إستراتيجية الإلهاء
إن أهداف إستراتيجية الإلهاء المتبعة من بعض الحكام العرب لم تتغير منذ آلاف السنيين مهما تغيرت الأسماء والأماكن والهدف واحد هو البقاء في الحكم
من كون البلد مستهدفاً إلى قلة مندسة تسعى إلى تخريبه إلى أصحاب أجندات خارجية … لا يزال كثير من حكامنا العرب يتفننون في نسج فصول مسرحيتهم الوحيدة التي يجيدونها ولا يسعون حتى إلى التجديد فيها. ساعدهم في ذلك أنه خلال الخمسين سنة الماضية نتج عن التقدم السريع في العلوم اتّساع للفجوة بين المعارف العامة وتلك التي تملكها وتستخدمها النخب الحاكمة، وبفضل علم الأعصاب وعلم الأحياء وعلم النفس التطبيقي وصل النظام العالمي إلى معرفة متقدّمة للكائن البشري على الصّعيدين الفيزيائي والنّفسي.
لقد أصبح هذا النّظام قادرا على معرفة الفرد المتوسّط أكثر ممّا يعرف نفسه، وهذا يعني أنّ النظام في أغلب الحالات يملك سلطة على الأفراد أكثر من تلك التي يملكونها على أنفسهم.
ما يستدعي هذا الحديث هو ما نراه من تطبيق شبه حرفي لاستراتيجية إلهاء الشعوب التي تنفذ وتطبق في معظم الأوقات كضرورة بحسب الحاجة إليها، بأنواع وأشكال عدة، منها إلهاءٌ للتأثير أو سيطرة الحاكم على من حوله طوعا أو كرها والمحافظة على المكتسب وإبقاء الحال على ما هو عليه لأطول مدة ممكنة، وقد تنوعت الأساليب المتبعة للوصول إلى أنجع السبل لإدارة الجماهير والتحكّم في البشر وتدجين المجتمعات والسيطرة عليهم وتوجيه سلوكهم والسيطرة على أفعالهم وتفكيرهم.
وكان الزعيم الايطالي ببينيتو موسوليني مغرماً بكتاب الحشد لجوستاف لبون حتى أنه لا يفارقه، وكان كتاب الحشد يدرس الشكل النفسي والعقلية التي تدير بها هذه الحشود والجماعات نفسها.
للأسف إلى الآن يتم تحويل انتباه الرأي العام في كثير من دولنا العربية عن القضايا الهامة والتغيرات التي يقررها أصحاب القرار عبر إغراق النّاس بوابل متواصل من المعلومات التافهة, فلكي تتحقق الفائدة لهؤلاء الحكام يجب الحفاظ على تشتيت اهتمامات العامة بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، بجعل الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية. وجعل الشعب منشغلا دائما وأبداً، بل ان الامر يتعدى نحو ابتكار مشكلة أو موقف لاثارة ردّة فعل معيّنة من قبل الشعب، بحيث يندفع الجمهور طالبا لحلّ يرضيه، كالسّماح بانتشار العنف في بعض المناطق الحضرية، أو تنظيم هجمات إرهابية وقد تكون دموية، حتى تصبح قوانين الأمن العام مطلوبة ولو على حساب الحرية. أو خلق أزمة اقتصادية يصبح الخروج منها مشروطا بقبول الحدّ من الحقوق الاجتماعية وتفكيك الخدمات العامّة, فيتمّ تقديم تلك الحلول المبرمجة مسبقا, ومن ثمّ قبولها على أنّها شرّ لا بدّ منه او تمرير إجراء غير مقبول من الممكن ان يثير ثورة داخل البلاد لو تم تنفيذه دفعة واحدة بتطبيقه بصفة تدريجيّة.
بل يصل الامر الى مخاطبتهم الشعب كمجموعة قصّر وأطفال صغار والاخطر التوجّه إلى مخاطبة العواطف وهو أسلوب كلاسيكي لتجاوز التحليل العقلاني، بالتالي يتعطل الحسّ النقدي للأشخاص كما أنّ استعمال المفردات العاطفيّة يسمح بالمرور إلى اللا وعي حتّى يتمّ زرعه بأفكارهم وإيثار الرّغبات أو المخاوف والانفعالات. وكذلك محاولة إبقاء الشّعب في حالة جهل وحماقة بحيث يكون غير قادر على استيعاب التكنولوجيات والطّرق المستعملة للتحكّم به واستعباده. واخيرا تشجيع الشّعب على استحسان الرّداءة وان ينظر بعين الرضا إلى كونه غبيّا ومبتذلا وغير متعلّم فمن دام على شيء ألفه.
إن أهداف إستراتيجية الإلهاء المتبعة من بعض الحكام لم تتغير منذ آلاف السنيين مهما تغيرت الأسماء والأماكن، فالهدف واحد وهو البقاء في الحكم، وإذا قامت معارضة نُعتت بصفات عدة هي الأقذع على نهج ما أبداه فرعون مصر من تخوفه من دعوة نبي الله موسى عليه السلام “إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ”، وعندما قال رجل مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ “أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ” قَالَ فِرْعَوْنُ “مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَاد”.
لقد مضى قرابة النصف قرن على بعض هؤلاء الحكام العرب في مناصبهم ولا يريدون التخلي عن كراسيهم أو صلاحياتهم المطلقة دون خوض معارك دامية بينهم وبين شعوبهم، فخلال الربيع العربي وهو ربيع الثورات التي تقوم بها الشعوب العربية نجد هؤلاء يرتكبون نفس الخطأ في مواجهة شعوبهم ويطلقون عليهم جميع أنواع التهم والسفاهات.
الخلاصة
في مقال له في الإندبندنت يتعجب الكاتب باتريك كوكبرن بقوله “الغريب في الأمر أن الحكام العرب الواحد تلو الآخر يرتكبون الأخطاء التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك”.
يتصرف هؤلاء المستبدون كالزعيم الليبي معمر القذافي وعلي عبد الله صالح في اليمن، كما لو كانوا اتفقوا على الانتحار الجماعي، فتراهم يلجأون إلى العنف الزائد تارة والوعود بإجراء إصلاحات لا فائدة منها تارة أخرى، بكميات مناسبة تماما لخلع أية مصداقية عنهم وتعطيل أنظمتهم.
لقد اكتشف هؤلاء فجأة أن الوصفات التي مكنتهم من البقاء في الحكم منذ أوائل السبعينيات لم تعد ناجعة، والأمر ينطبق على الملكيات والجمهوريات على حد سواء لأنها تعمل بنفس الطريقة، ويتناسون انه لو صمدت ذرة من الحق أمام جبل من الباطل لهزمته.
الخاتمة
لقد حققت تلك الاستراتيجيات وأساليب القمع التي اتبعها الحكام خلال العقود الماضية ميزة لهم عبر التلاعب بمجتمعاتهم وشعوبهم وإلهائهم. أما الآن فقد اختلفت أصول اللعبة؛ فثورة التكنولوجيا بما أتاحته للشعوب فضلا عن الحالة المزرية لشريحة كبيرة من الشعب والغناء الفاحش للحكام مع إمكانية معرفة حجم ثراء وطريقة معيشة الحكام من قبل شريحة واسعة جدا من العامة وبسرعة هائلة كل ذلك أفقد تلك الاستراتيجيات فاعليتها. وهو ما يوجب على الحكام العرب المسارعة بتنفيذ إصلاحات سياسية واجتماعية وعدم التشبث بأساليب لا تنفع بل تضر مثل نعت المعارضة والمطالبين بالإصلاحات السياسية بجميع النعوت السيئة أو إقحام الطائفية أو دول خارجية في الأمر والله الموفق.
http://www.tfrasheed.org/ara/?p=1469
إن أهداف إستراتيجية الإلهاء المتبعة من بعض الحكام العرب لم تتغير منذ آلاف السنيين مهما تغيرت الأسماء والأماكن والهدف واحد هو البقاء في الحكم
من كون البلد مستهدفاً إلى قلة مندسة تسعى إلى تخريبه إلى أصحاب أجندات خارجية … لا يزال كثير من حكامنا العرب يتفننون في نسج فصول مسرحيتهم الوحيدة التي يجيدونها ولا يسعون حتى إلى التجديد فيها. ساعدهم في ذلك أنه خلال الخمسين سنة الماضية نتج عن التقدم السريع في العلوم اتّساع للفجوة بين المعارف العامة وتلك التي تملكها وتستخدمها النخب الحاكمة، وبفضل علم الأعصاب وعلم الأحياء وعلم النفس التطبيقي وصل النظام العالمي إلى معرفة متقدّمة للكائن البشري على الصّعيدين الفيزيائي والنّفسي.
لقد أصبح هذا النّظام قادرا على معرفة الفرد المتوسّط أكثر ممّا يعرف نفسه، وهذا يعني أنّ النظام في أغلب الحالات يملك سلطة على الأفراد أكثر من تلك التي يملكونها على أنفسهم.
ما يستدعي هذا الحديث هو ما نراه من تطبيق شبه حرفي لاستراتيجية إلهاء الشعوب التي تنفذ وتطبق في معظم الأوقات كضرورة بحسب الحاجة إليها، بأنواع وأشكال عدة، منها إلهاءٌ للتأثير أو سيطرة الحاكم على من حوله طوعا أو كرها والمحافظة على المكتسب وإبقاء الحال على ما هو عليه لأطول مدة ممكنة، وقد تنوعت الأساليب المتبعة للوصول إلى أنجع السبل لإدارة الجماهير والتحكّم في البشر وتدجين المجتمعات والسيطرة عليهم وتوجيه سلوكهم والسيطرة على أفعالهم وتفكيرهم.
وكان الزعيم الايطالي ببينيتو موسوليني مغرماً بكتاب الحشد لجوستاف لبون حتى أنه لا يفارقه، وكان كتاب الحشد يدرس الشكل النفسي والعقلية التي تدير بها هذه الحشود والجماعات نفسها.
للأسف إلى الآن يتم تحويل انتباه الرأي العام في كثير من دولنا العربية عن القضايا الهامة والتغيرات التي يقررها أصحاب القرار عبر إغراق النّاس بوابل متواصل من المعلومات التافهة, فلكي تتحقق الفائدة لهؤلاء الحكام يجب الحفاظ على تشتيت اهتمامات العامة بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، بجعل الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية. وجعل الشعب منشغلا دائما وأبداً، بل ان الامر يتعدى نحو ابتكار مشكلة أو موقف لاثارة ردّة فعل معيّنة من قبل الشعب، بحيث يندفع الجمهور طالبا لحلّ يرضيه، كالسّماح بانتشار العنف في بعض المناطق الحضرية، أو تنظيم هجمات إرهابية وقد تكون دموية، حتى تصبح قوانين الأمن العام مطلوبة ولو على حساب الحرية. أو خلق أزمة اقتصادية يصبح الخروج منها مشروطا بقبول الحدّ من الحقوق الاجتماعية وتفكيك الخدمات العامّة, فيتمّ تقديم تلك الحلول المبرمجة مسبقا, ومن ثمّ قبولها على أنّها شرّ لا بدّ منه او تمرير إجراء غير مقبول من الممكن ان يثير ثورة داخل البلاد لو تم تنفيذه دفعة واحدة بتطبيقه بصفة تدريجيّة.
بل يصل الامر الى مخاطبتهم الشعب كمجموعة قصّر وأطفال صغار والاخطر التوجّه إلى مخاطبة العواطف وهو أسلوب كلاسيكي لتجاوز التحليل العقلاني، بالتالي يتعطل الحسّ النقدي للأشخاص كما أنّ استعمال المفردات العاطفيّة يسمح بالمرور إلى اللا وعي حتّى يتمّ زرعه بأفكارهم وإيثار الرّغبات أو المخاوف والانفعالات. وكذلك محاولة إبقاء الشّعب في حالة جهل وحماقة بحيث يكون غير قادر على استيعاب التكنولوجيات والطّرق المستعملة للتحكّم به واستعباده. واخيرا تشجيع الشّعب على استحسان الرّداءة وان ينظر بعين الرضا إلى كونه غبيّا ومبتذلا وغير متعلّم فمن دام على شيء ألفه.
إن أهداف إستراتيجية الإلهاء المتبعة من بعض الحكام لم تتغير منذ آلاف السنيين مهما تغيرت الأسماء والأماكن، فالهدف واحد وهو البقاء في الحكم، وإذا قامت معارضة نُعتت بصفات عدة هي الأقذع على نهج ما أبداه فرعون مصر من تخوفه من دعوة نبي الله موسى عليه السلام “إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ”، وعندما قال رجل مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ “أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ” قَالَ فِرْعَوْنُ “مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَاد”.
لقد مضى قرابة النصف قرن على بعض هؤلاء الحكام العرب في مناصبهم ولا يريدون التخلي عن كراسيهم أو صلاحياتهم المطلقة دون خوض معارك دامية بينهم وبين شعوبهم، فخلال الربيع العربي وهو ربيع الثورات التي تقوم بها الشعوب العربية نجد هؤلاء يرتكبون نفس الخطأ في مواجهة شعوبهم ويطلقون عليهم جميع أنواع التهم والسفاهات.
الخلاصة
في مقال له في الإندبندنت يتعجب الكاتب باتريك كوكبرن بقوله “الغريب في الأمر أن الحكام العرب الواحد تلو الآخر يرتكبون الأخطاء التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك”.
يتصرف هؤلاء المستبدون كالزعيم الليبي معمر القذافي وعلي عبد الله صالح في اليمن، كما لو كانوا اتفقوا على الانتحار الجماعي، فتراهم يلجأون إلى العنف الزائد تارة والوعود بإجراء إصلاحات لا فائدة منها تارة أخرى، بكميات مناسبة تماما لخلع أية مصداقية عنهم وتعطيل أنظمتهم.
لقد اكتشف هؤلاء فجأة أن الوصفات التي مكنتهم من البقاء في الحكم منذ أوائل السبعينيات لم تعد ناجعة، والأمر ينطبق على الملكيات والجمهوريات على حد سواء لأنها تعمل بنفس الطريقة، ويتناسون انه لو صمدت ذرة من الحق أمام جبل من الباطل لهزمته.
الخاتمة
لقد حققت تلك الاستراتيجيات وأساليب القمع التي اتبعها الحكام خلال العقود الماضية ميزة لهم عبر التلاعب بمجتمعاتهم وشعوبهم وإلهائهم. أما الآن فقد اختلفت أصول اللعبة؛ فثورة التكنولوجيا بما أتاحته للشعوب فضلا عن الحالة المزرية لشريحة كبيرة من الشعب والغناء الفاحش للحكام مع إمكانية معرفة حجم ثراء وطريقة معيشة الحكام من قبل شريحة واسعة جدا من العامة وبسرعة هائلة كل ذلك أفقد تلك الاستراتيجيات فاعليتها. وهو ما يوجب على الحكام العرب المسارعة بتنفيذ إصلاحات سياسية واجتماعية وعدم التشبث بأساليب لا تنفع بل تضر مثل نعت المعارضة والمطالبين بالإصلاحات السياسية بجميع النعوت السيئة أو إقحام الطائفية أو دول خارجية في الأمر والله الموفق.
http://www.tfrasheed.org/ara/?p=1469