نصيحة "هونكة" للعرب وللعالمبقلم: د. محمد عمارة
لقد وقعت كثير من بلادنا العربية والإسلامية بعد التحرر من الاستعمار العسكري في شرك الاستعمار التغريبي.. ثم بدأت الصحوة الإسلامية التي تبحث عن الذات والأصول والهوية والجذور، وذلك حتى يكون استقلالنا حضاريًا، وليس ، فقط، مجرد عَلَم ونشيد!..
وعن هذه الحقيقة من حقائق واقعنا العربي والإسلامي، كتبت المستشرقة الألمانية "سيجريد هونكة" تقول: (عندما تحررت البلاد العربية من نير الاستعمار الذي جثم فوقها قرونًا.. وجدت نفسها ـ على اختلافها ـ تواجه متطلبات العصر الحديث .. وأخذت تسلك سبلاً مختلفة كي تشق طريقها إلى العالم الحديث، لتفسح لنفسها مكانًا فيه، والأخذ بأسلوب حياة المستعمرين وحضارتهم الفتية, واحتذاء سيرة السادة وحياتهم الناجحة, وطريقتهم في العيش والتفكير, وعاداتهم وما حققوه من إنجازات مادية ومثل أخلاقية, وهكذا يتأوربون كالأوربيين, ويتأمركون كالأمريكيين, ويتروّسون كالروسيين!..
لكن.. في مواجهة هذا الخطر الجديد, الذي بات يتهدد الاستقلال الداخلي بعد التحرر خارجيًا, تداعت القوي - علي اختلاف تجربتها في المعاناة في ماضيها مع الاستعمار وشدة اغترابها - وأعلنت رفضها أن تكون مجرد تقليد أعمي للمدنية الحديثة الغربية..
إن الأصول والجذور التي ينبغي علي العالم العربي أن يجدها ويتعهدها حتى يشق طريقه إلي الأمام, هي:
1- اللغة العربية: فهي المفتاح الرئيسي إلي عالم الفكر الذاتي للعرب.
2- والدين: بصفته المحور الذي يدور حوله وجود العرب في كل ما يتعلق بأمورهم, ونعني بذلك الإسلام النقي من العناصر غير الإسلامية, المنفتح على العالم, والذي لا يعارض التطور العقلي..
3- وعودة الوعي, والرجوع إلي الهوية الذاتية, الذي يتطلب: التنقيب عن الماضي الفكري المدفون تحت الأنقاض تمامًا, واستيعاب أسباب نشوئه, واكتماله واكتهاله, ثم تقهقره واندثاره, والخروج بالعبر والدروس اللازمة للانطلاق للمستقبل, فالعرب انطلقوا من قبل أيضًا من البداية, وكانوا آنذاك وسط حضارات تفوقهم, فلم يترددوا في الأخذ عن أولئك الغرباء ما رأوه ضروريًا لبقائهم, دون أن يحاكوا محاكاة عمياء, ثم واصلوا فوقه البناء بطريقتهم الخاصة, وبالوسائل التي أتاحها لهم نبوغهم المميز, وصاحب هذا تطويرهم لأساليبهم النابعة منهم, وهكذا غدوا أكفاء لخلق إبداع فكري جديد, قيّم من الدرجة الأولي, منتمي إليهم.
فالتعلم من الماضي لبناء المستقبل حق مفروض... ورفض غلو التقوقع والانغلاق.. وغلو الانفتاح المطلق بلا قيد ولا شرط, والمؤدي إلي الاغتراب.. هو شرط للنجاة من الانحياز لجبهة واحدة, الأمر الذي يتهدد الحياة..
لقد أعقب المرحلة الأولي التي تلت الاستقلال, والتي اتسمت علي جميع المستويات, باتخاذها الأنماط الغربية أو الأيديولوجية الروسية قدوة لها, انتكاس المسيرة, وسرعان ما تمخض ذلك عن عدم الثقة بكل ما هو غريب دخيل, ورفضه, خاصة ما أتي من "الغرب", وقد ارتبط ذلك بإحياء الإسلام والرجوع إليه.
إن الإسلام هو - ولا شك - أعظم ديانة علي ظهر الأرض سماحة وإنصافًا. نقولها بلا تحيز, ودون أن نسمح للأحكام الظالمة أن تلطخه بالسواد, وإذا ما نحينا هذه المغالطات التاريخية الآثمة في حقه, والجهل البحت به, فإن علينا أن نتقبل هذا الشريك والصديق ـ {الإسلام}- مع ضمان حقه في أن يكون كما هو..)!
هكذا تحدثت المستشرقة الألمانية العالمة "سيجريد هونكة".. عن الاستقلال الذي سقط أهله في شرك التغريب.. وعن الصحوة من هذا المنزلق, والعودة إلي الذات والجذور والأصول, المتمثلة في: اللغة العربية.. والدين الإسلامي.. والوعي بأسباب النهوض العربي الأول.. ومنهاج ذلك النهوض.. والتوازن بين الخصوصيات وبين الصالح, مما لدي الآخرين.. فكانت هذه السطور التي رسمت منهاج النهوض, علي هذا النحو البديع والدقيق.