زيارة جديدة لعبد الحكيم عامر .جزء 3 - تحليل شخصيته -.. بقلم دكتور كمال خلف الطويـل

يحي الشاعر

كبير المؤرخين العسكريين
عضو مميز
إنضم
2 فبراير 2008
المشاركات
1,560
التفاعل
98 0 0
زيارة جديدة لعبد الحكيم عامر
-جزء 3 -

"تحليل لشخصيته"
عبدالحكيم عامر داخــلــيــا
عبدالحكيم عامر إجـتـمـاعــيــا
عبدالحكيم عامر عربيا



دراسة تحليلية بقلم دكتور كمال خلف الطويـل




أنشر هذا الجزء "متكامل" من دراسة الدكتور كمال خلف الطويل ، وهو الجزء الذي يتعلق بتحليل شخصية عبدالحكيم عامر من أهم ثلاث نواح ... إنعكست علي الأحداث ... وكانت نتيجة ... وعاملا للتأثير علي مصير حياته

اجوانب الثلاث ، يعتبروا من النقاط الهامة في دراسته عن "عبدالحكيم عــامر" ... وتساعدنا علي تفهم ... باية النــهــــاية ...... أو النهاية للبداية


فيما يلي ما يتطرق اليه الدكتور كمال خلف الطويل في الدراسة التحليلية التي كتبها عن عبدالحكيم عامر والتي ننشرها في موقع ســامي شرف ، سكرتير جمال عبدالناصر ووزير شئون رئاسة الجمهورية سابقا ، والذي نخصصه للتطرق ونشر التفاصيل عن حــروب جمال عبدالناصر .... 67 ، حرب الأستنزاف .. وطبعا حرب 1956
...

وقد سمح لنا الصديق العزيز الدكتور كمال خلف الطويل ، بننشر تلك الدراسة علي الموقع ، حيث نتطرق إلي حرب 1967 وتطوراتها وملابساتها زننشر الخرائط والوثائق والصور ، بحيث يتمكن الباحث ، من العثور علي ما يسعي إليه ... وبشكل متركز عند الدخول لمواضيع الموقع ، وفي موقع واحد

http://samy-sharaf1.bravehost.com/

ويرجي العلم ، بأننا ما زلنا نضيف إليهم يوميا ، العديد ... ومن أقلام ... مؤيدة .. ومعارضة


أنشر هنا ، جميع موضوع التحليل ، وتبعا للفهرس والتقسيم الذي وضعه الدكتور كمال خلف الطويل ، ويرجي ملاحظة ، أنه نظرا لضخامة الموضوع ، فسيتم نشره علي عدة أجـــزاء منفصلة


د. يحي الشاعر


زيارة جديدة لعبد الحكيم عامر
دراسة تحليلية
بقلم

دكتور كمال خلف الطويـل
جـزء 2

حـــــرب 67


الــفــهــرســت



12-2-58_15_5_2007_6_27.jpg



عبد الحكيم عامر عسكريا


عبد الحكيم عامر داخليا


بداية فلقد كان عامر السند الأساسي والأمين للنظام طيلة السنوات الأربعة عشر التي قاد خلالها القوات المسلحة. هذا أكيد، لكن الأكيد بالمقابل هو أن ثمن ذلك كان باهظا على تركيبة النظام وسمعته وأدائه.


منذ أواخر الخمسينات وجدنا عامر قادرا على إبراز معاونيه وإيلائهم أخطر المناصب وأهمها. ها قد جعل من معاونه الرئيس صلاح نصر مديرا للمخابرات العامة في مايو 57 مصحوبا بنائبه عباس رضوان وهو التالي له في القرب. ثم نجده موليا عباس وزارة الداخلية في الإقليم الجنوبي بما عناه ذلك من رَكن زكريا محي الدين في منصب وزير الداخلية المركزي – بطابعه الإشرافي والرمزي – مضعفا بالتالي من منافس كامن رغم عدم سعي الأخير للمنافسة ورضاه بما قُسم له من نفوذ.


ثم نراه يستوزر معاونه الثالث توفيق عبد الفتاح وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية. ثم يتولى الإشراف على المؤسسات العامة وعلى السد العالي وعلى مجلس الطرق الصوفية وعلى اتحاد كرة القدم.

واضح أن ذلك تم برضا عبد الناصر، الذي تصور أن عامر هو الأوثق والأقدر على إدارة الأمور بالحزم العسكري المطلوب وبإشارة للجميع أن الجيش لا زال مربض النظام وهراوته الجاهزة.


جمع عامر بين السياسي والعسكري في مزيج ضعيف الوظيفية أودى إلى خروج الجيش بعيدا جدا عن مهمته الأصلية في حماية الوطن وحماية النظام. لنتأمل حكاية إشراف عامر على النقل العام بالقاهرة عبر أحد ضباطه عبد العزيز الجمل! هل من منطق لهذا اللامعقول؟


بعد نكسة الانفصال السوري اشتدت رغبة عامر في التوسع في القطاعات المدنية. ربما ما كبح اندفاعه بعض الشيء هو انشغاله الشديد بحرب اليمن، لكنه ما إن أزف عام 65 إلا ووجدناه يندفع لآخر الشوط في حلبة تأمين النظام بالوسائل الأمنية.

إذ ما إن اكتشفت أول خيوط مؤامرة تنظيم سيد قطب الإخواني في يوليو 65 إلا وأمسك عبد الحكيم بكل الخيوط عازلا وزير الداخلية عبد العظيم فهمي وجهاز مباحث أمن الدولة التابع له عن القضية تحت تهمة فشل الجهاز في اكتشاف المؤامرة، وموليا التحقيق للشرطة العسكرية وجهاز المباحث الجنائية العسكرية التابع لها، وكله تحت إشراف مدير مكتبه الموثوق شمس بدران.

نجده بعدها بأقل من عام يتقدم لرئاسة لجنة تصفية الإقطاع، والذي بدت ملامح بقاياه في الريف مجسدة في حادث اغتيال صلاح حسين بكمشيش/المنوفية في 1 مايو 66.

تمتعت اللجنة بصلاحيات استثنائية في الاعتقال والمصادرة والعزل زاولتها عبر ذلك العام 66.

مع بداية 67 توسع عمل اللجنة لتصبح لها سلطة الإشراف العليا على جهاز الدولة قاطبة وسميت تناسبا لجنة الرقابة العليا للدولة.

حفلت الشهور الأولى من 67 بعملية إعادة تنظيم شاملة لجهازي الحكومة والقطاع العام والحكم المحلي أوصلت الكثيرين من الموالين لعامر لأبرز المناصب.

تزاوج ترؤسه لتلك اللجنة مع توليه الإشراف على قطاع الشباب وعلى قضايا استزراع الأراضي وعلى قطاع البحث العلمي.

لم يبق لعامر إلا أن يلغي منصب رئيس الوزراء ليصبح الحاكم بأمره في القطاعين المدني والعسكري وليصبح عبد الناصر رمزا للنظام لا أكثر مع بعض سلطة في السياسة الخارجية.

ورغم أن تولية زكريا محي الدين رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية في أكتوبر 65 قلصت من نفوذ الشرطة العسكرية الأمني إلا أن تجاوزات الأخيرة كانت قد بلغت مبلغا شوه سمعة النظام دون مسيس حاجة.

ولعل من مكائد التاريخ أن يكون مكتب عبد الحكيم ذاته مفرخة للتآمر على نظام يوليو، ليس مرة بل مرات. هناك حكاية داود عويس في خريف 59 (ستروى في مكان لاحق) وهناك حكاية عبد الكريم النحلاوي (ومكانها في فقرة أخرى) ثم هناك عبد القادر عيد الذي انكشفت محاولته أعقاب الانفصال وحوكم وأدين.


ومع بلوغ المنطقة عتبة الحرب في يونيو كان عبد الحكيم عامر الأول مكررا بامتياز.




عبد الحكيم عام اجتماعيا


هذا الصعيدي الشهم الذي افتتن به ضباطه لكونه ولي النعم الكريم المدرار عرف أيضا بفروسية طباعه ودماثته ودفئه الودود.

وطيلة السنوات التسع ما بين 52-61 كان عامر مثالا للالتزام العائلي وحسن السلوك والسيرة. صدق فيه حينها وصف عبد الناصر له أنه "كان قطة مغمضة".

والثابت أن ذهابه لدمشق حاكما لها في أكتوبر 59 كان نقطة تحول إلى مسار مسلكي مغاير، مما يوحي ببساطة إلى أن التزامه الخلقي كان – في جانب غير يسير منه – بسبب خشيته من اكتشاف عبد الناصر لأي مزالق مسلكية له.

في دمشق ابتعدت عين عبد الناصر عنه ولازمه سكرتير شخصي هو رمز للاستهتار الخلقي أعني علي شفيق. لم يكن شمس بدران معه هناك ولا عباس رضوان ولا توفيق عبد الفتاح ليبصَّروا وينصحوا.

ابتدأ الترويح بجلسات الحشيش التي ينظمها علي شفيق، ووصل إلى الخمر، ثم تمادى إلى استلطاف المطربة الصاعدة وردة الجزائرية والتسري بمنادمتها.

كل ذلك – على كل – كان يجري بحرص شديد وتكتم أشد، لكن رائحته فاحت رغم ذلك وعلى الأقل ضمن دائرة ضيقة من العارفين من بينهم عبد الحميد السراج.

بعد أن عاد عامر مساء 28 أيلول 61 كسير الخاطر طريدا من "إقليمه" الشمالي، يجر أذيال خيبة حكمه له وفشل صونه من التآمر، أصيب بإعياء نفسي شديد أخاف أعوانه الذين أحسوا أن بقاءهم من بقائه منعةً ودوراً.

اجتهد كاهنهم الأكبر صلاح نصر فرأى في المسرات والمباهج ما يكفل إخراج عامر من ذل الانكسار.

هو من عرفه على برلنتي عبد الحميد حينها وهي التي نالت شذرة من ثقافة نهلتها من خطيبها الشيوعي السابق مصطفى هيكل، فتركت انطباعا آسرا على عبد الحكيم، وهو الفقير في عالم الثقافة والنظريات متكلا – في هذا المضمار – بالكامل على ثقافة عبد الناصر اللامتناهية.

وصلت هذه العلاقة الناشئة إلى ذروتها في ربيع 63 حين عقد عبد الحكيم عليها عقد زواج عرفي جرى التكتم عليه بإتقان من أعوانه، وهم الممسكين بمعظم مصادر المعلومات.

ولولا أن برلنتي حملت منه بعد أعوام أربعة من الزواج لتنجب في فبراير 67 لما عرف أحد شيئا عن المسألة.

سعى عامر إلى التكتم الشديد على مسألة الزواج لمعرفته المباشرة أنه لطالما ردد عبد الناصر أمامه مقولة أن الخيانة الزوجية تساوي الخيانة الوطنية في سوءتها ومداها.

عندما ولد عمرو من برلنتي في فبراير 67 وصل الخبر إلى أحد قيادات الاتحاد الاشتراكي بقسم عابدين، والذي أوصله – بطريقة أم بأخرى – إلى وزير الداخلية شعراوي جمعة.

تحرى الأخير عبر جهاز مباحث أمن الدولة فوجد البلاغ مصيبا. أبلغ عبد الناصر الذي جزع لسماع النبأ واستدعى عامر مجابها إياه به. اشتعل الأخير غضبا وحاول النفي والإنكار لكنه في النهاية أقر بالقصة واعترف. كان ذلك في أواخر أيام فبراير 67.

وتحت ضغط انكشاف موبقاته اضطر عامر لرفع العلم الأبيض راضيا بالابتعاد إلى يوغوسلافيا مدة تكفل معالجة أثر الحكاية تمهيدا لقبول استقالته – دون ربطها بالفضيحة – من الحكم بالتمام والكمال.

انتهت المسألة على غير هذا النحو ... ونقاش ذلك في مكان آخر.



عبد الحكيم عامر عربيا


سبق وتعرضنا لمسرح اليمن بما هو مسرح عربي جرى فوقه اصطراع حركة القومية العربية مع أنظمة العمالة والتبعية.

لكن ما يتوجب تبيانه أنه اجتمعت لإدارة مواجهة اليمن شخصيتان كانت كل منهما الأقل اقتدارا على الإدارة: أحدهما عبد الحكيم عامر للشأن العسكري والآخر أنور السادات – إمعته وخدينه – للشأن السياسي.

أي باختصار توفر لها أسوأ من في القيادة المصرية، وهو مما يشرح بجلاء أسباب العبث وسوء التدبير، الذي تجلى ما بين أكتوبر 62 إلى أبريل 66، وحتى انتهجت سياسة النفس الطويل وتخفيض القوات.

المحطة الأهم في سجل عبد الحكيم العربي هي حكم سوريا بفشل قياسي أوصلها للانفصال.

والحق أن خلفية قرار استنساب عبد الحكيم حاكما مطلق الصلاحيات لسوريا هي المتاعب الكبيرة التي نالها عبد الناصر من فئات البعث المنحل، سواء بالصراع الصامت بين العفالقة والأكرميين، أم بشكوى الطرفين المبالغ بها من وزير الداخلية عبد الحميد السراج، أم بمحاولة وزرائهم تبعيث العديد من أجهزة الدولة بما أوصل شرائح كبيرة من النخبة السورية إلى مرحلة الجأر بالشكوى منهم ومن تحزبهم.

والحاصل أن فصل الخطاب بين عبد الناصر والبعث كان فشل الأخير الساحق في انتخابات الاتحاد القومي في حزيران 59، والذي عزاه البعث – في هروب للإمام – إلى تدخل المؤسسة الأمنية وسرّاجها ضده.

والأدق أن حجم شعبية البعث في الشارع السوري كان فعليا ما عبرت عنه الأرقام، إذ مضى على حكمهم – بالأكثرية – عام ونيف كفل تبين الشارع لفئويتهم وأثرتهم.

تجلى الأخدود الناشئ بين عبد الناصر والبعث في إقالة الأول للبعثي رياض المالكي من وزارة الثقافة والإعلام السورية في أيلول 59، ثم في إثارة وزراء البعث - وعلى رأسهم نائب الرئيس الحوراني - مسألة تحويل الأردن في أكتوبر منه، مطالبين بشن الحرب على إسرائيل لإجبارها على إيقاف التحويل.

والثابت أن مزايدة الحوراني وصحبه في مسألة التحويل كان لها أسوأ الوقع في نفس عبد الناصر، الذي أيقن أنه أمام عصبة من الهواة الطفوليين الذين لا يقدرون مسائل الحرب والسلام حق قدرها ويعبثون بمصائر الشعوب التي ائتمنتهم على سلامة أوطانها ومجتمعاتها.

عند ذاك المفصل جاء تعيين عبد الحكيم عامر نائبا مقيما في دمشق.
صاحب التعيين إعادة تنظيم هيئة أركان حرب القوات المسحلة وتعيين علي عامر رئيسا لها ثم فصل مكتب وزير الحربية عن مكتب القائد العام رغم اجتماع المنصبين في شخص عامر.

عني مكتب وزير الحربية بعلاقاته مع الأوساط السياسية والحكومية المدنية، أما مكتب القائد العام للشؤون العامة فهو المكلف بتأمين القوات السياسي.
لذا صاحب داود عويس مدير مكتب الوزير قائده عامر إلى دمشق كلما قدم إليها بينما قبع شمس بدران مدير مكتب القائد العام في القاهرة طيلة الوقت.

 
زيارة جديدة لعبد الحكيم عامر
-جزء 3 -

"تحليل لشخصيته"
عبدالحكيم عامر دولـيــا
عبدالحكيم عامر ورفـــــاقـــه




دراسة تحليلية بقلم دكتور كمال خلف الطويـل




حتي "يتكامل"هذا الجزء من دراسة الدكتور كمال خلف الطويل ، أنشر بقيته .. التي تتعلق بنواحي
عبدالحكيم عــامر ....

هذا الجزء الذي يتعلق بتحليل شخصية عبدالحكيم عامر من نواح شخصية عامر .. دوليا ... وشخصيته وتصرفاته وعلاقته مع "رفاقه" ...

الجوانب الخمس من شخصيته ، إنعكست علي الأحداث وكانت عاملا للتأثير علي مصير حياته ... بل كانت نتيجهم ... نهايته التي سيق لها ....

جوانب تحليل حياة شخصية ، من النقاط الهامة في أي دراسة عن "عبدالحكيم عــامر" ... وستساعدنا علي تفهم ... النــهــــاية ...... وأقصد نهاية للبداية


فيما يلي ما يتطرق اليه الدكتور كمال خلف الطويل في الدراسة التحليلية التي كتبها عن عبدالحكيم عامر والتي ننشرها في موقع ســامي شرف ، سكرتير جمال عبدالناصر ووزير شئون رئاسة الجمهورية سابقا ، والذي نخصصه للتطرق ونشر التفاصيل عن حــروب جمال عبدالناصر .... 67 ، حرب الأستنزاف .. وطبعا حرب 1956
...

وقد سمح لنا الصديق العزيز الدكتور كمال خلف الطويل ، بننشر تلك الدراسة علي الموقع ، حيث نتطرق إلي حرب 1967 وتطوراتها وملابساتها زننشر الخرائط والوثائق والصور ، بحيث يتمكن الباحث ، من العثور علي ما يسعي إليه ... وبشكل متركز عند الدخول لمواضيع الموقع ، وفي موقع واحد

http://samy-sharaf1.bravehost.com/

ويرجي العلم ، بأننا ما زلنا نضيف إليهم يوميا ، العديد ... ومن أقلام ... مؤيدة .. ومعارضة


أنشر هنا ، جميع موضوع التحليل ، وتبعا للفهرس والتقسيم الذي وضعه الدكتور كمال خلف الطويل ، ويرجي ملاحظة ، أنه نظرا لضخامة الموضوع ، فسيتم نشره علي عدة أجـــزاء منفصلة


د. يحي الشاعر


زيارة جديدة لعبد الحكيم عامر
دراسة تحليلية
بقلم

دكتور كمال خلف الطويـل
جـزء 3

"تحليل لشخصيته"
عبدالحكيم عامر دولـيــا
عبدالحكيم عامر ورفـــــاقـــه



الــفــهــرســت




12-2-58_15_5_2007_6_27.jpg





عبد الحكيم عامر دولــيا




عرف عامر كأحد أهم متابعي ملف العلاقات المصرية – السوفياتية منذ البداية. زار موسكو أول مرة في نوفمبر 57 عاقدا معها اتفاقا اقتصاديا ضخما إضافة لمزيد من صفقات السلاح تلي صفقة البداية في سبتمبر 55.

عاد إليها – بعد طول جفاء – في أبريل 63، ثم في أعقاب تنحية خروشوف في نوفمبر 64، وأخيرا في نوفمبر 66.

نظر إليه السوفيات كساعد أيمن لعبد الناصر في تدشين أسس ودعائم الصداقة المصرية – السوفياتية، ومن هنا إهداؤه لقب بطل الاتحاد السوفياتي في مايو 64، مثَلُه كمَثَل عبد الناصر نفسه.

لنقارن بين هذا التقدير وبين ما وصلت إليه حاله معهم يوم 9 يونيو 67. يومها استدعى السفير السوفياتي ديمتري بوجداييف لمقر قيادته ليقرأ على مسامعه مزامير الاتهام بالخيانة والتخلي والتواطؤ، وراميا على أعتابه وزر التسبب بهزيمة نكراء ما كان لها أن تقع لولا تفاهمات خلف الستار بينهم وبين واشنطن.

كم كان مخطئا وكم كان تحليله متناسب مع ضعف ملكاته الذهنية منها والمعرفية.


عبد الحكيم عامر ورفاقه

الثابت أن التنافس على موقع الرجل الثاني في نظام يوليو شغل حيزا واسعا من تجاذبات الحلقة القيادية العليا .. ومنذ وقت مبكر. واضح أن التزام مجلس قيادة الثورة القديم باحترام تراتب الرتب جعل من عبد اللطيف البغدادي الثاني في الدرجة منذ أن خرج جمال سالم من الحكم في يونيو 56، ومن هنا اصطفاؤه لرئاسة مجلس الشعب في يوليو 57.

كان الثاني رتبة حينها هو زكريا محي الدين، لكن ترفيع عبد الناصر لعبد الحكيم عام نائبا ثانيا لرئيس الجمهورية مع النائب الأول البغدادي قدّم عامر على زكريا. يحسب للأخير أنه لم ينخرط في هذه التجاذبات مقدما المثل دوما على الولاء للنظام ولقائده .. وبطريقته.

منذ تعيين النائبين – البغدادي وعامر – في فبراير 58 - مصحوبا بترفيع عامر لرتب المشير - بدأ التدافع يتصاعد من مكتوم لملموس.

غداة الانفصال كان البغدادي على رأس المطالبين برأس عامر لمسؤوليته عنه.

ثم رأيناه في نوفمبر 62 يرأس الجلسة الشهيرة لمجلس الرئاسة والتي تقدم فيها عبد الناصر بمشروع حصر التعيينات العسكرية العليا بالمجلس، وليس القائد العام. فيها دافع البغدادي بحرارة عن ضرورة هذا التغيير بما يعنيه من تقليص صلاحيات عامر اللامحدودة وإخضاعها لجماعية القيادة.

في عام 63 بدأ البغدادي ينتقد حرب اليمن ويدعو للخروج منها بشتى السبل، ثم زاوج ذلك بانتقاد التوسع الكبير في التأميمات في أغسطس 63.

لكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت قناعة الغدادي أن عبد الناصر – لأسبابه – يبَّدي عامر عليه لدرجة استنسابه لمنصب النائب الأول للرئيس، وكما جرى فعلا في مارس 64.

كان عامر يبادل كمال حسين ودا بود، لدرجة أن الأخير جمد استقالته من مناصبه لشهور عدة قبل أن يصَّر عليها تضافرا مع استقالة البغدادي في مارس 64.

من هنا توجيهه رسالة التقريع لكمال حسين إثر رسالة الأخير شديدة اللهجة لعبد الناصر بعنوان: "اتق الله" احتجاجا على اعتقال سيد قطب في يوليو 65. فيها نجد كما كبيرا من المودة المغمسة بالعتاب.

كان يخشى من زكريا لتيقنه أنه يفضله بمرات، وهو رجل الدولة والمعلومات والأمن، والحائز على احترام كل المراتب، ومن هنا تقليمه أظافر زكريا في الداخلية عبر إحلال رجله فيها من أكتوبر 58 وحتى أكتوبر 61، قبل أن يعود زكريا إليها إثر الانفصال ولعام بعده، ثم مرة أخيرة ولعام بين أكتوبر 65 إلى سبتمبر 66.

كان أنور السادات الخدين والنديم سواء في الحشيش أم الفودكا، والمتلقي للنعم من وليها، والمصاحب في رحلات اليمن كممثل سياسي للرئيس وقائده العام. لم يكن عامر كثير الاهتمام - ولانعدام الخشية – بحسين الشافعي وحسن ابراهيم إلا من باب اللياقة. أما المعضلة غير المرغوب بها بيقين فهي علي صبري أمين عام الاتحاد الاشتراكي.

بذل الأخير جهدا مكثفا وبلا هوادة لبناء تنظيم سياسي فاعل. مجرد هذه المحاولة الجادة عنت لعامر أن قوة موازية تنبلج وتبزغ وأن مآلها، إن استمرت، أن تشكل منافسا حقيقيا للعسكرية، خصوصا إن وصل بها الحال في المقبل من الأيام إلى إيصال كوادرها الشبابية لأحشائها وثناياها.

لذا شهدت الفترة ما بين أكتوبر 65 (عندما تولى علي صبري أمانة الاتحاد الاشتراكي) ويونيو 67 صراعا مفتوحا - وإن صامتا – بين الرجلين تجلى في يناير 67 عندما وضع عامر قطاع الشباب برمته تحت وصايته المباشرة.

أما مع الذين خرجوا في أوقات مبكرة من مجلس الثورة وهم بالتحديد: عبد المنعم أمين ويوسف صديق وخالد محي الدين وصلاح سالم وجمال سالم فقد كان قريبا من صلاح سالم فقط أما الباقين فكان يسلك نحوهم ما يراه من سلوك عبد الناصر تجاههم
 
زيارة جديدة لعبد الحكيم عامر
-جزء 4 -

عبد الحكيم و "سوريا وحكاية داود عويس"





دراسة تحليلية بقلم دكتور كمال خلف الطويـل




يتطرق الدكتور كمال خلف الطويل ، في دراسته إلي موضوع ، ما زال تخفق له القلوب ... وما زالت مشاعر الغضب، تتواجد في أنفسنا ... لما حدث ... فلم يكن عبدالحكيم عامر وحده "سببا" في فشل الوحدة بين سوريا ومصر ...

حقا ، كان المسئول الأول عن الأقليم الشمالي ... "الرجل العسكري ... برتبة المشير .. ومعرفة "الصاغ" ... الرائد ... والجهل السياسي والثقافي القومي العربي ...

كان مسئولا عن عرين الفكر القومي العربي ... وقادة الفكر الثقافي العربي ... من تحطم علي من ...

- هل تحطم جهل وشخصية عبدالحكيم عامر ، علي اقدام الفكر العربي القومي الذي كانت تقوده سوريا ...

أم تحطمت الوحدة المصرية السورية والأمل العربي ، علي أقدام صخرة جهل وتساهل وغياب "عبدالحكيم عامر" ..... ؟؟؟؟؟

طبعا لا يمكننا إلقاء كل اللوم عليه ... ولكنه يتحمل جزء كبير منه .... عبدالحكيم عــامر ....
... النــهــــاية ...... للبداية


فيما يلي ما يتطرق اليه الدكتور كمال خلف الطويل في الدراسة التحليلية التي كتبها عن عبدالحكيم عامر والتي ننشرها في موقع ســامي شرف ، سكرتير جمال عبدالناصر ووزير شئون رئاسة الجمهورية سابقا ، والذي نخصصه للتطرق ونشر التفاصيل عن حــروب جمال عبدالناصر .... 67 ، حرب الأستنزاف .. وطبعا حرب 1956
...

وقد سمح لنا الصديق العزيز الدكتور كمال خلف الطويل ، بننشر تلك الدراسة علي الموقع ، حيث نتطرق إلي حرب 1967 وتطوراتها وملابساتها زننشر الخرائط والوثائق والصور ، بحيث يتمكن الباحث ، من العثور علي ما يسعي إليه ... وبشكل متركز عند الدخول لمواضيع الموقع ، وفي موقع واحد

http://samy-sharaf1.bravehost.com/

ويرجي العلم ، بأننا ما زلنا نضيف إليهم يوميا ، العديد ... ومن أقلام ... مؤيدة .. ومعارضة


أنشر هنا ، جميع موضوع التحليل ، وتبعا للفهرس والتقسيم الذي وضعه الدكتور كمال خلف الطويل ، ويرجي ملاحظة ، أنه نظرا لضخامة الموضوع ، فسيتم نشره علي عدة أجـــزاء منفصلة


د. يحي الشاعر


زيارة جديدة لعبد الحكيم عامر
دراسة تحليلية
بقلم

دكتور كمال خلف الطويـل
جـزء 4

عبد الحكيم و"سوريا وحكاية داود عويس"



الــفــهــرســت




12-2-58_15_5_2007_6_27.jpg






عبد الحكيم "سوريا وحكاية داود عويس"



لنتأمل معا حكاية داود عويس

يذهب إليه ميشيل عفلق شاكيا باكيا من سوء معاملة عبد الناصر له ولآل البعث كلهم، ومنوها بأن شعورهم نحو عامر هو مغاير تماما ولدرجة اليقين بأنهم يستطيعون التعامل والتعاون معه بيسر لا يرونه مع عبد الناصر.

ولأن داود عويس كان يعرف تنامي طموح قائده عامر في طلب الندية مع عبد الناصر، فإنه قدّر أن حلفا مع البعث السوري يوطد أركان عامر في الإقليم الشمالي بما يجعل منه قاعدة للضغط على رئيس الجمهورية من موقع قوة مكثفة ودالة.

كان ولاء داود عويس لعامر وله فقط، لكنه ابتدأ الآن يرى محاسن علاقة زواج بين قائده والبعث، تجعل من عبد الناصر رمزا لا حاكما مطلقا، وتضيف لشعبية عامر في الجيش شعبية في إقليم الشمال تنضاف على أي حصة شعبية له في الجنوب.

بلغ السبيل بعفلق أن يصل لإقناع عويس بضرورة الاستقالة من الحكم وفق حبكة تتجاوز الانتماء الإقليمي.

منطقه كان أن وزراء البعث على أهبة الاستقالة وأن الجميل أكثر هو أن يشاركهم وزراء المشير هذه الاستقالة فتبدو وكأنها مصرية – سورية وليست سورية.

انكشفت قصة عويس من قبل أحد رفاقه - وفاء حجازي - وقبل أن يتمكن عويس من جمع عفلق بوزراء المشير.

يثور هنا السؤال هل كان لعويس أن يتمادى في تواطئه دون أدنى علم لقائده؟

الأرجح هو أن عامر لم يكن يعرف مدى تأثير عفلق على عويس، لكنه علم بالاتصالات وبشكاوى البعث وبثنائهم عليه، وداهمته خبرية التواطؤ الأبعد مدى ومن أقرب الأقربين إليه في دمشق.

ما كان منه حينها إلا أن يضحي به قربانا على مذبح "أخوته" مع عبد الناصر.

دام جلوس عامر في دمشق من أكتوبر 59 وحتى أغسطس 60، استمر خلالها عبد الحميد السراج وزيرا لداخلية الإقليم، ورئس فيها نور الدين كحالة – التكنوقراطي المستقل – وزارة الإقليم.

خلالها استنسب عامر المقدم عبد الكريم النحلاوي نائبا لمدير إدارة شؤون الضباط في الجيش الأول (والتي يرئسها أحد أصفياء المشير: العميد أحمد علوي) وهو المنصب الخطير الذي يسمح للنحلاوي بالتحكم بتنقلات الضباط طالما كسب ثقة المشير، والتي اكتسبها إيما اكتساب.

لمَ كان ذلك؟ لأنه لم يكن لا بعثيا ولا شيوعيا ولا قوميا سوريا ولا حزبيا من أي نوع، ولأنه كان مستقيما في انضباطه المسلكي ومحافظا في سلوكه الاجتماعي ودمشقيا بامتياز.

تحلى النحلاوي بالكتمان مخفيا عواطفه الإخوانية، ومظهرا كل آيات الولاء والطاعة لقائده عامر، والذي كان يبادله محبة واصطفاء.

صاحب ذلك نقل 1400 ضابط مصري للجيش الأول لملء الشواغر الكثيرة في جيش يراد له أن ينمو ويتوسع، وكضمانة أمن تنزرع في أحشائه.

صاحب ذلك نقل عدد من الضباط السوريين – وبالأخص البعثيين – إلى مصر وتسريح الضباط الشيوعيين.

والحاصل أن تجربة تلقيح الجيش السوري بضباط مصريين فشلت فشلا ذريعا للأسباب التالية:

1 – طابع الافتجاء في العملية دون تمهيد من المستويات العليا للأدنى فالدنيا.

2 – سوء سلوك العديد – وليس غالبية – من الضباط المصريين في تعاملهم مع مرؤوسيهم السوريين.
تأتى هذا السلوك – في جله – من طبيعة معاملة قيادة عامر لضباطه، أي ألوان الدلال والتدليل والمزايا طلبا للولاء بل وشراء له.

3 – ضعف الثقافة القومية في سلك الضباط المصري.

في الخلفية أن اندخال مصر في حركة القومية العربية كان عمره سنوات أربع فقط – بالمعنى الجدي للكلمة.

4 – قدرة قوى الثورة المضادة السورية على توليد ونشر الشائعات حول الضباط المصريين وسلوكهم "الاستعماري".

وحتى على صعيد أمن القوات المسلحة للإقليم الشمالي، لم يستطع الـ 1400 ضابط القيام بأي عمل معيق للانفصال، وما كان أمامهم إلا الاستسلام للإنقلابيين تمهيدا للترحيل.

مع تقدم شهور إقامة عامر في دمشق بدأت الاحتكاكات والحساسيات بين رجاله ورجال عبد الحميد السراج وزير الداخلية ومدير المخابرات في الإقليم الشمالي تتعاظم اضطرادا، بسبب محاولة عامر تقليم أظافر السراج، وهو الذي كانت تنهال عليه تهم الاستبداد والقمع من الأحزاب "العقائدية" الثلاث فضلا عن رجالات اليمين التقليدي.

وجد عامر أن طريقه لاكتساب الشعبية في سوريا – وهو مما يقوي أوراقه في سعيه للندية مع عبد الناصر – يمر عبر طريق تحجيم السراج.

وصل الخلاف بين الرجلين إلى مستوى ملحوظ مع صيف 60 لكنه أخمد وجُمّد عندما انتصر عبد الناصر للسراج في أغسطس من ذلك العام بعد أن دبر الأخير عملية اغتيال هزاع المجالي رئيس وزراء الأردن في مقره بعمان.

سُحب عامر من دمشق، ورُفـّع السراج لمرتبة رئيس وزراء مع احتفاظه بوزارة الداخلية، فانفرد لشهور ستة في حكم سوريا دون منازع.

في 22 فبراير 61 زار عبد الناصر دمشق وبرفقته عامر للاحتفال بعيد الوحدة الثالث. ألقى حينها خطابا لاهبا في اللاذقية منذرا أعداء الوحدة في الإقليم بسوء العاقبة إن مضوا في تواطئهم ضدها.

كان عبد الناصر يقصد قوى شتى، من بينها البعث، الذي كان يتمادى تنائيه عن عبد الناصر وشنه لحرب الشائعات على عهد الوحدة.

ومن باب أن حارسين أفضل من حارس واحد فضّل عبد الناصر أن يعود عامر للإقامة في سوريا مشرفا عاما، مع الاحتفاظ بالسراج في مناصبه.

عاد الاحتكاك من جديد وعاد معه التجاذب وعض الأصابع والتسريبات والمناورات.

وجهة نظر السراج (قابله الكاتب مرتين: يونيو 2002 ويونيو 2005) أن عبد الحكيم – بالمعاينة المباشرة والتماس اللصيق – كان لعنة على عبد الناصر وعلى يوليو وعلى الوحدة، إذ أن خصائص شخصيته كرجل ملذات وراشٍ وباحث عن السلطة كلها كفيلة باجتلاب الويلات، وأن نقطة الفصل هي ضعف عبد الناصر الشخصي أمامه كصديق وأخ، مما حال بينه وبين رؤية المثالب والتعامل مع صاحبها بما يناسب، إلى أن تحول التمنع إلى عجز مع تقادم السنين.

من واقع هذا الرأي الشديد السلبية صمم السراج على دفع غائلة عامر دون المس قيد أنملة بولائه المطلق والتام لعبد الناصر وما يمثله.

والحاصل أن فترة أوائل صيف 61 قد شهدت مداولات واسعة النطاق ضمن حلقة القيادة العليا حول القيام بتأميمات واسعة النطاق في القطاع الاقتصادي كضرورة تنمية أولا، ومن ثم ضرورة عدل، وأخيرا ضرورة أمن.

إستشار عبد الناصر كلا من السراج وأكرم الديري وزير اقتصاد الإقليم حول اشتماله – أي الإقليم – في الإجراءات.

عارض الديري ووافق السراج جزئيا بحيث يقتصر التأميم على بعض البنوك وشركات التأمين. أما عامر فكان من رأيه التوسع ليضم شركات الإنتاج الكبرى (بمقاييس سورية).

كانت خطوة التأميم عملا أخرق بامتياز، إذ أن البورجوازية السورية المدينية، والتي نمت وترعرعت في في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كانت بكل المقاييس بورجوازية منتجة استثمرت في الصناعة والزراعة معا، ولم تكن كومبرادوية الطابع ولا مركنتيلية الهوى.

يُفهم مثلا تأميم البنوك أو تكثيف الإشراف والرقابة عليها من البنك المركزي لكفالة ألا تكون منفذا للنيل من تأميمات الإقليم الجنوبي، أما أن تؤمم الشركات الصناعية الرائدة فهو ما ينطبق عليه وصف الطفولية اليسارية.

ما علينا ... دبّ الحماس بعامر فقام بتعيين ضباط وحدويي النزوع – محمد النسر مثالا – مدراء للشركات المؤممة، فلا هو أمَّن إدارة خبيرة لها، وبالمقابل حرم الجيش السوري من ضباط كان يمكنهم أن يعيقوا الانفصال أو محاولته.

والأنكى أن صيف 61 – وبالأخص بعد صدور قرارات التأميم – شهد تحركات محمومة للتآمر على الوحدة لدرجة أن هاني الهندي قطب حركة القوميين العرب أتى للسراج بقائمة من 37 ضابط يتآمرون للإنقلاب وعلى رأسهم النحلاوي.

أوصل السراج القائمة لعبد الناصر الذي سارع لسؤال عامر عن كاتم أسراره السوري – النحلاوي – فما كان من عامر إلا أن دافع عنه بالأضراس والأظافر متهما السراج بأنه يستهدف "رجالته" و أنها دسيسة لا تستحق مجرد الالتفات إليها.

دأب عامر حينها على الشكوى لعبد الناصر من السراج، مرددا اتهامات الأحزاب السورية له بالاستبداد والقمع، ومشوها صورته درجة فوق درجة في عيني عبد الناصر.

في أغسطس 61 ارتكب عبد الناصر خطيئة أخرى تنضاف على خطيئة تعيين "فايسروي" مصري في سوريا، وهي الاكتفاء بحكومة واحدة للوحدة مركزها القاهرة.

صاحب ذلك نقل السراج من دمشق للقاهرة نائبا لرئيس الجمهورية، ولكن دون سلطات تنفيذية لا في الإقليم ولا في المركز.

فهم السراج الإشارة فانصاع هو - أو هكذا بدا - مع أمٌر رجاله في دمشق بعدم الانصياع لعامر هناك.

لم يبعده ذلك عن الاهتمام بتأمين الوحدة ضد المؤامرات، لكن استهداف رجاله المبثوثين في جهازي المخابرات والمباحث عطّل قدرتهم على التركيز على أمن الوحدة وحتّم التفاتهم لتأمين أمنهم أنفسهم.

رفضت هذه الكوادر أمر عامر لها بالالتحاق بالمخابرات العامة بالقاهرة، وصممت على البقاء في مواقعها، مما فتح باب المواجهة الحاسمة بين فريق السراج وفريق عامر، بينما النحلاوي رابض في عرينه ينتظر اللحظة المناسبة للتحرك.

والشاهد أن بدء التحضير لانقلاب الانفصال جرى منذ أوائل الربيع، وبسببه قام حسين الأردن بالاعتذار العلني من عبد الناصر في رمضان/مارس 61 عما سلف، حتى يؤمن التفات أنظار الأخير عنه، بينما هو منهمك في التآمر على الوحدة عبر صلة خاله الشريف ناصر مع حيدر الكزبري قائد سلاح الهجانة السوري.
المضحك المبكي هو أن انقلاب الانفصال تم على يد 37 ضابط فقط مما يبين هزال الأوضاع في الإقليم عشيته وهشاشتها الصارخة .. بل ورغم معرفة السراج الاستباقية بما هو قادم وتحذيره منه.

والحق أن إدارة عبد الحكيم عامر لأزمة انقلاب الانفصال يوم 28 سبتمبر تشي بمحدودية قدراته على السيطرة والقيادة.

تحرك الرجل قبل الفجر إلى مقر الأركان فوقى نفسه – دون أن يدري – من موت محقق لو قبع في منزله، إذ قام الكزبري بقصفه بالمدفعية في ساعات الصباح الباكر.

لكنه – بالمقابل – تطوع بأن يكون أسيرا في قبضة حصار الإنقلابيين.

كان الأجدر به، بعد أن يجري اتصالات سريعة بعديد من المواقع الموالية، أن يتوجه إلى أقواها، سواء الكسوة أم القطيفة، ليقود من هناك عملية مجابهة مع قوات الإنقلابيين المنطلقة من قطنا والضمير.

ما حدث هو أنه جلس في الأركان مفاوضا، دون قوة مادية مباشرة يستند إليها، وبالتالي ليس من خلفه إلا قوة معنوية يبددها كل ساعة في ضوء مخاوف ونوايا الإنقلابيين.

لنتصور سيناريو افتراضي فيه يوفَد أكرم ديري وطعمة العودة لله وأحمد الجنيدي وجادو وعز الدين إلى قطعات مختلفة تساند القوة التي يخصها بقيادته، لوجدنا أن الـ 37 ضابط إنقلابي سينهارون في ساعات بل سويعات.

ودليل أهمية استعمال كوادره المتاحة كما أسلف هو أن أول المرحَّلين من مطار دمشق للقاهرة كانوا هم، وذلك لاستشعار الإنقلابيين مدى خطورتهم عليهم. والبادي أن صمام أمان عهد الوحدة كان عبد الحميد السراج وأجهزته، كما كان الحال قبل الوحدة في تأمينه للعهد القومي 55-58.

بالمقابل كان عبد الحكيم عامر وبالا على الوحدة في المرحلتين اللتين قضاهما حاكما لسوريا – بفاصل ابتعاد دام شهورا ستة – وكما صوَّره، وبحق، السراج ذاته.

لخص لي السراج مشاعره نحو الانفصال بالقول: وحدة انتزعناها من فك الاستعمار بشق الأنفس ضاعت في لمحة بصر ومن 37 عميل أو أحمق بسبب من إهمال وتهالك عبد الحكيم وسكوت عبد الناصر عنه.

فيما سوى سوريا ومن ثم اليمن، لم يكن لعبد الحكيم اهتمام مباشر – وتطبيقي – في الساحة العربية اللهم إلا بشكل وجيز أثناء حرب الرمال بين الجزائر والمغرب حينما ساندت مصر الجزائر بلواء مدرعات وسرب قاذفات، وأيضا في جنوب اليمن المحتل وبالأخص منذ يناير 66 حين شدد من اهتمامه بتسعير الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني عبر قناتي القيادة العسكرية بصنعاء وجهاز المخابرات العامة.
في الحالتين كان منفذا لسياسة عامة وليس مركز قوة تدور في فلكه المجريات.
 
عودة
أعلى