ليس جديدا أبداً أن يسعى النظام الايراني إلى الارهاب لتسويق مشروعه, فهو أساسا قام على ركيزتين, الأولى: تصفية الخصوم في الداخل في موجة التفجيرات والاغتيالات التي طالت أركان الدولة والثورة الوليدة بين عامي 1979 و1983, لبسط هيمنة تيار على آخر في السلطة, والثانية: التوسع في الإقليم والمنطقة تحت شعار”تصدير الثورة”, ولم يوفر في ذلك أي اداة إرهابية لتحقيق مشروعه, ولهذا فإن الكشف عن إحباط مؤامرة إيرانية لاغتيال سفير خادم الحرمين الشريفين في واشنطن, أو محاولة تسميم السفير السعودي في القاهرة, لن يكون مستغربا, بل ان النفي الايراني يؤكد التهمة, لأن التاريخ أيضا يعلمنا أن كل العمليات القذرة التي نفذتها الاستخبارات الإيرانية واصابعها المجرمة, طوال العقود الماضية, كانت تنفيها الحكومة الإيرانية, رغم الأدلة والقرائن والبراهين الدامغة على تورطها في الإرهاب, بل أكثر من ذلك ان افعال ومواقف ساسة وصحافة إيران تتحدث عن نفسها في هذا المجال, أكان من خلال التحريض على تصفية الشخصيات السعودية والعربية في سلسلة من المقالات كتبها بعض ضباط الاستخبارات المحسوبين على الصحافة الإيرانية, كما القاعدة المعروفة أن المجرم لا يقر بذنبه أبدا إذا تمرس بالإجرام لانه يعتبر ذلك سلوكا عاديا.
منذ وصل الملالي إلى الحكم في طهران وضعوا نصب أعينهم تسعير العداء مع المملكة العربية السعودية, لأنهم رأوا أن ثورتهم ناقصة ما لم يقرنوها باحتكار الزعامة الدينية في العالم الإسلامي, وبما أن المملكة وبما تملكه من زعامة تاريخية تعمل على تكريس وسطية الإسلام واعتداله وتسامحه, وترعى قبلة المسلمين, عمل الملالي دائما على محاولة إثارة القلاقل أكان في السعودية من خلال محاولات تسييس الحج بالتظاهرات الدخيلة على الإسلام, بل إنها دخيلة على المذهب الشيعي الذي يتستر نظام طهران خلفه في سعيه إلى تحقيق اهدافه, أو من خلال الحملات الاعلامية المبنية على الدس والتخوين, أو في التدخل المباشر بشؤون دول الخليج والدول العربية, مثلما حدث في البحرين أخيرا, أو في الكويت, ولبنان والعراق واليمن, وفي كل ذلك كان الفشل حليف الملالي لأن بضاعتهم الفاسدة كانت دائما ترد إليهم.
استنفدت إيران كل السبل, وحتى الفتنة الطائفية والشحن المذهبي لم توفرهما في سبيل تحقيق مشروعها, لكنها فشلت أيضا, لأن التاريخ الاجتماعي العربي لم يشهد في أي يوم من الايام صراعا مذهبيا بين سنة وشيعة, وهو ما لم تفهمه طهران أبدا.
نعم, نظام طهران غارق إلى أذنيه في الإرهاب, ولن يوفر وسيلة من أجل الضغط على أي دولة في سبيل تحقيق أهدافه, خصوصا في هذه المرحلة التي بدأ فيها غروب شمسه عن العالم العربي مع اقتراب انهيار النظام السوري حليفه التاريخي وحصانه الطروادي في شق الصف العربي, وبدء العد التنازلي لزوال قواه المأجورة في عدد من الدول العربية وعلى رأسها الاحزاب العميلة في العراق و”حزب الله” في لبنان الذي يشتد حبل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أكثر فاكثر حول عنقه, ولذلك تحاول طهران فعل أي شيء حتى لا تخسر نفوذها في المنطقة, أي أنها أصبحت كالحية التي تلدغ نفسها إذا لم تجد من تلدغه.
هذه الأفعى في مؤامرتها الأخيرة لدغت نفسها, وبات على المجتمع الدولي العمل بجدية على تخليص العالم منها حتى لا تتحول شريعة الإرهاب مصدرا لتطويع الدول وحتى لا يتحول الخوف من الإرهابيين مكافأة لهم على المزيد من الغي والقتل والاغتيال والتخريب, بل إن هذا العالم, مطالب بالعمل على إنقاذ الشعب الإيراني صاحب الحضارة العريقة من براثن غول التخلف والتطرف والاغتيالات الجاثم على صدره منذ ثلاثة عقود, محولا ايران بكل خيراتها ونخبها أرضا يباباً تسكنها أشباح التخلف والإرهاب.