مذكرات شوارتزكوف الخاصة بحرب الخليج

IF-15C

عضو مميز
إنضم
3 سبتمبر 2007
المشاركات
2,746
التفاعل
81 0 0
مذكرات شوارتزكوف الجزء الخاص بحرب الخليج نورده للاعضاء الكرام هنا في المنتدى العربي للدفاع والتسليح


الأمر لا يحتاج إلى بطل!


26385.jpg


مذكرات شوارتزكوف

وثائق وأسرار خطيرة

ترجمة


د. نور الدين صدوق

د. غلاب الجابري


الجزء الاول - قصة حياته وتدرجه بالرتب





الجزء الثاني - عمليات الحرب على العراق








 
التعديل الأخير:
الجزء الثاني
الفصل الأول

التحقت بالنتاجون منفذا واجبي في منتصف أغسطس (أب) 1987، بعد تنصيب فونو رئيسا لاركان الجيش. كنت أعرف من قيامي بالعمل تحت ارمته خلال فترة توليه منصب نائب رئيس الاركان للعمليات والخطط انني اضطلع الآن بأصعب وظيفة في الجيش. ففي اليوم النموذجي، أصل إلى المكتب في السادسة والنصف صباحا، وأفلح في العودة إلى البيت. إذا كنت محظوظا، بعد 14 ساعة من ذلك كنت مسؤولا عن السياسات والضوابط التي تتحكم بالعمليات اليومية لعموم الجيش ـ وهي منظمة تقارب حجم شركة جنرال موتورز. وأهم مهماتي هي أن أحدد الاولويات للجيش، ناصحا فونو حول سبل إنفاق الميزانية السنوية ـ 75.3 مليار دولار لعام 1987 ـ وأي العمليات والمشتريات تحظي بالسبق. وهذا يفسر السبب الذي يجعل نائب رئيس أركان الجيش للعمليات والخطط الشخصية الأولى بين أقرانه في أركان الجيش فخلافا للنواب الذين يحملون 3 نجوم، والذين يرجعون إلى نائب رئيس الاركان، كنت أعمل مع فونو مباشرة ولي حق الدخول إلى مكتبه ان شيءت.
ويخضع لي رؤساء خمس "مديريات" كبيرة، ضباط أركان يشرفون على الوظائف الأساسية للجيش، فمدير الخطط الاستراتيجية لا يترأس التخطيط بعيد المدى فحسب، بل كل نشاط يتولاه الجيش بالترابط مع الاسلحة الأخرى، اضافة إلى مئات الخطط التي تغطي وكل حالات الطوارئ في العالم. أما مدير العمليات فيدير مركز عمليات الجيش، أي مجمع غرفة الحرب والاتصالات لخوض الحرب أو لمجابهة كارثة طبيعية أو شغب في المدن، فإنه الرجل الذي يصوغ الأوامر ويتولى مدير مستلزمات صياغة جيش المستقبل مجددا الاسلحة والتشكيلات التي نحتاجها لتحقيق النصر في ميادين قتال القرن الحادي والعشرين، كما يتولى أيضاً وفي الوقت نفسه إعادة صياغة جيش الحاضر استجابة للتغيرات الحاصلة في تهديدات العدو والقيود التي يفرضها الكونجرس على العدو والميزانية. وتتحكم المديرية الرابعة بسياسات التدريب وضوابطه بالنسبة إلى عموم الجيش، أما المديرية الخامسة فتضع سياسة الجيش في ميدان الاسلحة النووية والكيمياوية، اضافة إلى الاسلحة في الفضاء.
ذلك هو نصف المهمة. كنت أخدم أيضاً بوصفي ما يسمى نائب فونو للعمليات في هيئة الاركان المشتركة ـ وهو منصب يتضمن مسؤوليات مصاحبة فونو في كل اجتماع تعقده هيئة الاركان المشتركة، اضافة إلى تمثيل الجيش في اجتماعات نظرائي، أي نواب العمليات من سلاح البحرية والقوة الجوية ومشاة البحرية. كان اجتماع فونو ورؤساء الاركان المشتركة الاخرين ينعقد مرتين في الاسبوع في غرفة مؤتمرات لا يتسرب منها الصوت تعرف باسم "الدبابة" وتقع البداية في الطابق الأول من البنتاجون تماماً في ريفر انترانس، وتعد بمثابة مكان مقدس. كنت أشعر بشيء من خيبة الأمل. كنت قد تخيلت شيئا استمددته من مسرحية. دكتور الخنق حبا ـ غرفة اطلاع منحوسة، خافتة الاضاءة محشوة بخرائط ورسوم الكترونية وامضة (مثل هذه الاشكال موجودة في مواضع أخرى من المبنى) إلاّ أن "الدبابة " كانت ببساطة، غرفة مؤتمرات انيقة وفارهة تحتلها طاولة كبيرة من خشب الماهوجني، وتزين جدرانها لوحات زيتية ـ تصور القوات المسلحة في الميدان، ورسم بديع لويستمنستر أبي بمناسبة منح أيزنهاور لقب فارس. كان كل رئيس هيئة أركان يجلس في مكانه المقرر ونائبه إلى جواره، أما الرئيس ونائب الرئيس ومدير هيئة الاركان المشتركة فيجلسون متجاورين معا. وثمة مقعد إضافية مرصوفة على جدارين لحاملي التقارير من الزوار والضباط المنفذين وكتاب الاختزال وغير ذلك من المستخدمين لم تكن الاجتماعات رسمية إلاّ إنها كانت تتبع بروتوكولا صارما. فحين ينعقد اجتماع هيئة رؤساء الاركان المشتركة لا يتحدث أحد سواهم. فكنت أجلس صامتا إلى جوار فونو، مدونا محضرا تفصيليا بالنقاش، دافعا إليه ملاحظات مدونة على قصاصات كلما خطر لي أن هناك ما ينبغي له أن يطلع عليه أو يقوله.
كان الشرق الأوسط على رأس جدول الاعمال في ربيع تلك السنة. أما في الخريف السابق فإن إيران اخذت، وهي في عامها الثامن من حرب الحدود الدامية مع العراق تطلق صواريخ مجنحة على السفن في الخليج العربي. ردا على ذلك عرضت إدارة ريجان تقديم سفن حراسة مرافقة لناقلات النفط العملاقة تحمل العلم الأمريكي بغية حماية تدفق النفط وتمخضت عملية المرافقة والحماية هذه الموسومة باسم "الادارة الجادة" عن إرسال 24 سفينة حربية رئيسية و 16 الف رجل وحصل في الاسبوع الاول من مجيئي إلى واشنطن ان ناقلة نفط عملاقة وتدعى بردجتون اصطدمت بلغم وارتاب البنتاجون في ان تكون إيران قد دسته في طريق الناقلة ويعد ذلك بمعايير الاعراف الدولية. إعلانا للحرب ولكن لم يتوفر لنا الدليل على ان إيران هي الفاعل واقتصرت تحركات الولايات المتحدة على ارسال هليكوبترات من الجيش مزودة خصيصا بمعدات رؤية ليلية ساعدت على التحري عن وضبط ايران اير، وهي سفينة إيرانية تقوم بزرع الالغام.
ونتيجة لذلك ازدادت ضراوة ردودنا على الهجمات الايرانية فقمنا بشن ضربات انتقامية في مناسبتين خلال فترة الاشهر الثمانية عشرة تقريبا التي قضيتها في الدبابة وفي شهر اكتوبر (تشرين الثاني) اصاب صاروخ ايراني مجنح ناقلة نفط تحمل العلم الأمريكي راسية في ميناء مدينة الكويت، فقمنا بمهاجمة منصتي نفط إيرانيتين في الخليج ولتحاشي الخسائر المدنية فسحنا المجال امام العمال للانسحاب قبل الضربة. أما عملية السرعوف المصلى وهي ثاني رد انتقامي فقد حصلت في ابريل (نيسان) بعد ان كاد لغم ايراني يغرق الفرقاطة الأمريكية صامويل ب. بورتس ودمرنا فيها ثلاث سفن حربية ايرانية ولما حاول الايرانيون الرد على الضربة. اندلعت معركة بحرية حامية الوطيس كلفتهم المزيد من السفن والطائرات.
ان دور هيئة رؤساء الاركان المشتركة في مثل هذه الازمات هو التوصية بعدد من الخيارات العسكرية التي يمكن للرئيس ومجلس الامن القومي ووزير الدفاع أن ينتقوا منها، وبينما كانت هيئة رؤساء الاركان المشتركة تراجع الاحتمالات كنت احس بالقلق من إطلاعي على مدى محدودية قدراتنا في الخليج لم يتغير الكثير منذ أيام خدمتي في قيادة المحيط الهادي فبسبب العلاقات المتحفظة بين الولايات المتحدة والدول العربية لم تكن قواتنا الجوية تحظى بامكانية الهبوط في مطارات المنطقة. أما البحرية فكانت ما تزال تؤكد انها لا تستطيع إرسال حاملات الطائرات إلى مياه الخليج الضيقة.
كما كان الاتحاد السوفياتي يحتل ساعات طوال من وقت هيئة رؤوساء الاركان المشتركة كانت الصحف تحفل بأخبار العلنية (جلاسنوست) وإعاد البناء (بيريسترويكا) وكنا نتلقى تقارير اطلاع حول التغيرات الدراماتيكية الجارية وفي نقطة معينة من عام 1988، جرى مالا يقل عن أربع مجموعات من محادثات خفض الاسلحة محادثات حول معاهدة خفض الاسلحة الاستراتيجية ومعاهدة الصواريخ الباليستيكية متوسطة المدى ومفاوضات الاسلحة في الفضاء ومحادثات الخفض المتوازن والمشترك للقوات الهادفة إلى تقليص الجيوش المتجابهة في أوروبا. ولم يكن احدنا ليصدق قبل فترة وجيزة وحسب. إننا سنرحب بجنرال سوفياتي ضيفا علينا في " الدبابة" لكن المارشال سيرجى اخرومييف، وهو أعلى ضابط في السلك العسكري السوفياتي، دخل الغرفة للمرة الثانية في السادس من يوليو (تموز) 1988 م في اطار تبادل الزيارات مع الادميرال كراو.
ورأيت محاربي الحرب الباردة حول المائدة يتحولون بالتدريج إلى الاقتناع بأن الصراع مع السوفيات كان ينتهي ووجدت نفسي اتساءل كيف ستتكيف القوات المسلحة مع الواقع الجديد. فمنذ أن التحقت بالجيش منذ اكثر من ثلاثين عاماً ومبرر وجودنا هو صد الشيوعية، وتضاءل ذلك الحظر ستنخفض الاموال المخصصة للدفاع وسيتعين على البنتاجون ان يواجه تحديات إعادة النظر الجذرية في مهمته.
لم تكن سائر الاجتماعات في الدبابة مثيرة للاهتمام على هذا النحو وكانت مسؤولية هيئة رؤساء الاركان المشتركة ان تضمن "الكفاية العسكرية " لأية اتفاقية اسلحة أي أن تكون قادرة على أن تخبر الكونجرس ان هذه المعاهد تتمتع بالضمانات الضرورية لن نترك البلاد مجردة من الدفاع وكنا نتفحص المواقع التفاوضية للولايات المتحدة بتفصيل دقيق. وبالطبع حين تغدو تقارير الاطلاع مملة، تشرد عيناي إلى الحائط القابع خلف الادميرال كراو وتتسمران على لوحتين زيتيتين حول فيتنام مدفعية منشأة البحرية في حي سانه ودورية للجيش تشق طريقها في مستنقع وسط الاحراش، وصرت كلما عملت في البنتاجون تحزني اللهفة إلى قيادة جديدة.
كان مكتب فونو في الطابق الثالث من الحلقة الخارجية للبنتاجون في الحلقة (هـ) حيث يستقر كبار المدنيين العاملين في وزارة الدفاع اضافة إلى كبار حملة الرتب العسكرية وكان بوسعه ان يطل من نافذة مكتبه على نهر بوتو ماك الجاري نحو الكابيتول وغالبا ما كان يعقد اهم اجتماعاته في وقت متأخر من العصر وبعد اتمام مراسم التشريفات والعمل الروتيني ويستبقني بعد انصراف المرافقين الأخرين ليسألني رأيي عما يدور من احاديث كنا نحب ان نتكلم وكانت هذه الاحاديث تطول احياناً إلى الليل.
وحصل في واحدة من أمامي أواخر يونيو (حزيران) 1988 أي بعد سنة تقريبا على عودتي إلى البنتاجون ان اشار فونو إلى وظيفة جنرال بأربع نجوم توشك ان تشفر في القيادة المركزية لقوات الانتشار السريع المسؤولة عن سائر العمليات العسكرية الأمريكية في جنوب غرب آسيا، واجزاء من الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، وقال " عليّ ان أرفع التشريح هل تهمك الوظيفة ؟"من الوجهة التقنية يمكن لأي فرع من القوات المسلحة ان يرفع اسماء مرشحيه لوظيفة قائد عام اما القرار النهائي فيرجع إلى وزير الدفاع والرئيس إلاّ أن القيادة المركزية لقوات الانتشار السريع تراوحت تقليديا بين فرع الجيش وفرع مشاة البحرية وبما ان القائد الاعلى الحالي الجنرال جورج كريست هو من مشاة البحرية فمن المؤكد تقريبا ان اختيار خليفته سيترك إلى فونو.
وواصل كلامه بالطبع هناك وظيفتان اخريان ستشغران في الصيف القادم فأيهما تفضل؟ كنت اعرف ما يقصد بالوظائف الاخرى وهي قيادة القوات المسؤولة عن كل الوحدات القتالية التابعة للجيش في الولايات المتحدة وقيادة القوات الموحدة في كوريا، المسؤولة عن سائر الوحدات الامريكية وقوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في كوريا اضافة إلى مسؤوليتها عن القوات الكورية الجنوبية نفسها في حالة نشوب حرب طلبت منه ان يمهلني 24 ساعة للتفكير في الأمر.
في الواقع كنت أعرف خياري فقد فكرت في القيادة المركزية بهذه الصورة أو تلك طوال حياتي ولقد كنت مسحورا ومهتما بالشرق الأوسط فجانب كبير من حياة اسرف شوارتزكوف استثمرت في ذلك الجزء من العالم وبوسعي ان أرى سلفا تزايد الاهمية الاستراتيجية للمنطقة. ثم اننا قد انخرطنا لتونا في حرب محدودة لحماية تدفق نفط الشرق الأوسط.
كما كنت أعرف ان فونو لا يسلسل الخيارات كما افعل انا ورغم ان أي جنرال سيثب ليقتنص فرصة الحصول على منصب بأربع نجوم. فإن القيادة المركزية ليست بالمنصب المرغوب كثيرا فهي تنطوي على العديد مما يسمى بالمسؤوليات السياسية العسكرية وبالطبع ففي حالة نشوب حرب تفرد طائفة هامة من القوات للقيادة المركزية وتتضمن هذه الطائفة الآن القوة الجوية الخامسة قوة حملات مشاة البحرية الاولى الجيش الثالث في فورت ماكفرسون في جورجيا (وهذا هو مقر قيادة التخطيط المنشطة التابعة للفيلق المحمول الثامن عشر وعناصر أخرى من جيش القيادة المركزية. أما في زمن السلم فإن القيادة المركزية توجه عمليات التخطيط الخاصة بكل هذه القوات في حين ان القوة القتالية الوحيدة تحت سيطرتها العملياتية اليومية هي قوة مهمات البحرية في الخليج وهي على وشك التقليص بسبب انتهاء الحرب الإيرانية العراقية كما كان القائد العام لهذه القوات مسؤولا عن ضباط اركان قيادة المقر الذين يبلغ تعدادهم الالف والعديد منهم يتنقل مكوكيا بين مبنى مقر القيادة المؤلف من ثلاثة طوابق الواقع في قاعدة ما كديل للقوة الجوية في تامبا بولاية فلوريدا وبين منطقة مسؤولياتها التي تبعد 7 آلاف ميل يضاف إلى ذلك ان قرابة 300 ـ ضابط يخدمون في 10 بلدان بصفة "مساعدي امن" أو ضباط ارتباط (تتضمن المساعدة الامنية تقديم المعونة العسكرية وتبادل العسكريين وبرامج التدريب والاشراف والدعم التكتيكي لمبيعات الاسلحة). وقد يكون من بين ابرز مهماتي في زمن السلم ان اعمل كنوع من محكم شكاوى عسكري في ذلك الجزء من العالم مشرفا على عمل المستشارين وموجها شؤون انفاق 1.6 مليار دولار سنويا في ـ برامج عسكرية ومعززا العلاقات مع الحكم والجنرالات. كان معظم ضباط الجيش ينظرون إلى الجانب الدبلوماسي من عملهم نظرة بغض بينما كانت استطيب فرصة الاختلاط باناس من بلدان أخرى سواء في إيران والمانيا أو فيتنام.
ولتكن على يقين ان المنصبين الاخرين اللذين ذكرهما فونو ينطويان على قيادة عدد اكبر من القوات وستكون وظيفة امر قيادة القوات حافلة بالمرح والسفر في ارجاء الولايات المتحدة كلها، زيارة الجنود تفتيش وحدات الاحتياط والحرس الوطني ايام عطلة نهاية الاسبوع والتمتع بتودد الناس من حولي. إلاّ أن اتجاه هذه القيادة محدد بشكل مضبوط ولم أر في الوظيفة أية تحديات تغريني بالقبول كما انني احترزت من إمكانية ان تشغر فعلا عندما يتقاعد رئيس الاركان الحالي في عام 1989 فعندها تكون ادارة ريجان قد ذهبت ويكون الجنرال كولن باول، مستشار الأمن القومي آنذاك قد عاد إلى الجيش باحثا عن موقع يشغله لقد بدت قيادة القوات الخيار الطبيعي لكولن باول ـ على الأقل كطريقة لتمضية الوقت حتى يتقاعد الادميرال كراو وتختار الادارة الجديدة الرئيس الجديد لهيئة رؤوساء الاركان المشتركة وهي وظيفة كان الكثيرون يرون أنها ستكون من نصيب باول بسبب ارتباطاته السياسية.
لم يترك لي ذلك سوى قيادة القوات المشتركة في كوريا وهي مهمة بدت لي شائكة من الوجه النظرية يفترض بمجمل المؤسسة العسكرية الكورية الجنوبية ان تمتثل للقائد العسكري العام الأمريكي في حالة حصول غزو لبلادها. مع ذلك لم يكن لامريكا سوى فرقة واحدة على الارض الكورية الجنوبية لقد ساهمت في تمارين عسكرية في كوريا عدة مرات وقد عاملني جنرالاتهم معاملة رائعة مع ذلك كنت ارتاب ارتيابا كبيرا في ان خضوعهم للقائد العام كان مجرد تظاهر ولم ار نفسي سعيدا في وضع كهذا.
في اليوم التالي قلت لفونو اود أن أذهب إلى القيادة المركزية.
القى على نظرة تعبر عن القلق. هل لديك مانع في ان تخبرني بالسبب ؟
شرحت له أنني رغم حبي لقيادة الجنود فإن التحدي الحقيقي كما يبدو متمثل في الشرق الأوسط فها هنا منطقة معقدة مهمة لنا بما فيه الكفاية بحيث إننا دخلنا الحرب هناك اصلا نزاعة إلى الفتن إلى حد لا يعرف احد ـ ما سيحصل تاليا منطقة يمكن وينبغي عمل الكثير فيها من أجل تقوية الصلات الأمريكية. وبعد أن عرضت عليه تحليلي للوظيفتين الاخريين عدت إلى القول إلى القيادة المركزية هي الأكثر اثارة والاكثر مفاجأة واختتمت حديثي بالتأكيد التالي من بين هذه المواقع الثلاثة القيادة المركزية هي المكان الذي تستطيع فيه ان تضع التاريخ.
كان فونو مرتابا ـ وكدت اسمع افكاره تقول " ها هو شوارتزكوف يعود إلى النهج نفسه ـ إلاّ انه وعدني برفع اسمي إلى رئيس هيئة الأركان المشتركة.
اتضح لي في ما بعد انني لم أحصل على الوظيفة إلاّ بعد صراع ضار فالبحرية قامت على نحو غير منتظر بتقديم مرشحها الخاص وهو ادميرال ونائب عمليات مثلي اسمه هانك موستن. وحين صوت رؤساء الاركان المشتركة حول الترشيحات وصلوا إلى مأزق مسدود بسبب الانقسامات التقليدية الجيش والقوة الجوية صوتا لصالحي والبحرية ومشاة البحرية صوتا لموستن ارسل كراوكلا الاسمين إلى وزير الدفاع مع ملحوظة دعم شخصي للادميرال.
واعادت معركة التسابق هذه تذكيري بأسباب بغضي لواشنطن فالبحرية لم تكن قط لتكترث بالشرق الأوسط (كانت دائما ترى ان اسطولها في المحيط الهادي ومقر قيادته في هاواي يمكن ان يقدم حماية كافية لمصالح امريكا هناك) بل كانت على قناعة انها كانت ستلغي القيادة المركزية لو استطاعت إلى ذلك سبيلا ومما فاقم الوضع اكثر ان شخصا سرب كلمة عن توصية كراو لصحيفة الواشنطن بوست التي نشرت خبرا يقول ان الادميرال قد حصل على التعيين وراح الناس يأتون إلى قاعات البنتاجون ضاحكين مازحين بالقول شيء مؤسف ان تغلبك البحرية لكن لا تقلق ان عاجلا أو آجلا ستحصل على نجومك الاربعة.
واستمرت الضجة أسبوعين كاملين إلى أن قام وزير الدفاع فرانك كارلوتشي بما قبلتنا نحن الاثنين وحدد الاختيار الذي أثنى عليه الرئيس في الحال لم أعرف ما الذي حدا به إلى اختياري ولا أحسب ان الاعلان السابق لأوانه في الواشنطن بوست قد ساعد مسعى البحرية.
اعلن تعييني في أواخر يوليو (تموز) 1988 فسجلت نفسي في خريف ذلك العام في دورة دراسية مكثفة عن الشرق الأوسط في معهد الخدمة الخارجية في ارلنجتون بولاية فرجينيا، وهو المكان الذي ترسل إليه وزارة ـ الخارجية دبلوماسييها قبل ان تعهد إليهم العمل في الخارج وعندما كنت اخبر أهل البنتاجون كيف كنت اتهيأ للقيادة المركزية كانوا ينظرون إلي باستغراب متسائلين "لماذا ؟ إن الشرق الأوسط بالنسبة إليهم لا يضم سوى ممرات بحرية وموجودات استراتيجية ونقاط ملونة على الخارطة.
يتولى التدريس في معهد الخدمة الخارجية بيتر بيكتولد الالماني المولد والخبير في شؤون السودان ورحت ادرس ثماني ساعات في اليوم طوال أسبوعين خلال شهر اكتوبر (تشرين الاول) كالسا في الصف الامامي مدونا الملاحظات عن ثقافات المنطقة وعادتها، النفط والمياه والنزاعات الدينية فيها وكنت اعود إلى البيت في قاعدة فورت ماير في المساء وكلي ابتهاج.
وفي الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) ساعدت بريندا الجنرال كارل فونو في تثبيت نجوم الجنرالية الاربع على كتفي وهي أعلى رتبة في جيش الولايات المتحدة وشهد كل من جيسيكا وهي الآن فتاة بائعة في السادسة عشرة من عمرها وكريستيات وهو فتى غر في الحادية عشرة مراسيم الترقية في قاعة الابطال في البنتاجون حيث تزداد الجدران بصور الرجال الذين نالوا ميدالية شرف الكونجرس لم تستطع سندي الحضور ـ فقد بدأت لتوها عامها الجامعي الاول في أوبورن ـ إلاّ إن شقيقتي سالي جاءت إلى الحفل شأنها شأن العديد من زملاء دراستي والاصدقاء المقربين من امثال الجنرال توم واينشتاين والجنرال بوب ديسكاسي كم كنت اتمنى لو ان امي وأبي بين الحضور كما تمنيت لو أن روث هناك أيضاً.
تسلمت مهام القيادة المركزية في الثالث والعشرين من نوفمبر مقر قيادتي في تامبا. إلاّ إن مراسيم تغيير القيادة تلك لم تتم في الليلة السابقة تعرضت قاعدة ما كديل الجوية لعاصفة استوائية مدوية قلعت اشجار جوز الهند التي ملأت المشهد تماما وقد شاهدت سيندي ذلك فيما هي تقود السيارة من اوبورن تحت ذلك المطر المدرار فأدلت بملاحظة نافذة أتمنى ألا يكون ذلك نذيراً بما سيأتي ".
بعد أقل من أسبوعين وجدت نفسي واقفا في شرفة غرفة بفندق من فنادق القاهرة ناظرا إلى النيل ومصغيا إلى صوت المؤذن يدعو إلى صلاة العشاء كانت تلك اول رحلة لي إلى الشرق الأوسط منذ عام 1947، وطفح خيالي بالذكريات وفي ضوء القمر امكن له ان اتبين القباب وبمأذن اشكال مألوفة منذ صباي وقتذاك كان المؤذنون يصعدون المنائر خمس مرات في اليوم ليرسلوا الدعاء المتكرر، اما الآن فإن ابراج المآذن مزودة بمكبرات صوت توفر عليهم عناء ارتقاء الدرج وشممت النتانة العفنة المنبعثة من النيل وروائح الحمير والثيران التي تجر العربات في شوارع المدينة وشممت ايضاً عطر التبغ التركي وشذا القهوة المخمرة والشاي فالكثير من الرجال يتجولون طوال اليوم في شوارع القاهرة حاملين على ظهورهم أوعية نحاسية ضخمة يبيعون منها فناجين القهوة والشاي للعابرين ولكن ثمة تحت الوان الروائح كلها عتق خاص ـ رائحة عمر الكهولة لقد عدت لما كنت صبيا في المدرسة في سويسرا عاهدت نفسي ولم يكن لي من العمر غير 14 عاما ان اعود وها انذا أفعل ولكن بعد 40 عاما.
لم أكن قد اعتدت بعد على الزخارف والبهرج التي يحاط بها القائد العام فقد تمركزت في الفندق زمرة حماية أمريكية ممتازة مؤلفة من ستة أفراد إلى جانب زمرة أمن مصرية من 20 فردا لمرافقتي طوال الوقت وهناك في الغرفة المجاورة مشغل لا سلكي مسؤول عن مداومة الاتصال على مدار الساعة عبر الاقمار الصناعية مع مقر قيادتي في تامبا في حين تجثم طائرتي النفاثة الخاصة في مطار القاهرة وهي نسخة عسكرية من طائرة بوينج 707 إلاّ إنها عديمة النوافذ، وقد جهزت لتكون مقر قيادة طائرات وقد اقلتنا هذه الطائرة من فلوريدا عصر ذلك اليوم ومضت تطير 17 ساعة بلا توقف مزودة بالوقود جودا. وكان لزاما في المطار ان استقل سيارة ليموزين مصفة ترافقها وحدات حماية صاخبة من البوليس والعسكريين لقد نسيت ان إصلاح المركبات هو العادة المتبعة في شوارع الشرق الأوسط ـ كنا نبدو باستمرار قيد شعرة من اصطدام مميت وفي وسط المدينة وجدنا أنفسنا في ازدحام مرور خانق ورغم ان الصفارات راحت تعول ورجال الأمن المصريين يشرنبون من نوافذ السيارة ليصرخوا أو يضربوا بجمع اليد على جوانب سيادتهم فإن السائقين الآخرين اكتفوا ـ بالالتفات وهم على مقاعدهم ونظروا إلينا لم يتحرك احد منهم عربة يجرها حمار كانت سبب انقطاع السير.
وتأملت كيف حددت وزارة الدفاع حدود الرقعة الجديدة لمسؤولياتي في عام 1983، أمر الكونجرس وإدارة ريجان هيئة رؤوساء الأركان العامة بإقامة القيادة المركزية كيما يكون لدى الرئيس عصا يلوح بها في مالو هدد العدو مثل الاتحاد السوفياتي أو إيران بلجم حرية العالم في الوصول إلى نفط الشرق الأوسط كانت مسؤولية هذه المنطقة، حتى ذلك الحين موزعة بين قيادة المنطقة الأوروبية ومقرها شتو تجارت بالمانيا. وقيادة منطقة المحيط الهادي ومقرها هاواي ورغم ان كلتا القيادتين لم تمخضا الشرق الأوسط الانتباه الذي يستحقه فإن القادة العسكريين في كلتا القيادتين احتجوا بشدة حين تحققت مخاوفهم وصارت بلدان معينة كانت من قبل تقع في دائرة مسؤولياتهم مسنودة الآن إلى القيادة المركزية.
وهذا يفسر لماذا ان سورية ولبنان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب لم تدرج في نطاق عمل القيادة المركزية رغم ان العرب يعتبرون هذه البلدان جزءا لا يتجزأ من العالم العربي لقد جادلت قيادة المنطقة الأوروبية قائلة بما أن الأسطول الساحلي يحرس البحر المتوسط فإنها يجب ان تحتفظ بمسؤوليتها عن البلدان التي لها مواني على الساحل هذا البحر ورغم ان ذلك لا يعد خير الحلول من وجهة القيادة المركزية وقيادة المنطقة الأوروبية تنسق العمل بصورة وثيقة في كل القضايا المتعلقة بالامم المتاخمة للقيادتين واحتفظت قيادة المنطقة الأوروبية بإسرائيل وهذا مفيد تماما من وجهة نظري ذلك اني كنت سأجد صعوبة في إقناع العرب لتقبل الدقائق الجيوبوليتيكية للقيادة المركزية لو كانت تل أبيب إحدى المحطات في جولتي وتتركز قيادتي من الناحية الجغرافية على شبه الجزيرة وحواف المياه الحاسمة التي تحيط بها الخليج العربي خليج عدن البحر الأحمر إلاّ أنها تمتد أيضاً في قوس أكبر من ذلك يبدأ من مصر فالسودان وصولا إلى القرن الأفريقي انتقالا إلى الشمال الغربي إلى أفغانستان وباكستان التي تبعد حوالي 4 آلاف ميل.
وعزمت على زيارة أكبر عدد من البلدان التي تقع في دائرة مسؤولياتي بأقرب فرصة ممكنة وفي ذلك الوقت لم تكن لدينا علاقات عسكرية مع إيران والعراق وافغانستان وأثيوبيا وجمهورية اليمن الديمقراطية ووضعت في جدول رحلتي الأولى زيارة المملكة العربية السعودية ومصر وباكستان باعتبار ان السعودية هي أهم قوة استقرار في منطقة الخليج ومصر وباكستان هما ثاني وثالث اكبر المتلقين (بعد إسرائيل) للمعونة العسكرية الأمريكية كانت اللقاءات في القاهرة وفي إسلام آباد عاصمة باكستان ودية وصريحة وامضيت ساعات في تبادل الحديث وتناول العشاء مع الفريق أول صفي الدين أبو شناف رئيس هيئة الأركان المصرية ومع أحمد عبد الرحمن رئيس قلم المخابرات العسكرية.
وفي باكستان استضافني الأدميرال افتخار أحمد سيروهي رئيس هيئة الأركان الباكستانية المشتركة وقدم لي خلاصات الاطلاع الجنرال محمد ضياء الحق في أغسطس بعد ذلك عقدت اجتماعات مطولة مع الرئيس غلام اسحق خان ورئيسة الوزراء بي نظير بوتو.
وفي الرياض كان الاستقبال أكثر برودة فطوال سنوات دأب الكونجرس على تقليص حرية السعدويين بصرامة في شراء الأسلحة الأمريكية على افتراض ان أي سلاح يباع إلى العرب حتى العرب المعتدلين سينتهي إلى أن يستخدم ضد إسرائيل ولا غرابة إذن في أن يتوجه السعوديون رغم تفضيلهم للمعدات الأمريكية إلى بناء قوتهم الجوية بالاعتماد على المقاتلات البريطانية ورادرات الدفاع الجوي الفرنسية والمدفعية البرازيلية والصواريخ الصينية وأيا كانت طبيعة المعونة الأمنية الأمريكية التي يحتاجها السعوديون فقد كانوا يفاوضون من أجلها مباشرة في واشنطن على يد سفيرهم البارع الأمير بندر بن سلطان ولزيادة الطين بلة قامت القيادة المركزية في أكتوبر (تشرين الأول) 1987، أي في مبدأ "حرب الناقلاب" في الخليج بإرسال جنرال بنجمتين إلى الرياض دون دعوة لتوجيه قوة مشتركة من الطائرات السعودية والأمريكية أمر محقا بطرد من السعودية.
لذلك حين وصلت السعودية وجدت أن الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود وزير الدفاع والطيران "غير متيسر" وعقدت جلسات وجيزة رسمية مع الجنرال محمد الحمد ورؤساء القوات المسلحة كان الحمد في البداية فاترا معي إلاّ إنه صار دافئا عندما أخبرته أنني اطمح إلى تحسين العلاقة بين بلدينا على أن تكون علاقة منفعة متساوية للطرفين أخيراً كان لي لقاء لمدة 20 دقيقة مع الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز آل سعودي نائب وزير الدفاع والطيران. وكان الامير واحدا من 47 ابنا من ابناء الملك عبد العزيز آل سعود الزعيم البدوي العظيم الذي وحد المملكة العربية السعودية في الثلاثينات والأمير رجل جذاب طويل القامة ممتلئ الجسم يقاربني عمرا ويتحدث الانجليزية بطلاقة وقدم لي مستهلا حين بادرني بالسؤال بأدب جم هل هذه زيارتك الأولى للعربية السعودية.
وحين افصحت له كيف زرت بلاده من قبل تعجب وتضاعفت دهشته لما أخبرته أن زيارتي الأولى وقعت في العام 1947 ورحت أوضح له أن والدي كان يقيم في إيران وأنه أرسلني إلى الدراسة في أوروبا وتوقفنا في مدينة الظهران وأضفت بلهجة رسمية نوعاً ما إنها لمناسبة رائعة أن نلتقي بكم لأن التاريخ يعيد نفسه.
فسألني الأمير ما الذي تعنيه؟.
ذكرته بالعلاقات الحميمة بين الأمريكيين والسعوديين عقب الحرب العالمية الثانية التي كسب الرئيس روزفلت خلالها مودة الملك عبد العزيز وأضفت ونتيجة لذلك جاء والدي إلى الرياض عام 1946، والتقى رسميا بوالدكم لقد التقى بالملك عبد العزيز آل سعود وأنا الآن التقي بكم إنني اعتبر ذلك تجديداً للأواصر التي عقدتها عائلتي مع عائلتكم قصدت كل كلمة قلتها إلاّ إن الأمير سر لسماع مشاعر عربية تجري على لسان جنرال أمريكي. واختتم لقاءنا بتقريعي تقريعا رقيقا على جهل الأمريكان ببلاده: "حين تأتون أنتم الأمريكان إلى المملكة العربية السعودية، لا تغتنمون الفرصة لمعرفتها. في زيارتك القادمة سأضع طائرة هليكوبتر تحت تصرفك لكي تستطيع أن ترى المملكة العربية السعودية " أجبت أن ذلك سيكون من دواعي سروري.
وبالطبع فقد التزمت آداب الكياسة العربية في الحديث. فقد سمعت بيتر بيكتولد، المدرس في معهد الخدمة الخارجية يقول " في العالم العربي موقعك كفيل بفتح باب الدخول، ولكن علاقاتك الشخصية هي التي تجلب لك العهود من العرب" لقد نما هذا الضرب من إدارة الشؤون من تقاليد الخيمة البدوية في الصحراء حيث تلى مباحثات العمل ساعات طويلة من سرد الحكايا في الليل وحين يسألك مضيفك العربي "كيف كان طيرانكم" فليس من اللياقة أن تجيب " كان حسنا شكراً". ان الضيف الكيس يقول شيئاً من قبيل "استغرقت الرحلة 17 ساعة، كان صعبا علينا خلالها أن نميز الليل من النهار، واضطرب جسدي تماما. أما الآن فأشعر بتحسن، لأننا نزلنا في عاصمتكم الجميلة، ولدي مرورنا من المطار إلى هنا رأيت المشاهد وسمعت الأصوات في مدينتكم، وأشعر كأنني عدت إلى بيتي ". هذا ضرب من الدبلوماسية يمتعني حقا
بحلول ربيع عام 1989، انهيت ثلاث رحلات إلى الشرق الأوسط ودهشت من بعض الاشياء التي أطلعت عليها. ففي يوليو (تموز) الماضي حين أجرى وزير الدفاع كارلوتشي المقابلة معي حول التعيين في القيادة المركزية، أخبرته باعتقادي بضرورة الاهتمام بالجبروت العسكرية العراقي. وأردت أن أقيس إلى أي مدى استطاع النصر العراقي في حروبه مع إيران أن يغير ميزان القوى في الخليج العربي. إن وقف إطلاق النار الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة في أغسطس (ب) 1988، قد ترك العراق بجيش من مليون جندي وباقتصاد أضعف من أن يستوعب عودة هؤلاء الجنود إلى الحياة المدنية أجاب كارلوتشي "إنني أفكر بالشيء نفسه
وعلى أية حال حين رحت أجوب الخليج، دهشت لأن أرى معظم البلدان السعودية، الأردن، الامارات العربية المتحدة، البحرين، قطر متوجسة من إيران لا من العراق. وان الحكمة السائدة هي أن وقف إطلاق النار مجرد فاصلة، وإنه حالما تعيد إيران تسليح نفسها جيدا حتى تعود إلى محاربة العراق وتهديد الجيران العرب الاخرين. أما بالنسبة إلى العراق فإن الملك حسين ملك الأردن، أفصح عن رأي الغالبية حين دعاني على الغداء في يناير (كانون الثاني) 1989. قال " لا تقلقوا بشأن العراقيين لقد أنهكتهم الحرب ولا يضمرون نوايا عدائية تجاه الاشقاء العرب " وذكرني أن الأردن ومصر واليمن والعراق قد أعلنت لتوها عن تشكيل مجلس التعاوني العربي. وأكد لي أن الأردن ومصر ستقنعان العراق بالاعتدال في نزعته العسكرية.
أما دهشتي الثانية فجاءت لدى اكتشافي أن الكثير من القادة العرب كانوا يتوقعون ويرحبون بالمزيد من الاهتمام العسكري الأمريكي في منطلقة الخليج. وكان التدخل الأمريكي في حرب الناقلات قد ترك أثراً طيبا. وقد عبر الجنرال ميزياد الصانع، رئيس الاركان الكويتي عن ذلك بقوله " لم نكن نعتقد أنكم أيها الأمريكان ستأتون، ولكنكم أتيتم وحين جئتم اعتقدنا أنكم ستغادرون ما أن تقع إصابات في صفوفكم ولكنكم بقيتم، لقد بقيتم للدفاع عنا، ونحن الآن نثق أن الولايات المتحدة صديقة العالم العربي.
حتى ذلك الحين لم يحبذ أحد حضور الولايات المتحدة في الخليج عسكريا سوى إمارة الجزيرة الصغيرة: البحرين، فلقد استضافت مقر قيادة قوة سلاح البحرية في الشرق الأوسط منذ عهد ترومان. ورغم النقد الموجه من جانب الدول الخليجية الأخرى بقى أمير البحرين ثابتا على التزامه، ولا ريب في أن اماراته هي أفضل أصدقاء أمريكا في الشرق الأوسط وتدرك بعض جاراتها الآن لو أن البحرين حرمت البحرية الأمريكية من مينائها، لكان آمال حرب الناقلات مختلفا تماما.
لقد توليت مهام القيادة المركزية مشفوعة بأوامر من الادميرال كراوبأن اقلص حجم القوات الأمريكية في الخليج إلى المستوى الذي كانت عليه قبل حرب الناقلات (قال: أعدها إلى المستوى الطبيعي الأدنى). بيد أن كلمة " طبيعي " تعني الاحتفاظ بقوة رمزية من أربع سفن حربية، لا تزيد مهمتها عن رفع العلم الأمريكي. وتوصلت لي قناعة بأن هذا السبيل خاطئ، فإن كنا بحاجة إلى شيء حقا فهو زيادة تعهداتنا في الخليج في أبريل (نيسان) 1989 طرت إلى واشنطن لأحث أعضاء لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ على تخفيف القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة إلى المعتدلين العرب مثل البحرانيين والسعوديين والكويتيين. وشددت على أن المستشارين والتكنيكيين الأمريكان سيرافقون هذه الأسلحة ويمارسون تأثيرا قويا حول سبل استخدام هذه الأسلحة آخر المطاف. لم أحرز الكثير، إلاّ أن التنازلات الطفيفة التي فزت بها ساعدت على تدعيم مصداقية القيادة المركزية في المنطقة.
وكان العرب يرغبون باستمرار في بحث مواقفنا تجاه إسرائيل والفلسطينيين وهنا رحت أسير فوق حبل مشدود: فالولايات المتحدة لم تكن ميالة لتقليص دعمها لإسرائيل، مع هذا أردت أن يعرفوا أن بوسع الأمريكيين أن يقدروا وجهة النظر العربية أيضاً، وبرزت المسألة، على سبيل المثال، في خريف عام 1989، حين التقيت بالنائب المناوب لقائد الحرس الوطني السعودي، الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري، وهو بدوي ذو حكمة، وقد سعيت إلى لقياه بالذات جزئياً لأنه موضع ثقة ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الذي كانت موافقته هامة للتعاون بين البلدين. التقينا في منزله بالرياض، كان رجلا نحيف البنية، صغير القامة، ميالا للمزاح، وبدأ في التو يجري الحديث بالنظر إليَّ طولا وعرضا والقول "أنه لشرف عظيم أن نكون بحضرة مثل هذا الجنرال الأمريكي الضخم ".
فأجبته " بل إنه لشرف أعظم لهذا الجنرال أن يكون بحضرة رجل في مثل حكمتكم ".
وراح على الفور يضغط علي في موضوع إسرائيل وأصغى باهتمام فيما رحت أشرح التزام أمريكا الأخلاقي والعاطفي. وسألني أخيرا " أليس صحيحا أنه لو خيرت الولايات المتحدة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل لاختارت دوما إسرائيل ؟ " فأجبت "ولماذا يجب أن تواجه هذا الاختيار. لا استطيع أن أتخيل ذلك. إن الولايات المتحدة صديقة للطرفين السعودية وإسرائيل أليس المرء ملزما بأن يكون له أكثر من صديق واحد، أم أن عليه عقد صداقة واحدة؟".
ضحك الشيخ وقال " هذا قول حسن ! أحب هذا القول ! " ولما خرجنا من القصر كان يمسك يدي ـ وهي إشارة عربية إلى المودة، كنت وما أزال أحاول الاعتياد عليها.
لدق وقعت متعثرا على حدود مهلة. فالسفراء الأمريكان في المنطقة وهم دبلوماسيون حاذقون من طراز تشارلز فريمان في السعودية، وفرانك ويسنر في مصر، وبوب أوكلي في باكستان ـ تفهموا ودعموا حاجتي إلى تمتين عرى الصداقة العسكرية. إلاّ أن ما جابهته في واشنطن أفزعني.
فالمستعمرون لم يرتقوا إلى المناصب العليا في وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية (سي. أي. ايه) أما في البنتاجون فهم نادرون تماما ولما تحدثت عن العرب مع زملائي من الجنرالات والادميرالات ألفيت سؤالهم الوحيد هو " ما هي التزامات المعاهدة المبرمة معهم ؟ ـ ويقصدون بذلك انه طالما لم توقع الولايات المتحدة معاهدات " فليست لديها مسؤوليات وكان اهتمامهم متركزا على الوفاء بالتزامات أمريكا لحلف الناتو (الاطلسي) واليابان وكوريا، إلاّ نهم لم ينظروا باتجاه ما كنت أرى أنه المستقبل.
ولم يكن بوسعي أن أتصور وجود منطقة أكثر أهمية. فالنفط المستورد من الخليج العربي يؤلف أصلا ثلثي ما تستهلكه الولايات المتحدة وتضم المنطقة 65 في المائة من احتياطي النفط العالمي المكتشف، وهذا يؤكد أن أهميتها للبلدان الصناعية ستزيد ليس إلاّ. ووقعت على تقدير في معهد الخدمة الخارجية يبين أن منطقة الخليج ستظل تضخ النفط مدة قرنين في الأقل في حين أن احتياطيات النفط الأمريكي القابلة للاستثمار الاقتصادي قد تنضب في بحر عقدين من الزمان. ولو افترضنا أن مصادر طاقة عملية جديدة لن تظهر إلى الوجود ـ وسجلنا في تطوير هذه المصادر البديلة بائس ـ فإننا سنجد أنفسنا نتراكض متنافسين على نفط الشرق الأوسط ليس في الحال، بل لربما في ظرف 25 عاما، تنافسا ضاريا مع نفس البلدان التي هي الآن خير الأصدقاء ـ أعني اليابان، انجلترا، فرنسا، والمانيا.
ورحنا بين سفرة وأخرى في الشرق الأوسط نعمل هيئة أركان وأنا على إعادة بناء القيادة المركزية من القاعدة إلى القمة. لقد ركزت القيادة المركزية كل انتباهها طوال عامين على الحرب: ليس فقط حرب الناقلات، بل أيضاً الدعم الأمريكي السري للحرب في أفغانستا. في عضون ذلك جرى ترك عناصر زمن السلم في عمل القيادة المركزية ـ مثل رعاية العلاقات العسكرية مع حكومات الشرق الأوسط ـ إلى الضمور. وقد كف سلفي في القيادة، الجنرال كريست تحت ضغط الاحداث، عن زيارة العديد من البلدان، الأردن مثلا شاطبا إياه باعتباره عديم الأهمية. أما قسم التخطيط والسياسة في القيادة المركزية فقد تحول إلى ورشة تخطيط حربي صرف. ولما سألت ضباط الأركان العاملين فيه ما هي أهدافنا لزمن السلم في كل بلد على حدة، اكتشفت أننا لم نحدد أي شيء.
واتخذت أول خطوة لعلاج هذا النقص، وهي تأسيس الفرع السياسي العسكري كملحق بقسم التخطيط والسياسة: وفي خلال ستة أشهر حددنا أهدافنا ووضعنا برنامجا لكل بلد. وشرعنا في عقد الندوات لضباط أركان القيادة المركزية، التي حضرها أساتذة زائرون وموظفون حكوميون لبحث شؤون المنطقة. ورغم أن العديد من كبار ضباط الأركان التحقوا بالقيادة المركزية في نفس فترة التحاقي بها، ولم تكن لهم أية تجربة سابقة بالمنطقة فقد انسحروا بالشرق الأوسط.
كان نائبي كقائد عام هو الليوتاننت جنرال كرافن سي " بك " روجرز، وهو طيار محارب مخضرم، ويشعر في مجال الشؤون الدولية أنه في بيته، وقد خدم أخيراً بصفة قائد للقوة الجوية الأمريكية في كوريا. أما رئيس الأركان التابع لي فهو الميجور جنرال جوهوار وهو محارب مخضرم في مشاة البحرية من نيو انجلاند. كنت أعرف منذ البداية أن بوسعي الاعتماد عليه لخبرته في عمليات مشاة البحرية والانزال البرمائي، ولكني تعلمت أيضاً، في مجرى إعادة تنظيم القيادة، أن أعتمد على جو في كل شيء. لقد كان جو رجلا لا معا مندفعا ذا شخصية ساحرة هادئا في الأوضاع الضاغطة، وقد اعتبرته مسؤولا عن كل جزء من العمل يؤديه في مقر القيادة. لقد كان يحقق في النتائج ما يتجاوز توقعاتي دوما.
وكانت بقية عناصر أركان القيادة قوية أيضاً. فمدير الاستخبارات الميجور جنرال هانك دويفس، جاءنا حديثا من وكالة استخبارات الدفاع، حاملا معه معرفة مطلع وثيق على مجتمع المخابرات في واشنطن. أما الميجور جنرال جيم ريكورد فهو مخضرم القيادة المركزية ـ فقد خدم مديرا للعمليات خلال فترة حرب الناقلات بأسرها ـ وكان جيم شأن العديد من الطيارين المحاربين، شديد الجموح وكثيرا ما الفيت نفسي مضطرا إلى أن أكبح جماحه، لكني لم أضطر إلى حثه قط وأحببت تلك الخصلة فيه. أما البربجادير جنرال دان توجيل مديري لشؤون الاتصالات فقط اشتهر بأنه أفضل المختصين في هذا المجال في القوة الجوية. وكان الميجور جنرال كريس بات مدير الشؤون اللوجستية وهو صديق من أيام العسكرية الأولى في فورت كامبل وقد مضت عليه سنتان في القيادة المركزية، وكان خبيرا معترفا به في ميدان المعونة الأمنية. وهناك واحد اخر من الحرس القديم هو العميد البحري بيل فوجارتي رئيس قسم التخطيط والسياسة وقد حظى بمنزلة كبيرة في واشنطن لتحقيقه في الحادث المأساوي الذي أسقطت فيه الطراد الأمريكي فنسفت طائرة ركاب إيرانية وكان على وشك الاضطلاع بقيادة قوة الشرق الأوسط وقوة المهمات المشتركة للشرق الأوسط أما بديله العميد البحري جرانت شارب فهو قائد شديد المراس ذو ذكاء ثاقب وكان عليه أن يواجه في القريب العاجل المهمة العملاقة الخاصة بإعادة صياغة خطة حرب القيادة المركزية أخيرا هناك البريجادير جنرال نورم ايهليرت المفتش العام الذي لعب دورا أكبر بكثير مما يوحي به لقبه الرسمي فمنذ أن بدأت القيادة المركزية توجه بهدوء سير التخطيط العسكري الثنائي مع عدة بلدان في المنطقة كان هو الجنرال الذي أرسلته لصياغة التفاصيل وسرعان ما أبدى تفهما للشؤون العسكرية المتعلقة بالشرق الأوسط أعمق ممن عداه في القيادة المركزية.
وكان تحت تصرفي في طائفة من المستشارين من الوكالات في واشنطن وكالة المخابرات المركزية (سي. أي. ايه) وكالة استخبارات الدفاع وكالة الأمن القومي وكالة اتصالات الدافع اما أهم هؤلاء فهو رجلنا من وزارة الخارجية المستشار السياسي ستانلي ايسكود يرو. ولم يكن صعبا علينا أن نستدل عليه في القيادة المركزية كان يرتدي بدلة مدنية من ثلاث قطع مزررة وملقمة ويطلق لحيته كنا نسميه جاسوسنا من وزارة الخارجية إلاّ إن ستان كان دبلوماسيا من الطراز الأول ويتمتع ببصيرة نافذة في الشؤون السياسية لمنطقة الخليج ورحت اعتمد على نصحه اعتمادا كليا.
وما أن مرت ستة أشهر حتى ذاع في واشنطن ان القيادة المركزية تركز على منطقتها بأسلوب جديد ومثير ولما أدليا بالشهادة في الكابيتول هيل، بدا قدامي الانصار المتحمسون للقيادة المركزية وهم السناتور سام نان وجون ووارنر تيد ستيفنس ودانييل ك. اينوي ـ فخورين وكانت القيادة قد وقفت اخيرا على قدميها وبدأ زملاؤنا في وزارة الخارجية يطرون تفهمنا المتسع للعالم العربي. اما الوحيدون الذين لم يرق لهم ما أحرزناه من تقدم فهم العاملون داخل البنتاجون ممن لديهم مصلحة قوية في تقليص القوات الأمريكية في الشرق الأوسط.
لم نأمل في إقامة قواعد عسكرية في المنطقة فالحكومات العربية بوجه خاص كانت احرص على سيادتها من ان تدع القوات الأمريكية تعسكر على أرضها بدلا من ذلك حددنا هدف القيادة المركزية بضمان حرية استخدام المطارات والمواني والقواعد العسكرية الهامة في حالة نشوب حرب بل أني لم أتوقع حتى تحقيق ذلك خلال فترة قيادتي كنا ملتزمين بالسير قدما على نحو تدريجي مثل إرسال فريق خبراء إلى باكستان لتعليم اللاجئين الافغان كيف يحمون أنفسهم من الإلغاء السوفيتي وحفر الآبار في السومال وإقناع الكونجرس بزيادة المعونة العسكرية للأردن بمقدار نصف مليون دولار لدفع تكاليف إصلاح المدرجات وغير ذلك من النفقات المتصلة بالعمليات العسكرية المشتركة. واتخذ أكبر نجاح لنا شكل تمارين عسكرية ـ ابتداء من تمارين التدريب الصغيرة المشتركة للقوات الخاصة الأمريكية والسعودية في جزيرة بحجم طابع البريد تقع في الخليج إلى المناورات الصحراوية الكبرى في مصر التي يشترك فيها مظليون من الفرقة المحمولة رقم 82، ووحدات دبابات من فرقة المشاة الآلية رقم 24 وقد بينت هذه التمارين إن هناك بلدانا أخرى مستعدة لتقبل حضور القيادة المركزية حتى إن كان ذلك بصورة مؤقته على نطاق ضيق.
في جولة زياراتي الثانية في خريف 1989 وجدت الكثير من الأبواب في الشرق الأوسط تنفتح والآن وقد عرف نظراي العرب مدى افتتاني بحضارتهم فقد صاروا يستقبلونني بترحاب في بعض قصورهم ومتاحفهم وجوامعهم. كما صاروا مستعدين لمكاشفة الاسرار العسكرية فخلال زيارتي الأولى للكويت مثلا احجم الجنرال الصانع عن الدخول في تفاصيل خططه الدفاعية، وقلل شأن البلدان العربية الأخرى في الخليج فكرة نشوء خطر محتمل من صدام حسين ولما عدت في أشهر أكتوبر (تشرين الأول) أخذني في جولة استطلاعية لمنشآته العسكرية ولم استطع ان احول دون ملاحظة ان سائر المدافع الكويتية مصوبة شمالا نحو العراق وأخبرني الصانع الآن على المكشوف ان العراق هو الخطر رقم واحد على الكويت وأوضح ان صداما قد فشل في احراز واحد من اهدافه الكبرى في الحرب مع إيران استعاده منذ الوصول إلى الخليج العربي فحين اعاد العراق سيطرته على شبه جزيرة الفاو فإنه استكمل تدمير الجائزة التي سعى إلى نيلها. وممر شط العرب المائي الذي لم ينظف ابدا طوال فترة الحرب حافل الآن بالطمى والسفن الغارقة وقنابل المدفعية التي لم تنفجر بحيث يتعذر استخدامه لسنوات والآن اضاف الصانع مبتئسا، بات العراق أكثر اعتمادات من ذي قبل على ام قصر، أي ميناءه العسكري القريب من جزيرة بوبيان الكويتية، التي قد يعمد صدام حسين إلى احتلالها. وسعت سفيرة الولايات المتحدة في بغداد، ابريل جلاسبي إلى رؤيتي في اليوم الثاني من زيارتي للكويت كما لو أنها تسعى للتقليل من ذلك الخطر كأن تقوم بمهمة عسيرة إذ لا يقتصر الأمر على ان العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق متوترة الآن بل يتعدان إلى انها امرأة تقوم، بما يبدو لنظر العرب عمل رجل لربما افضى ذلك إلى اثباط عزائم ضعفاء الشخصية اما جلاسبي فلم تكن تبالي بذلك قيد شعرة وتحدثت بتلك الخشونة التي يبديها الدبلوماسيون الذين يعرفون انهم ليسوا مضطرين للتفاوض لقد وصفت نظام الحكم العراقي بأنه نظام قمعي فظيع يحرمها من حرية الحركة إلا إنه أيضاً بلد أقوى من ان تهمله الولايات المتحدة "فذلك كمن ينكر وجود السرطان". وافقتها الرأي وأضافت بما ان العراق دولة عسكرية فإن قيام اتصالات عسكرية. عسكرية من خلال القيادة المركزية من شأنه ان يكون سبيلا فعالا لتطوير الاتصالات بين الحكومتين وأعربت لها عن استعدادي للالتقاء بالجنرالات العراقيين استطاعت هي توفير فرصة موائمة.
كان على جلاسبي ان تعود إلى بغداد على الفور اما انا فإن مشاغل القيادة المركزية اسبقتني ومرافقي في مدينة الكويت عدة أيام آخر وأوجد الجنرال الصانع سبيلا لتلطيف الجو إلى حد كبير قبل مغادرتنا، وذلك بترتيب وليمة عشاء لي ولضباطنا نحن الاثنين في مطعم شهير صمم على شكل الدهواي على صورة مركب شراعي عربي من طراز المراكب التي كانت تمخر امواه الخليج في الايام الخوالي جاء إلى غرفتي في الفندق قبل يوم من الوليمة ليخبرني عن المطعم ثم سألني عرضا هل تفضل ارتداء ملابس مدنية أوروبية ام ملابس كويتية ؟ ان فكرة ارتداء دشداشة عربية لم تخطر على بالي من قبل ولكني رأيت انه لم يكن ليطرح السؤال لو لم يرغب في أن يراني مرتديا اياها، أود ان أرتدي ملابس كويتية ان لم يكن ذلك مزعجا لكم ".
اضاءت البهجة قسماته " لن يزعجني ذلك إطلاقاً بل سنسر بذلك سأجلبها لك ".
وأشرت قائلا لكني لم أر أي أناس غربيين يرتدون الملابس الكويتية نظر إليّ وأجاب في الصميم كلا لم تر أحدا ولكنك ترى الكثير من العرب في الولايات المتحدة يرتدون الملابس الغربية فهمت مغزى الرسالة ننتظر منهم التكيف حين يعملون في بلادنا مع ذلك لا نشعر بالتزام مماثل في بلادهم.
في عصرية ذلك اليوم وصلني الثوب وهو رداء طويل الاكمام عالي القبة معمول من نسيج قطني أبيض والبشت وهو عباءة خارجية طويلة سوداء معمولة من ياردات من نسيج صوفي ناعم متباعد الخيوط في الحياكة يحف مطارفه قبطان ذهبي كما استلمت غطاء الرأس التقليدي قماشة مربعة بيضاء من القطن هي الغترة وقيطان أسود مجدول هو العقال ليحفظ الغترة على الرأس ارتديت الثياب ووقفت امام المرآة كانت رائعة المنظر واستدرت متأملا نفسي من هذا الجانب ومن ذلك ومل أتمالك نفسي عن التفكير في فيلم لورنس العرب حين يرتدي بيتر اوتول الثياب العربية أول مرة ويروح يدور راقصا على كثبان الرمل معجبا بنفسه.
جاء الصانع وصحبه لاصطحابي فنزلنا بواسطة المصعد إلى الطابق الاسفل حيث كان جموع الضباط المساعدين لي هنا واقفا ينتظر دون ان يرتاب في شيء ورأى نوم ايهلبرت الجنرال الصانع يجتاز ردهة الفندق مع كل أولئك العرب فتساءل اين الجنرال شوارتزكوف اذن ؟ وقال لي فيما بعد أنه على كثرة الوقت الذي أمضاه في الشرق الأوسط لم يخطر بباله أن أمريكيا قد يرتدي ثيابا عربية.
وفي المطعم صف الجنرال الصانع ضباطه في خط واحد للترحيب بنا وكانت بسمة عريضة ترتسم على محيا كل ضابط منهم فيما ان اصافحه ذاكرا لي مدى سروره وتشرفه بأن يراني مرتديا ثيابهم قبل الجلوس إلى المائدة تجولنا قليلاً على دلة مركب الدهو الشراعي متجاذبين اطراف الحديث مرتشفين عصير الفواكه وشاخصين بابصارنا على امتداد الخليج كل مساء صافيا تهب فيه الريح قليلا وأنا واقف وسط الكويتيين في مقدمة المركب وثيابي تطير، متسائلاً ما عسى يقول عني زملاء دراستي في وست بوينت لو رأوني الآن.
إن الاسلوب الجديد الذي اتبعته القيادة المركزية اثمر أيضاً في الامارات العربية المتحدة ففي أواخر عام 1988، كان ثمة نفور وتباعد عملي بين حكومتينا فرئيس الاتحاد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وهو بدوي حاذق ومخضرم وموحد الامارات قد أعلن مرات عديدة ان الولايات المتحدة ليست صديق العرب لأنها صديق إسرائيل وكانت القيادة المركزية قد امعنت في زيادة العلاقات حرارة بصفقة أسلحة أبرمت قبل بضع سنوات كانت القيادة المركزية تشرف على بيع حكومة الشيخ زايد ما قيمته عشرات الملايين من الدولارات من صواريخ هوك ـ (ت 2 = التعديل الثاني) للدفاع الجوي دون أن تذكر له أن البنتاجون يوشك أن يعلم تقادم هذا النوع من الصواريخ والانتقال إلى صواريخ هوك ـ ت 3 وشعرت الامارات العربية المتحدة بأنها قد خدعت.
وكان نائب رئيس أركان القوات المسلحة في الامارات وهو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الابن الثالث للشيخ زايد غير راض عن هذا الوضع الذي آلت إليه الأمور. ولما أطلعه الجنرال ايلهيرت ان طاقما جديداً يتولى الآن مهام القيادة المركزية دعاني إلى عرض عسكري يقام في العيد الوطني للامارات العربية المتحدة في ديسمبر (كانون الاول) 1989، كان عليّ أن أقوم برحلة خاصة إلى الشرق الأوسط لحضور المناسبة وبالطبع فقد كانت تستحق ذلك كما بدا لي فالامارات المتحدة تحتل موقعا استراتيجيا حاسما زاد على هذا افتتاني بالتحديث السريع للبلاد في ظل قيادة زايد ورغبتي في الاطلاع عليه بنفسي وقد عرف محمد بأنني أحب الخروج في نزهات لذلك جعل الدعوة مغرية بصورة مضاعفة بحيث لا يمكن الاعتذار عنها عوض ان يأخذني في رحلة صيد بالصقور في الصحراء في اليوم التالي.
وتوافقنا محمد وانا منذ مساء لقائنا على الفور واتفقنا في الرأي على ان بلدينا بحاجة إلى القيام ببداية جديدة ووعدت بتعيين الكولونيل جاك ماك جينز، وهو واحد من خيرة ضباط مقر القيادة كرئيس للبعثة العسكرية الأمريكية وفي اليوم التالي ذهبنا لحضور العرض العسكري.
وجهت الدعوة إلى العسكريين من سائر البلدان وكان هناك عدة جنرالات في قاطع منصة الجلوس حيث كنت جالسا مع هوار وايهليرت إلاّ إني كنت الأعلى رتبة وكان الآخرون يأتون ويصافحون عند وصولهم باستثناء اثنين وجلس إلى جانبنا أثنان من العسكريين العراقيين اللذين لم يقولا لنا كم الساعة ولما ابتسمت وقلت صباح الخير لم يردا كما لو أنني لم أكن موجودا وتذكرت حواري مع السفير جلاسبي قبل أسابيع مضت وفكرت مؤكد ان علينا ان نقطع اشواطا أخرى قبل ان نتصادق مع هؤلاء الناس.
تحددت القيادة المركزية منذ انشائها عام 1983، بوصفها قوة انتشار سريع على ان تكون مهمتها في زمن الحرب ان تصد الجيش الاحمر على احتلال النفط الثمينة في إيران وكان هذا السيناريو هو الأساس المنطقي لما يسمى خطة عمليات القيادة المركزية المخطط الاساس الذي استخدمناه لتنظيم الوحدات وإجراء المناورات وتكديس وخزن التجهيزات والتنافس مع القيادات الأخرى على دولارات ميزانية البنتاجون وكنت أعرف خوارج وبواطن الخطة بفعل تسلمي قيادة فرقة المشاة الالية رقم 24 التي كانت مخصصة للقتال تحت امرة القياة المركزية في حالة نشوب حرب والواقع ان دبابات الجيش الوحيدة المموهة باللون الصحراوي المغبر عوضا عن اللون الغابي الاخضر هي دباباتنا.
وقد استخدمنا خطة العمليات تلك السنوات إلاّ أن أغلب الجنرالات يعرف ان الخطة عديمة المعنى وانها لا بد من نبذها مع المهملات آخر الأمر فاولا ان الخطة انتحارية فقد كانت تقضي ان تزج القيادة المركزية قواتها في جبال زاجروس شمال إيران ان الممرات الضيقة والأراضي الوعرة هي أفضل مواطن الدفاع لكننا كنا ندرك أننا مهما ابلينا في القتال بلاء حسنا فإن العدو سيكتسحنا بتفوقه العددي ونحن بعيدون عن الوطن مسافة 7 آلاف ميل ومحكومون بنفاد التجهيزات والجنود في ظرف أسابيع ولما كنا نتدرب على الخطة في تماريننا نصف السنوية كان المحكمون يوقفون التمرين قبل ان تصل المعركة تلك النقطة قائلين لنا بغموض " لقد توصل الدبلوماسيون بالتفاوض إلى وقف اطلاق نار ولم تكن الخطة تلهمنا كبير ثقة.
رغم ذلك استخدمت القيادة المركزية تلك الخطة سنوات وسنوات لتبرير انفاق الملايين من دولارات دافعي الضرائب لشراء تجهيزات ومعدات خاصة وفي وقت تسلمي للقيادة كانت قد كدست مئات الاميال من الأنابيب لمد خط للتزود بالوقود في إيران وبدلا من ان تعتمد الخطة على مصافي النفط الايرانية كانت تدعو القيادة كما كنا قد وضعنا خططا لشراء اعداد كبيرة من الحوامات والمراكب البرمائية وغير ذلك من المعدات المتخصصة لكي يكون بمقدورنا نقل سائر تجهيزاتنا إلى الشاطئ والمنطق الكامن وراء ذلك هو أن عداء الحكومة الإيرانية للولايات المتحدة لن يفسح لنا منفذا للمواني ورأيت اننا إذا لم نستطع تحديد هدف معقول للقيادة المركزية الجديدة التي اتولاها الآن فإنني على استعداد لأن أوصي وزير الدفاع بالغاء القيادة.
وذات مساء من أماسي يوليو (تموز) 1989 بعد مضي ثمانية أشهر على تسلمي القيادة العامة لهذه القوة وبعد الزيارات الابتدائية للشرق الأوسط تمددت في الفراش وانا احدق في السقف وفكرة خطة جديدة تتبلور في فكري واسترجعت في عقلي ما خلصت إليه كنت متيقنا من الاهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط ومن كون الشرق الأوسط سبب وجود القيادة المركزية. وعدا عن قلة قليلة من المتصلبين العنودين لم يكن احد يعتقد اننا سندخل الحرب ضد الاتحاد السوفياتي في الشرق الأوسط فكل يوم يأتينا ببرهان جديد على نجاح محادثات الحد من الأسلحة وتخفيف توترات الحرب الباردة. اما في منطقة مسؤولية القيادة المركزية فإن القوات السوفياتية انسحبت فعليا من افغانستان بعد ثماني سنوات من القتال.
لذلك سألت نفسي ما هو الشيء الأكثر احتمالا ؟ مواجهة أخرى على غرار حرب الناقلات مواجهة دخل فيها الولايات المتحدة في نزاع محلي خرج عن حدود السيطرة وراح يهدد تدفق النفط إلى بقية العالم واحصيت لا أقل من 13 نزاعا جاريا في المنطقة حروب حدود اهلية حروب قبلية حروب دينية ومن شأن أي نزاع من العديد منها ان يحيق مصالحنا بالخطر وعليه يجب ان تطور القيادة المركزية خطة عمليات تعالج أسوأ هذه النزاعات بعدها فكرت ان بوسعنا ان نتولى أية أزمة إقليمية في أوجها.
ما هي أسوأ الحالات ؟ العراق غازيا ان رابع أكبر جيش في العالم يتمركز على الحافة الشمالية لحقول النفط التي يؤلف ما تنتجه مادة أساسية ـ للعالم الصناعي وتذكرت الكثير من العرب الذين نصحوني بأن لا أقلق بصدد العراق كما تذكرت القلة الذين نصحوني بأن أقلق وحسمت رأيي في ان القلق هو النهج الصائب جزئياً لأن صدام لم يخط خطوة واحدة لتقليص حجم جيشه خلال العام الذي مر على إطلاق النار مع إيران.
كنت أدرك أن الخطوة التالية التي يجب ان اخطوها هي ان اشق طريقي عبر الجهاز البيروقراطي للبنتاجون لكي نستطيع رسميا الامساك عن المزيد من التحضيرات بصدد غزو سوفياتي مفترض لايران ان قائد قطاع إقليمي لا يستطيع ان يضع على هواه خطة الحرب التي يشاء فهيئة رئاسة الاركان المشتركة هي التي تملي عليه مهمته وفقا للاستراتيجية الوطنية الموضوعة ويأتي ذلك في صورة وثيقة من ورق خفيف سرية للغاية وتسمى مرشد تخطيط الدفاع يسلمها وزير الدفاع ويستخدم استراتيجيو البنتاجون هذا المرشد لتطوير سيناريو خطة ايضاحية وهي وثيقة اخرى سرية للغاية تصور مختلف تعاقبات الاحداث الاكثر رجحانا التي تقود الولايات المتحدة إلى الحرب وتتخذ هذه الوثيقة بدورها اساسا لوضع خطة تسمى خطة القدرات الاستراتيجية المشتركة التي توجه مختلف القادة للشروع في وضع خطط حرب تفصيلية وتحديد القوات التي تعمل مع كل قيادة ومن الواضح ان علينا السعي إلى جعلهم يعيدون النظر في هذه الوثائق. وتحدد موعد اللعبة الحربية السنوية المسماة بالاسم الرمزي النظرة الداخلية في الصيف القادم وتستغرق اللعبة التي تعرف ب " تمرين موقع القيادة " ثمانية ايام مضنية بعشرين ساعة انهاك اليوم الواحد تتدرب فيه اركان القيادة المركزية اضافة إلى اركان الجيش والبحرية والقوة الجوية ومشاة البحرية على ادارة حرب مبلورة ومصدرة الاوامر ومعدة تقارير الميدان وموجهة تدفقات الذخيرة والتجهيزات ومنسقة مناورات القوة الجوية والجيوش والاساطيل باستخدام برامج الكومبيوتر بدلا من القوات الفعلية في الميدان وهذا الاسلوب الذي تتدرب عليه مقرات القيادة هو المعادل لتدريب الطيار في غرفة تحليق وهمية.
وكان اركان العمليات التابعة لي قد بداوا العمل في لعبة النظرة الداخلية لعام 1990 مهيئين تدريبا يرتكز على فرضية دخول السوفيات من خلال إيران أي سيناريو جبال زاجروس سيء الصيت وسألت جيم ريكورد لماذا نجهد انفسنا في عمل منهك لمدة أسبوع في خطة نبذت مع القمامة ؟ وشرح لي قائلا طالما أن الخطة الجديدة لم تقر رسميا بعد فإن الواجب يقضي السير على الخطة القديمة وقلت له أن ينسى جبال زاجروس وان يختبر الخطة التي كانت قيد الاعداد أردت ان اعرف مكامن قوتها وضعفها وان ندفع الوحدات المكونة للقوة ان تفكر من خلال ادوارها الجديدة كنت واثقا من ان العدو في السيناريو الذي سنتدرب عليه في ذلك الصيف لن يكون الاتحاد السوفياتي بل العراق .
 
الفصل الثاني

لعبنا مناورة النظرة الداخلية على شاشات الكومبيوتر في أواخر تموز (يوليو) مقيمين مقر قيادة صوريا مجهزا بالكومبيرترات ومعدات الاتصال في قاعدة ايجلن الجوية الواقعة في اللسان الأرضي لولاية فلوريدا الذي يشبه يد المقلاة وبينما كان التمرين الوهمي جاريا كانت القوات البرية والجوية العراقية في العالم الحقيقي توازي في الخفاء السيناريو المتخيل في لعبتنا كنا قد صورنا قوة ضخمة تتألف من نحو 300 ألف رجل و 3200 دبابة و 640 طائرة مقاتلة. تحتشد في جنوب العراق وتهاجم شبه الجزيرة العربية. أما القوة الأصغر التابعة للقيادة المركزية فيفترض بها أن تصد الغزو وتوقفه قبل ان يحتل حقول النفط ومصافي النفط والمواني السعودية الهامة.
ولإضفاء مزيد من الواقعية على هذا السيناريو طلبت من مركز المراسلة في قواتنا قبل عدة اسابيع ان يبدأ سلفا بإرسال دفعة من البرقيات الوهمية عن التطورات العسكرية والسياسية في العراق إلى مقر قيادة وحدات الجيش والبحرية والقوة الجوية ومشاة البحرية المقرر لها ان تشارك في لعبة المناورة ومع بدء لعبة مناورة الحرب راح مركز المراسلة أيضاً يبعث النشرة لمعلومات المخابراتية المعتادة عن الشرق الأوسط الحقيقي وكانت التقارير المتعلقة بالعراق على شبه كبير بالبرقيات المزيفة في اللعبة بحيث اضطر مركز المراسلة إلى ان يختم التقارير الوهمية بحروف بارزة للتمرين فقط.
قضيت الاسبوع متوترا قدم في عالم التمرين الخيالي وقدم في عالم الواقع الفعلي حيث الازمة الحقيقية تتنامى ففي السابع عشر من تموز وجه صدام حسين علنا وبلهجة غاضبة تهديداً بالحرب إلى الكويت والإمارات العربية المتحدة واتهم الاثنين بغرز خنجر مسموم في ظهر العراق بتجاوزهما حصص الانتاج المقررة في الاوبك مما أدى إلى خفض اسعار النفط ومضى إلى القول ان جشعهما قد دفعهما إلى التأمر مع الامبرياليين الأمريكان والاسرائيليين لتخريب العراق وكفوا عن التصرف كاشقاء عرب وفي اليوم نفسه وصل اول التقارير عن وجود تحركات مريبة للقوات العراقية شمال الكويت تماما.
ان الصراع على حصص الاوبك هو بمثابة قبعة بالية فصدام المثقل بديون حرب تناهز ثمانين مليار دولار كان يريد منذ فترة بعيدة رفع الاسعار اما قادة الخليج الآخرون فقد رفضوا باستمرار ومجاراته في ذلك. بل ان رجالا ذوي ثقافة عالية مثل الملك فهد عاهل السعودية والسلطان قابوس بن سعيد عاهل عمان كانوا يعتبرون صداما بمثابة قاطع طريق إلاّ إنهم لم يكونوا قلقين تماما بسببه فبعد كل شيء ادار العراق كدولة عسكرية على مدى احد عشرعاما دون ان ينقلب على جيرانه العرب (الإيرانيون اريون وليسوا عربا) وظلوا متمسكين بالاعتقاد ان العرب سيواصلون تسوية خلافاتهم بينهم سلماً. وهو ما دأبوا على تكرار قوله قرونا. إلاّ إن صدام حسين صعد تهديداته الفظة إلى مستوى لم يسبق له مثيل في العالم العربي وتوقعت ان نرى ردود فعل سريعة من الدول العربية الأخرى. كانت الامارات العربية المتحدة أول من يطلب العون وتوجه الشيخ محمد بموافقة والده إلينا بطلب زوج من طائرات نقل الوقود لتزويد المقاتلات بالوقود جوا كان محمد يبغي الاحتفاظ بقوته الجوية محلقة باستمرار وجاهزة للدفاع فورا بوجه أي هجوم عراقي كما سأل أيضاً ان كان بمقدورنا تزويده بطائرة انذار مبكر تحسبا لقيام العراق بشن غارة كان كلا الطلبين دفاعي الطابع ومعقولا وادركت ان الامارات تعد ذلك امتحانا صارما للعلاقة الجديدة التي وعدتهم بها كما كنت ادرك ان طلب المعونة الأمريكية يتطلب قدرا من الشجاعة لان الامارات كانت تعرض نفسها بذلك إلى الازدراء من جانب الدول العربية الاخرى قلت بالطبع سنفعل.
بعد ذلك تقدمت الامارات بطلب رسمي إلى واشنطن إلاّ إن وزارة ـ الخارجية اوصت برفض الطلب وصدقوا النظر عن محمد باعتباره اميرا مانعا جاء هذا الحكم من خبير في الشؤون المصرية لا يعرف إلاّ النذر اليسير عن الامارات ولقد اخطأ اسم الرجل فمحمد الاماراتي مسلم ورع وضابط عسكري كفء ووطني وابن وفي مخلص لأبيه ولاقت احتياجاتي آذانا صما فالتجأت اخيرا إلى كولن باول قلت له إن ذلك هام جدا بالنسبة لنا انهم لا يطلبون الكثير ويجب ان ندعم هذا الطلب إذا كنا نريد الحفاظ على أية علاقة عسكرية مع الامارات.
وافقني الرأي بحماس شأن وزير الدفاع ديك تشيني إلاّ أن تغيير موقف وزارة الخارجية تطلب يومين في غضون ذلك اتصل بي محمد وقال هل ستدعمون الطلب ام لا ؟ كما ان السفير الأمريكي في الامارات الذي كان قد وعد بتقديم العون أيضاً وكان الآن في وضع دقيق وحرج اشتكى إلى وزراء الخارجية قائلا إنني أصرخ بأعلى صوتي لماذا لا ندعم هذا المطلب ؟ ما هو فحوى الالتزام ؟ مجرد طائرتي نقل وقود إننا سنكسب ثقة هؤلاء سنكسب ثقة هؤلاء الناس إلى الأبد. كانت هذه المعارك نموذجا مميزا لاسلوب عملنا في الشرق الأوسط فليس ثمة ما هو هين ابدا. أخيرا حوالي أواخر تموز ارسلنا بهدوء طائرتي نقل وقود لأجل ما أسميناه التدريبات المشتركة مع القوة الجوية الاماراتية كما نشرنا ثلاثة من سفننا الخمس في قوة الشرق الأوسط لتشكل سياج خفارة على امتداد الخليج بحيث إذا شن العراق غارة جوية أمكن لنا التقاطها على شاشات الرادار في الوقت المناسب لتحذير الامارات.
أما في الكويت فإن صديقي الميجور جنرال الصانع والميجور جنرال جابر الخالد الصباح وضعا القوات الكويتية في حالة الانذار القصوى ونشراها في موقع دفاعية شمال مدينة الكويت وهي خطة سبق لي أن اطلعت عليها في العام المنصرم.
إلاّ إن أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح اعترض ملغيا القرار وأعاد القوات إلى ثكناتها وافترض الأمير استنادا إلى خبرته ان بالوسع استرضاء صدام بالنقود لقد اسهمت الكويت من قبل بمليارات الدولارات دعما لمجهوده الحربي ضد إيران فيما يزعم صدام الآن ان الكويت قد سرقت ما قيمته 2.5 مليار دولار من نفط حقل الرميلة المشترك بين البلدين واتفق الدبلوماسيون الأمريكان ان صدام لن يهاجم.
واستلمنا خلال الاسبوع الأخير من تموز تحليلاً للوضع من وزارة الخارجية ومن الأوساط الدبلوماسية الدولية يقول ما معناه ان صدام يلوح بالسيف ليس إلاّ ليستقوى على الكويت في معركة أسعار النفط وانه ما من دولة عربية ستهاجم دولة عربية قط.
إلاّ إن الله حباني بضباط مخابرات يبلغون من المهارة مبلغا بحيث ان أوساط المخابرات العسكرية في واشنطن كانت تعطي الأولوية لتقارير القيادة المركزية مؤيدة تقديراتنا للتطورات في الشرق الأوسط وكان ضباط المخابرات يطلعونني كل صباح عن آخر التحركات العسكرية العراقية وتوافرت لنا معطيات مذهلة يمكن الاعتماد عليها فمنذ حرب الناقلات والولايات المتحدة تخضع تلك المنطقة لمراقبة متناسبة بواسطة البشر والمعدات المتطورة فكان كل يوم جديد يحمل لنا قدراً من المعلومات الطازجة ورحنا نتعقب أثر القوافل العسكرية والقطارات المحملة بالدبابات فيما هي تتحرك من بغداد إلى البصرة جنوب العراق ثم تنطلق من هناك إلى مناطق التحشد.
لقد سبق للعراق أن استخدم الصحراء المتاخمة للبصرة لاغراض التدريب العسكري وحسبنا بادئ الأمر ان التحشيد الحالي قد يكون لغرض اجراء تدريبات عسكرية أخرى كانت القوات العراقية تقيم هناك في خيام اما دروعها ومعداتها وتجهيزاتها فتجثم بعيدا في المؤخرة اما في نهاية تموز فلم تعد القوات مقصورة على منطقة التدريب بل راحت تنتشر كلها كالمروحة جنوب شرق وجنوب غرب البصرة ووجهها إلى الحدود الكويتية واختفت الخيام الآن وتقدمت الدروع إلى الامام فيما حشدت المعدات إلى جوار الوحدات القتالية التي يمكن ان تستخدمها: فالهليكوبترات تجثم بجوار الوحدات الخاصة والجسور العائمة إلى جانب مشاة البحرية. ولم يكن ثمة سبيل للتوهم بأن ما نراه هو محض استعراض للقوة بل هو خطة حرب تتبلور.
ولما عدنا إلى تامبا. انتقلت هيئة أركاني، دون توقف من التوتر الاصطناعي للعبة الحرب على شاشات الكومبيوتر إلى التوتر الفعلي الناجم عن الأزمة. وحصل تغيير في كادر الضباط الذين اعتمد عليهم اعتماداً أقصى، فمثلا ان جوهران رئيس أركاني، رقى إلى رتبة جنرال بثلاث نجوم ونقل إلى مهمة في البنتاجون تضعه على المسار الصاعد إلى قيادة باربع نجوم كنت فخوراً بأن اراه يصعد ومسرورا بالبديل الذي جاءني، وهو الميجور جنرال بوب جونستون، الذي كان على قدر مساو من الكفاءة. وكنت قد سمعت جنرالات أخرين يصفون جونستون باعتباره القائد المقبل لفيلق مشاة البحرية، وعرفت من أدائه في مناورات، النظرة الداخلية، سبب ذلك، ان رئيس الاركان يلعب دوراً محوريا في تدريبات موقع القيادة. كما في الأزمة الفعلية. ورغم أنه أمضى في القيادة المركزية شهرا واحدا فقط، فقد نفذ وظيفته على أحسن ما يمكن ان تنفذ.
وجاءنا أيضاً الميجور جنرال بوت مور، وهو ضابط قوة جوية محنك، ليعمل كمدير جديد للعمليات عندي. وهي وظيفة لا كسب فيها خصوصا حين يكون القائد العام حصان حرب قديما مثلي يعتقد نفسه انه خير ضابط كضابط ارتباط للقوة الجوية بالكونجرس. ووجد نفسه الآن على مقعد ساخن منذ أول لحظة وابتداء بمناورات النظرة الداخلية، وانتهاء بالأزمة الفعلية واجتاز المصاعب الناشبة بفضل خبرته كطيار مقاتل في هذه الأثناء تلقى قسم المخابرات عندنا. وهو الافضل في الامور المتعلقة بالشرق الأوسط اصلا، دعما بعقل جديد هو الرئيس الجديد للقسم البريجادير جنرال جاك لايدا كان لا يدا اختصاصيا بالشرق الأقصى. وقد عمل ملحقا عسكريا في الصين ايام مذبحة ساحة تيان ان مين، وانتقل الآن إلى القيادة المركزية متوقعا فترة مستحقة من راحة البال. ولكن ما ان اندلعت الازمة حتى سارع إلى تعليم الضباط الشباب كيف يزيدون كفاءتهم في ظل جبال ساحقة من العمل.
ووردنا من الكويتيين طلب المعلومات حول التهديد العراقي فاجبناهم بارسال احد خبراء لايدا، وهو الميجور جون. ف. فيلي. إلى مدينة الكويت حاملا حقيبة ملأى بصور فوتوغرافية سرية للغاية وابلغنا واشنطن، بعد الظهر بقليل من اخر يوم من أيام يوليو، ان الحرب بين العراق والكويت تبدو وشيكة ودعم المحللون في وكالة مخابرات الدفاع الذين كانوا يتابعون نفس المعطيات استنتاجنا هذا، وأمرني كولن باول عصر ذلك اليوم نفسه بالمجيء إلى واشنطن لاطلاع وزير الدفاع تشيني، وهيئة رؤوساء الاركان المشتركة عن الخيارات المتاحة امامنا فيما لو بدأ اطلاق النار.
في عصر اليوم التالي دخلت التخوم المألوفة لغرفة الاجتماعات المعروفة باسم "الدبابة" مقدما الرسوم البيانية وصور المراقبة لمواقع القوات العراقية ومدليا بحديث مدة 90 دقيقة وسألني تشيني وهو يشير إلى خارطة للكويت معروضة على الشاشة، عن رأيي فيما سيفعله العراق قدمت تنبؤا اتضح فيما بعد انه ينقسم إلى نصفين. نصف صائب ونصف خاطئ، لا ريب في أن هذه خطة عسكرية أظن أنهم سيهاجمون، هذا ما قلته، لكني أضفت أنني لا أعتقد ان صدام سيلتهم البلد كله، وتوقعت ان يكتفي بنقل مواقعه إلى الجنوب من خط العرض رقم 30 مستوليا على الجانب الكويتي من حقل نقطة الرميلة، اضافة إلى جزيرة بوبيان التي تسيطر على المسار البحري إلى الميناء العراقي الجديد، ام قصر، والتوقف عند هذا الحد.
وقدمت عرضا بخطط تفصيلية كنا قد صنعناها حول هجمات جوية وبحرية يمكن لنا ان نشنها على العراق، وقدمت قائمة بما يسمى الاهداف الثمينة، مقرات القيادة العسكرية محطات توليد الطاقة، المصانع، التي يملك لنا ان ندمرها بسرعة، وفي الختام، وبما يشبه المراجعة في التفكير، اوجزت خطة الطوارئ لارسال قوات للدفاع عن العربية السعودية. وانتهى الاجتماع بدون أي احساس بأن الوضع يتطلب عملا عاجلا ففي هرم الازمات العالمية كانت ازمة الخليج مجرد ومضة ثانوية على شاشة الانذار.
واتصلت بمقر قيادة قواتنا في تامبا مسبقا، وانا في طريقي إليه، مبلغاً بأن جلسة الاطلاع سارت سيرا حسنا، في الخفارة، وكانت تلك أول فترة ر احة لاركان فريقنا منذ اسبوعين وشعرت بالرضى لأننا قمنا بكل ما نستطيع القيام به، إلى ان يقدم صدام بنقلة جديدة، ولما حطت طائرتي في وقت متأخر من عصر ذلك اليوم ذهبت إلى بيتي.
بعد ساعة واحدة فقط وفيما انا أركب دراجة التمارين الرياضية متهيئا لصرف العراق عن فكري، رن جرس التليفون كان كولن باول على الخط وقال لي مقرا بالواقع، لقد كنت مصيبا لقد عبروا الحدود.
هرعت إلى مركز القيادة وانا ما أزال بدلة مرتديا بدلة الاحماء الرياضي أطلعني ضباط فريق الأزمات على تقارير الاستخبارات الأولية، التي اشارت إلى ان الهجوم العراقي الرئيسي قد تجاوز حقل الرميلة وتغلغل في عمق الكويت. يبدو ان صدام سيمضي إلى أبعد مما توقعت بعد ذلك انقطعت الاخبار طوال ساعتين وانتظرنا سماع شيء من فريقنا للمساعدة الامنية في الكويت أو من الميجور فيلي اخيراً بعد الساعة التاسعة مساء. الرابعة فجرا بتوقيت الكويت ـ اتصل بنا فيلي لقد استيقظ من النوم في غرفته بالفندق على دوي انفجارات بعيدة فعبر الشارع قاصداً السفارة الأمريكية حيث تحتفظ القيادة المركزية بجهاز اتصال عبر الاقمار الصناعية يربط فيلي بمقر القيادة في تامبا. وكان فيلي الآن على الخط يتحدث مع الجنرال لايدا الذي نقل لنا تقريره ان الجنود العراقيين في وسط مدينة الكويت.
من الواضح ان ذلك ليس بالاختراق المحدود الذي تكهنت به صباح ذلك اليوم رحت إلى التليفون الاحمر وهو الخط السري للغاية مع واشنطن لا حذر الجنرال باول إلا إنه اخذ يرن قبل ان التقط السماعة لقد سمع باول الاخبار نفسها عبر قنوات وزارة الخارجية من السفير نات هاويل في الكويت وقد اتصل ليخبرني لقد دهش الجميع فثمة عربي يهاجم شقيقا عربياً اضاف باول قد احتاجك ان تأتي إلى هناك صباح الغد لاطلاع الرئيس.
في غضون ذلك ارتقى الميجور فيلي إلى سطح مبنى السفارة وقدم لنا وصفا حيا لمعركة الفجر في مدينة الكويت فإن موقع السفارة ممتاز فهو على مبعدة ربع ميل من القصر الرئيسي احد الاهداف الاساسية للعراقيين وصف لنا فيلي الدبابات والمقاتلات والهليكوبترات العراقية التي رآها تهاجم وقال ان الهليكوبترات كانت تفرغ جنود القوات الخاصة في مواقع استراتيجية في عموم المدينة وشاهد اناسا بملابس مدنية يعطون لها اشارات في مناطق الهبوط لقد اعد العراقيون للغزو اعدادا دقيقا. وذهبو إلى حد زرع العملاء للعمل ـ كمنظمين على الارض للقوات الداخلة.
واتضحت صورة الغزو في الساعات القلائل التالية لم يزد الهجوم إلاّ ـ قليلا عن التقدم على الطريق العام الذي يوصل شمال الكويت بجنوبه وصولا إلى مدينة الكويت وهنا واجهوا مقاومة أبطأتهم في هذه الأثناء التف طابور من الدبابات حول المدينة واتجه جنوبا نحو القواعد العسكرية وحقول النفط الجنوبية وفي ذلك الصباح نفسه كما علمت فيما بعد حاول الجنرال جابر نائب رئيس الاركان ان يحرك الجنود خارج الثكنات وينقلهم إلى مواقع المعركة إلاّ إن وحدات الكوماندوز العراقية دمرت مقر قيادته. لذلك قضى ساعات الفجر متنقلا بسيارته المرسيدس ليوجه القوات من تليفون ببطارية خلوية فيما بعد ذهب هو وأركانه إلى مخبأ تحت الارض لا لشيء إلاّ لتتوقف ثلاثة من دبابات الحرس الجمهوري فوق سقفه ولما رأى جابر انهم سيؤسرون لا محالة قرر ان يسلم نفسه افتداء لحرية ضباط اركانه وارسل احد مساعديه إلى القائد الاعلى ليفاوض على التسليم ولحسن الحظ فإن الدبابات العراقية في هذه الاثناء تحركت بعيدا فر جابر من المخبأ وانتهى إلى توجيه بقايا الجيش لعدة اسابيع أخر.
في وقت مبكر من صباح اليوم التالي ابلغت مكتب كولن باول في البنتاجون عن وجودي مستعدا لما رفقته إلى اجتماع مجلس الامن القومي حيث سأقوم لاول ـ مرة في حياتي باطلاع رئيس الولايات المتحدة رمقني باول بنظرة متفحصا التعبير الماثل على وجهي وحذرني من عقد آمال كبيرة على الاجتماع قائلا ان اجتماعات مجلس الامن القومي هي في الاساس منبر يجمع الرئيس منه المعلومات وسيشعر كل شخص في الوزارة بأن عليه ان يتحدث لذلك قد تسمع اشياء حمقاء لا تتوقع اتخاذ أي قرار فحين يتوجب على الرئيس ان يتخذ قراراً فإنه سيفعل ذلك بالتشاور مع مجموعة اصغر بكثير وتصفح بعجل سلايدات تقارير الاطلاع التي عمل ضباط مقرنا بمشقة طوال الليل في تهيئتها نصحني بأن اقصر عرضي للوضع على ما يمكن ان تفعله القيادة المركزية في الحال وبخاصة الضربات الجوية والضربات البحرية التي وصفتها لهيئة رؤساء الاركان المشتركة ونبهني باول بوضوح انه لا يريدني ان ادخل في تفاصيل خطتنا للطوارئ القاضية بارسال القوات قبل ان نعرف نوايا صدام واضاف ان تدخل الولايات المتحدة عسكريا أو عدم تدخلها يتوقف على التالي وهو إلى أي مدى سيمضي العراق واوجز قائلا اظن أننا سندخل الحرب من أجل العربية السعودية ولكني اشك ان ندخلها من أجل الكويت اخيرا نصحني قائلا إنني ضيف على الاجتماع وبصفتي هذه ينتظر مني ان أبقى على الهامش إلاّ أتحدث حتى يطلب مني استوعبت كل توجيهاته لقد كان باول مستشارا للأمن القومي وبصفته هذه فقد كان يعرف ما يقول والبروتوكول الذي وصفه يشبه للأمن القومي وبصفته هذه فقد كان يعرف ما يقول والبروتوكول الذي وصفه يشبه البروتوكول الساري في جاتماعات الدبابة بعد الفراغ من ذلك صعدنا إلى السيارة الفارغة التي انطلقت عبر نهر بوتوماك إلى البيت الأبيض.
كانت تكهنات باول في محلها تماما فالقاضي وليم ويستر رئيس وكالة المخابرات المركزية ابتدأ باحداث المعطيات الاستخباراتية. ورغم ان في متناول الوكالة نفس المعلومات المتوافرة لدى القيادة المركزية فإن ما قدمه ويستر لم يزد عن وصف بانت للقوات العراقية قبل بضعة ايام من الغزو وقدم معطيات شحيحة عن الهجوم نفسه دون ان يذكر كلمة واحدة مثلا عن المعركة حول القصر الاميري في الليلة السابقة وقدم الليونانت جنرال برنت سكو كروفت مستشار الامن ـ القومي وتوم بيكرنج سفير الولايات المتحدة في الامم المتحدة ووزير الدفاع ديك تشيني مداخلات مثيرة للاهتمام إلاّ إن موظفي الوزارة الاخرين الذين كان يفترض بهم ان يسهموا في تقيم التطورات الجديدة بدوا غير متهيئين بالمرة.
كان الرئيس بوش يريد معاينة كل وجه من وجوه الازمة هل هناك احتمال بأن تدخل إيران الحرب إلى جانب العراق هل تستطيع قطع تدفق النفط العراقي والكويتي؟ ما تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي لماذا امتنعت اليمن عن التصويت في مجلس الأمن مع قرار شجب الغزو ؟ ما الذي نستطيع القيام به للحيلولة دون اخذ المواطنين الأمريكان كرهائن؟ واعجبت باستعداده للاصغاء لكل ما يريد أي واحد قوله واحجامه عن إصدار حكم أو قرار متعجل قبل ان يرى الصورة كاملة.
وراح يدور بانتباهه حول طاولة الاجتماع باحثا عن معلومات محددة دون ان ينال الكثير منها وكبت رغبتي القوية في الوثوب على قدمي والقاء محاضرة كنت اعرف الجواب البسيط عن السؤال المتعلق باليمن ان دورها في مجلس الامن هو تمثيل الجامعة العربية والقادة العرب في هذه الازمة لم يتوصوا إلى اجماع في الرأي ووفقت في ضبط جماح نفسي إلى أن اعلن ويستر إلى توقف سائر الاتصالات مع السفارة الأمريكية في الكويت.
قلت " لا أظن ان ذلك صحيح وأوضحت اننا كنا نتحدث مع الميجور فيلي بالراديو طوال الليل ولم يبد ان تدخلي في الحديث جرح مشاعر الحاضرين فقد خمنت ان ما يقصده وبستر تحديدا هو ان وكالة المخابرات المركزية لم تستطع الاتصال مع مسؤول محطتها هنا ورأيت ان من المهم تطمين الرئيس إلى ان سفارتنا لم تمسح من على وجه الارض.
ولما قدمني باول إلى الحاضرين وقفت وعرضت الخيارات العسكرية المتاحة حسب توجيهاته وحذرت قائلا على حين اننا لا نستطيع القيام بشيء لوقف الغزو فإن باستطاعتنا القيام ببعض التحركات بقواتنا الجوية والبحرية لاظهار عزيمة الولايات المتحدة ولمعاقبة العراق ان دعت الضرورة.
ورغم ان عمر غزو الكويت قرب لتوه على الاربع عشرة ساعة فقد كان واضحا ان الرئيس بوش عازم اصلا على وقف عدوان صدام واصدر توجيهاته بان نكون على استعداد للقتال إذا ما أخذ العراق طاقم السفارة الأمريكية كرهائن ثم وجه باول سؤال هل ندرس قضية وضع خط احمر فيما يتعلق بالسعودية؟ فاجاب الرئيس بالايجاب معتبرا الهجوم على السعودية إعلاناً للحرب.
بعد يومين من ذلك استدعاني باول ثانية لاطلاع الرئيس وقال هذا الاجتماع يختلف عن سابقه سنذهب إلى كمب ديفيد وسنتحدث مع الرئيس ومجموعة صغيرة جدا وستكون نجم استعراض خذ قدر ما تشاء من وقت الاجتماع في الصباح واعرض خطتك للعمليات كان الرئيس متهيئاً لدراسة امر إرسال قوات.
لقد تحقق اسوأ السيناريوهات التي تخيلتها فغزو واحتلال كامل الكويت لم يستغرق سوى اقل من ثلاثة ايام وبدا كما لو ان العراقيين لا ينوون التوقف عند ذلك الحد وفي مسعى لتهدئة الأزمة تحركت مصر والاردن والسعودية يوم الجمعة للتحضير لعقد قمة عربية إلاّ إن الفرق الثلاث من الحرس الجمهوري التي قامت بالهجوم الأول على الكويت اخذت الآن تحشد الدبابات وقطع المدفعية على طول الحدود السعودية وتقرب التجهيزات من هذه المواقع الامامية وكان علينا الافتراض انهم يستعدون للعبور.
كان مقر القيادة المركزية مثل قدر الضغط فسفننا الحربية في الخليج تنتشر مشكلة حاجر راداريا لحماية الإمارات كما وعدناها وفرق المساعدة الأمنية الموجدة في السعودية ومصر تهيئ الطائرات لإجلاء المدنيين من الكويت أن سنحت الفرصة ونحن نتهيأ لتولي قيادة حاملة الطائرات أند بندنس والسفن الحربية الست المرافقة لها وكانت هذه القطع تبحر قبل نشوب الأزمة باتجاه جزيرة دييجوو جارسيا في المحيط الهندي أما الآن فقد غيرت مسارها شمالاً نحو الخليج ورحنا في الوقت ذاته نعمل مع البحرية على تنظيم حصار بحري على العراق ونطلب من القوة الجوية أن تضع على أهبة الاستعداد وحدات معينة في الولايات المتحدة قد يتعين عليها التحليق إلى منطقة الحرب.
واخذ ضباط الاستخبارات العاملون تحت امره لا يدا يجلبون لي تقارير طازجة كل ساعة ليس فقط عن العراق بل كذلك عن إيران ودول الشرق الأوسط الأخرى التي كانت نواياها ما تزال غامضة.
أخيراً كان علينا أن نحضر الأجوبة على التساؤلات من واشنطن وأغلب هذه التساؤلات يتخذ شكل مخابرات تليفونية من كولن باول وقد كان يتصل عدة مرات في اليوم فيسأل كم يستغرق الإعداد لشن عملية إنقاذ لطاقم السفارة؟ أو يسأل ماذا تظن أن الجامعة العربية فاعلة؟
ورغم أن هيئة ضباط المقر ارتفعت بشكل رائع إلى مستوى الحديث حقاً فإنني لم أكن ذلك الأمر الهين ورحت أسوقهم بلا رحمة مقرعاً اياها مراراً وتكراراً قائلاً هذا ليس بتمرين مناورات هذا شيء حقيقي وحين نقول لرئيس الولايات المتحدة أن القيادة المركزية تستطيع أن تفعل شيئاً ما عسكرياً فإن من المحتمل جداً أن يلتفت إلينا ويقول حسناً افعلوا ذلك ولا أريد منا أن نجنح ولا أريد أي تظاهر زائف بالشجاعة.
لقد أتهم العسكريون الأمريكان في فيتنام بستر الحقيقة المرة بالاستمرار في السعي لارضاء الرئيس وأتخذ الرئيس بناء على معلومات فاسدة بعضاً من القرارات الفاجعة ونحن لن نكرر هذا الخطأ فكل ذرة من المعلومات التي سنقدمها للرئيس ينبغي أن تكون على أكبر قدر من الدقة المتاحة لنا حتى لو كانت تنعكس سلبا فلو قلنا له إننا نستطيع إن نفعل شيئاً فيجب أن نكون قادرين على الوفاء بهذا القول.
وفي وقت مبكر من يوم السبت المصادف الرابع من أب (أغسطس) التقيت بباول وتشينى في البنتاجون ورحت أعرض عليهم تصوري خلال 20 دقيقة من طيران الهليكوبتر إلى تلال ماريلاند وقد أصطحبت معي الليوتاننت جنرال تشاك هورنر قائد القوة الجوية العامل بامرتي أردت أن يطلع الرئيس على قدراتنا الجوية وبما أن القدرة الجوية هي الخيار الارجح المتاح فورا فقد ارتأيت ان يسمع تشكك كل ما يقال ولما اقتربنا من الأرض رأيت مجمعاً من مباني جميلة من خشب البلوط الأحمر على قمة جبل مسكو بأشجار قصيرة وهو يختلف أختلاف النقيض مع النقيض بالقياه. إلى ميادين المعارك في الشرق الأوسط على قدر ما يحلق خيالي.
وركبنا عربات جولف وسيلة النقل الأساسية في كامب ديفيد من سفح التل إلى المنزل الرئيسي على مبعدة ربع ميل صعوداً كان الرئيس بوش قد عقد جلسة مع دائرته الضيقة في غرفة مريحة للاجتماعات نائب توايل وزير الخارجية يبكر وزير الدفاع تشيني الجنرال سكو كروفت كبير موظفي البيت الأبيض جون سنونو. القاضي وبستر رئيس وكالة المخابرات المركزية.
لقد عاد بيكر في وقت مبكر من صباح ذلك اليوم من رحلة إلى الاتحاد السوفياتي حيث أصدر هو ووزير الخارجية ادوارد شفير نادرة بيانا تاريخيا مشتركا شجبا فيه الغزو العراقي كنا نحن الثلاثة باول وهورنز وأنا في اللباس العسكري أما الباقون فيرتدون ملابس عادية كيف ما أتفق فالرئيس يرتدي قميصاً رياضياً مع سترة جلدية قصيرة لمنع برودة المكيف الهوائي لم يكن يبدو على الاجتماع مظهر مجلس حرب كان الرئيس يقود الاجتماع تماماً وعبر باستمرار عن قلقه على الكويت ومحنة الأمريكيين المحصورين هناك وبين أيضاً أنه لا يمكن المساح للعدوان العراقي أن يمر بدون أن تتصدى له الولايات المتحدة وبقية دول العالم ولما جاء دورى في الكلام وقفت نظرات حول الطاولة وبينت ما نحن في مواجهته فجيش صدام قياساً إلى جيوش بلدان العالم هو الرابع في العالم تسبقه الصين والإتحاد السوفياتي (تحت الولايات المتحدة المرتبة السابعة) وتضم الماكنة العسكرةي العراقية 900000 رجل منظمين في 63 فرقة بما في ذلك ست فرق من نخبة قوات الحرس الجمهوري ويمتلك صدام على وجه التقريب ضعف القوات اللازمة للدفاع عن بلاده من الجيران وتضم ترسانته بعضا من أفضل الأسلحة العالمية المتاحة في أبرز الأسلحة العالمية دبابات ت ـ 72 السوفياتية المدافع الثقيلة عيار 155 ملم من جنوب أفريقيا. قاذفات صواريخ متعددة الفوهات في الحسين والإتحاد السوفياتي صواريخ سيلكوورم الصينية وصواريخ أيكزوسيت الفرنسية المضادة للسفن مقاتلات ميج 29 السوفياتية والقاذفات السوفياتية بعيدة المدى من طراز سوخوى 24 ومقاتلات ميراج م ـ 1 الفرنسية واستطالت القائمة أكثر وأكثر.
وأستغرقت وقتا قصيراً في تبيان مواطن القوة العسكرية العراقية مثل القدرة التي تجلت في حمله تحرير الفاو خلال الحرب الإيرانية العراقية. على الهجوم بالأسلحة الكيماوية ومواطن الضعف فيها.
وبخاصة الضعف اللوجستي والنظام الممركز للقيادة والسيطرة حيث لا يمكن لأحد أن يتخذ قرار حتى في لهيب المعركة سوى صدام شخصياً
وعدت إلى خياري الضربة الجوية والضربة البحرية اللذين سبق أن قدمتهما قبل يومين لا نتقل إلى إمكانية لم نبحثها إرسال قوات برية إن الخطة الدفاعية التي قدمتها آنذاك هي نفس الخطة التي تمرنت عليها القيادة المركزية في لعبة الحرب المسماة النظرة الداخلية مع فارق أنها تتضمن الآن جدولا زمنيا بنشر القوات تصببنا عرقا من أجل إن ننجزه لكي أستطيع لكل ثقة أن أقدم مشروعاً كاملاً للرئيس مع ضمانات تؤكد إن هذا هو ما نستطيع إنجازه.
وأشرت إلى إننا بحاجة إلى تعاون السعودية من أجل تنفيذ الخطة لأنها تتوقف على استخدام مطاراتها وموانئها بعد ذلك إذا أصدر الرئيس الأمر أمكن لنا أن نضع الفرقة 82 المحمولة وهي مؤلفة من 4000 جندي على الأرض فوراً وستكون مهمة الفرقة تأكيد حضور الولايات المتحدة وهي مهمة خطرة لأن العراق إذا هاجمها فإنها لن تضاهي دبابات صدام باسلحتها الخفيفة بعد أسبوعين نستطيع أن تزيده عدد القوات إلى ثلاثة أمثال تلك القوة البرية بلواء من مشاة البحرية ومجموعة قوات خاصة والمزيد من القوات المحمولة وفي ختام الشق الأول تبدأ وحداتنا الثقيلة بوصول لواء الهجوم الجوي المزود بهليكوبترات اباتشي ولواء المشاة الأول المزود بدبابات ابرامز واوضحت هذه هي معدات تدمير الدبابات التي نحتاجها فعلا لصد العراقيين وافنائهم في ممراتهم وابتغاء حماية القوات فيما هي تتدفق ستنشر القوة الجوية مئات الطائرات الحربية في المطارات السعودية وستبدأ البحرية بدفع مجموعتين من حاملات الطائرات على مقربة من الخليج كافية لتوجيه الضربات وسنحتاج إلى ثلاثة أشهر لحشد قوة قتالية كافية مطلقة لصد أي هجوم عراقي شامل.
كان هناك أصلاً من حذر الرئيس أن نشر القوات ليس حلا راهنا ففي إطار أزمة لا يزيد عمرها على ثلاثة أيام تبدو الأشهر الثلاثة بمثابة الازل مع ذلك اردت ان اتأكد بصورة مطلقة أن يتفهم المدنيون الجالسون حول الطاولة مدى جبروت العدو الذي نواجهه.
وأضفت أن ما بحثته حتى الآن هو خطة طوارئ للدفاع عن السعودية أما إذا خطر لنا أن نزيح العراقيين من الكويت فإن علينا الانتقال إلى ـ الهجوم وهذا يتطلب الكثير من القوات والكثير من الوقت وعرضت سلايدا يصور الوجه الثاني من حساباتي علينا أن نزيد عدد القوات إلى اكثر من ضعف القوات المقترحة وان نحسب في الأقل ست فرق إضافية من الولايات المتحدة واوروبا وان ننقلها إلى جانب وحدات اسناد إضافية إلى الخليج وأقرب وقت لجمع مثل هذا الجيش وتهيئته للقتال هو الوقت المسجل على آخر سطر في السلايد الإطار الزمني 8 ـ 10 أشهر.
وسمعت همهمات بعض الجالسين إلى الطاولة فهذا الالتزام بإرسال القوات هو أكبر بكثير مما كان يتصوره أحد منهم متوجهاً إلى الشرق الأوسط كما أن المدى الزمني للحشد أطول بكثير مما كانوا يتصورون أنه يلزم لحل الأزمة بالقوة ودعم كل من تشبني وباول موقفي.
كنت قد أتيت لاؤكد للرئيس أن القيادة المركزية مستعدة لكن لوعن له أن يسألني عن رأيي ذلك الصباح لقلت له إنني أرى أن الوضع لن يقود إلى الحرب كنت أشعر بالقلق على سلامة الناس في الكويت ـ ليس فقط أصدقائي العرب الكثيرين بل أيضاً سلامة نات هاويل السفير الأمريكي والمستشار السياسي السابق للقيادة المركزية وأعضاء فريق المعونة العسكرية ولكن طالما أن العراقيين لم يمضوا ابعد من ذلك فقد بدا لي أن الأوساط الدبلوماسية والبلدان العربية ستجد مخرجا لحل الأزمة بصورة سليمة.
وما كدت أعود إلى تامبا عصر يوم السبت حتى أتصل كولن باول هاتفياً وقال الملك فهد يطلب أحد لكي يطلعه على الخطر المحيق بمملكته نريدك أن تنضم إلى الوفد وأن تشرح للملك ما نحن مستعدون للقيام له وأصطحب معك المطلوب من الضباط لإطلاع العسكريين السعوديين أيضاً بالتفصيل.
وحين هبطت في واشنطن صباح اليوم التالي مع فريقي الذي جمعته على عجل اكتشفت ان باول يريدني الآن أن أترأس الوفد وأوضح لي كان المفترض أن يذهب الوزير تشيني إلا أن السعوديين لم يجيزوا ذهابه بعد لأنهم يريدون إبقاء الاجتماع على مستوى أدنى ثم إضاف بعد تفكير ملى ارتجل تصرفك حسب مقتضيات الوضع عندما نصل إلى هناك.
كنت في منتصف الخروج من الباب لما فكرت ارتجل التصرف حسب مقتضيات الوضع؟ وعلى أن أعرف ما نقترح عليهم فعلاً أن نقوم به نحن وسألت هل نقول حكومة الولايات المتحدة إننا مستعدون لإرسال قوات؟
أجاب بأول جوابا محكما نهم إذا أعطانا الملك فهد الأذن.
أندهشت لابد ان الكثير من الأشياء قد حصلت منذ كامب ديفيد ولم يخبرني باول بها لقد عزم الرئيس بوش على إرسال قوات.
انتظرنا في المطار مجئ تشاس فريمان السفير الأمريكي في السعودية وهو دبلوماسي لامع وباحث مختص بالشرق الأدنى وقد عمل مترجماً للرئيس نيكسون في رحلته التاريخية الاولى إلى بكين وبسبب نشوب الازمة قرر فريمان الغاء اجازته في موطنه نيوانجلاند ومرافقة وفدنا.
بعد أقل من ساعة على الأقلاع خفضت رتبتي كرئيس للوفد فالسعوديون وافقوا على أن يترأس الوفد وزير الدفاع تشيني آخر الأمر وانتقلنا إلى طائرة تشيني وهي طائرة مهمات خاصة تابعة لسلاح الجو الأمريكي ومجهزة بقاعة اجتماعات وجناح للشخصيات الهامة متوجهين في رحلة طويلة شرقاً وضم الوفد بول ولفوتيز كبير الاستراتيجيين المدنيين العاملة البنتاجون بيت وليامس رئيس الشؤون العامة للبنتاجون وارت هيجس خبير البنتاجون للشيءون الشرق الأوسط والميجور جنرال مارتي براندتنر نائب مدير العمليات لهيئة رؤساء الأركان المشتركة وبوب جيتس نائب مستشار الأمن القومي وكان هناك أيضاً محلل من وكالة المخابرات المركزية جاهزاً مع ملف بأخر الصورة التي التقطتها الاقمار الصناعية لعرضها على الملك واصطحبت معي القادة العسكريين وضباط الأركان الذين احتاجهم لاطلاع السعوديين أو عند الحاجة لوضع القوات على الأرض طيار محابر وقائد القوة الجوية الخامسة والليوتاننت جنرال خون بوسوك وهو صديق قديم وقائد الجيش الثالث والميجور جنرال دان ـ ستيرلينج رئيس هيئة أركان الشؤون اللوجستية التابعة للقيادة المركزية وأفضل المخططين اللوجستين الذين رأيتهم في حياتي والعميد البحري جرانت شارب كبير المخططين الاستراتيجيين عندي كما جلبت ضابطي التنفيذي كولونيل فرسان الجيش الذكي المندف القادم من تنيسى بورويل باكستر بيل (ونسميه ب.ب) واسندت إليه مسؤولية مسك سجلي الشخصي خلال الأزمة وهو تسجيل كامل للنشاطات والقرارات التي ملأت آخر الأمر ثلاثة آلاف صفحة مضروبة على الآلة الكاتبة بدون فراغات بين الاسطور.
كان وزير الدافع تشيني قد أكمل عامة الأول في البنتاجون وزاد عليه قليلاً مثيراً أعصاب الكثير من الجنرالات بتنصيته جنرالا باربع نجوم وتحذير العديدين غيره ممن شعر انهم يعملون باستقلالية أكبر مما ينبغي مع ذلك فيما رحت ارقبه واصغى إليه أثناء تحليق الطائرة وجدتني أعجب كثيراً بذكائه وانتباهه وسهولة العمل معه وابدى فضولاً لمعرفة كل تفصيل صغير من دقائق اداب البروتوكول العربي وبينما كان الوفود يبحث كيفية التعالم مع عرض الوقائع على الملك تساء ل هو في لحظة معينة عما سيكون عليه رد فعل السعوديين ازاء عرض أمريكي بإرسال القوات وحذرت قائلاً إن العرب ينزعون إلى النظرة للقرارات الكبرى باحتراس بالغ فإذا تمسكوا بالأصول فلن تحصل منهم على مباشر سيوجهون اسئلة ثم يقولون شكراً جزيلاً نود الآن أن ندرس المعطيات التي قدمتموها وسنعلمكم قرارانا.
توجهنا فيها إلى قصر الضيافة وهو مبنى بديع شيد على غرار الفنادق الفخمة التي تحمل خمس نجوم وزين بمضوغات يدوية شرق أوسطية لا تقدر بثمن.
كان الوقت أواخر العصر وقضينا ساعة نتداول في جناح الوزير تشيني ثم ركبنا قافلة السيارات بمسيرة (5) دقائق إلى القصر الملكي.
ولما ادخلونا إلى الردهات لم يتسن لي إلا أن المح بشكل خاطف الأشياء الحضرا والذهبية والسجاد الحرير على مد البصر وصلنا على غرفة كبيرة تحتوي على مقاعد كثيرة حولها وهي الغرفة التي تجري فيها الملك اللقاءات الرسمية كان الملك فهد هو رجل ممتلئ البنية بملامح صقرية وعينين عطوفتين جالسا في الطرف الأيسر ووقف مرحبا بوفدنا لدى اقترابه وبعد أن قدمنا السفير فريمان إليه وراح أعضاء في البلاط يدلوننا على أماكن الجلوس الممتدة على طول الجدار أما الوزير تشيني فقد جلس على يمين الملك.
ورأيت ولي العهد عبد الله والأمير سعود الفيصل وزير الخارجية والأمير بندر السفير لدى الولايات المتحدة والأمير عبد الرحمن نائب وزير الدفاع والطيران اضافة إلى واحد أو أثنين آخرين من أفراد العائلة المالكة كان الملك فهد يعرف بعض الانجليزية إلا أن سائر الأعمال الرسمية كانت تتم باللغة العربية لذلك قام بندر بالترجمة وضم وفدنا الوزير تشبني جيتس ولفوورتيز ولميامس هو جيز هورنر براندتنر وانا وتقرر ان يتولى الكلام تشيني وانا فقط ولما جلس الكل في مكانة نقل تشيني تحيات الرئيس بوش وتجدث بايجاز عن قلقنا ازاء الوضع في الكويت ثم اشار إلى قائلا اسيطلعكم الجنرال شوارتز كوف على الوضع الاستخباراتي كما نراه وعن الخيارات العسكرية المتيسرة لنا.
ولما كنت احمل صورا فوتو عرافية وخرائط ورسوماً تخطيطية لا عرضها على الملك فقد قمت من مكاني ومشيت إليه ولم يكن ثمة مكان للجلوس فبركت على ركبة واحدة ولاحظ الملك ذلك وقال شيئاً ما على عجل بالعربية فركض حاجب على الفور جالبا مقعداً صرت الآن أجلس على يسار الملك والأمير عبد الله على جانبي الآخر ناظراً من فوق كتفى أما الأمير يندر فيقف بيننا للترجمة.
أريت الملك سلسلة من الصور الفوتوغرافية عن الدبابات العراقية على الحدود السعودية الواقع أن أثنتين من الصور تبينان دبابات عبرت الحدود السعودية عند ذلك الحد قال الملك شيئاً للأمير عبد الله لم يترجمه بندر وأوضحت قائلاً بينما نحن لا ندري ان كان العراقيون ينوون مهاجمة المملكة العربية السعودية فاننا نستنتج من انتشارهم ومن نشاطات عراقية مماثلة خلال الحرب الإيرانية العراقية إنهم فيما نسميه نحن وقفة استراتيجية منهمكين في مواصلة جلب السلاح والمعدات قبل استئناف العمليات الهجومية ذلك أن أفضل وحداتهم في المقدمة مهيأة للهجوم ومؤكد أن وقفتهم ليست دفاعية.
بعد ذلك عرضت خطتنا للدفاع عن السعودية ورحت أقلب سلسلة من الخرائط والرسوم البيانية توضح اسبوعاً بأسبوع القوات التي يمكن أن نقدمها ولم أفضل في الحديث عن الكيفية التي يستطيع بها انتشار كهذا للقوات أن يصدر بالفعل هجوما ويهزمه فالرسالة الأساسية التي رادت ايصالها هي نطاق العملية لكي أكون على يقين من تفهم الملك اننا نتحدث عن اغراق مطاراته وموانئه وقواعه العسكرية بعشرات الآلاف من الأمريكان أي بإعداد لم يسبق للسعودية أن شاهدتها.
عدت إلى مقعدى وتحدث تشينى ثانية ابدى بضع ملاحظات عن خطورة الموقف ثم قال هاهي الرسالة التي امرني الرئيس بوش ان انقلها إليكم إليكم نحن مستعدون لنشر هذه الورقات دفاعاً عن المملكة العربية السعودية إذا طلبتم فسنأتى لن نبحث عن قواعد دائمة وحين تطلبون منا العودة إلى بلادنا سنغادر ثم اطبق عليه الصمت.
بدأ الملك ومستشاروه يتداولون فيما بينهم محاسن ومساوى استدعائنا إلى المملكة كنت أعلم بما فيه الكفاية لكي أحس بمدى المجازفة في قرار الملك وإن دعا الأمريكان حتى مع وجود تأكيد رئاسي بأننا سنحترم السيادة السعودية فإن صدام وقادة عرب آخرين يصفونه بمقالاة الغرب ذلك على ذل كالمخاطر الكامنة في عدوة جيش من الأجانب إلى مملكة لا تأمن الغرباء وتتمسك بقو بالحفاظ على نقاوتها دينيا وثقافياً كنت واثقا من أن الملك فهد سيحتاج إلى أيام لبحث هذه المخاطر مع بقية أفراد الأسرة المالكة قبل أن يحزم رأيه وأنه سيختار في نهاية المطاف أن يزج بنا بأقل قدر ممكن.
كان التداول بين أفراد العائلة المالكة الحاضرين وجيزا للغاية تحدث الأمراء الواحد بعد الآخر إلا أن بندر لم يترجم شيئاً من ذلك ورد الملك فهد بشدة على أحد الحاضرين ثم التفت إلى تشينى وقال باللغة الانجليزية حسنا لو قيض لأحد أن يلتقط صورة لتلك اللحظة لظهرت فيها وفمى مغفور إلى اقصاه لقد اتخذ الملك فهد واحداً من أشجع القرارات التي شهدت حتى تلك اللحظة كان النشر الضخم للقوات الذي اعددنا يبدو مثل تمرين آخر أما الآن فقد ادركت في ظرف خمس دقائق سأدفع ذلك الجلمود من قمة التل ليبدأ بالتدحرج.
عدنا إلى سياداتنا هادئين كل الهدوء التفت إلى تشينى وسالته هل تريدني أن أبدأ تحريات القوا فأجاب بالإيجاب تطلعت إلى الجنرال هورنر الذي كانت لديه أربعة أسراب من المقاتلات التكتيكية جاهزة في قاعدة شوولاً نجلى الجوية للاقلاع إلى المملكة العربية السعودية قلت له تشاك أبدأ بتحريكها.
عقدنا اجتماعا قصيرا لمراجعة ما حصل واخبرنا السفير فريمان الذي تابع حديث العائلة المالكة بالعربية أن الأمراء نصحوا في الغالب بالاحتراس ونقطة الانعطاف الوحيدة جاءت لما أشار أحدهم "يجب أن نحذر من التسرع في اتخاذ قرار" أدلى ذلك الملك فهد إلى الرد قائلا الكويتيون لم يسارعوا إلى اتخاذ قرار وهم اليوم جميعا ضيوف في فنادقنا.
واعتذر تشينى عن الانصراف لابلاغ الرئيس بعد ذلك تباحثنا في الخطورة سنذهب تشيني وانا في الصباح التالي لاطلاع الرئيس المصري حسني مبارك قبل العودة إلى واشنطن واستدعيت ضباطي الكبار إلى غرفتي لم تكن ثمة كراس كافية فجلس الأدميرال شارب والجنرال ستارلينج على السرير أما الكولونيل بيل فقد وقف في الزاوية بدون الخلاص من حزم امتعتسا ترحلة تدوم أكثر من ثلاثة أيام وكان عليّ أن أعلن نبأ أنني سأتركهم ورائى في السعودية للبقاء خمسة أسابيع في الأقل وتحدثت بصوت هادئ ومنتظم محددا مهماتهم "تشاك" بما أنك الضابط الكبير هنا فأنك ستعمل بصفة قائد أمامي للقيادة المركزية وتحتاج في الوقت نفسه إلى القيام بالترتيبات اللازمة لاستقبال الطائرات المتجهة الآن هنا وتلك التي ستليها.
والتفت إلى الجنرال يوسوك الذي كان جالساً على مقعد إلى جوار النافذة "جون بما أن الفرقة 82 المحمولة ستكون هنا في الحال فإنني أريدك أن تجتمع بالسعوديين وترتب موقع قواتنا طبقاً للخطة بعد ذلك عليك أن تنظم الوحدات البرية أثناء تدفقها.
كان على الجنرال ستارلنج أن يتولى التدابير لاستيعاب التدقق الهائل للقوات المسلحة والاسلحة والتجهيزيات وقلت له" دان أنت تعرف حجم التحديات اللوجستية المقبلة علنيا أريدك أن تضع المرتكزات العملية وأريدك على وجه الخصوص أن نتأكد من أن الموانئ جاهزة لاستقبال أولى سفن التجهيزات أن السفن الموجودة في المحيط الهندي قد تصل في أي يوم.
والتفت إلى الأدميرال شلع "جرانت لقد طلب بول والفوويتز أن تسافر معه أثناء زيارته لبلدان الخليج الأخرى بغية إطلاعها على خططنا لنشر القوات أخيراً ضحكت لم يتوقع أحد منكم أن يظل هنا سأحاول أن اعيدكم إلى الولايات المتحدة في ظرف ثالثة أسابيع تقريباً لكي تستطيعو احزم حقائبكم في غضون ذلك اعدكم بان، اتصل بزوجة كل واحد منكم لأشرح لها سبب البقاء.
بعد أن أنصرف الجميع لتنفيذ الأوامر من الكولونيل إجراء مكالمة هاتفية ما كنت أتوقع اجراءها تحدثت بالتليفون الأمنى الذي يربطني بمقر القيادة المركزية في تامبا حيث كان الوقت ظهر الأثنين السادس من اغسطس وأخبرت نائبي في القيادة الجنرال روجز الوحدة الأولى اللواء المتأهب للفرقة المحمولة رقم 82 في معسكر فورت براج.
في اليوم التالي اجتمعنا بوزير الدفاع والطيران السعودي الأمير سلطان الذي لم يكن حاضراً في الليلة السابقة ثم طرنا تشيني وأنا إلى الأسكندرية بمصر لإطلاع الرئيس حسني مبارك عن خططنا لنشر القوات ولطلب العون منه كنا بحاجة إلى مرور سفننا الحربية سريعاً عبر قناة السويس إضافة إلى استخدام في الوقت نفسه إل تسوية عبر المفاوضات استقبلنا في شرفة قصر الاسكندرية المطارات المصرية والمجال الجوي المصري إذا أردنا السير وفق برنامجنا الزمني كان الرئيس مبارك قد وطد نفسه منذ امد بعيد كزعيم قوى ذي صوت مسموع في صناعة القرار العربي وكان واثقاً من سلطته وثوقاً يكفي لقيامه بشجب العدوان العراقي علنا والسعي بنشاط المطل على البحر المتوسط وبعد أن استمع إلى ما كان علينا تشيني وأنا أن نخبره وافق على كل طلب بطيبة خاطر إلى أن قلت قد نحتاج إلى استخدام مصر كقاعدة للطائرات الحربية فسأل "أي نوع؟".
قلت "حسنا لعنا سنحتاج إلى استخدامها لطائرات ب 52 ارتفع حاجباً مبارك فرغم سخطه على العدوان العراقي لم يكن مستعداً للسماح للقاذفات الأمريكية بالانطلاق من ارضه وقال بهدوء لا أظن أننا بحاجة لأن نقرر ذلك الآن.
وطرنا عبر الاطلسي عائدين في تلك الليلة وإذا بالبيت الأبيض يبلغنا مهمتنا لم تنته بعد علينا الانعطاف إلى المغرب لقد ادركت وزارة الخارجية متأخرة أن الالتقاء بالملك فهد والرئيس مبارك وحدهما يعرضنا لخطر القطيعة مع عرب الشمار الافريقي ما لم نَقم بإطلاع الملك حسن ونشدان عونه وصلنا إلى قصر في الدار البيضاء وهو يفتقر إلى مكيفات الهواء في أواخر المساء ومكثنا ساعة في حجرة انتظار خانقة بينما يمطرنا موظفون حكوميون مرتابون بالاسئلة لم نستطع الأفصاح عن طبيعة المهمة وقد أخذت في الاعتبار بسرعة انتشار الاخبار في العالم العربي فرأيت أنهم يعرفون ذلك أصلاً أخيراً دعينا إلى حضرة الملك الذي بدأ شديد المودة وقد وعد في جلسة خاصة مع تشيني بتقديم الدعم.
أخيراً بعد سبع ساعات من ذلك حطت طائرتنا في قاعدة اندروس الحوية في واشنطن تجاوز الوقت بكثير منتصف ليل الأربعاء المصادف 8 اغسطس وكانت هناك طائرة نفاثة أصغر بانتظار ان تقلني إلى تامبا وقفنا لحظة في ليل واشنطن الرطب الحار عند أسفل سلم الطائرة تقريباً من سيارة تشيني شكرني على خلاصات الإطلاع التي قدمتها وأشار نحن منخرطون في حدث تاريخي.
شعرت بشيء من الرهبة أجل سيدي أعرف لقد أطلقنا أكبر حشد عسكري أمريكي منذ فيتنام وهو عمل قد يقود بسهولة إلى الحرب وأنا القائد العام لهذا الحشد كما أنني الشخص الذي صاغ خطة الدفاع التي تغمر الآن بحياة الجنود وهيبة الولايات المتحدة وصليت متضرعاً ان أكون قد فعلت ذلك بصورة صائبة.
صافحني تشيني وقال حظا سعيداً يا نورم ثم استقل سيارته فيما عدم ادراجي إلى القيادة المركزية في المرة المقبلة سيكون لقاؤنا في الرياض.
 
الفصل الثالث
7 اغسطس (آ ـ ب) ـ يوم البدء
الساعة 745 اتصلت بالسيدة شوارتزكوف واخبرتها بالإجراءات الأمنية في السكن ابلغتها انهم هناك من باب الاحتراز وأننا سندقق هويات كل الزوار كذلك نفصص الأرضية كما شكرتها على كعكة الشكو كولاته بالبندق التي أرسلها في المساء الماضي.
الساعة 30ر10 ق.ع (القائد العام) اقترح على هـ.أ.م (هيئة الأركان المشتركة) أن تسمى هذه العملية درع شبه الجزيرة رفض لاحقاً سلمت اسماء أخرى.
من السجل اليومي الذي دونه الكولونيل بيل
في صباح الأربعاء حطت أولى الطائرات المحملة بالجنود الأمريكان في القاعدة العسكرية القريبة من مدينة الظهران فيما كنت أعود إلى غرفة الحرب في تأمبا وظهر الرئيس بوش على التليفزيون في التاسعة صباحاً بالتوقيت الرسمي الشرقي معلناً أن الولايات المتحدة ترسم خطأ في الرمال يوجه العدوان العراقي اما في القيادة المركزية فقد توصلنا أخيراً إلى ابتكار إسم درع الصحراء الذي يعكس الامر بالدفاع عن شبه الجزيرة العربية وحددنا يوم الثلاثاء السابع من اغسطس (أب) اليوم الذي تسلمنا فيه قرار التحرك من هيئة رؤساء الاركان المشتركة بأنه يوم (ب) أي يوم البدء بنشر القوات.
تتركز الثروات النفطية للممكلة العربية السعودية على جهة ساحل الخليج على مبعدة 200 ميل من الكويت لذلك كنت متوجسا من خطوة صدام التالية وكان همي الأول هو نوع الحرب البرية سنواجه وبينما كانت مصادر البنتاجون تخبر الصحافيين ان قواتنا منيعة بعد أول أسبوع كنت اعرف ان بوسع العراقيين اكتساح منطقة النفط السعودية في بحر أسبوع وكان جنودنا يعرفون ذلك أيضاً المظليون من الفرقة المحمولة رقم 82 في الظهران الذين اطلقوا على انفسهم لقب نتؤاب تخفيف السرعة العراقية.
ففي حال وقوع هجوم ليس لهم من خيار سوى الانسحاب إلى جيب على الساحل يأمل ان نرسل هم تعزيزات أو نجليهم.
وسيكون وضعهم شبيها بالتقهقر الأمريكي في خط بوسان خلال الايام الاولى من الحرب الكورية فكرة مقلقة تماما.
كنا نتمتع بكل القوة اللازمة للحيلولة دون حصول كارثة كهذه سوى ان هناك مشكلة واحدة ان هذه القوة ما تزال في الولايات المتحدة كان لدينا سرب يضم ذرينتين من الكوبرا. الهليكوبترات المزودة بصواريخ مضادة للدبابات في فورت بليس بتكساس ولدينا لواء من هليكوبترات "اباتشي" الهجومية في الفرقة رقم 101 بقيادة الميجور جنرال بيني بي المستقر في معسكر فورت كامبيل بولاية كنتاكي ولدينا أربع كتائب دبابات مموهة بلون صحراوي ضمن الفرقة الآلية رقم 24 بقيادة الميجور جنرال باري ما كفى في معسكر فورت ستيوارت بولاية جورجيا ولدينا ما يزيد على مائة من طائرات "أى ـ 10" وهي طائرات حربية مصممة لمهاجمة الدبابات ضمن القوة الجوية التاسعة بقيادة تشاك هورنر جاثمة في قواعد منتشرة حول البلاد وكل ما علينا فعله هو دفع القوات إلى رقعة الازمة لقد وعدنا الرئيس بجدول زمني معين وهذا يعني نقل خمس فرق وثلث الفرقة اي 120 الف رجل مسافة 7 آلاف ميل في بحر اربعة أشهر.
ان علم اللجوستيات قد قطع شوطا بعيدا عن البطاقات المخرمة ولوحات تعليق المعلومات والموظفين المتخصصين في الاحصاء والحساب ايام الحرب العالمية الثانية وصار للبنتاجون الآن نظام كمبيوتر قادر على تعيين خط الرحلة لأي قطعة منفردة من المعدات الازمة من الدبابات إلى خيم قاعات الطعام ولك ما يتعين علىّ فعله من الناحية النظرية هو الضغط على احد الازرار فبعد ساعات من بدء درع الصحراء كان ينبغي إغراق فرقنا بآلاف الصفحات من جداول الكومبيوتر حافلة بتعليمات من قبيل ارسال الدبابة رقم 123 من الكتيبة س من اللواء ص بالقطار إلى نور فولك بفرجينيا لتشحن في السفينة التي ستبحر مدة 20 يوما وتصل ميناء الظهران في 30 اغسطس.
وعلى أية حال فقد برزت مشكلة كبيرة بما أننا كنا في غمرة اعادة النظر بخطة حرب القيادة المركزية عند اندلاع الازمة فلم يتيسر لنا بعد خزن المعلومات في بنوك الكومبيوتر وهي عملية مضنية تستغرق في الاوضاع الاعتيادية عاماً كاملاً بديلنا الوحيد هو جدولة النقل الجوي والشحن البحري باليد ان نقل فرقة واحدة فقط هو عمل معقد على نحو مربع فمثلاً إذا كانت الفرقة المشاة الآلية رقم 24 كاملة العدد والعدة وهي اول فرقة تابعة للقيادة المركزية تقرر نشرها فانها تتضمن اربع كتائب دبابات خمس كتائب مشاة آلية ثلاث كتائب مدفعية مضافا لها كتيبة تصليح معدات وكتائب اتصالات وكتائب طبية وكتائب إشارة وأسراب هليكوبترات وكل واحدة من هذه تحتاج إلى طريقة نقل خاصة ولكي ما تصل الفرقة 42 إلى المملكة العربية السعودية جاهزة قتاليا فلابد من تنسيق حركة هذه الوحدات تنسيقا متزامنا ودقيقا فما الحكمة من إرسال دبابات إذا وصلت بدون ذخيرة وفرق صيانة وادوات احتياطية.
كنت اقول ارسلوا بقوات قتالية وطائرات صيد دبابات وهليكوبترات بعد ذلك وبالتنسيق مع مختلف فروع الاسلحة يضع المخططون قائمة طويلة بالقوات التي يجب نشرها ثم يخطرون قيادة النقل العسكري الامريكي المسؤولة عن تنفيذ النقل الجوي والشحن البحري وتقوم قيادة النقل هذه بدورها بدفع طائرات نقلها العملاقة التي كانت قليلة العدد إلى قاعدة العسكرية المطلوبة لأخذ القوات.
يحصل ذلك عندما يتم ضبط الطبيعة البشرية ولكن يحدث ان هذا الضابط الكبير أو ذاك على الأرض يرى لكي يكون على بر الأمان أن وحداته تحتاج حقاً إلى بشر ومعدات اكثر مما كان مخططا له بالاصل وبدأت تقلع الطائرات ناقلة حمولات لم تكن مقررة لها وصعقت لما علمت ان اول وحدة تحط في المملكة العربية السعودية هيئة اركان مقر قيادة الفيلق المحمول كنت اتخيل مشاة مقاتلين سيخرجون من هذه الطائرات لاقبضة من الجنرالات وضباط الاركان والكتيبة.
ماذا لو كان صدام قد هاجم؟
وسرعان ما اتضح اننا سنكون بمنأى عن بلوغ الهدف المقرر للاسبوع الاول بنشر لواء محمول كامل التجهيز ورحت اتصل بضباط اركاني ملوحا لهم بالرسوم الايضاحية والجداول التي اريناها للرئيس ومطالبا اياهم هذه القوة وعدنا بإرسالها لماذا لم تصل؟ وبدأ اصابع الاتهام المحتومة تؤشر كما اخبرنا ضابط من قيادة النقل أننا نرسل الطائرات باستمرار إلى قاعدة فورت باج وهم يواصلون شحن المواد الخطأ "وأصر قائد القوة المحمولة في فورت باج قائلا انني جالس هنا نظر إلى مطار فارغ لدى قوات مصطفة تنتظر وليست هناك نقل واحدة في أي مكان.
لاح خطر الضياع اتصلت بكل جنرال يجاز مرؤسيه باللغط الجنرالي هـ.ت جونسون القائد العام لقيادة النقل الجوي العسكري والجنرال ايدبوربا الذي خلف باول كرئيس لقيادة القوات الليفتانت جنرال جاري بلاك قائد الفيلق 18 المحمول شرحت لهم الصعاب التي نواجهها وقلت دعونا نكف عن توجيه اصابع الاتهام لا أحد يرغب في ان ينحو بالمشكلة إلى الحل لقد آن الاوان لتحريك القوات لقد كان كل واحد من هؤلاء الجنرالات صديقا طيبا ومهنيا مكينا لذلك كنت اعرف الاستجابة التي سأحصل عليها لقد وجهوا الاوامر المطلوبة ومنذ ذلك الحين فصاعدا اخذت فوضى النقل العسكري تنحل.
اما القوة الجوية فنقلها مسألة اخرى فأسراب مقاتلات ف 15 ـ و"ف ـ 16 التي وعدتنا بها تدفقت بشكل رائع على السعودية ولن بصورة اروع قليلا مما ينبغي كما اتضح لاحقا ذلك لأننا في ختام الاسبوع الاول أصبح لدينا لا الاسراب الخمسة التي اتوقعها بل اسراب عشرة وبمعنى ما كان ذلك عظيما فسلامة القوات الواصلة تتوقف إلى حد كبير على هذه المقاتلات التي يفترض بها بالتعاون مع المقاتلات السعودية ف ـ 15 والمقاتلات البريطانية من طراز تورنادو" ان ترد أي هجمات جوية عراقية وان تضرب أي طابور دبابات يأتي للغزو لكن يلزم كل سرب من الأسراب الذي يضم 24 طائرة أكثر من 1500 مهندس وتكنيكي ملقم ذخيرة الطائرات ونقل كل هؤلاء الناس مع معداتهم يشغل عشرات الرحلات التي كنا قد خصصناها لوحدات اخرى.
لم يسبق لي في حياتي ان عالجت امرا على هذا القدر من التعقيد ولا اضطررت إلى اتخاذ هذا القدر الكبير من القرارات بسرعة فالمشاكل كانت تترى علينا من واشنطن ومن الرياض ومن الوحدات المتمركزة في ارجاء الولايات المتحدة من ادميرالاتنا الذين كانوا يعدون العدة لفرض حصار بحري تطبيقاً لقرارا الامم المتحدة بفرض حظر تجاري على العراق اتخذ في السادس من اغسطس كنت اتشاور في العادة مع ضباط اركاني حول المسائل المهمة، أما الآن فلا وقت لدي لذلك كنت اكتفي باصدار الأوامر الواحد بعد الآخر وقام ضباط المقر بعمل خارق لنشر وتفسير الأوامر لمقرات القيادة الأخرى التي لم تكن على معرفة بالشرق الأوسط وبخطتنا ورغم إن هذه ليست الطريقة المفضلة لدي للعمل فقد احسست ان دقة الموقف تستدعيها لقد قضيت في موقعي وقتا من الزمن طويلا بما فيه الكفاية لمعرفة الكثير من الاخطاء التي يتوجب علينا تفاديها ومن بين أول الأوامر التي أعطيتها هو منع جلب الكحول أو الصور الخلاعية إلى السعودية "الخلاعة هنا تعني مجلات صور النساء العاريات إضافة إلى المجلات المصنفة في باب المحظورات كنت أعرف أن بعض الجنود هم ورجال الكونجرس اللذي يمثلونهم سيجأرون بالشكوى إلاّ ان المشروبات وصور الخلاعة محظورة بموجب القانون في المملكة العربية السعودية وما من شيء سيخرب استقبالنا عاجلا اكثر من ان ندع هذه الاشياء تعلق وتظهر على غرار ما فعل بعض الأمريكيين في فيتنام.
وافقنا هورنر ويوسوك وأنا ان التحالف لكي يعمل بشكل معقول فإننا بحاجة إلى نظام مختلط على غرار ما كان معمولا به في فيتنام حيث يقاتل الأمريكان تحت امرة قادة امريكان ويقاتل الفيتناميون الجنوبيون تحت أمرة قادة فيتناميين جنوبيين على ان يجري تنسيق نشاطات الجيشين على مستوى القمة ورغم ان هذه الطريقة تخرق مبدأ قديما من مبادئ الحرب اسمه وحدة القيادة فقد رأيته مطبقا في ميدان المعركة واعتقدت ان باستطاعتي ان اطبقه في الخليج خيرا مما كان مطبقا في فيتنام عرضت الفكرة على واشنطن فيما كان هورنر ويوسوك يطرحانها على السعوديين وبعد بضعة ايام وافق الطرفان وكانت مصر وبريطانيا العظمى وامم أخرى تتحدث أيضاً عن عزمها على ارسال قوات.
لقد كان من شأن التقدم المحرز ان يسعدني لولا ان صدام بدا عازما على زيادة المخاطر فقد دأب على ضخ قواته إلى الكويت. وجد السعوديون المتمركزون في نقاط الحدود انهم الآن امام انظار مواسير مدافع تسع فرق عراقية (130 الف جندي و1200 دبابة و 800 قطعة مدفعية يستطيع الكثير منها ان يطلق قذائف كيماوية سامة) وابتغاء الدفاع المناسب بازاء قوة كهذه كنا نحتاج إلى 5 اسابيع على الاقل لتدعيم قدرة قواتنا وانتابني قلق ممن ان يكتشف العراقيون ذلك ويهاجموا في الحال وقد أعطيت تشاك هونر امرا دائما مفاده قبل ان تتوجه إلى فراشك ليلا تأكد بصورة قاطعة ان كل قائد من قواد وحداتك على البر وفي البحر ـ يعرف تماما ما ينبغي أن يفعل إذا وقع هجوم علينا.
في التاسع من أغسطس امر صدام بغلق الحدود العراقية والكويتية محتجزا اكثر من 13 الف غربي وأجنبي ومغيرا بذلك كامل طبيعة الأزمة ان احتجاز رهائن امريكان ويمكن ان يكون سببا لاعلان حرب وشعرت بالغثيان يعتصر احشائي لدى سماعي بهذه الانباء ففي ايام اختيارنا لدرع الصحراء انجزنا خطة لتوجيه ضربات جوية رمزية ولكن لم تكن اكثر من رمزية فلو شرع العراقيون باعدام موظفي السفارة مثلا وطلب الرئيس ان نرد لما كان لدى القيادة المركزية ما تفعله إلاّ القليل عد توجيه ضربة نووية لبغداد وما كنت لأوصي بوجهة كهذه للعمل وحتى لو عن لي ان أوصي فإنني على يقين من ان الرئيس ما كان ليصادق عليه.
في صباح اليوم التالي اتصلت بكولن باول وطلبت منه ان يقوم المخططون الجويون باعداد حملة قصف استراتيجي للمؤسسة العسكرية العراقية تعطينا خيارات الرد الانتقامي اللازم واطلق على الخطة التي صاغوها اسما رمزيا هو "الرعد الوشيك" قود تحولت في ما بعد لتغدو الطور الاول من عاصفة الصحراء.
في هذه الاثناء ظهر منشق عراقي فر إلى القاهرة حاملا خارطة تدعى انها تبين خطة عراقية لغزو المملكة العربية السعودية لم تتوافر معطيات تؤكد أو تنفي ان الخارطة صحيحة غير أنني رحت ادرسها وادركت على الفور انني لو كنت اقود قوات الطرف المناوئ وامرت بالاستيلاء على السعودية فإنني سأضع نفس هذه الخطة بالضبط ينطوي المخطط على هجوم مثلث الاطراف ينطلق من الكويت الأول يندفع على طول الطريق العام الساحلي المفضى إلى حقول ومصافي النفط السعودية وصولا إلى ميناء الجبيل والثاني يندفع غربا على طول الطريق العام وصولا إلى القاعدة السعودية المنتشرة في مدينة الملك خالد العسكرية والثالث يمضي عبر الصحراء إلى الرياض مباشرة على مبعدة 280 ميلا إلى الجنوب غير ان البدء يمثل هذا الهجوم يقتضي ان يزيد صدام قواته في الكويت إلى اكثر من ضعف عددها الحالي وهذا يستغرق اسابيع ولكن لو بدأ مثل هذا الهجوم لرحنا نتزاحم بالمناكب من أجل إعادة ترتيب القوات ونشرها على خط دفاع واسع امرت القادة الاماميين ان يقيموا مواضع قتالية على كل طرف الغزو الثلاث.
14 أغسطس 1990 م يوم ب + 7
الساعة 10.07 قام ق. (القائد العام بتنبيه الليفتنانت جنرال هورنر حول الوضع المسكني للقوات الأمريكية وذكر الجنرال هورنر بالهجوم الإرهابي على ثكنة مشاة البحرية في بيروت محذرا إياه خلال القوات الأمريكية في وضع مماثل.
بعد مضي أسبوع واحد على البدء بعملية درع الصحراء جاء كولن باول إلى تامبا ووجدني اعض على اللجام فبعد الانتهاء من حل الفوضى الأولية للنقل الجوي والشحن البحري كنت تواقا للتوجه إلى السعودية ولكني علمت لتوى ان على التزا م مكاني في تامبا اسبوعا آخر إذ ينبغي في انتظار الفراغ من نصب شبكة اتصالات هناك كان بوسعي ان اتصل من غرفة الحرب في تامبا بأي قائد وان اتصل تبعا لذلك بأي طائرة في الجو أو أي سفينة في البحر أو أي وحدة من البر من الطائرات والسفن والوحدات التابعة للقيادة المركزية في الشرق الأوسط. غير ان انظمة الاتصالات العسكرية الامريكية المتاحة في السعودية فقيرة إلى حد انه كان يتعين علينا بناء شبكة اتصالات مرتبطة بالاقمار الصناعية من العدم.
ورغم اننا باول وانا كنا نتشاور عدة مرات في اليوم على التليفون فإننا لم نتلاق منذ بدء درع الصحراء وما ان جلسنا في مكتبي حتى أثرت الهم الذي انتابني طوال الاسبوع لم أكن لارى اين يفترض بالعملية ان تؤدي قلت لباول إنه كلما تريث صدام اكثر من شن غزوته كانت قدرتنا على الدفاع عن المملكة العربية السعودية أقوى.
ولكن هب ان الغزو لن يحصل لا استطيع ان اتصور ان الولايات المتحدة تنسحب ببساطة فيما كان العراق يواصل احتلال الكويت كما لم يكن بوسعي ان اتصور قواتنا جاثمة عاما أو يزيد بانتظار ان يسفر الضغط الدبلوماسي أو الاقتصادي عن اقناع صدام بالانسحاب فامهات وآباء الجنود الأمريكان يتحملون فكرة اكتواء ابنائهم وبناتهم تحت الشمس الحارقة كل هذا الوقت كما اني لست واثقا من مدى قدرة الجنود انفسهم على احتمال تبعات مهمة كهذا البديل الوحيد قلت لباول ينطوي على التزام عسكري اكبر بكثير مما هو عليه الآن اجاب باول انه يشعر بنفس القلق ينتابني بشأن ما ستقود إليه عملية درع الصحراء إلاّ ان البيت الابيض لم يقرر أكثر من ذلك ولما غادرنا فكرت اننا على الاقل متفقان في الامر الأساسي.
بعد يومين دعيت إلى البنتاجون لمساعدة هيئة الاركان المشتركة في اطلاع الرئيس بوش على التقدم المحرز في درع الصحراء ولما انفض الاجتماع المعقود في "الدبابة" توجه الرئيس وزير الدفاع تشيني إلى مكتب تشيني في الطابق الاعلى في حيث دعاني باول إلى مكتبه كنت اعرف ان الرئيس سيلقي خطابا على مسؤولي البنتاجون وينبغي لنا باول على ان نحضره.
سألني باول حالما جلسنا على مقاعدنا إذا كان عليك ان تطرد العراقيين من الكويت الآن فكيف بوسعك ان تفعل ذلك.
"ماذا؟" لن افعل لا استطيع لقد قلت للجميع بوضوح إننا لم نرسل قوات كافية لهذا الغرض.
"افرض انك أمرتك بذلك"
سرت في جسدي رعشة باردة فلقد سبق لي ان طلبت من المخططين ان يدرسوا القضية وجاءوني بالرد قائلين "لا يمكن تنفيذ ذلك" والإمكانية الوحيدة التي قدموها لي هي خطة هجوم مباشر على الكويت تقضى إلى قطع خطوط الامداد العراقية لكننا كنا نعرف جميعا ان تلك مهمة تنطوي على مجازفة كبيرة قد تودي بحياة آلاف من الأمريكيين.
"سأريك كيف قلت لباول مكتئباً ورسمت تخطيطا للكويت على قصاصة ورق مشيرا إلى موضع الهجوم بوسعنا ان نحتل مفترق الطرف الحاسم هذا قرب الجهرة شمال غرب مدينة الكويت ونسد تدفق الامدادات للخطوط الامامية وإذا استطعنا التمسك بهذا المفترق فإنهم سيضطرون إلى الانسحاب لكن مثل هذه العملية جحيم مسعور. فقد تخسر كامل القوة المنفذة.
هز برأسه وانتقلنا إلى مشاغل اخرى نهضت متآهبا للانصراف فقال لي "هل لديك مانع إذا احتفظت بقصاصة هذا المخطط؟".
بعد عشرين دقيقة استدعاني ثانية إلى مكتبه واخبرني أنه التقى بوش وتشيني ثم اضاف لقد اطلعت الرئيس على خطتك للهجوم. شعرت كمن وقعت عليه صاعقة لحظة من فضلك هذا ليس ما أوحيب به حسب تسلسل المراتب القيادية يشغل باول موقع الصلة التي تربطنا بالقمة وقد خشيت من أنه قد تطوع بنا لكي نعمل في وجهة تقود إلى كارثة إلاّ انه طمأنني لا تقلق يا نورم لقد استخدمت القصاصة كوسيلة أيضاً غادرنا المكتب إلى القاعة التي يوشك فيها الرئيس على إلقاء خطابه اثقين معان ان عرض القوة الأمريكي في السعودية قد يحمل العراق على التراجع والتقدم بنوع ما من المساومة وقال باول ثانية لا اظن اننا سندخل الحرب من اجل الكويت من أجل السعودية نعم إذا اضطررنا لكن ليس الكويت وافقته الرأي.
تجمعت حلقة من موظفى البنتاجون والمراسلين الصحفيين خارج "باب النهر" واتخاذ باول مكانه على المنصه مع الوزير تشيني وجلست انا في الصف الامامى وظهر الرئيس بوش والقى خطابا عنيفا دعا فيه الإنسحاب الفورى الكامل وغير المشروط لسائر القوات العراقية من الكويت وتابع واصفا صدام بالكذب ومقارنا اياه بأدولف هتلر.
رمقت باول بنظرة ذات مغزى تقول لا تبدو هذه لهجة زعيم عازم على التساوم فالتقت عيناه بعيني دون رد على التساؤل بالنظر لقد كان رد الولايات المتحدة على الازمة في تصاعد.
وإذا واصل بوش خطابه شعرت ان كلماته تهزني رغما عني فقد التهمني سماع رئيس الولايات المتحدة يتحدث عن موقف لا يتعلق ببساطة بحماية الموارد والممتلكات بل حماية حرية الامم ونظر باتجاهي مرتين وقال اخيرا ليس ثمة بديل عن القيادة الامريكية والقيادة الامريكية لا يمكن ان تكون فعالة في طلب غياب القوة الامريكية ووجه كلاما الينا قائلا إنه يعتمد علينا وانا له المشورع العظيم.
بعد ذلك لما تهيا الرئيس لركوب سيارته توقف وعمل هندامه وتوجه مصافحا يدي سجل المصورون جميعاً تلك اللقطة على شريط الفيديو وهو يقول لي حظا طيبا نورم معك على طول الخط.
فاجبته مستعيرا مفردات خطابه انني فخور بأنك قائدنا الاعلى.
في طريق العودة إلى تامبا عصر ذلك النهار اختلق المقصورة الامامية من طائرة القوة الجوية لو حدى اول مرة انفرد فيها بنفسي منذ بدء الازمة تطلعت من خلال النافذة إلى النهار المشمس البديع وانتشيت بحس تقرير الاطلاع الذي قدمته للرئيس وباحتلالي مقعدا في الصف الامامي اثناء خطابه وحديثه الشخصي معي امام عدسات التليفزيون الموجه لعموم امريكا لقد انطبع ذلك كله في عقلي وللحظة نسيت كل الهموم التي تنتظرني عند العودة إلى مقر القيادة المركزية فكرت إذا اظهر ان ذلك صحيح فعلي ان اعيد النظر في خططي للتقاعد لقد دفع بي وسط الاضواء وقد انتهى إلى رئاسة اركان الجيش لقد اخبرني اناس كثيرون ابرزهم كولن باول انني احد المتبارين على منصب في الجيش بغته بدا لي ذلك مثل إمكانية حقيقة مغربة.
دام الاغراء بضع دقائق فحسب إذ رحت ادكر نفسي في مجرى التحليق شوارتزكوف لم تكن ترغب قط في ان تكون رئيس اركان فاولا يعني ذلك ان تعيش وتعمل في واشنطن اربع سنوات اخرى الاهم من ذلك في الحصول على ذلك المنصب لقد سرت على درب التوق إلى المناصب من قبل خلال الحقبة السوداء من حياتي خدمتي في فيتنام ولن اسمح لنفسي تكرارا الخطأ نفسه لقد قررت من جديد قرارا لا عودة فيه ان اتقاعد في اغسطس عام 1991 أو إذا دامت عملية درع الصحراء اطول فسأبقى حتى إنجاز المهمة أو حتى اطرد منها.
18 اغسطس 1990 يوم ب + 11
الساعة 17.10 حديث مع الجنرال ديني رايمر رئيس اركان الجيش للعمليات يتضح اليوم بجلاء اكبر انهم يحضرون مواضع تتمرس في الكويت.
21 اغسطس 90 يوم ب + 11
رد صدام على خطاب الرئيس في البنتاجون بهجوم خطابي على طريقته انت يا رئيس الولايات المتحدة قد كذبت على الشعب الأمريكي سنهزمكم الواقع انه لم يلق الخطاب بنفسه ـ بل جاء على شكل رسالة مفتوحة تلاها ناطق رسمي من على شاشة التلفيزيون العراقي كنا نقوم في غرفة الحرب بالتنصت إلى البث مستمعين إلى التهديدات من الرئيس العراقي العاصفة ان الآلاف من الأمريكان الذين دفعتم بهم إلى هذا النفق المظلم سيعودون إلى بلادهم ملفوفين باكفان الحزن.
ادركت ان جل الخطاب قطعه من الدعاية فقد كنت ارى الواقع الفعلي هناك في غرفة الحرب على لوحة عرض ايضاحي كبيرة تقدم لنا بالدقيقة صورة انتشار وحشد القوات العراقية والشيء الذي عكسته هذه اللوحة بعد 48 ساعة من ذلك هو انسحاب فرق الحرس الجمهوري من الحدود السعودية الكويتية ورغم خبراء الاستخبارات العسكرية حذروني من ان وحدات مدرعة أخرى حلت محل المسنحبة على الخطوط الأمامية وإن الحرس الجمهوري يستطيع العودة إلى وضع تشكيل هجومي في ظرف 24 ساعة من توجه الأمر بالهجوم فقد بدا لي أن أعين العراقيين قد طرفت خوفا، وان احتمال وقوع غزو مباشر قد تناقص لأول مرة وشعرت بالامتنان لأية فسحة تتيح لنا التقاط الانفاس وتقف بجوار لوحة العرض المخصصة لرصد اية فسحة تتيح لنا التقاط الانفاس وتقف بجوار لوحة العرض المخصصة لرصد تحركات القوات العراقية خارطة تبين مواقع انتشار قواتنا وهي تشير إلى أن حقول النفط السعودية ما تزال مكشوفة وان مواقعنا مقصورة على خط دفاعي يحيط بالمطارات والمواني الأساسية لقد كان درع الصحراء ما يزال في بداية تشكله ليس إلاّ.
ولعل اشد ما كان يشغل بالي هو الخطر الذي لم يتحدث عنه صدام التفجيرات الارهابية لقد كانت قواتنا تتفق بسرعة كبيرة بحيث يتحدث ان ثلاثة من التفجيرات لقد كانت قواتنا تتفق بسرعة كبيرة بحيث ان ثلاثة آلاف من افراد قوتنا الجوية في الرياض وحده جرى ايواؤهم في فنادق فاخره راحت تقارير الاستخبارات تتوالى علينا مؤكدة أن هذه الفنادق قد اختيرت اهدافها للضرب ورحت ارهب بالصياح قادتي الاماميين لينشروا هذه الاعداد في خيم ان استدعت الضرورة حتى لا يتكدسوا فوق بعضهم في هدف عمودي يمكن تدميره بقنبلة واحدة.
واستقتلت كي اتفادى تكرار حوادث 23 اكتوبر 1983 حيث اودت شاحنة متفجرة بحياة 241 من مشاة البحرية الامريكية وهم في ثكناتهم في بيروت.
في يوم الخميس السادس عشر من اغسطس جاء الكولونيل جو واردن ـ وفريق من ضباط القوة الجوية من واشنطن لاطلاعهم على خطة الرعد الوشيك أي حملة الثأر الجوية.
كنت حذرا من واردن فهو من مدرسة ريتس في قضايا التخطيط الجوي وهؤلاء اناس يظنون ان القصف الاستراتيجي يحقق كل المعجزات وان الجيوش شيء عفى عليه الزمن فقد نشر في عام 1988 كتابه بعنوان "الحملة الجوية تخطيط للقتال يتضمن مقطعا بعنوان يمكن الفوز بالحرب من الجو ومن دواعي سعادتي اني وجدته مفكرا مرنا وعارفا بشؤون الدعم الجوي الوثيق ذلك النوع من الضربات الجوية المستخدم لدعم الجنود على بريطانية المعركة قد عرفته بالقصف الاستراتيجي.
كان واردن قد جلب معه اثنين من المخططين الشباب اما انا فقد جلبت بوب جونستون وبدت مور، و ب.ب. بيل وحددنا موعد جلسة الاطلاع في التاسعة الرابعة فجرا في منطقة الحرب فتلك هي اهدأ فترات النهار والتقينا في غرفة اجتماعات صغيرة عارية مضاءة بالنيون في آخر الرواق المفضى إلى غرفة الحرب.
لم يمض على طلبي العودة من النبتاجون سوى اقل من اسبوع مع ذلك فإن واردن وفريقه حضروا خطة ممتازة حقا ورغم ان احدا لم يقل لنا اننا لا نريد تدمير العراق كأمة" فإن فرصيتي في توجيه المخططين تقوم على ان الولايات المتحدة ستظل بحاجة إلى العراق كقوة موازنة لايران وقد خرج واردن. باستراتيجية مصممة لشل المؤسسة العسكرية العراقية دون محق البلاد.
صنف الاهداف إلى مجاميع متفرقة تلك القيادة العراقية في المقدمة منها لقد اكدنا مرار بعد بدء القتال ان الولايات المتحدة لن تحاول تصفية صدام حسين لرئيس بوش قال ذلك نفسه وكان ذلك صحيحا بحدود فقد كانت في مقدمة الاهداف المدرجة في القائمة المخابئ التي نعرف انه سيلجأ إليها في الأغلب مع كبار القادة لإدارة العمل وبسبب نظام القيادة والسيطرة تشديد المركزية في العراق فقد كان صدام في عداد المنظرين العسكريين مما يدعى بمركز ثقل العدو وهو موضع في القوة المعادية بسبب إذا استطعت تدميره في فقدان العدو الإرادة على القتال (قام الفيلسوف العسكري البروسي العظيم كلاوزفيتز بتحديد مفهوم مركز الثقل في كتابه عن الحرب الصادر عام 1832) وابتغاء تحقيق اغراضنا كان يكفينا إسكات صدام تدمير قدرته على قيادة قواته الموزعة ضدنا ولو صادق ان قتل في أثناء هذه العملية لما ذرفت عيناه دمعة، كما وضعنا في قائمة الاهداف معدات الاتصالات ومحطات البث الإذاعي والتلفزيوني لمنع صدام من إيصال الأوامر إلى جنوده.
بعد ذلك استعرض واردن كيف ان القوة الجوية تقترح تحطيم المنشآت المضادة للطائرات والمطارات ومواقع مخازن الصواريخ ومصانع الذخيرة ومختبرات الأسلحة ومصافي النفط والجسور ومخطط سكك حديد صدام وخرج المخططون بمائة هدف أساسي ودهشت من جديد إلى المدى الكبير الذي حول به صدام بلاده إلى معسكر مسلح.
واستفسرت عن المدة التي تلزم القوة الجوية لتنفيذ كل ذلك القصف فأجاب واردن ستة أيام مفترضا ان تحت تصرف القيادة المركزية 35 سريا من الطائرات أو ما يقارب ضعف العدد الذي قررناه حتى الآن وبدا لي تقديره مغاليا في التأول حتى لو توافر لنا ضعف القوة الجوية المتاحة فعلا ولكن كان هناك شيء آخر في ذهني الآن.
قلت إذا كسونا هذه العظام باللحم فسيكون لدينا برنامج الرد الذي نطمع إليه والآن دعنا نتحدث عما سيحصل إذا كان علينا ان نوسع ذلك إلى حملة هجومية تطلعت إلى الجالسين حول الطاولة لم يطرق رمش ماذا سنفعل لو أردنا لطائراتنا أن تعمل بحرية فوق ميدان المعركة في الكويت.
اجاب واردن "ندمر دفاعاتهم الجوية فورا وأضاف ان ذلك صعب التنفيذ في الكويت ان منظومة الدفاع الجوي في العراق تتألف من منشآت ثابتة يسهل تحديدها وبالتالي ضربها اما منظومة الدفاع الجوي في الكويت فمؤلفة من أسلحة منقولة جلبتها القوات الغازية وتتضمن صواريخ سام 8 وسام 3 السوفياتية الموجهة بالرادار ومدافع زس يو 23 وزس يو ـ 24 المضادة للطائرات والموجهة بالرادار وخلص إلى القول نستطيع ان نفعل ذلك لكنه يستغرق من يومين إلى أربعة أيام أخرى.
قلت "جيد بما يكفي والآن بعد ذلك إذا أردتك ان تدك وتضعف جيشهم كي نستطيع الهجوم بنجاح؟ واختلقت رقما من الهواء كيفما اتفق وقلت اريد تدمير خمسين في المائة من قوات الاحتلال العراقية قبل شن أي هجوم بري قد نقدم عليه آخر الأمر.
في أثناء الحديث رحت اخربش ملاحظات مسجلا الخطوط العامة لتصور عن حملة من أربع مراحل:
1 ـ الرعد الوشيك.
2 ـ إسكات الدفاعات الجوية في الكويت.
3 ـ إنهاك قوة العدو بنسبة خمسين في المائة.
4 ـ الهجوم البري (؟).
اطلعت واردن على الملاحظات قائلا إليك كيف يبدو الهجوم لكن هناك شيئاً آخر ان الحرس الجمهوري هو نقطة جذب أخرى في الجيش العراقي ففي أثناء تنفيذ المرحلة الأولى من حملتك على العراق لماذا لا تقصف الحرس الجمهوري في الكويت؟.
هز رأسه نفيا هذا أخطر مما ينبغي فلن نكون عند ذلك قد اسكتنا الدفاع الجوي في الكويت بعد.
"وماذا عن قاذفات ب 52 ؟ هل يستطيع العراقيون اصابتها؟".
اعترف قائلا "كلا لن يستطيعوا".
ان قاذفات ب 52 تحلق على ارتفاع 30 ألف قدم وهي مزودة بأحدث أجهزة التشويش وعليه فإنها منيعة تماما.
"طيب إذا اقتضى الأمر أريد ان تقصف الحرس الجمهوري منذ اليوم الأول واريد ان تقصفهم بعد ذلك كل يوم انهم قلب وروح جيشه وبالتالي سيدفعون الثمن.
في ختام الاجتماع وزعت المهام ارسلت واردن وفريقه إلى السعودية لتسليم المراحل التالية في تخطيط الحملة الجوية إلى الجنرال هورنر واركانه ولم يكن هورنر مرتاحاً لطلبي من البنتاجون المساعدة في التخطيط الواقع انه انفعل بقوة "سيدي ان آخر ما أريد تكراره هو تجربة فيتنام حين كانت واشنطن تقرر الاهداف هذه مهمة قائد القوة الجوية العاملة بأمرتك وذكرته أنه القائد الأمامي لقواتي في الرياض وان بين يديه كثرة كاثرة من المشاغل ووعدته بأن يضطلع الأمر ما ان يتم العمل الابتدائي.
وطلبت من الجنرال جونستون ان يشرح مفهوم الحملة على أربع مراحل إلى كبار ضباط الاركان والآن وقد حددنا الإطار العام نستطيع الشروع في عملية التخطيط الطويلة اللازمة لتحويل المفهوم إلى شيء قابل للتنفيذ أخيراً اعطيت ملاحظاتي إلى الكولونيل بيل ليدونها في سجلي اليومي وسأل بيل أي اسم ستطلق على ذلك؟.
قلت "لا نريد خلطها بموضوع درع الصحراء لم لا تسميها عاصفة الصحراء وافق الكل على ذلك كما وافقوا على الاحتفاظ باسم الرعيد الوشيك كرمز للمرحلة الأول.
في الصباح التالي ابلغت كولن باول انني توصلت إلى مفهوم للحملة الهجومية ووضعت المراحل الأربع التي دونتها وقلت له انه ليس لدينا عملية هجوم بري نقترحها للمرحلة الرابعة مبديا ارتيابي من قدرتنا على الخروج بخطة مرضية بدون المزيد من القوات ولكني اعتزمت ان اطلق حرية المخططين لمعالجة هذه القضية ما ان تطأ قدماي ارض الرياض ثم أخبرته بالاسم الرمزي الجديد بدا مسرورا وقال انه سينقل المعلومات إلى الوزير تشيني.
بعد ايام قلائل من خطاب الرئيس في البنتاجون اخذت الاحداث تتحرك بسرعة كبيرة فالبيت الأبيض مضى إلى فرض الحصار البحري رغم ان مجلس الامن لم يعط الاذن بعد بغرض الحظر بالوسائل العسكرية زاد ذلك من التوتر في القيادة المركزية بدرجة ملحوظة فالحصار في عرف القانون الدولي هو إعلان حرب وإذا ما قمنا باغراق واحدة من ناقلات صدام العملاقة فانه سيتخذ ذلك ذريعة للبدء بالغزو أو للرد الثأري بطريقة من الطرق وما إن يبدأ الجنود باطلاق النار على بعضهم فان من الصعب البقاء داخلين قليلا في الحرب.
في مساء اليوم التالي التقطنا في الخليج وجود اولن السفن العراقية وهما ناقلتا نفط صغيرتان فارغتان عائدتان إلى وطنهما كانت سفننا مستعدة لنسفهما من على وجه المياه اتصل بي نائب الأدميرال هانك ماوز، وهو قائد البحرية العاملة بأمرتي وبواسطة الراديو مستفسراً "ماذا نفعل؟".
لم تكن أوامرنا تنص على شيء يخص السفن الفارغة حاولت الاتصال بالجنرال باول تليفونيا إلاّ إنه لم يكن في مكتبه سألنا ضباط مقره فاتضح انه ليس هناك تعليمات إضافية لنا أخيراً بحثت عن نسخة من قرار الامم المتحدة ووجدتها ينص القرار ان الهدف من الحظر هو وقف كل الصادرات والواردات هذا يعني حسب ما بدا لي ان العراق يجب ان يمنع من بيع ما غنمه في الكويت وان يمنع من الحصول على امدادات لدعم لجهوده الحربي وارتأيت ان الناقلات الفارغة لاتخرق ايا من الشوطين لذلك اتصلت بالادميراك ماوز وقلت له دعهما تمران لا فائدة من بدء الحرب العالمية الثالثة بسبب ناقلات نفط فارغة.
بعد بضع ساعات اتصل باول بالتليفون ليخبرني ان وزير الدفاع يشعر انني لا أطيع الاوامر وكان باول نفسه كمن يقف على الحافة كنا جميعا نعمل تحت ضغط هائل فانفجرت قائلا لم يكن لدى أي توجيه حاولت الاتصال بك ولم تسعفني هيئة الاركان المشتركة وانتم تدفعون لنا الرواتب كي نحسن التقدير في العمل الشيء الوحيد الذي توافر لدى كي استرشد به هو صياغة قرار الامم المتحدة.
"طيب ولكنك اتخذت قرارا خاطئا"
"حسنا الآن وقد أوضحت ما تريد بالضبط فان الناقلة التالية التي ستمر ستنسف نسفا".
بعد 14 ساعة من ذلك في عصر يوم السبت في الشرق الأوسط جاءت سفينة عراقية ناقلة محملة بالنفط في طريقها لمغادرة الخليج اعترضتها الفرقاطة الأمريكية رايد واطلقت عليها سلسلتين من طلقات التحذير فوق القوس لكن الناقلة لم تتوقف في هذه الاثناء تلقينا مكالمة هائجة من هيئة الاركان المشتركة تعدل الأوامر لن نغرق أية سفينة بدون موافقة البيت الابيض اطلقنا سلسلة طلقات تحذير ثالثة اتصل القبطان العراقي بالراديو وقال انه لن يتوقف مضيفا بلهجة ان لديه طاقما دوليا على السفينة اتصلنا بالبنتاجون ثانية وقلنا نحن مستعدون بانتظار الاذن باطلاق نار من الأمريكان اتصلت بالجنرال هورنر في الرياض لأحذره من ان هجوما عراقيا قد يقع وشيكا وان يضع القوات البحرية والجوية في اقصى حالات الاستنفار جاهزة لشن ضربات انتقامية.
كان الرئيس في كينيبنكبورت متمتعا بإجازة لذلك استغرق الأمر فترة كي تستطيع واشنطن التشاور معه ومع الجنرال سكو كروفت جاءنا القرار بعد ساعة ونصف الساعة اعطوا القبطان العراقي تحذيرا واحداً اخيرا بواسطة الراديو اخبروه انه إذا لم يتوقف فستطلقون النار على منصة القيادة ومقود الدفة في سفينته لشلها عن توجيه المسار وإذا لم يتوقف رغم ذلك انذروه بنقل طاقم البحارة إلى مقدمة السفينة اعطوهم الفرصة لاخلاء مقود الدفة ثم اطلقوا طلقة تمر من فوق مقود الدفة كانذار اخير قولوا له هذه فرصتك الاخيرة القذيفة التالية ستصيبك ثم اطلقوا لاعطاب السفينة ولكن لا تغرقوها".
لما عادت الاوامر إلى الخليج كان الظلام قد خيم وقال الادميرال "ياه" لا نستطيع ان نرى بوضوح كاف لتنفيذ ذلك".
وهكذا تحللنا من الالتزام حتى انبلاج النهار بعد ان عوملنا في نموذج كلاسيكي لما يصل حين تسعى واشنطن إلى توجيه عمليات الاشتباك من بعيد ان التحكم التفصيلي كان سيثير سخطي في اغلب الظروف اما في هذه الحالة فلم اعبأ به من الجلي ان شخصاً ما في واشنطن ادرك في وقت متأخر ان اغراق باخرة عراقية سيشكل تصعيدا كبيرا لذا قرر ان على الولايات المتحدة ان تبذل كل جهد لرد الناقلة على اعقابها قبل الهجوم عليها لا ضير في ذلك بالنسبة لي بل لقد ضاعف ذلك سروري من القرار الذي اتخذته بعدم ضرب الناقلتين الفارغتين في اليوم السابق.
خلال الليل سادت الرؤوس الباردة اتصل باول ليغير للمرة الرابعة خلال 24 ساعة لا تشتبكوا مع تلك السفينة واصلوا تعقب اثرها فان سفيرنا في الامم المتحدة يحرز تقدما للحصول على تأييد للحصار من مجلس الأمن ولا نريد تخريب أي شيء اقتصرنا بعد ذلك على ملاحقة ظل السفن العراقية إلى ان اعطى مجلس الامن اخيرا التخويل بفرض الحصار بعد اسبوع من ذلك.
ان الناقلة التي كدنا نهاجمها ابحرت إلى اليمن حيث اعلن اليمنيون انهم سيلتزمون بالحظر ولن يفرغوا النفط لقد كان القبطان العراقي يعرف انه كان على شفا ان ينسف نسفا وقد التقطنا مكالمته المفزوعة من بغداد حيث قيل له ما معناه امضى يا صديقي وحيث تصبح شهيدا فإن صدام سيمنحك وسام الشهادة ولما وصل المسكين إلى اليمن اصيب بمرض غامض وتوجب اجلاؤه إلى العراق وراهنا ان مرضه يرجع إلى عدم رغبته في العودة على نفس الطريق ومواجهة مدافع البحرية الامريكية.
الخطوة التالية التي اتخذها الرئيس هي استدعاء الاحتياط ويتمتع الرئيس بصلاحية إعادة تعبئة 200 الف من جنود الاحتياط مدة 180 يوما دون الرجوع إلى الكونجرس وبهذه الخطوة اعطى اشارة قوية لشعب الولايات المتحدة بأن امامنا مهمة علينا ان ننجزها كاملة وقفت إلى جانب هذه الخطوة فقد كنت على قناعة دائمة ان واحدة من افظع الاخطاء التي ارتكبناها في حرب فيتنام هي احجامنا عن تعبئة الشعب وكانت واشنطن ترسل الجنود إلى المعركة دون ان تدعو الشعب الأمريكي إلى تأييدهم.
ادى استدعاء الاحتياط إلى اطلاق مشاجرة بيروقراطية عامة في البنتاجون اشتراك فيها رؤساء فيالق الجيش والبحرية والقوة الجوية ومشاة البحرية والجنرال المسؤولون عن قيادة القوات والجنرالات المسؤولين عن مختلف عناصر الحرس الوطني الكل ياجل ويناقش حول أي من وحدات الاحتياط يجب ان ـ تتوجه إلى الخليج ولما كانت خطة حرب القيادة المركزية نصف ناجزة فاننا لم نصل بعد إلى نقطة تعيين وحدات احتياط خاصة لذا راح رؤساء فيالق الجيش والبحرية والقوة الجوية ومشاة البحرية ويصوغون التقديرات عن حجم الاحتياطي الذي يظنون هم انه يلزمنا وكان الرقم الكلي أكثر من 300 الف شخص اكبر من سائر العدد المخصص لدرع الصحراء واضعاف ما كان الرئيس يحمله في ذهنه اخيرا اتصل بي باول يائسا ووضع بصواب كامل القضية بين يدي ان فروع الاسلحة خرجت عن طورها ويصعب ضبطها قم انت بحل القضية وسأصادق فقط على الوحدات التي تطلبها.
كنت اعرف بالضبط ما نحتاج سواقو شاحنات مفرغو سفن مراقبو ذخيرة مركبو تليفونات ميكانيكيون عمال يتولون المهام الاساسية لاسناد في منطقة قتال والجزء الصعب من ذلك هو ايصال تلك الرسالة من خلال البعض في واشنطن ووقعت لي مناقشة حادة مع رئيسي السابق الجنرال فونو وأركانه حول الوحدات القتالية للحرس الوطني المعروفة باسم "الالوية الملتوية" لقد ابتدعت هذه الالوية خلال العشرين عاما الماضية بهدف زجها في الخدمة زمن الحرب لاستكمال الفرق المدعمه بثلثي نصابها الاعتيادي توفيرا للطاقة البشرية والمالية واراد فونو ان يبرهن ان هذا المشروع فعال اما رجال الكونجرس القادمون من ولايات تمركز وحدات الحرس هذه فراحوا يضجون طالبين ضمها إلى درع الصحراء غير ان استدعاء هذه الالوية لمدة 180 يوما التي قررها الرئيس لا معنى له فما أن يلتحق هؤلاء بالخدمة حتى يكونوا بحاجة إلى اشهر من التدريب لاكتساب الاستعداد للقتال وحين يأتي الاوان وترسلهم إلى الشرق الأوسط يتعين على ان انشغل باعادتهم إلى الوطن وانتهيت مع فونو إلى القول إنني أفهم قضيتك السياسية ولكن اننا نخوض الآن حربا.
ساندني باول شأنه شأن قائد قيادة القوات الجنرال ايد بوريا فشطبت الالوية الملتوية من دعوة الاحتياط وبما ان جاهزية الحرس الوطني هي واحدة من مسؤوليات بوربا فقد كان يعرف خيرا من سواه ان كانت الوحدات متهيئة للانتشار ومما يشرفه حقا انه وقف ضد استخدام هذه الوحدات رغم ما ينطوي على ذلك من مضار على مستقبلة فقد فضل الاقرار بمحدودية قدرة هذه الوحدات على ان يرسل رجالا مفتقرين إلى الجاهزية وظل الخلاف تاشبا في الكونجرس والصحف حتى بعد اتحاد القرار إلى ان جرى في شهر سبتمر ارسال واحد من هذه الالوية الملتوية من جورجيا إلى مركز التدريب الوطني في صحراء موجاف لتحديد الوقت اللازم لاستعادة جهازيتها القتالية لم تستعد هذه الجاهزية حتى بعد تدريب دام ستين يوما عند هذا الحد اضطر حتى بعض رجال الكونجرس ممن ادلوا بدلوهم في القضية إلى الاعتراف بان هذه الالوية قد تناسب حربا اطول.
كانت قضية استدعاء الاحتياط اخر القضايا الكبيرة التي كان على ان احلها قبل ان اغادر تامبا ففي ذلك الوقت كان النقل الجوي والشحن البحري يسيرا فاعلا إلى حد ان الجنرال جونسون من قيادة النقل الجوي والشحن البحري يسيرا فاعلا إلى حد ان الجنرال جونسون من قيادة النقل الجوي عقد مؤتمرا صحافيا ظاهرا في 21 اغسطس تبجح فيه ان طائراته وسفنه قد نقلت اعداد هائلة من الجنود وان ما زنته مليار رطل من الاسلحة والذخائر والتجهيزات الاخرى قد وصلت إلى الخليج أو في طريق الوصول إليه وشبه ذلك بنقل سائر رجال ونساء واطفال مدينة جيفرسون بولاية ميسورى إلى السعودية هم وسياراتهم وشاحناتهم ومتاعهم المنزلي وطعامهم وامدادات مائهم وكان العهد وقتذاك هائلا حقا بحيث كان على مراقبي السيطرة في قيادة النقل العسكري ان يتعقبوا اثر 80 طائرة في وقت واحد محلقة عبر سماء الاطلسي وقد اطلقوا علىالنقل الجوي لقبا رمزيا هو جسر المنيوم الشرق الاوسط في غضون ذلك كانت حمولات هائلة من الدبابات والمعدات الثقيلة سفن الشحن البحري السريع والناقلات المسرعة تبحر بسروعة تزيد على 30 عقدة (ما يعادل 35 ميلا في الساعة) التابعة القيادة الشحن البحري العسكري على ان تعقبها سفن شحن اخرى كما هو مقرر.
اخيرا اكتمل نصب شبكات الاتصالات في السعودية وفي الثالث والعشرين من اغسطس اخطرت كولن باول انني مستعد لنقل مقري على الرياض واخبرته أنه بائبي رباك روجرز قد وافق على البقاء في تامبا لإدارة المقر واعرف أنني أستطيع الاعتماد عليه لإبقاء تدفق القوات سلسا من جهة الولايات ايد باول جوب ذهابي لكنه اعترف بأنه يحبذ بقائي قريبا من واشنطن خشية ان يتعذر عليه الاتصال بي لحظة تركي الولايات المتحدة لقد استطعنا معا في مجرى اتصالاتنا اليومية ان نطور قاعدة عمل مشتركة خارقة للعادة قيض لها ان تستمر في مجرى عملية عاصفة الصحراء كنا نتداول على التليفون الأمني بضع مرات في اليوم عادة وإذا دعت الضرورة لتبادل المعلومات تحريريا فقد كنا نفعل ذلك خارج القنوات الاعتيادية للبنتاجون وقد كان لدينا نحن الاثنين جهاز فاكس مربوط بخط التليفون الأمن فإن كانت لدى وثيقة مهمة أو تخطيط ايضاحي أرغب في ان يطلع عليه اعطيت الورقة إلى الكولونيل بيل يبلغ مكتب باول بأنها ستبث إليهم ثم نقف بجانب جهاز الفاكس حتى يكتمل البث ويقف الضابط التنفيذي لباول على الطرف الآخر من خط الفاكس ليلتقط الرسالة ويسلمها إلى باول باليد مباشرة.
كما ترى ان تلك هي الطريقة الوحيدة لضمان السرية فطول العام ونصف العام من اشتغالي في الدبابة سمعت سلف باول الادميرال كراو، يقولها المرة تلو المرة ما ان تدون شيئا على الورق في واشنطن حتى تستطيع ان تعتبره قد انفضح فحين ترد رسائل إلى الأركان المشتركة وهي رسائل بالغة السرية موجهة للحلقة الضيقة في البنتاجون حتى تدون في السجل وتستنسخ وتوزع لمختلف مديري الاقسام الذين يستنسخونها بدورهم إلى نوابهم والنواب إلى مساعديهم وهكذا إلى ان تظهر المعلومة حتى قبل ان تعرفها في ال "واشنطن بوست" ان معالجة كل شيء بواسطة التليفون الأمني والفاكس الأمني قد ضمن عدم تسرب أي شيء وهذا يعني أيضاً عدم وجود محضر رسمي للعديد من اتصالاتنا.
كنت من الوجهة الرسمية اخضع لوزير الدفاع تشيني بصفتي القائد العام إلاّ أن باول هو حلقة الوصل الوحيدة عمليا مع الإدارة وكان باول يقول ان مهمتي هي ان أبقى الرئيس والبيت الأبيض ووزير الدفاع على اطلاع بمجريات الأمور اهتم انت بمسرح الحرب واترك لي الاهتمام بواشنطن كان هذا التدبير فعالا إذ كنت اخبر باول بحاجتنا إلى قيام واشنطن بشيء ما وكان هو يعمل على تحقيق ذلك وليس لدي أدنى شك في ان الجنرال باول كان خير رجل لذلك المنصب خلال الأزمة ولم يسبق لأي ضابط غيره بعد الجنرال جورج مارشال ايام الحرب العالمية الثانية ان حظى باتصال مباشر بالدوائر العليا في البيت الأبيض ناهيك عن ثقة الرئيس كان بوسع باول ان ينتزع في ظرف ساعات قرارات لاينتزعها غيره إلاّ بعد ايام أو أسابيع ولكن وجدت هذا الترتيب مثيرا للاعصاب لأنه يبقيني في الظلام فغالبا ما كان يحصل ان يتصل بي باول بعد اجتماعات البيت الأبيض ليوجه لي أسئلة تجعلني احتار متسائلا ان كان رؤساؤنا المدنيون يدركون الحقائق العسكرية.
فمثلا حين أعلن صدام في التاسع عشر من أغسطس ان سيستخدم الرهائن الغربيين كدروع بشرية لمنع الولايات المتحدة من قصف العراق اتصل بي باول على الفور ليعرف التالي ماذا ستفعل بصدد الدروع البشرية؟ لقد كنت اطلعه على الأمور اولاً بأول وحسبت انه يعرف الجواب المحزن أيضاً كنا ندرس إمكانات إنقاذ الرهائن منذ بدء الأزمة واتضح لنا سريعا ان ليس بوسع الولايات المتحدة ان تفعل الكثير لانقاذ المحتجزين في العراق والأسباب كثيرة ابرزها ضعف مصادر استخباراتنا البشرية ناهيك حتى عن صعوبة تحديد موقع الرهائن كان على أن أخبر باول هذا النداء ليس لي لا نستطيع إخراج معظمهم سنبذل كل جهد لمعرفة مكان احتجازهم ولكن إذا دخلنا الحرب وكان الرهائن في مواقع أساسية للضرب فإنه على الرئيس ان يتخذ قرارا صعبا للغاية لم يكن بوسع القيادة المركزية ان تحل المشكلة التي سببها صدام لنا فتلك قضية خيار أخلاقي وسياسي.
عندما اتصلت بباول في البنتاجون لأخبره أنني حاضر للمغادرة إلى الرياض راح يستفسر مني بالتفصيل حول ما إذا كان بوسعه ان يتصل بي تليفونيا هل أنت واثق ان الاتصالات جاهزة؟ لا استطيع أن أجازف بفقدان الاتصال بك ثم اضاف بعبارة متأنية في طريق ذهابك أود أن تتوقف هنا في واشنطن لتطلعني بالكامل على خطة حملة الهجوم الجوي والبري معا".
استغرقني تسجيل ما قاله 5 دقائق أخبرت ضباط المقر أني بحاجة إلى التحدث مع رئيس هيئة الأركان المشتركة على انفراد وطلبت إليهم إخلاء غرفة الحرب ثم عدت إلى فتح الخط مع باول قلت محاولا الاحتفاظ بهدوء نبرة صوتي "أريد أن أتأكد من شيء أظن أننا قررناه من قبل لقد اطلعت الرئيس على موجز خطة دفاعية وأني أنفذ الأوامر بوضع قوات دفاعية في مكانها وفجأة تسألوني انتم المسؤولون في واشنطن ان أعد العدة لهجوم باستخدام تلك القوة الدفاعية ثمة خطأ في الأمر استطيع ان أقدم لك تصوري التحليلي ولكن هذا هو كل ما في الأمر ـ عدا عن المرحلة الأولى مرحلة الهجوم الجوي ليس هناك من شيء آخر أوصيت بفعله أو خططنا له فعلا أو أسير بموجبه أنني أخشى أن يظهر شخص لا يفهم ذلك ويستدير على عقبيه ويقول لي: نفذ هذا الهجوم.
قال باول نورمان ضع ثقتك في عليك ان تثق في هل تظن أني سأسمح بحصول ذلك؟ مشكلتي هي أن لدى كل هؤلاء الصقور في مجلس الأمن القومي الذين يواصلون القول ان علينا أن نطرد صدام من الكويت إلاّ ويجب ان يكون عندي ما أستطيع به ضبطهم.
بدا لي أن باول يقامر بأنه إذا استطاع إقناع البيت الأبيض بأن العسكريين يسيطرون على الأزمة وأنهم يمضون قدما في تطوير خطة طوارئ الحرب فإن احدا لن يأمرنا بالتعجل للقيام بشيء وقررت أنه على حق لا لأن ذلك يهم بل لأنه لم يكن من خيار أخرى سوى ان أماشي.
التقيت بباول صباح السبت الموافق 25 أغسطس في البنتاجون شبه الخالي وأوجزت له آخر تطورات خطط القصف الاستراتيجي وأوضحت كيف ان ـ حملة جوية كهذه قد تخدم كمهد للهجوم البري لكني أكدت المرة تلو الأخرى فكرة ان دفع قواتنا البرية الحالية إلى الكويت لا يقل غباء عما كان عليه من قبل.
24 أغسطس 1990 يوم ب + 7 الساعة 1300
يحدث ق. ع إلى الجنرال رايمر نائب رئيس اركان الجيش لشؤون العمليات ما احتاجه هو بضعة اصوات يعتمد عليها في واشنطن تقف لتقول ان هذه حماقة يجب إلاّ ندفع إلى القيام بشيء لسنا مهيئين له أو قادرين عليه. الجالسون في واشنطن متلهفون لدفعنا إلى القيام بشيء معين لكننا قد لا نكون مهيئين له وإذا انتهى الأمر كله إلى الفشل فإننا نحن القادة العسكريين سنترك لحمل الوزير.
تريثت عن اخبار عائلتي بالمغادرة حتى تيقنت من التأريخ المضبوط للرحيل الواقع قبل ان يغزو العراق الكويت كنا نحن أسرة شوارتزكوف نتطلع إلى الأسبوع الثالث ومن أغسطس للاحتفال بمناسبة بعيد ميلاد سندي وعيد ميلادي ومناسبة بدء الدراسة الجامعية لجيسيكا في جامعة تامبا وقد اتفقت مع بريندا على ان نحضر يوم التوجيه العائلي والآن سافتقد ذلك كله جمعت الأسرة بريندا والاطفال لأخبرهم بسفري وألقيت كلمة قصيرة أريد أن تفهموا أنه ما من مكان أحب أن أكون فيه أكثر مما أحب أن أكون هنا معكم ولكني جندي وحين يستدعى الجندي عليه أن يذهب لا أريدكم تعتقدوا ان ذهابي يعني أنني لا أحبكم.
كانت بريندا تعلم أنني سأظل هناك طوال الأزمة لقد سمعتني اتحدث في هذا النحو من قبل في بداية زواجنا حين تركتها متوجها إلى خدمتي الثانية في فيتنام ولكن ذلك جرى قبل ميلاد الاطفال ورغم انهم قضوا معظم حياتهم يتكيفون مع مجيئي وذهابي ـ سندي الآن تشارف العشرين وجيسيكا في الثامنة عشرة وكريستيان في الثالثة عشرة ـ إلاّ إني لم أغب عنهم أكثر من شهر واحد حتى خلال أزمة جرينادا أما الآن فإنني أقول لهم إنني سأجزم مقر قيادتي وانطلق بعيدا مسافة 7 آلاف ميل.
ثم قالوا انهم يتفهمون ذلك أما في الواقع فلا بعد خمسة أيام من ذلك وقفت عند الباب معانقا ومودعا كل واحد فيهم وتمتمت قائلا لبريندا أتمنى أن أستطيع ان اقول لك متى يمكن أن اراك ثانية حدقت سندي في وهي مصعوقة.
وقالت ستعود إلينا في عيد الميلاد أليس كذلك؟ لن يكون عيد بدونك. "سندي لا أعرف ألقيت نظرة في قسماتها وسارعت إلى القول ان القواد في كل الحروب التي خاضتها أمريكا كانوا يستدعون إلى واشنطن للتشاور دوريا ووعدتها ان أتي كلما استدعوني إلى الولايات المتحدة ولم أتصور فقط أنني لن أعود.
 
الفصل الرابع
خرجت من الطائرة إلى لفح حرارة الصحراء كانت درجة الحرارة في مطار الرياض العسكري تبلغ 15 ف في الظل مع ان الوقت هو ضحى النهار ووجدت بانتظاري عند اسفل سلم الطائرة القادة الكبار الذي سبق ان تركتهم ورائي تشاك هورنر وجون يوسوك وعسكري سعودي باعتباره الليوتانت جنرال الامير خالد بن سلطان آل سعود قائد قوات الدفاع الوجي في المملكة والرجل الذي عينه الملك فهد نظيرا لي ودهشت لأن الأمير ورث ضخامة جسمه عن جده الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية وكان بقدر ضخامتي.
كان خالد مثاليا لقد تلقى تعليمه في ساندهيرست الكلية العسكرية البريطانية ودرس في كلية الحرب الجوية التابعة للقوة الجوية الأمريكية في قاعدة ماكسويل الجوية بولاية الاباما وهو يحمل درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة اوبورن ويعتبر الأمير الأعلى رتبة في القوات المسلحة السعودية رتب خالد ترحيبا بي مراسم تقليدية لتقديم القهوة في قاعة الاستقبال بالقاعدة افترشت الأرضية سجادة عجمية ضخمة.
جلسنا على الأريحة خالد وأنا في الطرف الأقصى من القاعة وجلس تشاك وجون على يساري وقائد القاعدة الجوية وأفراد هيئة خالد على يمينه هو قدموا لنا قهوة قوية معطرة بحب الهال ورحنا الأمير وانا نتبادل المزاج وبرز خالد بنظري رجلا صريحا ودودا ـ مرحابا أنيساً وقد نبهني هورنو ويوسك إلى أنه كان بالغ الاهتمام بهذا اللقاء ورغم ان الأمير كان مريحا في العمل معهما قريناه الحاملان رتبة جنرال بثلاث نجوم فانه راح يمطرهما بالاسئلة لما اكتشف أنني قادم وبات شديد الاحتراس.
وظن هورنر ويوسوك أنه قلق من أن رتبتي الأعلى وخبرتي الواسعة ستدفعني إلى الضغط عليه أو توجيه الاوامر له. لم تكن لدى مثل هذه النوايا ولما أدرك خالد ذلك في الأيام التالية انعقدت بيننا أواصر صداقة حميمة ورفقة مؤثرة اختتم الترحيب الوجيز بالقول سيتصل ضباطي بضباطك حول موعد لقائنا.
انطلقنا في سيارة مرسيدس ثقيلة التصفيح إلى وسط المدينة نحو مبنى وزارة الدفاع ـ مقر قيادة درع الصحراء خصص لي السعوديون مكتبا امبراطوريا بسعته في الطابق الثاني من المبنى زينت جدرانه برسوم زيتية للملك فهد وولي العهد الأمير عبد الله والأمير سلطان وثمة في هذا الطرف طاولة عمل خشبية حديثة وكان تليفوني الأمني الأحمر على الرف وراء المكتب ورصفت على الجدران الثلاثة الأخرى مقاعد وثيرة بقماش مقصب ومكعبات كبيرة من المرمر تقوم مقام طاولات للقهوة وتجاور المكتب غرفة نوم وحمام صغيرمع دوش، وهي جميعا بسيطة المظهر وتطل غرفة النوم على باحة مبلطة بالأسمنت أوت إليها حمامات.
في هذه الأثناء حجز لي ضباطي جناحا في فندق حياة الفخم عبر الشارع قبالة وزارة الدفاع حيث ينزل العديد من كبار الضباط هناك ولكني كنت الشخص الذي ظل يضرب على وتر اخراج العسكريين من الفنادق فكيف يسعني أن أنزل في فندق الاحتمال الثالث هو النزول في جناح بنادي الضباط السعودي الذي يبعد ثلاثة أميال.
أعلنت اختياري سأنام هنا الليلة بيد أني انتهيت إلى المبيت في ذلك المكان تسعة اشهر.
كانت أول رغبة لي هي أن أزور غرف الحرب نزلنا بمصعدين ومررنا برواق طويل محروس حراسة مشددة ونزلنا مجموعة درجات متلاحقة من السلم وأخيراً أجتزنا أبواباً ثقيلة لقد قام السعوديون بتهيئة مستلزمات بناء مقر قيادة كبير تحت السرداب على عمق 5 طوابق تحت الأرض إلاّ أن بناءه لم يكتمل فقبل ثلاثة اسابيع فقط كان هذا المكان أجرد اما الآن فقد بات مركز عصب درع الصحراء.
قادني الميجور جنرال بول شاورتز وهو نائب يوسوك إلى قاعة كبيرة ذات سقف شاهق بعلو طابقين يزدحم بالعسكريين والمكاتب لقد سررت لما عين الجيش شوارتز للالتحاق بدرع الصحراء لقد سبق له ان خدم كمدير مشروع لدى الحرس الوطني السعودي وهو يحب السعوديين ويعمل بصورة حسنة معهم وكانت هذه القاعة من إبداعه وهي مركز تنسيق يستطيع فيه ضباط الارتباط السعوديون والامريكيون من أي فرع واختصاص العمل جنبا إلى جنب ضباط القوة الجوية مع ضباط القوة الجوية وحرس الساحل مع حرس الساحل. مخططو الدفاع الجوي مع مخططي الدفاع الجوي وهكذا دواليك وتنبجس من أحد الجدران عاليا، غرفة اجتماعات زجاجية مثل طابق وسطي تطل على كل القاعة وتخدم بمثابة موقع قيادة أمريكي حتى ينتهي التكتيكيون من وضع اللمسات الأخيرة على منشأة كاملة للقيادة والسيطرة أما المنشأة الأكثر تعقيداً آخر الرواق فستكون نسخة كاملة قدر الإمكان عن مركز استخبارات وستتضمن أخيراً مركز استخبارات وغرفة اتصالات ومكاتب للأركان وقاعة محاضرات صغيرة تتسع لأربعين شخصا من أجل تقارير الإطلاع والأهم من ذلك أنها تتضمن غرفة حرب ستكون مقر قيادتي لدرع الصحراء إذا نشبت الحرب وكان السعوديون في هذه الأثناء قد جهزوا مقر قيادتهم في الطابق الأعلى فوقنا.
قدمني باول إلى الكولونيلات السعوديين الأمريكيين المسؤولين عن تشغيل مركز التنسيق طلبت تقريرا عن مسار نشر قواتنا فوجهوا أنظاري إلى خارطة كبيرة على الجدار ورائي تماما كان تصور خطة أعدها هورنر وخالد وأركانهما نشرت القوات الأمريكية والسعودي على طول الحدود السعودية ـ الكويتية في إطار الدفاع الأول عن المملكة وعلى الفور لقطت عيني مشكلة كبيرة لقد سبق وان ارسلنا بجهاز الفاكس خطة المعركة العراقية التي حصلنا عليها من المنشق قبل أسبوعين من الخطة التي تنص على غزو شامل مثلث الرؤوس ـ مع ذلك وبسبب نقص القوات، تركوا أحد ممرات الاقتحام مفتوحا على مصراعيه كان الطريق العام الساحلي الذي يمتد من الكويت إلى الجبيل محميا، شأنه شأن الطريق العام الغربي المفضي إلى مدينة الملك خالد العسكرية ولكن في وسط الحدود حيث رسم العراقيون رأس الحربة الثالث ـ هناك فجوة مغفورة بلا حماية لا أقل من أربعين ميلا عرضا ولو اراد صدام ان يفعل شيئا لكان بوسعه دفع الف دبابة على ذلك المحور ولما انتبه احد لذلك قبل ان يكون صدام قد تغلغل عميقا في مؤخرتنا.
لما حللت في الرياض كنت متهيئا ان اقتضى الأمر للعمل على مدار الساعة بغية الوفاء بالعهود التي قطعناها للرئيس والسهر ـ إلى أقصى حد ممكن على عودة قواتنا بلا مساس واشارت التقديرات الاستخباراتية الآن ان بوسع صدام حسين ان يزج بقوة نابضة ضدنا قوامها 150000 جندي و1200 دبابة وخشيت أن يدفعنا إلى البحر وان نفقد حياة الآلاف المؤلفة وادركت ان أولى أولوياتي أن أزيل هذا الخطر بأسرع ما يمكن.
ولكن كان يتعين على ان أغلف إحساسي الموقف في مجرى تعاملي مع السعوديين ومما آثار ذعري ان همهم الأول لم ينصب على الخطر المحدق مع صدام ولا على المشروع العسكري الضخم المشترك الذي شرعنا فيها بل انصب اساسا على أزمة الاعراف والتقاليد التي اندلعت بفعل السيل المباغت للامريكيين المتدفق على مملكتهم لقد فعلنا ما بوسعنا لاستباق المشكلات قبل مجيء القوات حظرنا الكحول والمجلات الخليعة ووعينا الجنود بالحساسية الثقافية ووزعنا كراسا توجيهيا بعنوان المرشد العسكري للاعراف والتقاليد العربية الذي وضعه على عجل اركان القيادة المركزية (يبدأ أحد الفصول بالقول لا يمكن للرجال والنساء ان يمسوا بعضهم في العلن ولكن هناك قدراً كبيراً من التماس بين أفراد الجنس الواحد" وما كان بوسع أي شيء نفعله ان يزيل الصدمة الثقافية كليا.
خطة الدفاع الأولية
اعتمدت خطة الدفاع الاولية على استخدام سائر القوات المتاحة أو الموعودة وتضمنت هذه القوات كتائب الحرس الوطني السعودي القوات السعودية الكويتية المصرية السورية والالوية الفرنسية والبريطانية إلى فرق مشاة البحرية والجيش الأمريكي (الفرق 24 و8 و 101).
فحين تسلمت مهام القيادة في القيادة المركزية عام 1988 كان هناك جنرال بنجمين مسؤولا عن بعثة التدريب العسكرية الأمريكية فكان يؤذن له بدخول الرياض عند القيام باعمال رسمية ولكن كان يتوجب عليه ان يغادرها قبل حلول الظلام ليعود إلى مقره في الظهران اما الآن فإن آلافا من العسكريين يجوبون الرياض.
ورحت اذكر نفسي باستمرار ان لدي الكثير من الضباط القادرين على القيام بالتخطيط العسكري لذلك كنت اذهب إلى مكتب الامير خالد بوزارة الدفاع في تمام العاشرة من مساء كل يوم ويمتد بنا الحديث عادة إلى ما بعد منتصف الليل وهو أمر ليس بالغريب في المملكة العربية السعودية حيث يعمل الملك فهد نفسه طوال الليل حتى صلاة الفجر كنا نجلس معا، خالد وانا على مقاعد وثيرة ذات لون ماروني بينما مرافقه يقدم لنا عصير الفواكه والقهوة والكابوتشينو من المعروف عني اني لست صبورا، ولكن القيام بالعمل هناك ارغمني على الاصطبار فالقرارات التي تتطلب في العادة 15 دقيقة في تامبا أو واشنطن تستهلك في الغالب 3 ساعات في الرياض فيما نحن نرتشف القهوة ونسرد الحكايات ونضرب الامثال الحكيمة.
وغالبا ما يكون عسيرا علينا ان نعرف مرام خالد من البداية فالاعراف السعودية لا تحض على المكاشفة الفورية ولقد تعلمت من تجربتي الطويلة كيف أصغي طويلا إلى ان اتيقن من أنني فهمت المراد وابدى الاستعداد للمساومة وامرتهم تحققوا من جلية هذا الامر.
اعترض احد القادة على حظر مجلات الجنس مدعيا ان الجنود حقا دستوريا بقراءة المطبوعات التي يتمتعون بها في الولايات المتحدة فقلت "آمل ان تعترف بأن دستور الولايات المتحدة يطبق فقط على الارض الأمريكية وعليه فإننا لا نملك اية حقوق دستورية في المملكة العربية السعودية وقانون هذه البلاد هو القانون السعودي كما تعلمون وعليه مثلما نطلب منهم ان ينصاعوا لقوانينها في الولايات المتحدة فانهم يطلبون ان نتصارع لقوانينهم هنا ترك هذا الكلام اثره فيهم.
وقررت أيضاً اننا بحاجة إلى نظام لحل المشكلات المتعلقة بالتباين الثقافي قبل ان تتفاقم ووضعنا برنامج العلاقات الاجتماعية وهو شبيه بالبرنامج الذي استخدمناه في أوروبا فقد عينا الضابط الكبير في كل مدينة رئيسية بصفة قائد جماعة وقلت لهؤلاء تحدثوا مع السعوديين حددوا المسؤول المدني عن المدينة والقائد العسكري فيما نظموهم بهيئة مجلس يجتمع لي اساس دائم لكي تستطيعوا حل هذه المشكلات عندما تنشب نجح التدبير فما أن تأسست المجالس المحلية حتى انخفض عدد المشكلات انخفاضا كبيرا رغم استمرار تدفق القوات الأمريكية.
في هذه الاثناء كان خالد يواصل البحث عن سبيل لا ستيعاب قواتنا وتخفيف ضغط الكثرة الكاثرة من الأمريكان على الرياض واقترح علي قائلا لماذا لا تنتقلون إلى قرية الاسكان اتضح لنا ان السعوديين في ايام مجد الاوبك حين كانت البترودولارات تتدفق على المملكة كانوا قد قرروا بناء منزل لكل بدوي لذلك أشادوا مجمعا من منازل حضرية وبنايات حضرية وبنايات شاهقة على مبعدة 15 ميلا عن الرياض كانت المنازل الحضرية زاهية مبلطة بالمرمر ومطلية بالجبس ومكيفة الهواء ومزودة بوسائل الراحة الحديثة ومفصولة بحيطان شاهقة عن العالم الخارجي اخذنا واحدة من هذه القرى السكنية الخالية لايواء العاملين فاقلتهم بالباص إلى العمل كل يوم أو إلى السوق حين يريدون التبضع ارتاح السعوديون إلى هذا الترتيب حيث لم يعد حضور الغرباء في الرياض مستديما أو طاغيا وارتفاع عدد الجنود أيضاً لان بوسعهم وراء هذه الجدران العالية ان يلبسوا ويعيشوا كما يعملون في الوطن وارتحت لذلك لانه اتاح لي اخيراً ان اجلى الناس عن فنادق وسط المدينة حيث كنت أخشى عليهم من ان ينسفوا نسفا.
ومن دواعي فخر كلا الطرفين ان هذه الأزمات الثقافية لم تخرج عن نطاق السيطرة إلى حد يهدد مهمتنا وقد استوعب الشباب اللامعون والشابات اللامعات في قواتنا المسلحة بسرعة واجبهم باحترام تقاليد وعادات مضيفيهم في حين اكتشف السعوديون ان الأمريكان ليسوا اولئك الملاحدة المهووسين بالجنس والمدمنين على المخدرات كما كانوا يخشون وراح اغلبهم يعتبرنا اصدقاء جاءوا للعون.
22 ايلول (سبتمبر) 1990
يوم ب + 46 رحلة ق. ع للظهران الساعة 1230
ق. ع التقى حاكم الظهران الامير محمد بن فهد آل سعود ق. ع شرح للحاكم كيف انه عين قائدا واحدا في كل منطقة يكون مسؤولا عن تصرفات جنودها والحساسيات الثقافية ق. ع قال إننا نعتزم كسب الحر وخسران السلام قال بحكم إنه رأى الشعب السعودي يرحب بالقوات في الشوارع وان ـ الشعب سعيد لأننا هنا.
تناغمت القوة الجوية السعودية من الناحية العسكرية مع قوتنا الجوية تناغما سلسا امر غير متوقع نظرا لأننا بعنا للسعوديين بعض طائراتنا، وساعدنا على تدريب طياريهم وقادتهم والمراقبين الجويين إلاّ ان لجيشهم الصغير البالغ تعداده 66 الفاً قصة أخرى فقد قال خالد بصراحة في أول اسبوع نلتقي فيه يجب ان تساعدنا في قواتنا البرية انها في وضع سيء لقد كانت القوات المسلحة السعودية تحظى برواتب جيدة وطعام جيد ومعدات رائعة دبابات وناقلات جنود ومدفعية حديثة أمريكية وفرنسية وبريطانية ـ إلاّ أنها مربوطة بشكل مطلق بقواعدها لانها لا تملك تنظيما للقيام بالعمل التفصيلي اللازم لادامتها في الميدان ان فرقة برية أمريكية تحمل معها منظومات الاسناد الخاصة بها فهناك بين جنودها مئات الميكانيكيين والتكنيكيين وسواق الشاحنات وعناصر الطبابة والطباخين إلاّ إن السعوديين يديرون جيشهم مثلما يديرون مجتمع المدنيين فيستأجرون المتعهدين للقيام بالعمل اليدوي وحينما اشتروا الدبابات مثلا اشتروا عقود إدامة أيضاً حتى إذا انعطبت الدبابات فإنهم لن يتوجهوا إلى مستودع المحركات القريب لاصلاحها بل يتصلون بالاحرى بشركة جنرال موتورز مثل هذه الترتيبات تسير سيرا حسنا في القاعدة حيث يوجد تكنيكيون مدنيون ولكن ليس هناك من مستر تصليح جيد في ميدان المعركة.
20 سبتمبر 1990 ـ يوم ب + 26 الساعة 2015
في تجديد المعلومات المسائي طلب ق. ع من الجميع الانتباه للجنود في المنطقة بخاصة الظهران الذين يلبسون مثل رامبو هذا غير مرض وطلب ان يجعلوا سلسلة القيادة تعمل.
بحلول أواخر أغسطس استوعبت المملكة العربية السعودية من القوات والمعدات العسكرية ما يزيد على حجم قواتها المسلحة هي وكان انتشارنا ما يزال في سرعة متزايدة وانشغلت بالشؤون الادارية انشغالا كبيرا إلاّ إنني أردت ان اشرف بنفسي على طريقة رعايتنا للجنود حال نزولهم على الارض فقد توجهت بعد عدة ايام من مجيئي إلى القاعدة الجوية في الظهران التي تؤدي وظيفة نقطة دخول رئيسية لقوات الجيش الأمريكي فعناصر الفرقة 82 المحمولة وفرقة الهجوم الجوي 101 وفرقة المشاة الآلية 24 كانت تتدفق على متن طائرات مدنية استأجرها البنتاجون.
وكنت ارتفع بناظري إلى الأعلى وأرى على مد البصر نصف دزينة على الاقل من طائرات ضخمة تحوم في شكل دائري فوق المطار على ارتفاع معين منتظرة دورها للهبوط وشخصت بناظري إلى المدرج لأرى 8 أو 10 طائرات نقل عملاقة فاغرة ابوابها الخلفية أو مقدمتها مفرغة كل انواع المعدات من هليكوبترات الهجوم إلى صناديق جرايات المؤن وتوقفت بالقرب من مكاني طائرة من شركة نورث وست 747 وراقبت جنود فرقة المشاة الالية 24 يخرجون منها إلى حرارة تناهز 130 فهرنهايت وهم يحملون على اكتفاهم جعبا ثقيلة ويمسكون اسلحتهم وقناني الماء التي أعطيت لهم توا ووقف ضباط الاستقبال وافراد الضباط وكبار ضباط الصف ووجهوهم إلى حيث سيجري اطلاعهم اما الجنود فقد اصطفوا في طابور واخذوا طريقهم إلى خيم الاستقبال الكبيرة على شفا ساحة المدرج كان ذلك يقيهم من الشمس ورغم ان درجة الحرارة في الخيم اسخن من 400 درجة.
ولو جاءوا قبل اسبوعين لما حظوا حتى بمنافع الظل والشخص الذي ابتكر فكرة نصب الخيام ـ والذي كان مسؤولاً عن طعام الجنود لبسهم ومأواهم ونقلهم ومعداتهم وطلقاتهم ـ هو الميجور جنرال جاس باجونيس رئيس القسم اللوجستي للقوات البرية العاملة في درع الصحراء والرجل الذي يطوف بي في ارجاء القاعة لتفقدها.
كان باجونيس رجلا قصيرا ينحدر من بنسلفانيا حيث يدير أبواه مطعما وهو أيضاً بمثابة اينشتاين في ابتكار طرق تحقيق الاشياء لقد حط في مطار الظهران في اليوم الاول من بدء عملية درع الصحراء ولما لم يجد مكانا يمكث فيه لف نفسه في كيس ورقد على الارض الاسمنتية اما في الوقت الذي التقيته فكان قد حصل على بناية من الامر السعودي للقاعدة الامير تركي بن ناصر واحاطها بخيام بدوية كبيرة.
توجهنا معا باجونيس وانا إلى زاوية خلفية من القاعدة حيث اشار إلى عشرات العمال الاجانب يربطون بالمسامير صفائح من الخشب لقد تعاقد مع مقاول سعودي لبناء حمامات منقولة تتغذى بالجاذبية ومراحيض تشبه تلك التي استعملناها في فيتنام وشرح لي مفتخرا ان الجنود سيتمتعون بالماء الساخن متى شاءوا لان الشمس ستسخن الخزان العلوي المطلي بلون فضي.
واتضح فيما بعد ان هذه المنظومة عملت افضل مما يجب بعض الشيء فشمس الصحراء سخنت الماء إلى حد كبير بحيث لم يستطع الجنود الاستحمام إلاّ في الليل.
رحت خلال الاسابيع التالية ارقب باجونيس وهو يبتدع كل شيء من العدم مكاتب بريد عيادات ميدان اكشاك تليفون للاتصال بالوطن منشآت راحة واستجمام اكشاك همبرجر متنقلة بل إنه ارتجل منظمته الخاصة ففي ذروة عملية درع الصحراء كان بأمرته 94 وحدة مختلفة من وحدات الاحتياط والحرس الوطني لقد كان باجونيس قائد مجموعات الاسناد التي طلبت من البنتاجون ان تستدعيها عن عموم امريكا ـ سواق شاحنات ناصبو تليفونات ميكانيكيون وغير ذلك ممن تتطلب منطقة الحرب خبرته واستطاع بطريقة ما ان يتدبر دمجهم جميعا في منظومته ولو ظهرت وحدات تفريغ السفن في وقت لا يحتاج فيه إلى مفرغي سفن فإنه يقول "اعلن بهذا منح الوحدة لقب وحدة نقل ايها الفتيان ستذهبون لقيادة الشاحنات ويبدأ هؤلاء الاحتياطيون بالتذمر لم نأت إلى هنا لقيادة شاحنة إلاّ أن موقف باجونيس يكون عندما سنتحدث عن ذلك عندما تنتهي الحرب اما الآن فليس لدينا وقت لذلك.
وتوجهت بالطائرة في نفس الظهيرة التي تفقدت خلالها القاعدة الجوية إلى ميناء الجبيل حيث كان جزءا من قوة حملة مشاة البحرية الأولى يفرغ لوازمه من نصف دزينة من سفن الاسناد القتالي التابعة للبحرية الامريكية (وهي من الوجهة التكنيكية سفن ملاحة تتقدم غيرها) رأسية في الميناء وكان كل سرب من السفن مزدحما بما يكفي من الاسلحة والمعدات ومؤن الطعام والتجهيزات اللازمة لادامة 16500 فرد من مشاة البحرية في القتال 30 يوما كانت السفن تتمركز منذ سنوات في دييجو جارسيا وهي جزيرة بريطانية صغيرة في المحيط الهندي محملة بالمعدات الجديدة ومستعدة لمثل هذه الطوارئ برنامج النشر هذا موضع خلاف بعد الحرب الفيتنامية وعلى حين ان بعض اعضاء الكونجرس اعترضوا على فكرة ترك لوازم قيمتها عشرات الملايين من الدولارات ـ عائمة هناك بدون استعمال فإنهم لا شك سعداء بتوافرها الآن وراقبت الليوتاننت جنرال والت بومر قائد مشاة البحرية التابع لي فيما يخرج موكب من دبابات م ـ 60 المتوسطة من إحدى السفن فملاني مراها حبورا.
لقد قطع لواء حملة مشاة البحرية السابع ذاته ويتألف من 15 الف رجل ـ طيرانا مسافته 10 آلاف ميل من قاعدته في توينتي ناين بالمز في كاليفورنيا كي يقترن بمعداته وتحركت بعض قطعات مشاة البحرية إلى مواقع قتالية شمال الجبيل ليحلوا محل مظليين الغرفة المحملة 82 الذين حرسوا الخط منذ بدء عملية درع الصحراء وزرت واحدة من السرايا المتقدمة على الخط كان الجنود يعملون ويتدربون ليلا في الغالب ناكثين على الأرض تحت شبكات التمويه في حر النهار ونائمين أو مكتفين بالتحديق في صحراء الخاوية وتحلق حولي شباب من مشاة البحرية للتحدث معي كان بوسعهم التشكي من كثير من الاشياء الحر نقص تسهيلات الراحة جرايات الطعام ولكن يا لدهشتي ان ما أرادوه هو معرفة الاخبار فقد اعلن السكرتير العام للامم المتحدة بيريز دي كويلار في السابع والعشرين من اغسطس انه سيتوجه إلى الاردن للالتقاء بوزير الخارجية العراق وأراد الجنود معرفة ان كان قد أحرز أي تقدم في حل الأزمة.
وقلت لنفسي "انت" ايها الغبي ماذا عن محطات الراديو؟ في فيتنام كنا نستطيع الاستماع إلى الاخبار من شبكة راديو القوات المسلحة ولكن لم يخطر لي اننا سنحتاج إلى نصب مرسلات لأجل درع الصحراء ووعدت الجنود بتوفير الصحف وأجهزة الراديو في الحال.
في أواخر النهار عدت لأحضر مؤتمرا صحافيا في فندق الظهران الدولي ورغم انه لم يمض على وجودي في السعودية إلاّ اقل من أسبوع فقد شعرت بضرورة إلاّ نكرر الخطأ المرتكب في جرينادا حين قام العسكريون بالإعاقة كانت لدي بضع دقائق سلفا لكي أجلس في جناح صغير من الغرف واستعيد رباطة جأشي ـ لقد كنت طوال النهار مع الجنود وسط حرارة تبلغ 130 درجة فهرنهايت وهذه هي اللحظة الأولى التي اختلي فيها بنفسي كنت اتوقع استقبالا وديا خاصا. رغم ان وسائل الاعلان حظيت بحرية لم يسبق لها مثيل في بلوغ قواتنا منذ بدء الأزمة فقد سمعت شكاوى عن تعذر الوصول إلى القادة العسكريين الأمريكان كنت اعرف أنه ستأتي أوقات اتعرض فيها إلى أسئلة لا أعرف أجوبتها ولن أقوم باختراع أجوبة عوضا عن ذلك سأكتفي بالقول ببساطة لا أعرف وستأتي أوقات تكون فيها معلوماتي ناقصة ويجب ان أقاوم اغراء استخلاص استنتاجات وردية وتقديمها على انها واقع كما كنت ادرك أيضاً ان أي محاولة للتستر على الانباء السيئة ستقود إلى كارثة وكان الجنرال كاريتون ابرامز مغرما بالقول الاخبار السيئة لا تتحسن بتقدم العمر كنت مؤمنا بأنني إذا تمسكت بالحقيقة فإن الجمهور الأمريكي سيعرف كيف يزن ما يتناهى إلى سمعة ويحتفظ بالأنباء حسب أهميتها.
لقد عقدت خلال سنوات العمل مؤتمرات صحافية إلاّ أنها لم تضم في أقصى الحالات أكثر من عشرة مراسلين ومصور فيديو واحد ولم أدرك ان اصول اللعبة قد تغيرت إلاّ بعد ان دخلت قاعة المؤتمر فالمكان مزدحم بحوالي 200 صحافي أغلبهم من أمريكا وبريطانيا وهناك نصف دزينة كاميرات تليفزيون منتشرة على الجدار الخلفي وبعضها يقوم ببث حي للعالم كله ورحت اجيب على الأسئلة طوال ساعة تقريبا وابقتني معاييري في وضع جد مفيد وبخاصة مع أمريكي سألني على المكشوف ان كان صحيحا اننا ما نزال بعيدين أسابيع عن التمكن من الدفاع بوجه هجوم بري أعطيت أشد جواب أقدر عليه إذا كان العراقيون على قدر كاف من الغباء للهجوم فإنهم سيدفعون الثمن باهظا وبوجود تلك الكاميرات وهي تدور ببصرها كنت أعرف أنني لم أكن فقط أخاطب جمهورا صديقا بل ان صداما وأزلامه المتنمرين يراقبونني الآن على شاشة سي. ان. ان من مقراتهم لذلك حرصت على ان يفهموا مغزى الرسالة ولكني حسب المعيار الرابع اضفت بعناية لست مستعدا الآن أعطى توكيدا مائة في المائة عن أية نتيجة في هذه اللحظة وقد أفعل ذلك فيما بعد "لم يكن بوسعي ان اقول إننا مستعدون للدفاع عن المملكة واننا لا نملك القوات ـ الكافية في المكان لتقديم ذلك التوكيد الواقع ان حقول النفط كانت ما تزال هناك لتؤخذ رغم ان تكاليف أخذها تتزايد كل يوم بالنسبة للمهاجم.
15 سبتمبر (أيلول) 1990 ـ يوم ب + 39 الساعة 900
رحلة قطر الأمير الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني اخبر ق. ع انه معجب بردنا السريع وقال ان اولئك الذين يساعدون الاصدقاء في المحنة تبقى ذكراهم مدى الزمان وتحدث الأمير عن صورة العرب لدى الشعب الأمريكي يؤكدون جهودنا في الخليج رغم انك لا تستطيع ان تحصل على 80 في المائة ممن يحبون الآيس كريم.
لم أكن أعتبر صداما على قدر كاف من الطيش (التهور) للبدء في حرب مع الولايات المتحدة لكني لم أكن على استعداد للمراهنة على ذلك بحياة جنودي فصدام طاغية محاط بحفنة من الخانعين الذين يقولون نعم دائما وبما ان ايا من الواقفين إلى جانبنا لا يعرف نواياه فقد كان علينا ان نفترض انه إذا كان قادرا على شيء ما من الناحية العسكرية فإنه قد يفعله.
رصدنا قواته عن كثب وكان ضباط استخباراتي يقدمون لي كل ليلة آخر المستجدات وكان وضع القوات العراقية كل ليلة يبدو وقد اختلف قليلا راقبنا تحركات قواتهم في مواضعها وهم يمدون الطرق من أراضيهم إلى ما داخل الكويت وكنا نأمل بتحليل مثل هذا النشاط ان نحرز خططهم ولكن فائدة ذلك كانت تبدو لي خلال أسابيعي الأولى في الرياض كفائدة فرز وريقات الشاي فالعراقيون منتشرون على نحو يتيح لهم الانتقال من الدفاع إلى الهجوم في ظرف 24 ساعة لكن ما كان واضحا هو ان القوات ظلت تتدفق على الكويت والاجزاء المجاورة لها من العراق وكان ضباط استخباراتي يرسمون باستمرار دوائر على صورهم تحيط بتجمعات جنود ومعدات تمثل وحدة جديدة وتصاعدت الارقام بشكل مخيف لقد تحدثت سابقا لدى قيامي باطلاع الرئيس في منتجع كامب ديفيد عن قوة عراقية قوامها 100 الف جندي و 850 دبابة في الكويت ولكن سرعان ما وجدنا أنفسنا نواجه أكثر من ثلث مليون جندي و2750 دبابة كما زج العراقيون قرابة 1500 قطعة مدفعية كما كنا نتعرف على إطلاق قذائف كيمياوية سامة.
ولم تلمح مؤشرا واضحاً على تخلي العراق عن فكرة غزو السعودية واتخاذ موقع دفاعي إلاّ في منتصف سبتمبر (ايلول) قبل ذلك كانت فرق الحرس الجمهوري قد تراجعت قليلا عن الحدود السعودية اما الآن فان الوحدات المدرعة قد ابتعدت عن الحدود هي الاخرى وتقدم محلهم الآلاف من جنود المشاة الذين راحوا يحفرون التحصينات والاستحكامات متهيئين كما هو جلي لحصار طويل.
واقامت الوحدات المدرعة مواقع تعزيز خلف المشاة مباشرة في هذه الأثناء انتقلت وحدات الحرس الجمهوري ابعد إلى المؤخرة تاركة الكويت كليا ومتمركزة داخل العراق (لربما كان القادة العسكريون العراقيون يعتقدون أننا حتى لو حاولنا استعادة الكويت فإننا لن نهاجم قط على ارضهم وهذا الانتشار كان يعطيهم الخيار اذن في ان يندفعوا إلى الكويت في هجوم مضاد أو إذا كان ذلك يشكل مجازفة أكبر مما ينبغي ان يظلوا أمنين على جانبهم من الحدود مثل القوات الفيتنامية الشمالية التي اختبأت وفي كمبوديا).
لو كان باستطاعة صدام ان يتجسس علينا في مطلع سبتمبر لرأى كم هو مصيب في نأيه عن الهجوم (من بين أكبر مثالب العراق بالطبع افتقاره إلى تكنولوجيا المراقبة الحديثة).
وتبلورت عملية درع الصحراء عسكريا كما رسمناها في خطتنا ففي منتصف سبتمبر أخذت الطائرات المقاتلة بأمره تشاك هورنر تقوم بأكثر من 700 دورية ومهمات تدريبية في اليوم انطلاقا من 21 قاعدة جوية كاملة التجهيز رغم ان بعضها لم يزد على كونه مدرجا عاريا قبل شهر وحسب ولو خطر للعراقيين ان يهاجموا البراً لتولاهم هورنر بقوة عاتية من طائرات ف ـ 15 و ف ـ 16 أو 10 ان طائرة أ ـ 10 نفاثة قبيحة ثقيلة التسليح يلقبونها ب " الخنزير الوحشي " بسبب شكلها الغريب ان هذه الطائرة مزودة بصواريخ هلفاير ومسلحة بمدفع حاتلنبح الفعال بما فيه الكفاية لاختراق درع ثقيل ولها غرض واحد لا غير ان تحلق على ارتفاع منخفض وتمضي بسرعة بطيئة فوق ميدان المعركة لتمزق الدبابات.
كما بنينا ستارا فولاذيا ضد الهجمات الجوية العراقية فلو أن قاذفة عراقية غامرت بالتحليق فوق الارض السعودية فإن مقابلات هورنر من طراز ف ـ 15 و ف ـ 16 كانت ستسقطها على مبعدة 10 أميال من الحدود علاوة على ذلك تحلق في أعالي الأجواء السعودية طائرات الأواكس (نظام الانذار والسيطرة المحمول) وعلى متنها ضباط سيطرة يرصدون كل ما يحلق على كلا الجانبين وينسقون العمليات الجوية الأمريكية مع العمليات الجوية لسبعة أطراف حليفة في الأقل وكلما ازداد عدد البلدان الملتزمة بإرسال قوات قتالية تضاءل احتمال ان يهاجم صدام السعودية. وقويت عزائمي كلما تنامت أعدادنا فالقوة الجوية المتحالفة من الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا والكويت والمملكة العربية السعودية والبحرين والامارات وقطر فاقت القوة الجوية العراقية عددا بنسبة ثلاثة إلى واحد.
وفي ميناء الدمام قرب الظهران وصلت سفن الشحن البحري السريعة ملأى بملايين الاطنان من معدات وتجهيزات القتال وتدفقت قوافل الشاحنات والعربات المدرعة من أرصفة الميناء إلى منطقة تجمع فرقة المشاة الآلية 24 بقيادة الجنرال باري ما كفري حيث التحمت الويته المقاتلة بدباباتها وناقلات جنودها المدرعة وفي قاعدة الملك خالد الجوية شمال الظهران التحمت الألوية القتالية لفرقة الهجوم الجوي 101 بقيادة الجنرا لبيني بي مع هليكوبتراتها وتضمنت هذه عشرات من طائرات اباتشي الحاملة للصواريخ والمزودة بمعدات رؤية ليلية والقادرة على تدمير دبابات العدو في الظلمة الدامسة من مسافة 5 أميال.
وإذا جمعت هذه الوحدات ذخائرها وتجهيزاتها وانتقلت إلى الميدان باتت مهمة الجنرال ماكفري ان يثبت مع هذه الوحدات مسافة 300 ميل شمالا ليحتل رقعة بطول 80 ميلا وعرض 60 ميلا مواقع مشاة البحرية المتمركزة حول الجبل وكان على الجنرال بي ان يؤسس قواعد على طول ميسرة ماكفري حيث تستطيع هليكوبتراته وجنوده من هناك الدفاع عن قوس صحراوي طوله 100 ميل إلى الشمال والغرب ويتوجب على لواء من الفرقة 101 ان يقوم مؤقتا بمهمة الشاشة العاكسة متوغلا في مقدمة المواقع الأمريكية بهدف رصد وإعاقة وإفشال أي هجوم للعدو اخيرا يفترض ان يصل فوج الفرسان المدرع الثالث بقيادة الكولونيل دوج ستيوارت ليتولى هذه المهمة.
في غضون ذلك دفع السعوديون قواتهم طول الطريق إلى الحدود الكويتية وكانت المسألة بالنسبة إليهم مسألة شرف ان تكو أولى قطرات الدماء المسفوحة دفاعا عن المملكة دماءهم هم لذلك نشر خالد لوائين آليين ولواء مشاة على طول الممر الساحلي المفضى إلى الجبل ولواء آخر يتألف في غالبيته من وحدات مقاتلة من بلدان الخليج الأخرى على طول الطريق العام الغربي المفضي إلى مدينة الملك خالد العسكرية ورغم ان هذه القوات كانت أخف من أن تحتمل هجوما عراقيا فقد أمرت بالدفاع عن مواقعها حتى الموت.
وتنفست الصحراء قليلا كل يوم وانا أرى وحداتنا تستقر في المواقع المطلوبة كنت ادرك ان هناك قدرا هائلا من العمل ينتظر الانجاز من أجل تقوية دفاعنا كان مقررا وصول فرقة أمريكية أخرى وكان علينا ان نحدد كيف نحبك قوات قتالية من مصر وسورية وبريطانيا العظمى وفرنسا حبكا متناغما في خطة القتال وبحلول منتصف سبتمبر وتصادق ذلك عرضا مع انتقال العراقيين إلى تشكيلات دفاعية كان بوسعي ان اقول لكولن باول "لا داعي لأن نقلق من وقوع هجوم علينا بعد الآن فليس من سبيل أمامهم لاحتلال حقول النفط بأية صورة".
وحتى لو خطر للعراق ان يهجم بكامل دباباته البالغة 2750 على طول المدخل الاوسط إلى المملكة أي عبر الثغرة التي صعقتني في اليوم الاول لوصولي فقد كان بوسعي أن اضمن ايقافه وامرت جون يوسوك ان يصنع من باب الاحتراز المؤقت حتى بناء المزيد من القدرة القتالية في المملكة العربية السعودية خطة طوارئ لتحويل عناصر من الفرقتين 82 و 101 لسد الثغرة قبل ان يتوغل العراقيون أبعد مما ينبغي. وقد كان في مقدور تلك الوحدات معززة بالقوات الجوية ان تؤدي المطلوب. وكانت تكتيكاتنا المرسومة لحالة وقوع غزو عراقي تتضمن الاذعان للهجوم الأولى وجر طوابير العدو إلى الصحراء السعودية والاغارة عليها بطائرات اباتشي و أ ـ 10 فيما هي تتقدم وقصف خطوط إمدادها بحيث إذا وصلت القوات العراقية للتصادم مع المواقع الدفاعية بقيادة الجنرالات ما كفري وبي وبومبر 125 ميلا جنوب الحدود الكويتية فإنها قد تكون قد استنزفت من قواها الكثير ولا يعود في مقدورها بسيطرتها وكانت هذه المعركة ماثلة في خطة العمليات الأصلية التي وضعناها وكانت ستنزل بصدام هزيمة ساحقة.
19 سبتمبر 1990 يوم ب + 43 الساعة 1345 ق. ع
يلتقي وزير الدفاع الكويتي الشيخ نواف الاحمد الجابر الصباح مع ق. ع اخبر الوزير أننا جلبنا في ستة اسابيع قوات اكبر مما جلبناه في سبعة أشهر إلى فيتنام استطلع ق. ع والوزير الخرائط ومواقع في الكويت حيث حضر العراقيون مواضع تمركز قال الوزير متى؟ ق. ع قال ان الاوامر المعطاة له مصورة بالردع والدفاع.
ازدادت التوترات ثانية نهاية سبتمبر هدد صدام بشن ضربة وقائية ضد إسرائيل وإيذاء بعض رهائنه وطلب المجلس الحاكم من الشعب العراقي ان يتهيأ الى "ام المعارك" الا ان الخطاب المنذر بالهلاك ما كان ليزعجني الآن قدر ما كان سيقلقني لو جرى قبل سحب الحرس الجمهوري وقبل نقل طلائع وحداتنا المدرعة في الاماكن المرسومة ولما سألتني الصحافية تشارلاين هنتر ـ جولت من صحيفة ماكنيل ليرر نيوزاور "في مقابلة اجرتها معي" ان كنت اعتقد أن صداما يحاول إشعال فتيل الحرب أجبتها أظن أن اليأس يستولي عليه.
واعتقد ان العقوبات بدأت تؤذيه وقلت له ان يرفع وتيرة الخطاب اللفظي لتخويفنا ليس الا فذلك هو كل ما بقى في جعبته.
إن الهزيمة الوحيدة التي كانت تراودني الآن هي هزيمة رمزية فلو استطاع صدام تسريب بضع طائرات خلسة عبر خطوطنا الدفاعية فمن شأن ذلك أن يسبب حرجا كبيرا للولايات المتحدة فلقد حشدنا عدد هائلا من الطائرات في قاعدة الرياض الجوية على سبيل المثال بحيث بدت مثل رصيف حاملة طائرات وكان بحوزتنا ما قيمته مليار دولار من طائرات الاواكس مصطفة على ساحة المطار ناهيك عن عشرات النفاثات الاخرى لم يكن ثمة من سبيل لحل مشكلة الازدحام الفائق فلا مكان آخر لدينا لوضع الطائرات ولكني كلما طرت من او نزلت في ذلك المطار خطرت لي هذه الفكرة إذا استطاعت طائرة واحدة للعدو ان تخترق خطوطنا وتضرب هذا المكان فإن...
إن الانفجارات الثانوية وحدها كفيلة بتدمير الاسطول الجوي بأسره وعندها اجدني مضطراً للاتصال بتشاك هويز لاقول اضمن لي الا تخترق طائرة واحدة شبكة دفاعك الجوي.
فيقول "لن تتمكن حتى طائرة واحدة من اختراق الشبكة لا داعي لأن تقلق حول ذلك".
27 سبتمبر 1990 يوم ب + 51 الساعة 900
ارتحل ق. ع الى منطقة الحدود الشمالية في نقطة التوقف الاولى لم يستطلع ق. ع الارض فحسب بل واجه على نحو غير متوقع جنديين عراقيين هدهما الجوع والعطش.
لقد جاء هذان الجنديان الى مخفر شرطة سعودي طلبا للطعام والماء اخذناهما الى غرفة معزولة وتفقد ق. ع شاحنتهما ومعداتهما.
كانت الشاحنة في حالة مزرية من الصيانة واقنعة الوقاية من الغازات السامة محشورة بمادة اوراق الرزم ما يشير الى ان الجنديين لم يحضرا الاقنعة للاستعمال.
لقد كان في مقدور القيادة المركزية ان تتباهى بالنجاح الكبير الذي أحرزته لقد نقلنا من القوات اكبر عدد لأبعد مسافة وبأقصى سرعة ولم يحصل مثل هذا في التاريخ من قبل كما نفذنا الاوامر المعطاة لنا حرفيا بردع العدوان العراقي وبناء دفاع منيع في المملكة العربية السعودية.
بعد فترة قصيرة من وصولي الى الرياض قمت بجولة لزيارة البلدان الاصغر في الخليج التي فتحت حدودها للقوات الأمريكية البحرين قطر عمان والامارات العربية المتحدة اردت ان اشكر قادتها شخصيا على توفير المطارات والموانئ التي نحتاجها حاجة ماسة كما أردت أن أتأكد من ان التدفق الهائل للقوة القتالية الامريكية لم يربكهم فالبحرين على سبيل المثال جزيرة صغيرة وتتألف محمل قواتها الجوية من 18 طائرة اما الآن فإن مئات الطائرات الأمريكية تستخدم مدارجها وعشرات السفن الحربية تجوب شواطئها.
وقد أدهشني ما وجدت دهشة عظيمة رغم ان عرب الخليج ليسوا في العادة صقورا عدوانيين فإن كل زعيم تحدثت معه اراد ان يهاجم ويدمر القوات العراقية في الكويت فالشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ولي عهد البحرين عبر عن ذلك ببساطة قائلا لقد بدأت حربنا مع العراق اصلاً "وسمعت الرأي نفسه يتردد في الخليج من اقصاه إلى اقصاه ولم يكن بينهم من يذرف الدموع على الضربة الماحقة التي تعرضت لها أسرة الصباح الحاكمة في الكويت ـ فجيران الكويتيين يرون بالحق أو بالباطل أن الكويتيين متغطرسون بثروتهم والغطرسة خصلة تثير الاستهجان في العالم العربي إلا إن صدام اعتدى على شقيق عربي دون أن يعتدي عليه وراح الآن يهد بلدانهم بعدوان مماثل ـ وما كان بمقدور أي منهم ان يحيا في ظل خطر كهذا ولم يقتصر الشيخ حمد على حث الولايات المتحدة بازاحة الشر المستطير الجاثم في العراق بل وعد أيضاً بأن تقاتل قواته إلى جانبنا وقال على أمريكا ان تقود ونحن مستعدون للسير وراءها".
لقد أثار ذلك أعصابي لسببين أولاً أن السعوديين انفسهم لا يبدون كبير اهتمام بالانتقال إلى الهجوم لذلك فإن مهاجمة العراقيين من الأرض السعودية بدت خارج السياق وكان سلوك خالد يعكس موقف الملك فهد والامير سلطان وبقية الأسرة المالكة. كان خالد يقول في بعض الأحيان "إلا أن عبارته التالية هي دوما لا إننا لا يمكن أن نهاجم اشقاء عرب".
كنت أعرف أيضاً ان العسكريين الأمريكان لم يأتوا إلى الشرق الأوسط لازاحة العراق من الكويت فأوامرنا تنص ببساطة على الردع والدفاع وواشنطن تعمل بدأب على إيجاد حل دبلوماسي للأزمة كنت أتمنى في أعماق قلبي تسوية تفاوضية تصون حياة جنودنا والآن وانا أرى إلى ما يصبو إليه عرب الخليج من آمال ومضى لي بصيص فكرة حول كيفية تدبير ذلك حقا اذا وافق صدام على الانسحاب فإن بوسع الأمم المتحدة والولايات المتحدة أن تعلن أنها حققت نصرا دبلوماسيا لأنها تفادت الحرب وأعادت الكويت إلى أصحابها الشرعيين.
ومن الجائز أن يكافأ أحدهم بجائزة نوبل للسلام ولكن بقدر ما يتعلق الأمر بعرب الخليج مفاده التسوية التفاوضية ستكون بمثابة كارثة فصدام سيبقى جالساً هنا بترسانته منتظرا سنوح الفرصة لكي يجعل جيرانه يدفعون ثمن تعاونهم مع الغرب ومن الواحض أن عرب الخليج أدركوا شيئا فات مدارك ـ واشنطن ان أي شيء أقل من هزيمة العراق في الكويت هي فرضية خاسرة من الوجهة الاستراتيجية.
28 سبتمبر 1990 يوم ب + 52 الساعة 1700
تلقى ق. ع مكالمة من رئيس هيئة الأركان رئيس 5. أ أخبر ق. ع ان المزاج يتغير في الولايات المتحدة ويصبح أقل نزوعا للحرب.
إن مسلسل الحرب الأهلية المعروض في التليفزيون كان له أثر موقظ على الكثيرين.
 
الفصل الخامس
أكتوبر (تشرين الأول) 1990 يوم ب + 55
الساعة 10.00 ضابط الشؤون العامة اطلع ق. ان الميجور جنرال باجونيس سيفتح مركزا للراحة والاستجمام للفرقة المحمولة 82. قلق ق. ع لسماع هذا التقرير بسبب عدم توافر تجهيزات لإقامة مثل هذه التسهيلات لقوات الجيش الأخرى المنتشرة في عمق أبعد في الصحراء.
2 أكتوبر 1990 يوم ب + 56
الساعة 10.00 خلال الاستماع إلى التقارير حول آخر المستجدات أطلع ق. ع على خطة لبناء قواعد مخيمات عديدة في أرجاء السعودية وأبلغ ان الأركان صادقت على بناء ست مخيمات منها ق. ع ابلغ الأركان أنهم لا يتمتعون بصلاحية المصادفة على تشييد المخيمات وطلب تقريرا مفصلا حول ذلك قبل صرف فلس واحد.
كانت خطة "الرعد الوشيك" جاهزة منذ مطلع سبتمبر (ايلول) وقد عمل الجنرال بستر جلوسون كبير المخططين العاملين بأمره تشاك هورنز، على توسيع مخطط الرد الثأري الذي صاغته أركان الجو في البنتاجون ليحوله إلى أفضل حملة جوية سبق لي ان شاهدتها. توفر لنا الخطة مدى واسعا من خيارات الهجوم ويمكن تنفيذها كعملية قائمة بذاتها، أو كجزء من حرب أوسع وقد أطلعوني على فحواها بعد وصولي إلى الرياض. وقد أخبرت باول متحمسا على التليفون لدينا خطة قصف الآن وإذا أردت تنفيذ ضربة جوية فقط فنحن مستعدون.
إلا إن قوات صدام زادت استحكاماتها ومتاريسها، ولا حاجة بك لأن تكون كلاوزفيتزكي تدرك اننا بحاجة إلى خطة هجوم بري فلم تكن دول الخليج تحثنا على طرد العراق من الكويت فحسب، بل ان باول نفسه أوضح. وان يكن بدون إصدار أمر رسمي. إن واشنطن تنتظر بفارغ الصبر ورود "خيار هجومي" من القيادة المركزية ووجدنا أنفسنا، هيئة أركان وانا، مربكين حقا، فمهما بحثنا وقلبنا الأمر مرات ومرات لم نر سبلا إلى دفع قواتنا المتاحة إلى هجوم ناجح.
ولما استحسن تفكيرنا ورأيت ان الابداع هو ما ينقصه، بعثت برقية إلى الجيش في مطلع سبتمبر (أيلول) طالبا فريقا جديدا من المخططين وفي منتصف الشهر نفسه حصلت على مبتغاي فريقا من أربعة ضباط من خريجي مدرسة الدراسات العسكرية المتقدمة وهي برنامج أمده سنة للنخبة من الضباط في كلية القيادة والأركان العامة. ويتركز اصلا على تخطيط الحملات العسكرية اطلعنا أفراد الفريق على تفكيرنا حتى الآنم أوعزت لهم التوجيه التالي، افرضوا ان هجوما بريا سيلي الحملة الجوية، أريدكم ان تدرسوا أوضاع العدو وطبيعة الأرض، وان تخبروني عن أفضل السبل لطرد العراق من الكويت بشرط استخدام القوات المتاحة امهلتهم أسبوعين لإعداد الجواب.
بعد عدة أيام تلقيت مكالمة هاتفية من سفيرنا تشارلز فريمان الذي قال إنه بحاجة إلى أن يتحدث معي أخذت طريقي إلى السفارة الأمريكية في اليوم التالي كان مبنى مكاتب السفارة الحديث المؤلف من عدة طوابق يقع على شارع طويل في ضواحي الرياض تحفه أشجار النخيل.
كان ذلك الجانب من المدينة قد خصص للسفارات، مقلصا على هذا النحو عدد الأجانب في وسطها كان مكتب تشارلز وهو مكتب متواضع في الطابق العلوي حافلا بالمصنوعات اليدوية العربية والصينية وتتوسط رقعة الجلوس في المكتب صورة فوتوغرافية للقاء الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز آل سعود على ظهر باخرة أمريكية في قناة السويس في فبراير (شباط) 1945.
كان تشارلز رجلا متوسط الطول في أواخر عقده الرابع ويتميز بعينين ثاقبتين وابتسامة لطيفة وصوت لين وهو واحد من القلة في السعودية ممن كانوا يعرفون منذ البداية ان القيادة المركزية تعمل على وضع خيار هجومي. بدأ تشارلز الحديث إنني قلق بصدد تخطيطكم الهجومي قبل ان تقطعوا شوطا بعيدا جدا على هذا الدرب يتوجب ان اسألك هل أنت قانع بأنك مدرك لما نحاول إنجازه على الصعيد الاستراتيجي.
قلت "كلا" إنني كمن يعمل في الظلام الأوامر الوحيدة. المعطاة لي هو الردع والدفاع وافترض ان الهدف من الهجوم هو تحرير الكويت وتدمير القدرة العراقية على تهديد دولة الخليج ولكن لم يبلغني احد ان ذلك هو ما نحاول القيام به.
قال "إذا دخلت الولايات المتحدة الحرب مع العراق، فإن ذلك يمكن أن يسبب نوعا من الهزة في العالم العربي ولا أدري ان كان احد في واشنطن قد فكر في ذلك مليا.
اجبت "طيب" من الأفضل ان نبدأ بمعاينة ذلك كان تشارلز يردد صدى القلق الذي استبد بي منذ وصولي إلى الرياض كنت أحرص مطلقا على أننا إذا هجمنا على صدام فجيب ان نفوز لا في ميدان المعركة وحده بل في كتب التاريخ أيضاً. وهذا يشمل كتب التاريخ العربي لم يكن ذلك شأنا عسكريا صرفا بحرفية التعبير لا مجاز وكان يجب علينا ان نتحاشى اعطاء الانطباع بأن الاستعماريين الغربيين قد فرضوا إرادتهم من جانب واحد. لذلك عزمت على التخطيط بذكاء، لذا نظمت القيادة المركزية ما اسميناه "ندوه رد الفعل العربي" واجتمعت زينه من الخبراء في غرفة تقارير الإطلاع وهم خبراء من السفارة والقيادة المركزية دبلوماسيون وضباط جيش وبحرية وقوة جوية ممن عاشوا سنوات في العالم العربي جلست إلى طرف طاولة كبيرة وجلس على الطرف المقابل في العالم العربي جلست إلى طرف طاولة كبيرة وجلس على الطرف المقابل في العالم العربي جوردن براون. الذي خلف ستان ايسكوديرو كمستشار سياسي للقيادة المركزية وراح يدير النقاش تركز جدول العمل على معاينة قائمة طويلة من الاعمال العسكرية المحتملة التي قد تتخذها الولايات المتحدة ضد العراق وتخمين أي عمل إذا نفذ ـ سيكون مقبولا للحكومات والشعوب العربية فلو أكتفينا مثلا بشن هجوم جوي واسع النطاق هل تبقى دول الخليج على علاقاتها مع الولايات المتحدة والقيادة المركزية بعدئذ وهل سيكون هناك هدير شعبي برغم الحكومات على الابتعاد عن الولايات المتحدة، وماذا بشأن هجوم بري برغم العراق على الانسحاب من الكويت ولكنه يترك الماكينة العسكرية العراقية الضخمة بلا مساس؟
رحنا نزن مختلف الخطط على مدى أكثر من أربع ساعات ادركت بعدها أنني طرحت السؤال بصورة مغلوطة ان أي هجوم سيكون من الناحية الفعلية مقبولا إذا لبى شرطين أولا ان تقاتل قوات عربية بإعداد معقولة إلى جانبنا، ثانيا يجب أن ننتصر عذرها ستذكر الحرب على أنها حرب أمم أوروبية مع أمم عربية ضد صدام حسين انطلاقاً من ذلك لم يبق لنا سوى ان نجتاز خطوة قصيرة للوصول إلى ما صار مبدأ ثابتاً في تخطيطنا في أي حرب بريه ضد العراق قلت لاركاني يجب ان تتولى القوات العربية أمر تحرير مدينة الكويت.
3 أكتوبر 1990 يوم ب + 57
الساعة 8.00 غادر ق. ع لزيارة حاملة الطائرات الأمريكية "اندبندنس" في الخليج كانت تلك رحلة بحرية تأريخية لأننا لم ندخل حاملة طائرات إلى الخليج منذ 1974.
5 أكتوبر 1990 يوم ب + 59
الساعة 16.30 ق. ع خرج في جولة في منطقة قرية الاسكان خلال الزيارة لم يرتح ق. ع لمستوى المعنويات، وتسهيلات الراحة أو الواقع ان حمام السباحة لا يعمل وجه القوة الجوية بحل المشكلة.
اكتوبر 1990 يوم ب + 60
الساعة 17.30 ق. ع تلقى تقرير اطلاع عن مخيم قاعدة اوصت الاركان باكمال ستة مخيمات قاعدية جرى التعاقد عليها اصلا، مع خطة لبناء 24 مخيما آخر المطاف ق. ع حذر الاركان من السماح لقواتنا بـ "الجلوس ثقالا" على غرار أسلوب مخيمات القاعدة في فيتنام قال إن ذلك لا يجعلها فقط أهدافا مريحة بل يجعلهم أيضاً أقل استعداداً للحركة في الختام أعطى اذن الشروع بأول ست مخيمات وأوعز بأن نمضي في المخيمات الأخرى ببطء.
في السادس من أكتوبر قدم لنا سحرة التخطيط خطة المعركة المقترحة من جانبهم واتضح انها تماثل بالضبط ما "خربشت" خطوطه العامة على قصاصة الورق قبل شهرين من الهجوم مباشرة على الكويت الاستيلاء على مفترق الطرق العام شمال شرق العاصمة الكويتية والاحتفاظ به أصغيت إلى شرح المخططين وايقتت بصورة قاطعة ان هذا هو أفضل سببيا ممكن ما لم يرسل الرئيس من القوات وقد أعجبتني الخطة الآن أقل مما أعجبتني حين فكرت من تلقاء نفسي، فاولا ان الهجوم يفتقر إلى أي عنصر مفاجأة فهو اندفاع مباشر في الوسط بين اشداق الدفاعات العراقية تماماً. وحتى لو افترضنا ان الأمور سارت سيرا حسنا، فإن الإصابات ستكون كبيرة، وان فريق مدرسة الدراسات العسكرية المتقدمة قد قدر الإصابات (يتفاؤل، كما أظن) بـ 8 آلاف جريح و 2000 قتيل في صفوف القوات الأمريكية دون ان يتضمن ذلك الاصابات الجماعية المحتملة من جراء الاسلحة الكيماوية التي يستحيل تقدير حجمها جلست هناك متخيلا نصف دزينه من السيناريوهات التي يعجز فيها الهجوم عن التقدم، فإن وقعت فرقة من الفرق في ورطة مثلا فلن يكون ثمة زج كل الوحدات المدرعة الأمريكية والحليفة دون ان تتمتع أية واحدة منها بسند احتياطي وحتى لو نجحنا في الاستيلاء على مفترق الطرق فإن بوسع العراق ان يرمي بجيشه الضخم إلى شمال الكويت يوجهنا في هجوم مضاد تتبع ذلك حرب استنزاف يتمتع فيها العراق بأفضلية حاسمة من جراء تفوقه العددي.
كما خامرتني الريبة أيضاً ان القوات التي وعدنا بها حلفاءنا ستأتي إلى مسرح الحرب في الوقت المناسب أو أن حكوماتها ستسمح لها بالاشتراك في الهجوم فاللواء البريطاني المدرع السابع (جرذان الصحراء، الشهير منذ الحرب العالمية الأولى) لن يأتي حتى منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) أو الفرقة الفرنسية المدرعة الخفيفة السادسة فقد وصلت الا أنها لم تنتشر بعده والفرقة الآلية المصرية الثالثة كانت ما تزال في مصر بانتظار إذن القدوم من السعوديين أما الفرقة المدرعة التاسعة السورية فقد كان يفترض انها في طريقها الا أن موعد وصولها غير معروف، وضمنت ان ديسمبر (كانون الأول) هو أقرب تأريخ لتمركز هذه الوحدات في الموقع الصحيح. اتصل كولن بأول عصر ذلك اليوم موجها الأمر لي بارسال فريق لتقديم تقارير الاطلاع إلى هيئة رؤساء الأركان المشتركة والوزير تشيني ولربما الرئيس حول عاصفة الصحراء. حذرته قائلا يجب أن أقول لك إننا بقدر ما يتعلق الأمر بالهجوم البري لا تزال لا نمتلك أي شيء.
أجاب: طيب، ولكن خطة هجومك الجوي جيدة تماما إلى حد أنني أود ان يسمعها هؤلاء الناس ولا يمكن بالطبع ان تطلعهم على الخطة الجوية فقط ويجب أن تطلعهم على الخطة البرية أيضاً.
شعرت بشيء يغوص في جوف معدتي، فازاء تمنع العراق عن إبداء أية بادرة في الاستجابة لحظر الأمم المتحدة، وإزاء وجود أكثر 200 ألف شاب أمريكي يتحمصون في الصحراء السعودية، ارتبت في أن تكون واشنطن أخيرا على وشك مواجهة السؤال الملح ما الخطوة التالية، وعادة إلى مخاوفي القديمة في أن نؤمر بالقيام بفعل أحمق قلت بجدة أود أن أتولى تقديم تقرير الاطلاع بنفسي.
" لا، ابق في مكانك إذا جئت أنت إلى واشنطن تسبب ذلك في رواج الكثير من الشائعات".
ـ نرسل تشاك هورنر؟
"كلا، تتكرر نفس المشكلة".
ـ دعني ارسل رئيس أركاني في الأقل، هكذا رحت أحثه وافق باول أخيراً.
تركت التليفون وأنا أتميز غيظا، وأمرت جوب جونستون ان يهيئ فريق اطلاع جاهزا للرحيل في ظرف 24 ساعة بدا لي رفض باول لمجيئي إلى واشنطن لا معنى له ففي كل حرب يستدعي قائد الميدان إلى الوطن للتشاور دوريا، فايزنهاور استدعى وماك ارثر استدعى وويستمور لاند وابرامز استدعيا طوال الوقت، الأدهى من ذلك أنني خاضع لأوامر تقضي بأن أرسل لهم خطة كنت مؤمناً أنها ستنتهي إلى حمام دم.
في صباح اليوم التالي ظهر كارل فونو في زيارة للميدان منذ أمد بعيد حاصرته تماماً منفسا عن شعوري بالاحباط "كارل" انتم يا رجال هيئة الأركان المشتركة يفترض بكم ان تكونوا المستشارين الأساسيين للرئيس حول أمور الحرب، لماذا يطلب مني ان أرسل إلى واشنطن خطة هجوم لا أؤمن بها؟ ان هؤلاء الذين تتحدث عنهم هم جنود جيشنا، انت، بصفتك رئيس اركان الجيش يجب أن تخبر الرئيس أننا لسنا في وضع يتيح الانتقال إلى الهجوم ما لم تتوافر له قوات أكثر.
رد على فونو، الكاره للمصادمات ببساطة قائلا: "نورم، انك تقوم بعمل رائع ونحن جميعا نقف وراءك مساندين إياك مائة في المائة". ونشرت الصحافة في ما بعد تقريرا يقول انه اشتكى من ان اجتماعنا الذي استغرق ساعة كان أشبه بجلسة علاج نفسي طولها 4 ساعات.
ونظرا لأنني لم أستطع الذهاب إلى واشنطن بنفسي، فقد وجهت ضباطي وبرمجت تقرير الاطلاع الذي سيقدمونه بدقة من يبرمج معركة كبرى ان يستر جلوسون سيستعرض الهجمات الجوية للاطوار الأول والثاني والثالث، يعقبه الليوتاننت كولونيل جو بورفيس، رئيس فرقة التخطيط من مدرسة الدراسات العسكرية المتقدمة، ليستعرض الطور الرابع من العملية وهو الهجوم البري وبعد أن أصغيت جيدا إلى استعراضاتهما، القيت نظرة على كل واحد منها وقلت، ان احد الاشياء تدور لصالحنا هي إننا لن نخدع الرئيس بهراء القول وسخيفه، يجب ان تشرحوا ما هي قدراتنا، لكن لا تقولوا للرئيس أننا قادرون على فعل شيء لا نستطيعه فليس هذا وقت الادعاء بالقدرة لا تعطوا تخمينات عند الإجابة عن الأسئلة اقصروا ردودكم بدقة على ما قمنا بتحليك، ولا تعطوا آراءكم الشخصية وإذا سمعت ان أيا منكم فعل ذلك فسأعفيكم من واجباتكم أو أعيدكم إلى بيوتكم لا أريد أي واحد يقول شيئا قد يؤدي إلى مقتل الآلاف من الأمريكيين بلا داء، كنت واثقا تماما من ان الجميع فهم مقاصدي بجلاء.
لقد اعتاد جونستون وجلوسون على اسلوبي هذا في الحديث مرارا من قبل واكتفيا بإيماءة من الرأس، أما الضباط الشباب جماعة مدرسة الدراسات العسكرية المتقدم فقد اصفرت وجوههم. لكنني لم أكمل كلامي بعد طلبت من جونستون ان يأتي إلى مكتبي حيث أعددت له ثلاثة سلايدات ليعرض ويلخص تحفظاتي عن مشاركة الحلفاء عن غياب الاحتياطي، عن واقع إننا بحاجة إلى إقناع السعوديين بالموافقة على الهجوم وعن خطر استصغار القدرة القتالية العراقية، بعد ذلك كتبت سلايدا ختاميا مشيرا إلى أن القيادة المركزية قد أنجزت المهمة التي أسندها إلينا الرئيس الدفاع عن المملكة العربية السعودية، وعدت إلى النقطة التي رفعتها في كامب ديفيد قبل أيام من المشروع في عملية درع الصحراء التخطيط لهجوم لا يتمخض عن كارثة عسكرية يتطلب "فيلقا ثقيلا" آخر مؤلفا من فرقتين مدرعتين ومما جاء في النص الذي كتبته عن السلايد.
تقرير القائد العام
خطة الهجوم البري هشه، لا تملك القدرة على الهجوم في البر في هذا الوقت تحتاج إلى فيلق ثقيل اضافي لضمان نتيجة موفقة خطة الدفاع متينة، ومثلما ودعنا الرئيس خلال الأسبوع الأول من أغسطس فإن القوات المسلحة الأمريكية قادرة الآن على الدفاع عن المملكة العربية السعودية وتنفيذ طائفة واسعة من الهجمات الثارية ضد العراق.
التفت إلى جونستون وقلت حين ينهى بورفس شرح الهجوم البري، أريدك ان تقف وتختتم تقرير الاطلاع بهذه السلايدات، أو مابوب برأسه موافقا وعلى وجهه امارات تجهم كان يشاطرني تحفظاتي حول الخطة ولكن ليس من المألوف ابدا أن ينهى قائد عسكري تقريره بالتشكيك بصحة الوصف الذي يقدمه واصلت الحديث قائلا: لا أعرف ماذا ستواجه في واشنطن ولكن تستطيع ان تقول لهم ان الجنرال شوارتزكوف يرى انه إذا كان ينبغي استعراض الخطة فيجب ان يتم ذلك مع هذه السلايدات واريدك ان تعرض السلايدات بنفسك، لا من جانب أي شخص آخر من هيئة الأركان المشتركة لا اكترث بالاوامر التي تتلقاها من أي إنسان آخر أنك تعمل بأمرتي وانا اعتمد عليك للتحدث باسمي فهم جونستون بوضوح ساطع مكمن الخطر ولم يكن قائدا مخضرما فحسب بل ان ابنه البالغ 24 عاما في وحدة من وحدات مشاة البحرية المتجهة إلى الخليج.
9 اكتوبر 1990 يوم ب + 63
الساعة 16.00 في الصباح بلغنا ان الاسرائيليين قتلوا 21 فلسطينيا خلال احداث شغب في القدس القديمة في الوقت نفسه كنا قد تعرضنا في اليوم السابق إلى حادث طائرة ذات أجنحة ثابتة وأخرى هليكوبتر أدى إلى مصرع 10 أمريكيين.
12 أكتوبر 1990 يوم ب + 66
الساعة 15.30ق. ع تلقى تقرير اطلاع على سياسة المناوبة. الاقتراح يوصى ان تتم مناوبة وحدات القتال البرية كل سنة إلى ثمانية أشهر، وان تتم مناوبة ضباط مقرات القيادة كل ستة أشهر "لضمان المساواة " ق. ع رفض الاقتراح وأبلغ الأركان ان أي اقتراح بتبديل الضباط العاملين في الرياض أيضاً بوصفها وحدة تعيش في الصحراء هو هراء، عرض القائد العام على ضباط المقر فرصة العيش في خندق والنوم في كيس نوم لمدة ستة أشهر، وبعدها يكونون في وضع يحق لهم من بحث المساواة أوعز ق. ع إليهم بمراجعة الاقتراح ثانية.
قام الفريق باطلاع الرئيس في البيت الأبيض عصر يوم الخميس الموافق 11 أكتوبر وتلقيت أول مكالمة لي من باول: "قام ضباط الاطلاع بعملهم بشكل لطيف. البيت الأبيض مرتاح إلى الخطة الجوية ولكن كان هناك الكثير من النقد للهجوم البري".
واضاف بغموض "ثمة أثنان يريدان ان يعرفا لماذا لم تخرج بخطة فيها خيال إبداعي أكبر".
قلت بأكبر ما أستطيعه من الهدوء لقد دأبت على أن أقول لكم أيها الناس طول الوقت أننا لا نملك قوة كافية للقيام بحملة برية.
"ذكرت لهم ذلك" خيم الصمت قليلا. ثم سألتني بغتة كم من القوات تحتاج حقا لتقوم بها بصورة صحيحة؟
وحثثته: "دأبت على القول أنني أحتاج لفيلق ثقيل اضافي، ولكن دعنا نقوم بتحليل دقيق ". اتفقنا على ان نوصل النقاش حالما تنتهي الأركان عندي من دراسة المسألة فحتى ذلك الحين كان يطلب إلينا التخطيط على افتراض عدم توفير المزيد من القوات وسألني باول أيضاً ان نقدر نهج العمل المعاكس: "أبلغني عن الحد الأدنى من القوات اللازم للدفاع عن المملكة العربية السعودية بلا أجل" شعرت بالاطمئنان نوعا ما وأنا أعيد سماعة التليفون.
في الصباح التالي جاءنا بوب جونستون بعد طيران طوال الليل ليضيف لي بضعة تفاصيل أخرى قائلا ان باول قد غادر على عجل. وحضر اللقاء إضافة إلى الرئيس بوش، كل من نائب الرئيس كويل، الوزير بيكر وتشيني، جون سنونو، الجنرال سكوكروفت وبوب جيتس نائب مستشار الأمن القومي وأخبرني جونستون قائلا: إذا حكما على الأمور من الأسئلة التي وجهوها خلال جلسة الاطلاع فقد رأوا مشاكل كبيرة في خطة الهجوم البري، ولما وصل الدور على تقديم تقديراتك كانت أغلب اعترضاتك أنت قد أثيرت من جانبهم.
وتردد جونستون في القول وهو يهز رأسه "لن تصدق ذلك حينما عرضت آخر سلايد ـ السلايد الذي يبين أننا بحاجة إلى فيلق إضافي ـ قال أحد مستشاري الرئيس: يا إلهي ان بحوزته اصلاً كل القوات اللازمة، فلماذا لا يهاجم؟. قررت ألا أترك ذلك دون متابعة ولما اتصل باول عصر ذلك اليوم استفسرت منه عن النقد، فأجاب، هذا صحيح، بل أن أحدهم قال ان شوارتزكوف هو ما كليلان آخر، ان الشخص الذي عقد هذه المقارنة هو مدني لا يفقه ذرة من الشؤون العسكرية، الا أنه كان يتابع الفيلم الوثائقي "الحرب الأهلية" في التليفزيون العمومي وصار الآن خبيرا فقد عرف كيف ان جورج ماكيلان توقف خارج ريتشموند في ربيع 1862 رافضا الهجوم على جيش روبرت أي. لي. وقد اغفل في مقارنته هذه حقيقة واحدة صغيرة بينما كان جيش ماكليلان يفوق قوات لي عددا إلى حد هائل فإن القوة العراقية تفوق قوتنا في السعودية عددا إلى حد هائل، وهذا المستشار هو واحد من صقور البيت الأبيض الذي كان باول يشتكي منه باستمرار. ارسال خطة هجوم ذات نسبة عالية من الخسائر البشرية لنفزع الرئيس ونبعده عن فكرة شن حرب برية.
ولو أن البيت الأبيض اراد خطة هجوم جريئة لعرفت كيف اسلمها، فثمة على حامل بجوار مكتبي في وزارة الدفاع خارطة اسمها "موقف العدو " تشير إلى مواضع القوة العراقية داخل الكويت وجوارها. وكان ضباط المخابرات العاملون بامرتي يضيفون إليها آخر المستجدات ثلاث مرات في اليوم ابتداء من الساعة 4.30 فجرا هذا هو أول شيء أتفحصه حالما أخرج من غرفة نومي عند الساعة السادسة فهناك دبابيس حمراء براقة تمثل في مسعى لتضليلنا بالتخمينات، فإن كامل الاصطفاف في المسرح الكويتي بقى على حاله مدة شهر: فرق مشاة تحفر مواضعها على طول الحدود الجنوبية وساحل الخليج، مع فرق مدرعة في مواقع تعزيز خلفيا مباشرة أما قوات الحرس الجمهوري فتنتشر على طول الحدود العراقية الكويتية شمالا، وكان العراقيون متمركزين بطريقة تتيح رمي ثقلهم ضد أي هجوم نشنه من الجنوب أو الشرق، وقد وضعوا الحشود في المكان المقرر بما يوازي ضعف عدد جنود وثلاثة أضعاف الدروع المخططة بالأصل لعملية درع الصحراء.
ان الطريقة المستمرة من نصوص الكتب لانزال الهزيمة بمثل هذه القوة العراقية هي ان يبقيها المرء في مكانها بهجوم على طول الجبهة مع إرسال جيش أكبر للالتفاف من حولها وتطويقها وتسحقها بازاء البحر، نظرت إلى الدبابيس الحمر البراقة التي تمثل الجيش الذي يحتل الكويت هناك على طول جناحها الغربي رقعة من الأرض العراقية تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة الكويت وعدا عن وجود بضع بلدات صغيرة وقواعد جوية فانها لا تزيد على صحراء الاهم من ذلك في ضوء ما أبتغيه، انها غير محروسة إلى حد كبير لقد بحثنا من قبل إمكانية دفع وحدات مدرعة غير ذلك القاطع الا أننا ركنا الفكرة على الرف لان ذلك يعني انتشار قواتنا انتشارا أخف مما ينبغي ولأننا لم نكن متيقنين من القدرة على امداد الوحدات بالذخيرة والمحروقات لمثل هذه المسافات الشاسعة ولكن يبدو ان واشنطن الآن راغبة في التفكير بارسال المزيد من الفرق وهذا غير كامل الوضع حقا، ان ذلك سيتطلب أكبر مناورة التفاف صحراوية بالدروع في التاريخ العسكري الامريكي الا انها بدت لنا السبيل الارجح لانهاء الحرب البرية بصورة حاسمة وسريعة في الخامس عشر من أكتوبر أبلغت مخططي القيادة المركزية ان يفترضوا وجود فيلق مدرع آخر وان يطوروا فكرة هجوم التفاف جانبي.
18 أكتوبر 1990 يوم ب + 72
الوقت غير محدد ق. ع سأل رئيس هيئة الأركان المشتركة ان كان بوسعه تقليص عدد الزيارات فلدينا 18 وفدا رئيسيا سيزورون التشكيلات المسلحة في الأسابيع القليلة المقبلة وبحث ق. ع أيضاً المسألة مع السفير، الذي وافقه الرأي واقترح علاوة على ذلك ان تصدر القيادة المركزية والسفارة رسالة مشتركة تطالبان فيها وقف سيل الزيارات غير الضرورية.
19 أكتوبر 1990 يوم ب + 73
الوقت غير محدد صادق ق. ع على إرسال سياسة التناوب المقترحة وركزت هذه على المناوبة كل ستة إلى ثمانية للوحدات القتالية والوحدات التي يعيش أفرادها في ظروف قاسية وبدائية وسمحت أيضاً بمناوبة كل 12 شهرا للافراد العاملين في ظروف لا تختلف عن الولايات المتحدة.
وبدأت عملية "درع الصحراء" تطفح بالملل الملازم للحرب، رغم اننا لم نطلق طلقة واحدة بعد. ووجدت نفسي غارقا في حماة عمل مكتبي روتيني شاق اطلاع وفود الكونجرس اجراء مقابلات صحافية، حل المشكلات الثقافية مع السعوديين الرد على الأسئلة البيروقراطية من واشنطن وكنت أحيانا أفلت من مقر القيادة لأزور الجنود، فأجدهم قلقين مثلي، لما سيأتي بعد.
لا يفترض بالقادة العاملين ان يقلقوا حول نفاد النقود، خصوصا حين يمكن ان تندلع الحرب لأية لحظة فوزارة الخارجية ترتب، حين يسمح الوقت الأمور المالية اينما كان للولايات المتحدة وجود عسكري وبوقت سابق للازمة تماما وكان وزير الخارجية بيكر يجوب العالم محشدا الدعم المالي لدرع الصحراء، إلا إن القيادة المركزية لم تحصل في اليد على أي شيء نقدا.
ذهبت لرؤية تشارلز فريمان، وقلت له: "أظن أن هذه المهمة مهمتك".
أجاب السفير بصوته الناعم: "أظن ذلك أيضاً، ولكن يجب أن اعترف لك أنني لا أعرف كيف أقوم بذلك"، لذلك سألنا واشنطن ان ترسل لنا خبيرا في شؤون الدعم المأخوذ من الدول المضيفة وحتى يتم ذلك رحت أسعى إلى ارتجال نظام مؤقت للدفع مع خالد. ان أول الحوارات المالية مع خالد كان قد جرت سابقا حول سيارات التأجير في الرياض، فحين وصلت القوة الجوية أول مرة في أغسطس (آب) قامت كل وحدة تحتاج لسيارات باستئجار سيارات من الوكالات المحلية السعودية وفي ظرف أسابيع لقطت الولايات المتحدة كل سيارات التأجير في الرياض كانت بعض سيارات التأجير ضرورية فذهبت في حينه إلى الأمير خالد وقلت له: "تكاليف نقلنا. واستئجار السيارات هي مصاريف نقل".
ـ بالطبع، سندفع تكاليفها.
ـ لمن نقدم فواتيرنا؟.
قال " لا، لا " ناظرا إليّ مستفظعا ذلك، لا ترسل الفواتير لي أعطني قائمة بما تحتاج وسيجد ضباطي متعهدا واحدا، ابرم العقد معه، وسنشرف على سير العقد من مقر قيادتي.
حاولت ان اشرح له ان هذا الترتيب غير عملي، ان ضباط الشؤون اللوجستية الأمريكيين العاملين في الميدان ما كانوا ليطيقوا عملية صنع قرار مركزية فاقدة المرونة قلت لخالد ان لكل وحدة نسخة مصغرة من جاس باجونيس، ومهمة الشخص هنا هو ان يعتني بشؤون جنوده، وتكهنت ان الأمريكيين سرعان ما سيتحركون ويشترون في كل أرجاء المملكة وكنت مصيبا في ذلك، ففي الرياض وحدها على سبيل المثال، ذهب أحد ضباط الشؤون اللوجستية إلى منشأة المياه السعودية وتعاقد على شراء مقدار ضخم من الماء المقطر، وفي الجبيل وقع ضباط الشؤون اللوجستية لقوات مشاة البحرية عقد إيجار مجمع لإيواء جنوده بقيمة 10 ملايين دولار.
وكان جواب خالد في كل مرة كان بإمكاني ان احصل لكم على ذلك بخمسة ملايين، لا توقعوا المزيد من العقود، الا أن العاملين في الميدان يحيوننا "يا أنتم علينا ان نوقع هذه العقود لأن المزيد والمزيد من الجنود يتدفقون ويجب ان نضعهم في مكان ما".
قلت لخالد "ان الطريقة الوحيدة لإجراء ذلك هو ان تعين ضباطا يستطيعون العمل معنا ويوقعون هذه العقود فور التصول إليها، رأى خالد ان الاقتراح معقول وحتى حين أمر ضباط شؤونه اللوجستية بدفع الأموال إلى ستارلنج وفريقه راحوا يتحاشون القرارات المهمة، ولم نتلق قرشا واحدا.
ان النظام المالي في واشنطن لا يقل عن ذلك في مركزيته وصرامته، فرغم اننا كنا نوقع العقود ذات اليمين وذات الشمال، لم تكن لدينا سيولة نقدية للدفع وتعمل وزارة الدفاع الأمريكية بموجب قاعدة صارمة تقول ان انفاق 200 ألف دولار هما فوق يتطلب موافقة الكونجرس في الأحوال العادية و الاستثناء الوحيد هو حالة الاستنفار الوطني العام وفي ضوء حجم القوات المرسلة وارتفاع الاسعار في الشرق الأوسط فان بوسعك الافتراض ان كل إيجار أو عقد مبرم في المملكة العربية السعودية يكلف أكثر من 200 ألف دولار. ولولا مساهمة اليابانيين لافلس درع الصحراء في شهر أغسطس، فبينما كانت الصحف الغربية تتشكى من تمنع طوكيو عن زيادة تبرعها البالغ مليار دولار للحماية السعودية، حولت السفارة اليابانية في الرياض بهدوء عشرات الملايين من الدولارات إلى الحساب المصرفي للقيادة المركزية واستطعنا بذلك ان نغطي مصاريف أعمالنا اليومية قبل ان يستطيع أي انسان في واشنطن ان يدعي حق التصرف بهذه القيود.
في هذه الأثناء تحول محل دين ستارلنج إلى شركة تصفيات مالية عملاقة حافلة بالايصالات، طالما اننا وثقنا صرف كل دولار وعدنا السعودية بتغطيته وتنامي الانفاق حقا، فبين منتصف اغسطس ومنتصف اكتوبر انفقنا 760 مليون دولار ولما جاء الميجور جنرال بيل رأى الخبير المفاوض في شؤون الدعم من البلد المضيف من واشنطن في 19 أكتوبر جلب معه أيضاً فواتير وزارة الدفاع بمصاريف النقل الجوي والشحن البحري مما رفع الرقم إلى ما يقارب 1.9 مليار دولار. كان ذلك قطعة من بنات احلام واضعي الميزانية في البنتاجون فحساب علمي تعهد الملك فهد بدفع تكاليف نقلنا داخل المملكة وليس إليها.
ولما أعلمت خالد بوصول الجنرال رأى مع فاتورة شاملة بدا عليه الارتياح لم احضر لقاء الاثنين لكن أرى ان السعوديين وافقوا في الحال على تسديد المبلغ (760 مليون دولار) للقيادة المركزية الا أنهم اعتذروا، كما توقعت عن عدم دفع مصاريف النقل الجوي والشحن البحري.
الاهم من ذلك ان السعوديين وافقوا بتردد على طريقة دفع الفواتير المدفوعة إليهم في المستقبل.
علقت على ذلك لضباط الأركان قائلا "يبدو أننا نبث أخيرا على نفس الموجه" وشعرت بالاطمئنان على غرار من يقال له ان الشيك في طريقة اليك بالبريد.
20 أكتوبر 1990 يوم ب + 74
الساعة 18.30 ق. ع التقى مع الميجور جنرال جابر من الكويت طلب جابر العون في تجهيز ثلاثة ألوية مشاة خفيفة كان جابر يخشى انه إذا لم يجمع بقايا مختلف الوحدات من الكويت فانها قد تنشط لوحدها فتشعل صدمات غير متعددة واضاف انه سيأتي يوم تتحرر فيه الكويت وتكون القوة المدربة والجاهزة ضرورية لاستعادة النظام والخدمة العامة ق. ع وافق.
22 أكتوبر 1990 يوم ب + 76
الساعة 10.00 خلال الاطلاع على المستجدات، ابلغ ق. ع ان الكثير من مواد التبرعات تستمر في التدفق من الولايات المتحدة ومن إرجاء العالم ق. ع نبه كامل الأركان كيف ادميتن انوفنا في فيتنام بسبب ظهور مؤسسات غير قانونية راحت تسرق من المعدات وتبيع المسروقات في السوق السوداء لا يمكن ان نسمح بحصول ذلك في عملية درع الصحراء، وأوعز القائد العام للجنرال ممثل النيابة العامة العسكرية ان يكتب برقية يرسله القائد العام تقول ان كل مواد التبرعات سوف يتم حصرها وفقا للإجراءات النظامية وان القادة سيعدون مسؤولين عن تطبيق الإجراءات.
جاء كولن باول إلى الرياض في 22 أكتوبر، واقر من جديد ان القوات المتوافرة حتى تلك اللحظة غير كافية لازاحة العراق من الكويت وعرض ضباط أركاني مختلف الخيارات العسكرية، بما في ذلك التي سبق ان طلبها باول فيما يخص الحد الأدنى من القوات لوقاية المملكة العربية السعودية إلى أمد غير محدد أخيراً كشفنا النقاب عن خطتنا الجديدة لتطويق وسحق الجيش العراقي بحركة التفاف ضخمة غربي الكويت، وهي ممكنة كما لكدنا، فقط إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لإرسال فيلق مدرع إضافي، لم يكن ذلك مفاجأة لباول طالما كنا، وهو وانا، نتبادل الافكار على التليفون طوال الأسبوع حول السبل الممكنة للتطويق الا أنه سرعان ما سدد إلينا السؤال البديهي الذي لم نتناوله هل تستطيع نقل تجهيزات كافية للحفاظ على استمرارية الهجوم؟ وقال: قد يكون الجانب اللوجستي كعب أخيلكم.
إن باستطاعة الدبابات وناقلات الجنود المدرعة ان تسير على الرمال الرخوة لكن شاحنات نقل المحروقات الضخمة التي تسع 5000 جالون، والتي تسير في أعقاب الدبابات والمدرعات إلى المعركة بحاجة إلى شوارع أو أرض صلبة. كنا بحاجة لمعرفة المزيد من الصحاري العراقية في جنوبه الغربي، وإلا فإن أكبر هجوم التفاف في العالم سيكون مجرد وهم، لم يتفوه باول بشيء عن المخاطر السياسية الناجمة عن زيادة القوات الأمريكية في السعودية إلى مستوى يضارع القوة المرسلة إلى فيتنام، ولكني كنت موقنا ان الفكرة تجول في رأسه.
بعد ذلك شكرنا باول جميعا على ما قمنا به من عمل، ولكنه حذرنا من ان الرئيس بوش سيستغرق زمنا في اتخاذ القرار وأوضح لنا، ان المزاج في واشنطن يتغير كل اسبوع قبل عشرة ايام كان المزاج صقريا اما خلال الأيام الأربعة أو الخمسة الأخيرة راح المسؤولون يتحدثون عن إفساح المجال امام العقوبات الاقتصادية لكي تفعل فعلها ولكن ليس هناك من هو مستعد لاتخاذ قرار جازم، فالكل مشغول بأزمة الميزانية وانتخابات الشهر المقبل، ومضى إلى القول ان الرئيس سيعمد، بعد انتخابات نوفمبر اما إلى تبني خطة الاحتواء العسكري أو يحاول الحصول على تحويل من الأمم المتحدة والكونجرس لشن هجوم وسألنا عن المدة اللازمة لجلب القوات المدرعة التي طلبناها، فقدرت المدة بثلاثة أشهر، واختتمنا الجلسة بالاتفاق على ان شهر فبراير هو الموعد المحتمل للهجوم البري. رغم أن باول ركز حديثه عن تزويدنا بقوات اضافية، فانه لم يقل شيئا عما كنت اريد سماعه ان نطرح جانبا خطة الهجوم ـ بما لديك ـ من قوات ـ فهي خطة تنطوي على مجازفة كبيرة هذا يعني انه لم يسقطها كليا من قائمة الممكنات، لذلك لم افاجأ في الصباح التالي حين طلب مني ان اطلعه ثانية على ذلك الخيار. طلبت من أركان المقر ان يتركوا غرفة الحرب، ورحت احثه قائلا: دعنا نلغى خطة الهجوم تلك فلديك هواجس ريبة بصددها مثلي انا. وأوضحت ان المخاطر تزداد كل يوم إذ ينقل العراق المزيد والمزيد من قواته إلى الكويت إذا كان علينا الانتقال إلى الهجوم فإنني احتاج إلى المزيد من القوات.
رد علي قائلا: "انني واثق من أننا نستطيع ارسال المزيد من القوات إلى الخليج بدون أي تفويض صريح من الكونجرس والجمهور الأمريكي، هززت رأسي موافقا ولكن لا أحد يريد (فيتنام) أخرى، وفهمت عزم باول على تفادي الأخطاء السياسية والأخطاء العسكرية أيضاً ومن الأفضل ألا نشن الهجوم ابدا ما لم نكن واثقين من دعم الجمهور.
وفي مجرى المحادثة اتخذ قراره، وودعني قائلا: "إذا دخلنا الحرب فلن ندخلها نصف دخول ان المؤسسة العسكرية للولايات المتحدة ستقدم لك كل ما تحتاجه لتفعل ذلك بصواب لقد عبر الجسر أخيراً، وغادر الرياض وهو يحمل طلب قواتنا، فشعرت كما لو أنه رفع عن كاهلي العبء الكبير.
29 أكتوبر 1990 يوم ب + 93
الساعة 10.00 اوعز ق. ع إلى ضباط الاستخبارات باجراء دراسة مفصلة عن تأثير الطقس على العمليات العسكرية، وبخاصة صلاحية الأرض للسير، في الكويت وجنوب شرق العراق. يريد ق. ع معرفة كل شيء من المطر إلى العواصف الرملية إلى درجات الحرارة، على ان تغطي الفترة من الآن على مارس (آذار) أبريل (نيسان) وقال ق. ع اننا يجب ان نستخدم كل المصادر المتيسرة بما فيها أخذ المعلومات من الناس الذين سافروا في المناطق المقصودة.
لم يدم احساسي براحة البال طويلا ففي ذلك السبت عاد باول إدراجه إلى واشنطن ليتصل بي على التليفون حاملا قنبلة وبدأ كلامه، الافضل ألا أغادر واشنطن بعد الآن.
ـ لم لا ؟
" حسنا"، بينما كانت مسافرا، عاد الوزير تشيني من رحلته إلى روسيا حاملا فكرته الخاصة عن خطة للهجوم وقد صاغها له بعض العاملين في الأركان المشتركة، وقد أطلع الرئيس عليها.
وهل لديك مانع من أن تخبرني بفحواها؟
كانت الخطة على أكبر قدر ممكن من السوء اتضح ان تشيني كان قد شعر بالاحباط من استعراض بوب جو جونستو لخططنا في اجتماع البيت الابيض لذلك قرر ان يخرج بخطة أكثر جرأة من خطتنا أخذ خارطة واختار موقعين رئيسيين لاطلاق الصواريخ يقعان في الجزء الغربي الاقصى من البلاد على بعد 500 ميل كاملا من الكويت ويتقرح ان تنزل الفرقة المحمولة على الموقعين بالمظلات وان ندعمها بالوية الهليكوبترات من فرقة الهجوم 101 وسرايا الدبابات من فوج المشاة المدرع الثالث، وتحتل موقعي الصواريخ هذين، ثم نتجه على الطريق الدولي (غرب ـ شرق) لنهدد بغداد.
قلت غير مصدق الم تقم هيئة الأركان المشتركة بالكشف عن اغلاط هذه الخطة، وذكرت له بعضا من الاغلاط مثل استحالة امداد عملية كبيرة بعيدة كل ذلك البعد عن الخطوط الصديقة، وواقع ان قلب القوة العسكرية العراقية يقع في الشرق وأشار باول بجفاف ان الوزير رجل يصعب ان تقول له كلا، إذا كنت ضابطا شابا في هيئة الأركان ممن يحرصون على مستقبل الترقيات قال: "أريد ان تقيم هذه الخطة، وتقدم لي شيئاً استطيع ان استخدمه لاستعيد السيطرة على الوضع.
وضعت سماعة التليفون وانا متضايق لقد عملت سلسلة القيادة الأمريكية حتى الآن كما ينبغي ان تعمل، خلافا لما كانت تسير عليه الأمور أيام فيتنام ولم يحصل ان تكرر عرض ليندون جونسون وهو يمسك سماعة اللاسلكي اثناء حادث بويبلو ليصدر أوامر إلى رامي المدفع الرشاش في مؤخرة قاذفة قنابل، فقد اقتصر الرئيس على الأمور الرئاسية، ووزير الدفاع على وضع السياسة العسكرية، ورئيس هيئة الأركان المشتركة على تسهيل الصلة بين القادة المدنية والقيادة العسكرية، اما أنا فقد كنت أتمتع بكامل الصلاحية لاداء المهمة بصفتي قائدا في الميدان ولكني أخذت الآن اتساءل ان كان تشيني قد وقع فريس المرض الذي كنت ألاحظه على بعض سكرتاريي الجش ضع مدنيا في موقع المسؤولية عن عسكريين محترفين وإذا بك تراه غير قانع بوضع السياسة بل يريد ان يصبح جنرالا لا يفوق الجنرالات.
اطلقنا على خطة وزير الدفاع اسم "النزهة الغربية" وطلبت من أركان التخطيط عندنا ان يتفحصوها بانصاف وقاموا بعمل رائع. وبعد ثمان وأربعين ساعة ارسلنا رسالة بالفاكس إلى باول تتضمن تحليلهم القادم الذي أعلن ان الخطة "جسر أبعد مما ينبغي" مقارنا إياها بالمخطط الطموح زيادة على اللزوم في الحرب العالمية الثانية الذي كلف الجيوش الأمريكية والبريطانية ثمن الهزيمة في نيجميجن في هولندا، الا أن "النزهة الغربية" لم تدفن رغم نقدنا لها، فخلال ذلك الأسبوع وحده اتصل باول ثلاث مرات ناقلا تعديلات جديدة من طاقم تشيني، وأكثر هذه التعديلات غرابة يتضمن الاستيلاء على بلدة غربي العراق، نعرض على صدام إرجاعها له مقابل الكويت خيرا اقنعنا واشنطن انه يتعذر اسناد هذه النزهات لوجستيا، وانها لن تقدم قضيتنا خطوة واحدة إلى الامام.
لقد احسست من ذلك ان واشنطن كانت تتلمس الطريق بحثاً عن حل فوري، ولم تكن له سلطة لثنيهم عن ذلك، وقرعت باول قائلا: "لا يمكن ان نظل نطور مجموعات جديدة من الخطط بين ليلة وضحاها"، فيوما يتحدث عن الهجوم، واليوم التالي عن الاحتواء، واليوم الذي يليه عن سحب الكل وإبقاء قوة ردع لقد أمرت بصياغة خطة مناوبة القوات، ولكن ما أن تقدمت بتوصياتي حتى أمرت بسحبها، لأنها قد تعطي الناس الانطباع بأن أمريكا ستتعهد بإبقاء القوات في الخليج على مدى طويل وبدأت أحس كما لو أن القيادة المركزية أرسلت الى حدث رياضي مهم دون ان تعرف أية لعبة ستتبارى فيها، فهم يدفعوننا الى الميدان مرتين الخوذ والكتافيات مستعدين للعبة كرة الركبي، لا لشيء الا لتسلمنا واشنطن قفازات البيسبول، فنروح امتثالا للواجب نزع خوذنا وكتافياتنا ونستعد للعب البيسبول ـ لا لشيء إلا لترمي بنا واشنطن في ملعب كرة قدم والفارق الوحيد أننا لسنا في لعبة رياضية، بل في عمل جدي فاتك، يحيق حياة البشر بالموت. ففي يوم الأثنين الموافق 29 أكتوبر لقي 29 بحارا مصرعهم على متن سفينة أيوجيما الأمريكية، وهي مخصصة للهجوم البرمائي في الخليج، والسبب هو انفجار انبوب بخار أدى الى تسرب غاز ضاغط درجة حراراته 850 فهر نهايت.
كما بدأ حلفاءنا بالتساؤل عن الوجهة التي نقصد، بعد ان بنى التحالف الآن قوة كافية للدفاع عن السعودية لقد قالها صدام حسين بوضوح أنه لن يغفر للقادة العرب الذين استقدموا القوات الغربية الى الخليج، وفي خطاباته التي بثها راديو بغداد وصم الملك فهد والرئيس مبارك بأنهما خاننا القضية العربية وهما الآن يطلبان ضمانات بألا تنسحب أمريكا قبل القضاء على الخطر العراقي في هذه الأثناء اثار البريطانيون مسألة التوقيت فقد أخبرني السير ديفيد تريج نظير باول، لدى مجيئه الى الرياض ذلك الأسبوع، كان نافذة الفرصة لشن الهجوم ستغلق بوجهنا في مارس، مع حلول شهر رمضان، الشهر الإسلامي المبارك، وإذا كان التحالف ينوي الهجوم، فإننا نحتاج الى تحديد أهدافنا ووضع خطة الهجوم قريبا، حسب قوله وأبدى خالد الرأي نفسه زد على هذا، كان علينا ان نفكر بالطقس، فلن يفيد قواتنا ومعداتنا في شيء أن نجرجر حتى عودة الصيف.
وإذا كنت ستشيط غيظا حول ذلك، أدركت أن هواجسي تماثل الهواجس التي عبر عنها قادة ميدان المع بكثير. فأيزنهاور وماك ارثر كانا يخشيان من ان تكون القرارات في واشنطن خاضعة لاعتبارات السياسة أكثر من خضوعها للواقع العسكري ولم أشأ ان أصيب أركاني بعدوي شكوكي، كما ان بحث هذه الأمور مع نظرائي من الحلفاء سيكون بمثابة عمل من أعمال الخيانة. ولكني شعرت بأنني مدين لقادتنا في واشنطن بالتعبير عن مخاوفي.
وارتابت ان الوقت قد حان لتثبيت ذلك بكتب رسمية. وفي ظهيرة يوم الأربعاء الحادي والثلاثين من أكتوبر، أمليت مذكرة طويلة موجهة إلى باول مسببا في نجاح درع الصحراء حتى وقته، وسائلا من جديد إلى أين نتجه انطلاقا من ذلك؟. وكنت آمل اني برفع طلبي حول التوجيهات اللاحقة تحديدا قد استطيع ان ازحزح واشنطن ومما جاء في المذكرة أيضاً:
"أننا نواصل السعي إلى وضع خطة هجومية، ولكن لكي أكون صريحاً صراحة تامة معك، اننا نفعل ذلك في ظل فراغ كامل في التوجيه، وفي ظل فرضيات تتغير كلما خطرت لواحد في واشنطن فكرة لامعة أخرى. والنتيجة النهائية هي ان الأركان التي تقوم بعمل مضن انجزت من خلاله الكثير، تعمل الآن تحت ضغط متزايد وتحت أوامر متواصلة تحدد مواعيد قصيرة الأجل إلى درجة الاحباط لا يرافقها الا النزر اليسير من التقدير الخارجي لعل هذه هي الطريقة المتبعة دوما، ولكني لا أذكر في أي وقت من التأريخ العسكري ان هناك قائدا ميدانيا طلب إليه ان يضع خطط هجوم لثلاثمائة أو أربعمائة رجل ويقال له ان يفعلها في ظروف بضعة أيام بدون أي ارشاد استراتيجي، ثم يطلب منه ان يدفع عن الخطة بالتفصيل أعرف ان هذا ليس عالم الكمال وسنواصل نحن في القيادة المركزية تنفيذ ما يطلب منها، ولكن فيما يتعلق بمسألة كهذه على قدر كبير من الاهمية، مسألة لا تتعلق بها مصائر الآلاف من الرجال والنساء الأمريكيين في الخدمة العسكرية فحسب، بل تتعلق بها هيبة الولايات المتحدة ومستقبل العالم الحر في الشرق الأوسط فيما يتعلق بمسألة كهذه ينبغي ان نكون في الأقل قادرين على القيام بها بشكل صحيح.
ورغم اتمام طباعة المذكرة، تركت مقر القيادة لأزور أحد مجمعات جنودنا. ولما عدت وجدت باول على التليفون لقد اتخذ الرئيس قراره. في الأسبوع المقبل سيأتي بيكر ليطلب من الملك فهد وحلفائنا الآخرين الموافقة على عمليات هجومية بعد ذلك سنطرح الفكرة في الأمم المتحدة ونطلب توجيه انذار نهائي للعراق كي يترك الكويت. يجب ان نستعد لبناء القوة والدخول في الحرب. سألت بعناية " ما حجم البناء الذي تعنيه؟".
"سيكون بناء دراماتيكيا. ستحصل على كل ما طلبته وازيد". وعدد لي نصف دزينة من الوحدات الرئيسية التي أفرزتها هيئة رئاسة الأركان المشتركة وأوضح باول ان القرار يقضي بمضاعفة حجم قوة درع الصحراء تقريبا. ووعدني ببحث التفاصيل لاحقا. لم أكن لاصدق اني سأشعر بالثقة يوما بأن أرى الولايات المتحدة تتحرك نحو الحرب ولكني الآن، رغم اني بقيت اتمنى السلام، تنفست الصعداء لأن لدي مهمة واضحة، أخطرت قوادي الكبار، وارسلت مختلف ضباط المقر للتعجيل بوضع خطة الهجوم والبدء بالتحضيرات لاستقبال السيل المقبل من القوات الاضافية وصياغة الطلبات للوزير بيكر ليبحثها مع الملك فهد.
نزلت تلك الليلة إلى غرفة الحرب في الدور السفلي، لأتلقى تقارير الاطلاع المسائية فوجدت دين ستارلنج رئيس قسم الشؤون اللوجستية، وبيل رأي، جامع الفواتير من البنتاجون واقفين خارج الغرفة في الرواق وهما مكشران في ضحكة عريضة كقطط تشيشابر.
وقال ستارلنج "لدينا شيء لك". وسلمني قصاصة ورق.
كان ذلك شيكا مسحوبا على مورجان جارانتي ترست لحساب "حكومة الولايات المتحدة " بمبلغ 760 مليون دولار. والشيك مذيل بتوقيع خالد. وأشار رأي "لقد التزم السعوديون بكلمتهم".
فقلت لاهثا "ماذا سنفعل به؟".
كان ستارلنج وراي قد رتبا كل شيء فأولا صورا نسخة من الشيك للحفظ ثم أعطيا الشيك إلى مراسل هرع به إلى المطار، وطار على متن نفاثة تابعة للقيادة المركزية إلى باريس وحول على متن كونكورد متجها إلى نيويورك في الوقت المناسب لايداع الشيك قبل اغلاق البنوك يوم الخميس، مما اتاح للخزينة الأمريكية ان تجني فائدة على الايداع خلال أيام عطلة الأسبوع في ارتياح كبير ناظرين إلى صورة الشيك، متخيلين كم كنا نحن سنكسب لو احتفظنا بالنقود واستثمرناها مدة اسبوع قبل تحويلها إلى واشنطن.
بعد الاجتماع سألني ب. ب. بيل " سيدي" ماذا عن رسالتك إلى الجنرال بأول؟. وهو يحمل مذكرتي اليائسة للأوامر التي أمليتها عليه مطلع النهار. نظرت إلى المذكرة لم تعد ضرورية قلت: "للحفظ". وتغير كل شيء في ظرف بضع ساعات احتفظت بالمذكرة كهدية للذكرى. ولا ذكر نفسي ان قادتنا لم تخذ لونا قط، رغم انهم لم يكونوا يستجيبون لطلباتنا بالسرعة أو الحزم اللازمين.
11 نوفمبر 1990. يوم ب + 86
الساعة 14.45 في مخابرة قصيرة قال رئيس الأركان المشترك للقائد العام ان الرئيس أكد عزمه على السفر إلى السعودية في عيد الشكر. وسيصل إلى جدة يوم الحادي والعشرين ويذهب بعدها إلى الظهران يوم الثاني والعشرين، حيث يقضي النهار لتفقد القوات واكل اكثر من وجبة من وجبات عيد الشكر مع الجنود.
لساعة: 19.15 في عرض المستجدات المسائي، اطلع ق. ع. على تفاصيل حادث عبرت فيه طائرة "ميج 25 " عراقية الحدود السعودية وتوغلت مسافة 6 إلى 10 أميال. ردا على ذلك سدت طائراتنا عليها الطريق واستعدت لاطلاق النار لكن الـ "ميج 25" استدارت وعادت إلى ادراجها عبر الحدود. ق. ع ذكر ضابط العمليات اننا لا نريد اشعال الحرب بسبب طائرة واحدة واننا يجب ان نراجع قواعد الاشتباك بعناية.
2 نوفمبر 1990 يومم ب + 82
الساعة 15.30 ق. ع. أخبر رئيس هيئة الأركان المشتركة انه سيذهب إلى البحرين لتناول العشاء مع ولي العهد وأخذ قسط من الراحة.
وما ان جاء وزير الخارجية بيكر إلى المملكة العربية السعودية وطلب الاذن من الملك فهد بالمضي قدما حتى أعلن الرئيس بوش عن زيادة جديدة للقوات. كان ذلك هو القرار الصعب الثاني الذي اتخذه الملك فهد في الأزمة، ولكننا في هذه المرة كنا متيقنين أكثر من النتيجة، لقد تجاوز صدام الحدود كلها في خطاباته. فقد اتهم الملك فهد خادم الحرمين الشريفين بالمروق عن الإسلام وادعى أنه (أي صدام) سليل الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم). وتحول الاجماع العربي إلى القناعة بضرورة معاقبة العراق. فخلافا للاجتماع الأول في اغسطس، كان العرض عرضا خاصا بوزارة الخارجية وبقيت في قصر الضيافة مختلفا عن الركب فيما دخل بيكر وتشارلز فريمان لمقابلة الملك.
وقال الملك في هذا الاجماع من الأفضل للجميع لو بقيت اسرائيل خارج الأمر، إذ لن تسمح القوات العربية لنفسها، ايا كانت الظروف ان تظهر بمظلة الحليف الإسرائيلي.
وانتقل بيكر إلى مسألة النقود وقال: نحتاج إلى ان يحدد الملك فهد بالضبط مقدار ما ستدفعه المملكة العربية السعودية. كنت قد أخطرت الوزير عصر ذلك اليوم ان السعوديين يزودوننا بالوقود والماء والنقل علاوة على السكن والطعام الطازج، وقلت له "إذا كنا سنتقدم بطلب رسمي فيجب ان تدرج هذه الحاجات كلها". فعل بيكر ذلك ووافق الملك فهد.
7 نوفمبر 1990 يوم ب + 1992
الساعة 1415 اجتماع للاطلاع على تحليل قابلية السير في أرض الكويت وجنوب شرق العراق من ضباط الاستخبارات ولواء المخابرات العسكرية رقم 513. غطى تقرير الاطلاع تحليل تضاريس الأرض، وتقدير ممرات الوصول وتأثيرات الطقس بما في ذلك الامطار والرياح، ومواقيت النور في اشهر الشتاء الحد النهائي هو منتصف فبراير، هو أفضل وقت لهجوم القوات الأمريكية.
 
الفصل السادس
في أواخر أكتوبر برد الجو قليلاً في الصحراء، وبات نوعا ما أكثر احتمالا، كان المقياس في أغلب الأيام يشير إلى درجة 100 فهر نهايت. غير أنه لم يكن ثمة ما يبعد افكار الجنود عن الرمال والذباب والاحاديث المستمرة عن موعد الدخول في الحرب أو العودة إلى الوطن، ورسم في تلك المخيمات العسكرية المعزولة التي تحمل اسماء مثل "مخيم عموم أمريكا" أو "مخيم النصر". لم يخبرهم احد ماذا ينتظرهم، لذلك عندما راجعت الشائعات عن اعداد خطة مناوبة للقوات، بات الكثير من الرجال والنساء يأملون في العودة إلى الوطن بحلول عيد الميلاد.
ما كنت لالومهم، وعلى حين أننا وفرنا للجنود أكبر قدر ممكن من وسائل الراحة في مجرى الاسابيع الاحد عشر ـ عشرات من مكاتب البريد، والمخازن الصغيرة، ومقاسم التليفونات، ومراسلات الراديو والتليفزيون ـ فأنهم قد أرغموا على احتمال الجزم العسكرية السيئة والطعام سيء المذاق، وكلاهما نتيجة للقرارات قصيرة النظر التي اتخذها الجيش قبل سنوات. فمنذ أن توليت مسؤولية القيادة المركزية، اشرت باستمرار إلى أن جنودنا لا يتمتعون باحذية قتال صحراوي، وهم الآن يرتدون جزما سوداء خاصة للغابات من مرحلة فيتنام، وهي تتحول إلى فرن حقيقي على الرمال الحارة. ويوجد في نعل هذه الجزم ثقوب صممت لكي يتسرب منها الماء إذا ما خاض جندي في بركة ـ أما في الصحراء، بالطبع، فان الثقوب تدع الرمل يدخل. وكانت مشكلة الطعام الرئيسية للجيش هي الافتقار إلى طباخين و "الوجبات الجاهزة للأكل" المدعوة ـ التي حولها المجندون إلى "الوجبات المرفوضة من الاثيوبيين".
وقد حلت هذه الوجبات الجاهزة محل الارزاق القديمة، وهي عبارة عن طعام معالج بالاشعة لا يثير الشهية، محفوظ في علب بلاستيكية، ويفترض أنه مستساغ حارا أو باردا. لقد سبق لي أن تناولت واحدة من هذه الوجبات الجاهزة في التدريبات وعافتها نفسي أنا أيضاً ـ فكان مظهرها ومذاقها يشبه معجون الطماطم ـ مع ذلك كنا نطلب من جنودنا أن يكونوا سعداء بوجبة ساخنة واحدة وبوجبتين من علب الطعام الجاهزة كل يوم.
لذلك لم اتفاجأ أن يواجه الوزير بيكر بعد الجنود والجنديات النزفين والنزفات لدى وصوله إلى القاعدة الصحراوية لفرقة الفرسان الأولى يوم الرابع من نوفمبر. القى بيكر كلمة قصيرة، جاهدا لأن يشكر الجنود على التضحيات التي يقدمونها لبلادهم، ثم بدأ يصافح الضباط الواقفين في مقدمة التشكيل، فجأة أخذ بعض الجنود الواقفين إلى الوراء يصيحون باستياء من قبيل "هل اشرب ماء حارا" مشيرين بذلك إلى قناني الماء التي كان يتعين ان يشربوها، ثم صاحوا فيما بعد "كل وجبة جاهزة" بعد ذلك لما أخذ بيكر يتجول بين الجنود، توجهت إليه جندية برتبة سرجنت وسألته على المكشوف "متى نعود إلى الوطن؟".
بعد أربعة أيام جاءها الجواب: لن نعود قريبا فقد أصدر الرئيس بوش الأمر بزيادة القوات العسكرية الأمريكية في الخليج، وكانت هذه الزيادة اضخم حتى مما وصفه لي باول. كنت قد طلبت فرقتين مدرعتين اضافيتين، في حين قررت واشنطن إرسال ثلاث فرق، زائدا لواء إضافيا، وهذه الوحدات كلها مزودة بأحداث الدبابات قاطبة، هي دبابة م 1 / 1. علاوة على ذلك تقرر أن تحصل القيادة المركزية فرقة ثانية من مشاة البحرية، وسفينة حربية أخرى وثلاثمائة من طائرات القوة الجوية. لقد قام الرئيس بزيادات قواتنا على البر إلى الضعف، ودباباتنا إلى ثلاثة أضعاف، اما قوتنا الجوية فزادت بنسبة 30 في المائة، فيما تضاعفت قوتنا البحرية كل ذلك لضمان ما اسماه "كفاية الخيار العسكري الهجومي".
وصلت الانباء إلى الجنود في الصحراء سوية مع اعلان وزير الدفاع تشيني انه لن تتم مناوبة أحد خلال هذه المدة. في البدء، أثار ذلك فزع البعض، الا أنه على الأقل ازال حالة الغموض، وأدرك الجنود "طيب، هكذا الامر اذن. لن نعود إلى الوطن في عيد الميلاد" وأخذ القادة وحداتهم إلى الصحراء للتدرب على الهجوم، وساد شعور بالتصميم كنت اسمع اقوالا مثل "حسنا، لنبدأ تنفيذ هذا الأمر، ونطرد العراقيين، ونعود إلى بلادنا ـ حتى لا نبقى هنا مضطرين إلى عيد الميلاد اللاحق".
11 نوفمبر ـ يوم ب + 96:
الساعة 1745 محادثة هاتفية من رئيس هيئة الأركان المشتركة. ق. ع. بحث زيارة وفد بقيادة رجل الكونجرس مورثا، وأشار إلى أنها ناجحة جدا.
فالوفد أكد للقائد العام ضرورة أن يعلن الكونجرس الحرب. ق. ع قال ان الشؤون السياسية ليست من مجال اختصاصه، وان خشيته الاكبر هي أن يؤدي إعلان الحرب قبل الاوان إلى تنبيه العدو، وقال ان إعلان الحرب في الساعة 1455 وشنها في الساعة 1500 معقول، أما إعلان الحرب قبل 4 أسابيع من البدء بها فغير معقول. وقال ق. ع ان الوفد فوجئ بتعليقه هذا. ومن وجهة نظر ق. ع فإن الوفد عاد بعد أن تمت الاجابة عن أسئلته، وان مخالب الوفد قد نزعت.
وصل الرئيس بوش لقضاء فترة عيد الشكر مع القوات، وقد رحبوا به بحماس هائل واستقبله الملك فهد عصر يوم الاربعاء في مطار جدة، وبدأت الزيارة بمأدبة عشاء رسمية. وامضينا فترة عيد الشكر تنتقل في شرقي العربية السعودية، وفي زيارات خاصة للجيش والبحرية والقوة الجوية ومشاة البحرية.
وفي الطريق من جدة إلى محطة التوقف الأولى في القاعدة الجوية بالظهران، جلس الرئيس إلى طاولة العمل في طائرة القيادة رقم واحد وراح يستجوبني عن كثب حول شركائنا في التحالف، وسلامة السفارة الأمريكية في مدينة الكويت، وغير ذلك من المواضيع. ويبذل قصارى جهده كي يجعلني أشعر وكأنني في بيتي. وشعرت بقليل من الرهبة لأن أجد نفسي وحدي مع رئيس الولايات المتحدة وحده. أصغي بانتباه لما أوضحت له خطة معركة الحملة البرية. بعد لحظة نظر إلي وسأل بدقة "كيف يمكن خوض اقصر حرب برية في تصورك؟".
قلت له ان هناك العديد من العوامل المتغيرة غير المعلومة، ولذلك لا استطيع أن أقدم له جوابا واحدا. الا أنه أصر قدم لي سيناريو أفضل حالة وسيناريو اسوأ حالة.
"الحالة الأفضل تستغرق حوالي ثلاثة أيام، وهذا يفترض ان العراقيين سينكفئون بسرعة ويستسلمون جماعيا. أما الحالة الاسوأ فهي وضع نخوض فيه معركة عسيرة اشبه بالمأزق. وقد يستغرق ذلك عدة أشهر ".
" الا يوجد سيناريو ثالث بين وبين ؟ ".
ولما كان هذا السؤال موجها لي من الرئيس، فقد شعرت أن الواجب يلزمني بالاجابة إذا استطعت، مع ذلك كنت أخشى ان يأخذ أجابتي على انها تعهد. اخترت اجابة حذرة "استطيع أن اتصور حملة تستغرق من 3 إلى 4 أسابيع، نواجه فيها مقاومة ضاربة ولكن نستطيع فيها تحقيق كل أهدافنا وتحطيم الحرس الجمهوري".
وقال مستغرقا في التأمل "ثلاثة أسابيع".
أكدت له "هذا مجرد تخمين " بعد أن رأيته يتمسك بالرقم مما جعلني اتوتر. حطت الطائرة في الظهران حيث كان حشد من جنود وضابط القوات الجوية الأمريكية والبريطانية والسعودية والكويتية يحيط بمقطورة منصة نصبت امام ثلاث طائرات حربية وارتفعت فوقها رايات حمر وبيض وزرق. تولى الكولونيل جون ماكبروم احد قادة اسراب القوة الجوية الأمريكية بتقديم الرئيس، الذي قام ببادرة كبيرة باصطحاب جورج ميتشيل، زعيم الاغلبية في مجلس الشيوخ، وتوم فولي، المتحدث باسم مجلس النواب، إلى المنصة معه، وقع معه، وقع بوش العديد من الاوتوجرافات وصافح مئات الأيدي.
واعين الرئيس على العودة إلى الهليكوبتر. ولكن ان صار على متن الطائرة حتى سلمه جون سنونوة بريده اليومي الذي يتضمن تقارير تقول ان الكونجرس قد يعقد جلسة خاصة لمناقشة عملية "درع الصحراء" إضافة إلى تقارير عن نتائج أخر استطلاعات الرأي التي تبين أن مستوى شعبيته منخفض طول القوت، شعر الرئيس بخيبة أمل.
واشتكى قائلا "حقا لا أفهم كيف يمكن لأي إنسان ان يعارض الموقف الذي اتخذناه".
ورفع أوراق الخلاصات الاخبارية مشيرا إلى موجز يلخص مقابلات اجراها مع صدام حسين مراسلون من التليفزيون الامريكي. "انظر إلى هذا. هل تتسطيع أن تتخيل احدا يجري مقابلة مع هتلر في الحرب العالمية الثانية كما نجري نحن مقابلات مع صدام ؟". وشبه بوش الغزو العراقي للكويت بغزو المانيا النازية لتشيكوسلوفاكيا. وشعرت بالتوتر لما أضاف "إذا استطعنا أن نطرد العراقيين في ظرف 3 أو 4 أسابيع، فإن كل هؤلاء النقاد سيغيرون رأيهم فورا". ثم واصل الرئيس، متحدثا مع نفسه ومع الاخرين الموجودين في الطائرة، أنه لن يدع نتائج استطلاع الرأي العام تخيفه. لن يدع الكونجرس يخيفه. كان يعرف أنه لا يحتاج، طبقا للدستور، إلى موافقة الكونجرس لكي يمضي في قراره وكان مقنا، في اعماق فكره، ان الولايات المتحدة تنتهج مسارا أخلاقيا. وكان موقعنا بأن العالم المتمدن سيقف إلى جانب ذلك.
هبطنا في موضع متوغل في الصحراء حيث تحتشد قوات الفيلق الثامن عشر المحمول، وألقى الرئيس كلمة قصيرة أخرى وسط تهليل الجنود. وفي النهاية اهداهم طقما من حدوات الحصان وتحدى ابطالهم لمباراة في حدائق البيت الأبيض بعد عودتهم للوطن. احب الجنود هذه البادرة. ووقفنا في طابور الطعام لاخذ قطع من لحم الديك الرومي مع البطاطا المهروسة، ووقف الرئيس معنا في الطابور مازحا مع الجنود وانتشر الجمع الرئاسي لتناول الطعام معهم على موائد خشبية وجلوسا على أكياس الرمل تحت الشمس. كانت المعنويات عالية رغم حرارة الجو.
أعقبت ذلك مراسيم صلاة عيد الشكر في موقع آخر يبعد 75 ميلا، على متن حاملة طائرات الهليكوبتر الأمريكية ناساو ـ التي جرى وضعها، احتراما للمشاعر السعودية، خارج المياه الاقليمية للمملكة، واحتشد البحارة حول الرئيس والسيدة عقيلته فيما بعد، وظلوا هناك مشغولين بمصافحة الأيدي بحيث اضطروا لتجاوز جولة في السفينة نظمتها البحرية لهم.
وما أن ركب الرئيس الطائرة الهليكوبتر حتى سلمه سنونو برقية تحمل نبأ استقاله رئيسة الوزراء البريطانية، مارجريت تاتشر. شعر الرئيس بوقع الصدمة ـ فتاتشر هي أوثق صديق وأقوى حليف له من بين سائر رؤساء الدول في العالم، وقد ساعدته بأقصى ما يمكن في الأيام الأولى من أزمة الخليج. وقام الرئيس بترتيب أمر الاتصال بها تليفونيا في أقرب فرصة ممكنة، ثم راح يسأل موظفيه عن خليفتها جون ميجر.
الموقع المتقدم لفيلق مشاة البحرية كان آخر المحطات، وهو يقع على مبعدة 65 ميلا من حدود الكويت المحتلة. وكان التحشيد العسكري يضم مشاة البحرية الأمريكية وجنود من الفرقة المدرعة الأولى البريطانية، المعروفة باسم "جرذان الصحراء". وقف الرئيس على جانب تل وألقى أشد خطبة له في ذلك اليوم "لسنا هنا للعب. ولسنا هنا للقيام ببعض التمارين لن نغادر حتى يخرج الغازي من الكويت" واضاف وسط تهليل الجنود "وهنا بالضبط يأتي دوركم".
غرق الرئيس في النوم اثناء رحلة العودة إلى الظهران ـ وكنت أنا أيضاً مرهقا لمجرد مراقبتي اياه وهو يشق طريقه بين كبار الناس وصغارهم. كما شعرت بالاثر العاطفي الذي تركته زيارته على جنودي، فلم يكن في الحشد ذلك اليوم جمهوريون أو ديمقراطيون بل امريكيون وحسب، أمريكيون في مقتبل العمر أو منتصفه، مغتبطين برؤية رئيسهم. وشعر بذلك هو أيضاً، ولقد ألتفت في إحدى اللحظات إلى سنونو قائلا "أين فولي وميتشيل؟ أمل ان يريا حماسة الجنود".
كانت زيارة الرئيس دعما كبيرا لنا، الا أن ما أمد الجنود والجنديات بأسباب الصمود في عملية درع الصحراء فيما الحرب تقترب، هو التأييد الساحق داخل الوطن. ففي أواخر نوفمبر، ومع بدء فترة الاعياد، تدفق علينا البريد في المملكة العربية السعودية بمعدل 300 طن يوميا. وحمل لنا هذا البريد ليس فقط الرسائل والرزم من العوائل والاصدقاء، بل أيضاً مئات الآلاف من الرسائل الموجهة لا على التعيين إلى "أي جندي " ـ رسائل وهدايا وبسكويت من أشخاص، ومدارس، واتحادات عمالية، وشركات، وكنائس، ومجموعات حقوق مدنية، ومن دور العجزة. كانت أغلب الرسائل واردة من أمريكيين يساندون عملية درع الصحراء، وهي تحمل عبارات من قبل "رعاكم الله في قتالكم من أجل الحرية وحماية مصلحتنا القومية". ولكن بعض الرسائل أيضاً جاء من أناس يرون أن لا مصلحة للولايات المتحدة بارسال القوات، وكانت هذه الرسائل تقول مثلا "لا اتفق مع قرار ارسالكم إلى هناك، ولكن لا تقلقوا بشأن موقفي، فانا معكم ما دمتم في الميدان. شكرا للتضحية التي تقدمونها لبلادكم".
لقد تغير أمر جوهري منذ فيتنام، حين جندنا الشباب الأمريكي وأمرناه بالقتال، ثم ألقينا ذنب الحرب عليه لما عاد إلى الوطن. لقد نضجنا كأمة نضجا كافيا لفصل السجال السياسي عن الاهتمام بسلامة الرجال والنساء الذين أرسلوا لخوض الحرب.
ان سائر الجنرالات في عملية "درع الصحراء" تقريبا سبق لهم ان قاتلوا في فيتنام، وكنا نتذكر جميعا كيف شعرنا بأن ابناء بلدنا قد أحاطونا بالخذلان لذلك فان البريد الذي تدفق على السعودية كان بالنسبة لي وبالنسبة إلى غيري من قدامى المقاتلين في فيتنام، يتسم بقيمة كبيرة يصعب التعبير عنها بالكلمات. وهناك رسالة معينة ذات دلالة بهذا الخصوص، وهي من أختي روث. لم استطع من قبل التغلب على معارضتها العنيفة للحرب الفيتنامية، ولم نكن قد ألتقينا أو تحدثنا مع بعض كثيراً منذ جنازة أمي، قبل 15 عاما. كانت رسالتها تنتهي بالعبارة التالية: "الرجاء أن تغفر لي لأنني لم أكتب لك شيئا خلال كل تلك السنوات في فيتنام". قرأتها وأنا جالس إلى طاولة مكتبي بمبنى وزارة الدفاع، فانفجرت الدموع في عيني. ما أن عرفنا بأن الوحدات اللازمة ستأتينا، حتى صغنا بسرعة ملامح خطة الحرب البرية. وفي يوم الرابع عشر من نوفمبر، أي بعد أقل من أسبوع على اعلان الرئيس بوش عن زيارة القوات الأمريكية في الخليج، دعوت كبار الضباط العاملين بأمرتي إلى الظهران لتبيان الطريقة التي سنهزم بها العراق كنت أعرف أن هذا هو أهم اجتماع في هذه الحرب، وان هؤلاء هم الرجال الذين سيضطلعون بتنفيذ الخطة في المعركة وقفت أمام خارطة كبيرة عرضها 15 قدما للكويت والعراق في "خانة الصحراء"، وهي بناية مقوضة حولها الجيش إلى قاعة طعام، مراقبا الضباط فيما هم يتخذون مقاعدهم كان أغلب الجنرالات الحاضرين، وعددهم اثنان وعشرون، برتبة نجمتين أو ثلاث نجوم، وق دلعب الكثير منه أدوارا هامة في عملية "درع الخليج": بينهم ضباطي المباشرون، هورنر، يوسوك، بومر، ما وتز، جاري لاك قائد الفيلق الثامن عشر المحمور، وقادة الفرق عند ماكافري، بيي، وجيم جونسون، وجون هـ. تيليلي جونيور، قائد فرقة الفرسان الأولى. واصطحب بومر معه الجنرالات مايك ميات ورويال مور، وهما على التوالي قائد فرقة مشاة البحرية الأولى وقائد الجناح الجوي الثالث التابع لمشاة البحرية، وكان القادمون الجدد هم قادة الوحدات الرئيسية المقاتلة، التي أضيفت إلى قوات "درع الجزيرة ". أما الليوتاننت جنرال فريد فرانكس، وقائد الفيلق البري السابع، فقد جاء بالطائرة من مقره في شتو تجارت بالمانيا، مصطحبا معه الميجور جنرال رونالد جريفيت وبول أي "بتش" فنك، قائدي الفرقتين الأولى والثالثة على التوالي. وجاءنا أيضاً الميجور جنرال توم رهام، قائد فرقة المشاة الأولى، المعروفة بالفرقة الحمراء الكبيرة، من معسكر فورت ريلي بولاية اركنساس، لحضور الاجتماع، كما كان الميجور جنرال باجونيس حاضرا بالطبع. ووقف الكولونيل بيل في ركن القاعة مع جهاز التسجيل. واذ رحت انظر إلى وجوههم أحسست أنه ما من قائد ميداني في كل التاريخ حظي ببركة هذا الطيف الواسع من المواهب.
كنت قد هيأت نفسي لملاقاة وضع عصيب. فهناك قلة قليلة من القادة لديها فكرة عن الخطة التي كنت بصدد عرضها، أو عن المهمات الصعبة التي كنت بصدد توزيعها عليهم، كنت بحاجة إلى أن يستوعب كل رجل في القاعة مهمته وأن يتحمس إلى حد ان ينفث النار حين يخرج من الباب. بدأت بالتوكيد على ضرورة الحفاظ على سرية ما نحن بصدد بحثه. ووصفت كيف أن صحيفة من واشنطن سربت اخبارا عن تدريبات انزال برمائي في الخليج مما دفع العراق إلى تحميل احدى قاذفاته بصواريخ سيلكوورم المضادة للسفن. ستتعرضون لوابل من الأسئلة من جانب الصحافة. ولا أريدكم أن تذكروا العمليات الحربية. نقطة ولا اريدكم أن تتناولوا قدراتنا العسكرية. نقطة. ويجب أن تعلموا كل واحد من ضباطكم أن يقوم بالشيء نفسه. ولا يهمني ما يقول ولكني اهتم إذا شغف احد الضباط بالصحافة وراح يطلق للسانه العنان. لأنني، وأقول لكم، سأتعامل بقسرة، بقسوة مطلقة، مع أي شخص أشعر أنه مصدر خطر على سرية المعلومات كنت شديد الفظاظة، ولكني كنت مقتنعا أيضاً ان مراسلي صحفنا وتليفزيوناتنا قد أصبحوا افضل مصدر للمخابرات العسكرية العراقية. وكان يتوجب قطع دابر كل مصادر التسرب الأخرى.
وتذكرت الصراع المديد الذي خاضته القيادة المركزية لحمل واشنطن على الاقرار بأن طرد العراق من الكويت يتطلب المزيد من القوات. أما الآن فإن الفيلق السابع معنا، لذلك قلت "ان الأوامر المدونة من واشنطن ما تزال تنص على ردع العراق عن مهاجمة العربية السعودية، ولكن لا ريب في الواقع اننا نتخذ التحضيرات لكي نكون جاهزين للهجوم. وهذا هو ما نحن بصدد الحديث عنه اليوم. انسوا الهراء الدفاعي، أننا نتحدث الآن عن الهجوم. وسنظل نتحدث عن الهجوم من الآن حتى عودتنا إلى الوطن".
ودرت بهم في ثنايا تحليلي لوضع القوات العراقية ووضع قواتنا، مشيرا باقتضاب إلى ما يواجهنا "هناك عدد هائل من القوات العراقية 450 ألفا الآن في مسرح العمليات الكويتي، وهذا يعادل 26 فرقة، وحجم الفرقة العراقية بحجم الفرقة الأمريكية. لذا فان الكثرة العددية لصالحهم. وهناك نقطة أخرى هي السلاح الكيماوي. لقد استخدموه في الماضي، وليس ثمة ريب في رأيي في أنهم سيستخدمونه ضدنا". وبينت مكامن ضعف العراق، وذكرت القادة بنقاط قوتنا العسكرية. أخيرا عرضت الاهداف الميدانية للقتال.
"أول شيء يتوجب علينا القيام به هو، وأنا أكره استخدام هذه الكلمة، قطع رأس القيادة لذلك اظن اني سأستخدم كلمة "الهجوم" على القيادة، وان نلاحق منظومات القيادة والسيطرة التابعة له. ثانيا يجب أن نفوز بالتفوق الجوي ونحافظ عليه. ثالثا، نحتاج إلى قطع خطوط امداداته كليا، كما نحتاج إلى تدمير منشآته الكيماوية والبيولوجية والنووية. وأخيرا اصغوا لي انتم يا أصحاب الدبابات، نحتاج إلى تدمير وأعني تدميرا وليس مهاجمة أو ضربا أو تطويقاً، بل تدمير الحرس الجمهوري. وحين تفرغون من ذلك لا أريد أن أرى وحدة من الحرس الجمهوري قادرة على القتال بعد. لا أريد أن يكونوا موجودين كتشكيل عسكري ". وأكدت أيضاً لما فيه خير قدامي المقاتلين في فيتنام ـ أي عمليا كل الحاضرين في القاعة. قائلا " لن ندخل هذه المعمعة وواحدة من أيدينا مقيدة إلى ظهورنا. لن نقول إننا نريد أن نكون لطفاء على أحسن ما يكون اللطف، وانهم إذا انسحبوا عبر الحدود فلا بأس. هذا هراء يجب أن ندمر الحرس الجمهوري ". وإذا ما صدرت الأوامر ببدء الهجوم فانه ستكون مشفوعة باعطائنا كامل الحرية في استخدام كل قدرتنا العسكرية وعبور الحدود داخل العراق.
"سأخبركم الآن ببعض الأمور لا يعرفها كثيرون من الناس وبخاصة في واشنطن ". ثم رحت أصف المراحل الأربع للهجوم التي وضعناها لعملية "عاصفة الصحراء ": القصف الاستراتيجي أولا، بسط السيطرة على الاجواء الكويتية، ثم قصف مواقع المدفعية، وخطوط الاستحكامات، والقوات، وأخيرا الهجوم البري. ثم أنتقلت إلى خطة الهجوم البري ـ وهي نسخة كاملة التجسيد من خطة الالتفاف التطويق التي عرضتها على باول قبل ثلاثة أسابيع. واستخدمت الخارطة لأبين للقادة الموضع الذي أريدهم أن يقوموا بالمناورة بوحداتهم فيه. كانت الخطة تغطي مساحة واسعة، ولكي نضمن أن نقوم بالقتال في الحملة حسب شروطنا، فقد وسعنا حدود ميدان المعركة إلى الغرب بحيث صار المربع الذي يضمها يساوي مساحة ولاية بنسلفانيا تقريبا. وكانت قوات صدام متمركزة في الطرف الشرقي داخل الكويت وحوله.
وستتولى قوات "درع الصحراء " مهمة منع القوات العراقية من التحرك جنوبا، أما إلى الشرق من هذه القوات فهناك عائق طبيعي هو الخليج، والى الشمال هناك نهر الفرات الذي سيتحول إلى عائق طبيعي ما أن تدمر قوات تشاك هورنر الجوية الجسور المقامة عليها، أما إلى الغرب فهناك مئات الاميال من الصحراء التي ستكون ممرنا الأساسي للهجوم.
وقلت أنني انتظر هجوما بريا رباعي الرؤوس. ويجب على مشاة البحرية الأمريكية وقوة المهمات السعودية ان تندفع إلى داخل الكويت بهدف تقييد قوات صدام وتطويق مدينة الكويت آخر المطاف. وأومأت باتجاه بومر قائلا: "سأترك الأمر إلى والت بومر كي يحدد بأية طريقة يريد أن يتحقق ذلك، كما أن الأمر متروك له في أن يختار الدخول من جهة البحر بقوات الانزال البرمائي ".
وكنت قد خصصت ممرا ثانيا في الجزء الغربي من الكويت، لشن هجوم مواز تقوم به القوات العربية بقيادة فرقتين مدرعتين من مصر وفرقة أخرى سعودية، وسيكون هدف هذه القوة هو احتلال مفترق الطرق الواقع شمال غرب مدينة الكويت، والقيام بالمهمة الصعبة بمقاتلة العراقيين من بيت لبيت إذا دعت الضرورة.
في هذا الاثناء، تأتي ضربة الجيش الأمريكي القوية من جهة الغرب، نظرت إلى جاري لاك واشرت إلى قطاع من الحدود السعودية ـ العراقية بعمق أكثر من 350 ميلا داخل العراق، وقلت "قد ارسل الفيلق الثامن عشر المحمول في العمق العراقي " وبينت كيف أريد من فرق لاك أن تسرع شمال تلك الرقعة الحدودية نحو نهر الفرات، لتسد على الحرس الجمهوري آخر طرق الانسحاب، وما أن نضمن السيطرة على هذا القاطع، قلت له، كان عليه الانعطاف بقواته شرقا، استعدادا للمشاركة في الهجوم على الجسم الرئيسي للجيش العراقي، أخيرا توجهت إلى فريد فرانكس بالقول: "اظن ان من الواضح جدا ما ستكون عليه مهمتك " ومررت بيدي على الممر الصحراوي أريد أن اشل الحرس الجمهوري في مكانه وظهره إلى البحر، وان نقتحم ونسحقهم عن بكرة أبيهم ولم استطع منع نفسي من القول على سبيل الاضافة ما أن تجهز عليهم، حتى يتوجب ان تستعد لمواصلة الهجوم باتجاه بغداد. لأنه لن تكون هناك قوات أخرى من الطريق تقف بوجهك "، وأشرت إلى أن الاستيلاء على بغداد قد لا يكون ضروريا، لأن الحرب تكون قد انتهت عند ذلك الحد.
تكهرب الجو. ولما انفض الاجتماع وذهبنا لتناول القهوة هرع القادة جميعا متجمهرين على الخارطة. لقد اسندت إلى بي وماكفري مهمتان صعبتان على الجناح البعيد، وقال لي أحدهما "هل تعرف، سيدي، كنا نظن أننا ما نزال متمسكين باستخدام تلك الخطة الهزيلة باقتحام الكويت مباشرة. اما هذه الخطة فانها مذهلة " أما والت بومر الذي كان على مشاة البحرية التابعين له القيام بذلك الاقتحام ليترك لقوات الجيش البرية حرية المناورة على الجناح، فقد رضي بمهمته لمجرد انه كان يجب تنفيذها. الاعتراض الوحيد جاء من فريدي فرانكس: "تبدو الخطة جيدة. ولكني لا أتمتع بقوات كافية لانجاز مهمتي " وجادلني مطالبا بأن أعطيه فرقة الفرسان الأولى التي كنت احتفظ بها كاحتياطي. فقلت له أنني سأدرس طلبه في الوقت المناسب
ولما عدنا إلى الاجتماع قلت لهم ان يتوقعوا "يوم البداية " في منتصف فبراير، فأدى ذلك على الفور إلى شد انتباه الجميع على مهمتين لوجستيتين ضخمتين تشكلان تحديا. الأول أن جل دروعنا ما تزال في المانيا والولايات المتحدة، ويتعين علنيا ان ننقل 3 فرق إلى الخليج، وان نفسخ المجال أمام الجنود للتأقلم. لننقلهم بعد ذلك مع معداتهم مسافة مئات الاميال شمال السعودية. والثانية هي قراري بارجاء التمركز في المواضع المطلوبة لشن الهجوم على الجناح ريثما تبدأ الحملة الجوية. لم أكن أريد أن يعرف العراقيون بخطة المعركة، فلو عرفوا لاستطاعوا نقل دفاعاتهم. وكنت ادرك تماما انه ما أن تتمكن قوتنا الجوية من وقف تحليقات الاستطلاع الجوي العراقية، فان العراقيين سيصابون بالعمى، وحتى لو حرروا الخطة أخيرا، فان القوة الجوية ستمنعهم من تحويل قوات كافية لصد هجومنا على الجناح. لذا كنت أصر على أن تبقي فيالق فرانكس ولوك في مناطق تجمع قرب الكويت. ووعدتهما: "سيؤذن لكما بالتحرك حالما نبدأ حملتنا الجوية. كونا على ثقة أنني سأعطيكم جميعا الوقت الكافي. هدأ ذلك من روعهما بعض الشيء إلا أننا كنا جميعا ندرك أن نقل فيلقين بكامل المعدات والذخائر مسافة 200 ميل أو أكثر عبر الصحراء هو عمل عملاق. وقلت لهما "سأتولى الاشراف على تدريبكم أيها الرجال بلا شفقة من الآن حتى "يوم البداية" لا بد أن أكون متيقنا من انكم متهيئين لوجستيا"
بعد جلسة السؤال والجواب، حاولت أن احدد التوجه للأشهر القادمة. "دعوني أغرس في أذهانكم فكرة واحدة أيها الرجال. لكي ننجح في خطتنا هذه ـ لأن العدو يفوقنا عددا ـ فلابد من أن تتوافر لدي كل القادة هناك، وأغفروا لي لأني لم أجد تعبيرا افضل، غريزة القتل ". واشرت إلى الخارطة مرة ثانية " قصدي من هذا القول أنه حين يجتاز مشاة البحرية هذا الشريط الواقع هنا، وحين تجتاز قوات الجيش البرية الشريط الواقع هناك، فلن يكون هناك شيء من هذا الهراء أظن أننا سنتغلغل ونحبس الوضع قليلا ونرى ان كنا نستطيع المضي قدما اننا بحاجة إلى قادة يقفون في الطليعة، ويفهمون بصورة واضحة وجازمة انهم سوف يشقون طريقهم قدما. وأنهم سيتوجهون إلى هناك لتدمير الحرس الجمهوري. لا أريد قادة لا يفهمون أن الأمر هو الهجوم، والهجوم، والهجوم، والهجوم، وتدمير كل عثرة في الطريق.
إذا كان بينكم من لا يستوعب ذلك، فانني اوصيكم بقوة ان يزيحوه عن موقع القيادة وتضعوا محله من هو قادر على تنفيذ هذه المهمة. "والسبب، دعونا نتكاشف، هو أن هيبة القوات المسلحة الأمريكية تقع على كاهلنا. والأهم من ذلك أن هيبة الولايات المتحدة الأمريكية كلها على كواهلنا. ولن يتحمل أحد هذا الوزر غيرنا نحن. فليست هناك قوات اضافية. وما جاءنا منها هو ما سيقوم بالمهمة. ولأجل بلادنا لن نجرؤ على الفشل، لا يمكن أن نفشل، وسوف لن نفشل. إذا كان هنا بين الحاضرين من لا يستوعب ذلك، فليغرب ويتنحى عن الطريق. هل من أسئلة ؟ حسنا، حظا طيبا. تعرفون ما ينبغي عمله".
كنت ما ازال محلقا على جناح البهجة من مؤتمر القادة، عندما ذهبت لاطلاع خالد بعد يومين من ذلك، وصدم في البدء من مدى عمق غزونا المزمع للعراق، الا أنه سرعان ما تقبل الخطة بحماس. ولم اترك ذلك للصدفة، كنت قد سمعته يتحدث مرارا عن رغبته في ان تقوم القوات السعودية بتحرير الكويت، ولذلك نصت الخطة على أن تشارك قواته في اتجاهين من الهجوم داخل امارة الكويت.
وسيقاتل لوءان سعوديان مدرعان إلى جانب المصريين والسوريين في الاندفاعة الغربية، ويقوم لواءان سعوديان أخران بالهجوم من الشرق، على طول الطريق العام الساحلي وصولا إلى مدينة الكويت، بموازاة مشاة البحرية بأمرة بومر، وعبر خالد عن خشيته من العوائق الحدودية التي اقامها العراقيون ـ سدود رملية عالية، حقول الغام، سياجات اسلاك شائكة. وغير ذلك من العقبات. ووعدته بارسال مستشارين سيعلمون السعوديين التاكتيكات اللازمة لاختراق خطوط العدو، اضافة إلى حفارة مدرعة، وكاسحات الغام، وغيرها من معدات اختراق الموانع.
والآن التفت إلى المهمة الشائكة، وهي كسب دعم شركائنا في التحالف فرغم أن الولايات المتحدة قدمت ثلثي القوات البرية لعملية "عاصفة الصحراء" فان نجاح الخطة يتطلب كامل القدرة القتالية لمجمل اطراف التحالف، ولما أعلن العراق يوم 19 نوفمبر أنه سيزيد قواته بـ 250 ألف جندي اضافي "كاجراء دفاعي في جنوب العراق، في محافظتي البصرة والكويت" شعرت بضرورة أكبر بمشاركة الكل في العملية. وإذا ما واصل صدام زيادة حشوده العسكرية، فان قواته قد تناهز 680 ألف جندي. ارتاب ضباط المخابرات عندي بهذا الاعلان الصادر عن صدام، الا أننا سرعان ما التقطنا حركة بناء عسكري محموم على طول الحدود الكويتية، حيث راح العراقيون يعززون الدفاعات القائمة بالاصل. وتدفقت أيضاً قوات عراقية اضافية، رغم أنها كانت أقل مما أعلن عنه: وصل حجم القوات العراقية إلى 545 ألفا.
بعيد عيد الشكر توجهت إلى البريطانيين وعرضت خطتنا للمعركة على الليوتاننت جنرال السير بيتر دي لا بيليير، القائد العام للقوات البريطانية في الخليج. ان السير بيتر عسكري اسطوري ومحب للمغامرات، وقد كان قائد قوات العمليات الجوية الخاصة وأكثر ضباط القوات المسلحة البريطانية تكريما بالانواط والنياشين. ولم يكن من باب المصادفة أن يكون أول من أزوره، فبريطانيا العظمى هي أوثق حليف غربي لنا في الازمة، كما أن عرى الصداقة توطدت بيننا. كنت أثق بعقله وحصافته إلى حد أنني كنت اطلب مشورته حتى في أدق المسائل العسكرية حساسية.
كنت أريد من فرقة دي لا بيليير، وهي الفرقة المدرعة الأولى، التي وصلت حديثا، والمعروفة باسم "جرذان الصحراء"، ان تهاجم مع والت بومر في عمق الكويت. أومأ برأسه موافقا عندما عرضت عليه تفاصيل خطة الهجوم، الا أنه لاحظ في الختام بهدوء ان الناخبين البريطانيين سوف يحتجون لدى رؤية أولادهم منحدرين إلى مرتبة ثانوية، هي المشاركة في هجوم ثانوي للدعم وسأل ان كان بوسعي أن أعيد توزيع المهمات لكي تشارك الفرقة البريطانية مع الفيلق السابق في الهجوم الرئيسي؟ وكما قلت لباول فيما بعد، كيف لي أن أرفض طلباً رقيقا من حليف وثيق، رغم أن دوافعه سياسية صرفة لا عسكرية. لذلك أجرينا التعديل. رغما عن اعتراضات بومر الشديدة، فقد كان معجبا بأداء جرذان الصحراء، وحرص على الاحتفاظ بالقدرة النارية لدبابات هذه الفرقة، تعويضا له عن ذلك، نسبت إليه لواء النمور من الفرقة المدرعة الثانية في ألمانيا، إضافة إلى دعم جوي مساند لهجومه.
كما أرسلت الحكومة البريطانية طلبا رسميا مباشرا إلى وزير الدفاع تشيني يرغبون فيه الحصول على تحديد واضح للأهداف الاستراتيجية والسياسية لحرب التحالف. ولما أبلغني وزير الدفاع البريطاني توم كنج بهذا الطلب خلال زيارة له للقيادة المركزية، تكهنت أن ذلك قد يثير بعض الذعر في واشنطن لذلك أوعزت إلى جرانت شارب، وهو رئيس قسم الخطط والسياسة بالامر التالي: "ضع مسودة توجيهات استراتيجية نستطيع أن نتقدم بها كتوصية للجنرال باول إذا ما طلب ذلك".
وكم هو معلوم، اتصل باول بعد اسبوع من ذلك طالبا توصيات القيادة المركزية، فسلمه شارب تقريري المؤلف من ثلاث صفحات مضروبة على الآلة الكاتبة، ويحتوي التقرير على نص رائع من نصوص التوجيهات الاستراتيجية، وأعجوبة صغيرة فلقد فصله على النموذج الامر التاريخي للحلفاء إلى دوايت ايزنهاور في فبراير 1944، محددين "يوم البدء" ومما جاء في النص الذي وضعه شارب.
 
الفصل السابع
مسودة توجيهات استراتيجية مقترحة إلى القائد المشارك:
1ـ المهمة. القيام بالعمليات سعيا إلى الانسحاب الكامل للقوات العراقية من الكويت طبقا لبنود قرارات الأمم المتحدة ولقرارات العقوبات. القيام، عند الضرورة والامر بذلك، بعمليات عسكرية لتدمير القوات المسلحة العراقية، وتحرير الكويت وضمان امنها بما يسمح استعادة حكومتها الشرعية وبذل كل جهد معقول لاجلاء الرعاية الأجانب المحتجزين ضد ارادتهم في العراق والكويت. وتعزيز الامن والاستقرار في منطقة الخليج العربي/ الفارسي.
2ـ التخويل. لدى الامر بذلك، فانتم مخولون بالعمليات الجوية في العراق كله، وبالعمليات البرية والبحرية داخل الأراضي والمياه الاقليمية العربية بما هو ضروري لتحرير الكويت وضمان امنها وتدمير القوات العراقية التي تهدد أرض الكويت وغيرها من دول التحالف. ويجب أن تستعد القوات لبدء عمليات الهجوم في موعد لا يتجاوز فبراير 1991. وأنتم مخولون، في أي وقت، باستثمار الانسحاب الكلي أو الجزئي للقوات المسلحة العراقية من الكويت بادخال القوات العاملة تحت امرتكم لضمان ارض الكويت ومياهها، والدفاع عنها بوجه أي عدوان جديد، والسماح باستعادة الحكومة الشرعية في الكويت. صلاحية مشروطة لتنفيذ العمليات لتدمير القوات العراقية وتحرير الكويت والدفاع عن المملكة العربية السعودية. إذا قامت القوات العراية بالهجوم على المملكة العربية السعودية، فانتم مخولون بالقيام بالعمليات جوا وبرا وبحرا في كل ارجاء الكويت والعراق، واجوائها، ومياههما الاقليمية.
3ـ توجهات عملياتية. ان اهداف حملتكم الهجومية ستكون تدمير منشآت الانتاج العراقية النووية والبيولوجية والكيماوية، واسلحة الدمار الجماعي، احتلال جنوب شرق العراق حتى تحقيق جميع الاهداف الاستراتيجية، تدمير وتعطيل قيادة قوات الحرس الجمهوري، تدمير وتعطيل أو تفكيك قيادة السطلة العراقية، صيانة الرعايا الاجانب، بالحدود الممكنة عمليا، المحتجزين في العراق والكويت، واضعاف الدفاعات الجوية الاستراتيجية العراقية أو ايقاع الفوضى بها.
في الثامن عشر من نوفمبر ارسلنا مسودة التوصيات بالفاكس إلى باول واختفت دون اثر يذكر، وبحدود علمي فان واشنطن لم تقدم إلى لندن أي رد رسمي. وبعد يومين من ذلك عرضت نسخة من المسودة على دي لا بيليير قائلا "ستبين لك هذه المسودة في الأقل ما نعتقد اننا يجب أن نتهيأ له ".
27 نوفمبر 1990 ـ يوم ب + 112:
الساعة 1510 جلسة تنفيذية مع وفد الكونجرس بزعامة ما فرولس. الحد الفاصل للجلسة ان الوفد بين أعضاء مجلس النواب ينقسمون إلى واحد من صنفين. الصنف الأول يضم الذين يريدون عملا عسكريا الآن، والصنف الثاني يضم اولئك الذين يريدون إعطاء المزيد من الوقت للعقوبات كي تفعل فعلها، حتى لو دام ذلك مثلا عامين. اشار ق. ع إلى أن رجال الكونجرس منقسمون انقساما دفعهم إلى البدء عمليا بالمناقشة في ما بينهم فيما هو ما يزال في منتصف حديثه إليهم.
الساعة 2010 ق. ع ابلغ رئيس هيئة الأركان ان وفد الكونجرس لا يدرك أن العرب يحتلون مواقع متقدمة. وهم يتوهمون أن العرب غير مشاركين.
2 ديسمبر 1990 ـ يوم ب + 117:
الساعة 900، التقى ق. ع مع وزير الطاقة جيمس واتكنس، الغرض من زيارة الوزير لـ ق. ع هو البحث عن ضمانات بأن هجوما على السعودية لن يؤدي إلى انزال اضرار بليغة بمنشآت النفط ركز الوزير واتكنس على القاء كلمة تعبر عن الامل بأنه إذا اندلعت الحرب فإن أسعار النفط لن تحلق عاليا.
4 ديسمبر 1990 ـ يوم ب + 119:
الساعة 1000 قدم اثنان من محللي وكالة المخابرات المركزية صورة سيكولوجية من صدام حسين. رأى ق. ع أن عرضهم مفكك، ويسمح لمن يصغي إليه باستخلاص أي استنتاج يشاء.
في التاسع والعشرين من نوفمبر اشعل مجلس الامن التابع للأمم المتحدة فتيل الحرب، بحث من الولايات المتحدة، بعد أن أعطى التخويل باستخدام القوة إذا لم ينسحب العراق من الكويت بتاريخ 15 يناير. وسواء كانت هناك أوامر تحريرية أم لا، فقد كان واضحا أنه لم يبق لنا كثير وقت، ولدينا فقط ستة أسابيع لاعداد التحالف للهجوم.
في الثامن من ديسمبر طرت إلى القاهرة بذريعة تفقد مصنع دبابات م ـ 1 وهو مشروع مشترك تديره الولايات المتحدة ومصر. قدمت عرضا مفصلا لثلاثة ضباط اعتبرهم في عداد الاصدقاء منذ أيامي الأولى في القيادة المركزية وهم الجنرال أبو طالب، وزير الدفاع، الليوتاننت جنرال أبو شناف رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، والميجور جنرال عمر سليمان، رئيس قلم المخابرات الحربية، واقر الجميع على الفور بالمنطلق السياسي، الا أنهم، شخصوا المصاعب العسكرية.
قال أبو طالب مشيرا إلى خارطة تبين موقع الخطوط الامامية العراقية " أنظر إلى حقول الالغام هذه وإلى الموانع". اكدت أن حملة القصف ذات الثلاث مراحل مصممة لدعم عملية الاختراق بتحطيم المدفعية العراقية، واصابة التحصينات العميقة بالاضرار، وارقام قوات الخط الامامي على المكوث بلا حراك في مواضعها. واطلعت الضباط المصريين على نماذج من الصور الجوية، وهي تصور الممرات المفتوحة داخل حقول الالغام العراقية. بعد ذلك وصفت لهم معدات الاختراق والاسناد الجوي الذي ستقدمه أثناء المعركة نفسها.
9 ديسمبر 1990 يوم ب + 124:
الساعة 2100 محادثة تليفونية مع رئيس هيئة الأركان. بحث القائد أن أمر اعلان السياسة بخصوص الرد الثأري على هجوم بيولوجي أو كيماوي.
قال رئيس الأركان أنه يضغط على البيت الأبيض لابلاغ طارق عزيز بأننا سنستخدم الأسلحة غير التقليدية إذا استخدم العراقيون السلاح الكيماوي ضدنا. رئيس الأركان يعتقد أن الوزير بيكر سوف ينقل هذه الرسالة لوزير الخارجية العراقي.
10 ديسمبر 1990 يوم ب + 125:
الساعة 1533 مكالمة تليفونية مع رئيس الأركان. استغرق القائدان في محادثة بخصوص مهاجمة معامل خزن السلاح البيولوجي العراقي، وق. ع يشير إلى أن الجنرال هورنر اكد له ان لدى مهاجمة هذه المعامل سوف يستخدم ذخيرة تقتل الجراثيم، سجل ق.ع ذلك للمتابعة وذكر رئيس الأركان أننا لم نهاجم هذه المعامل فلن نستطيع ضمان عدم استخدام هذه المواد ضد القوات الأمريكية، وهذه ستكون خطيئة لا تغتفر.
في غضون ذلك كان الفرنسيون يجدون صعوبة في تحدي الدور الذي يرغبون في لعبه داخل التحالف. ان جزءا من حيرتهم يرجع إلى تضارب المصالح التجارية: ففرنسا بائع سلاح رئيسي لكل من السعودية والعراق. وهناك مستوى شخصي للتعقيد، راجع إلى أن وزير دفاعهم، جان بيير سيكفمونت، هو عضو منظمة تدعى جمعية الصداقة الفرنسية ـ العراقية، وكان يعارض بشدة ارسال القوات، في البدء، اصرت فرنسا على أخذ قطاع خاص بها والدفاع عنه دون أن تكون خاضعة لاحد، وحين رفض السعوديون ذلك، وافق الفرنسيون على وضع قواتهم بأمرة خالد وليس واضحا الآن إن كانوا سيشاركون في الهجوم أبدا.
وظل الليوتاننت جنرال ميشيل روكويجوفر، قائد القوات الفرنسية في الخليج، وهو رجل احترمه واعتبره في عداد الاصدقاء، ظل يستلم اشارات متناقضة من باريس. وابديت تعاطفي معه، الا أنني كنت بحاجة إلى معرفة ما إذا كان بمقدورنا الاعتماد على الفرنسيين في القتال. أخيرا، في ديسمبر، ابلغني الجنرال موريس شميت، قائد قواتهم المسلحة أن فرنسا لا تريد أن تشارك في الهجوم ولكنه يخشى ان جنوده المزودين بعربات مدرعة خفيفة، لن يضاهوا الدبابات السوفياتية الثقيلة لدى العراقيين، وذلك في معركة اقتحامية من هذا النوع. لذلك طلب إلى أن تشارك قواته في حماية جناحنا الغربي البعيد. وافقت على الفور، فقد كنت ابحث عن قوة لتقوم بذلك، والوحدات الفرنسية تناسب قياس هذه المهمة بالضبط.
بقي السوريون. في منتصف ديسمبر ارسل الرئيس حافظ الاسد فرقة مدرعة كاملة إلى المملكة العربية السعودية. ويخضع السوريون لامرة خالد، أما مهمتهم في الاشتراك مع الهجومم المصري في الكويت. وشعرت بارتياح أكبر في الاعتماد على خالد بأن يبلغهم بنوايانا.
13 ديسمبر 1990 ـ يوم ب + 128:
الساعة 1600 مكالمة تليفونية مع رئيس الأركان. ق. ع ابلغ عن جلسة مع وفد اينوي من مجلس الشيوخ، انعقدت لتوها. كما أبلغ رئيس الأركان أن الجلسة سارت سيرا حسنا وكانت ايجابية وودية. وقال ان الوفد ناقش باسهاب مسألة إعلان الكونجرس للحرب، لكنه لاحظ أن ذلك لم يحصل في كوريا وفيتنام أو بنما، وإنما قد لا يحصل في هذه الحالة أيضاً.
وبحلول الثاني والعشرين من ديسمبر، احتشد كل رصيف ميناء وكل مطار في المملكة بالمعدات والذخائر والتجهيزات الأمريكية، التي يتوجب نقلها إلى الجبهة، ولأول مرة شهدت الطرق النائية في الصحراء زحمة مرور. فقد كان نقل اللوازم يتطلب الآلاف والآلاف من الشاحنات، ومن أن جاس باجونيس وضباط النقل العاملين بأمرته استأجروا كل شاحنة في المملكة واطلق باجونيس على ذلك "قافلتي الغجرية " ـ وهو أوسع طيف من العربات والسواق المدنيين وقع بصري عليه. فكلما سرت في شارع عجبت من القوافل المارة: شاحنات المانية شرقية، شاحنات تشيكية، وأخرى بولونية، وبعضها قديم جدا بحيث لا يبدو قادرا على السير، وأن كثرة من السواقين المؤجرين هم من باكستان والهند وبنجلاديش ممن جاءوا إلى السعودية طلبا للعمل. ويميل هؤلاء إلى تزيين شاحناتهم باشكال صارخة ملونة، وبعض الملصقات على المرايا وعاكسات الضوء.
ووصل عدد الجنود الامريكان في الخليج إلى 300 ألف فيما كانت تعزيزات من المانيا قد بدأت لتوها بالوصول. لقد نمت عملية درع الخليج نمو فاق سيناريوهات الكومبيوتر الطموحة التي جرت قبل 5 أشهر. وفي لحظة اتمام الحرب ـ مع فارق ان التحشيد هناك استغرق 4 سنوات، اما هنا فكنا بصدد إنجازه في 6 شهور. رد العراق على تصعيدنا بتصعيد حشوده. فكان ضباط مخابراتي يرفعون التقارير عن وصول وحدات جديدة إلى الكويت، وظل عدد القوات العراقية في ارتفاع متزايد.
وبفعل وجود موعد نهائي محدد، اكتسبت عاصفة الصحراء زخما هائلا ففوق رؤوسنا تقوم القوات الجوية للتحالف بألف طلعة تدريبية في اليوم، أما في الصحراء فيشيد المهندسون نماذج مماثلة لخطوط التحصينات العراقية لكي تتدرب القوات المقاتلة على مهاجمتها. ونضجت خطة الهجوم بفعل تدقيق قادة الميدان في الخرائط، ودراستهم الأرض وميول العدو ووضعه، وراحوا يفصلون خططهم للمراوغة بتفصيلات دقيقة. وفي مقر القيادة، صارت استعداداتي للحرب البرية تسير بسرعة كبيرة. وفي منتصف نوفمبر التحق الليوتاننت جنرال كال والر بالمقر في الرياض بوصفه نائبا للقائد العام. وبوصوله توفر من يساعدني على ركوب عجلة قيادة الجموع. كان كال صديقا عمل بأمرتي في قيادتين سابقتين وهو رجل بارع لطيف النبرة، نزاع إلى ترديد الامثال التي حفظها عن جدته في ريف تكساس، الا انه أيضاً رجل شديد المراس وفعال. وكان هو خياري الأول لهذه الوظيفة، وقد تدرج في الجيش كضابط دروع وكان يتقن الشؤون اللوجستية أيضاً، كما أنني كنت أعرف أنني لا أخيفه اطلاقا. كنا نثق ببعضنا إلى حد كبير بحيث انه كان يدخل إلى مكتبي ويقول على المكشوف "يا انت، ثمة شيء تلخبط، والخطأ خطؤك، ولا بد أن أطلعك على ذلك. وبزيادة عدد القوات، رحنا، كال وانا ندفع خبراء الجيش في الشؤون اللوجستية دفعا قويا ليحددوا ما إذا كان بوسعهم ان يدفعوا الحركة الجانبية العملاقة للقومات المقاتلة والتجهيزات في الموعد المقرر للهجوم، ورحنا على مدى اسابيع ندور في حلقات مفرغة، فأولا سألنا جون يوسوك، الذي كان يشرف على ضباط اللوجستيات. "إذا منعناك من تحريك القوات حتى بدء الحملة الجوية، ولنقل في العشرين من يناير ـ فكم من الوقت يتطلب نقلها إلى نقطة الوثوب لبدء الهجوم ؟" من اسبوعين إلى 3 أسابيع. بعد ذلك نتوجه إلى قادة الفيالق ونكرر "لقد دققنا الامر مع يوسوك، وليس هناك من داع يدعوكم إلى التحرك قبل بدء الحملة الجوية ".
كان القادة يمقتون ذلك ـ وبخاصة لأنهم كانوا يريدون أن يجدوا الوقود والذخيرة أمامهم. لذلك راحوا يضغطون على ضباط اللوجستيات التابعين لهم، وراح هؤلاء يدمدمون ويتشكون، فتصل الشكوى إلى يوسوك، ويعود يوسوك بتقدير جديد يقول " لا أعرف أن كان باستطاعتنا تحقيق ذلك ".
في هذه الاثناء تأخر وصول بعض وحداتنا من المانيا ـ فالقاطرات المخصصة للدبابات والناقلات المدرعة والتي يمكن لها ايصال المنقولات حتى أرصفة الشحن، نادرة جدا، كما أن بعض السفن اصيبت باعطال، وواجهت سفن اخرى عواصف شتائية.
واتضح أن حوالي 25 في المائة من التعزيزات القادمة لن تصل الا بعد 15 يناير، وبخاصة الفرقة المدرعة الثالثة المزودة بدبابات م 1 ـ أ 1، التي ستكون في اعالي البحار. وحتى لو وصلت فانها ستظل بعيدة عن جاهزية القتال، وستحتاج إلى أيام لتفريغ المعدات من السفن، واعادة طلاء لون التمويه من الاخضر الغابي إلى الكاكي الصحراوي، ثم دمجها بجنودها، وتحريك الوحدات إلى مواقع امامية تبعد 330 ميلا، وتدريبها تدريبا صحراويا، وهذا الشيء الأخير ليس بالقضية الهينة.
ففي أوروبا يستطيع الجنود ارشاد انفسهم بأنفسهم عند السير في الطرقات والمدن، والغابات، وغيرها من المعالم الأرضية، أما في الصحراء فلا وجود لعلامات أرضية فارقة ـ بل ان كثيبات الرمل نفسها تتحرك، لذلك يتوجب أن نعلم الجنود بسرعة استخدام معدات الملاحة بالاعتماد على الاقمار الصناعية، والملاحة بالاعتماد على النجوم السماوية، أو حساب الاتجاهات بالتخمين.
وكلما تعطلت سفينة، أو واجهت طقسا رديئا، عاد إلى يوسوك ليقول ان الجيش بحاجة إلى إعادة النظر في تقديره للمدة اللازمة للاستعداد.
فاقول "حسنا، سنعدل الخطة، فقط قل لنا ما الذي تستطيع أن تفعله بالضبط ". ثم يعود إلينا ليعطينا تاريخا مؤكدا جديدا ـ ثم من جديد يطلب النظر، وهكذا دام خلال شهر ديسمبر ـ كله. وفي السادس منه أعلن صدام فجأة ان العراق سيخلي على الفور سبيل الرهائن الاجانب، وقال ان بادرته الإنسانية هذه تستهدف تعزيز السلام. واضاف أن العراق قد بنى دفاعاته إلى حد لم يعد بحاجة إلى أية دروع بشرية. وان أخلى سبيل الامريكان في الأسبوع التالي حتى سحبت واشنطن بقية طاقم السفارة من مدينة الكويت. لم تؤد هذه التحركات إلى نزع فتيل الأزمة، الا أنها بسطت تخطيطنا للحرب ـ فلم نعد نقلق على ضرب الدروع البشرية أو القيام بعمليات إنقاذ خطة في العراق أو الكويت. وفي الوقت نفسه، فإن مبادرة السلام الأخيرة ـ اقتراح الرئيس بوش بإرسال وزير الخارجية بيكر لملاقاة صدام مقابل دعوة طارق عزيز إلى البيت الأبيض ـ تعرقلت بفعل الاختلاف على موعد اللقائين.
وكانت واشنطن ترسل لنا إشارات التهيوء للهجوم عاجلا وليس أجلا. وقال لي باول يوم 11 ديسمبر ذهبت إلى البيت الأبيض أمس للتحدث عن "يوم البدء" المحتمل. ولما ذكرت الفترة من 10 ـ 20 فبراير كمجال ممكن، غص الجميع. وأخبرني أيضاً أنه إذا لم تحل الأزمة قبل 15 يناير فسيأتي ضغط حقيقي من أجل عمل عسكري على الفور، فاجبته أنه إذا كان وضع على هذا الحال، فلربما يتوجب علينا شن الهجوم الجوي ومواصلة القصف ريثما يتهيأ الهجوم البرئ.
17 ديسمبر 1990 ـ يوم ب + 132:
الساعة: 1700 مكالمة هاتفية مع رئيس الأركان. دار النقاش على زخم الزوار الذين يتفقدون القيادة المركزية.
أكد ق. ع لرئيس الأركان أنه سيستقبل أي زائر موجود على القائمة حاليا، ولكن من الضروري ابعاد الزوار بعد 15 يناير. رئيس الأركان أكد لـ ق. ع أنه سيمنع المتفقدين وسيطلب من مدير هيئة الأركان إعادة النظر بكل الطلبات. ق. ع شكره، وأشار إلى أن العاملين متعبون جدا.
18 ديسمبر 1990 ـ يوم ب + 133:
مقطع من رسالة من واشنطن ارسلها السفير فريمان حول موضوع زخم الزوار المتفقدين "نتفهم الحاجة إلى توطيد وادامة دعم الكونجرس... لا ينجم عن ذلك بالضرورة ان على الولايات المتحدة ان تتعامل مع المملكة العربية السعودية كمتنزه العاب مثير فيه جنرال بأربع نجوم وسفير يقومان بدور فرسان المنتزه... يجب ان يتوقف التدفق على السعودية... اعطونا فرصة للراحة.
في عصر يوم 19 ديسمبر وصل الوزير تشيني إلى الرياض برفقة باول. كانت مهمة تشيني هي تقييم اوضاعنا واطلاع الرئيس على ذلك. تهيأنا لذلك بتقارير اطلاع مسهبة حول كل جانب من جوانب انتشار قواتنا حتى ذلك التاريخ، واستعداداتنا لعاصفة الصحراء، بل وخطة احتلال في حالة انسحاب عراقي من الكويت من جانب واحد. لم أكد قد رأيت الوزير منذ أغسطس، وأردت أن اجعله يطلع جيدا على التعقيد الذي يكتنف عمليتنا والقدر الهائل الذي انجزناه منها. وكان هناك دافع أخر: صده عن الخروج بخطط جديدة.
بدأت الأمور بضخ لا ينقطع من الأسئلة. كان بيت ويليامز، رئيس قسم الاعلان في البنتاجون، قد اتصل بي قبل ذلك طالبا مني عقد مؤتمر صحافي للمراسلين الذين يرافقون الوزير. اجبت "هذا جنون. سأكون مشغولا على تشيني وباول ". اصر ويليامز على أن نرسل للمؤتمر الصحافي شخصا أخر يحتل موقعا بارزا. لذلك طلبت من كال والر ان يأخذ مكاني دون ان انتبه جيدا إلى حقيقة أنه لم يمض على قدومه إلى مسرح العمليات سوى شهر واحد، وأنه قليل الخبرة مع الصحافة. وحين حاصره المراسلون مرارا عن مدى جاهزية القيادة المركزية، حاول أن يكون متساهلا في تقديم المعلومات واخبرهم أن القوات البرية لن تكون متهيئة قبل منتصف فبراير ـ وصار ذلك ما نشيتات على صدر الصحف لتناقضه مع موقف الرئيس بزيادة الضغط على العراق قبل الموعد النهائي لانذار الأمم المتحدة. وظل بيت ويليامز واغلب العاملين في قسم العلاقات العاملة ساهرين حتى الصباح ليزيلوا الضرر الناجم عن ذلك، واصدر في الصباح تصريحا لفت فيه الانظار إلى أن القوة الجوية والبحرية جاهزة للهجوم المباشر.
ادرك والر أنه ارتكب عملا اخرق، وجاءني منذ الصباح ليعترف بذلك. وشعرت بأنني من يتحمل مسؤولية إيقاعه في هذه الورطة وخشيت من ان يتعرض لعقوبة. ففي الأيام الأولى من درع الصحراء طرد تشيني الجنرال مايك دوجان، رئيس أركان القوة الجوية بسبب ادلائه للصحافيين بمعلومات مصنفة على أنها سرية للغاية لذلك، عندما وصل تشيني وباول إلى مقر القيادة بعد ساعة من ذلك، سألتهما ونحن في مكتبي.
الجنرال والر يشعر بالمرارة من الصفعة التي تسببها لنا. الا أن اللوم يقع لي لأنني ورطته بهذا المؤتمر الصحافي وهو جديد على مسرح العمليات.
ولدهشتي، اجاب تشيني وباول انهما غير قلقين إلى هذا الحد بما أدلى به من ملاحظات. بل أن تشيني اشار هازئا "ليس من السيئ دائما أن يرسل المرء للعدو اشارت متناقضة".
حلت القضية بقدر ما يتعلق الأمر بنا، أما بالنسبة إلى والر وعائلته في الولايات المتحدة فقد عانت مرارة أسبوع كامل من تعليقات المعلقين على الاخبار، وأغلبهم من العسكريين المتقاعدين ممن لم يتحملوا عشر المسؤوليات التي ينوء بها كال الآن، الذي وصموه بالغباء والخيانة وانعدام الشرف. كنت أرى كيف كانت هذه الاقوال المقذعة تجرحه، وتمنيت لو أن هنالك سبيلا لوقف هؤلاء، كل ما استطعت ان اقوله له "عليك أن تتغاضى عن ذلك كله ستظل أنت في مركز الاهتمام حتى تبرز قصة جديدة".
واصلنا اجتماع الاطلاع الصباحي. وامطرنا تشيني بالأسئلة المفصلة عن كل الأمور من نقص الشاحنات إلى خطر العمليات الارهابية ولكني لم أكن بحاجة إلى القلق، فقد كان واضحا ان كلا من تشيني وباول إلى جانبنا في المركب ومما أراحني حقا، ولعل ذلك إلى حد ما بفضل القنبلة التي فجرها والر في الصحافة، أن تشيني أمر بأن توقيت الهجوم البري كان خاضعا للقيود اللوجستية. وقال "لا يمكن ان نبكر بالموعد قسرا".
ولما عاد بعد يومين كاملين من جلسات الاطلاع، حمل تشيني معه نسخة خارطة اعددناها له لكي تعينه على أن يشرح للرئيس خطة الهجوم البري في عاصفة الصحراء.
وقال لي فيما هو يغادر "ان ضخامة هذا العمل وحدها هي علامة ثناء لكل ضباطك وجنودك". ثم اضاف "نحن جميعا فخورون بما انجزت ونعرف انك ستقوم بكل ما هو ضروري في المستقبل". ولم يترك أدنى شك في ذهني انه ما لم يرضخ صدام، فإن الرئيس سيأمرنا ببدء قصف الجهاز العسكري العراقي بعد 15 يناير بقليل.
وترك لنا الوزير تشيني هدية عيد الميلاد: طقم كامل من مسلسل كين برنز من محطة 0000000، المعنون "الحرب الاهلية" ان هذه المسلسلات تصور الموت والدمار في زمن الحرب تصويرا تقشعر له الابدان، وقد ترك اثرا هائلا على كل من في مقر القيادة. ورغم اننا كنا في المراحل النهائية من التهيئة للحرب، فانها ايا منا لم يكن يريدها. فمشاهدة تلك الأشرطة جددت قناعتي بأنني إذا اضطررت لارسال جنودي إلى المعركة، فإنني لا بد أن أجد السبيل لتقليل الخسائر البشرية إلى أدنى حد.
23 ديسمبر
ق. ع ابلغ السفير عن خلاف حاد ناشب بين السفير الفرنسي والسعوديين حول رفض السعوديين السماح لفرقة روك فرنسية مع راقصات المجيء لتقدم استعراض للجنود. من الواضح، ان التعليق السعودي حول ذلك هو أن الولايات المتحدة كانت تراعي قضايا السيادة السعودية حتى ان رئيس الولايات المتحدة أم الصلاة في سفينة في عرض البحر. وليس من اللياقة ان يطلب الفرنسيون فرقة موسيقية مرفقة بفتيات راقصات. عدت إلى غرفتي في مبنى وزارة الدفاع، كانت بريندا قد ارسلت لي شجرة عيد ميلاد صغيرة مزدانة بالمصابيح الصغيرة. اشعلتها، وأدرت شريط تسجيل موسيقى عيد الميلاد، وكنت على شفا النوم حين رن جرس التليفون الاحمر الذي يربط مكتبي بواشنطن. كان الرئيس بوش على الخط قال: "لا استطيع أن أفوت هذا اليوم دون أن اتصل بك لا تمنى لك ولكل الرجال والنساء العاملين بأمرتك عيد ميلاد سعيدا. أعرف أنك بعيد عن احبابك، ولكن أريد أن تعلم أن افكارنا وصلواتنا معك، أنت تعرف الآن الطريق الذي ننتهجه. ان صلواتنا ستظل تلازمك خلال الأيام القادمة. عبرت له عن عمق تقديرنا لمكالمته وشكرته بالنيابة عن كل أفراد القيادة المركزية بعد أن اغلقنا خط التليفون، عدت إلى الاستماع لموسيقى عيد الميلاد طويلا حتى غرقت في النوم.
25 ديسمبر 1990 ـ يوم ب + 140 الساعة 0930:
نهض ق. ع وفتح هدايا عيد الميلاد. وقدم ضابط الصف الاقدم ريك ريجر قدحين من عصير البرتقال، ومزيج الكاكا بالقهوة على الطريقة السويسرية، ودورقا من عصير الفواكه، موسيقى عيد الميلاد تصدح على آلة التسجيل.
استيقظت صباح اليوم التالي، يا الهي، هل نسيت عائلتي لقد ارسل الجميع الهدايا إليّ ـ أشياء شخصية صغيرة ـ بما فيها هدية نيابة عن كلبنا المسمى بير. وسندي ارسلت لي قصيدة بعنوان "أنت بطلي"، وجيسيكا شريط فيديو عن فريقها للتجديف معاً مع زر ثبتت عليه صورة سندي وصورتها. وأرسل لي كريستيان شريط فيديو عن الحياة في البراري. أما الكلب بير فأرسلوا نيابة عنه كتابا للكاتب الجوال جين هيل.
فتحت الهدايا بنفسي. كانت تلك أكثر ساعة موحشة قضيتها في السعودية في أوقات أخرى كنت أشعر بالضيق، أو الانهاك، أو مثقلا بالعبوس، مكروبا بالغم ـ أما الآن فإنني مشتاق لعائلتي. وذكرت نفسي ان هناك أكثر من 300 ألف أمريكي في درع الصحراء يعانون بالضبط العسر نفسه.
بعد ذلك ارتديت بدلة القتال المموهة، ونزلت اسفل الدرج إلى غرفة الحرب، مصافحا كل الضباط والجنود المداومين، متمنيا لهم عيد ميلاد سعيدا، وشاكرا اياهم على خدمة بلادهم. فعلت بعد ذلك ما يفعله قادة القوات الأمريكية عادة في أعياد الميلاد: تفقد قاعة الطعام. ان الغرض من هذا الاجراء هو التأكد من أن الجنود سيحظون بوجبة دسمة، وتوجيه الشكر للطباخين الذين استيقظوا منذ الثالثة فجرا لاعداد الديكة الرومية.
كان يوما صافيا تهب فيه ريح، لا يوما حارا خانقا، الا أن الريح يخالطها الرمل. بدأت الجولة بقرية لوكهيد، وهو مجمع سكني في الرياض اخذته القوات الأمريكية. كان البعض قد جلس إلى المائدة اصلا لتناول عشاء العيد رغم ان الوقت ما يزال ظهرا، لأن تناول الطعام كان يجري على وجبات متتالية. صافحت الكثير من الأيدي. بعدها توجهت إلى قرية الاسكان، حيث نصبت ثلاثة سرادقات كبيرة لتقوم مقام قاعات طعام. في البدء كان هناك صف طويل من الجنود يمتد من المدخل إلى مسافة بعيدة. صافحت كل الواقفين في الطابور، ودرت حول طاولة الخدمة لتحية الطباخين والشغيلة، وأخذت طريقي عبر قاعة الطعام متوقفا عند كل مائدة متمنيا للجالسين إليها عيد ميلاد سعيدا. ثم ذهبت إلى السرادق الثاني فالثالث، وفعلت الشيء نفسه. عدت إلى قاعة الطعام الأولى وكررت الممارسة نفسها، بسبب وجود طاقم كامل من الوجوه الجديدة. بعد ذلك جلست مع بعض الجنود وتناولت عشائي. لابد ان خلال أربع ساعات صافحت اربعة آلاف يد. وكما حصل لي عدة مرات من قبل في حياتي العسكرية، كنت أسعى لأن أجعل الجنود يشعرون بالراحة، معهم.
تركت قرية الاسكان، وعدت إلى قرية لوكهيد، وكررت الجولة ثانية. أخيرا وفي أواخر العصر، عدت بروح عالية إلى مبنى وزارة الدفاع لاتصل ببيتنا. كان الوقت في تامبا صباحا، ومؤكدا ان افراد الأسرة متحلقون الآن حول شجرة عيد الميلاد. بثتهم أشواقي الحارة، وأفصحت لهم عن مدى حبي لهم واعتزازي بكل واحد فيهم. وأكدت لهم أنني عازم في عيد الميلاد المقبل، رغم عدم معرفتي في أي بلاد سأكون، على أن نكون كلنا معا في اجازة نمرح فيها وسط الثلج.
 
الفصل الثامن
26 ديسمبر 1990 ـ يوم ب + 141 الساعة 1000:
الجلسة الصباحية للاطلاع على أخر المستجدات، نقل ق. ع وصف باول للقائمين ووزير الدفاع من الرئيس بوش عقب زيارتهما للسعودية. من المحتمل أن يبدأ الرئيس الحملة الجوية بعيد 15 يناير. العد الزمني يوشك على الانتهاء ونحن على شفا الحرب. وأعلن الرئيس أنه يشعر أننا مستعدون، وأننا سنعمل معاً. علاوة على ذلك، صادق الرئيس على خطتنا مائة في المائة. وقال الرئيس انه لا يكترث إذا كان يحظى بدعم عضو واحد في الكونجرس، وهو يحرص على السير بالعملية إلى نهاية مظفرة.
28 ديسمبر 1990 ـ يوم ب + 143 الساعة 2000:
مكالمة تليفونية مع رئيس الأركان. بحث القائد أن أخر تكهنات وسائل الإعلام عن "يوم البداية". وفي تعليق على التقارير الصحافية القائلة أن العملية الجوية قد تبدأ يوم 15 يناير قال ق. ع متهكما ان من الأفضل أيضاً ان نخبر صدام حسين بـ "يوم البداية" للهجوم البري من جديد. واقترح يوسوك، وهو ممتلئ بالقلق، امورا عديدة بينها أن أدع الجيش يبدأ على الفور ببناء موقع قاعدة تشارلي، وهو مستودع إمدادات ضخم ضروري لإسناد الهجوم على الجناح.
قلت بإصرار "أنت تعرف الجواب سلفا. لن اسمح بذلك قبل بدء العملية الجوية ".
في غضون ذلك وضع جاس باجونيس جداول حسابات تبين أخر مراجعاته للجدول الزمني للعمل. قال: "لو افترضنا ان الحرب الجوية تبدأ يوم 15 يناير، فإن بوسعنا إنجاز كل شيء في خلال شهر". "شهرا اللعنة يا جاس، هذه رابع مرة نلتقي فيها لبحث هذا الموضوع بالذات، وها نحن نتحدث عن مواعيد جديدة كل الجدة". في الواقع، لم أكن ممتعضا كل الامتعاض، فاعطاء ثلاثة أو أربعة أيام إضافية لتحشيد تشكيلاتنا القتالية بعد أن تكون قواتنا في موضعها على الحدود العراقية، سيجعلنا مع ذلك جاهزين للهجوم البري قبل
20 فبراير ـ أي ضمن حدود الفسحة التي وعدت بها باول.
"سيدي، لن نجرى اية تعديلات بعد ذلك".
سألته: "هل لديك استعداد لأن تكفل ذلك؟".
نظر باجونيس في عيني مباشرة، وانتصب بكامل قامته البالغة 5 اقدام وسبع بوصات قائلا: "نعم سيدي، مستعد".
"هل توقع بنفسك على هذا الجدول".
نعم سيدي، إذا كنت تريدني أن أفعل".
"نعم أريدك أن توقع عليه"، ووضع توقيعه فعلا، وتيقنت من أن لدينا الآن موعدا للهجوم يركن إليه.
30 ديسمبر 1990 ـ يوم ب + 145 الساعة 35 00:
مكالمة هاتفية مع رئيس الاركان. رئيس الأركان أخبر ق. ع أن مارشال الجو الأول البريطاني هاين عقد اجتماعا مع رئيس الوزراء جون ميجر لاطلاعه على العملية، بعد اتمام الاطلاع أعطى مارشال الجو هاين حقائب يده وكومبيوتره النقال إلى الضابط مرافقه. وقرر الضابط التنفيذي الذهاب للسوق وترك المواد بالغة السرية في السيارة. سرقت الحقائب اليدوية والكومبيوتر النقال من السيارة جرت استعادة الحقائب اليدوية لكن الكومبيوتر النقال ما يزال مفقودا رغم ان الذاكرة المركزية قد تحتوي على كامل خطة المعركة. صحف التابلويد اللندنية تلقفت القصة، فسيكتشف أن بحوزته شيئاً ثميناً للغاية، اثمن من كومبيوتر عادي وقد يحاول بيعه للزبون الذي يدفع أكثر.
ذكرت اقراني الضباط كل يوم اننا في فترة العد التنازلي للحرب. كنت اريدهم ان يتهيأوا للحرب نفسيا وعاطفيا، جاهزين للتفكير بقضايا اللاجئين، ومجيء غارات جوية وضربات صاروخية، أو هجمات كوماندوس عراقي. استجاب الأمريكيون استجابة حسنة.
عشية رأس السنة كنت على وشك الانفجار. ففي محادثة جرت في الليلة الماضية، ابلغني خالد ان السوريين قرروا أنهم لن يهاجموا. ولما كانت قوتهم المشاركة في عملية درع الصحراء بأمرته العملياتية، فإن وجع الرأس الناجم عنهم هو، من الوجهة التكنيكية، وجع رأسه. ولكن كلما امعنت التفكير في الأمر، ازداد اضطرابي. فإن رفض السوريين للقتال لا يشكل تصدعا في التحالف فحسب، بل يهدد بالخطر كامل خطة الهجوم ـ وهذه مسؤوليتي انا فبدون إسناد من الدبابات السورية، فقد تتعرض القوات المصرية المهاجمة إلى عدو يفوقها في القوة النارية. جاءت حوالي الظهيرة من يوم الحادي والثلاثين صدمة أخرى: جاءنا بول شوارتز رئيس مركز التنسيق في مقر القيادة بنبأ يقول إن خالد ادلى بتصريح علني يقول، في ضوء الاعتبارات القائمة، فإن افضل مدخل للحرب هو شن هجوم انطلاقا من الأراضي التركية. وكان يعبر بذلك عن حرج سعودي قديم حول مهاجمة اشقاء عرب (الاتراك هم عثمانيون لا عربا) الا أن ملاحظة من هذا النوع، في ذلك الظرف، لم تكن تتصل بالواقع العسكري أو السياسي من قريب أو بعيد. لم أجد خالد في مكتبه، فتركت له خبرا مفاده أنني بحاجة إلى رؤيته في الحال.
بعد ساعة ظهر على باب مكتبي. أمرت العاملين بمغادرة الغرفة: ثم التفت إلى الامير. وسألت مطالبا بتفسير "ماذا بشأن الهجوم انطلاقا من تركيا؟ من اين جاءت هذه الفكرة؟ كيف يمكن أن تدلى بتصريح عام بهذا المعنى، بعد أن وافق الملك نفسه على أن يأتي الهجوم من الأراضي السعودية ؟ لأجل ماذا تعتقد أننا قمنا بهذا الحشد العسكري الضخم هنا ؟ وماذا تعتقد أن هذه القوات الإضافية تتدفق منذ شهرين لعمله؟".
أخذ خالد على حين غرة، فليس هذا باسلوب مخاطبة أمير سعودي، وكلانا يعرف ذلك، وواصلت "زد على هذا، كان الاجدر بنا، أنت وأنا، أن نتحدث عن السوريين. كيف تدعهم يمضون دون أن يشاركوا في الهجوم؟".
قال: "كنت ازمع اطلاعك على تفاصيل ذلك". وبدأ يصف لي ما يجري وراء الكواليس ـ الامير سعود الفيصل، وزير الخارجية، يحضر رحلة إلى دمشق للتحدث مع الرئيس الاسد.
كنت أشد غضبا من أن استطيع الإصغاء إلى المناورات الدبلوماسية، فقاطعته بفظاظة "أن ما يجري واضح لي تماما. لقد كان السوريون يعادون العراق طوال 30 عاما، مع ذلك حين يأتي الآن القتال لا يملكون الجرأة على الذهاب للحرب بأنفسهم. قد يكونون جبناء، أو قد يريدون فقط أن يقوم أحد نيابة عنهم بالعمل الوسخ".
والآن غضب خالد هو الآخر، فلقد أسأت إلى اشقائه العرب. فقال ببرود: "لست مضطرا لسماع ذلك". وغادر.
دام الزعل بيننا 24 ساعة. ولكن بعد جلسة الاطلاع المسائية يوم راس السنة، التفت إلى خالد وقال: "يجب أن نلتقى، ويجب أن نتحدث". ذهبت إلى مكتبه. وتجاذبنا الحديث، وشربنا "الكابوتشينو" واعتذرنا لبعضنا البعض خلال نصف الساعة الأولى، حتى انصلح الحال، بعد ذلك أكد لي خالد ان حكومته ملتزمة بخطة عاصفة الصحراء، بعد ذلك انتقلنا إلى موضوع السوريين. قلت: "لقد فكرت في ذلك طويلا. ماذا لو اقترحت عليك مدخلا يتيح للسوريين ان يهجموا دون أن يهاجموا، ان يشاركوا في الهجوم ولا يشاركون فيه؟".
"كيف تحقق ذلك؟".
"إليك ما يمكن أن تقترحه حكومتك. أنت، الجنرال خالد، قائد القوات العربية، ترغب في ان تحتفظ بالقوات السورية كاحتياطي. وترغب في أن يسير السوريون في أعقاب المصريين حين يقوم المصريون بالاختراق. وعلى هذا النحو يشارك السوريون، في الواقع، في الهجوم، مع ذلك لن يدعوهم أحد إلى المعركة ما لم يقع المصريون في ورطة. ولن يكون عليهم مقاتلة اشقائهم العرب ما لم يأتوا لنجدة اشقاء عرب".
سر خالد بالفكرة، بعد ذلك بفترة وجيزة، عرضت المملكة العربية السعودية الخطة على السوريين، وقبلها السوريون، وعاد الانسجام إلى رحاب عملية عاصفة الصحراء.
3 يناير 1991 ـ يوم ب + 149 الساعة 1545:
مكالمة للمكتب من المارشال الجوي الاعلى هاين. المارشال هاين اجرى هذه المكالمة المباشرة دن سابق انذار مع ق. ع ليبين له أنه، حسب أفضل التقديرات البريطانية، إنه لم تتعرض مواد ذات قيمة للخطر أثناء سرقة حقيبة يد مساعده وكومبيوتره النقال. ذلك أن فحص الكومبيوتر النقال كشف ان معطيات خطة الحملة لم تكن داخله.
بعد أيام من حل خلافاتنا، خالد وأنا، جاء الملك إلى الصحراء لتفقد قوات التحالف، كانت لحظة ذات قيمة رمزية.
بدأ الملك الجولة بزيارة تشكيل يمثل سائر القوات الأمريكية في المملكة، في القاعدة الجوية لمدينة الملك خالد العسكرية. وأقام السعوديون على رصيف المطار منصة استعراض بوضع سجاد شرقي فخم، بمواجهة رقعة تجمع نصف من هليكوبترات اباتشي وتشكيل من ألف جندي. وقد حضرت تدريبا أوليا على العرض في وقت مبكر من الصباح وأوضحت للجنود مغزى زيارة الملك. قبل ذلك زاركم الرئيس بوش. والآن يأتي الملك فهد ليعبر عن تقديره لكم ليشكركم على دفاعكم عن المملكة العربية السعودية. أنتم هنا تمثلون كل جندي، وبحار، وطيار، ومشاة بحرية وخفر سواحل في مسرح العمليات هذا، مظهركم رائع وأنني لفخور بكم، وبلدكم يفتخر بكم أيضاً. حين يأتي الملك، قفوا بقامات منتصبة، وكونوا فخورين بأنفسكم. وشكرا لكم على وقوفكم الآن تحت هذه الشمس المحرقة".
ووقعنا جميعا في حالة استعداد لدى وصول موكب الملك الذي يضم ما لا يقل عن ثلاثين سيارة رسمية وعربات أمن، وخرج الملك ليطأ السجادة الحمراء خطوات نحوه، أديت التحية، وقلت "اهلا وسهلا ياجلالة الملك. قوتي حاضرة للتفتيش. بعد لك أخذنا أماكننا في منصة الاستعراض ووقفنا فيما عزفت الفرقة الموسيقية النشيد الوطني السعودي ونشيد "الراية الموشاة بالنجوم".
لو كان العرض عرضا عسكريا أمريكيا تقليديا لكانت الخطوة التالية هي ان تقوم الزعيم الزائر بـ "السير أمام الجنود"، أو تفقد الجنود عن كثب. أما البرتوكول الملكي السعودي فلم يكن ليقضي اطلاقا بمثل ذلك، من هذا وافق الملك على أن يقوم بذلك. وقفنا، هو وأنا، في القسم الخلفي من سيارة جيب أعدت خصيصا لهذا الغرض، راحت تسير ببطء على طول التشكيل، متبرعة بسيارة جيب أخرى مملوءة بما يبدو دزينة من المصورين الفوتوغرافيين ومصوري التليفزيون المتشبثين بمؤخرتها وجوانبها، لتسجيل الحدث.
خلال الجولة قال الملك بالانجليزية ان القوات تبدو بمظهر جيد، وسأل ان كانت لدي مشاكل، وأخيرا شكرنا. بعدها عاد لركوب سيارته المرسيدي متوجها إلى القاعدة الصحراوية على مبعدة 20 ميلا حيث أعد خالد تشكيلا يمثل قوات التحالف. ركبت سيارتي لننضم إلى الموكب فيما هو يشق طريقه خارج القاعدة الجوية. وسرعان ما انتهى التبليط، وراحت السيارة التي في المؤخرة تسبح بالتراب والغبار الذي اثارته سيارة الملك ومرافقيه المباشرين. بعد بضعة أميال أخذ سائقوا السيارات التي في المؤخرة يحاولون الخروج من الصف، مائلين عن الطريق، ومسرعين في الصحراء ليسبقوا الموكب. حدقت من خارج النافذة مدهوشا: بدا ذلك مثل هجوم خيالة، من سيارات مرسيدي وليكسوس سوداء وبيضاء، يخترق الصحراء، ومال سائقي بالسيارة إلى الجناح مع البقية، مثيرا أعصاب حراسي الذين يجلسون في سيارة تجري خلفنا، فراحوا ينادون باللاسلكي طالبين العودة إلى الطريق.
ورأيت هناك امامنا في وسط الصحراء تشكيلا ضخما من الجنود. لقد حشد خال الالاف من الجنود من كل البلدان: سعوديون، سوريون، مصريون، كويتيون، مغاربة، نيجيريون، عمانيون، قطريون، باكستانيون، سنغاليون، فرنسيون. بل كان هناك أيضاً فريق من الخبراء في الحرب الكيماوية من تشيكو سلوفاكيا وفريق طبي بولندي. كانت هذه القوات كلها تقف تحت الشمس اللاهبة حينما توقفنا بسياراتنا، ولما كانت ريح الصحراء تهب من ورائنا فإن غبار الموكب غطى هذه الوحدات.
لم يكن أحد يتوقع أن الملك هذه القوات عن كثب. انتصبت قبالة التشكيل صف من الخيام الصوفية السوداء مفتوحة من الامام كي تطل على صفوف الجنود. خرجنا من السيارات وذهبنا إلى الظل. كانت الخيمة المركزية مفروشة بسجاد بديع، وصف من الكراسي الوثيرة. وفي الوسط مقعد كبير خصص للملك، مع طاولة عليها ميكروفون.
جاء خالد وأدى التحية للملك فهد معلنا "كل قواتي مستعدة للواجب" جلس الملك إلى الطاولة وألقى كلمة طويلة بالعربية موجهة للقوات، استعرض فيها مجمل تأريخ مشاكل المنطقة مع صدام حسين وأسباب قدوم قوات التحالف إلى السعودية. جلس الأمير سلطان. وزير الدفاع والطيران، إلى جوار الملك، وكنت أنا في الموضع الرابع أو الخامس من هذا الصف، مع بيتر دي لا بيليير على يميني مباشرة، جلسنا في مقاعدنا اللدنة في بهاء الخيمة، مرتشفين عصير الفواكة، ومصغين إلى الملك، وكان حدثا تاريخيا.
اخيرا عدنا إلى سياراتنا واجتزنا الصحراء من جديد إلى موقع قرب مدينة الملك خالد العسكرية، حيث كان مقررا لنا أن نتناول الغداء، لقد نصب السعوديون مجمعا ضخما من الخيام لهذه المناسبة، ولما وصلنا، حان وقت الصلاة. طلب إلى الغربيين أن ينتظروا في خيمة التجمع الكبيرة، حيث صفت عشرات الكراسي على شكل حرف C. دلف الملك إلى خيمة خاصة ليؤدي الصلاة، أما بقية العرب فقد تفرقوا إلى زمر صغيرة، ابتعدت قليلا في الصحراء وراحت تسجد على الرمال، راقبت هذا المشهد الورع، وقد تملكتني مشاعر الخشوع. فقبل اقل من نصف ساعة، كان العرب جزءا من اندفاع مهتاج بالسيارات الفارهة عبر الصحراء. أما الآن فثمة سكينة كاملة لقد مشوا ببساطة في الصحراء ووجودهم إلى قبلة مكة، ليتلوا صلاتهم إلى الله.
أما نحن الغربيون فقد جلسنا في مقاعدنا. وانتظرنا ثم انتظرنا. في هذه الأثناء جاء ضباط بريطانيون وفرنسيون وتشيكو سلوفاكيون وبولونيون مجللين بالغبار، بعد أن انفكوا لتوهم من التشكيل، ووصل أيضاً بعض الضباط من التشكيل السابق في القاعدة الجوية. أخيرا حان وقت تناول الطعام. قادنا السعوديون إلى خيمة مفروشة بالمزيد من السجاد الشرقي، وتربعنا جلوسا على الأرض، كنت جالسا قبالة فهد بالضبط، وعلى جانبي كل من بيتر دي لا بيليير وميشيل روكويجوفر. وبدأ المساعدون يجلبون الطعام حملان كاملة مشوية على اطباق ضخمة، وصحون كبيرة من الأرز والخضار ـ ويضعونه أمامنا. كأنني قد عدت إلى مضارب خيام القبائل التي شهدتها في صباي، وأنا أتربع جلوسا على الارض في وسط الصحراء , وأنا اتلقى هذه الوجبة الفخمة، متناولا الطعام بيدي. وفيما نحن نأكل رحنا ندردش مع الملك، الذي أعجبني بلطفه، مع أن اغلب حديثه جرى مع الناطقين بالعربية.
ولما فرغ الملك من الطعام، نهض، وترك الخيمة، ولما تبعناه، لاحظت أن وجبة ثانية من الضيوف المدعوين للغداء كان تنتظر في الخارج: ضباط برتبة ملازم ونواب ضباط ممن كانوا ضمن التشكيل. ولكن تلك كانت نهاية المراسيم بقدر ما يتعلق الأمر بالقادة لم يكن هناك أي اجتماع رسمي وركبنا نحن القادة في عرباتنا، وعدنا إلى المطار، ثم طرنا راجعين إلى مقرات القيادة، مواصلين استعداداتنا للحرب.
7 يناير 1991 ـ يوم ب + 153 الساعة 1000:
اجتماع الاطلاع الصباحي. لاحظت الاستخبارات ان قوة العراق في مسرح الكويت بلغت الآن 542 ألف جندي، موزعين في 35 فرقة.
 
الفصل التاسع
8 يناير 1991 ـ يوم ب + 154 الساعة 1500:
مكالمة هاتفية مع رئيس الأركان. رئيس الأركان نقل امرا شفهيا إلى ق. ع لشن الحملة الجوية في الساعة 300. يوم 17 يناير 1991.
9 يناير 1991 ـ يوم ب + 155 الساعة 1400:
مؤتمر القادة في الظهران. ق. ع أعطى القادة موعد 300، 17 يناير باعتباره "يوم البداية" للمرحلة الأولى.
في وقت متأخر من مساء التاسع من يناير جلست لوحدي في مكتبي بالرياض أشاهد التليفزيون في جنيف كان وزير الخارجية الأمريكي بيكر ووزير الخارجية العراقي طارق عزيز قد أختتما للتو محادثاتهما في آخر مسعى للحيلولة دون دخول الدولتين في الحرب ولما خرج بيكر من قاعة الاجتماع فكرت انه بدا متجهما وأخير رجال الصحافة ومشاهدي التليفزيون ان عزيز لم يقدم له أية بادرة على أن العراق مستعد للانسحاب من الكويت وسأله احدهم ماذا ينوي العراقيون ان يفعلوا فأجاب بيكر انه يفضل ان يترك للعراقيين امر التعبير عن انفسهم بأنفسهم.
وترك بيكر الغرفة بعد قليل دخل طارق عزيز وتوجه إلى الميكروفونات وراح يدندن بنبرة رتيبة 45 دقيقة ـ دون ان يذكر الكويت مرة واحدة. ادركت أن الأمر قد انتهى سندخل الحرب لم يبق على الإنذار النهائي للأمم المتحدة سوى أقل من أسبوع ورغم اني أعطيت اصلا أوامر الهجوم الأولية لضباطي الكبار فقد كنا جميعا ما نزال نأمل ان يعم السلام وكنا نعرف اننا سننتصر ولكن ليست لدينا فكرة عما سيكون عليه حجم خسائرنا وكيف سيكون رد فعل الجمهور الأمريكي أو حتى ما إذا كان التحالف سيظل متماسكا.
كنت أواجه اسبوع حل مشاكل آخر دقيقة ووضعت نفسي في نوع من العد التنازلي الذهني فكنت كلما استيقظت في الصباح اتوجه لدراسة خريطة وضع العدو، الموجودة على مكتبي املا ضد الامل نفسه ألا يكون هناك تغير في مواقع القوات العراقية نحو الغرب كانت الخارطة الآن تحمل أقل من 38 ملصقا آخر يمثل كل واحد منها فرقة عراقية كانت تؤلف بمجموعها مرموقاً، يضم 545 ألف رجل و4300 دبابة و3100 قطعة مدفعية تخيلت العدو جاثما هناك مشيدا بشكل مدروس تحصينات منيعة بعمق ـ عدة أميال وعلى طول الحدود وكان بوسعي ان ارى بعين الخيال حقول الالغام ومصائد الدبابات والسدود الرملية العالية والاسلاك الشائكة والاستحكامات والتحصينات وقد اطلق عليها العاملون في استخباراتنا اسم "خط صدام" وهو يمتد بعيدا على طول، الحدود الجنوبية للعراق ـ بما مجموعه 175 ميلا لقد شيد هذا الخط على افتراض اننا سنهاجم مباشرة ويبدو ان صدام وجنرالاته ما يزالون ساهين عن جناحهم المكشوب وكنت اعرف انهم مالم ينقلوا قواتهم إلى الغرب الآن فإن قواتنا الجوية ستتكفل بمنعهم من ذلك بالمرة ذلك ان تحريك قواتهم تحت وابل قصفنا سيقدم لنا اهدافا سهلة ويوما بعد يوم كانت خير فرصة للعراق من أجمل دفاع ناجح تنزلق بعيدا.
15 يناير 1991 ـ يوم ب + 161 الساعة 1330:
بطلب من الليوتاننت جنرال خالد رافق ق. ع الليوتاننت جنرال خالد في زيارة للامير سلطان وزير الدفاع عبر الامير سلطان عن أمله في أن ينسحب العراق من الكويت الا أنه لم يكن متفائلا ق. ع وافقه الرأي قائلا إننا بذلنا كل شيء نقدر عليه تماما قبل نشوب ـ القتال بعد هذا عبر الامير سلطان عن رغبته في البدء بالضربة لا السماح لصدام بالبدء بها.
الساعة 2330:
مكالمة مع رئيس الأركان رئيس الأركان اخبر ق. ع ان وزير الدفاع قد وقع قبل قليل الامر التنفيذي وان موعد الهجوم هو الساعة 0300، 17 يناير واخبر ق. ع ان نسخة واحدة ستبرق إليه بالفاكس فورا.
الوقت غير معلوم رفع المدعى العام العسركي إلى ق. ع للمصادفة مذكرة حقن دماء يحملها الطيارون تحسبا لوقوعهم في الاسر خلال المعارك القادمة والمذكرة عبارة عن إعلان بالعربية يقدم جائزة مقابل الحفاظ على سلامة الطيار.
على السطح مر اليوم السابق للهجوم مثل باقي الأيام فقد تابعنا ضباط مقري وانا عشرات القضايا الروتينية المتعلقة بالمالية والوزراء والسكن مما لم يبقى لنا وقت نكرسه لها ما أن يبدأ إطلاق النار وبدا المقرصامتا رغم النشاط الدائب والسبب قلة الاحاديث ان قلة فقط من كبار ضباطي كان تعرف بأننا متوجهون للحرب أما بقية الضباط الاساسيين فقد اكتفينا بابلاغهم ان اجتماعاً سيعقد في غرفة الحرب عند الساعة 2.15 فجرا واحسب انهم جميعا ادركوا معنى ذلك.
عند منتصف الليل عدت إلى مكتبي شعرت كمن يقف إلى طاولة المقامرة بالنرد في نوع ما من الحلم مراهنا على مصيري فرميت زهر النرد ورحت الآن اراقبه وهو يتقلب في الهواء في حركة بطيئة ليسقط على القماشة الخضراء وما كان بمقدوري ان افعل أي شيء لأغير المسار الذي سيحط فيه جلست وفعلت ما يفعله الجنود الذاهبون إلى الحرب كتبت رسالة إلى اسرتي معبرا فيها لهم عن مقدار حبي.
17 يناير 1991
15 دقيقة بعد منتصل الليل
زوجتي واطفالي الأعزاء
تجمعت غيوم الحرب في الافق وقد اصدرت لتوي الأوامر الفظيعة التي ستطلق المارد عن عقاله وكنت أتمنى بكل جوارحي الا اضطر ابدا بالمرة إلى اصدار هذه الأوامر ولكن الاوان قد فات الآن وأيا كانت الغابة التي رسمها الله لها فاننا داخلون الحرب قريبا.
وباعتباري جنديا اضطر إلى دخول الحرب ثلاث مرات من قبل اريدكم ان تعلموا إنني لست خائفا فإنا اعرف إنني قد اواجه الموت ولكن يجب ان تعلموا انني بأمان أكبر بكثير من اغلب الرجال الرائعين والنساء الرائعات الذين هم بأمرتي البعض سيلقى مصرعه والكثيرون يمكن ان يلقوا مصرعهم وإنني لأتضرع إلى الله ألا يحصل ذلك ولكن إذا، حصل هذا وإذا كنت بين من يختارهم الله لكي أضحي بالنفس فأريدكم ان تعلموا ان آخر افكاري قبل هذه البداية الفظيعة هي معكم انتم بأسرتي الحبيبة.
بريندا لم اكن يوما ما لبقاً في استخدام الكلمات وابعد ما اكون عن التعبير المباشر عن حبي لك كما انا نادم على ذلك ولكن هذا ما عليه انا لهذا أردت ان اكتب إليك قبل أي شيء آخر هذه الليلة لأخبرك مقامك الكبير عندي لا استطيع ان اذكركم من مرات ومرات شكرت فيها الله لأنني تزوجتك ولا استطيع ان اعبر كفاية عن عدد المرات التي جعلتني فيها فخوراً بأنك زوجتي هذه الأشهر الخمسة العصيبة تحديداً كنت استمد عزما من وجودك هناك وجودك الدائم في رعاية اسرتك ورعاية الكثير من الاخرين شكرا لك على هذا وعلى كثير غيره على كونك ـ المرأة المحبة المتفهمة المتسامحة المعينة الحانية المساندة فقط لمجرد كونك بريندا بولين التي تخصني.
سندي جيسيكا كريستيان امل ان تعلموا مدى حبي لكم فأنتم الثلاثة قد اصبحتم أهم سبب لوجودي على الأرض قد أخسر كل ما أملك ولكن إذ بقيتم لي فإن الحياة تستحق ان تعاش قد أصبح ثريا وشهيرا وأحظى بكل ما اشتهي ولكن بدونكم انتم يا أسرتي ستكون حياتي بلا معنى وقلبي خاويا فتعاف نفسي العيش انتم ثلاثتكم خلودي انتم خير ما أخلفه ورائي حين أرحل من هذه الدنيا.
ولقد بادلني كل واحد فيكم هذا الحب انني أب يعرف ان أولاده يحبونه هذا يجعلني أسعد إنسان وكما قلت لكم في عيد الميلاد انني فخور بكل واحد فيكم لما هو عليه كونوا فخورين بأنفسكم لأنكم بشر طيبون. شكرا لكم على كونكم اطفالي، شكرا لكم على قبولكم بي ابا، شكرا لكم على حبكم لي.
ارعوا بعضكم بعضا احبوا بعضكم وإذا شاءت مشيئة الله فسيلتئم شملنا قريبا وإذا لم يحصل ذلك فأعلموا إنني انما جلت فسأكون مع كل واحد منكم كل يوم على الدوام.
اغلفت الرسالة وطلبت من مرافقي ان يحرص على إرسالها بالبريد بعد ذلك كتبت برقية موجزة للجنود اخيراً حان وقت النزول إلى الطابق السفلي.
اجتمع في غرفة الحرب حوالي ثلاثين جنرالا وكولونيلا ولما دخلت اعلن احدهم ايها السادة القائد العام وصل.
استعد الجميع فمشيت إلى المقدمة ووقفت قبالة خارطة كبيرة للعراق والكويت والمملكة العربية السعودية قلت اريد ان اقرأ عليكم برقية ارسلتها قبل قليل إلى الرجال والنساء العاملين في القيادة المركزية.
برقية عاصفة الصحراء إلى جنودنا
أيها الجنود والبحارة ورجال القوة الجوية ومشاة البحرية في القيادة المركزية الأمريكية قمنا هذا الصباح عند الساعة 0300 بشن عملية عاصفة الصحراء حملة هجومية لفرض قرارات الأمم المتحدة القاضية بأن على العراق وقف اغتصابه ونهبه لجارته الأضعف وسحب قواته من الكويت ان الرئيس والكونجرس والشعب الأمريكي بل العالم كله يقف موحدا في دعمه لجهودكم انكم أعضاء في اعتى قوة حشدها بلدنا بالتآزر مع حلفائنا في مسرح عمليات منفرد لمواجهة مثل هذا المعتدى لقد تدربتم بمثابرة لهذه المعركة وانتم مستعدون لها فخلال زياراتي لكم رأيت في أعينكم نار العزم على انجاز هذه المهمة وانجازها بسرعة لكيما نعود إلى شواطئ امتنا العظيمة ثقتي بكم كاملة قضيتنا عادلة والآن كونوا رعود وبروق عاصفة الصحراء كان الله معكم ومع أحبتكم ومع بلادنا.
هـ. نورمان شوارتزكوف
القائد العام
القيادة المركزية الأمريكية
ادار الكولونيل بيل شريط أغنية لي جرينوود: بارك الله الولايات المتحدة الأمريكية وقف جميع الضباط والعاملين في المقر مشرئبين بقاماتهم ورأيت الدموع تتلألأ في الكثير من المآقي.
* * *
كان مقررا إطلاق اولى طلقات عاصفة الصحراء عند الساعة 2.40 فجرا بالضبط ولتهيئة ذلك راحت طواقم تلقيم الأسلحة تكد منذ عر اليوم الفائت في كل المطارات في السعودية والبحرين و الامارات العربية المتحدة وقطر محملة الطائرات الحربية التابعة لست بلدان بمئات الاطنان من القذائف الصاروخية والصواريخ والقنابل وابحرت حاملات الطائرات الأمريكية المتمركزة في الخليج والبحر الأحمر إلى الشمال لتضع العراق ضمن مدى طائراتها اما الطرادات والبارحة ويسكو نسن فقد هيأت العشرات من قذائف توما هوك الصاروخية واستعدت منصات القذف المدرعة للاطلاق وفي هذه الاثناء كانت طائرات بـ 52 بعضها مزودا بقذائف كروز بالغة التطور والمعدة اصلا لحمل رؤوس نووية على الإتحاد السوفياتي تقترب من العراق قادمة من قواعد نانيه ناي باركسديل في ولاية لويزيانا.
كما أن دزينة من هليكوبترات الجيش والقوة الجوية وهي طائرات عالية التطور ومخصصة للعمليات الخاصة كانت ستبدأ الهجوم وكان عليها ان تطير في ظلام دامس على ارتفاع 30 قدما فوق الرمال لتدمير اثنين من محطات الانذار الراداري المبكر عند الحدود السعودية ـ العراقية بعد هذه الهليكوبترات ستتوغل 8 قاذفات مقاتلة من طراز "ف ـ 15 " في المجال الجوي العراقي لتدمير اقرب مركز قيادة للدفاع الجوي وهذه الضربة في الواقع ستقتلع بوابة الدخول للعراق بفتح ممر العبور لمئات الطائرات المتجهة نحو اهداف أخرى في أرجاء العراق في هذه الأثناء تكون مقاتلات ستيلث ف ـ 117 قد بدأت دورات القصف في سماء ليل بغداد.
ولم يكن لنا نحن جالسين في مقر القيادة ان نعرف ماكان يحدث في البداية وحالما كانت نتفه من المعلومات تأتي كنت اخربشها على ورقة لاصقة صفراء.
"الساعة 247 " ـ قوات العمليات الخاصة 00000 تدمر الاهداف الكولونيل جيسي جونسون امر قوات العمليات الخاصة للقيادة المركزية اتصل من مقره خارج الظهران ليقول إنه جرى تدمير محطتي الرادار العراقيين واتصل ثانية بعد قليل ليعلن ان الهليكوبترات عادت إلى قاعدتنا بسلام دقت الساعة ضبط الثالثة ساعة الصفر الرسمية للحرب. كنت اعرف ان طائرات ف ـ 117 تدك في هذا الوقت العديد من الاهداف في بغداد ولابد أن جحيما ينطلق من اسارة في عشرات المواقع في ارض العدو. "الساعة 0310 ـ التليفونات تنقطع في بغداد الجنرال لايد الذي يتطلع ضباط مخابراته محطات التليفزيون والاذاعة الغربية ابلغوا ان اغلب المراسلين في بغداد انقطعت اتصالاتهم مما بين لنا بدالات التليفون قد دمرت بعد ساعة من ذلك انطفأت الانوار في بغداد لقد اصابت صواريخ توماهوك التي اطلقتها البحرية محطات كهرباء صدام في هذه الأثناء كانت القاذفات ـ المقاتلة البريطانية من طراز "تورنادو" تضرب المطارات العراقية اما النفاثات الفرنسية والايطالية فكانت تستعد للتوجه إلى ضرب مواقع الصواريخ بل حتى القوة الجوية الكويتية الصغيرة الحجم كانت تهاجم اهدافا عراقية داخل الكويت.
الساعة 415 ـ لا اتصالات متبادلة جوية ـ جوية عراقية / لاذبذبات سقوط طائرات أمريكية كان تشاك هورنر في موقع قيادته في قبو مقر قيادة القوة الجوية في الرياض وابلغنا ان الهجوم يبدو على ما يرام فحتى الآن لا توجد معلومات عن أية مقاومة فعلية من جانب القوة الجوية العراقية ولا إشعاع لا سلكي يشير إلى سقوط طيارين أمريكيين لقد نظمنا الهجمات متسلسلا ومتداخلا فأولا دخلت القاذفات وحين حلقت بعيدا عن أهدافها وتركت المنطقة دخلت صواريخ توماهوك وحالما انتهت ضربة الصواريخ دخلت موجة من الطائرات في طريقها إلى الضرب كان هدفنا خلال الثماني والاربعين ساعة الأولى هو ان لا نعطي العراقيين فرصة للراحة أردنا ان نوصل إلى حد الاقصى الصدمة المتولدة عن القصف المتواصل.
ظل هورنر يتصل تليفونيا طوال الصباح يبلغنا آخر المستجدات فيما كان الطيارون والملاحون يؤوبون إلى القاعدة.
وبعد الظهر استطعت ان انقل لباول في واشنطن اننا انجزنا 850 مهمة بالتمام فقد دمرنا العديد من الاهداف المدرجة على القائمة وعددها 240 هدفا وقد مسحنا قصر صدام الواقع عند ضفاف البحيرة ببغداد والمحمى حماية مكينة مسحا تاما اما بناية مقسم التليفونات في وسط المدينة فقد ابلغ انه يشتعل كما اصبنا موقعين رئيسيين لصواريخ سكود غربي العراق بأضرار بليغة وتم تدمير المستودعات الواقعة تحت الأرض والمشتبه بها كملاجئ للأسلحة البيولوجية والنووية وفي هذه الاثناء اسراب من طائرات "أ ـ 10 " الهجومية تطلق قذائفها على مستودعات الامداد على طول خطوط الجبهة العراقية واخبرتنا القوة الجوية أنه "لا يمكن إعادة ملئها بسرعة كافية" وحذرت القوة الجوية من انه رغم ان دقة الطواقم الجوية كانت اقل من المتوقع اسقطت طائرات ف ـ 117 في الموجة الأولى 55 % فقط من قنابلها على الهدف وطائرات 5 ـ 111 حوالي 75% فإن هذه الدقة تتحسن باطراد في بحر النهار.
الاهم من ذلك لم تسقط سوى طائرتين وهو رقم متدن بشكل مثير أخذين في الاعتبار أننا خشينا من ان تصل خسائرنا في اليوم الأول إلى 75 طائرة من الواضح ان هورنر ومخططيه قد نجحوا نجاحا باهرا في تفكيك اوصال شبكة الدفاع العراقية المتطورة فعن طريق تشويش الرادارات وقصفها اصيبت الشبكة بالعمى وعن طريق قصف مراكز القيادة اصيبت الشبكة بالشلل ورغم ان الطيارين وصفوا لنا كيف ان سماوات بغداد ملأى بصواريخ ارض ـ جو وقذائف المدفعية المضادة للطائرات فان العراقيين كانوا يطلقون كيفما اتفق دون أدهى فرصة لإصابة طائراتنا في هذه الاثناء اسقطنا ست مقاتلات عراقية من طراز ميج وميراج وحلقت عشرات الطائرات العراقية الاخرى من قواعد إلا أنها ظلت تدور ببساطة متحاشية طائراتنا ولم نستطع ان نخمن ما يمكن استخلاصه من هذا السلوك هل كانت أوامر الطائرات الا تشتبك في قتال؟ هل هي تحترس من احتمال ان تصاب بنار المقاومات الأرضية؟ اما جبناء؟ هورنر خمن ان العراق يحافظ على قوته الجوية لكي يضربنا فيما بعد كنت ميالا لقبول هذا التقدير وقلت لباول سنظل ننتظر حتى يقوموا بالخطوة اليائسة التالية.
في جلسة الاطلاع المسائية جاء نبرت مور بالاخبار التي كنت انظر سماعها طوال اليوم تحرك الجيش مغير مواقعه استعدادا للهجوم البري فعلى طول خط التابلاين وهو طريق عريض مهجور بممرين يمتد غربا إلى الاردن انطلاقا من بلدة حفر الباطن بالسعودية القريبة من الزاوية الجنوبية للكويت بدأت الشاحنات الثقيلة للفيلق 18 المحمول والفيلق السابع تنقل الإمدادات والمعدات نحو الغرب وقد قطعت القافلة 120 ميلا في اليوم الأول من الحرب.
17 يناير 1991 ـ يوم البداية الساعة 1830:
مكالمة هاتفية مع رئيس الاركان ق. ع شرح قرارنا الراهن بحظر البريد قال ق. ع إننا نحتاج إلى مناشدة عامة للعالم كله تبين ان القوات في حالة حركة ولن تستطيع على الارجح ان تستلم بريدا كبيرا نحتاج إلى ان نطلب من الجمهور ألا يرسل رزما كبيرا.
عند الساعة الثالثة من فجر يوم الجمعة وقد مضى علينا في مركز القيادة أكثر من 24 ساعة جرى اطلاق سبعة صواريخ سكود من غرب العراق نحو إسرائيل ارسلت القوة الجوية طائرات ف ـ 15 لقصف مواقع الإطلاق في هذه الأثناء بدأت التقارير تتوالى عن وقوع انفجارات في تل أبيب اتصل بنا باول ليعلمنا ان واشنطن مهتاجه غضبا إزاء آفاق ان تثب إسرائيل وتدخل الحرب وعند الساعة 9 صباحا (توقيت ـ الساحل الشرقي) نقلت الشبكات تقارير حية من المراسلين من تل أبيب وهم يرتدون اقنعة واقعية من الغازات واكد الإسرائيليون سريعا ان صواريخ سكود كانت تحمل رؤوسا حربية تقليدية لا غازا ساما إلا إن هذه الحقيقة لم تكن إلا مصدرا قليلاً من الارتياح فقد كان العالم كله يعرف التهديد الذي اطلقه صدام قبل شهر ان يحرق نصف إسرائيل بالاسلحة الكيماوية. بعد ساعة أخرى اطلق صاروخ آخر هذه المرة صاروخ وحيد من جنوب العراق موجها إلى الظهران اطلق الجيش 4 صواريخ باتريوت من البطاريات التي أقيمت حول قاعدة الظهران الجوية ولسرورنا استطاع باتريوت ان يسقط صاروخ سكود وهو في الجو علما ان صاروخ باتريوت مصمم بالأصل كسلاح مضاد للطائرات وقد حور مؤخرا لاعتراض الصواريخ القادمة ولم يتم اختباره في ميدان المعركة من قبل بعد هذا وقبل الساعة الخامسة بقليل انطلقت عشرات النفاثات الإسرائيلية من قواعدها رحنا نرقب متجهمين ان توجه ضربة ثأرية للعراق إلا إنها في نطاق المجال الجوي الإسرائيلي ولما انصرم يوم الجمعة دون حصول هجمات أخرى بصواريخ سكود اتصل بنا باول والتعب باد على نبراته ان واشنطن اقنعت تل أبيب على الأقل الآن بارجاع نفاثاتها إلى القواعد.
إن صاروخ سكود صاروخ سوفياتي متقادم تعوزه الدقة وقد صمم بالأصل لحمل رأس حربي زنته نصف طن لمسافة 190 ميلا إنه يصيب على مقربة نصف ميل من الهدف وهذا اقرب مسافة بالنسبة لاغراض السوفيات لأن السكود يستطيع ان يحمل رؤوسا حربية نووية. وتعلم العراقيون ان يضاعفوا مدى الصاروخ تقريبا بأن يربطوا صاروخين معا أو ان يضيفوا قطعة إضافية للهيكل الأصلي إلا أنهم بهذه الطريقة ادوا إلى تقليل حمولة الصاروخ إلى حد كبير ومن الناحية الجوهرية كان كل مالديهم هو سلاح يستطيع ان يحلق مسافة 300 ميل وان يخطئ الهدف بمسافة ميلين رأسه الحربي لا يزن اكثر من 160 رطلا وهذا من الناحية العسكرية يضارع مفعوله طائرة واحدة تقذف قنبلة واحدة صغيرة ثم تفر بعيدا. وبالطبع فإن القنبلة فظيعة إذا سقطت على أي ـ إنسان إلا إنها لا تزيد عن بعوضة إذا أخذنا النطاق الضخم للحرب وعلى أية حال كانت صواريخ سكود فعالة كسلاح إرهاب للسكان المدنيين ففي مجرى الحرب الإيرانية العراقية اطلق العراق صواريخ سكود على طهران بنفس الطريقة التي امطر بها النازيون لندن بصواريخ ف ـ 2.
حتى الآن استطاعت قاذفاتنا ان تمحق كل موقع معروف لصواريخ سكود في غرب العراق مدمرة 36 منصة إطلاق ثابتة و ـ 10 منصات إطلاق متحركة ولكني كنت أعرف أننا نواجه مشكلة كبيرة مع منصات الاطلاق المتحركة المتبقية لدى العراق فالعربات الجاثمة ذات الثماني عجلات وهي عموما بحجم شاحنات الصهاريج الكبيرة التي تنقل البنزين ستكون اصغر من ان يمكن العثور عليها.
ضربت ثلاثة صواريخ سكود جديدة اسرائيل (اثنان في أبيب وواحد في القدس) وسلمني مدير العمليات صباح السبت برقية مرسلة من هيئة الأركان المشتركة الأمريكية يريد الإسرائيليون القيام بضربة جوابية شاملة في غرب العراق قوامها 100 ـ طائرة في الصباح التالي مائة طائرة أخرى عند العصر مع هجمات بهليكوبترات اباتشي في المساء وغارات على يد الكوماندوز وستدخل الطائرات العراق من خلال المجال الجوي السعودي اتصلت بباول في الحال " لن يقبل السعوديون ذلك قط لايمكن التسلل عبرهم فلديهم ضباط معنا في الأواكس وسيعرفون ذلك".
في ضحى ذلك اليوم ابلغنا باول ان الامير اتصل بناء على طلب واشنطن بالملك فهد ليستفسر عن إمكانية إعطاء حق المرور في الاجواء للطائرات الإسرائيلية أجاب الملك بسرعة بما معناه "لا سبيل إلى ذلك بالمرة وأخبرني باول الآن الرئيس بوش على وشك الاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق شامير ليحاول ثنيه عن عزمه واستخدم ثلاث حجج إننا ضربنا اصلا كل مواقع صواريخ سكود المشخصة واننا نواصل الهجوم بعدد من الطائرات ومقدار من القوة النارية لا يتوافر لدى اسرائيل وان تدخل إسرائيل قد يؤثر التحالف أو يشق هذا التحالف الذي ثابرنا بدأب على بنائه وكنا قد علمنا في القيادة المركزية على وضع خطط لإخلاء غرب العراق من طائراتنا تفاديا لحوادث الاشتباكات العرضية في حالة حصول ضربة إسرائيلية الا إن باول اتصل وقال إن اسرائيل وافقت على الاحجام عن التحرك.
كان بوسعنا ان نتحسس مدى الضغط الذي تمارسه اسرائيل على واشنطن لأن واشنطن كانت تتحول لتمارس هذا الضغط علينا فاولا اقترحت هيئة الأركان المشتركة ان تسمح لإسرائيل بارسال مخططيها ليجلسوا معنا في مقر قيادتي في الرياض ويخبروا قوتنا الجوية عن الاهداف التي يجب ضربها وقلت له إن هذه فكرة حمقاء "كيف يمكن لأحد ان يفكر ان لدى الإسرائيليين معلومات عن الاهداف خيرا من قواتنا الجوية؟ لقد دأبنا على دراسة ذلك الجو من العراق بأكثر وسائل جمع المعلومات تطورا وبأفضل تكنولوجيا ابتكرت حتى الآن" علاوة على ذلك بعد ستة اشهر من الوعظ بالحساسيات الثقافية لم استطع ان اصدق ان علي أن اشرح للآخرين ان وجود ضباط إسرائيليين سيحطم مصداقية القيادة المركزية لدى العرب هذا إذا افترضنا أن السعوديين سيسمحون بدخولهم إلى المملكة.
بعد ذلك تلقينا اوامر من هيئة الأركان المشتركة بقصف اهداف مدرجة في قائمة، زود الإسرائيليون وزير الدفاع تشيني بها كنا قد ضربنا اغلب اهداف هذه القائمة ولما مضينا لمهاجمة الاهداف الاخرى لم نجد فيه شيئا بلغ السيل الزبى بهورنر فقال "سيدي هذا خبل لايمكن لنا ان نسمح لحفنة من الإسرائيليين الذين ليست لديهم أدنى فكرة عن مجمل خطة الحملة ليأتوا ويقولوا لنا أين نرمي قنابلنا إننا نرمي قنابلنا على كثبان رمل فارغة وقد بدأنا نحيق حياة طيارينا بالخطر" ووجدت نفسي أحاول التأثير على باول سنفعل ما تمليه علينا ولكن مجرد ترك القنابل تسقط من الجو يخالف المنطق العسكري.
واستجبنا للضغط بتحويل جهودنا إلى صيد صواريخ سكود عبر تخصيص ثلث الطلعات القتالية وطلعات الاسناد التي تزيد على 2000 طلعة جوية مقررة كل يوم لتنفيذ الحملة الجوية الاستراتيجية وشقت طائرات "ف ـ 15 س" و "ف ـ 16 س" ـ طريقها بجراة عبر تحشدات كثيفة من الصواريخ المضادة للطائرات لقصف ملاجئ حزن صواريخ سكود ومواقع الإطلاق المشتبه بها غرب العراق وفي يوم 19 يناير اصطدمت مهمة لقنص السكود بأربع طائرات ميج وطائرة ميراج عراقية حاولت ان تصد الهجوم واسقطنا النفاثات الأمريكية جميعا قد ارسلنا اصلا إلى داخل العراق مجموعات للعمليات الخاصة من قوات التحالف لمراقبة الطرق والابلاغ عن منصات الاطلاق المتحركة كانت هذه المهمات بالغة الخطورة. فالبلد كله كان عبارة عن معسكر مسلح وحتى المناطق التي على الخريطة خالية اتضح انها تخضع لدوريات مكثفة من الوحدات العسكرية المرسلة خصيصا لاسر الطيارين المسقطين ويبدو أيضاً اننا لم نقدر قسوة المناخ في الجبال الشمالية الغربية العراقية حق قدرها فنحن في فصل الشتاء وكان الطقس يتراوح بين الانجماد والبلل الواقع ان اثنين من احدى زمر القوات الخاصة لقيام مصرعهما بسبب قوة البرد اخيرا كانت طائرات الهجوم "أ ـ 10" ثقيلة التسليح نئز فوق طرقات ووديان غرب العراق كل صباح بعد انقشاع الضباب بأمل التقاط منصات اطلاق صواريخ سكود المتحركة في مجرى انتقالها.
 
الفصل العاشر
19 يناير 1991 ـ يوم الحرب + 2 الساعة 1631:
مكالمة مع رئيس الاركان ق. ع اوضح ان أول قنبلة القيناها على بغداد تعادل في قوتها التفجيرية كل السكودات (عددها عشرة) التي أطلقوها.
واتضح لنا ان منصات اطلاق الصواريخ اكثر تضليلا مما كنا نعتقد لقد التقطنا قلة منها ولكن ما ان تصل القاذفات بأزيزها فوق الموقع الذي انطلقت منه الصواريخ قبل قليل حتى تجد صحراء خالية حيرنا ذلك عندئذ جاءنا خالد بتفسير.
ففي اثناء حديث له مع المصريين العاملين بأمرته. والمصريون خبراء في المعدات السوفياتية التي كانوا يملكون قدرا كبيراً منها اكتشف ان شاحنة منصة الاطلاق لا تستطيع ان تمضي أبعد من مسافة ستين سواقة بعد اتمام الاطلاق وكانت وكالات مخابراتنا قد ابلغتنا انها تسير لمسافة 30 دقيقة سواقة.
بدا الأمر مفعوما الآن ففي الوقت الذي نشخص فيه موقع الاطلاق وننقل فيه الاحداثيات إلى طيارينا ببزوغ العراقيين بعيدا. بعد منتصف ليل الاثنين 21 يناير تعرضنا ضباط مقري وانا لفترة وجيزة إلى ما كان يتعرض له الإسرائيليون هجوم بصواريخ سكود على الرياض التقطنا ستة صواريخ متجهة نحونا وهي على وشك ان تسقط على الهدف في ظرف 3 دقائق انطلقت صفارات الانذار في ارجاء المدينة وراحت بطاريات صواريخ باتريوت تقف في حالة انذار كامل وحرصنا في غرفة الحرب الواقعة في القبو على وضع الاقنعة الواقية من الغازات السامة في متناول اليد بعد دقيقة انفتح الباب ودخل خالد دخولا عاصفا مع كامل ضباط مقره وهم يحملون الاقنعة الواقية كانت قلوبنا تغص وتثب إلى حناجرنا فمبنى وزارة الدفاع لا يتمتع بحماية جوية كافية ورغم إننا لم نكن نعتقد أن العراق يملك رؤساً كيماوية لصواريخه فلم نرصد رأسا كيماويا واحداً خلال سنوات من مراقبتنا لتجاربهم الصاروخية إلا إننا لاحظنا في تلك اللحظة نظرات قلقه على كل مكيفات الهواء.
سقطت الصواريخ دون ان ندهش لذلك على مبعدة اميال وعدنا إلى العمل فيما كانت التقارير تترى: لم تقع اصابات لم ينخدش احد وابلغت بطاريات باتريوت انها قامت بإحدى عشرة عملية اعتراض ( ضربوا الصاروخ الواحد عدة مرات فالمنظومة ما تزال تعاني من بعض المثالب) واقم فريق استطلاع تكنيكي بفحص مواقع سقوط السكود ولم يجد اثرا على مواد كيماوية.
تساقط علينا صواريخ سكود أخرى في الايام التالية فاستدعاني الملك فهد إلى قصره وسألني عما نقوم به لمنع الهجمات فشرحت له السبب الذي يجعل الخطر الناجم عن صواريخ سكود ضئيلا ـ بدا الملك راضيا.
* * *
بدأت وتيرة اطلاق صواريخ سكود تخف ففي الأسبوع الأول من عاصفة الصحراء اطلق العراقيون 35 صاروخاً وفي الأسبوع الثانية 18 وبعد ذلك لم يتدبروا غير اطلاق صاروخ واحد في اليوم كمعدل وسطي وكانت آخر الصواريخ عشوائية كليا على وجه التقريب فطاقم الصاروخ يخرج من مخبئة بسرعة ينصب المنصة ويطلق دون إكمال إجراءات التسديد النظامي ويفر بأسرع ما يمكن وللانصاف نقول لم يكن بوسعهم ان يفعلوا أكثر من ذلك الوقت كانت القاذفات المقاتلة لقوتنا الجوية تجوب غرب العراق في دوريات متواصلة على مدار الساعة لقد قام هورنر بعمل خارق ففي أقل من أسبوعين قام التحالف بـ 30 ألف طلعة جوية وهذا يوازي بصورة تقريبية ربع عدد الطلعات المنجزة في فيتنام خلال 8 سنوات ورغم ان العراق ادعى انه اسقط 180 طائرة فإن العدد الفعلي للخسائر كان 80 طائرة لقد عمل هورنر على تدمير الدفاعات الجوية العراقية تدميرا منهجيا لذلك لم يكن مرجحا ان نفقد المزيد منها فقد جرت مهاجمة بطاريات المدفعية المضادة للجو وتم قصف وإسكات اغلب صواريخ ارض جو العراقية وعلى حين تأكد لنا أننا دمرنا 15 % من القوة الجوية العراقية فإن بقية طائرات هذه القوة كانت إما مختبئة في ملاجئ كنا نهاجمها بانتظام أو هاربة إلى إيران أو منتشرة في الحقول والجبال والمناطق السكنية استغرقت المرحلة الأولى من حملة القصف الاستراتيجي التي قادها تشاك اكثر من الايام الستة المقدرة بالأصل وذلك بسبب سوء الطقس وحرف الطائرات إلى مهمة جانبية هي صيد صواريخ سكود إلا إن القصف كان مؤثرا تمام مما ازال الاثر السيء للتأخيرات.
في الأسبوع الأخير من يناير باتت اجواء العراق تحت سيطرة التحالف. كما نحرز بالضبط ما انطلقنا لتحقيقه: شل الجهاز العسكري العراقي تاركين زراعته وتجارته دون مساس، وسكانه المدنيين إلى حد كبير دون أذى.
* * *
وكنت أسهر اغلب الليالي لارى ان كان هناك إطلاق لصاروخ سكود ـ كانت الصواريخ تنطلق في العادة بين الثانية والرابعة فجرا ولما كان فارق الوقت يجعل التوقيت في واشنطن اقل بست ساعات عن الرياض فقد كنت اعتمد على مكالمات هاتفية عاجلة في وقت متأخر من ليل الرياض اثناء اوج النشاط ما بعد الظهر في واشنطن كما كنت اقضي ساعات الليل تلك في إنجاز الاشغال مع خالد لتهيئة قوات التحالف العربي وقواته للحرب وكنت اهجع من سريري قبل طلوع الفجر بقليل ـ ولدي ضباط المقر أوامر دائمة بإيقاظي إذا حصل أي شيء مهم ـ لأنال قسطا من النوم مدة أربع ساعات حتى بدء جلسة الإطلاع الصباحية وإذا ما سمحت الأزمة فأخذ قيلولة لساعتين في منتصف النهار نقلت مكان سكني إلى غرفة صغيرة في القبو في آخر الممر المفضى إلى غرفة الحرب فقد تذكرت تجربتي في فيتنام ان انان قرب اللاسلكيات التي تربطني بجنودي.
لم أعد أتناول وجبات منتظمة فكان السرجنت الأول واين "سميتي سميث" مرافقي يسألني "سيدي ماذا تريد على العشاء؟" فاختار في العادة "قدحا من الشعيرية".
ارسلت لي بريندا صندوقا من المنكهات المتنوعة أو سجق مسخن بالميكروويف ويحدث في بعض ليالي الأسبوع ان يذهب بعض ضباط المقر إلى نادي الضباط السعودي للعشاء ويجلب معه سندويتشا.
لا أقصد بذلك على أية حال القول إن عاصفة الصحراء جعلتني أفقد وزني كنت اتوجه لرؤية القوات كلما سنحت الفرصة اما اغلب الوقت فكنت اكتفي بالجلوس متحدثا على الهاتف أو بواسطة اللاسلكي أو ممعنا النظر في الخرائط وشاشات الكومبيوتر وكان هناك على الدوام من يدور في غرفة الحرب حاملا صندوقا من الكعك المرسل من البيت ليوزعه علينا فنحشو جوفنا بالكعك حد الخيشوم ثم نتأوه "اوه لا أريد ابعد هذا الكعك عن وجهي".
كنت اتصل تليفونيا بالبيت مرتين في الأسبوع ساعيا إلى توقيت المكالمات حين يكون الأطفال في البيت وكان الاستماع إلى العلامات الفصلية التي نالتها سندي في الكلية أو انتصارات فريق تجديف جيسيكا أو آخر امتحان رياضيات اداه كريستيان يسبغ على العالم اللاواقعي الذي وجدت نفسي فيه طابعا من السوية وكانت بريندا تملأني بأخبار نشاطاتها لقد نظمن هي وزوجات الجنرالات الأخريات في قاعدة ماكديل الجوية مجموعة رعاية للأسر التي توجه الأب أو الأم منها إلى الخليج وكان هؤلاء المعالون غالبا ما يأتون إليهن طلبا للعون في حل مشاكلهم.
وكانت بعض هذه المكالمات تغدو فجأة مثيرا للمشاعر ففي ليلة أو هجوم بصواريخ سكود على الرياض صادف ان كانت ليلة الاتصال التليفوني جاء كريستيان على الخط ولما سألته "كيف حالك؟" اجابني ليس سيئا كثيرا يا بابا... لم يكن ذلك من عاداته ثم جاءت بريندا على الخط وأوضحت انهم سمعوا من التليفزيون قبل ان الرياض تتعرض لهجوم بصواريخ سكود طمنتهم جميعا لا تقلقوا فالصواريخ سقطت اصلا وانا في سرداب عمقه ـ 80 قدما تحت الأرض ولست في أي خطر كان ذلك تذكيراً بأن لحرب تهز الناس على جبهة الوطن.
وفي ليلة أخرى رفعت بريندا السماعة وهي تبكي "ياالهي بريندا ماالامر؟ ماذا حدث؟ خطر لي في الحال ان مكروها وقع لاحد الأطفال.
قالت من غير تفكير "استلمت رسالتك لتوي" ان الرسالة التي كتبتها عشية الحرب استغرقت اسبوعين كي تصل إلى تامبا قالت: اسمع يانورم شوارتزكوف إذ قلت فسأزعل عليك".
المرة الوحيدة التي رأيت فيها ضوء النهار هي المرة التي توجهت فيها إلى الميدان فبينما كانت الحرب الجوية تمضي قدما واصلت العمل كالمجنون في خطة الحملة البرية مشرفا على التحضيرات وزائرا القادة والوحدات في كل منطقة الحرب المعنويات عالية.
والجنود يعرفون انهم على أهبة الهجوم وهم سعداء لأن الساعات الطوال التي قضوها جاثمين في الصحراء توشك على الانتهاء ووجدت الشباب في احدى وحدات المدفعية من فوج الفرسان المدرع الثالث المتمركزة على الجبهة وهم يضحكون ويمزحون وطلبوا مني ان اضع توقيعي على قذيفة مدفعية واعدين انها ستكون اول قذيفة يطلقونها حين يبدأ الهجوم وزرت مشاة البحرية المتمرسين على الحدود السعودية الكويتية وكان موقفهم كالآتي "إننا ذاهبون إلى الحرب سيدي، وذاهبون إلى الوطن ـ وطريق العودة للوطن يمر بالكويت". لقد دفعنا فرقا كاملة إلى الامام كثيرا بحيث بات الوصول إليها يتطلب وقتا طويلا حتى بالطائرة أو الهليكوبتر ولدى تحليقي فوق خط التابلاين تعجبت لما انجزه الجيش فقد كنا نسبق الجدول الزمني للنقل الذي وضعه باجونيس. قبل اسبوعين من الان لم يكن في هذا الموضع سوى الصحراء وانبوب النفط وخيمة يدوية طارئة اما الآن هناك بحار من شبكات التمويه التي تغطي مسافة أميال وتخفي حسب علمي آلاف الأطنان من الأطعمة وقطع لغيار والوقود والماء والذخائر اللازمة للهجوم اما الطريق نفسه فعبارة عن قافلة طويلة من الشاحنات وصهاريج الوقود وناقلات الدبابات والمدرعات العملاقة ـ آلاف العربات الممتدة من الأفق ان ما رأيته ازال ارتيابي في قدرتنا على بدء الهجوم في منتصف فبراير.
لم يتحقق أي شيء من هذا بسحر ساحر فقد توقت الكثير على العقلية الأمريكية لقد حل يوسوك وباجونيس والاناس العاملون معهم سائر اصناف القضايا التي لم تدرس في وست بوينت حد الأزمة الكبرى في الشاحنات لقد اعتمدنا على شاحنات استأجرناها من مقاولين مدنيين ليسوقها باكستانيون وبنجلاديشيون وفليبينيون وينجال لنقل ذخائرنا وتجهيزاتنا وقد اعددنا للسواق اماكن مبيت إلا أنهم اعتادوا النوم في منازلهم لذلك عندما كانوا ينتهون من نقل حمولة قذائف هاوزر إلى الجبهة وهو عمل ما كانوا يستطيعونه بالمرة كانوا في اغلب الأحيان يقودون شاحناتهم عائدين إلى كراج الشركة ويتوجهون إلى بيوتهم وعندما نطلب من رب عملهم ان يرسلهم ثانية وهو امر يستغرق أياما في ضوء بعد المسافات الطرق الملتوية وذات يوم لاحظ احد عسكريينا ان السواقون كانوا مفتونين بأشرطة فيديو مباريات المصارعة الحرة الأمريكية هالك هوجان ضد ماتشومان راندي المتوحش واندريه العملاق ضد جاك الثعبان وما إلى ذلك لذا نصب ضباط النقل من جماعة باجونيس خيمة كبيرة في قاعدة التموين الرئيسية في الظهران وزودها بشاشة عرض تليفزيوني وكلما انطلق السواقون في الصباح ابلغهم الضباط عن البرنامج التليفزيوني لمساء اليوم في نهاية النهار يسرع السواقون عائدين لمشاة البرنامج فنبقيهم تحت اليد لوجبات النقل لليوم التالي.
وكانت هناك قضايا لم يستطع حتى جاس باجونيس حلها فقد كان قادة الفيالق والفرق عازمين بحق على ايصال قواتهم إلى الموقع في وضع جاهزة للهجوم تبعا للاوامر ولكن إذا لم يحصل جنرال ما على عدد الشاحنات التي يعتقد مثلا انه يحتاجه فانه يعمد إلى رفع شكوى إلى مقر قيادة الجيش الثالث ـ أو يزجر باجونيس حصل ذلك كثيرا إلى حد إنني اضطررت أخيرا إلى ان استطلع من جاس جليه القضية فأجاب سيدي هؤلاء الناس يظنون ان لدينا منظومة لوجستيه تشبه ما هو متوافر أو اوروبا وهم يطلبون ما يزيد على حصتهم العادلة من الشاحنات والتجهيزات عوضا عن الفصل في النزاع اخترت حلا افضل كما قد اتفقنا باول وأنا على أن باجونيس ينوء بقدر كبير من المسؤولية لا يقل عما ينوء به أي قائد في مسرح العمليات وانه لا بد من ترقيته لذلك طلبت من باول ان يعجل بترشيحه لرتبة جنرال بثلاث نجوم صادق الرئيس بوش على الطلب في 28 يناير وكانت تلك الترقية الوحيدة اثناء المعركة في عملية عاصفة الصحراء وبات باجونيس الآن برتبة مكافئة أو أعلى من بقية قادة الميدان وكان بوسعه الآن ان يلقمهم حجرا إذا رعت الحاجة وتحسن سلوكهم معه تحسنا دراماتيكيا.
* * *
ظلت الجبهة هادئة طوال الأيام العشرة الأولى من الحرب عدا عن تبادل مدفعي متفرق ولكن في ليل الثلاثاء 29 يناير شنت الفرقة الآلية الخامسة العراقية هجوما بالدبابات عند ثلاث نقاط على الحدود السعودية الكويتية واصطدم احد طوابير الدبابات بكتيبة مشاة للبحرية الأمريكية فردته على أعقابه بسرعة الا أن الطابورين الاخرين لم يصادفا الا مقاومة مشتته من وحدات استطلاع متقدمة وشقا طريقهما نحو بلدة الخفجي وهي مركز تكرير للنفط على الساحل السعودي على مبعدة 8 أميال جنوب الكويت.
كانت الخفجي وهي المستوطنة السعودية الوحيدة التي تقع ضمن مدى المدفعية العراقية مدينة اشباح فسكانها البالغ عددهم 20 الف تركوا البلدة بعد أن تعرضت للنيران في اليوم الأول من الحرب ولم تكن هناك حامية عسكرية في الخفجي لأنني أشرت إلى خالد منذ الأيام الأولى لدرع الصحراء أن الدفاع عن الخفجي متعذر فالعدو يستطيع ان يقصفكم من جانبه الحدودي أي وقت يشاء.
وجاء نائبه الجنرال عبد العزيز الشيخ وابلغني ان الجنرال خالد سيقود هجوما مضادا لاستعادة الخفجي في اليوم التالي قلت هذا رائع هذا بالضبط عين ما ينبغي ان تقوم به قواتكم وسنقدم لكم كل الدعم اللازم والجنود.
وفي الصباح حمى وطيس الحركة إلى حد كبير دفع السعوديون كتيبة دبابات من حول شمال المدينة لقطع خطوط القوة الغازية الا أنها اصطدمت بدروع للعدو أكثر بكثير مما كان متوقعا ولدهشتنا كانت الفرقة الألية الخامسة العراقية بأسرها تضم نحو اربعمائة دبابة ومدرعة تحاول التقدم على الطريق العام الساحلي إلى الخفجي وارسلنا طائرات القوة الجوية وطائرات سلاح مشاة البحرية صبت طائراتنا وهليكوبتراتنا حمما من الجحيم على ارتل الدبابات طوال النهار حتى اخذ الطيارون يشتكون من عدم القدرة على ايجاد اهداف بسبب الدخان المنبعث من الاهداف التي ضربوها. استبدلت بنا الحيرة اركان مقري وحاول احد المحللين ان يستخلص أي مغزى لهذه النقلة فسماها "هجوم تشويش" اندفاعه يقوم بها مدافعون لتشويش هجوم متوقع يعد له خصومهم ولكننا توصلنا اخيرا إلى أن ذلك كله محض لعبة دعائية قد أراد صدام ان يظهر للعالم ان العراق لا يرضخ رغم قصف التحالف ولكن هذه حماقة فاضحة أخرى ففرقته واقعة في مصيدة فإذا انسحبت واجهت المزيد من الضربات الجوية وإذا تقدمت واجهت في جنوب المدينة قوات مشاة البحرية مع وحدات قطرية تسد عليها الطرق.
أعد خالد وأركانه هجوما مضادا أكبر بكثير لصباح اليوم التالي.
إلا أن الوقت كان يعمل لصالحنا فعند طلوع النهار شن السعوديون هجوما مضادا بلواء مدرع وعناصر من حرسهم الوطني ووحدة من قطر عند الظهر اتصل خالد متوهجا بالظفر وقال إنهم دمروا 15 دبابة واسروا مائة عراقي مع أدنى حد من الاصابات في قواته اما على الجانب العراقي فقد كانت معركة الخفجي هزيمة نكراء بالفرقة الآلية الخامسة التي تعد من أفضل الوحدات المدرعة وأدنى فقط بدرجة واحدة من الحرس الجمهوري دمرت تماما على وجه التقريب وقد رصدنا الاتصالات العراقية اللاحقة التي اشارت إلى أن 20 % من الفرقة استطاعت العودة وخلال هذه المعركة اثبتت المدفعية العراقية المتبجحة كثيرا انها عديمة الفعالية فلقد اطلقت مئات القذائف إلا إنها لم تنجح في اسقاط قذيفة واحدة على قواتنا.
واستنتجت بارتياح كبير ان الجيش العراقي لم يكن يتمتع بنصف الكفاءة أو لم يكن راقي التدريب كما شاع عنه وكل ما ينبغي ان نحرص عليه في المستقبل هو مسألة لجوئه إلى الأسلحة غير التقليدية.
وسجلت المعركة نقطة انعطاف في المعنويات السعودية فقد دخلها جنود ـ خالد بثقة ضعيفة في مقدورتهم على القتال وقد حولهم صدام إلى منتصرين.
ففي نهاية اليوم أصدرت وكالة الأنباء السعودية تصريحاً ظافرا يقول ان ـ الخفجي "ظهرت كليا من القوات المعتدية".
 
الفصل الحادي عشر
31 يناير (كانون الثاني) 91 ـ يوم الهجوم + 14
الساعة 1830 ـ ق. ع ابلغ رئيس الأركان ان لدينا جنديين مفقودين في القتال من سرية النقل في الفيلق 18 المحمول (ذكر واحد وانثى واحدة) من الواضح ان ناقلتي معدات ثقيلة ضلتا عند الاستدارة على طريق التابلاين وتوجهنا شمالا إلى الحدود الكويتية ولما ادركت الناقلتان انهما تقتربان من منطقة العراق دارت إحداهما على اعقابها لتعود إلى نقطة حراسة لمشاة البحرية طلبا للنجدة لأن الناقلة الأخرى انغرزت في الرمل ولما جاء المارينز وجدوا الناقلة في مكانها. اما الجنديان فقد اختفيا، وهناك قوات عراقية في المنطقة ق. ع ابلغ رئيس الأركان ان البحث جار. وان هذه حقا أول انثى مفقودة في القتال (دأب راديو بغداد على لزعم انهم اسروا العديد من الاناث خلال تغلغلهن الحدودي عند الخفجي).
1 فبراير (شباط) 91 يوم الهجوم + 15
الساعة 250 ـ عقب غارة من ب ـ 52 على "الغابة الوطنية" الكويتية في جنوب غرب الكويت فر العديد من عربات العراق من الغابة ابلغتنا طائرات أ ـ 10 عن تدمير الآتي 20 دبابة 11 ناقلة جنود مدرعة، 20 عربة ذات عجلات وثلاث راجمات صواريخ وابلغنا الطيارون ان ميدان المعركة يشبه "اشعال النور في غرفة مليئة بالصراصير".
استنسخت مقتبسا من "مذكرات الجنرال وليام ت. شيرمان والصقته على مكتبي : "الحرب هي العلاج الذي اختاره العراقيون واقول دعنا نعطيهم ما يريدون وفيما راحت طائراتنا تتحول إلى أشرس مرحلة في الحملة الجوية، كنت اعرف ان جنود صدام لم يعودوا ينالون قسطا من النوم في مخابئهم وخنادقهم والسبب ان طائرات ب ـ 52، والقاذفات المقاتلة ونفاثات الهجوم كانت تدك مواقعهم على طول الجبهة وكانت الأسبقية الأولى بنظرنا هي تدمير الأسلحة الثقيلة وبخاصة المدفعية التي يمكن ان تستخدم لإطلاق القذائف الكيماوية ولكننا كنا نريد أيضاً تفتيت معنويات العراقيين فكنا نغتنم فترات الراحة الفاصلة بين الغارات الجوية لنسقط ملايين المنشورات التي صغناها بالتعاون مع السعوديين والمنشور النموذجي يحمل على الوجه الاول رسما لسعوديين مبتسمين متحلقين حول النار في الصحراء وهم يقدمون القهوة لضيف. اما على الوجه الاخر فصورة صدام وهو يستدل خنجرا غادرا ليطعن شقيقا عربيا في الظهر وكان فحوى المنشور بالعربية ينص على ما يلي " انظر ما فعله صدام لقد قمتم باحتلال ارض جار لكم إذا جئتم إلينا فسنعاملكم كاخوة عرب.
بعد اسبوعين من الحرب حدست بغريزتي خبرتي اننا قصفنا معظم الاهداف الاستراتيجية بما يكفي لانجازه غايات الحملة وقد آن الأوان، حسب اعتقادي لتحويل أغلب قواتنا الجوية على الجيش الذي كنا نوشك ان نلاقيه في المعركة إلا ان خبراءنا، وهم يؤلفون "فريق تقدير الاضرار" المتخصص من وكالات الاستخبارات في واشنطن الذي نسب إلى القيادة المركزية خالفوا هذا الرأي كانت مهمتهم هي تحليل نتائج القصف وتحديد الاهداف التي يجب ضربها من جديد وقد دفعوا منذ اليوم الأول لعاصفة الصحراء إلى الدوران في حلقة مفرغة، فكانوا يقولون اشياء من قبيل "لم تفلحوا في تدمير محطة توليد الكهرباء في بغداد" ومع ذلك كنا نعرف ان الانوار في بغداد مطفأة في المرحلة المبكرة من صيد صواريخ سكود اخبرونا ان منصات إطلاق الصواريخ الثابتة في غرب العراق لم تتضرر الا بنسبة 25 في المائة ومع ان هذه المنصات لم تطلق صاروخا واحدا بعد فإننا لم نستطع تقبل المجازفة ولذلك ارسلنا عشرات الطائرات لضربها ثانية.
ان تقدير اضرار العراق في المعركة هو فن قائم بذاته يجمع المحللون تقارير الطيارين وصور الموقع المضروب وتقارير متابعة الاستطلاع الجوي ونتف المعلومات المتسربة من وراء خطوط العراقيين إلا إن جماعة الاستخبارات كانوا وما زالوا منذ سنوات يسعون إلى تحويل ذلك إلى علم قائم بذاته، وذلك بالدرجة الأساسية عن طريق انفاق المليارات من الدولارات على تكنولوجيا المراقبة وعليه جرى اعداد المحللين للركون إلى حد كبير على الدليل "الملموس" الذي تقدمه طائرات الاستطلاع والأقمار الصناعية ولذلك إذا عاد طيار وقال ـ انفجر المخبأ أمام انظاري فانهم لا يمحضون هذا القول الثقة فتقارير الطيارين حسب رأيهم تنحو إلى المغالاة إلا إن معداتهم التكنولوجية لم تكن كاملة القدرة على الرؤية كما كانوا يظنون ولم يتركوا لأنفسهم مخرجا لممارسة التقدير العسكري لقد كانت تحليلاتهم بديعة في بعض الأحيان إلا إنها كانت عديمة المعنى في أحيان أخرى كثيرة من ناحية المعايير التي حددتها انا لتقدير الاضرار المحيقة بمنشآت العراق ووحداته ومعداته ولم يكن بمقدورنا ان نتحمل نتائج تقديرات مشوهة فالمغالاة في التأول قد تدفعنا إلى البدء بالحرب البرية في وقت مبكر مما ينبغي ودفع الثمن بخسائر فادحة في الأرواح والمغالاة في التشاؤم قد تدفعنا إلى الجلوس ضاربين كفا بكف نادمين ان العراق ما يزال قويا للغاية.
افصحت لهم عن مشاعري ان الكولونيل تشاك توماس مستشارنا الرئيسي حول الوضع المخابراتي الراهن كان كبير ضباط الاستخبارات في فرقة المشاة الآلية 24 لما تسلمت قيادتها وكنت اعرفه ضابطا لامعا متفانيا، وقديرا من الناحية المهنية وكان يأتي كل ليلة ليطلعني على آخر تقدير للاضرار الناجمة عن القصف مما توصلت إليه جماعة الاستخبارات وليستمع الى وانا ادلى بملاحظات طريفة من قبل لو دمرنا شبرا من جسر طوله أربعة اشبار بحيث ان أي شيء يحاول العبور سيسقط في نهر الفرات فإن جماعتك في الاستخبارات يقولون لنا ان اضرار الجسر لا تزيد عن 25 في المائة.
وإذ حولنا القصف من الأهداف الاستراتيجية إلى القوات العراقية ازدادت اوجاع الرأس هذه سوءا فإن القول بأننا دمرنا مصنعا للذخائر أو منشأة اسلحة بيولوجية لأسهل بكثير من القول بأننا دمرنا كتيبة من 40 دبابة متمركزة في استحكاماتها في الصحراء كان الحرس الجمهوري قد اختبأ تحت الأرض ـ بالمعنى الحرفي للتعبير فلقد بنوا مخابئ لرجالهم ولدباباتهم على حد سواء لذلك رغم اننا كنا نوجه لهم الضربات بثلاثين طلعة جوية لطائرات ب ـ 52، فقد كان من الصعب تحديد النتائج كميا ابتغاء حل هذه المعضلة ابتكرنا تكتيكا اسميناه شفط الدبابات كنا نرسل طائرات منفردة لتحديد موقع مخابئ منفردة وتدميرها بقنابل موجهة بالليزر. ويعود الطيارون مبلغين عن اصابات مباشرة ومع ان الاضرار لا تطفو على السطح امام النظر في مثل هذه الحالات فإن المحللين يؤكدون بعناد ان وحدات الحرس الجمهوري ما تزال تحافظ على قوتها قريبا من معدل مائة في المائة.
ولم يطل الوقت حتى اصبحت هذه الخلافات محور ما نشيتات الاخبار وبرز تقرير صحافي في "نيويورك تايمز" (الطبعة الصادرة في واشنطن "يحمل العنوان الرئيسي التالي" زخرة القوات العراقية لم تصب بأذى كبير من جراء القصف حسب اقوال رسميين في البنتاجون وظهر تقرير آخر (في صحيفة تصدر في الظهران) يؤكد : "نخبة القوات العراقية تتضرر بالقصف حسب تأكيد المساعدين الحلفاء".
كان توماس يشعر بنفس القدر من الاحباط الذي انتباني اخيرا قلت له علينا ان نبتكر طريقة منهجية معقولة تقهقر إلى مكتبه يومين وعاد بما يسرني حاملا طريقة منهجية تجمع الفن القديم بالعلم الجديد على نحو بدا معقولا للجميع فقد كان يتناول كل صنف من الاهداف على حدة ولنقل مثلا مطارات العراق ـ ويضع ورقة مستقلة يضع عليها الصورة الفوتوغرافية للتقدير "الموضوعي" للاصابة كما أورده المحللون، إلى جوار التقييم "الذاتي" الذي وضعه قسم الاستخبارات عندنا لقدرة العراق على أساس المعيار الكلي الذي قمت بتحديده "بسط التفوق الجوي" في هذه الحالة تعطي الصورة الفوتوغرافية للمحللين تقديرا يقول ان اضرار المطار معتدلة حسب المعطيات المنظورة فالمدارج لم تدمر الا بنسبة 20 في المائة وارض المطار ما تزال صالحة للعمل الا أننا كنا نعرف أيضاً ان طائرات القوة الجوية العراقية لم تعد تحلق فالطائرات التي تحلق تتعرض للاسقاط أو ان طياريها يفرون بها إلى إيران لذلك قام ضباط استخباراتنا بتقدير معيار السيطرة الجوية بنسبة 95 في المائة ان دمج القرائن الثبوتية على هذا النحو ساعدنا على التوصل إلى النتيجة البديهية لقد قصفنا المطارات بما فيه الكفاية ووسعنا الانتقال إلى اهداف أخرى.
ان الابتكار الفذ الذي حققه توماس انقذ حياة الكثيرين ـ وفر على الطيارين المجازفة بتنيفذ ضربات لا لزوم لها وخفف عنا ضغط مختلف اجهزة المخابرات في واشنطن. اخيرا اوعزت له بأن يشرح هذا التكتيك الجديد إلى تشيني وباول اللذين راحا يمطراننا بوابل من الاسئلة المدققة عنه، ثم وافقا على ان القيادة المركزية كانت تعرف ما تفعل وكانت وكالة المخابرات المركزية (سي. أي. ايه) هي الجهة الوحيدة التي ظلت تعارض فحتى عشية الحرب البرية، راحت تقول للرئيس اننا نغالي مغالاة تامة بالاصابات التي وقعناها بالعراقيين ولو كان لزاما علينا ان نقنع وكالة المخابرات المركزية بذلك قبل شن الهجوم لكنا ما انزلنا في المملكة العربية السعودية حتى يومنا هذا.
4 فبراير 91 ـ يوم الهجوم + 18
الساعة 1845 ـ اوضح ق. ع إلى رئيس الأركان ان الصحافة منزعجة وتزداد عدائية وان مشكلة الصحافيين ان هناك 1000 واحد منهم، مع ذلك فان حوالي 75 منهم يحضرون إلى المجمع الإعلامي في وقت معين اما الـ 925 صحافيا فيجلسون هنا أو هناك وهم يجارون بالشكوى لا غير ومما يثير الفضول ان اغلب رجال الصحافة منزعجون من محطة سي. ان. ان لأن (المحطة) تقدم تقارير غير دقيقة لمجرد ان تحقق سبقا صحافيا.
8 فبراير 91 ـ يوم الهجوم + 22
الساعة 0900 ـ في ختام جلسة الاطلاع الصباحية ضابط العلاقات العامة اخبر ق. ع ان اثنين من الصحافيين عبرا الحدود والتقيا ببعض المسلحين العراقيين فاخذهما هؤلاء إلى نقطة تفتيش الحدود وسلموهما إلى المصريين كأسرى حرب كل ذلك من أجل الحصول على مقابلة صحافية تعليق ق. ع هو ان بعض الصحافيين قد يقتل فحين ترى قواتنا عراقيين كاملي التسليح فإنها ستفتح النار قبل ان توجه اسئلة.
في الثامن من فبراير جاء تشيني وباول مبعوثين عن الرئيس بوش لتقدير ما إذا كانت الولايات المتحدة متهيأة لشن الهجوم البري حسب رأيي كنا متهيئين فعلى الطرف الشرقي من الحدود السعودية الكويتية كانت وحدات ـ مشاة البحرية والوحدات السعودية بانتظار الأوامر بالتحرك، للانقضاض على نقاط الهجوم، وعلى الطرف الغربي الفيلق العربي الذي يشكل المصروين رأس الحربة فيه جاهز في مواقعه تماما. والفيلق السابع بامرة فريد فرانكس على وشك إكمال نقلته الشاسعة من المانيا إلى مناطق التجمع التكتيكي قرب الجبهة وسيكون قادرا في ظرف ايام على الانتقال إلى مواقع هجومية. اما على الجناح الغربي البعيد فقد حرك جاري لاك فيلقه الثامن عشر المحمول إلى مواقع الهجوم.
وضعنا خطة للاطلاع تشيني وباول على مدى 8 ساعات كاملة وقبل وصولهما جاء جون يوسوك ليقدم لي موجزا عاما عن أوضاع الجيش الثالث. كان همي الاكبر بعد إصغائي إلى الموجز الذي قدمه وهو وضع الفيلق السابع لم يكن عندي ريب في ان هذا الفيلق سيتدبر امر الوصول إلى خط البداية وخطة مناورة هذا الفيلق ستنفذ المهمة التي اسندتها إليه إلا أن الخطة بدت لي متثاقلة الخطى وبالغة الاحتراس. فالفيلق السابع يزعم التقدم ثم الوقوف فاعادة التجمع والتقدم من جديد وهكذا كما كان قائد الفيلق الجنرال فرانكس يصر على انه بحاجة إلى فرقة احتياطية كيما يؤمن النجاح وصرت كلما امعنت التفكير ازداد القلق الذي يلفني فحين يأتي اوان اتخاذ القرارات في ميدان المعركة لن اكون هناك معهم فقد كنت اعتمد اعتماداً مطلقا على المهارة والحساسية وملكية الحكم الفردية لدى كل جنرال ولكن كان بوسعي ان احدد الاطار الواضح للعمل، وان انقل نواياي الروحية التي اريد ان تنفذ بها الحملة ذكرت يوسوك ان الفيلق السابع لن يقاتل الجيش السوفياتي الجيد التدريب والتسليح الذي يفترض به ان يجابهه في أوروبا لا اريد سيادة ذهبية بطيئة غليظة ثقيلة لا اريد هجوما مترويا اريد الفيلق السابع ان يضرب بعنف الحرس الجمهوري ان الجيش العراقي لا يساوي شروى نقير لاحقهم بجرأة انزل عليهم كالصدمة، خدهم على حين غزة.
ولما اوضح يوسوك ان فرانج قلق من ان الفيلق السابع لا يتمتع بالعدد أو القوة القتالية الكافية للنجاح في الهجومم ذكرته ان حملتنا الجوية تدك قوات العراق البرية وتفتت إرادة القتال لدى العراقيين اكدت له من جديد "دعني اوضح الامر يا جون لا اريد عملية طحن آلية بطيئة يجب ان نكون مرنين بما فيه الكفاية لاستثمار الفرص لحظة نشوئها. فالقضية ليست قضية تحقيق اهداف وسطية ثم التوقف لإعادة التزود بالسلاح والذخيرة فاذا ابقيت الفرق واقفة فإنك ستقدم هدفا كبيرا للاسلحة الكيماوية وستخسر. لا ينبغي ان يتوقف الفيلق السابع لأي شيء.
اجاب يوسوك انه يفهم ذلك ويوافقني الرأي.
توجهت للقاء تشيني وباول لحظة هبطت طائرتهما في القاعدة الجوية في الرياض مساء يوم الجمعة وبدأنا جلسات الاطلاع في وقت مبكر من صابح اليوم التالي بدأت الجلسة بعرض تقديرات قيادات كل من هورنر يوسوك ووالت بومر، ونائب الادميرال البحري ستان ارثر الذي خلف هانك ماوتس في منصف قائد قواتنا البحرية اكد كل واحد منهم ان قواته جاهزة للهجوم ثم اوضح بيرت مور ضابط عملياتي ان الجيش سوف يحتاج إلى 12 يوما من العد العكسي لنقل بقية قواته إلى مواقع الهجوم، والقيام بعمليات الاستطلاع داخل العراق وفحص ثغرات المرور في حقول الالغام والمواقع وقال موجها كلامه إلى تشيني معنى ذلك يا سيدي انكم إذا اعطيتمونا اوامر التحرك اليوم فإن اقرب موعد نستطيع ان نهاجم فيه هو يوم الحادي والعشرون سدد إلى باول نظرة مرحة لقد تجاوزنا فسحة الهجوم التي اعطيتها له في ديسمبر (كانون الأول) بيوم واحد.
بينما كان النهار يمضي كان تشيني يجلس مفتونا وقدم باجونيس عرضا يبين اننا انجزنا النقل العملاق لقواتنا إلى الغرب خلال الأسابيع الثلاثة المقررة. وامتلأ تشيني بالثناء بعد ذلك قدم فرانكس وجريفيث امر الفرقة المدرعة الأولى، وما كفري امر فرقة المشاة الآلية الرابعة والعشرين عرضا مسهبا للطريقة التي سينفذون بها مهماتهم ورأيت انها مثيرة للاعجاب جميعا باستثناء خطة فرانج التي كانت متأنية اكثر مما ينبغي، وقد اصر فرانج على ان يقول امام الوزير ورئيس هيئة الأركان المشتركة إنه سيكون بحاجة إلى احتياطي.
والتمس تشيني المعذرة في ان يتحدث مع باول ومعي على انفراد ذهبنا إلى المكتب الصغير نورم لدق اسمتعت إلى ما قاله رجالك والآن قل لي ما هي توصيتك.
ارى ان مضينا في الهجوم البري الآن لن نكون اكثر استعدادا مما نحن عليه الآن ـ فشبابنا مشحوذون شحذا رائعا، واذا انتظرنا اكثر فستتدنى جاهزيتهم علاوة على هذا إذا اخذنا في الاعتبار معدل ما نستهلكه من ذخائر فلا أدري كم سيكون بوسعنا ان نواصل الهجوم الجوي وبافتراض ان قصفنا قد اضعف الجش العراقي إلى الحد الذي نريد فإن الوقت الأمثل هو على الدوام الحد الأوسط من فبراير.
جلس تشيني هادئا يدون ملاحظاته على قصاصات ورق لاصق بعد ذلك نظر إليّ وسأل "متى ينبغي ان نتحرك برأيك"؟
"يوم الحادي والعشرين ولكني احتاج إلى فسحة حرة من ثلاثة إلى أربعة ايام لأننا نحتاج إلى طقس صاف لبدء الحملة وكررت نقطة اثارها بومر: الطقس الحسن ضروري بوجه عام لمشاة البحرية الذين يمتلكون مقدارا محدوداً من قطع المدفعية الثقيلة ويعتمدون بالتالي اعتمادا كبيرا على الاسناد الجوي.
قال تشيني بهدوء "ابدا تحضيراتك سأنقل هذه المواعيد إلى الرئيس" ثم عدنا إلى قاعة الاجتماعات حيث كان القادة العسكريون في الانتظار قال الوزير: لم يسبق في تاريخ امتنا من قبل ان قامت القوات المسلحة الأمريكية بعملية اكثر نجاحا وكفاءة من عمليتكم هذه. باول ردد صدى الفكرة ذاتها واضاف لا استطيع ان اصدق علو المنزلة التي اسبغتها هذه الأزمة وردنا عليها على بلادنا هذه هي الطريقة التي ينبغي ان تتصرف بها القوة العظمى الوحيدة الباقية في العالم.
انصرف الاثنان في يوم الخميس اتصل باول من البنتاجون ليقول ان الرئيس بوش وافق على المواعيد وقال إنه إذا قررت الولايات المتحدة وحلفاؤها شن الهجوم البري فإن الموعد المحدد للهجوم متروك لنا : "تستطيع ان نتحرك في أي وقت تشاء بعد الحادي والعشرين من فبراير. الدور عليك الآن".
13 فبراير 91 ـ يوم الهجوم + 27
الساعة 0900 ـ جلسة الاطلاع الصباحية الأولوية الجوية تعطى لضرب الدروع والمدفعية في مسرح العمليات الكويتي، وفرقة حمورابي للحرس الجمهوري ومواقع سكود وطلعات صيد الدبابات واهداف في بغداد. الطلعات الجوية لضرب الدبابات ابلغت ليلة أمس عن تحطيم 85 عربة مدرعة وفي الليلة نفسها عبر تسعة من اسرى حرب العراق خط الجبهة دخلت أيضاً مجموعة من البدو مع الف رأس غنم قاطع عمليات الفيلق 18 المحمول.
الساعة 1800 ـ رئيس الأركان ابلغ ق. ع ان هناك اهتماما إعلاميا مكثفا بقصفنا ليلة أمس لملجأ القيادة والسيطرة في بغداد وعلى حين ان هذه المنشأة كانت على قائمة اهدافنا منذ فترة طويلة واكدتها مرارا تقارير وكالة المخابرات المركزية والاستخبارات العسكرية فقد كانت على ما يبدو مزدحمة بالمدنيين حين ضربناها بقذيفتين عند الساعة (0400). اكد ق. ع لرئيس الأركان إننا ضربنا هدفا صحيحا واننا سنبين تفاصيل هذه الأحداث للصحافة في جلسة الإعلام هذا المساء (البريجادير جنرال نيل قام باطلاع الصحافة على ذلك ورغم ان ذلك لم يخفف من استفساراتهم فقد بدا كما لو ان ذلك في الواقع هدف عسكري مشروع).
اخذ بومر يعيد النظر في خطته ولم المه... فقد حفر العراقيون على طول معظم الحدود الكويتية موانع محكمة تمتد آلاف الياردات بحيث يتوجب على بومر ان يقوم بالاختراق وهو تحت نيرانهم فأولا سيواجهون حقول الغام ـ مزيج قاتل من الغام الافراد والغام الدبابات تأتي من بعد ذلك صفوف ضخمة من الاسلاك الشائكة لفائف مركومة فوق لفائف من هذه الاسلاك، ومتداخلة تداخلا يتعذر معه فكها عن بعض، ومزروعة بالغام وقنابل مفخخة. بعد ذلك تأتي حقول الغام اخرى ثم تعقبها مصايد دبابات (وهي خنادق عميقة تحتاج الدبابات إلى جسور مؤقتة لعبورها) لتليها سواتر (مانع رملي يصعب تسلقه بارتفاع 21 قدما)، واخيرا ما يسمى بالاستحكامات النارية (خنادق طويلة مغرقة بالنفط لاستقبال المهاجم بحائط من اللهب). وتنتشر في ارجاء ذلك كله قلاع من الدبابات المختبئة في المواضع. والمتاريس التي يمكن للمشاة العراقيين اطلاق النار منها. ولعل مجمع الموانع هذا يصل إلى عمق ميل، وكان هناك مجمع موانع ثان بعد هذا المجمع الأول في معظم نقاط التقاطع الذي يعمل فيه بومر. وكان عرض العراقيين من ذلك ابطاء وتيرة هجومنا ودفع مشاة البحرية إلى التجمع بكثافة مما يسمح للمدفعية العراقية في المؤخرة بقصفهم اثناء محاولتهم إكمال الاختراق وكان الحل الذي يتقدم به بومر هو الإصرار على مضاعفة ضرباتنا الجوية للمدفعية والمواقع الامامية العراقية.
وظل يراجع خطة معركته من اجل ان يستثمر نقاط الضعف والثغرات التي اكتشفتها دوريات الاستطلاع المتسللة وراء خطوط الجش العراقي ومع حلول يوم الخميس 14 فبراير قرر تغيير نقطة الهجوم الرئيسية إلى موضع جديد يقع على مبعدة 20 ميلا إلى الغرب لقد اختار قاطعا ارجع فيه العراقيون خطهم الامامي إلى الوراء قبل بدء الحملة الجوية ولذلك كان مجمع الموانع الاقرب للحدود مهجورا إلى حد كبير في حين لم يكتمل مجمع الموانع الثاني الذي يقع خلف المجمع الأول بمسافة 10 أميال راجعت خرائطه ووافقته على ان التغيير التكتيكي الذي اجراه معقول رغم ان ذلك سيكلفنا بضعة أيام إذ يجب ان نغير مواقع قواعد الاسناد ونعيد تنظيم خطوط الامداد وعدلت موعد الهجوم البري، بصورة مؤقتة إلى يوم الرابع والعشرين من الشهر.
ثم اتصلت بباول كي أعلمه بالتعديل خاب امله. لا أحب ان انتظر كثيرا فالرئيس يريدنا ان ننتهي من ذلك وأوضح ان المبعوث السوفياتي يفجيني بريماكوف عاد لتوه من بغداد حيث كان يحاول التفاوض على انسحاب عراقي في آخر دقيقة ونحن لا نريد ان نعطي صدام وقتا إضافيا للف والدوران ولحسن الحظ لم يعد ثمة داع لقلق باول ففي اليوم التالي قدم العراق عرضا بالانسحاب لا يزيد على ابتهالات المطالب القديمة ذاتها، ورفض التحالف العرض جملة وتفصيلا واستمرت المحادثات السوفياتية العراقية لكن الرئيس وافق على منح مشاة البحرية الوقت الذي يحتاجونه.
 
الفصل الثاني عشر
14 فبراير 91 ـ يوم الهجوم + 28
الساعة 1520 ـ مكالمة هاتفية من رئيس الأركان شيء واحد حاولنا ايصاله إلى العراقيين من خلال إسقاط المناشير والبث بالراديو، وهو ارشادهم لمسار بترك وحداتهم فاغلب الاسرى لا يعرفون اين خطوط الجبهة ولكن ما ان بدأنا نعلن "سيروا باتجاه مكة" حتى ساعدهم ذلك.
15 فبراير 91 ـ يوم الهجوم + 29
الساعة 0900 ـ جلسة الاطلاع الصباحية الاستخبارات اطلعتنا ان الميول وسط أسرى العدو كالآتي اغلبهم من قدامى المقاتلين في الحرب الإيرانية العراقية ومتعبون من الحرب انهم يقدمون معلومات عن حجم الوحدة مواقع حقول الالغام والمخابئ ومعطيات تقدير الاصابات وهم جميعا يقولون ان عدد الفارين عبر الخطوط سيكون اكبر لولا حقول الالغام والحرس الجمهوري والخشية من الانتقام من عوائلهم ويقولون جميعا انه حالما تبدأ الحرب البرية فإن اقرانهم سوف يستسلمون باعداد غفيرة.
إنهم يفضلون الاستسلام للعرب لكنهم سوف يستسلمون أيضاً للولايات المتحدة.
في هذه الاثناء كان ستان ارثر وهو اكثر الادميرالات الذي عرفتهم جموحا قد دفع بثلاث حاملات طائرات إلى المياه الضحلة الضيقة من الخليج حيث رفضت البحرية على الدوام ان تسمح حتى بمجيء حاملة واحدة وكان ارثر يريد الآن ان يشن هجوما برمائيا على جزيرة فيلكا الكويتية كنوع من التمهيد للحرب البرية ثم اطلعني على اقتراحه مبينا ان البحرية ستكون بحاجة إلى عشرة ايام لموضعة السفن اللازمة وفي حين ان مثل هذا الهجوم من شأنه ان يشتت انتباه العراقيين فقد كنت اعرف ان الجزيرة محمية حماية جيدة. وان الاصابات قد تكون بليغة ـ لذلك ابلغته ان يقوم بالاستعدادات وينتظر أوامري اللاحقة بعد اسبوع من زيارة تشيني وباول مر على طاولة مكتبي امر من ارثر موجه إلى سفنه لاتخاذ وضع الهجوم كان من شأن هذا العمل المكتبي الورقي ان يكون حسنا لولا انه كان مختوما بعبارة امر للتنفيذ وهذا يعني بلغته العسكرية "سوف نهاجم" اتصلت تليفونيا بستان على عجل وقلت له لا انا اعطيتك ولا البيت الأبيض اعطاك الاذن بالهجوم ما الذي يجعلك تعتقد ان باستطاعتك تجاوز الاوامر؟.
اعترض قائلا "الواقع انه مجرد امر حركة"
كان عليك ان تختم الامر بهذه العبارة اذن "قلت له ان الفوضى قد تؤدي إلى مقتل البعض وانك تستطيع ان تحرك سفنك إلى الموضع المطلوب ـ ولكنك لا تستطيع ان تشن هجوما برمائيا بدون اذن مني".
في هذه الاثناء كشف الفحص الطبي ان يوسوك مصاب بذات الرئة ـ ذهبت إلى المستشفى في الساعات المبكرة ليوم الرابع عشر، ولكن بعد ثلاثة أيام جاءني إلى غرفة الحرب الطبيب روبرت بليهار، رئيس الجراحين في القيادة المركزية وقال "اخباراً سيئة جداً عن ذات الرئة فإن الجنرال مصاب بتقرحات جدية في المثانة". كان الأطباء يوصون بجراحة فورية.
وجهت إليه بضعة اسئلة قال الدكتور بليهار ان يوسوك يحتاج إلى البقاء 3 إلى 4 أيام في المستشفى على الأقل واقترحت اجلاء جون من المانيا لاني كنت اعرف ان زوجته بيتا هناك باقية مع ابنتها وهذه الابنة متزوجة من كابتن في الفرقة المدرعة الثالثة وهو الآن في الخليج فكرت لحظة ثم التفت إلى والر كان يصغي إلى الحوار قلت كال اريدك ان تتولى قيادة الجيش الثالث اعتبارا من اليوم ستكون مأموراً بالوكالة حتى إشعار آخر إذا تماثل جون للشفاء وسمحت له الظروف فسيعود إلى القيادة.
قال ببساطة "نعم سيدي" وغادر غرفة الحرب كنت اعرف كال ولذلك كنت موقنا انه قبل انقضاء النهار سيكون في الميدان متلقيا تقارير الاطلاع من ضباط فيلقه، مغيرا كل ما لا يعجبه، مضيفا على الاشياء كلها عموما قوة التوثب. وكنت واثقا من ان هذا التبديل في القيادة لن يؤخر خطط الهجوم.
بعدها ذهبت لرؤية يوسوك كان مطروحا على ظهره في غرفة خاصة، نقبة في مستشفى وزارة الدفاع والطيران السعودية وهي منشأة فائقة الحداثة اضيف الطاقم الطبي الامريكي إلى طاقمها الاصلي لمعالجة اصابات القتال بدأت بالقول "الاطباء يقولون انه يجب اجراء جراحة ياجون". وتحدثنا عن حالته الصحية وواقع انه سيكون خارج القيادة لفترة من الوقت ثم رحت أزف النبأ وضعت كال والر في مكانك هناك سيكون قائد الجيش الثالث حتى عودتك لم ينبس يوسوك بكلمة سالت الدموع على خديه كنت ادرك ما يعانيه تلك اللحظة. لقد كان هناك منذ اغسطس (أب) وكنا على وشك البدء باكبر حملة عسكرية وكان يفترض ان يقود ذلك كله وبغته لم يعد بمقدوره ان يكون هناك واضفت باكبر قدر من الرقة "اريدك ان تدرس مسألة ذهابك إلى المانيا لاقامة 63 مستشفى ميدانيا، ومستشفيين عائميين (على سفن) و18 سرير في منطقة الحرب.
وخشيت أيضاً من منطقة الفراغ الكبير جنوب العراق حيث سيشن الجيش هجومه ورحت أسأل نفسي ما الذي يعرفه صدام عن ذلك الجناح ولا اعرفه انا؟ لماذا لم يضع أي قوات هناك؟ المح ضباط الاستخبارات ارتجالا لعله يخطط لضربة نووية هناك "ثم اطلقوا على ذلك القاطع لقب كيس القتل الكيماوي" وكنت أجفل كلما سمعته وكنت اتخيل كابوسا اخر ارى فيه فريد فرانكس وجاري لاك وهما يدخلان هذه الرقعة لا لشيء الا ليدعيا العراقيين يغرقانهم بكميات هائلة من المواد الكيماوية بينما يقوم الحرس الجمهوري بالهجوم المضاد ويضعنا في مأزق قتال لا حراك فيه وازدادت سرعة اهتياجي.
وحتى يكتمل تعقيد الامور كان علينا الآن ان نرضى بوجود اكثر من 1300 مراسل صحافي في منطقة الحرب وهنالك على الدوام 180 منهم في المجتمعات الاعلامية الخاصة بالخطوط الامامية وذات ليلة من ليالي مطلع فبراير فتحنا التليفزيون على محطة سي. ان. ان (C.N.N) لمشاهدة مؤتمر صحافي في البيت الأبيض قبل ان يبدأ المؤتمر جرى عرض ريبورتاج حتى من مجمع معلومات المراسلين مع القوات وقالت المراسلة بانفاس مقطوعة لقد جرى على لتو تبادل كبير للقصف المدفعي في مكاني بين الفرقة المحمولة 82 ـ والعراقيين.
صرخت "يا ابنة.... " إن الفرقة المحمولة 82 هي الفرقة الأمريكية المتغلغلة في اقصى الغرب وأي ضابط استخبارات عراقي نصف كفء يستطيع بسهولة من مشاهدة محطة (C.N.N) ان يدون الوقت وان يطوف بقواته ليكتشف بدقة ان الفرقة المحمولة 82 تتموضع لهجوم على الجناح وهي حقيقة تجشمنا عناء كبيرا لإخفائها طوال الاسابيع الثلاثة الماضية وقام الكابتن رون ويلد رموث، رئيس قسم العلاقات العامة في القيادة المركزية بالاتصال بضابط العلاقات العامة في الفرقة وقال له "انتم ايها الرجال يفترض انكم تفرضون رقابتكم على هذه التقارير". "كان هناك ضابط مرافق يقف إلى جوار المراسلة وقد صدم شأنه شأن غيره ولكن حين نطقت المراسلة بالخبر، انتشر فورا عبر الأقمار الصناعية، وليس في مقدور احد ان يعيده".
بعد بضعة أيام صدر عدد من مجلة نيوزويك يحمل خارطة تصور، بالدقة التامة على وجه التقريب خطة الهجوم على الجناح اتصلت بباول هذه نتانة ! ـ لقد نشرت للجراحة انت مدين لزوجتك بيتا بذلك سنعيدك بأسرع ما نستطيع". وافق يوسوك على مضض وجرى إجلاؤه طبيا في طائرتي النفاثة عصر ذلك اليوم.
في الفواصل الواقعة بين ازمة واخرى كنت باستمرار ادرس الخرائط وعروض شاشات الكمبيوتر في غرفة الحرب متصورا بعين الخيال كيف ستسير الحملة اخيرا وصلتنا مؤشرات تنبئ ان قوات الخط الامامي العراقية توشك على الانهيار فاعداد الجنود المتسللين بهدف الاستسلام يرتفع كل يوم حتى الضباط بدأوا يسلمون انفسهم وكانت طائرات تحلق ليل نهار لتقصف وتدك المواقع العراقية بمعدل يفوق 800 طلعة كل 24 ساعة وهناك لوحة حسابات معلقة على الجدار في غرفة الحرب تبين إننا قد دمرنا 35 في المائة من الدبابات العراقية، و 31 في المائة من عرباته المدرعة الأخرى ، و 44 في المائة من قطع مدفعيته بالتمام.وهناك لوحة أخرى عن مواقع العدو معلقة بجوار لوحة الحسابات تحمل لصائق صغيرة تمثل الوحدات العراقية على طول خطوط الجبهة وقد تحولت من اللون الاحمر إلى اللون الاخضر، مما يشير إلى ان الوحدات قد استنزفت بالقصف إلى 50 في المائة أو أقل من قواها الاصلية اما الوحدات الواقعة على خط الدفاع الثاني فاللصائق عليها كلها تقريبا من اللون الاصفر الضارب للحمرة، معنى ذلك انها تتمتع بـ 75 في المائة من قواها أو اقل.
كنت اعرف اننا قد هزمناهم ولكني ما كنت اعرف إلى أي مدى ستكون الحرب البرية دامية فكنت استدعي في مخيلتي عشرات السيناريوهات التي يمكن للعراقيين فيها ان يجعلوا نصرنا باهظ الثمن وكنت كثيرا ما احذر ضباط اركاني: "حتى لو اخذنا اكثر الجيوش تضغطنا بالقصف في العالم فإنه إذا اختار الصمود والقتال فإنه سيوقع بكم الخسائر، واذا اختار اغراقكم بالاسلحة الكيماوية فقد يربحون الحرب" في الماضي استخدم صدام غاز الاعصاب وغاز الخردل ومواد مسممة للدم في المعارك ورغم انه لم يطلق قذائف كيماوية على الخفجي كنت ما زال اتوقع ان يفعل العراقيون ذلك ما نبدأ الهجوم وكان الكابوس الذي يلاحقني هو ان وحداتنا التي تضرب الموانع في ساعات الهجوم الأولى قد تعجز عن اختراق هذه الموانع وتتعرض عندئذ لوابل من القصف الكيماوي لقد زودنا الجنود بمعدات وقائية ودربناهم على القتال في هجوم كيماوي ولكن هناك دائما خطرين يدوران حول نفسيهما في حالة الفوضى ـ أو الأدهى من ذلك انهم قد يفزعون. فالولايات المتحدة لم تخض معركة غازات منذ الحرب العالمية الأولى واحتمال وقوع اصابات واسعة من جراء السلاح الكيماوي هو السبب الرئيسي نيوزويك توأ كامل خطة المعركة والآن بوسع العراقيين ان ينقلوا سلاحا كيماويا إلى تلك المنطقة ويغيروا وجهة دفاعاتهم بالكامل.
حذرني باول "لا تنفعل اكثر من اللزوم فهذه المجلة في الاكشاك منذ اسبوع. وهناك مجلات اخرى مليئة بالخرائط التي تصور خططنا للمعركة انهم يقدمون تخمينات لا أكثر". كان محقا فتقارير استخباراتنا في الأيام التالية لم تحمل أي إشارة على تغيير في مواضع القوات العراقية.
18 فبراير 91 يوم الهجوم + 31
الساعة 0900 جلسة الإطلاع الصباحية وقعت الحوادث التالية خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية.
ـ احد افراد مشاة البحرية في وضع صحي خطير بسبب جرح ناري في الرأس مسافة اطلاق النار خطأ هي 500 متر.
ـ سقوط طائرة هليكوبتر ثم تحطمت الطائرة.
ـ حادث اطلاق نار بالخطأ من بندقية م ـ 16 جرح اثنان
ـ تحطيم شاحنة للجيش ثم وفاة واحد.
ـ تحطم شاحنة للجيش حمولة 5 أطنان ووفاة واحد.
ـ تحطم شاحنة صغيرة للجيش ووفاة اثنين.
ـ جرح ناري في الرأس مع وفاة واحد (وصف هذا الحادث على انه قيام ملازم بتبيان قوة آلية الامان في مسدس عيار 45 للمتجمعين من حوله وضع المسدس على صدغه وضغط على الزناد فقتل نفسه).
ـ رافعة شوكية للبحرية سقطت من فوق دعامة جسر غرق واحد.
الساعة 1720 مكالمة هاتفية مع رئيس الأركان ق. ع قال ان يوم أمس كان فظيعا من ناحية الحوادث ـ ابتداء من ضابط من الفيلق الطبي يفقد السيطرة على شاحنة حمولة 15 طناً ويتسبب في وفاة اثنين وانتهاء بملازم من البوليس الحربي يضع مسدساً عيار 45 على صدغه ليظهر آلية الامان ويقتل نفسه وكان كل الامرين هنا قد جنوا.
بدأ التوتر يتنامى فعلا اواخر يوم الاثنين 18 فبراير فاولا اتصل باول ـ قائلا "يقول مجلس الأمن القومي إننا قد نحتاج إلى الهجوم في موعد اقرب هل لك ان تعلمني غدا إذا كنت تستطيع ان تدبر ذلك؟" كان يتحدث بتلك النبرة المحكمة الوجيزة التي تنبئ انه واقع تحت ضغوط الصقور بعد ذلك شاهدنا اركاني وأنا، التقارير الاخبارية عن آخر مبادرة سلام سوفياتية. وزير الخارجية العراقي طارق عزيز قابل ميخائيل جورباتشوف في موسكو وعاد بمشروع سلام إلى بغداد.
كنت اشعر باختمار مواجهة اخرى مع واشنطن واردت ان اقدم اكبر دعم ممكن إلى باول لذا رحت في الصباح التالي اسأل ضباطي ان كنا نستطيع تقريب موعد الهجوم يومين في غضون ذلك كانت زمر استطلاع بومر تجوب الأراضي الخالية مستكشفة الممرات من خلال الموانع اجابني بومر نستطيع إذا كنت تريدنا ان نفعل ذلك إلا إننا سنتعرض لجحيم خسائر أكبر. لم يكن للخسائر الاكبر من معنى وقال الضباط الكبار الاخرون انهم بحاجة إلى الوقت الذي وعدناهم به لذا قررت ان اقول لباول متأسف، الثاني والعشرون خارج الصدد وهو اصل التخطيط للرابع والعشرين.
ولكن حين اتصل بالتليفون بدا انه يحمل في ذهنه فكرة أخرى مغايرة تماما قال "إن مبادرة السلام قد تتحقق في الواقع" ووصف المناورات الجارية وراء الكواليس حمل طارق عزيز إلى بغداد اقتراحا بأن ينسحب العراق من الكويت فورا وبدون قيد أو شرط ويبدأ الانسحاب في اليوم التالي بعد وقف اطلاق النار بحيث يضمن للمنسحبين العراقيين الا نطلق النار عليهم ويستكمل الانسحاب في فترة زمنية محددة ينبغي التفاوض عليها. وقال باول ان واشنطن ابلغت السوفيات ان الخطة بناءة الا أنها لا تلبى عددا من بنود قرارات الأمم المتحدة مثل الغاء قرار ضم الكويت للعراق وان عاصفة الصحراء ستظل مستمرة الآن في غضون ذلك حسب قول باول كانت وزارة الخارجية تدفع باتجاه خط اكثر تشددا انهم يطالبون باستسلام غير مشروط.
قلت له "انتم بحاجة إلى مستعرب كي يدرس المسألة يبدو ان رجال وزارة الخارجية الأمريكية يفكرون مثل الامريكان فهذا النوع من الانذار النهائي لا يمشي مع العرب سيفضلون الموت اولا ".
وتحدثنا عن المضامين العسكرية للانسحاب وعبرت عن مشاعر متضاربة كنت اعرف ان أية تسوية تترك قوات صدام المسلحة بدون مساس ستكون غير مرضية لحلفائنا العرب مع ذلك إذا استطعنا انا نفرض على صدام القبول بانسحاب مهين فقد نتمكن من اقناعهم بتقبل خطتنا وقلت لباول ان المسألة في النهاية مسألة خسائر في الأرواح ولعلنا قد انزلنا بالعراقيين سخائر بالارواح تصل إلى 100 ألف بكلفة 100 قتيل من طرفنا فلماذا نغامر بانزال خسائر أخرى بالارواح قوامها 150 ألفاً على الجانب العراقي مقابل خسارتنا 5 آلاف قتيل قد نخسر هذا العدد في أول يومين من الهجوم وذكرته بأننا قد انزلنا اضرارا فادحة بماكينة الحرب العراقية وإذا ما سمحنا لصدام بالانسحاب سريعا، فاننا سنرغمه على ان يترك للكثير من دروعه ومعداته الاخرى.
وافقني الرأي قائلا إذا انسحبوا من الكويت فهذا نصر لنا ثم غير موضوع الحديث فجأة وسألني عن امكانية شن الهجوم في موعد اقرب.
بدأت بالقول اعرف انك لا تبحث عن هذا الامر واخبرته اننا نواصل خطة الهجوم في اليوم الرابع والعشرني زد على هذا قلت له اننا قلقون من الطقس فالتنبؤ الجوي بعيد المدى يتكهن بعواصف في ذلك اليوم. لذا فان الموعد قد يدفع ابعد قليلا.
خاب امل باول "سأنقل فحوى الرسالة لكننا قد نؤمر بالهجوم على أية حال".
لما علقت سماعة التليفون كنت اغلي من الغيظ ودعوت كامل اركاني للاجتماع وقلت "اريدكم جميعا ان تعلموا ما يجري ثم رحت الخص فحوى المبادرة السوفياتية لو كان الامر بيد هؤلاء العسكريين المخضرمين الموجودين في غرفة الحرب لاهتزوا طربا لرؤية صدام يوافق على وقف اطلاق النار ومغادرة ارض المعركة! لأن لا احدا منهم يصدق انه سيفعل ذلك وجعل الجميع لما وصفت رد واشنطن فبوب جونستون الذي كان ابنه على الخطوط الامامية للجبهة هز رأسه قائلا" ان السوفيات يتحدثون عن توفير ما نطلبه بالضبط اما نحن فنرفض عرضهم دون كلام.
حملت الاربع والعشرين ساعة اللاحقة 4 مكالمات اخرى من باول طلبا للمزيد من التفاصيل عن سبب عدم قدرتنا على شن كل الهجوم أو جزء منه في الحال وفي نقطة معينة عقدنا هو وأنا وتشيني ما يشبه المؤتمر التليفوني جادلت فيه من جديد، اننا لن نكسب شيئا من الوجهة العسكرية ان جيش صدام يتفكك وان الوقت يعمل لصالحنا. لقد كان تشيني واحدا من اشرس مقاتلي الحرب الباردة ايام عمله في الكونجرس وكنت احس ان تدخل موسكو يثير انزعاجه وقال متذمرا لا افهم لماذا يجب ان يتدخل السوفيات اصلا.
اجبته لأجل ما يستحقه الامر ان صداما مضطر للتحرك من خلال وسيط لأن هذه هي الطريقة التي يعقد بها العرب الصفقات انه لن يفاوض مباشرة وبالتحرك عن طريق الوسطاء ينقذ ماء وجهه وبعد ذلك يستطيع مهما كان مضمون ما قبل به ان يزعم أي زعم يشاء لأنه يتحدث مع عدوه.
20 فبراير 91 ـ يوم الهجوم ـ 34
الساعة 1900 ـ جلسة الاطلاع المسائية حين ابلغ عمدة الشرطة الحربية ان العديد من معسكرات اسرى الحرب لا تتوافر فيها الشروط بسبب عدم توافر مرفق صحي واحد لكل 21 شخصا طبقا لمعاهدة جنيف رد ق. ع انه على بغضه قول ذلك فإن علينا دعوة الصليب الأحمر الدولي إلى مقر قيادتنا أيضاً لأن مقر القيادة لا يستوفي هذه الشروط أيضاً.
كان الضغط المتزايد علينا لشن الحرب البرية مبكرا يسوقني إلى الجنون كنت استطيع ان اخمن ما يجري واحدس ان تشيني وباول وقعان بين كفي رحى لابد أن هناك فصيلة من الصقور في واشنطن لا تريد وقف الحرب حتى معاقبة صدام لقد دأبنا على قصف العراق اكثر من شهر لكن ذلك لا يكفيهم هؤلاء الناس شاهدوا فيلم جون وين البريهات الخضراء وشاهدوا فيلم "رامبو" وشاهدوا فيلم "باتون" لذا كان من اليسير عليهم ان يضربوا طاولاتهم بجمع اليد ويقولون "قسما بالله يجب ان ندخل عليهم نركلهم في القفا! يجب ان نعاقب ابن... ذاك!" وبالطبع فإن احدا منهم لن يتعرض لاطلاق خرطوشة ولن يتوجب على احد منهم ان يجيب امهات وآباء الجنود ومشاة البحرية القتلى.
تلقينا أواخر يوم الأربعاء جويا آخر طقس سيئ يوم الرابع والعشرين وسيئ يوم الخامس والعشرين مع فترة من طقس حسن ابتداء من يوم السادس والعشرين وجادل قادة الوحدات قائلين ان علينا ارجاء الهجوم. لم يصدر ذلك عن بومر وحده بل عن بيى أيضاً الذي كانت فرقته فرقة الهجوم الجوي 101 بحاجة إلى طقس حسن للتحرك بالهليكوبترات وكان لزاما علي ان اقنع باول في محادثة فضلت ان اجريها بعيدا عن انظار اركاني فلم يكن من الانصاف ولا من المناسب ان اميط اللثام امامهم عن الخلاف الحقيقي الذي كنت موقنا ان سينشب بين اثنين من قادتهم لذا تركت موقع القيادة واتصلت من غرفتي الصغيرة اخر الممشى وما ان قلت لباول هناك مشاكل طقس حتى استبد به القلق.
"لقد سبق ان ابلغت الرئيس بوش بموعد الرابع والعشرين فكيف استطيع ان اعود إليه واقول له ان الموعد هو يوم السادس والعشرين؟ انك لا تقدر مدى ما اتعرض له من ضغوط لدي هنا حشد كامل من الناس ينظرون جميعا إلى الاقتراح الروسي والاضطراب يساورهم رئيسي يريد الانتهاء من ذلك ووزيري يريد الانتهاء من ذلك ونحن بحاجة إلى الانتهاء من ذلك.
استبد بي القلق انا الآخر لا أحاول بذلك ان اكون حمارا حكيما، ولكن ماذا لو هاجمنا يوم الرابع والعشرين وشن العراقيون هجوما مضادا وتعرضنا لخسائر كبيرة لاننا نفتقر إلى الاسناد الجوي الكافي؟ اما انت فانك لاتريد، لأسباب سياسية ان تدخل على الرئيس وتقول له ان عليه ان يمتنع عن القيام بشيء لأنه غير حصيف عسكريا؟ حباً بالمسيح ياكولن الا تفهم؟ لقد جاءني قائد مشاة البحرية وقال اننا بحاجة إلى ان ننتظر اننا نتحدث عن حياة جنود مشاة البحرية".
صاح لا تزايد علي بالحديث عن الحياة البشرية كانت تلك اول مرة اسمع باول وهو يفقد اعصابه كان باول مزريا من الغشب وماذا تفعل انت الآن؟ تجلس هناك امام كل ضباطك مستعرضا نفسك بمباهاة وانت تتحدث إلي بهذه الطريقة. شبت نيران غضبي انا الآخر، لأنني تركت مكتبي حتى اضمن اجراء المحادثة على انفراد إنني لا أقوم بذلك ولست غادرا بك ما احاول قوله هو انني اتعرض للضغط مثلك أيضاً فكبار ضباطي يقولون لي ان أنتظر وكان الوزير تشيني جالسا هنا بالضبط حين قال الجنرال بومر انه يحتاج إلى أربعة ايام من الاسناد الجوي لكي ينجح في هجومه ولكنك تضغط عليّ حتى اضع جانبا اعتباراتي العسكرية اكراما للمغانم السياسية لقد كان هذا هو شعوري منذ وقت طويل كنت احاول ان احافظ على نبرة صوتي مستقرة بلاتهدجات ولن الحظ لم يحالفني كثيرا اشعر احيانا إنني بين فكي كماشة ـ كأن رأسي ينضغط بين فكي كماشة لعلني فقدت رشدي لعلني فقدت موضوعيتي لكني لا أعتقد ذلك".
في غضون ذلك كان باول قد هدأ تماما فقال لي لا، لا، لم تفقد رشدك لم تفقد شيئا ثقتي بك كبيرة.
قلت إنني اعرف من اين تنطلق انت ولكني اريدك ان تعرف من اين انطلق انا سأواصل مراقبة الوضع هنا عن كثب وسأوصل إطلاعك عليه واتفقنا على ضرورة ان نواصل العمل معا ثم اضفت بنبرة رسمية وبالطبع فإنني على اهبة الاستعداد لتنفيذ ما هو ضروري.
أجاب "سأنقل توصيتك إلى الوزير".
"شكرا سيدي هذا كل ما أرجوه في الواقع هذا اكثر مما استطيع ان ارجوه" بعد نصف ساعة من ذلك غير المتنبؤون الجويون وهذا أمر طبيعي رأيهم أن الطقس في يومي الرابع والعشرين والخامس والعشرين لن يكون سيئا بعد كل شيء اتصلت بـ "بومر" الذي تسلم التنبؤ الجوي نفسه قال لي أود التحرك أيضاً يوم الرابع والعشرين استوضحت الأمر من والر الذي قال ببساطة نحن جاهزون عدت إلى الاتصال بـ "باول" لدي انباء حسنة الطقس تغير بلغ الجميع ان يوم الرابع والعشرين هو يوم التحرك".
لم يكن امام مبادرة السلام أي نصيب من النجاح فصيغة المشروع السوفياتي الذي قبله صدام تدعو إلى وقف اطلاق نار فوري ورفع عقوبات الأمم المتحدة حال سحب العراق ثلثي قواته من الكويت ـ واعطى المشروع فسحة ستة أسابيع كاملة للانسحاب ارسل إلينا باول نسخة من المشروع بالفاكس في الثانية من فجر يوم الجمعة. وسألني وهو يعرف تماما ما سيكون عليه ردي "مارأيك". "هذا هراء! أن نعطيه ستة أسابيع للانسحاب حتى يحزم كل سلاحه ويعود أدراجه قائلا للجميع إنه تحدى الولايات المتحدة ويظل مع ذلك يحوز ما يكفي من القوة لتهديد جيرانه إنه كابوس للعرب".
كان مجلس الأمن القومي على وشك الانعقاد وضعنا باول وانا توصية للمجلس اقترحنا ان تعرض الولايات المتحدة وقف اطلاق نار مدة اسبوع وهذا وقت كاف لصدام كي يسحب جنوده لاتجهيزاته ولامعظم معداته المتمرسة في تحصينات أو معطوبة واقترحنا أيضاً ان تدخل قواتنا إلى الكويت. فيما العراقيون ينسحبون بحيث نظل في أعقابهم لنستولي على الترسانة وندمرها قلت لباول ـ "سينفع ذلك ولكن لا أظن ان العراق سيقبل الصفقة".
لم يكن باول يريد ولا كنت انا اريد من اعمق اعماقنا، هذه الحرب البرية واتفقنا انه لو استطاعت الولايات المتحدة ان تحصل على انسحاب سريع فإننا سنحث قادة بلادنا على القبول ورغم إننا لن نكون بذلك قد هزمنا صداما في ساحة المعركة فإن انسحابا سريعا في ظل الظروف القائمة سيكون هزيمة للعراق في نظر العالم بما في ذلك العالم العرب وسنكون قد انجزنا ذلك دون أي خسائر إضافية في الارواح من جانبنا.
22 فبراير 91 ـ يوم الهجوم + 36
الساعة 1900 ـ جلسة الاطلاع المسائية قادة العراق يبلغون جنودهم الاستعداد لحرب كيماوية لأن الامريكان سيستخدمون السلاح الكيماوي ضدهم إنه نفس الاسلوب الذي استخدموه في الحرب مع إيران حين لجأوا إلى الكيماوي.
لدى سماع ق. ع ان اخر لواء مدفعية قد التحق بالفيلق السابع قال إن العدو فقد السيطرة وإننا في وضع مؤهل للهجوم عليه تدميره فلقد التففنا حول مواقعه بجلاء وينبغي لكل من في هذه الغرفة ان يفتخر بذلك ان مائة بالمائة من قواتنا ليس فقط في مسرح العمليات بل في الموضع المطلوب تماما.
مساء الجمعة 22 فبراير أدرنا مفتاح التليفزيون في غرفة الحرب لمشاهدة الرئيس بوش يعلن إنذاره النهائي أما ان ينسحب العراق انسحابا شاملا غير مشروط بموعد اقصاه ظهر السبت أو يواجه حربا برية.
حينئذ، كنا نعرف بالضبط مآل هذه الحرب البرية وعلى حين اني اعطيت التوجيهات إلى قادة الوحدات كي أتأكد من انهم سيتوقفون فورا إذا دعت الضرورة (قلت لهورنر لا يمكن ان نتحمل ان تضربهم طائرات بـ 52 إذا كانوا ينسحبون)، فقد كنا نسير باتجاه الهجوم صباح الأحد. كان مقعد بوب جونستون شاغرا ـ أذنت له بالتحليق إلى خطوط الجبهة لقضاء الليل مع ابنه ولكن كان يجلس بجانبي جون يوسوك الذي جاء لدهشة الجميع إلى غرفة الحرب في الليلة السابقة وقال حاضر لأداء الواجب سيدي وأصر على أنه متهيء لمواصلة قيادة الجيش الثالث ارتبت في ان يستطيع إنسان ما ان يقف على قدميه ثانية بعد ثلاثة ايام من عملية جراحية كبرى امعنت النظر فيه فوجدت الشحوب باديا عليه قلت اجلس هنا تماما اريد ان اتابع وضعك الصحي ليومين وهكذا كان يوسوك الآن في موضع والر القديم بوصفه نائب القائد العام بالوكالة وأخ يزحف على طوال ساعة لكي يعود إلى قيادة فيلقه هراء ياريس إنني بخيرمتى تسمح لي بالعودة.
وأروح انظر إليه من زاوية عيني وهو يقف اترى ايها المكشر من الالم ما زلت تتلوى من الاوجاع.
كلا ليست بي أوجاع استطع ان اقوم بواجبي.
في صباح يوم السبت وامامنا اقل من اربع وعشرين ساعة للانتقال إلى الهجوم قررت ان يوسوك على حق. زد على ذلك انه كان يثير اعصابي بالحاحه كان جون في افضل أحواله إنسانا كئيب المظهر، أما الآن فقد كان يبدو كمن فقد آخر الاصدقاء قلت طيب، طيب كفاك الحاحا عد وتسلم مهام القيادة.
اتصلت بـ كال والر واخبرته وكان كال يعرف ان إعادة يوسوك إلى مكانه قرار صائب فهذه قيادته وتلك اركانه في كل حال الا إن كال نفسه كان يتقد حماسة لقيادة كل الثلاثمائة الف جندي في الهجوم ولذلك اصيب بخيبة أمل شديدة ولما عاد إلى مقر القيادة رأيت انني قد غيرت وجها عبوسا بآخر أشد عبوسا.
في هذه الاثناء الغيت الهجوم البرمائي للبحرية على جزيرة فيلكا نظرا لأن يوم الهجوم البري يحوم حولنا فالخطط تقضي ان يأتي هذا الهجوم قبل الحرب البرية بيومين الا إن حاملة طائرات الهليكوبتر الأمريكية تريبولي والبارحة الأمريكية برنستون الحاملة لصواريخ ايجس الموجهة اصطدمتا بالغام فكاسحات الالغام الأمريكية والبريطانية لم تتمكن من تطهير المنطقة والنتيجة ان قطع البحرية لم تتموضع في مواقعها المطلوبة لشن الهجوم في الوقت المحدد.
23 فبراير 91 ـ يوم الهجوم + 37
الساعة 1100 ـ اجتماع مع الجنرال ابوشناف رئيس أركان القوات المسلحة المصرية ابو شنلف اخبر ق. ع ان المصريين مستعدون للهجوم ويجب ان نمحض الثقة الكاملة لقدرتهم على الهجوم ق. ع أكد لأبي شناف انهم إذا واجهوا مصاعب فإن تحت تصرفه كلا من فرقة الفرسان الاولى والفرقة المدرعة الأولى البريطانية.
كثفت الآن الآف الدبابات والعربات المدرعة ـ أمريكية وعربية وبريطانية وفرنسة ـ على الحدود في تشكيلات قتالية فيما راح الجنود يتلقفون أية فرصة للنوم في عرباتهم أو على الرمل في العراء، ويتناولون الوجبات الجاهزة ان كان لديهم بعض شهية اما المواضع التي كنا نزمع اختراق الموانع فيها فقد تقدم جنود المهندسين إلى الطليعة بحفاراتهم المدرعة ودبابات البلدوزر ووقفت قوافل شاحنات الوقود والذخائر خلف التشكيلات القتالية مستعدة للسير في اعقاب الارتال إلى المعركة وتقدمت مدفعيتنا إلى الأمام بالآلاف من الهوزرات والمدافع الاخرى مع ملايين الارطال من اكداس الذخائر جاهزة لقصف تمهيدي شامل يدك المواقع العراقية طوال الليل اما على الجهة الغربية البعيدة فان فرقة الهجوم الجوي 101 ترسل دوريات الهليكوبتر في عمق العراق لاستكشاف مناطق الهبوط للهجوم وإلى الشرق شقت البارجة ميسوري طريقها إلى الساحل الكويتي مسددة مدافعها العملاقة من عيار 6 بوصات إلى الوحدات العراقية استباقا لهجوم السعوديين ومشاة البحرية وبلغت الضربات الجوية للتحالف على امتداد الخطوط العراقية ذروة الجموح ـ فقد نظم تشاك هورنر 900 طلعة عشية الهجوم كان الطقس في منطقة الحرب صافيا باستثناء شرق الكويت حيث بدأ العراقيون ينهبون المدينة ويضربون النار في حقول النفط وتصاعدت هناك غيمة جهنمية سواء جللت السماء بالسواد وحجبت الهلال الطالع كما لو كان صدام يغذي لهيب الحرب.
جاء موعد الانذار النهائي الذي اعلنه الرئيس ومضى وحل مساء السبت وساد إحساس واحد لدى جميع الحاضرين في غرفة الحرب نحن جاهزون لكي ننتهي من هذه المهمة.
23 فبراير 91 ـ يوم الهجوم + 37
الساعة 1500 ـ مكالمة مع الميجور جنرال بيي، أمر فرقة الهجوم الجوي (101) دعا أن يحفظه الله في الهجوم الوشيك.
الساعة 1530 ـ مكالمة مع البريجادير جنرال تيليلي قائد فرقة الفرسان الأولى ق. ع دعا ان يحفظه الله في الهجوم الوشيك.
الساعة 1550 ـ مكالمة مع الميجور جنرال ما كفري قائد فرقة المشاة الآلية (24) ق. ع ان يحظفه الله في الهجوم الوشيك. الساعة 1720 ـ مكالمة مع الميجور جنرال فانك قائد الفرقة المدرعة الثالثة ق. ع دعا ان يحفظه الله في الهجوم الوشيك. الساعة 1750 ـ مكالمة مع الميجور جنرال رهام قائد فرقة المشاة الأولى ق. ع دعا ان يحفظه الله في الهجوم الوشيك.
الساعة 1945 ـ مكالمة مع الميجور جنرال جريفيث قائد الفرقة المدرعة الأولى ق. ع دعا ان يحفظه الله في الهجم الوشيك.
 
الفصل الثالث عشر

24 فبراير (شباط) 1991 ـ الهجوم البري / الهجوم الجوي + 1385
الساعة 400 ـ في يوم الهجوم البري في الساعة صفر، حضر كبار الضباط التالية اسماؤهم في غرفة الحرب ق. ع رئيس الاركان الميجور جنرال مور البريجادير جنرال ليد الميجور جنرال ستارلنج البريجادير جنرال نيل والسيد جوردون براون كانت غرفة الحرب هادئة للغاية وطغى إحساس بأن كل ما يمكن عمله قد تم تنفيذه وكان الجنرال ليد يتنقل في ارجاء الغرفة متحدثا مع ق. ع ومع ضباط الاركان الاخرين ومطلعا على تقارير الاستخبارات وذكر تقرير ورد من الكويت ان العراقيين شرعوا في تدمير مدينة الكويت وهناك انفجارات في ارجاء المدينة وفي المباني الحكومية الرئيسية.
وعبرت الوحدات الأول من مشاة البحرية الحدود إلى الكويت فيما كان المطر البارد والظلام يلفها ومدافع الهاوزر عيار 155 ملم تطلق نيران التغطية ـ وانطلقت في المقدمة دبابات م ـ 60 وهليكوبترات كوبرا، واندفع في اعقابها الآن الجنود في ناقلات مدرعة وعجلات وابتغاء الوقاية من الأسلحة الكيماوية ارتدى الجنود بدلات واقية مزعجة ذات خطوط سوداء وحملوا اقنعة الغاز التي كانت تتدلى مرة احزمتهم ولما ظهر الرئيس بوش على شاشة التليفزيون عند الساعة السابعة بالتوقيت المحلي السعودي ليعلن ان عملية تحرير الكويت قد دخلت مرحلتها النهائية كان مشاة البحرية قد اخترقوا اول خط من دفاعات الحدود وإذ واصل مشاة البحرية التقدم انطلق لواءان سعوديان ـ مدرعان مع لواء عربي مشترك من دول الخليج الأخرى وهي نفس الألوية التي طردت العراقيين من الخفجي ومضت هذه الألوية في طريقها عبر الحدود وتوجهت شمالا على الطريق العام الساحلي نحو مدينة الكويت.
وفي الغرب على بعد 300 ميل تقريبا كانت مصفحات الفرقة الفرنسية المدرعة الخفيفة السادسة تندفع في العمق العراقي لمسافة 30 ميلا عبر صحراء صخرية وكان الهدف المحدد لهذه الفرقة وللواء المظلات من الفرقة المحمولة، هو السيطرة على قاعدة السلمان الجوية والمنطقة المجاورة لها فصواريخ سكوك كانت تنطلق من هذه القاعدة الجوية على الرياض وكانت تمثل هدف هجومنا الجاري في اقصى الغرب ولقد اسهم المطر والضباب في تأخير الفرقة المحمولة (101) التي كانت على وشك القيام بأكبر هجوم بالهليكوبترات عرفه التاريخ كانت هذه تربض على بعد 30 ميلا من مجال تقدم الوحدات الفرنسية والفرقة المحمولة 82 وكانت هناك اكثر من 300 طائرة هليكوبتر من طراز اباتشي، كوبرا، بلاك هوك هوى وتشينوك يقودها طيارون وطيارات وتقوم بنقل لواء كامل بما فيه من عجلات ومدافع هاوزة واطنان من الوقود والذخيرة لمسافة 50 ميلا إلى داخل العراق وكان على هذا اللواء ان يقيم قاعدة نارية ضخمة تستطيع منها هليكوبترات الهجوم في ان تضرب وادي نهر الفرات.
وهناك في غرفة الحرب في الرياض كنا بعيدين عن مواضع القتال إلى حد ان كل ما كنا نعرفه هو ان قواتنا تشق طريقها اخر المطاف عبر الحدود وقد يتطلب جمع اجزاء الصورة الدقيقة عن التقدم المحرز في الهجوم يوما بأسره كنت اود بفارغ الصبر ان افعل شيئا ما أي شيء خيرا من الانتظار مع ذلك فإن خير ما كان بوسعي ان افعله هو ألا اقف حجراً عثرة في طريق الاخرين فلو ازعجت جنرالاتي لشتت تركيزهم فانا اعرف جيدا كما يعرف الاخرون ان قادة الميدان يواجهون اموراً مهمة تشغلهم اكثر من مجرد اطلاق المقرات العليا على ما يدور ولكني كنت مستعدا لأن اضحي بأي شيء لقاء ان اكون مع باري ماكافري ووحدتي القديمة فرقة المشاة الآلية (24) التي كانت على وشك الاندفاع بالدبابات داخل العراق.
كان واجبي يقضي بالبقاء في القبو مع اجهزة اللاسلكي والتليفون لتقييم الهجوم في اثناء تطوره وابقاء قادة الوحدات الكبار مطلعين على ما يحرزه كل واحده منهم من تقدم والتأكد من إنجاز الاهداف الاستراتيجية الثلاثة طرد العراق من الكويت ودعم حلفائنا العرب في تحرير مدينة الكويت وتدمير القوات العراقية بحيث لا يستطيع صدام استخدامها ابدا.
ولما بدأت التقارير تصل على شحتها كانت الاخبار التي تحملها خيرا مما تجرأنا على الحلم به فمشاة البحرية لم يواجهوا وهم يشقون طريقهم عبر خط الموانع الاول أية حقول الغام عصية ولاجدرانا من اللهب ولا وابلا من الغاز الفاتك، اما المقاومة فقد كانت طفيفة لقد اختار بومر نقطة هجوم مواتية واندفعت وحداته شمالا نحو خط الموانع الثاني ولم تبلغ الا عن اشتباكات نارية طفيفة، ووقوع اصابات قليلة وعند الضحى كانت هذه الوحدات تحتجز مئات الاسرى فقد كان العراقيون يخرجون من خنادق الاستحكامات ويسلمون انفسهم بمجرد إطلاق بعض الرصاصات عليهم وكان السعوديون يحرزون تقدما رائعا على الطريق الساحلي فلقد اندفعوا مارين بأميال من المخابئ والخنادق المهجورة قبل ان يجابهوا أية مقاومة إطلاقاً وبعثوا تقارير عن وجود المئات من العراقيين وهم يلوحون بالأعلام البيضاء في غضون ذلك في اقصى الغرب كانت القوات الفرنسية والأمريكية تواصل تقدمها كما هو متوقع دون ان يعترضها احد.
وخطر لي ان اعجل بتنفيذ الجدول الزمني للهجوم فقد كانت قوتنا الرئيسية من الدبابات الثقيلة وعددها 600 ـ تربض على الحدود السعودية بانتظار شدة الهجوم الرئيسي ويتوخى هذا الهجوم ثلاثة اهداف اساسية الأول تحرير مدينة الكويت (وهذه مهمة الفيلق العربي المصري السوري السعودي الكويتي وغيرهم من العرب) والثانية الالتفاف حول الحرس الجمهوري وتدميره (هذه مهمة الفيلق السابع) والثالثة سد منافذ تقهقر العراقيين عند وادي نهر الفرات (وهذه المهمة فرقة ماكفري من الفيلق المحمول (18) وكانت خطتي بالاصل تنص على ارجاء هذا الهجوم حتى فجر اليوم التالي بغية اعطاء بومر فسحة امدها 24 ساعة لاختراق الموانع والاشتباك مع المدافعين على طول الحدود ولكن بدا ان مقاومة العراقيين اخذت تنهار ولم اكن اريد ايقاف مشاة البحرية الا ان القلق ساورني من انهم إذا اندفعوا متوغلين أكثر من بقية الفرق المهاجمة فانهم سيتعرضون لخطر هجوم مضاد هائل على جناحهم الغربي المكشوف.
قبيل الظهر جاءت قطعة من الاخبار الحاسمة بثت المقاومة الكويتية باللاسلكي ان العراقيين قد دمروا مصانع تكرير المياه المالحة ولما كانت مدينة الكويت تفتقر إلى أي مصدر آخر لمياه الشرب فإن ذلك لا يعني سوى ان العراقيين على وشك المغادرة وإذا كانوا ينوون الانسحاب من مدينة الكويت فهذا يعني حسب تفسيري انهم ينوون الانسحاب من الكويت.
عند هذه النقطة ادركت ان عليّ أن اتحرك ان التوقيت هو كل شيء في المعركة وما لم نكيف الخطة فإننا سنخسر زخم المكاسب الأولية لقد خضت هذه الحملة في ذهني آلاف المرات متصورا كل السبل المؤدية إليها، واستطعت من خلال التقارير الجزئية الواردة الى غرفة الحرب ان ادرك ان العراقيين ينقلبون على اعقابهم ولو تحركنا بسرعة فإننا نستطيع إجبارهم على القتال في وضع غير مؤات لهم تماماً أما إذا التزمنا بالجدول الزمني الأصلي فقد يفرون دون خدش تقريبا.
لقد اخطرت كلا من يوسوك وخالد قبل ساعات قلائل إنني قد اقرر تسريع الهجوم الرئيسي اتصلت بيوسوك ثانية، فأخبرني أنه وقادة فيلقه يريدون شن الهجوم الآن ـ بناء على تقديراتهم لظروف المعركة رغم سواء الاحوال الجوية اتصلت بخالد فأكد لي أن القادة المصريين والسعوديين والعرب الآخرين يوافقون على بعد قليل من الجدال حول سوء الطقس لذا اعطيت الامر قواتي بالتحرك، وأعطى خالد أمره لقواته أيضاً وعند الساعة الثالثة من عصر ذلك اليوم اطلقنا عقال الهجم الرئيسي لعاصفة الصحراء.
أفاد جنودنا من الساعات القليلة المتبقية من ضوء النهار إفادة حسنة واظهرت الخارطة الهائلة للمعركة التي هيمنت على غرفة الحرب ان الفيلق المحمول (18) قد حقق جميع أهدافه لليوم الأول، وفي أول المساء أطبقت الوحدات الفرنسية والقوة المحمولة (82) على قاعدة السلمان أما الفرقة (101) فقد ارسلت قاعدتها النارية وراحت هليكوبترات اباتشي تعمل على تدمير الشاحنات العراقية على الطريق الرئيسي الموصل الى وادي نهر الفرات.
وكانت فرقة المشاة الآلية (24) بأمره مكافري تناور عبر التلال والوديان الوعرة التي تتحول إلى ارض طينية غادرة في الجو الممطر ولدهشتنا توغل الآن على عمق 35 ميلا داخل العراق.
وعلى الجبهة الشرقية من خط تقدم ماكافري حيث يتبسط مشهد الارض ـ الى صحراء مجدبة حرك الفيلق السابع تشكيلا قتاليا ضخما مؤلفا من الفرقتين المدرعتين الأولى والثانية مسافة 15 ميلا داخل العراق وقد سبقهم في المقدمة فوج الفرسان المدرع الثاني بطائراته الاستطلاعية فوق الصحراء، وعرباته الاستطلاعية المستكشفة وعلى شرق هذه القوة حيث تبدأ التحصينات الحدودية للعدو قامت فرقة المشاة الأولى من الفيلق السابع بأكثر من عشرة اختراقات بدبابات الفرقة البريطانية المدرعة الأولى وراحت تتدفق عبر هذه الثغرات وابلغنا الجنرال موران الفيلق السابع والرابع والعشرين يتوقعان إحراز تقدم ملحوظ خلال الليل.
وتقدم الفيلق عبر وادي الباطن وهو قاع نهري جاف يؤشر الحدود الغربية للكويت نحو خط الموانع وكان في طليعته لواءان سعوديان بدأت عملية الاختراق وتحركت الى جوارهما بشكل مدروس قوة مصرية كبيرة لم تتوقع ان تبدأ عملية الاختراق قبل طلوع الصباح.
وجابه مشاة البحرية شيئا من مقاومة صلبة اثناء النهار مشتبكين في معركة دبابات في خط الموانع الثاني استغرقت ساعة إلا إنهم استولوا بحلول الظلام على كامل قاعدة الجابر الجوية وهي المقر المهجور على عجل للفيلق العراقي الرابع الذي يقود عشر فرق للعدو في جنوب الكويت وتقدم مشاة البحرية مغطين نصف المسافة الموصلة الى مدينة الكويت تقريبا وكانت خسائرنا طفيفة الى حد خارق ـ لم يقتل سوى 14 اثناء العملية في غضون ذلك غصت وحدات بومر بأسرى الحرب ان قواعد الحرب تقتضي منا للحفاظ على سلامة الأسرى بالاسراع الى نقلهم الى المؤخرة مشاة البحرية جميع العرات المتاحة إلا إنهم في النهاية اقتصروا على نزع أسلحة العراقيين مؤشرين الى الجنوب قائلين لهم "سيروا بهذا الاتجاه" واقمنا في المناطق الخلفية نقاط تفتيش لجميع العراقيين فيما هم يعودون على غير هدى كما غصت الوحدات السعودية بالأسرى بعد ان قطعت عشرة اميال على الطريق الساحلي ولعل هذه المعضلة كانت نعمة من السماء اذ لولاها لما استطعت ان ابطئ مشاة البحرية بما يكفي لجعل هجومنا متناغما ومتوافقا. واتصلت بيومر بعدئذ لاهنئه على عمل اليوم العظيم واخبرني أن عدد الخسائر قد عدل من 14 قتيلا الى واحد في الاشتباك مع ذلك لم يشعر أي منا بنشوة طاغية فقد كنا نعرف نحن الاثنين ان اليوم التالي قد يأتينا بهجوم كيماوي أو هجوم مضد من الدروع العراقية.
كنت اتحدث مع باول بانتظام خلال ذلك اليوم وكانت ردود افعاله محترسة تجاه التطورات شأنه شأني فقد كان كلانا يعلم ان من الافضل عدم بناء افتراضات قائمة على تقارير اولية مفككة وغير منتظمة عن المعركة واتصلت به في الساعة العاشرة مساء لاطلعه على اخر التطورات كنت مرهقا في نهاية المحادثة وجدت نفسي اقول بلا وعي كم أتمنى لو انسف التمثال العملاق لصدام وقوس النصر في قلب مدينة بغداد إن قوس النصر نصب عن الحرب مع إيران وهو نحت هائل وقيل ان اليدين في النصب هما يدا صدام وهما تحملان سيفين متقاطعين لقد تحاشينا قصف هذين الرمزين اثناء الحملة الجوية لأنهما ليس من الاهداف العسكرية وكما كانت دهشتي عظيمة لما وجدت ان باول يوافقني الرأي رغم انه اقترح التشاور مع الرئيس بوش اولا لكن محاميي البنتاجون اعترضوا على الفكرة بعد يومين إلا إنني في تلك الليلة وبعد مرور عشرين ساعة على الحرب البرية ذهبت الى النوم راضيا.
قدمت الى غرفة الحرب في الصباح الباكر واسرعت إلى الخارطة لأرى مدى ما احرزناه من تقدم اثناء الليل فانفجرت صائحا ماذا يحدث للفيلق السابع؟ لقد تراجعت خطوطه إلى الوراء".
قال مور " سيدي لم تكن معلوماتنا بالامس صحيحه كليا وأوضح أنه بينما كانت عناصر من الفيلق السابع وبالتحديد فصائل الاستطلاع من الفرسان ـ قد تغلغلت حقا 15 ميلا داخل العراق فإن قوة الدبابات ابطأت بعد عبورها الحدود في اليوم السابق الا إن هذا التحليل لم يكن يوضح ما كنت اراه على الخارطة لقد جرى إبلاغي ان الجنرال فرانكس سيتحرك بفيلقه طوال الليل، ونظرا لعدم وجود قوات للعدو على جبهته فقد توقعت ان جده مطبقا على الهدف كولنز وهذا الهدف عبارة عن رقعة صحراء بيضاوية الشكل منبسطة يفترشها الحصى ولا تتعدى مساحتها 10 أميال وهي تقع إلى الغرب من المواقع الرئيسية للحرس الجمهوري وهي منطقة تخدم لنقطة ونوب لهجوم الفيلق السابع وقد كان من المفترض بالجنرال فرانكس هناك ان يواجه تشكيلاته شرقا لضرب الحرس الجمهوري وتطلعت إلى الخارطة الثانية ان ما جعل بطء تقدم الفيلق السابع عسيرا على الفهم هو التقدم الدراماتيكي للفرقة الالية 24 بعيدا إلى الغرب من الواضح أن ماكافري قد شق طريقه طوال الليل في ارض بالغة الوعودة وهو الآن متوغل مسافة 60 ميلا داخل العراق. اتصلت بيوسوك وسألته هل توقف الفيلق السابق اثناء الليل؟ اسمع لا أريد منهم القيام بأي عمل فهم لم يتعرضوا حتى الآن لطلقة واحدة من العدو على حد علمي لكنهم يبدون لي وكأنهم جالسون هناك ببساطة ماذا يجري؟ اكتفى يوسوك بالقول إنه سيعود للاتصال بي ثانية.
ثم اقفلت الخط هززت رأسي ونظرت إلى كال وولر اعتقد انهم في منتصف الطريق باتجاه نقطة كونز الآن".
ياللجحيم سيدي كنت اظن انهم في نقطة كونز".
بعد بضع دقائق اتصل جاري لاك ليقدم تقريرا افضل سيدي لقد حققنا جميع اهدافنا امس واكملنا الآن جميع أهدافنا لهذا اليوم وابلغني عن مواقع وحداته واضاف لقد اسرنا 3200 جندي الليلة الماضية وما زلنا نحصي بقية الأسرى.
هذا رائع يا جاري توقفت قليل ثم قلت "الآن اعطني بقية التقرير" كانت آخر فقرة في التقرير هي إحصاء الإصابات.
إلى الآن سيدي وقعت إصابة واحدة هي جريح واحد.
كنت اعرف منذ اليوم السابق أننا نحرز نجاحات تفوق التوقعات أما الآن فقد غمرني الارتياح لأننا لم نفقد اعدادا كبيرة من الجنود بل غمرتني سعادة طاغية شكرت لاك واقفلت الخط بسرعة واخذت ببضعة أنفاس عميقة لاستجمع شتات نفسي لقد اظهرت جلسة الاطلاع الصباحية إن حظنا الحسن شمل مسرح العمليات كله فبعد مضي يوم كامل على الحرب البرية لم نخسر سوى 8 قتلى و27 جريحا ولم يكن هناك من سبيل إلى تقدير عد الخسائر العراقية إلا إننا اسرنا 13 الف جندي.
ولما تحدثنا ثانية مع يوسوك عند الظهر كنت عازما على التحدث بالتفاصيل وبصراحة لقد انعطفت الحملة من حملة متأنية ومرسومة بعناية إلى ما يطلق عليه التكتيكيين مرحلة استثمار الفرص التي يتعقب فيها الجيش جيشا آخر متداعيا، ويغرمه على القتال يأمل التعجيل بانهياره الكامل ولم نضع الوقت يوسوك وانا، في مناقشة تراخي الفيلق السابع في الليلة الفائتة لقد أكد لي ببساطة ان فرانكس قد اختار بحذر التمسك بخطته الأصلية رغم انها كانت تقوم على افتراض ان ـ العراقيين سيحاربون بضراوة اكبر لقد أصر فرانكس على دفع جميع فرقة لاجتياز الموانع ثم التوقف على الجانب الآخر من أجل إعادة التجميع وقال يوسوك ان هذا العملية قد استكملت تقريبا الآن وان الفيلق السابع سرعان ما سيتحرك شمالا واذا سارت الامور على ما يرام فسيكون الفيلق في وضع جاهز للهجوم على الحرس الجمهوري في اليوم التالي ورغم ان ايقاع هذه التحرك لا يتماشى مع السرعة التي كنت اريدها فقد كان مقبولا على اية حال وأكدت استخباراتنا ان الحرس الجمهوري كان ما يزال متمسكا بمواقعه على طول الحدود الشمالية للكويت ومدام الفيلق السابع قد اندفع بهمة ذلك اليوم فإنه ما يزال بوسعه إنجاز مهمته اما إذا تأخر فإن معنى ذلك ان على ابطاء تقدم ما كافري الذي تقترب الويته المدرعة من وادي نهر الفرات ولم اكن اريد لهم أن يواجهوا الهجوم المضاد للحرس الجمهوري بأنفسهم وبدأت اشعر كما لو أني ادفع عربة تجرها خيول سباق وأخرى تجرها بغال كان مشاة البحرية والسعوديون منهمكين على الساحل يوم الاثنين في اشد المعارك وبدا ان القوتين كلتيهما مصممتان على تحرير الكويت بنفس السرعة التي استولى بها العراقيون عليها تقريبا وصد مشاة البحرية ثلاث هجمات عراقية مضادة في سلسلة من المعارك استغرقت معظم اليوم ومحقوا عشرات الدبابات العراقية وأسروا اعداداً غفيرة فيما تعرضوا لخسائر قليلة هي قتيل واحد، وعشرون جريحا وعلى الطريق الساحلي اطبق السعوديون والخليجيون العرب على جميع الاهداف المرسومة لهم في خطة المعركة الاصلية واخذوا يتقدمون تقدما حثيثا بحيث رمنا خالد وان أي قيد على تقدمهم سامحين لهم بالمضي قدما نحو المشال باتجاه مدينة الكويت ولما اصطدموا اخيرا بمقاومة شديدة عند الظهر ابلوابلاء حسنا واسروا اعداداً كبيرة.
وبينما كان مشاة البحرية والسعوديون يطبقون على مدينة الكويت كان الفيلق العربي القوة التي يفترض ان يستولي على مدينة الكويت حسب الخطة ـ ما يزال عند الحدود فقد استهلك المصريون معظم يوم الاثنين في اختراق المانع الأول ويعود ذلك جزئيا إلى اسلوبهم العسكري فهم محاربون نظاميون اشداء مثل قوات فرانكس ـ وقد فضلوا الالتزام بالخطة المقررة سلفا لكني ساورتني الشكوك في أن القادة ربما تلقوا أوامر من القاهرة بالحفاظ على الخسائر عند الحد الأدنى المطلق ورحت من خلال خالد والجنرال شوارتز وهيئة مركز التنسيق الح على الجنرال عبد الرحمن الكامي القائد السعودي المسؤول عن ذلك القاطع والميجور جنرال صلاح محمد عطية حلبي قائد القوات المصرية بضرورة التحرك إلى الإمام.
25 فبراير (شباط) 1991 ـ الهجوم البري + 1 / الهجوم الجوي + 39
الساعة 1510 ـ مكالمة مع رئيس الاركان رئيس الاركان منح ق. ع صلاحية تدمير تمثال صدام وقوس النصر.
الساعة 1815 ـ اتصل رئيس الاركان ب ق. ع واخبره الامتناع عن ضرب التمثال وقوس النصر.
تنامى التوتر في غرفة الحرب ما ان وصل التقرير المسائي عن الاحوال الجوية كنا نعتمد على ان تكون سماء الثلاثاء صحواً واذ بنا نجد انفسنا بمواجهة 36 ساعة من الامطار الغزيرة الرياح والعواصف الرملية وغيمة شاسعة وكثيفة تحجب كامل ميدان المعركة عن كاميراتنا المحلقة شعرت بإحباط مريع فقد كنا بحاجة ماسة إلى مراقبة تحركات الحرس الجمهوري فحتى الآن لم تتحرك الفرق المدرعة الثلاث من الحرس الجمهوري التي كنا نريد مهاجمتها وهي فرقة توكلنا، وفرقة المدينة وفرقة حمورابي فهي ما تزال رابضة في مخابئها على طول الحدود الشمالية للكويت لكن فصائل استطلاع الفيلق السابع كانت تتبادل النيران مع عناصر متقدمة من فرقة توكلنا لذلك فإن بعض العراقيين يعرفون اننا نطوق جناحهم وإذا ما ادركوا ان فصائل الاستطلاع هذه هي طلائع هجومنا الرئيسي فقد يحاولون الإفلات قلت لباول "إذا قضوا الليل في جحورهم فسنقضي عليهم وان لم يقضوا الليل فسيهرعون سريعا عائدين إلى الفرات.
ولم يكن بالوسع ان نواجه توقيتا أسوأ من ذلك.
اتصل بنا الرئيس بوش قبيل الثامنة مساء هذه اول مرة يتحدث معنا منذ عشية عيد الميلاد اصغى بعناية إلى حديثي الموجز عن الحملة الذي استغرق خمس دقائق بعد كانت مأساة مروعة فسلاح الرعب هذا انطلق من الجو ليسقط بمحض الصدفة على مركز تحشيد لقواتنا فاعاد إلى وطننا قدرة الحرب شعرت بالغثيان في أعماقي.
ذلك امطرني بالأسئلة عدة دقائق أخرى حول اسلوب تعاملنا مع أسرى الحرب وتقارير الانتهاكات العراقية في مدينة الكويت (كنا قد استلمنا عدة تقارير إلا إنه لم يتم التوثق من صحتها بعد) ومدى انسجامها مع الحلفاء في الحملة.
وقلت متكهنا غدا أو بعد غد ستقع المعركة الكبرى مع الحرس الجمهوري وفي النهاية شكرته على قيادته لنا ولما اقفلت الخط انتابتني الدهشة لم احجم الرئيس عن قوله فلا اصدر لي امرا ولا عدل من القرارات التي اتخذتها، أما الاسئلة التفصيلية التي طرحها فلم تتوخ شيئا خلاف سيتضاح ان ثقته في قدرة الجهاز العسكري على القيام بواجبه تناقض تماما ما شهدناه ايام فيتنام بحيث انها كانت عندي تساوي العالم كله.
بعد ساعة بعث يوسوك تقارير تفيد انه بينما تندفع ارتال الفيلق السابع دون مقاومة فإن المطر والعواصف الرملية تبطئ وتيرة التقدم مع ذلك فأرتال الفيلق السابع الآن على مبعدة 20 ميلا عن نقطة كونز ولما اقفلت الخط قلت لوالر متهكما "كم انا سعيد لأني اخبرت الرئيس ان المعركة الكبرى ستقع غدا أو ان نجعلهم يغذون التحرك".
قلت بجدة "كال لا تتدخل انت لست القائد".
لكن يا سيدي يجب ان نجعلهم يقومون بذلك ان العمل الصحيح.
أن يوسوك يعرف ان الضغط قائم ان الجيش الثالث تحت امرته وعليك ان تدعه يوجهه بالطريقة التي يرتأيها. كان والو محبطا تماما حتى انه نهض من مكانه وغادر غرفة الحرب.
في وقت متأخر من الليل صعدت إلى الطابق الذي يعلونا ابتغاء رؤية خالد كان مبتهجا بالتقدم العام للحرب البرية ومسرولاً من الانتصارات التي حققتها الويته على الساحل الكويتي انتقلنا بعدئذ إلى موضوع الفيلق العربي فقلت محذرا ما لم يتحركوا بسرعة أكبر فإن المعركة ستفوتهم لأن مشاة البحرية الآن يطلبون الاذن بتحرير مدينة الكويت ولا استطيع منعهم طويلا.
كان خالد يعرف اني أحاول ان ابلف فكلانا يعرف ان على التحالف الاستيلاء على الكويت ولكنه كان يعلم أيضاً انني على صواب من الوجهة العسكرية وعدني قائلا "لا تقلق سأجعلهم يتحركون بالاسراع في وضع نهاية للحرب افضل".
بعد نحو ساعة استلمنا تقريرا يفيد ان صارخ سكود سقط في الظهران واصاب ثكنات الامريكيين موديا بحياة 28 جنديا من جنودنا ومصيبا اكثر من ذلك بجروح
 
الفصل الرابع عشر
عند الساعة 2. 15 من فجر ذلك اليوم لكزني بوتش نيل، خفير غرفة العمليات، ليوقظني "سيدي، لقد التقطنا بثا عاديا من راديو بغداد، انهم يأمرون قواتهم بالانسحاب من الكويت".
توجهت إلى غرفة الحرب وأنا أهز رأسي لكي يصفي ذهني. لقد مضت علي الحملة البرية 46 ساعة، الا أن النهارات والليالي بدأت تتداخل بلا حدود، كان والرقد عاد إلى طاولة مكتبه وغلق قائلا "يبدو لي أن ذلك قد يكون صحيحا. لقد التقطنا برقيات لاسلكية من الفيلق العراقي الثالث وهو القوة التي تحتل مدينة الكويت، تأمر الوحدات التابعة للفيلق بالانسحاب وطائرة الرصد المتطورة جستار التي تراقب التحركات في ميدان المعركة التقطت صور قافلة عسكرية عراقية مؤلفة من 150 عربة تتحرك بسرعة شمال المدينة".
في نفس اللحظة اتصل باول. وابلغته أننا نرصد الطرق وسنقصف أي هدف عسكري ينكشف لنا. فأكد أن علينا مواصلة الهجوم ـ فالعراق لم يقدم أية بادرة تنبئ عن استعداده للامتثال لقرارات الامم المتحدة، الا أنه تكهن "أن ذلك قد يفضى سريعا إلى وقف اطلاق النار".
قلت " إذا حصل ذلك في ظرف يوم أو يومين، فقد نجابه مشكلة كبيرة مع الحرس الجمهوري، وما دامت مواقعه داخل العراق لا داخل للكويت، فإن أي وقف فوري لاطلاق النار يعني امكان أن يفلتوا " بعد هذه الملاحظة المقلقة، عدت إلى غرفتي الخاصة كي أنام بعض سويعات أخر".
ولما عدت إلى غرفة الحرب بعد طلوع الشمس بقليل سألت "اين الحرس الجمهوري".
قال ليد ان العواصف ما تزال تعرقل فصائل الاستطلاع "لسنا متأكدين، لكننا نعتقد أن الحرس الجمهوري لم يتحرك من مكانه"إذا كان هذا الخبر صحيحا، فهو بادرة مشجعة. لكن برت مور، رئيس قسم العمليات، أخبرني بعدئذ ان فيلقنا السابع لم يتحرك هو الآخر ـ وهناك عناصر قليلة من طلائعه فقط وصلت إلى نقطة كونز، فأمرته "اتصل لي بيوسوك".
أكد لي يوسوك مضمون التقرير الذي استلمته على التليفون عن وضع الفيلق السابع، فقلت بهدوء "لا أريد مزيدا من الاعذار، حرك قوات في الحال. ان الجيش العراقي بأكمله، يفلت هاربا. اشعل النار تحت اقدام فيلقك السابع كي يتحرك. اريد ان تكتشف نوايا العراقيين وتبلغني وقبل انهاء المكالمة أثرت موضوع الفليق الثامن عشر، لانني كنت قد قيدت حركة الفرقة الالية 24 منذ ظهر اليوم السابق، وابلغت يوسوك" نريد احكام غلق وادي نهر الفرات الآن. هل تعتقد أن باستطاعة ماكفري ان يشق طريقه إلى النهر؟".
"مؤكد انه يستطيع".
"حسنا، افلتوا زمامهم الآن. لا نستطيع انتظار الفيلق السابق أكثر من ذلك. لكن احرص على توفير حماية جوية كبيرة للفرقة الالية 24 اضافة إلى اسنادها بهليكوبترات الفرقة 101، اذن ان الفرقة 24 ستكون هنا بمفردها".
اتصل بي بعد قليل جاري لاك، قائد الفيلق المحمول (18)، وكررت له تعليماتي التي قدمتها حول ماكفري والفرقة الالية (24)، "أيها الرجال انتم تقومون بعمل عظيم"، ثم اضفت "اريد ان أتأكد الآن أنك تفهم مهمتك من الآن حتى وصولك إلى الهدف، وهي تتلخص في انزال اقصى دمار، اقصد اقصى دمار ممكن بالماكنة العسكرية العراقية. يتوجب عليكم تدمير جميع معدات الحرب الشاملة. لا نريد أن يطلع العراقيون علينا ثانية بعد مضي 5 سنوات أخرى".
وبينما كنت انتظر تقريرا من يوسوك، اتصلت ببومر في مركز قيادته المتحرك، وهو عبارة عن مجموعة من عربات الاتصال البرمائية المدرعة يستخدمها لمتابعة وحداته القتالية في مجرى تقدمها الذي استغرق يومين قال بومر "لقد مررنا بميدان كامل من الدبابات العراقية المحترقة هذا الصباح، وهو منظر يشيع السرور في قلب قائد دبابات قديم".
في ذلك الصباح كانت فرقة مشاة البحرية الاولى تهاجم التحصينات العراقية في مطار الكويت الدولي الذي يقع عند الحافة الجنوبية للمدينة، بينما كانت فرقة مشاة البحرية الثانية، باسناد من لواء النمور، تشق طريقها إلى الغرب باتجاه مفترق الطريق العام في منطقة الجهرة، الذي يربط مدينة الكويت بالطريق المتوجه إلى العراق. وسيكون هذا المفترق بمثابة عنق الزجاجة الذي سيحاول العراقيون الموجودون في العاصمة النفاذ منه وحسب الخطة الاصلية للمعركة كان يتعين على الفيلق العربي الاستيلاء على هذا المفترق، الا ان بومر الآن يطلب الاذن بأن تقوم قواته بالاستيلاء عليه. قلت له "إذ كنت تستطيع الاستيلاء عليه دون مجازفات غير ضرورية، فلك ان تتحرك".
بدأ القلق يساورني من أن يؤدي سوء الطقس إلى عرقلة تقدم الفيلق السابع أكثر من ذلك. كان المطر يهطل مدرارا في ذلك الجزء من مسرح العمليات، واخذت الوديان وقيعان الانهر تمتلئ بسيول الامطار. في غضون ذلك بدا واضحا ان الحرس الجمهوري لم يعد رابضا بلا حراك. فقد استثمر قادته العسكريون العاصفة بمثابة غطاء، وراحوا ينظمون تراجعا كلاسيكيا من ميدان المعركة وأشارت برقيات اللاسلكي العراقية التي تم التقاطها ان فرقة "توكلنا" ستبقى في موضعها وتقوم بعملية تأخير، فيما تنسحب فرقتا "المدينة" و"حمورابي" على مراحل باتجاه البصرة. أخيراً اتصل يوسوك ليخبرني أن وحدات فرانكس وصلت إلى نقطة كونز، وأن فرانكس الآن في طور دفع فرق دباباته إلى الامام. وقال يوسوك "سيهاجم بمجرد أن توضع قواته في الخط الصحيح".
"متى؟".
"فجر الغد في أقصى الاحوال".
تنفست الصعداء. فمن الصعب علينا أن نتحمل ضياع يوم في التأخير. لم احبذ ذلك. ولكن لم يكن لدي خيار آخر، فحسب مواقع الوحدات، لا سبيل أمامي لتحريكهم بسرعة أكبر. قلت "حسنا. سنترك الامر يتم حسب طريقته. ولكن لا جدال في أن يبدأ الهجوم صباح الغد ". وابتغاء تعجيل وتيرة الامور، ابلغت يوسوك ان يعطي لفرانكس فرقة الفرسان الاولى، أي القوة الاحتياطية التي ظل يلح بالطلب من أجل الحصول عليها منذ نوفمبر. فلم يعد هناك أي سبب يدعو إلى عدم تنسيب هذه الفرقة إليه، إذ لم أكن بحاجة اليها في أي مكان آخر في مسرح العمليات كما أن النجاح البعيد المدى لعاصفة الصحراء يتوقف بأسره على الفيلق السابع. كنت واثقا بأن بامكان هذا الفيلق تدمير الحرس الجمهوري ـ فقط لو وصل إلى النقطة المطلوبة قبل انتهاء الحرب.
عند الظهر تناهي الينا خبر ان موسكو، ـ التي ما تزال تؤدي دور الوسيط مع بغداد ـ دعت إلى عقد جلسة لمجلس الأمن بهدف مناقشة مشروع وقف اطلاق النار، مما دفع بأول إلى الاتصال بي تليفونيا، وبعد ان اصغى للعرض الذي أدليت به عن تقدمنا على الجبهة، تساءل "ألا تستطيع دفع الفيلق السابع ليزيد سرعة تحركه؟ وعرضت له الجدول الزمني الذي اتفقنا، يوسوك وانا، عليه لمهاجمة الحرس الجمهوري، ثم المحت له أنه إذا كان وقف اطلاق النار وشيكا "فعليك ان تماطل كي تكسب بعض الوقت".
ساد سكون مديد على الطرف الآخر من خط التليفون. بعد ذلك قال باول بروية "اتصل بالجنرال يوسوك، واخبره ان رئيس الاركان محشور في زاوية ضيقة بسبب وضع الفيلق السابع بأكمله. اريد ان اعرف لماذا لا يتحركون، ولماذا لا يستطيعون مهاجمة عدو تم قصفه دون انقطاع طوال 30 يوما، ان الفيلق السابع يناور منذ يومين ولا يزال إلى الان بعيدا عن الاشتباك مع العدو، يصعب تماما تبرير تصرفات الفيلق السابع لاي انسان هنا في واشنطن. اعرف أنه لا يجوز لي طرح تعديلات على قرارات متخذة في الميدان، ولكن يتوجب أن نكون الآن في قتال مع العدو".
نقلت فحوى رسالته عن طواعية ـ فقد أملت أن نشجع الفيلق السابع على التحرك ـ غير أن ضغط المقرات قد اثار اعصاب فرانكس اصلا. بعد نصف ساعة ارسل يوسوك تقريرا يفيد أن فوج الفرسان المدرع الثاني قد شن هجوما في أقصى الغرب على عناصر من فرقة توكلنا. وأشار أيضاً إلى أن فرقة المشاة الأولى، بدباباتها الثقيلة ستتولى الهجوم في آخر النهار. سألت "هل يعني ذلك أننا إذا استطعنا الهجوم الليلة فسنفعل؟".
قال يوسوك "احزر".
بعد فترة وجيزة ـ أي في أواخر العصر ـ اتصل فرانكس بنفسه وبدأ القول بجفاف:" "أخبرني الجنرال يوسوك أن هناك تقريرا قيد الاعداد سيرفع إليك" وكان أول نقطة يثيرها في حديثه هو قلقه من ان بعض الوحدات العراقية التي مر وتركها قد تعود وتضربه على الجناح. وهو يريد تدميرها قبل أن تتفرغ قواته للحرس الجمهوري، ولذلك فإنه على وشك اصدار أمر بالهجوم نحو الجنوب.
قاطعته قائلا "فريد، لا تلتفت جنوبا التفت شرقا. تعقب أثرهم" كان والتر جالسا بقربي والتقط أواخر المحادثة، فشد على قبضتيه وهو يحدق ذاهلا في طاولة مكتبه. وذكرت فرانكس ان الفرقة المدرعة الأولى البريطانية الجبارة تربض على يمينه، ويمكن له أن يستخدمها لحماية جناحه الجنوبي. وافق في الحال. لم أكن في حاجة إلى ارهاب الرجل كي يوافق. فقد ادركت انه كان تحت وطأة توتر عصبي مألوف يلازم الدقيقة الاخيرة التي تسبق أية معركة حاسمة.
وابلغني بعدئذ بما كنت اتلهف لسماعه : انه ينوي الهجوم على الحرس الجمهوري طوال الليل. قلت "عظيم. سيكون لديكم ضرب بالنار رائع هذه الليلة. واصل الضغط لا تدعهم يتملصون من الاشتباك. واصل مطاردتهم. إذا حالفنا الحظ مع الطقس، فسنرسل القوة الجوية لتدكهم دكا فيما هم ينسحبون أمام انظارك".
وأخيرا هيأنا المسرح لاكبر معركة دبابات في التاريخ العسكري. لقد تجمعت بأمرة فرانكس قوة هائلة ـ الفرقة المدرعة الأولى، والفرقة المدرعة الثالثة، وفرقة المشاة الاولى، وفرقة المدرعة الأولى البريطانية، وستواجه باجمعها نخبة القوات المدرعة العراقية التي كانت رأس الرمح في عملية غزو الكويت. حانت ساعة الحساب مع الحرس الجمهوري بعد سبعة أشهر من الغزو".
في الجزء الشرقي من ميدان المعركة، أخذ الانسحاب العراقي يتفكك وضربت الفوضى اطنابها في صفوفه. كانت وحدات كبيرة كاملة من الفيالق العراقية، الفيلق الاول والفيلق الثاني والفيلق الثالث والفيلق الرابع، تحاول الوصول إلى البصرة لتجد الجسور على نهر الفرات مدمرة. وكما توقعنا، كانت القوافل العسكرية تتضخم متجمهرة في أقصى زاوية في الجنوب الشرقي فيما كانت طائراتا الاستطلاع ترصدهم براداراتها مصورة عشرات الطوابير كي تتولى قاذفاتنا أمرها.
قضيت بقية النهار أنسق عملية تحرير مدينة الكويت. لقد قام مشاة البحرية بتطويق العاصمة كليا، ورغم الاشتباكات في ضواحي العاصمة، فإن كثرة من التقارير الواردة اشارت إلى أن العراقيين اخلوا مواقعهم في مركز المدينة، وهربوا، وأكد لي خالد أن قواته ستكون مستعدة لدخول المدينة في الصباح، وان الفيلق العربي الذي يتقدم الآن بسرعة سيلحق بمشاة البحرية في غرب المدينة عند غروب الشمس، أما الاولوية العربية على الطريق الساحلي فستتأهب لاحتلال المدينة من جهة الشرق. اتصلت ببومر لانبهه إلى أن الوحدات العربية ستلتقي بمشاة البحرية، وعلى قواته الحذر من فتح النار عليها عن طريق الخطأ، لقد قمنا باعداد الحملة البرية بطريقة تفصل الوحدات التي تتحدث بلغات مختلفة، لكن هناك خطرا متزايدا لحصول ما يسمى حالات ضرب الازرق للازرق ـ أي التعرض لنيران صديقة، طالما أن هذه القطعات تقترب من بعضها.
كانت خطتنا تقضي بأن تظل مشاة البحرية في مواقعهم بينما تقوم طلائع القوات الكويتية والسعودية والمصرية، والعربية الاخرى، بأول عملية دخول للعاصفة، راجعت التفاصيل مع الكولونيل جيسي جونسون، أمر القوات الخاصة في القيادة المركزية. لقد تم تنسيب مستشاريه إلى الوحدات خلال فترة الحملة وسيظلون برفقتها عند البصرة.
27 فبراير (شباط) 1991 ـ الهجوم البري + 3 / الهجوم الجوي + 41
الساعة 1545 ـ مكالمة هاتفية من الليوتاننت جنرال هورنر. قال ق. ع للجنرال هورنر ان مكالمتي هذه ليست لتغطية مؤخرتك القبيحة، رغم ان المكالمة قد تبدو كذلك. واذ يزداد "صندوق الابادة" تقلصا، فاننا لا نستطيع أن نرتكب حادثا بنيران صديقة. "انني لا أطلب أن تفعل أي شيء بخلاف ما دأبت على القيام به حتى الآن. لكني قلق. بالمناسبة احفظ لي قنبلة لتمثال صدام حسين. انني أنوي تقديم طلب شخصي للرئيس".
وسرعان ما اتصل باول، وكان في مزاج مريح وسعيد، قائلا "يجب أن نتحدث عن وقف اطلاق النار. فالحمائم بدأوا يجأرون بالشكوى من الدمار الذي تصنعه".
قلت "ماذا تعني؟". ان ما حدث بالطبع ان الصحافيين يقومون الآن باجراء مقابلات مع طياري القوة الجوية الذين قصفوا ويقصفون القوافل الهاربة من الكويت. وحالما حررنا المنطقة المحيطة بمدينة الكويت حتى راح الصحافيون الذين كانوا يداومون في المجمعات الاعلامية، يلتقطون الصور للطريق العام رقم (6) حيث قصفنا قافلة عراقية ليلة الاثنين. كان المكان عبارة عن دمار شامل، إلى حد انهم اطلقوا عليه اسم "طريق الموت" وهي طريق بأربعة خطوط مرور، تناثر عليها اشلاء وحطام محترق لاكثر من ألف عربة عسكرية، وشاحنات، وباصات، وسيارات مدنية مسروقة. وذلك بالضبط هو ما رآه الناس على شاشات التليفزيون مساء الاثنين واخبرني باول أن اعصاب البيت الابيض أخذه بالتوتر "فالتقارير تصور الامر وكأنه قتل وحشي".
كلانا كان يعرف أن الامر ليس كذلك. ورغم ان الامر ليس كذلك. ورغم أن العديد من العراقيين في القافلة لقى حتفه، الا أن معظمهم قفز من العربات ونجا بجلده. وشعرت بالسخط ـ فواشنطن مستعدة للمغالاة في رد الفعل، كالعادة، تجاه اصغر نقمة من الرأي العام. وفكرت في نفسي دون أن اتفوه بحرف من ذلك هو أن أفضل ما يستطيع البيت الأبيض عمله هو اغلاق التليفزيون اللعين في غرفة الازمات. ولم يكن باول، من جهته، قلقا ـ فلقد كان معتادا على المد والجزر السياسي.
قال "لذلك قل لي ماذا تريد أن أفعل". وصفت له خرائط المعركة الحالية ونقلت اليه ما قال يوسوك انه بحاجة إليه للاجهاز على الحرس الجمهوري. وفي نهاية اليوم، وبينما نحن قادرون على أن نعلن أن العراق بات عاجزا عن تهديد جيرانه، فان هناك معدات عسكرية كثيرة جدا تتحرك في جيب البصرة. قلت "اليك ما اقترحه. اريد أن تواصل القوة الجوية قصف القوافل المحصورة عند نهر الفرات حيث الجسور مدمرة. اريد مواصلة الهجوم البري غدا، والتوجه نحو البحر وتدمير كل ما يتعرض طريقنا. فهذا هو المسار المرسوم في خطة عاصفة الصحراء، وسنتم انجازه في يوم واحد" سكت لحظة ثم قلت "هل تدرك اننا إذا توقفنا ليلة غد، فإن الحملة البرية ستكمل خمسة ايام ؟ كيف تزن في اذنيك هذه الكلمات : حرب الايام الخمسة ؟ ".
ضحك باول. وقال " يبدو أن وقعها حسن. سأنقل هذه التسمية " واضاف اننا نحتاج إلى اطلاع رجال الاعلام على آخر المستجدات. واقترحت أن من الافضل أن تتم عمليات الاطلاع هذه في الرياض لا في واشنطن، لان المعلومات ستكون طازجة، فوافقني باول الرأي ولما أغلقت التليفون، أوعزت إلى اثنين من الرسامين المجندين بوضع سلسلة من التخطيطات التبسيطية عن الحملة البرية التي وضعت خطوطها العامة.
واشغلت نفسي بقية العصر بمتابعة أوضاع المعركة. جهزت التخطيطات في الساعة السابعة مساء، واخذتها معي إلى الطابق العلوي لمراجعتها على مدى ساعة قبل عبور الشارع إلى فندق "حياة" لاطلاع رجال الاعلام عليها. وجاء لقاء الاطلاع أفضل مما تصورت. فغادرت الفندق بمزاج رائق وعندما تطلعت إلى أضواء الشارع ادركت ان هذه هي المرة الثانية التي اخرج فيها من وزارة الدفاع خلال أكثر من أسبوع (في المرة الأولى بهدف اطلاع الصحافيين أيضاً).
اتصل باول ثانية في الساعة العاشرة والنصف مساء: "اكلمك من البيت الابيض. كنا نناقش بالتفصيل فكرتك حول انهاء الحرب في خمسة أيام". واخبرني ان السجال في واشنطن حول ضراوة القتل قد وصل إلى درجة مزعجة من التوتر ـ فحتى الفرنسيون والبريطانيون بدأوا يسألون إلى متى سنواصل هذه الحرب. وقال "الرئيس يفكر بالظهور على شاشة التليفزيون في التاسعة مساء للاعلان عن ايقاف الحرب. هل لديك مشكلة بصدد ذلك؟".
التاسعة في واشنطن تعني الخامسة صباحا في الرياض، أي بعد ست ساعات ونصف الساعة من الآن. وانتظرني باول فيما استغرقت أفكر دقيقة، كان رد فعلي الآتي يتمثل في ان وقفا سريعا لاطلاق النار سيوفر حياة الكثيرين. أما إذا واصلنا الهجوم خلال الخميس، فإن افرادا من قواتنا سيلاقون حتفهم، قد لا يكون العدد كثيرا، ولكن البعض سيلقى حتفه. الاكثر من ذلك اننا قد انجزنا مهمتنا، وقد انتهيت لتوي من القول للجمهور الأمريكي بأننا لم نترك للعراق قوة كافية من الجيش ليشكل خطرا اقليما. وبالطبع كان يوسوك قد طلب مهلة يوم آخر، وسأكون سعيداً لو واصلت تدمير الجيش العراقي على مدى الاشهر الستة المقبلة مع ذلك فقد حطمنا اضلع صدام، ولم نترك ظلا من شك في ذهن أي انسان اننا حققنا نصرا حاسما، وفعلنا ذلك بخسائر طفيفة جدا. فلماذا لا ننهيها اذن؟ لماذا نخسر قتيلا في الغد؟ ذلك كان ما استقر عليه رأيي. اجبت في النهاية "ليست لدي أية مشكلة. كان هدفنا تدمير قوات العدو. وقد انجزنا هذا الهدف بالتمام والكمال، سأتشاور مع القادة هنا، وما لم تكن أمامهم أية عقبة، فإن باستطاعتنا أن نتوقف".
أوضح باول أن الرئيس سيجعل وقف اطلاق النار مرهونا بكف العراق عن القتال ووقفه الهجمات بصواريخ سكود، والاطلاق الفوري للاسرى العسكريين والرهائن من المدنيين الكويتيين، والرضوخ لقرارات الامم المتحدة، اضافة إلى شروط أخرى. وطلبت منه أن ينص الاعلان بوضوح على أن ذلك هو ايقاف العمليات الهجومية وليس وقف اطلاق نار مطلق، وأن لقواتنا حرية ضرب أي عراقي يطلق النار علينا. واخبرني باول بعدئذ ان الرئيس سيطلب عقد اجتماع بين جنرالات كل الطرفين في غضون 48 ساعة لصياغة التفاصيل العسكرية لوقف القتال. أخذني هذا القول على حين غرة ـ إذ لم يخطر ببالي أبدا أن على الجلوس وجها لوجه مع جنرالات عراقيين ـ وقضينا بضع دقائق نناقش الاسلوب المحتمل لترتيب عقد مثل هذا الاجتماع. نظرت فجأة إلى ساعتي وقلت "كولن يجب أن ننهي هذه المكالمة. كنا نتحدث عن ايقاف هذه الحرب خلال 6 ساعات و 20 دقيق من الان، ويجب أن اتحدث مع الرجال الذين يقاتلون".
ارجعت سماعة التليفون، واتصلت بهورنر رأسا وأخبرته بأن يواصل تحميل القاذفات على أن يتأكد من أننا سنتوقف عند الساعة الخامسة. وقلت "ليس هذا امرا نهائيا، لأن على واشنطن ترتيب ذلك مع حلفائها. ولكن لا ترسل أية طائرة ليس في استطاعت استدعاؤها العودة".
اتصلت بيوسوك وابلغته بالامر "دع الامر يسير كالمعتاد حتى الساعة الخامسة، أحثك على أن تنزل اقصى دمار تقدر عليه طائرات الاباتشي حتى ذلك الوقت" ثم اتصلت بالادميرال أرثر والجنرال بومر والميجور جنرال وأين دوانيج، الذي يدير العمليات الخاصة في العمق، خلف خطوط العدو لم يبد أن احدا تفاجأ بقرب الاعلان عن وقف اطلاق النار.
بعد بضع ساعات اتصل باول ليؤكد "سنوقف العمليات الهجومية ولكن لا يوجد أي تغيير، سيقوم الرئيس بالاعلان عن ذلك في الساعة التاسعة، لكننا لن نتوقف فعلا حتى منتصف الليل. وهذا سيجعلها حرب المائة ساعة" كان عليّ أن اترك القيادة لهم، فهم يعرفون حقا كيف يوضبون الحدث التاريخي.
وجاء الرئيس بوش ثم وزير الدفاع تشيني على الخط نفسه تباعا ليقدما التهاني. ثم عاد باول اخيرا وقال "حسنا، هذا كل ما في الامر. وقف اطلاق النار في الثامنة من صباح الغد بالتوقيت المحلي". كنت اتلقى هذه المكالمة في غرفتي الخاصة، وعدت الآن إلى غرفة الحرب. واوضحت لاركان المقر شروط وقف العمليات، واصدرت امرا: "اريد تدمير جميع المعدات والتجهيزات العسكرية المهجورة في منطقة القوات".
وابلغت الاركان أن البيت الابيض قد أضاف شرطا يقضي بأن يترك العراقيون الموجودون في منطقة الحرب جميع معداتهم ويسيروا نحو الشمال، وهو شرط أعجبني لانه يتيح لنا انهاء عملنا بتدمير سلاحهم. الا أن جونسون اعترض على ذلك بالقول انه مستحيل التطبيق كلية "سيدي، نستطيع سد العديد من الطرق، لكننا لا نستطيع ابدا منع العراقيون الموجودين الآن عند النهر من إصلاح الجسور وأخذ معداتهم معهم شمالا ما لم نهاجمهم".
بالطبع كان محقا. فهناك مقادير هائلة من المعدات المدرعة ـ بما يعادل فرقتين ـ تشق طريقها على الجسور العائمة عند البصرة: خليط من دبابات (ت ـ 55" القديمة منذ الخمسينات، وناقلات الجنود المدرعة طراز...، إلى العشرات من دبابات " ت ـ 72" من الطراز الأول، والتي استطاعت الانسحاب عندما ابطأ الفيلق السابع في ضرب الحرس الجمهوري. ولقد كنا نهاجم هذه المعدات طوال الليل، وفي نهاية اليوم التالي اتينا عليها جميعا، بقصف كل هذه الدروع المزدحمة. وأرسلنا هليكوبترات أباتشي على طول النهر لصيد أي دبابة تحاول العبور.
ورحنا نناقش تبعات هذا الامر. كنا نبغض فكرة الابقاء على أية معدات عراقية، وبخاصة دبابات " ت ـ 72 " التابعة للحرس الجمهوري: فعاجلا أو اجلا ستعود هذه الدبابات لتستخدم لاغراض دنيئة. ولكن لم نكن قلقين من وجهة النظر العسكرية البحتة، أو من وجهة نظر حلفائنا العرب، ان اعادة تجميع حتى فرقة واحدة فعالة من بين المخلفات المتروكة سيتطلب من العراق وقتا طويلاً. فالمعدات في حالة من الفوضى: الكثير منها سيء الصيانة، ويفتقر إلى الادوات الاحتياطية (أوقف السوفيات تزويدهم بها ) والبعض منها تحطم أو ضرب. علاوة على ذلك ليس بمقدور العراقيين ان يجعلوا ببساطة الرجال والدبابات معا ليقولوا "لدينا فرقتان". فهم يحتاجون الآن إلى سنوات لجمع وتدريب وحدات صغيرة، ثم سرايا فكتائب، وهكذا دواليك ـ قد يتطلب ذلك من 5 إلى 6 سنوات، إذا أخذنا في الاعتبار الفوضى التي تواجههم.
كان القرار شاقا على القيادة المركزية: كان علينا أن نضعه أمام انظار واشنطن. لذلك اتصلت بباول وكررت له رأي جونسون ثم حذرت قائلا". إذا سمينا الاعلان اعلان وقف اطلاق نار، فسنرى دبابات الحرس الجمهوري من طراز "ت ـ 72" وهي تعبر فوق الجسور العائمة".
واستطلع قائلا "هل تستطيع ضربهم الليلة". فقلت له اني اصدرت بالاصل أمرا إلى يوسوك كي يضاعف غارات الهليكوبتر، وان الاباتشي تحلق وهي مزودة باوامر لتدمير أية دبابة تعثر عليها.
قال باول "حسنا، سأعود للاتصال بك". واتصل بعد 20 دقيقة قائلا ان البيت الأبيض يفهم الآن ان بعض الدبابات ستفلت، وانه قرر القبول بذلك، ولما لم يكن باستطاعتنا ارغام العراقيين على ترك معداتهم دون أن نقوم بمزيد من القصف، فقد أزيل هذا الشرط من علان الرئيس.
بقيت قضية حاسمة كان ما يزال علينا، يوسوك وانا، أن نحلها: اين نوقف التقدم البري. لقد سيطر الفيلق المحمول (18) في هذا الوقت على جزء كبير من العراق، بينما الفيلق السابع يطارد بقايا الحرس الجمهوري عبر الحدود الشمالية للكويت، ولما نظرت إلى الخارطة لم اتبين غير مشكلة واحدة فقط مفترق الطريق العام رقم (6) القادم من الكويت مع طريق أم قصر العام من الساحل الكويتي، ويلتحمان بالطريق المؤدي إلى البصرة. وما لم نقم بسد ذلك المفترق، فإن معدات عراقية كثيرة ستنفذ. كما أردت تأمين السيطرة على تلة صفوان القريبة، لان العراقيين شنوا عدة هجمات منها بصواريخ سكود على الظهران. كانت اقرب وحدة من وحدات الفيلق السابع إلى هذا المكان هي فرقة المشاة الأولى، وتربض على بعد 15 ميلا، وارتأى يوسوك ان باستطاعة هذه الفرقة أن تصل بسهولة إلى ذلك المفترق قبل سريان وقف اطلاق النار. قلت "عظيم. استول على المنطقة طالما أنك لن تفتح معركة كبيرة لا تستطيع انهاءها في الوقت المحدد، وسيكون ذلك مكانا مناسبا لاقامة معسكر".
دققت في المسألة مضاعفا لا تأكد من أن جميع قادتي في الميدان يعرفون موعد وقف اطلاق النار. اخيرا ذهبت إلى الفراش مرهقا، ولما ظهر الرئيس بوش على شاشة التليفزيون بعد ساعتين من ذلك، لاعلان نهاية حرب الخليج، كنت غارقا في النوم .
 
الفصل الخامس عشر
28 فبراير (شباط) 1991 ـ الحرب البرية + 4 / الهجوم _ 42
الساعة 1145 ـ ق. ع دخل مرة ثانية الى غرفة الحرب رغم عدم وجود جلسة اطلاع رسمية على المستجدات ابلغ ق. ع ان وقف اطلاق النار سارى المفعول حسب الجدول الزمني فرقة المشاة الأولى توغلت الى الشمال خارج الكويت وهي الآن في العراق والفرقة الآلية 24 قد هاجمت شرقا وانتهت إلى مفترق طرق جنوب البصرة تماما هليكوبترات الهجوم قامت بمهمات في الليلة الماضية لكنها لم تدمر الكثير من الدبابات. بحثنا باول وانا مسألة استخدام رصيف البارجة ميسوري كموقع لمحادثات وقف اطلاق النار فقد قبل دوجلاس ماك ارثر استسلام اليابانيين على ذلك الرصيف في عام 1945 وكنت أريد أن اسبغ على هذا اللقاء مظهرا جليا بوصفه مراسيم استسلام في كل شيء عدا الاسم واتضح في النهاية ان الفكرة غير عملية، فقد امهلنا الرئيس 48 ساعة فقط ـ حتى صباح السبت للبدء بالمحادثات ان جلب الوفد العراقي إلى بارجة في وسط الخليج ناهيك عن نقل المماثلين العسكريين من كل بلد من بلدان التحالف إلى جانب عشرات المراسلين الذين يريدون رؤية المشهد ـ أمر معقد ان لم يكن مستحيلا في هذه العجالة.
خيارنا الآخر وقع على قاعدة جالية الجوية ـ وهي منشأة عسكرية عراقية ضخمة تقع على مبعدة 30 ميلا جنوب الفرات وقد استولى عليها الفيلق الثامن عشر المحمول في اليوم الثالث من الحرب البرية لقد فضلت جالية لانها تقع على مسافة 95 ميلا في عمق الأراضي العراقية وتجسد هي الأخرى رمز الهزيمة في حين أن من السهل لوجستيا على الوعد العراقي ان يبلغها فبوسعه القدوم بالسيارة من البصرة على الطريق العام رقم 8 ليقطع 80 ميلا إلى الغرب وافق باول وبعد ان حصلنا على موافقة البيت الأبيض تحركت وزارة الخارجية لابلاغ بغداد بطريقة ملتوية تبعث فيها الولايات المتحدة رسائلها عن طريق موسكو ارسالا واستلاما.
28 فبراير 1991 ـ الحرب البرية + 4 / الهجوم + 42
الساعة: 1900 ـ جلسة الاطلاع المسائية ق. ع ابلغ الليوتاننت جنرال هورنر اننا بحاجة إلى بقاء حضور واضح في الأجواء فوق بغداد في ما الجنرال هورنر يقول مازحا لدينا خياران دون اختراق حاجز الصوت أو باختراق حاجز الصوت ق. ع قال يجب التأكد من ان تستمر الدوريات ليل نهار. واختار ما فوق سرعة الصوت قد لا يرون الطائرة لكن دوي اختراق حاجز الصوت وبذا يعرفون اننا هنا.
ق. ع ابلغ الاركان اننا سنتعرض للضغط في سبيل ارجاع القوات إلى الوطن الوجبة الأولى العائدة ستكون رمزية بعد ذلك ننتقل إلى اعادة تجميع ونقل القوات على نطاق واسع بحث ق. ع مسألة السلامة وهو يريد من كل واحد ان يعمل بموجب شعار لاقتيل واحد بعد يجب ازالة معدل الحوادث الذي كان سائدا في الفترة الأولى لوصولنا سنحاسب القادة انفسهم باعتبارهم يتحملون المسؤولية اوصلوا هذا الامر إلى أدنى المستويات.
رحت انظر في غرفة الحرب بينما الساعات تتك وتمضي مدركا ان هناك لا محالة مشاكل جديدة لا بد من حلها، الا أني شعرت بالثقة من ان الامور كلها ستكون في محلها آخر المطاف وحين رن جرس التليفون اخيرا عند الساعة الثانية فجر الجمعة كان يوسوك على الخط يتصل من مقر قيادته. هناك مشكلة في قاعدة حالية الجوية جاري لاك يقول انها بالغة الخطورة فهناك قذائف غير متفجرة في كل ارجائها.
قلت "أه" عظيم تمنيت لو علمنا ذلك بالأمس ونظرت إلى خارطتي حسنا لنرتب الامر في مطار صفوان وصفوان لسان هبوط عسكري شمال الحدود الكويتية ولا يبعد سوى ميلين عن مفترق الطرق الذي امرت الفيلق السابع بالاستيلاء عليه في الصباح الفائت.
بعد دقائق اتصل يوسوك ثانية ليست لدينا قوات هناك حدقت مليا على الموقع في الخارطة ان القاطع المحيط بمطار صفوان يحمل علامات تشير إلى ان فرقة المشاة الأولى تحتله كما أني تلقيت شخصيا تقارير تؤكد ذلك من برت مور حين جئت إلى غرفة الحرب ذلك الصباح "إذا لم تكن لدينا قوات في المطار نفسه فلابد ان لدينا وحدات قريبة منه صحيح انقل بعض القوات إلى المنطقة لا أكثر قال يوسوك انه سيفعل ذلك في هذه الاثناء اخطرت باول ان علينا تغيير مكان الاجتماع في قاعدة جالبة واننا نفكر في مكان آخر قريبا من صفوان لم يبق سوى 24 ساعة على الموعد المفترض لبدء محادثات وقف اطلاق النار.
استعدت في ذهني الحوار مع يوسوك فانتابني الضيق ان مطار صفوان هو مجرد شريط من الاسفلت في الصحراء ولكن القاطع عدا عن استخدامه كموقع للاجتماع حاسم بالنسبة إلى قدرتنا على سد منافذ هروب المعدات العراقية الثقيلة من الكويت واقتلاع اقبية خزن صواريخ سكون المتبقية وافترضت ان قواتنا قضت الوقت بعد وقف اطلاق النار لتفعل ذلك بالتحديد الا أنني لم أكن واثقا تماما من ذلك من جهة أخرى بدا لي ان ليس هناك ما يدعو إلى الخشية فقد تسلمت تقارير عديدة مفادها ان قواتنا موجودة في المنطقة وان تحريكا جزئيا للقوات سيصحح الوضع.
الا ان يوسوك عاد واتصل بي قبل طلوع الفجر بقليل ليؤكد اسوأ مخاوفي ليس لدينا احد في صفوان لا في المطار ولا في التل القريب الذي تختبئ فيه صواريخ سكوك حسب التقارير الواردة ناهيك عن وجود أية قوات على مفترق الطريق الذي أمرت الجيش أمرا صريحا وواضحا بالاستيلاء عليه وقال لي يوسوك ان هليكوبترات الحمر الكبار قد حلقت في الدوريات القتالية على طول الطريق العام وافادت ان لا وجود هناك لقوات العدو الا ان قوات هذه الوحدة لم تطأ ارض هذا القاطع نزلت على هذه الاخبار نزول لكلمة في الاحشاء فسألت ـ مطالب بتفسير "لماذا أذن بعثوا لنا تقارير تقول انهم احتلوا القاطع؟".
لا أعرف تلقينا نفس التقارير سيدي قال ذلك كمن لا حول له ولا قوة وأضاف يجب أن أدقق في الأمر مع الفيلق السابع.
طار صوابي كليا فصرخت به لقد امرتك انت ان ترسل الفيلق السابع إلى مفترق الطرق ذلك أريد ان اعرف بتقرير تحريري لماذا خرقت أوامري ولماذا جاءني تقرير بأن المهمة نفذت وهي لم تنفذ كنت أدرك احتمال وجود اسباب مشروعة حالت دون الاستيلاء على القاطع ولكن من غير المقبول قطعيا ان يجري ارسال تقارير انجاز خاطئة إلى مقر قيادتي الأسوأ من ذلك أنه قد مر يومان دون تصحيح هذا الوضع شعرت كمن انخدع بالكذب ان إحباطي وغضبي المتراكم على الفيلق السابع تجمع وانفجر دفعة واحدة فأمرت اريد أن يتم احتلال مطار صفوان وجبل صفوان واستكشافهما بدقة واريد أيضاً تدمير كل ما فيهما من معدات للعدو سأعتمد عليك لاقامة موقع للاجتماع مضمون امنيا، لا تدخل في اشتباك نار إذا كانت هناك قوة كبيرة للعدو فعليك الانكفاء هل تفهم أوامري؟.
"نعم سيدي".
هل تعتقد انك قادر على تنفيذ هذه المهمة؟
"نعم سيدي"
ولم أفوت الفرصة إذا لم تنفذ فاعلمني حتى ارسل فيلق مشاة البحرية إلى هناك.
فقال بايجاز محكم نستطيع تدبيرها.
هذا حسن ياجون احرص على تنفيذها بتعقل لا أريد المجازفة بالجنود لمجرد حماية مؤخرات ضباط فشلوا في اداء المهمة في المقام الاول كنت بذلك شديد القسوة مع يوسوك ولكنني كنت أعرف انه يتفهم السبب لقد كان جون قائدا عسكريا عظيما وقد عمل معي بصفة مساعد نائب رئيس الأركان لشؤون العمليات في البنتاجون وحين شعرت قيادة الجيش الثالث ثابرت لكي ينال ترقية ويتسلم هذا الموقع كنت اعرف انه على ما يكفي من المراس لكي يفصل انفعالاتي العاطفية عن نواياي وأوامري ويقوم بتنفيذ المهمة.
ذهبت إلى الفراش عدت إلى غرفة الحرب عند الظهر فوجدت والتر ومور بانتظاري وقال والتر لسنا فقط لا نملك صفوان بل ان وحدة عسكرية عراقية تحتل المطار ولدى العراقيين دبابات على مفترق الطريق الرئيسي ووجدت فكرة اتخاذ صفوان مكانا لمحادثات وقف اطلاق النار تتبدد فاذا كان العراقيون يسيطرون على المطار فهذا يعني اننا سنذهب إليهم لا أن يأتوا هم إلينا كما ان فكرة ان العدو ما يزال يسيطر على ذلك القاطع كانت لا تطاق من الوجهة العسكرية.
طلبت يوسوك في الحال على الخط قال لي ان فرقة المشاة الأولى من ـ الفيلق السابع قد وصلت إلى مفترق الطرق عن الصباح ولكنها وجدت 15 دبابة من دبابات الحرس الجمهوري مع قائد لواء فقلت بنبرة معتدلة يجب ان تستولي على مفترق الطرق ياجون.
هناك وقف اطلاق النار.
ليس هناك وقف اطلاق نار هناك وقف مؤقت للعمليات الهجومية حسب اشتراطاتنا أريدك ان تبلغ العراقيين بالانسحاب فإذا هجموا رد على النار في غضون ذلك جد لنا مكانا لعقد الاجتماع ابدا بفحص قاعدة جالية الجوية ثانية.
1 مارس (اذار) 1991 ـ الهجوم البري + 5 / الهجوم + 43
الساعة 1255 ـ مكالمة مع وزير الدفاع المصري ابو طالب الوزير شكر ق. ع على النصر العظيم واجاب ق. ع انه تحقق بأسرع مما توقعنا بالمرة وكان جهدا جماعيا طيبا لكل الأطراف المشاركة قامت قواتكم بعمل جيد انها الآن في مدينة الكويت وهذا جيد جدا سنحرص على ان تحقق سلاما وطيدا.
كان الوقت الآن الفجر في واشنطن تركت طلب مكالمة عاجلة مع باول فعاد ليتصل بنا على الفور من منزله فسأل ما الأمر؟
أوجزت له بسرعة المازق في صفوان وقلت الخلاصة انني أشك في ان تكون جاهزين لاجتماع الغد.
كان باول في مزاج رائق رغم ان الحديث يجري في الخامسة صباحا قال لا داعي لأن تقلق بصدد ذلك وبين لي ان بين العراق والولايات المتحدة والأمم المتحدة اتصالات عن طريق واحد وناد إلى موضوع صفوان وطلب ان اسرد عليه التسلسل الكامل للاحداث وبعد نقاش دام عشر دقائق صادق ـ على القرارات التي أعطيتها إلى يوسوك وعلى الخطة التي اقترحتها
اتصلت بيوسوك ثانية فابلغني مبتئسا "القائد العراقي يقول انه لن يغادر" طيب لقد بحثت هذه المسألة مع رئيس الأركان إليك ما ستفعله لديك فرقة المشاة الأولى بأسرها هناك ارسل قوة ساحقة طوق الرجل كليا واحرص على ان يرى بنفسه ذلك بعد ذلك قل له لا نحتمل وجود قوات عراقية على مقربة كبيرة من قواتنا فاما ان تترك المنطقة أو تأخذك اسيرا اننا نفعل ذلك حماية لقواتنا إذا قاتلت فسندمرك".
وسأل يوسوك وإذا لم يتحرك..؟.
"أننا نبلف لا أريدك ان تهاجم إذا رفض أخبرني وسنعود إلى لوحة الرسم ولكن ليس لديه سوى سرية دبابات واخراجه سهل بدون اطلاق طلقة.
1 مارس 1991 ـ الهجوم البري _ 5 / الهجوم + 43
الساعة 1407 ـ مكالمة مع السفير فريمان اطلع ق. ع السفير على آخر تطورات اجتماع وقف اطلاق النار لاحظ ق. ع أيضاً ان ولي العهد الأمير عبد الله حذر من ان العراقيين سيحاولون اغتيال ق. ع في الاجتماع ق. ع أكد أننا سنفتش الجميع قبل دخولهم منطقة المفاوضات.
الساعة 1540 مكالمة مع رئيس الاركان ق. ع ابلغ رئيس الاركان ان هناك عدة أطراف من التحالف يطالبون بالمشاركة في التوقيع على الوثيقة ق.ع أكد لهم أنه لن تكون هناك وثائق ق. ع ابلغ رئيس الأركان عن التهديد بالاغتيال واشعر إلى ان السلام أصعب بما لا يقاس من الحرب.
اشرفت على تحركنا في صفوان عن كثب بأمل وقوع حادث دولي واطلعت باول على التطورات أولا بأول في أواخر عصر ذلك اليوم قام قائد لواء من فرقة المشاة الأولى بتطويق مفترق الطرق بخمسين دبابة وبإجراء حاذق جلب معه ثلاث سرايا من الجنود في عربات برادلي المصفحة وأطلق هليكوبترات أباتشي لتغطي الأجواء عند هذا الحد توجه إلى القائد العراقي وأبلغه بشروطنا. ثم أشار إلى الدبابات وأضاف الجنود متلهفون للقتال وسرعان ما أمر القائد العراقي دباباته بالمغادرة.
ونقلنا أيضاً بعض القوات لتحتل المدرج الجوي وأوعزت إلى باجونيس تلك الليلة بأن يهيئ مكانا للاجتماع بعدها اتصلت بتوم رهام قائد فرقة المشاة الأولى الذي ستلتقي قواته مع الوفد العراقي عند مفترق الطرق لتصطحبه إلى مطار صفوان هنأته على احتلال صفوان دون اراقة قطرة من الدماء ثم وصفت له اجراءات وصول العراقيين أنني أحرص على أن يأتونا بحالة ذهنية ملائمة لذلك أريدك أن تموضع قدرا كبيراً من معدات القتال على طول الطريق المؤدي إلى المطار لا أريدك أن ترص المعدات فقط أن تضعها في وضع قتالي وأحرص على ان يكون ذلك ظاهرا للعيان اريد ان يرى العراقيون دبابات ومدرعات أمريكية جديدة وسليمة من الطراز الأول.
قال "حاضر سيدي نعرف بالضبط ما ينبغي عمله كنت أكاد أسمعه يكشر مبتسماً على الخط.
في هذه الأثناء كانت بغداد عاجزة عن الاتصال ببقايا جيشها في جيب البصرة لذلك ظلت منطقة القتال موضعا خطرا نظرا لأن بقايا الوحدات العراقية ظلت تحاول ان تمضي شمالاً وفي يوم السبت الثاني من مارس أي بعد يومين من الوقت المفترض لاطلاق النار جئت إلى غرفة الحرب لاكتشف اننا قد خضنا لتونا معركة كبيرة في وادي نهر الفرات اتضح ان كتيبتين من الحرس الجمهوري تعبتا من الانتظار لعبور جسر غائم في البصرة في الليلة السابقة وقررنا التوجه إلى الطريق رقم (8) وواجهت هاتان الكتيبتان مرتين عربات برادلي التي تقوم بالاستطلاع للفرقة الآلية (24) وقد قامت الكتيبتان باطلاع قذائف مضادة للدبابات في كلتا المرتين وعند الفجر اصطدمت الكتيبتان بموقع اعتراضي أمريكي ففتحنا النار من جديد رد ما كفري بهجوم مضاد شامل بالدبابات والهليكوبترات فدمر الارتال العراقية واخذ ثلاثة آلاف اسير دون ان تقع اصابة واحدة في صفوفه لم تكن تلك بالاخبار السيئة بالنسبة لي ـ فقد أبدى الحرس الجمهوري غطرسة متميزة في التعامل مع ما بدأ له انه قوة أمريكية هزيلة ولذلك قرر دعنا نفنيهم ـ دون ان يرتاب في وجوده فرقة أمريكية كاملة في الطريق وسررت لأن بيان الرئيس حول وقف اطلاق النار احتفظ لقواتنا بحق الرد إذا ما هوجمت مع ذلك فان هذا الحادث ابرز ضرورة التعجيل بوضع شروط وقف اطلاق النار التي من شأنها ان تفصل فصلا واضحاً بين الطرفين.
تقرر ان يصل الوفد العراقي إلى صفوان عند الساعة 11 من صباح الأحد ويتألف ممثلوهم الأساسيون من أثنين من الجنرالات من حملة الثلاث نجوم، لم أسمع بهما من قبل وهما الليوتاننت جنرال سلطان هاشم أحمد نائب رئيس الأركان في وزارة الدفاع والليوتاننت جنرال صلاح عبود محمود قائد الفيلق الثالث المهشم الآن اما عن جانبنا فهناك خالد وانا اضافة إلى مراقبين من عدد من بلدان التحالف التي اشتركت في الحرب واقتصر جدول العمل على القضايا العسكرية الا ان الاجتماع اكتسب اهمية رمزية قصوى فهذه أول مرة يجلس فيها الطرفان وجها لوجه على مائدة التفاوض.
قبل يومين من ذلك كان باول قد طلب مني أن أضع مسودة الشروط العسكرية التي يتوجب على العراق الالتزام بها كي يترسخ اطلاق النار بصورة دائمة وقد ارسلت هذه الشروط إلى بغداد في مجرى التهيئة للاجتماع وقضيت ساعة ازرع الأرض الاجرية لغرفة الحرب وانا أملي ما يسمى الشروط المرجعية الشرط الأول الاطلاق الفوري لكل أسرى التحالف اضافة إلى تبادل معلومات كاملة عن الجنود المفقودين في القتال واعادة جثمان القتلى منهم ورغم ان عدد جنودنا في هذا الباب قليل جدا فقد كان من الضروري العناية بكل واحد منهم ذلك انني كنت أحرص كله على عدم تكرار فجيعة أسرى الحرب والمفقودين في حرب فيتنام.
بعد ذلك حددت الاجراءات الضرورية لجعل منطقة القتال آمنة فمثلا يتوجب على الطرفين ان يخبرونا اين زرعوا الألغام والفخاخ المتفجرة في الكويت آخر ما نريده هو ان يتعثر جنودنا مصادفة في أحد هذه المواقع غير دارين بما فيه.
وهناك أمر آخر على قدر مماثل من الأهمية وهو أن نرسم خطا فاصلا وان نفصل ماديا بين الجيشين لنمنع الجنود الشغوفين بالضغط على الزناد من اشعال حوادث أخرى على غرار معركة وادي نهر الفرات كان كاتب الاختزال رئيس ضباط الصف ريك ريجر، قد دون ذلك كله بصبر وأرسلنا نسخة منه مضروبة على الآلة الكاتبة بأربع صفحات إلى باول عن طريق الفاكس علق على مسودة ـ المشروع بالقول يبدو هذا قريب جدا مما نريد سأحيله إلى المراجع العليا".
لم نتلق بعد أية تعليمات تحريرية من واشنطن ولم أنصرم مساء السبت اطلقت فرحة مفادها ان من المسلم ان نرى من سيأتي قبل الآخر التخويل بإجراء المحادثات أم المحادثات ذاتها ومما يدخل في صلب الموضوع ان الشروط ـ المرجعية بدت وكأنها اختفت بلا أثر يذكر فكنت كلما سنحت فرصة الحديث مع باول أسأله" هل الوثيقة ماشية ؟ هل هناك شيء آخر تودون ان تعطيه لكم؟
فيجب أنها موضع تنسيق واتضح ان وزارة الدفاع ووزارة الخارجية والبيت الأبيض ويريدون مراجعة المسودة وان مختلف أجهزتهم البيروقراطية تجد مشقة في العمل بوتيرة متساوقة مع سرعة الأحداث.
فيما نحن ننتظر رحت اتشاور مع خالد قال من دواعي سرور حكومته ان أقود المباحثات كلها باستثناء بعض القضايا العربية التي يود أن يتولى أثارتها شخصيا ويقف في مقدمة قضاياه مصير المعتقلين المدنيين فقد احتجز الجيش العراقي في أثناء انسحابه نحو ثلاثة آلاف شاب كويتي بمثابة رهائن، ويريد السعوديون إدراجهم ضمن بند اطلاق أسرى الحرب كما كان خالد يزمع الاصرار على أن يؤكد العراق رسميا احترامه لسيادة المملكة العربية السعودية يجب أن يتعهدوا الا يعبر أفراد قواتهم المسلحة أبدا حدود المملكة.
2 مارس 1991 ـ الهجوم البري + 6 / الهجوم + 44
الساعة 1510 بمكالمة مع رئيس الأركان ق. ع ابلغ رئيس الأركان اننا تلقينا مؤخرا تقريرا من وكالة المخابرات المركزية ينص على ان الوكالة تتفق مع تقديرنا لعدد الدبابات المدمرة في الهجوم ق. ع أخير رئيس الأركان ان الجنرال لابد والكولونيل توماس أخذا التقرير وعلقاه مؤطرا باطار.
لو اقتضى الأمر لذهبت إلى صفوان وانهيت المسألة على جناح السرعة فاولا ان المحادثات ستقتصر على المسائل العسكرية وكنت أعرف ما ينبغي عمله في هذا الشأن وثانيا ان معسكرنا انتصر لذلك فنحن في موقع من يملي الشروط مع ذلك كنت سأشعر براحة أكبر لو أني دخلت خيمة الاجتماع حاملا تفويضا كاملا بالحديث باسم الولايات المتحدة وإذا كان عليّ ان اتشدد فإنني سأكون مقنعا في تشددي لو استطعت ان اقول مثلا "ان الولايات المتحدة تصر على ذلك بدلا من القول "ان شوارتزكوف يصر على ذلك". وفي وقت متأخر من مساء السبت اتصل باول أخيرا ليؤكد ان الشروط المرجعية قد تمت المصادقة عليها وارسلت إلى بغداد عن طريق موسكو وقبلت وزارة الخارجية مسودتنا مع تعديل واحد حيثما ترد عبارة الحاضرون عن التحالف سوف يفاوضون... "التي صغتها ووضعت وزارة الخارجية بدلا عنها عبارة "الحاضرون عن التحالف يبحثون..." وكان موقف وزارة الخارجية ينطلق من أنها هي وحدها المخولة بالتفاوض عن الولايات المتحدة الأمريكية أما المعسكر فلا.
3 مارس 1991 ـ الهجوم البري + 7 / الهجوم + 45 الساعة 700
تلقى ق. ع تقارير الاطلاع على آخر التطورات من ضباط المقر قبل مغادرته إلى صفوان اشارت التقارير إلى أن واشنطن أبلغت خلال الليل ان العراقيين وافقوا على حضور الاجتماع وان هناك نقاشات واسعة بين الرسميين في العاصمة حول ملاءمة مستوى التمثيل وافقت واشنطن اخيرا على أنه إذا ترأس الليوتاننت جنرال أحمد الوفد العراقي وكان مزودا بصلاحيات كافية من بغداد فذلك مقبول.
صعدت على متن طائرتي في وقت مبكر من صباح اليوم التالي لأقطع المرحلة الأولى من المرحلة إلى صفوان مصحوبا بمشيل روكويجيوفر القائد الفرنسي ونصف دزينة من ضباط المقر لم يتحدث أحد كثيرا كنت أريد للاجتماع ان يكون بحثا عسكريا مباشراً بدون صيحات ظفر ولأنفخ اوداج ولامهانة للعراقيين ولكني لم أكن أريد بالقدر نفسه ان يعتقدوا اننا قد غفرنا ونسينا وقد قلت لخالد في الليلة الفائتة " رجاء" لا داعي للممارسة شغلات الاشقاء العرب لدى مجيء العراقيين لا عناق ولا بوس خدود.
القى عليّ خالد نظرة متوجسة "بل أنني لن أصافحهم".
جيد، لأني لا أنوي ذلك أيضاً".
ولما بدأ الطائرة تنزل بالتدريج إلى مدينة الكويت استذكرت نقاط البحث ثانية في ذهني كل شيء بدا في مكانة مع ذلك شعرت بالضيق من أمر ولم استطع ان اتبين ما هو ـ هل هناك من تناقض فاتني؟ ثغرة ما قد يستثمرها العراقيون؟.
كانت الطائرة تحلق وسط صباح باهر تنيره أشعة الشمس وسماء زرقاء تحيط بنا على مد البصر مع ذلك لا تجد اسفل الطائرة سوى ظلام كل غريب وأدركت بغتة ان ذلك هو الدخان المنبعث من حقول النفط المشتعلة الذي سمعت عنه في تقارير المعارك.
بدأ النزول بالطائرة اولا عبر غيوم خفيفة بنية اللون بعد ذلك صار الهواء خارج النوافذ اسود داكناً نظرت إلى روكويجيوفر، وحدق في بعينين جاحظتين من الصدمة ولما انخفضت الطائرة لأدنى مستوى رأيت كرات هائلة من اللهب وسط هذا السواد ومرت في خاطري هذه الفكرة لا بد ان الجحيم يبدو هكذا لم يكن للضيق الذي ينتابني أية علاقة بالاجتماع.
حطت الطائرة على المدرج جرى سحبها ثم توقفت كانت الساعة التاسعة والنصف صباحا الا أن المشهد في الخارج يبدو مثل الغسق في الشتاء فالسيارات تمضي وأنوارها مشتعلة فهناك حقول نفط تحيط بالمطار ولما خرجت من الطائرة حملقت بدهشة إلى الآبار الملتهبة تغطي الأفق كله.
عند حافة أرضية الهبوط في المطار كان فريدي فرانكس بانتظاري مع بعض اركانه وبما أن صفوان تقع الآن ضمن دائرة الفيلق السابع فقد اختار ان يرافقني لبقية الطريق وكانت طيارته الهليكوبتر من طراز بلاك هوك المزودة بموقع قيادة طائرة تقف هناك على أهبة الاستعداد.
ولما تبادلنا التحية العسكرية ابدا لي متوترا اظن انه كان يتساءل ان كنت سأثير موضوع الاستيلاء على صفوان فهناك على طاولة مكتبي في الرياض تقرير من خمس صفحات يحمل التفسير الذي قدم هو إلى يوسوك خلاصة التفسير هو الزعم بأن الفيلق السابع استولى على مفترق الطريق بواسطة الهليكوبترات من الجو وعن التقرير الخاطئ الذي قال بأن الفيلق السابع احتل الشارع جسديا إلى سوء تفاهم ورغم ان حجته مغررة فكل ضباط يعرف انه لا يستطيع ان يحتل هدفا بمجرد التحليق فوقه فقد استخلصت منها أن لا أحد عصى أوأمري عن عمد ولا خدعني عن قصد زد على هذا ان صفوان الآن بأيدينا ولم يصب احد بأذى جراء أخذها وبعد ان اطلعت باول على التفاصيل بدقة قلت له أنني قررت التغاضي عنها.
انني كنت شديد القسوة في نقدي لبطء تقدم الفيلق السابع خلال المعركة البرية ان من السهل ان يغير المرء رأيه في عزلة الحرب التي تقع في سرداب عميق لا تواجه فيه المهمة الهائلة لتحريك قوات ضخمة في أرض غريبة وفي طقس سيئ ضد عدو مجهول كنت أعرف انه ليست هناك طريقة واحدة صحيحة فقط لخوض المعركة كان فرانكس قائدا جيدا دأب على تنفيذ المهام الموكلة إليه كما يراها وهو شأنه شأني واجه تحدي إنجاز تلك المهمة بتوفير أكبر قدر ممكن من حياة الجنود ومن الأرجح اننا لن نعرف على وجه الدقة ان كان الهجوم على الحرس الجمهوري قبل يوم أو يومين سيغير من النتيجة كثيرا وما أعرفه بالضبط اننا أنزلنا هزيمة ساحقة بقوات صدام حسين وانجزنا كل هدف من أهدافنا العسكرية وهذا القدر من حسن الاداء يكفيني.
انطلقنا بالهليكوبتر وحلقنا شمالا على الشارع المسمى "طريق الموت" وبدأت ادرك مدى شناعة الهزيمة التي ألحقناها بالجيش العراقي فبوسع المرء أينما جال ببصره ان يرى حطاما محروقاً من العربات المدنية والعسكرية التي استخدمها العراقيون في سعيهم إلى الفرار نجاة بغنائمهم المسروقة من مدينة الكويت وبدا جزء من عقلي يستذكر اسماء مختلف قطع المعدات السوفياتية التي تعلمت تشخيصها قبل سنوات عديدة دبابات ت ـ 52 دبابات ت ـ 62 ناقلات المدرعة وناقلات المدرعة وما إلى ذلك كانت جميعا هناك على الأرض محض حطام.
لما قطعنا عشرة أميال شمال مدينة الكويت أنجلى الدخان وبانت السماء زرقاء صافية إلا أن حقول النفط المشتعلة ظلت تلوح للنظر في الأفق بغتة استبد بي الغضب تلك كانت كارثة بينية أنزلها العراقيون عن عمد لا ـ بالكويت وحده بل بعموم المنطقة وهذا الدخل سينتقل في النهاية ليجوب العالم بأسره لقد تركت الرياض وكلي عزم على إجراء محادثات وقف اطلاق نار بأسلوب هادئ متوازن ومهني ولكن لما جلسنا إلى مائدة المفاوضات في صفوان كنت في سعار من الغيظ.
رصفنا الهليكوبتر في نهاية المدرج حيث قابلني توم بروكاو مجموعة من الصحافيين الآخرين وأنا انزل من الطائرة وسألني بروكاو شيئا من قبيل جنرال شوارتزكوف ما الذي تعتزم التفاوض عليه مع العراقيين.
أجبت هذه ليست مفاوضات لا عزم أن أعطيهم أي شيء وأنا هنا لأقول لهم بالضبط ما نريدهم أن يفعلوه.
ورافقني كل من باجونيس الذي كان مسؤولا عن إقامة موقع التفاوض والبريجاديز جنرال بيلي كارتر الذي كان مسؤولا عن الأمن ليطلعاني على المكان يقع المطار في وعاء طبيعي تحفه التلال الرملية من كل الجوانب وأحصيت في هذه التلال لا أقل من (40) من عربات برادلي المقاتلة ومدافعها مشرع باتجاهنا لقد نفذت فرقة المشاة الأولى أوامري بدقة وسألت كارتر كم عدد المعدات هناك"؟
"لدينا مواقع تمتد على طول الدرب وجوعا إلى مفترق الطرق.
كنا قد أعطينا توجيهات بأن على العراقيين ان يأتوا من البصرة إلى مفترق الطرق في عربات ترفع الاعلام البيضاء وهناك تستقبلهم قواتنا وتأخذهم في عجلات يقودها جنود أمريكان لتنقلهم مباشرة إلى المطار وإذا ما وصل العراقيون إلى منطقة الاجتماع فإنهم سيمرون من أمام عشرات طائرات الهليكوبتر من طراز اباتشي المرصوفة على كلا جانبي المدرج ولمسافة 200 ياردة وهي مزودة بمدافع عيار 30 ملم وصواريخ هيل فاير المضادة للدبابات.
 
الفصل السادس عشر
كالعادة اقترح باجونيس معجزة جديدة في موقع الاجتماع فقبل يومين لا غير لم يكن مطار صفوان غير لسان من الاسفلت الخالي اما الآن فهناك منطقة هبوط هليكوبترات وباقة رائعة التنظيم من خيم الجنفاص ووحدة لتفتيش مراقبي التحالف والمترجمين لدى وصولهم وأخرى لايوائهم اثناء انتظارهم للاجتماع وثالثة حافلة بمعدات الاتصالات لتقوم مقام مقر قيادة لي بل كانت هناك أيضاً نقطة تجميع للصحافيين ومنصة خارجية يحفها العلمان الأمريكي والسعودي لعقد مؤتمر صحافي بعد الاجتماع أخيرا هناك في وسط الموقع خيمة الاجتماع نفسها، وهي خيمة بارتفاع 12 قدما ذات لون زيتوني غامق.
رافقني كارتر إلى الداخل لقد عمل هو وباجونيس على تنظيم كل شيء في مكانه الصحيح بالضبط فهناك طاولة خشبية بسيطة مستطيلة الشكل في الوسط مع ثلاثة كراسي على جهتنا وهي مخصصة لخالد ولي وللمترجم وثلاثة كراسي على الجانب العراقي للجنرال أحمد والجنرال محمود مترجمهما وهناك صف إضافي من الكراسي وراء هذه الأماكن لاعضاء الوفد العراقي ومنطقة جلوس وراء كراسينا للمراقبين من التحالف ولمترجميهم. لقد اختار باجونيس الطاولة بنفسه وأفضح لنا عن عزمه بعد انتهاء المحادثات على التبرع بها لمعهد سميشونيان في حالة ما إذا خطر لهم ان يمثلوا مشهد مفاوضات صفوان.
كانت الساعة الحادية عشرة بالضبط ق. ظ صخبت أجهزة اللاسلكي العراقيون عند مفترق الطرق فجأة تلفت حولي "اين خالد؟ سألت.
قال أحدهم "انه في طائرته الهليكوبتر في آخر المطار".
"ماذا!" التفت إلى باجونيس أخبره أنه إذا لم يأت في الحال فسنضطر لتأخير العراقيين.
"سأناديه سيدي 27 وتوجه باجونيس نحو الطرف الآخر من المطار في اللحظة التي شاهدنا فيها طائرة هليكوبتر كبيرة بيضاء اللون تحمل تاجا على جانبها تجرها سيارة قطر طائرات نحونا لقد أعار الملك خالد الهليكوبتر الملكية توقفت عند منطقة الخيمة فيما كان خالد يطل من الباب ماسحا بنظره المشهد وهو يرتدي خوذة كيفار القتالية ويضع نظارة شمسية كبيرة الحجم اسرعت إليه لنعجل فقد أوشكوا على الوصول.
بلغنا خيمة التفتيش قبل ثوان من مجيء العراقيين قادمين كانت القافلة المرافقة تسرع على ارض المطار دبابتان من طراز م 1 أي 1، عربتان مقاتلتان من طراز برادلي وثماني عجلات يسوق كل واحدة منهم جندي أمريكي يصاحبه عراقي في المقعد المجاور وتحلق في مؤخرة الموكب طائرتا هليكوبتر من طراز اباتشي على ارتفاع 10 أقدم على الأرض لا غير.
وقفت عند مدخل خيمة التفتيش وراقبت العراقيين قادمين إلينا كنت ارتدي بدلة القتال المموهة وقبعة ميدان اما هوفكنوا يرتدون البدلة الرسمية خضراء اللون ويعتمرون البيربهات السوداء كان الجنرال أحمد قائد الوفد رجلا قصيرا قوي البنية ممتلئ الجسد وله شارب كث من طراز شارب صدام وعرفته من النظرة الأولى ـ فقد سبق أن رأيته في منصة العرض العسكري بمناسبة العيد الوطني للامارات المتحدة قبل أكثر من عام فهو احد العراقيين الذين تصرفوا معنا بازدراء أما الآن فقد كان يكبت توترا بليغا.
التفت إلى مترجم القيادة المركزية الواقف إلى جانبي وقلت أريدك ان تترجم ما أقول أومأ بالايجاب ان الإجراء هو ان ندخل هذه الخيمة حيث سيجري تفتيش الجميع قبل ان ندخل مكان الاجتماع".
بعد برهة قال أحمد: "لا حاجة للتفتيش فقد تركنا اسلحتنا في سياراتنا قل لجنرال اننا لسنا في مفاوضات كل من يدخل في الخيمة سوف يفتش أرفض ان أخضع للتفتيش ما لم يجر تفتيش المشاركين الرئيسيين من الجانب الأمريكي أيضاً".
أنا المشارك الرئيسي من الجانب الأمريكي.
تراجع خطوة إلى الوراء مجيلا النظر في عاليا سافلا وهو غير مصدق: "من أنت؟".
"أنا الجنرال شوارتزكوف".
فقال يجفاف "طيب دخلنا الخيمة ووقف وراح افراد البوليس الحربي يفتشونني؟ تفتيشا دقيقا وكانوا قد جمعوا اصلا طاولة كاملة مليئة بالأسلحة من مراقبي التحالف بعد ذلك خضع أحمد للتفتيش اثناء تفتيشه لاحظت بعض مرؤوسيه يكتمون ضحكتهم على هذا المشهد ويتمسخرون عليه في ما بينهم وفكرت مبتئسا اننا لم نبدأ بداية حسنة.
دخلنا خيمة الاجتماع وارشدت العراقيين إلى مكان جلوسهم وسمحنا للصحافة ان تبقى لحظات وجيزة لالتقاط صورة فوتوغرافية لنا ونحن نواجه بعضنا على الطاولة رسم أحمد ابتسامة صغيرة راعشة لعلة فكر ان هذه بداية محاكمة استعراضية امام الجمهور الا أننا أخرجنا المصورين والمراسلين قبل بدء الاجتماع.
افتتحت الاجتماع بتذكير العراقيين ان غرضنا هو طرح الشروط العسكرية لوقف اطلاق النار وأبلغتهم أننا سنسجل الحديث بحيث يحتفظ كل طرف بسجل ثابت أصغى أحمد إلى كلماتي المترجمة هازا رأسه مشيرا إلى انه مستعد لتناول كل نقطة مثارة في الشروط المرجعية.
وتوقعت ان يقوم العراقيون ابتداء من هذه النقطة بتسجيل الملاحظات فقد اعتقدنا ان أية اتفاقية لن تتم الا بعد أن تسنح لهم فرصة التشاور مع صدام قلت "أن أول شيء نود ان نبحثه هو موضوع أسرى الحرب" وطرح طلبي الأولى السماح للصليب الأحمر بحرية زيارة أسرى الحرب الذين يحتجزهم العراق فقال أحدهم في الحال سيتم ذلك. كررت صدى كلماته مدهوشا سيتم ذلك؟ "نعم" هذا حسن واضفت اننا بعد هذا نريد ان نبحث مسألة اطلاق سراح أسرى الحرب فأكد على الفور نحن مستعدون لإعادة جميع أسرى الحرب في الحال بأية طريقة مناسبة للصليب الأحمر".
من الواضح ان أحمد قد أعطى صلاحية الموافقة الفورية ومضيت في عملي متدرجا حتى أسفل قائمة الشروط تحديد الافراد المفقودين من التحالف إعادة بقايا جثمانهم الكشف عن حقول الألغام ومخابئ الأسلحة غير التقليدية في الكويت وما إلى ذلك وافق العراقيون على هذه الشروط كلها.
الجدل الوحيد نشب لما سأل خالد أحمد عن آلاف المدنيين الكويتيين الذين قيدوا خلافا لارادتهم فنحن نريد اعتبارهم أسرى حرب ونطالب بإعادتهم انكفأ احمد بقوة اختطاف أي إنسان واصر قائلا منذ بداية الحرب بدأ العديد من الكويتيين المنحدرين من أصل عراقي الذهاب إلى العراق.
أجاب خالد "لدينا أسماء الكويتيين الذين أقتيدوا عنوة وظل خالط يضغط حتى رد أحمد باستياء" لم نأخذ أي إنسان ضد إرادته ولكن إذا ـ كانت هناك حالة مثل هذه فسنعامله كأسير حرب".
اجاب خالد "إذن يجب ان نعرف كل الكويتيين المقيمين في العراق لم يعترف أحمد قط بوجود معتقلين مدنيين ورسينا على توكيده بأن كل من جاء إلى العراق منذ غزو الكويت يتمتع التوجه إلى الصليب الأحمر ومغادرة العراق إذا شاء.
أخيرا أثرت قضية وضع خط فاصل لوقف إطلاق النار بدأت القول" وقع حادث مؤسف أمس دفع جودنا إلى الدخول في معركة إضافية لم تكن بحاجة إليها "اندفع احمد في سورة غضب فطالب بمعرفة السبب الذي حدا بنا إلى تدمير الرتل العراقي الدرع وأدى نهر الفرات وأدعى لقد ضربتم أناسا ينسحبون".
طيب لسوء الحظ هم الذين بدأوا الضرب اعترض أحمد على قولي هذا فقاطعته معارضا هذا أمر قد نظل نتجادل فيه حتى غروب الشمس دون ان نتوصل إلى اتفاق في الرأي المهم ان نضمن عدم تكرار ذلك ثانية.
كنت أعرف ما يجول في ذهن أحمد، لقد تلقى أمرا بعدم التنازل عن أية بقعة أرض عراقية في حين ان خطوط وقف اطلاق النار التي نقترحها تقع في العمق العراقي توتر الجو ولما قلت اننا اعددنا خارطة قاطعني قائلا لقد اتفقنا ان هذا الخط ليس دائماً؟".
فأكدت له مطمئنا انه ليس خطا دائماً على الاطلاق".
"ولا علاقة له بالحدود؟".
"إنه إجراء لضمان السلامة لا غير فليست لدينا أية نية لا نبقي قواتنا في الأراضي العراقية بصورة دائمة ما ان يتم التوقيع على وقف اطلاق النار.
إلا أن أحمد لم ينه كلامه فقد كان يريد ان يعرف لماذا أدخل التحالف القوات البرية في بلاده قبل كل شيء بعد ان انسحبنا من الكويت وأعلنا ذلك من التليفزيون والراديو".
وكنت عازما على عدم الغوص في متاهات جانبية فقلت من جديد هذا يمكن لنا الجنرال وانا ان نناقشه على مدى ساعات وأرى ان نترك ذلك للتأريخ.
رد علي بالقول "لقد ذكرت ذلك من أجل التأريخ وان الصمت لوهلة أخيرا بدا مستعدا لمواصلة النقاش وقال بصدد التدابير الخاصة بالحيلولة دون حصول اشتباك بين قوات الطرفين" سنتعاون في هذه المسألة.
والآن بعد ان غطينا النقاط الرئيسية التي يريدها التحالف بحثنا مسألة ان ترفع العربات في منطقة اطلاق النار اعلاما برتقالية اللون لتعرف عن نواياها السلمية ثم سألته هي هناك مسائل أخرى يود بحثها.
قال لدينا نقطة واحدة انتم تعرفون وضع طرقنا وجسورنا ووسائل اتصالاتنا أو ما تم بالايجاب متذكرا الأضرار الهائلة التي أنزلها القصف "نود ان نرسل الهليكوبترات لنقل المسؤولين الحكوميين في المناطق التي دمرت ـ فيها الطرق والجسور لا علاقة لهذا الأمر بخط الجبهة فهو محصور داخل العراق" بدا لي ذلك طلبا مشروعا وبما ان العراقيين قبلوا كل طلباتنا فلم ار في الموافقة على مطلب واحد من مطالبهم أمرا خارج عن العقول طالما كانت الطائرات لا تحلق فوق الجزء الذي توجه فيه فلا أرى أي مانع من ذلك أذن ان نستدع الهليكوبترات تحلق هذه نقطة هامش جدا واحرص على ان تسجل وهو أن باستطاعة الهليكوبترات العراقية التحليق هذا يشمل المقاتلات ولا القاذفات.
بعد ذلك قال أحمد شيئا كان ينبغي ان يستوقفني "اذن أنت تعني انه حتى الهليكوبترات المسلحة تستطيع التحليق في الأجواء العراقية وليس المقاتلات لأن الهليكوبترات واحدة وهي تنقل شخصا ما ".
نعم سأوعز إلى القوة الجوية بعدم اسقاط أي هليكوبتر تحلق فوق الأرض العراقية حيث لا توجد لنا قوات في الأسابيع التالية اكتشفنا ما كان يضمره استخدام الهليكوبترات القتالية لقمع الانتفاضات في البصرة والمدن الأخرى في ذلك الوقت كان الامر متروكا للبيت الأبيض كي يقرر إلى أي حد ترغب الولايات المتحدة في التدخل في الشؤون السياسية الداخلية للعراق ولكن إذا حكمنا على الأمور استنادا إلى تقارير الاستخبارات التي تلقتها القيادة المركزية فإن إسقاط الهليكوبترات العراقية لم يكن ليغير من الأمور كثيرا فدبابات ومدفعية 24 فرقة عراقية لم تدخل منطقة الحرب الكويتية كان لها الأثر المدمر على الثائرين.
بعد ذلك جاءت لحظة واحدة أفلت فيها أحمد زمام لعاطفة قدم احصاء بأسرى التحالف لدى العراق قال لدينا مجموعة بها 41 أسيرا سجلت ملاحظات وقرأت:
17 أمريكيا
2 من إيطاليا
12 بريطانيا
1 من الكويت
9 سعوديين
ترك ذلك عدد الجنود الذي لم يرد جوا في حساب الأسرى واخرجت على الفور قائمة المفقودين الا أنه استوقفني نريد الحصول على عدد أسرانا بالمثل".
أجبت حتى ليلة أمس 60 ألفا لأن من الصعب احصاءهم بالكامل سحب وجهه شخوبا تاما لم يكن لديه أدنى تصور عن حجم الهزيمة التي حاقت بهم.
ولما انفض الاجتماع كان علينا ان ننتظر بضع دقائق ريثما يتدقق الكولونيل بيل مجموعة كاملة من أشرطة التسجيل تعطي لكل طرف اعطتنا للعراقيين مجموعة أشرطتهم ورافقناهم إلى الخارج كان الموكب بالانتظار رافقت احمد إلى العجلة الأولى ورافق خالد محمودا إلى العجلة الثانية وكان رجال الصحافة منتشرين في ارجاء المكان يلتقطون الصور إلا أنني لم أكن أبدي أي انتباه لهم كنت أركز على السبيل لإخراجهم من المكان لقد انجزنا ما جئنا لانجازه والأفضل ان يغادر الوفد بسرعة سالما على الطريقة خارج نطاق سيطرتنا.
لما وصل أحمد إلى العجلة استدار استعد وأدى التحية العسكرية أديت له التحية بالمثل مد يده صفاحته متمنيا له سفرة سالمة نظر إلي وأجاب كعربي لا أحمل أي كراهية في قلبي وركب العجلة وانطلق الموكب مثيرا غيمة من الغبار، ترافقه من جديد دبابات م 1 / 1 وعربات برادلي وهليكوبترات أباتشي.
عقدنا خالد وانا مؤتمراً صحافيا وجيزا ثم عدنا إلى منطقة الاجتماع حيث تبادلنا التهاني مع جنرالات التحالف أما الميجور جنرال ماريو اربينو الايطالي، فقد طار من الفرح لدى سماعه ان طياريه المفقودين مايزالان على قيد الحياة وكان الجنرال جابر الذي حياني قبل الاجتماع وأخذني بالاحضان مسرورا لمعرفته بأن الطيار الكويتي المفقود سليم وأبدى بيتر دي لابيليير مشاعر متضاربة الغبطة لسماع أخبار الأسرى البريطانيين الأثنى عشر، والحزن لان المزيد من ابناء جلدته المفقودين لم يظهروا في قائمة الأسرى وتنفسنا جميعا الصعداء لان الاجتماع سار سيرا حسنا الا أننا لم نكن لنشعر بالرضى التام حتى يؤوب الأسرى بسلام ونعرف مصائر المفقودين اتصلت بباول وأعطيته صورة كاملة عما جرى وأثنيت على التحضيرات الرائعة التي قام بها باجونيس وكارتر ثم ذهبت لاشكر الجنود، واصافح أيديهم وأوقع اوتوجرافات أو أقف معهم لالتقاط صور تذكارية فبعد كل شيء هؤلاء هم الرجال الذين حققوا وصولنا إلى هذا المكان.
أخيراً ركبنا فرانك وانا على متن طائرة البلاك هوك.
قلت له "قام الرجال بعمل رائع في تحضير ذلك كله.
شكرني متوهجا بالسرور.
ولما حلقنا عائدين فوق مشهد الدمار ذلك راح فرانكس يتحدث عن مستودعات الذخيرة الضخمة التي عثر عليها جنوده في جنوب العراق واشار إلى أن وحداته قد تستغرق أسابيع لتنفيذ الأمر الذي أعطيته بنسف كل ذخائر العدو.
والححت قائلا أما أن ننسف الذخائر أو ننقلها كغنائم إذا تركناها وراءنا فسيستعملونها ثانية أردت أن يدرك ان هذه المهمة لم تنفذ بعد كما أشرت أيضاً إلى أن مسؤولية مطار مدينة الكويت تقع على كاهله وقد يصبح نقطة لتبادل أسرى الحرب أومأ برأسه موافقاً.
حال وصولنا مدينة الكويت ركبت طائرتي على عجل وأقلعت إلى الرياض كنت أعرف ان مقر قيادتي في الرياض كان على وشك ان يتحول إلى مفرمة لحم إدارية إذ يتوجب علينا البدء بتحريك القوات والمعدات كي تعود إلى الوطن وهي مهمة مفرحة الا أنها عملاقة ومعقدة ويتوجب أيضاً ان نعيد مدينة الكويت إلى الحياة وهذا يعني اصلاح وتشغيل شبكة المياه وشبكة الطاقة الكهربائية والتليفونات ومساعدة الشرطة في حفظ النظام والبحث عن الفخاخ الملغمة وإزالة الغام الشاطئ وإعادة فتح الميناء والف مهمة أخرى مماثلة وريثما تصادق الأمم المتحدة على اتفاقية وقف اطلاق النار التي تسمح لنا بانهاء احتلالنا فان علينا ان نقوم بمهام حكومية للجزء الجنوبي من العراق حفظ النظام تقديم الخدمات الضرورية. ورعاية آلاف اللاجئين الهاربين من الانتفاضات في الشمال أخيرا يتوجب علينا مساعدة الصليب الأحمر في تسلم ما سيتضح أنه 80 الف أسير عراقي وإخراجهم من السعودية بأسرع ما يمكن.
ولكن بوسع كل هذه الأمور ان تنتظر ريثما تحط الطائرة ولأول مرة غمرني احساس لا بالنصر ولا بالمجد بل بانزياح هم نظرت إلى السماء الكويتية فوجدتها ما تزال معتمة بلطخة الحرب وإلى السماء السعودية النظيفة قدامي وقلت لنفسي المرة تلو المرة لقد انتهى ذلك حقاً.
16 مارس 1991 ـ الهجوم البري + 20 / الهجوم + 58
الساعة 830 ـ مناقشات مع وفر الكونجرس بقيادة عضو الكونجرس فورد من بين ذلك قضية النساء في السلك العسكري كيف اداؤهن ؟ ق. ع " قال عظيم.
الساعة 1100 ـ غادر ق. ع مبنى وزارة الدفاع لزيارة مزرعة خالد وهي مزرعة مائية صحراوية حيث قضى النهار.
17 مارس 1991 ـ الهجوم البري + 21 / الهجوم + 59
الساعة 1725 ـ مكالمة مع رئيس الأركان ق. ع راجع أقوال آخر وفد من الكونجرس ملاحظا ان الشيوخ الذين صوتوا ضد الحرب أخذوا نصف الوقت ليبينوا للقائد العام أسباب تصويتهم.
انتظرت شهرا ونصف الشهر قبل ان اطلب الأذن بالعودة إلى الوطن في هذه الاثناء كانت حكومة الكويت قد عادت تماما وعملية التنظيف قد قطعت شوطا كبيرا، رغم ان الخبراء قدروا ان الأمر قد يتطلب عدة أشهر قبل أن يتم إطفاء كل حرائق حقول النفط لقد استرجعنا أسرانا وأعدنا آلاف العراقيين وقدمنا العون للسعوديين في إقامة معسكر ضخم لرعاية اللاجئين المدنيين العراقيين أخيرا دبرنا رجوع أكثر من نصف القوات إلى الوطن ولما اتصلت بباولا لاقول له ان الآوان قد حان لارجاع مقر قيادة القيادة المركزية إلى الولايات المتحدة. امطرني بعشرات الأسئلة ليتأكد من أننا سنترك وراءنا ما يكفي من القادة العسكريين لتمشية القضايا الناشبة أخيرا قال سأثير الموضوع مع الرئيس".
كنت اعرف ان ستقام احتفالات بالنصر لدى وصولي لقد حظي جنودنا باستقبال الابطال في الولايات. وقد غمرني حلفاؤنا العرب اصلا، بالكثير من مراسيم التكريم والجوائز ولكن ما ان وضعت قدمي في طائرة العودة للوطن حتى انصرف كل تفكيري إلى عائلتي ورغم أني أقر بأن كل رجل وكل امرأة كل المشاركين في عاصفة الصحراء قد بعدوا عن احبائهم فإن ذلك البعاد كان أشق عليّ مما عداه فلقد شعرت أني حرمت من وقت ثمين أقضيه مع أطفالي وهو ما لا قبل لي بخسرانه بعد فابنتي جيسيكا تقارب سن الرشد وقد تركت البيت للالتحاق بالجامعة وولدي على شفا الانتقال من الصبا إلى الرجولة لقد نشبت الحرب في اليوم الذي كان عليّ ان اخرج من الباب الخلفي لاخبر سندي انني لا أعرف ان كنت سأعود إلى البيت في عيد الميلاد ولن تنتهي الحرب قبل أن استرجعهم من جديد.
كان هناك حشد كبير في انتظاري على أرض مطار قاعدة ماكديل الجوية فيما حطت الطائرة وراحوا يجرونها بعربة قطار ولما خرجت من الطائرة بحثت عن علم أمريكي وأديت له التحية العسكرية قبل بضعة أسابيع من ذلك فعل أسرانا الشيء نفسه لدى وصولهم إلى الرياض وكنت أكرر البادرة نفسها اكراما لهم بعدئذ أخذت أنزل درجات سلم الطائرة ورأيت عائلتي لقد أتوا جميعا بريندا، سيندي، جيسيكا، كريستيان، سالي وبير، وراحوا ينتظرون امام الحشد ولكن على مبعدة قليلة عنه فتحت ذراعي فيما هم يهرعون لملاقاتي عند أسفل السلم كان العناق أشبه بمباراة مصارعة رائعة فاطفالي يعانقونني من كل حدب وبريندا تحتضنني وسالي تعانقني اما الكلب بير فكان يثب علينا جميعا واختلط هذا الحابل بنابل مراسلين يحملون الكاميرات.
كان هناك الآلاف من المستقبلين في المدرج ازواج مسنون يلوحون بالاعلام الأمريكية فتيات وفتيان مراهقون يرتدون فانيلات تحمل عبارات "رعى الله الولايات المتحدة " وإذا لم تكن وطنيا فأنت صاروخ سكود وأولاد صغار يرتدون بدلات قتال صحراوية مموهة ورأيت بريق الشرائط الصفر في كل مكان لأن الجميع كان يحمل الشريط الأصفر علامة النصر وفيما رحنا اركاني وانا نشق طريقنا إلى منصة الاحتفال صافح الناس أيادينا أو ربتوا على ظهورنا، أو رفعوا اطفالهم الرضع، فيما الف وميض لمصابيح الكاميرات ينجس وبرز شخص وهو من مخضر من حرب فيتنام يرتدي بدلة قتال غابات وله شارب من طراز فوامانشو، ولحية وشعره يتدلى إلى منتصف ظهره وطوق عنقي بذراعيه مهنئا، صارخا "شكرا، شكرا، أخيرا صححتم الامور كانت عاطفة الجمهور الجياشة دلالة مسبقة تنبئ بالفرح الوطني الذي كنا سنراه في الأسابيع التالية الترحيب بالعودة في بلدية تامبا عرضا للنصر في واشنطن والاستعراض الذي ينثرون فيه الأوراق في برودواي ـ بنيويورك اعتليت المنصة وأديت التحية العسكرية بينما راحت الفرقة الموسيقية التابعة الفرقة المشاة الآلية 24 تعزف النشيد الوطني ووقفت هادئا إلى جانب بريندا فيما كان السفير الكويتي يشكرنا على تحرير بلاده، ويدلي بأقوال أخرى.
أخيرا عدنا إلى البيت حيث بدا وكان على شيء يحدث في آن واحد فسيندي وجيسيكا وكريستيان يتحدثون جميعا ويطلعونني على الرسائل والهدايا التي أرسلها الناس وكان الكلب بيرينبح وبريندا تسألني عما أرغب فيه من طعام والكل يهتف بي ان افتح هدايا عيد الميلاد التي حفظوها لي رن جرس التليفون، كان روث على الخط ووعدت ان تلتقي قريبا وظللت سالي تقفز كل نص ساعة لتدقق التليفزيون فلقد تسمرت امامه طوال فترة الحرب ولم تتخلص من هذه العادة الكريهة ضحكت وقلت هيا يا سالي لقد أنتهى الحر بوسعك اغلاق التليفزيون هزت كتفيها وارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة لقد كان شاقا عليها كما كان شاقا علي أن أصدق ان الحرب قد انتهت. امتلأت الأشهر اللاحقة بالاحتفالات ولكن كان ما يزال أمامي الكثير من العمل كي أنجزه بصفتي رئيسا للقيادة المركزية فحين احجم العراقيون عن الانصياغ لقرار الأمم المتحدة التفتيش عن المعدات النووية، أو هددوا بالتدخل لمنع أعمال الاغاثة للأكراد كنت اضطر لوضع الخطط لشن عمليات عسكرية إذا دعت الحاجة واشرفت على اعداد تقرير رسمي طويل حول الحرب واستدعيت للشهادة أمام لجان الكونجرس.
الواقع قبل ان اغادر الرياض زارني مايك ستون سكرتير الجيش وسألني ما اعتزم عليه بعد وقال قلبي يميل اليك كرئيس لأركان الجيش قلت له أنني عقدت العزم منذ أمد بعيد على التقاعد حال انتهاء الأزمة وأشرت إلى أن رئيس الأركان المقبل سوف يدعي لتقليص حجم الجيش وافضل ان اتقاعد على نصر كبير من أن اتعرض لألف هزيمة على أيدي الكونجرس ومما يسرني حقا ان تشيني وباول اختارا جوهور، أول رئيس للأركان عندي في القيادة المركزية خليفة لي وتشاغلت على مدى أسابيع بالتخطيط لمراسيم تغيير القيادة التي اتخذت أبعاد حدث رسمي للدولة لأن العشرات من الأمراء والشخصيات الأجنبية البارزة طلبوا حضور مراسيم الاحتفال.
قمت برحلة أخيرة إلى مصر والمملكة العربية السعودية والكويت لاشد الاطراف الرخوة وتوقفت في طريق عودتي في انجلترا حيث تركتني حرارة الاستقبال من لدن الحكومة محرجا فلم يكن لي فرصة سانحة لكي اشكرهم بما فيه الكفاية على الدعم الذي قدموه لنا في الخليج واذكر في الرياض ان بيتر دي لا بيليير مازحني قائلا انني رأيت ممالك الشرق الأوسط ولكني لا اعرف شيئا عن مملكته لذلك اخذني بعد انقضاء الجزء الرسمي من الزيارة في جولة لبعض اطلال القلاع الجميلة في هيرفورد شاير.
كما توقفت أيضاً في فرنسا حين استقبلني ميشيل روكويجيوفر لدى وصولي إلى أباجن موطن الفرقة الفرنسية الأجنبية وأقيمت مراسم حفلة رسمية سلمني خلالها الجنرال موريس شميث وسام جوقة الشرف أما الجنرال رايموند لي كور، قائد هذه الفرقة فقد منحني رتبة نائب عريف شرف في الفرقة وهو ما يعادل رتبة جندي أول.
بعد الغداء الرسمي أخذنا الهليكوبترات إلى قصر في تلال بروفنس اشترته الفرقة بعد حرب الهند الصينية انه نزل التقاعد فالعديد من افراد الفرقة قد انضموا إليها وفق قواعد تسمح لهم بالتطوع باسماء مستعارة وعدم الادلاء بأية معلومات عن ماضيهم وكانوا بلا أسر ولا وطن يذهبون إليه كما تعذرت عليهم العودة إلى المجتمع وكان للقصر حقل كرمه الخاص ومسبكة وورشة سيراميك وورش حفر على الخشب وتجليد كتب فكان الرجال يعيلون انفسهم بأنفسهم ولما دخلت الورش تباعا كان الرجال العاملون يناهزون السبعين أو الثمانين وقد وقفوا وقفة استعداد عسكرية فهم ما يزالوا فخورين كل الفخر في كونهم جنودا.
والى جوار القصر وضع مضيفونا موائد خشبية طويلة تحت شبكة تمويه ولما مالت الشمس إلى الغروب وبدأ نسيم الجبال البارد يزيل حر النهار خرج شيوخ الفرقة يتقلقلون في مشيهم شيوخ بشعور بيضاء من المشيب المان نمساويون سويسريون بالغار بولنديون فرنسيون ولبعضهم لحي بيضاء كاملة، وآخرون بلا اسنان لقد ارتدوا سترات مدنية فوق قمصان وسراويل عتيقة وعلقوا ميدالياتهم على صدورهم بعد ذلك جلسنا لتناول عشاء قروي فرنسي مؤلف من فطائر اللحم والسمك والسجق والفواكه والخضار والخبز مما ذكرني بالوجبات التي تناولتها أيام صباي في المدرسة بسويسرا ولما فرغنا من الوجبة أخيرا راحوا يغنون أغاني المارشات القديمة بانغام بطيئة جميلة ولحن حزين أقرب إلى الجنائزي وهي أغان عن الأسرة والحبيبات والأوطان المهجورة ولما جهرت أصوات المسنين بالغناء انضم إليهم شباب الفرقة وغمرني ذلك بالعاطفة.
ثم عاد الخاطر يطرق ثلاثة أسابيع وأخرج لم أفكر على الاطلاق بنفسي كرجل عسكري مائة بالمائة كنت واثقا من قدرتي على شق طريقي كمدني ولكني أدركت فجأة أنني منذ لحظة مغادرتي برنستون لالتحق بأبي في طهران قبل 45 سنة لم أعش سوى حياة عسكرية وأدركت أنني سأفتقد الرفقة التي تنمو بين كل من يعانون محنة مشتركة انها رابطة تصل بين كل الجنود القدامى، ليس فقط بين جنود جيشنا بل أيضاً بين جنود الفرقة الأجنبية وجنود فيلق البانزر الألماني، وجنود الجيش الأحمر واظن حتى بين جنود الفيتكونج وفيما أنا انظر إلى خيول الحرب العجوزة هذه أدركت أنني سأفتقد جنودي.
في يوم الجمعة 30 أغسطس ارتديت بدلة القتال المموهة وأعلنت عن حضوري في مكتب الأفراد في القيادة المركزية سلمتني جندية شابة استمارة الصرف من الخدمة وقالت سيدي هذه أوراق الخدمة الصلية رقم دد 2140 نوصيك بحفظ هذه القسيمة في خزانة أمينة لأنها الدليل الحقيقي الوحيد على أنك كنت في الخدمة ذيلت الأوراق بتوقيعي وتسلمت بطاقة هوية التقاعد ثم بعد التقاط بضع صورة تذكارية مع الجنود الشباب في المكتب مشيت متوجها إلى السيارة اما السرجنت اول كرنج "ماكس" ماكسوم، الذي كان مسؤولاً عن فريق حمايتي الشخصية منذ بدء عاصفة الصحراء والذي ظل باستمرار يلازمني فجاء يسأل هل انتهى كل شيء؟.
"ماكس انتهى الأمر". "سيدي ليس هذا منصفا. خمسة وثلاثون عاما في العسكرية ثم توقع على قطعة ورق وينتهي كل شيء؟ سيدي ليس هذا منصفا يجب ان نفعل شيئا". "كفانا استعراضات ماك ارثر كان محقا قدامي الجنود يطويهم النسيان ولكن ماكن مضطرب.
في مساء اليوم التالي اقام بعض الاصدقاء لبريندا ولي حفلة عشاء وعدنا إلى البيت قبل منتصف الليل بقليل كنت قد وضعت سيارتي لتوي في الكراج حين قال ماكس "فقط 17 ثانية، سيدي.
لم افهم مرامه بادئ الأمر فسألته ما الذي تعني ؟ نظر إلي نظرة مازحة وأدركت انه يتحدث عن تقاعدي" أغلق فمك يا ماكس لا أريد الحديث عن ذلك وضحكت.
"سيدي لا يبدو ذلك انصافا لا صواريخ في الهواء لا استعراضات عسكرية كبيرة ولا تحليق".
كان الوقت منتصف الليل لقد انتهت خدمتي لبلادي.
 
الفصل السابع عشر
منذ تقاعدي من الجيش قبل عام، جبت كثيراً في أرجاء الولايات المتحدة وأوروبا. وأينما حللت، سئلت الأسئلة ذاتها في ما يخص سير حرب الخليج ونتيجتها. فحالما سكنت نشوة ما بعد الحرب، بدأ لتحليل وبدأ البعض يشك، والبعض الآخر يرتاب، في هذين الأمرين معا: ما انجزنا في الخليج، وأسلوب خوض الحرب. أدناه أجاباتي عن أسئلة ضخمة ترددت أكثر من سواها.
السؤال الأول هو بالطبع: لماذا لم نتوجه إلى بغداد وننهي المهمة؟ ينبغي أن نفهم بوضوح أن خيار قطع الطريق كله إلى بغداد لم يدرس قط. فبرغم كل ما يسمى بالخبراء الذين ينتقدون الان ذلك "القرا" بافكار ابتدعوا عشرين من عشرين منها بعد الحدث لم يكن هناك رئيس دولة واحد، أو دبلوماسي واحد، أو خبير شرق أوسط واحد، أو قائد عسكري واحد، بقدر ما أعرف، عناصر مواصلة الحرب واحتلال بغداد. فقرارات الأمم المتحدة التي توفر الأساس القانوني لعملياتنا العسكرية في الخليج جلية في مقاصدها: طرد القوة العسركية العراقية من الكويت. كنا مخولين بكل الأعمال الضرورية لانجاز هذه المهمة، بما في ذلك شن هجمات داخل العراق، ولكن لم تكن لنا صلاحية غزو العراق بهدف الاستيلاء على البلد كله أو على عاصمته.
ولو عدنا إلى الحرب الفيتنامية لتوجب علينا ان نقر ان من بين أسباب فقداننا للدعم العالمي لأعمالنا هناك هو افتقارنا إلى مشروعية دولية معترف بها للتدخل في فيتنام. أما في الخليج فقد كان الوضع عكس ذلك تماما، فقد كان إلى جانبنا لا أقل من تسعة قرارات صادرة عن الأمم المتحدة تبيح أعمالنا، وكنا نحظى بدعم العالم كله عمليا، إلا أن هذا الدعم المقدم لنا ينحصر في طرد العراق من الكويت لا احتلال بغداد.
ولو ألقينا نظرة على خرائط معركة الحرب البرية، لامكننا ان نرى أنه ما من قوة من القوات العربية دخلت العراق. فقد اقتصر القتال داخل العراق على القوات البريطانية والفرنسية والأمريكية وحدها. وقد تناولت في هذا الكتاب بشيء من التفصيل حساسية حلفائنا من مسألة هجوم دولة عربية على دولة عربية أخرى. وأنا موقن أنه لو أننا اتخذنا قرارا بغزو العراق كله والاستيلاء على بغداد، فان التحالف الذي ثابرنا بدأت على صونه كان من شأنه ان يتمزق. كما أني موقن بالقدر نفسه ان القوات الوحيدة التي كانت ستشارك في هكذا أعمال عسكرية هي القوات البريطانية والأمريكية وحدها. فقد كان من شأن حتى الفرنسيين ان ينسحبوا من التحالف.
ولو ذهبت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحيدتين للاستيلاء على بغداد لجرى اعتبارنا. طبقا لمواثيق جنيف ومواثيق هيج، قوى احتلال، ولكننا بذلك مسؤولون عن كل تكاليف إدامة واستعادة النظام والتعليم، وغير ذلك من الخدمات لشعب العراق. وبناء على خبرة الفترة الوجيزة التي قضيناها في احتلال جزء من الاراضي العراقية بعد الحرب، فإنني متأكد أننا لو استولينا على العراق كله، لكنا مثل ذلك الديناصور الفارق في حفرة قار. أي لكننا ما نزال هناك، ولكنا نحن، الأمم المتحدة، تتحمل تكاليف ذلك الاحتلال وهذا عبء ما اظن ان دافع الضرائب الامريكي المحاصر سيكون سعيدا بتحمله. أخيرا، ينبغي ألا ننسى كيف سعى صدام إلى وصف الحرب بأسرها فقد سارع إلى الادعاء بأنها ليست حربا ضد العدوان العراقي على الكويت، بل بالاحرى حملة أمم استعمارية غربية تستهدف بوصفها عميلة للاسرائيليين تدمير البلد العربي الوحيد العازم على تدمير دولة اسرائيل، ولو قامت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحدهما بمهاجمة العراق واحتلال بغداد، لبات كل مواطن في العالم العربي اليوم على قناعة بأن دعوى صدام صحيحة، بدلا من ذلك يعرف هؤلاء المواطنون ان قوات مسلحة غربية وعربية قاتلت جنبا إلى جنب ضد العدوان العراقي، وانه حين تم تحرير الكويت سحبت الدول الغربية قواتها العسكرية وعادت إلى اوطانها. لقد كنا اذكياء استراتيجيا لمرة واحدة بما فيه الكفاية لكسب الحرب والسلام معا.
أما السؤال التالي الذي كنت اتلقاه بصورة محتومة فهو استكمال للاول ما دام صدام ما يزال حيا وممسكا زمام السيطرة في العراق، الا يعني هذا ان الحرب خيضت لاجل لا شيء؟
سأعترف انني أود قلبيا، شأن الكثيرين لو ان صداما احيل إلى العدالة لينال جزاءه بطريقة ما ولعل هذه لمحاكمة ما تزال مطلوبة ولكن خير اجابة عن هذا السؤال تتطلبان نفكر بما كان سيحصل لو اننا سمحنا لصدام ان ينجح في عدوانه، لو اننا لم نخض حرب الخليج.
فأولا سيكون صدام الآن قد سيطر على كل نفط الكويت ولربما كان نفط الجزيرة العربية. وينبغي ألا يغرب عن البال ان التهديدات التي وجهها صدام قبل الحرب ماذا بصدد كل حوادث الاصابة بالنيران الصديقة التي سمعنا بها منذ انتماء الحرب؟ لكم ابغض هذا التعبير: "نار صديقة". فما ان تنطلق الرصاصة من الفوهة أو تنقذف القذيفة الصاروخية من الطائرة حتى لا تعود "صديقة" لاي انسان. ولسوء الحظ فان قتل الاشقاء بيد الاشقاء ظل يحصل منذ بدء الحرب. فطابع الفوضى في ميدان المعركة، حيث القرارات السريعة هي التي تحدد الفرق بين الحياة والموت، يؤدي إلى وقوع العديد من حوادث مصرع الجنود بنيرانهم بالذات في كل حرب خاضتها أية أمة. وحتى في مركز التدريب القومي الامريكي حيث "القتل" يحاكي بالليزر والكمبيوتر، يلاحظ وجود حالات " "قتل" اشقاء هذا لا يضفي عليها مشروعية القبول. ولا ينبغي ابداء مثل هذا الموت الذي يمكن تفاديه. اما في هذه الحرب التي قدم جانبنا فيها خسائر قليلة للغاية، فان حجم المأساة يتعاظم حين تفقد أسرة ما ابنا أو بنتا بهذه الطريقة.
وكانت مشكلتنا في حرب الخليج ان قدرتنا التكنولوجية على ضرب الاهداف كانت تفوق قدرتنا على تشخيص موقع الاهداف بوضوح. فلقد دأبنا منذ سنوات على تطوير قدرتنا على مهاجمة اهداف العدو من اماكن بعيدة. نظرا لاننا نحتاج، كي ننجح في مواجهة قوة دبابات سوفياتية هائلة، إلى تدمير اكبر عدد ممكن منها قبل ان تشتبك معها قواتنا وقد وجدنا ان بيئة الصحراء تعزز هذه القدرة على أخذ الاهداف وضربها من مسافات شاسعة. وفي وقت مبكر توصلنا إلى ادراك الخطر الذي يتهدد قواتنا من هذه القدرة المتعاظمة، وواجهنا الاوساط المعنية بتطوير الاسلحة بالتحدي التالي وهو ان يبتكروا طريقة ما للتمييز بدقة بين الصديق والعدو. ولسوء الحظ لم يتم ايجاد حل تكنولوجي مرض يحول دون تزايد خطر تدمير قواتنا على يد العدو. ولو عبرنا عن ذلك بلغة بسيطة لقلنا ان كل تدبير يجعل قواتنا مشخصة اكثر لنا كان سيجعلها مشخصة اكثر للعدو. وعليه، كان علينا الاعتماد على اجراءات تشخيص أخرى، رحنا نؤكد ونشدد التأكيد عليها على كل المستويات ومن أكثر هذه التدابير شيوعا، بالطبع، هو النظر إلى "الموقع في ميدان المعركة" فاذا كانت تعلم انه لا توجد قوات صديقة امامك، فان كل ما تراه لا بد ان يكون للعدو.
ومما يؤسف له، انه جرى ارتكاب أخطاء بريئة في اضطراب المعركة مما أدى إلى وقوع خسائر في الارواح. ولا بد من ان نجد طريقة آمنة لتنفيذ مهماتنا. وقد حفلت كانت ضد كل من الكويت والامارات العربية المتحدة. والطريق الوحيد للوصول إلى الامارات العربية عبر الكويت يمر بالمنطقة النفطية السعودية وحتى لو افترضنا انه كان سيقصر عدوانه على الكويت، فانه كان سيرسل اشارة منذرة، جبارة، إلى بقية دول الخليج مما لايسعها اغفاله. وعليه كانت ستعرض للتهريب في كل قرار مقبل، ولكان صدام قد احرز هدفه المعلن برفع اسعار النفط رفعا دراماتيكيا في السوق العالمي، مع ما ينجم عن ذلك من ضغط يكبح الاقتصاد العالمي المهزوز اصلا. والادهى من ذلك، انه لو تابع الانماط القديمة، فإن عوائده البترولية المتعاظمة كانت ستفضي إلى تقوية جهازه العسكري القوي اصلا (بالقياس إلى بلدان الشرق الأوسط الاخرى) وتوسيع ترساناته النامية من المعدات النووية والبيولوجية والكيماوية القائمة اصلا. وليس من الصعب ان يتخيل المرء ما يعنيه ذلك بالنسبة إلى مستقبل اسرائيل وقضية السلام العالمي.
عوضا عن ذلك، فإن قلع مخالب صدام ارغمه على الانكفاء وراء حدوده وقد جرى تحطيم قدراته النووية والبيولوجية والكيماوية العسكرية، وسيظل منزوع المخالب ما دام بمقدورنا ان نعمل على منعه من الحصول على هذه القدرات بنفس الطريقة التي حصل عليها في الماضي ـ من شركات غربية وشرقية، عديمة الضمير تعني بالحصيلة المالية للشركة اكثر من عنايتها بالسلام العالمي. لقد تعرضت قوات صدام العسكرية إلى هزيمة ساحقة، ولم تعد قادرة على تهديد أي بلد آخر، ومما له اعظم الاهمية، ان صداما ارتكب مالا يخطر على البال، هاجم بلدا عربيا شقيقا وفقد من جراء ذلك ماء وجهه في هزيمة عسكرية مهينة، ولذا فان دعواته اللاعقلانية المتشددة لم تعد تلق اذانا صاغية في الشؤون السياسية العربية. ونتيجة لذلك، بالدرجة الاساسية، وايضا نتيجة انتصار التحالف في الخليج اخذت عملية السلام في الشرق تمضي قدما، فالفلسطينيون، وغيرهم من العرب، والاسرائيليون، يجلسون الآن إلى طاولة المفاوضات، كما ان رهائننا قد أخلى سبيلهم، هل تعتقدون انني ارى ذلك يستحق؟ انتم متأكدون انني أرى ذلك.
أخيرا رغم ما تشاهده في افلام رامبو، فان القبض على شخص مثل صدام واحالته إلى العدالة ليس بالمهمة الهينة ففي بنما، وهي بلد صغير تنتشر فيه الاف العيون الأمريكية وترى ما يحصل حتى قبل بدء العمليات العسكرية لم نستطع ان نعثر على شخص اسمه نوربيجا لوقت طويل وانني واثق اننا حتى لو قمنا بغزو كامل للعراق فاننا لم نكن لنعير على صدام حسين في ذلك المعسكر، المسلح الكبير، المسمى العراق.
كل التقارير التقييمية لما بعد المعركة، التي رفعها العاملون في مقر قيادتي السابق وقادة القوات المؤلفة لهذه القيادة، بهذه القضية باعتبارها قضية تستدعي الانتهاء العاجل والتصرف وتكرس كل فروع القوات المسلحة جهود الايجاد حل تكنولوجي لهذه المحنة المديدة.
هناك سؤال آخر كثير ما يوجه لي كيف كان اداء معداتنا التكنولوجية العالية التطور؟
جوابي هو نفسه دائما: "بما يفوق اكثر التوقعات جموحا". في الايام الاولى من نشر القوات واجهنا فعلا مصاعب غير متوقعة نتيجة البيئة الصحراوية القاسية. فقد وجدنا ان الرمال السعودية الناعمة، الشبيهة بمسحوق الغبار، تسد الفلترات في بعض عرباتنا المدرعة. وقد جرى حل هذه المشكلة سريعا حين طلعت علينا التكنولوجيا الأمريكية بفلترات جديدة. ووجدنا ان الرمال تحت اذرع مراوح الهليكوبتر، فجاء الخبراء بأشرطة تحمى الاذرع وتخفف آلام البيئة الصحراوية، شأنها شأن البيئات القاسية في المدار القطبي أو في الغابات الكثيفة، تنطوي على تحديات خاصة يتعين ان نتكيف معها، الا أن الاصالة الأمريكية المبدعة القديمة كانت تأتي لنجدتنا دوما. وتعلمنا كيف نتكيف، وواصلت معداتنا لعمل رغم كل التوقعات المعاكسة، وبعد أربعة أيام من المعركة، ارتفعت مستويات الصيانة عندنا فوق المستويات القائمة في بعض الوحدات زمن السلم.
لقد جرى افراد منظومات معينة وتوجيه النقد إليها من جانب أشخاص يرون خدمة اغراضهم الخاصة من بين ذلك منظومة صواريخ باتريوت. الواقع ان النقاد لم يفلحوا في الكشف عن شيء سوى افتقارهم إلى المعرفة عما صممت صواريخ باتريوت لاجله. لقد صممت صواريخ باتريوت اصلا للدفاع عن نقطة هدف معين، مثل مطار، مستودع تجهيزات، مقر قيادة. ضد طائرات وصواريخ العدو المنقضة ولا اعرف حالة واحدة لم يعمل فيها صاروخ باتريوت بنجاح تام، مائة في المائة في الدفاع عن المنشأة التي نصب لحمايتها. وواقع ان الصاروخ قام بأداء رائع، في أحوال كثيرة، كسلاح للدفاع عن منطقة، هو كسب اضافي، وقد وفر ذلك درجة من الحماية كاملة لم نكن نأمل توفيرها قط وهناك نقد مماثل وجه إلى الذخائر الدقيقة للقوة الجوية، مفاده ان هذه الذخائر لم تصب الهدف دوما من أول ضربة، وانه تطلب في بعض الأحيان الضرب مرتين أو ثلاث مرات لتدمير الهدف قد يكون الامر كذلك، ولكن هل سبق لاحد من هؤلاء النقاد ان كان في فيتنام نصف القدرة التي تمتعت بها في حرب الخليج، حقا ان ذخائرنا التكنولوجية العالية التطور لم تكن الكمال بعينه مائة في المائة، ولكن هذا ليس بالامر الخارق للمألوف، اخذين في الاعتبار تعقيدات هذه الذخائر وان الكثير منها جرى تطويره بعجالة بسبب الحرب. الا انها كانت بالغة التفوق بالقياس إلى كل ما كان لدينا من قبل، بالقياس إلى كل ما تلقاه العدو من قبل بحيث بوسع الشعب الامريكي ان يفتخر بالتكنولوجيا الأمريكية التي انتجتها.
أخيرا غالبا ما يطلب مني التعليق على طبيعة النزاعات المقبلة وحجم قواتنا المسلحة.
أرى ان على الجنرالات المتقاعدين الا يفوتوا ابدا فرصة التزام الصمت ازاء قضايا لم يعودوا في موقع المسؤولية عنها. بعد هذا القول، اعتقد ان الادلاء ببعض التعليقات العامة "ولا اقصد هنا اللعب على الجناس أو الطباق" امر في محله. انني على قناعة من ان النزاع المسلح في المستقبل المنظور لن يأخذ شكل جيوش برية ضخمة تواجه بعضها البعض على رقعة خطوط قتال واسعة، كما حصل في الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، أو على غرار ما كان يحصل لو توجه حلفي الاطلسي (الناتو) ووارسو في ميدان المعركة فالنزاع في المستقبل سيكون مشابها لما شهدناه في الماضي القريب فكلتا العمليتين العسكريتين اللتين دخلنا فيهما في الشرق الأوسط كانت نتيجة لنزاعات اقليمية نمت إلى مديات باتت تؤثر على بقية العالم. ان "حرب الناقلات" كانت نتيجة الحرب الايرانية. العراقية، وبالطبع فان حرب الخليج نشبت نتيجة خلاف بين العراق ودول اخرى منتجة للنفط وكما قلت من قبل، لما تسلمت قيادة القيادة المركزية، كان هناك 13 نزاعا مسلحا جاريا في منطقة مسؤوليتي وحدها، منذ ذلك الحين انطفأ أوار بعضها، لكن نزاعات أخرى اكثر اثارة للقلاقل قد حلت محلها حسب المرء ان ينظر إلى الاحداث التراجيدية الجارية في ما كنا نسميه يوغوسلافيا، أو الصدامات الاثنية والدينية والوقية في الاتحاد السوفياتي السابق، لكي يدرج ان مثل هذه النزاعات الاقليمية الخطرة ستظل تلازمنا لسنوات قادمة. ومن شأن أي واحد منها ان يفضي إلى نشوب حرب. ما الذي يوحيه لنا ذلك بصدد الحجم المستقبلي لقواتنا المسلحة؟ اولا ان ذلك يفيد ان التقليصات ممكنة. ولكنه لا يفيد ان التقليصات يجب ان تتم عشوائياً فقط على اساس الاعتبارات السياسية والمالية. ومما يفزعني لدى استماعي إلى شخص ما يقترح تقليصا بمقدار 100 مليار دولار في قواتنا المسلحة بدون أي تعليل عقلاني، سوى استخدام النقود في مجال آخر، ان الغرض من قواتنا المسلحة هو حماية مصالحنا القومية والدفاع عن بلادنا. وقبل ان نسمح بحصول تخفيضات كبيرة في قواتنا يجب ان نتأكد من اننا قمنا بتحليل معمق للطبيعة التي ستأخذها مصالحنا القومية خلال العشرين سنة القادمة. واين وكيف نضطر إلى زج قواتنا بعد ذلك وحسب يمكن لنا ان نقيم بنزاهة ما هو الحجم المطلوب لقواتنا المسلحة وبعد ذلك وحسب يمكن اجراء التخفيضات. وحسبما قيل لي، فان مثل هذا التحليل قيد الدراسة حاليا في وزارة الدفاع. أخيرا يجب ان نضمن ان تظل قواتنا مرنة بما فيه الكفاية لمعالجة حالات الطوارئ غير المنظورة ليس من السهل التكهن برقم. وسجلنا المتعلق بأين سنخوض حروب المستقبل، وليس الافضل ولو سألني شخص ما يوم تخرجت من كلية وست بوينت الحربية في يونيو 1956، أين سأقاتل في سبيل بلادي في سنوات خدمتي العسكرية، فانني لست متأكدا مما كنت سأقوله. ولكني متأكد تماما انني لم أكن لاقول "فيتنام" جرينادا، العراق".
يوم غادرت الرياض للعودة إلى الولايات المتحدة، أدلى الجنرال خالد بتصريح ورد في خطابه، مما يتعين على كل أمريكي ان يفكر فيه. قال "إذا كان العالم سيحظى بقوة عظمى واحدة، فحمدا لله انها الولايات المتحدة الأمريكية". وعندما افكر في الامم التي ظهرت خلال الخمسين عاما الماضية وكان من المحتمل ان تبرز بوصفها القوة العظمى الوحيدة في العالم. يابان توجو. المانيا هتلر روسيا ستالين، وصين ماو. والظلام الذي كان سيخيم على العالم لو افلحت في مسعاها، عندما افكر بذلك، اقدر الحكمة في كلمات الجنرال خالد. ذلك لأننا برزنا بوصفنا القوة العظمى الوحيدة المتبقية، ولأننا نحمل المسؤولية المضنية عن انفسنا كارفة وعن بقية العالم. لا اعرف ما الذي تعنيه هذه المسؤولية بالنسبة لمستقبل بلدنا العظيم، ولكني سأظل واثقا على الدوام راسخة في قدرة الشعب الأمريكي على النهوض لأي تحد.
 
اولا .. اخى العزيز لم اقرأ المذكرات رغم انى سوف اقوم ان شاء الله بتمحيصها لنتناقش حولها .
ثانيا .. هنا شئ (استفزنى) فى نهاية الموضوع وهو تعبير عجيب من رجل اعتقد انة يعيش فى عالم اخر !

والظلام الذي كان سيخيم على العالم لو افلحت في مسعاها،

وهل العالم الان فى ظل الهيمنة الامريكية اكثر ضياء !!!
وهل يقارن توجو وفظائعة بكارثة ترومان فى نجازاكى ..!!!
ولكن هذا لا يقلل من احترامى بهذا الرجل .. الذى استطاع ان يوفق ويجمع بين عدة جيوش وعدة دول دون ان يحتاج الى وزارة خارجية قوية .. ولكنة لا يعدو اعجابى برومل ومنتجمري .
 
لا تهتم اخي الشريف لقد قمت بنقل المذكرات رغم مافيها من تعجرف وصلف امريكي واضح
واستهزاء بالقوات العربية ووصف الوضع العربي من وجهه نظر رجل واحد هو شوارزكوف نفسه .
الغرض فقط للتاريخ لا اكثر ولا اقل .من السهل ان نقرا اما ان تؤمن بشي تقراه فهذا يرجع للقارئ نفسه.
تحياتي لمرورك
 
عودة
أعلى