره، الذي هو في توسع إلى خارج حدود سورية ليطال الدول المجاورة سعياً لجر المنطقة إلى صراع إقليمي، بعد أن يأس في قمع الثورة السورية التي باتت عصية عليه وعلى كل حلفائه رغم الدعم الكبير الذي يقدم إليه لنحو سنة ونصف، ورغم ما أقدم عليه من ارتكاب المجازر البشعة وما استعمله من أسلحة ثقيلة إضافة إلى الطائرات والبوارج الحربية بكل نيرانها الجهنمية وآثارها المدمرة للمدن والبلدات والقرى، وقد بات محاصراً حيث وجود هذه الأسلحة الثقيلة فاقداً السيطرة على ما يزيد على 70% من الأراضي والمدن والبلدات والقرى السورية في كل رقعة الخريطة السورية.
عن موقع رابطة أدباء الشام
ونفذ هذه المجزرة البشعة أكثر من 100 عنصر بمختلف الرتب تابعة لسرايا الدفاع يقودها المقدم محمد ناصيف بأوامر من العقيد رفعت الأسد، حيث نقلوا من دمشق إلى مطار تدمر العسكري، بواسطة 12 مروحية، ثم توجه نحو 80 منهم إلى السجن، ودخلوا على السجناء في زنازينهم وأعدموا المئات منهم بدم بارد رمياً بالرصاص والقنابل المتفجرة.
ووفق ما يتوفر من معلومات فإن جثامين القتلى نقلت بواسطة شاحنات وتم دفنها في مقابر جماعية أعدت مسبقا في وادِ يقع إلى الشرق من بلدة تدمر، دون أن يعترف النظام السوري بارتكابه هذه المجزرة أو الكشف عن أسماء ضحاياها وأماكن دفنهم.
وقعت هذه المجزرة البشعة وسط تعتيم إعلامي محلي وعالمي بعيداً عن أي ضجة يمكن أن تثار حول النظام، ولم يكتشف الناس أو يعلموا بوقوعها إلا بعد اعتقال السلطات الأردنية اثنين من المشاركين في المجزرة، كانا ضمن مجموعة اتهمت بالتخطيط لاغتيال رئيس وزراء الأردن الأسبق مضر بدران، حيث أدليا بتفاصيل المجزرة، فسارعت في حينه منظمة العفو الدولية إلى مطالبة السلطات السورية بإجراء تحقيق في المجزرة، لكن دون جدوى.
ونشرت مواقع حقوقية سورية شهادات لعناصر شاركوا في تنفيذ المجزرة، فأكدوا فيها أن مهمتهم كانت مهاجمة سجن تدمر. وقدر أحدهم عدد القتلى بأكثر من 500 قتيل. بينما قال أحدهم إنه شاهد الأيدي والأرجل ملطخة بالدماء.
ووصفت لجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة -في حينه- المجزرة بأنها تتعدى حدود جرائم القتل العمد المعاقب عليها بموجب قانون العقوبات السوري، حيث يعتبر الآمرون بها وكل منفذيها مسؤولين جنائياً عن هذه المجزرة.
ولم تكن مجزرة تدمر هذه هي الوحيدة في عهد حافظ الأسد، بل وثقت منظمات حقوقية سبع مجازر جماعية في سجن تدمر وقعت خلال الأعوام 1980 و1981 و1982 وراح ضحيتها مئات السوريين.
في حين كشف عدد ممن أطلق سراحهم من المعتقلين فيما بعد أنه كان يتم يومياً إعدام ما بين عشرة وعشرين في اليوم الواحد على مدى وجودهم في سجن تدمر، وقد تجاوز اعتقال بعضهم 20 سنة.
وقد كثرت الكتب التي يصور أصحابها المآسي في تلك الفترة، من ذلك كتاب شاهد ومشهود للمعتقل الأردني محمد سليم حماد لمدة 11 عاماً صدر عام 1998م، وهو طالب أردني كان يدرس في جامعة دمشق، واعتقل مع آخرين. وقد صور فيه أهوال التعذيب في سجن تدمر، من صعق بالكهرباء, والتعليق من القدمين، والضرب المبرح، وتحدث الكاتب عن الأجواء المرعبة والإعدامات المتواصلة لسجناء الرأي داخل السجن، وقد شاهد وفاة عدد منهم، والكتاب مطبوع في الأردن.
وهناك المواطن السوري الذي آثر أن يروي مأساته في روايته المدهشة (القوقعة-يوميات متلصص) تحت اسم (مصطفى خليفة) وهو مسيحي يدين بالمذهب الكاثوليكي، وعاش لنحو 6 سنوات في باريس يدرس الإخراج السينمائي وفضل العودة إلى الوطن ليقدم خبرته لبلده فساقه حظه العاثر إلى سجن تدمر بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين وأمضى في السجن الصحراوي سيء السمعة نحو 12 سنة وضمّن ذكرياته الأليمة في كتابه القوقعة الذي نشرته دار الآداب-بيروت 2008.
وكذلك كانت حكاية الشاب الأردني المهندس سليمان أبو الخير الذي كان يدرس في ألمانيا وكان ينوي زيارة أهله في الأردن في العطلة الصيفة فدخل سورية عن طريق البر في سيارة ألمانية، فكان جلاوزة الأمن على الحدود السورية له بالمرصاد، فاقتيد إلى أحد فروع المخابرات في دمشق، وليحط رحاله فيما بعد في سجن تدمر الصحراوي لمدة خمس سنوات، ويروي عذاباته في ذلك السجن الرهيب في كتاب تحت عنوان (الطريق إلى تدمر – كهف في الصحراء – الداخل مفقود، والخارج مولود) طبع في الأردن-دار الأعلام 2011م.
ذكريات مجازر تدمر وعذابات سجنائها والتعتيم على فقدان أكثر من 17000 معتقل دون الإعلام عن مصيرهم إن كانوا من بين الأموات أو في عالم الأحياء منذ العام 1980 وحتى الآن، وما خلفوا وراءهم من مآسي إنسانية وأسرية.. لا تزال هذه الذكريات كابوس يجسم على صدور السوريين ويؤرق حياتهم، وسيظل هذا هو الحال حتى القضاء على هذا النظام بكل مكوناته السادية التي لا تعرف إلا القمع والقتل والتدمير والفساد.
سلسلة المجازر الدموية المتواصلة منذ تسلق حفنة من الضباط البعثيين المغامرين جدران القصر الجمهوري في عتمة ليل الثامن من آذار عام 1963 والتي زادت وتيرتها وتوسعت أفقياً وعمودياً وكيفاً وكماً حتى الآن، تؤكد على أن على العالم أن يقف وقفة شجاعة تجاه هذا النظام الدموي لوقف خطره، الذي هو في توسع إلى خارج حدود سورية ليطال الدول المجاورة سعياً لجر المنطقة إلى صراع إقليمي، بعد أن يأس في قمع الثورة السورية التي باتت عصية عليه وعلى كل حلفائه رغم الدعم الكبير الذي يقدم إليه لنحو سنة ونصف، ورغم ما أقدم عليه من ارتكاب المجازر البشعة وما استعمله من أسلحة ثقيلة إضافة إلى الطائرات والبوارج الحربية بكل نيرانها الجهنمية وآثارها المدمرة للمدن والبلدات والقرى، وقد بات محاصراً حيث وجود هذه الأسلحة الثقيلة فاقداً السيطرة على ما يزيد على 70% من الأراضي والمدن والبلدات والقرى السورية في كل رقعة الخريطة السورية.
عن موقع رابطة أدباء الشام
التعديل الأخير: