القضية الفلسطينية من النكبة إلى الانتفاضة/د.عبد المنعم إبراهيم

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,479
التفاعل
17,601 43 0
القضية الفلسطينية من النكبة إلى الانتفاضة

الدكتور عبد المنعم إبراهيم الدسوقي الجميعي


تؤكد كافة الأسانيد التاريخية أن فلسطين بلد عربي، وأن ادعاء الصهاينة أن أرض فلسطين لهم من أقدم العصور ادعاء باطل. فلقد كانت فلسطين منذ عام 3500 قبل الميلاد تعرف بأرض كنعان نسبة إلى قبيلة "كنعان" العربية التي نزحت إليها من جزيرة العرب، ومعنى ذلك أن العرب أقدم من اليهود في سكنى فلسطين إذ لم يأت اليهود إليها إلا في عام 2000 قبل الميلاد، ثم تعرضوا فيها للإبادة والقتل على يد "بختنصر" البابلي، وقد سجل القرآن الكريم ذلك في سورة الإسراء([1]) بحيث لم يبق منهم في فلسطين سوى أعداد قليلة.

وقد استمرت الهجرات العربية إلى فلسطين حتى جاءت الفتوحات الإسلامية فأصبحت فلسطين عربية إسلامية، ودان أهلها للحكم الإسلامي([2])، ومعنى ذلك أن أطماع اليهود في فلسطين تقوم على ادعاء مزيف باطل مؤداه أن هذه البلاد بلادهم منذ أقدم العصور، وأنهم خرجوا منها كرهاً.

وعلى كل حال فقد انتشر اليهود في شتى أنحاء العالم، وكانوا جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الذي يعيشون فيه، ولم تشهد فلسطين قبل القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي هجرات يهودية للاستيطان إلا في عام 1432 م عندما اضطر بعض يهود إسبانيا والبرتغال إلى الهجرة إلى فلسطين فراراً من محاكم التفتيش، ولم يزد عدد هؤلاء، وعدد أحفادهم عن ثلاثة آلاف كانوا يعيشون على الهبات والتبرعات([3]) فيما عدا ذلك لم يكن يقصد فلسطين من اليهود سوى كبار السن الذين كانت تهفو نفوسهم إلى زيارة هذه البلاد([4]).

ولم تلبث أن نشأت الحركة الصهيونية([5]) في القرن الماضي في أعقاب الاضطهادات التي تعرض لها اليهود في روسيا عقب مقتل القيصر نيقولا الثاني عام 1881 م واتهام اليهود بتدبير مقتله، والاضطهادات التي تعرضوا لها في بولونيا ورومانيا وغيرهما بسبب عدم ولائهم للدول التي يعيشون فيها كمواطنين وبسبب سيطرتهم على مقدرات هذه الدول وارتكابهم للعديد من الجرائم ضد شعوبها([6]) فتأسست الجمعيات في روسيا ورومانيا لإنشاء مستعمرات في فلسطين يستوطنها اليهود المهاجرون إليها من شرق أوربا مثل جمعية أحباء صهيون التي تأسست في روسيا لتنظيم وتمويل عمليات الاستيطان في فلسطين، وصار لهذه الجمعية العديد من الفروع في ألمانيا والنمسا وإنجلترا وغيرها([7]).

والحركة الصهيونية حركة عنصرية دينية سياسية استعمارية ترمي إلى جمع شتات اليهود، وتوطينهم في فلسطين بحجة أنها أرض الميعاد.

ولفظة صهيونية مشتقة من صهيون، وهو أحد الجبال المحيطة بالقدس. والمعروف أن هذه الحركة توسعية عدوانية ليس فقط بالنسبة لفلسطين بل، وبالنسبة للبلاد العربية المجاورة لها ويؤكد ذلك أن الوطن الصهيوني المزعوم في نظر المتطرفين من الصهاينة يمتد من نهر الفرات في العراق إلى نهر النيل في مصر([8]).

ومع ذلك فإن الصهيونية لم تعرف كحركة سياسية إلا في القرن التاسع عشر الميلادي([9]) خاصة بعد عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال Bale بسويسرا في عام 1315 ﻫ/ 1897 م بدعوة من الصحفي النمساوي تيودور هرتزل Theodor Hertzel المنشئ الأول للصهيونية السياسية العالمية([10]) وصاحب كتاب "الدولة اليهودية" الذي صدر في فبراير 1896 م.

وقد سبق عقد هذا المؤتمر دعاية مكثفة له من أجل كسب التأييد العالمي لليهود([11])، وبحضور 204 من أقطاب اليهود وقادتهم انعقد المؤتمر بغرض تدارس المشكلة اليهودية وموضوع إنشاء وطن قومي لليهود.

ولقد كان من أهم نتائج هذا المؤتمر تأسيس المنظمة الصهيونية والعلم الصهيوني، والنشيد القومي، هذا إلى جانب العمل على بذل المساعي لدى حكومات الدول للعمل على تحقيق أهداف الصهيونية ومن أهمها تهجير اليهود المشتتين في أنحاء العالم إلى فلسطين لإنقاذهم من الاضطهاد الذي يتعرضون له في أوربا وإنشاء دولة لهم هناك.

وهكذا تبلورت الفكرة الصهيونية في هذا المؤتمر، ودخلت في معترك السياسة الدولية لكسب تعاطف العالم نحوها. ثم توالت بعد ذلك عقد المؤتمرات الصهيونية من أجل تحقيق أهداف اليهود في فلسطين وأمانيهم بإقامة وطن لهم في فلسطين وقد تركزت خططهم على النحو التالي:



1. تشجيع استعمار فلسطين بواسطة المهاجرين اليهود خاصة من الزراع والعمال.

2. توجيه أنظار يهود العالم نحو فلسطين.

3. بذل المساعي اللازمة للحصول على التصريحات المؤيدة لهم من الدول الكبرى([12]).



وقد انتهز هرتزل فرصة ظروف الأزمة المالية التي كانت تمر بها الدولة العثمانية، وفرصة تكالب الدول الاستعمارية عليها، وحروبها المريرة مع روسيا فعرض على السلطان عبد الحميد حل أزمته المالية مقابل السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين([13])، إلا أن السلطان رفض طلبه، وكرر هرتزل محاولته مرتين، ولكن عبد الحميد حسم الموقف بقوله: «إني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض، فهي ليست ملك يميني بل ملك شعبي، لقد ناضل في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت إمبراطورتي يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن»([14]).

ونتيجة لأطماع اليهود بدأ السلطان عبد الحميد يهتم الأوضاع في فلسطين فأدخل تعديلاً للوضع الإداري لبيت المقدس ليصبح متصرفية تابعة للباب العالي مباشرة بعد أن كان سنجقية تابعة لباشا دمشق.

وهكذا صمد عبد الحميد الثاني أمام كل الإغراءات التي حاول بها اليهود زعزعته عن موقفه. ونتيجة لضغوط الدول الكبرى وافقت الدولة العثمانية على السماح لليهود بدخول فلسطين من أجل الزيارة فقط بشرط ألا تطول مدة إقامتهم عن ثلاثين يوماً ثم سمحت لهم بعد ذلك بإطالة مدة إقامتهم إلى ثلاثة شهور، ونظراً لمماطلة اليهود، ومحاولتهم البقاء داخل فلسطين أكثر من المدة المقررة لهم، عين السلطان عبد الحميد "محمد شريف رءوف باشا" المشهور بشدته متصرفاً على القدس، وأمره بتطبيق قانون الثلاثة الشهور بصرامة([15]).

ولم تلبث الأمور أن تطورت لصالح اليهود نتيجة لضعف الدولة العثمانية، وانشغالها بالمؤامرات الخارجية والداخلية التي تسلطت عليها فضعفت الرقابة على اليهود في فلسطين واستغلوا ذلك في إنشاء مستعمرات خاصة بهم، وإنشاء أول مدرسة عبرية للبنات في يافا([16]). وعلى كل حال فإنه نتيجة لفشل هرتزل في إقناع الدولة العثمانية بالهجرة اليهودية إلى فلسطين بدأ يتجه نحو بريطانيا ويعقد آماله عليها، فشجع اليهود على السعي لاتخاذ بريطانيا مركزاً رئيسياً لنشاطهم، ومقراً للكثير من منشآتهم المهمة([17]).

ونتيجة لذلك تحولت بريطانيا إلى مركز للزعامة الصهيونية وتولى "حاييم وايزمان" زعامة الحركة الصهيونية هناك وكون جماعة سياسية كان منها "هربرت صموئيل" وبدأ في الاتصال برجال الدولة البريطانية.

والسؤال المطروح هو لماذا كثف زعماء الحركة الصهيونية نشاطهم في بريطانيا بالذات؟

الواقع أن الحركة الصهيونية العالمية ركزت نشاطها خصوصاً قبيل الحرب العالمية الأولى تجاه بريطانيا من أجل إقامة دولة لليهود في فلسطين لأن زعماء هذه الحركة كانوا على بينة من تطلع الاستراتيجية البريطانية نحو فلسطين المتاخمة لقناة السويس وقد أكد ذلك الزعيم الصهيوني "حاييم وايزمان" بقوله: «انه إذا ما وقعت فلسطين في منطقة النفوذ البريطاني، ثم شجعت بريطانيا استيطان اليهود في فلسطين وإقامة مجتمع يهودي يعتمد على بريطانيا، وأمكن إدخال مليون يهودي هناك في فترة تمتد من عشرين إلى ثلاثين عاماً فإن هؤلاء اليهود سيطورون هذا القطر ويكونون حرساً فعالاً يحمي قناة السويس». يضاف إلى ذلك أن اليهود وجدوا الوزراء الإنجليز من يتحمس لقضيتهم أمثال جورج لويد رئيس الوزراء، وآرثر بلفور وزير الخارجية. وفيما يلي نعرض لتصريح بلفور وأسبابه.



مقدمات صدور تصريح بلفور

لما أطلت الحرب العالمية الأولى برأسها، وكشرت عن أنيابها في عام 1333 ﻫ/ 1914 م انضمت تركيا إلى جانب ألمانيا وحلفائها ضد إنجلترا وفرنسا وحلفائهما مما أزعج بريطانيا وجعلها تحاول كسب ود العرب لضمهم إليها من أجل تحقيق أهدافها، ونجحت في ذلك إلى حد كبير.

أما عن اليهود فقد اتخذوا موقفاً وسطاً بين المعسكرين المتنازعين، فبعضهم أعلن تأييده للمعسكر الألماني التركي واتصلوا بالسلطان العثماني، وعرضوا عليه القيام بتسديد ديون الدولة العثمانية وتجنيد جيش من يهود بولونيا للمحاربة بجانب الأتراك مقابل التنازل عن فلسطين، يضاف إلى ذلك قيام هؤلاء بالاتصال بالإمبراطور الألماني "وليم الثاني" ووعودهم له بالمساندة في نظير توسطه للحصول من السلطان العثماني على تصريح بإقامة شركة يهودية تحت حماية ألمانيا في فلسطين، ولكنهم لم يجدوا استجابة واضحة منه([18]).

أما البعض الآخر فقد اتجه نحو بريطانيا، وحاول أن يؤكد لها بأن موافقتها على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين يساعد على ترسيخ النفوذ البريطاني في بلاد الشرق الأوسط والهند.

وعلى كل حال فبعد أن استطاع القائد الإنجليزي "اللنبي" دخول فلسطين في عام 1335 ﻫ/ 1917 م وضعت بريطانيا السير "هربرت صمويل" Herbert samuel أحد أقطاب الصهيونية والإنجليزي الجنسية مندوباً لها في فلسطين، وقد عمل هذا المندوب على تقريب وجهات النظر بين الإنجليز واليهود بشأن فلسطين، يضاف إلى ذلك تمكن الزعيم الصهيوني "حاييم وايزمان" من الاتصال باللورد آرثر جيمس بلفور، وإثارة اهتمامه بشؤون اليهود وضرورة توطيئهم في أرض فلسطين، ونتيجة لذلك طلب بلفور من زعماء الحركة الصهيونية تقديم مشروع يوضح مطالبهم في فلسطين.



أسباب صدور تصريح بلفور

تعددت الأقوال حول أسباب صدور هذا التصريح وإن كانت في مجملها تدور حول ما يلي:



1 - محاولة بريطانيا كسب عطف يهود العالم وخاصة يهود أمريكا في حربها مع ألمانيا حتى يضغطوا على الحكومة الأمريكية لدخول الحرب بجانب الإنجليز، وحتى تضمن بريطانيا فتح أسواق المال العالمية لها أثناء الحرب([19]).

2 - تطلع بريطانيا إلى الحصول على اختراع عالم الكيمياء اليهودي "حاييم وايزمان" رئيس المنظمة الصهيونية في بريطانيا والخاص بإخراج وسيلة قليلة التكاليف لإنتاج مادة الأسيتون Aceton التي كانت تستعمل كمذيب للبارود، والتي كانت بريطانيا في حاجة لها أثناء الحرب، ومن هنا لجأت إلى إرضاء اليهود وحبذت فكرة إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.

3 - تطلع بريطانيا إلى مساندة العناصر الصهيونية في ألمانيا والنمسا لها كي يقوم هؤلاء بدورهم المخرب من داخل هذه الدول المعادية لبريطانيا، بالإضافة إلى سحب أموالهم من بنوك هذه الدول حتى يهتز اقتصادها([20]).

4 - خشية بريطانيا من أن يسبقها الألمان في كسب ود اليهود وإصدار وعد لهم بالاستيطان في فلسطين([21]).

5 - رغبة بريطانيا جذب اليهود في صفها حتى يصبحوا أعواناً لها في منافسة فرنسا لها في بلاد الشام.

6 - زرع دولة غريبة في قلب الوطن العربي حتى تكون مصدر قلق واستنزاف دائم لأبناء الأمة العربية.

7 - محاولة إبقاء روسيا في الحرب بعد قيام الحركة الشيوعية فيها - خصوصاً - وأن اليهود كانوا يسيطرون على الصناعات الروسية، ولهم دور قيادي في الأحداث هناك.

8 - رغبة بريطانيا في حماية مركزها في مصر وتأمين طرق مواصلاتها هناك، وذلك عن طريق مساندة اليهود لهم في فلسطين([22]).

التصريح من الناحية القانونية

وتصريح بلفور من الناحية القانونية لم يكن سوى رسالة صادرة من وزير خارجية بريطانيا إلى اللورد روتشيلد أحد أثرياء اليهود، وأبرز زعماء الإنجليز من الصهاينة نصها:

عزيزي اللورد روتشلد:

يسرني جداً أن أنقل لكم باسم حكومة جلالة الملك هذا التصريح المشوب بالعطف على الأماني اليهودية الصهيونية الذي دفع إلى الحكومة ووافقت عليه.

«إن حكومة صاحبة الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وسوف تبذل أقصى جهدها لتحقيق هذه الغاية، هذا مع العلم أن حكومة جلالة الملك لن تفعل شيئاً ينطوي على أي مساس بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في فلسطين، ولا بحقوقهم أو مركزهم السياسي الذي يتمتعون به في البلدان الأخرى»([23]).

وعند تحليلنا للتصريح يتضح أنه يحتوي على شقين:

يتضمن الشق الأول عطف الحكومة البريطانية على فكرة تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين وبذل جهودها من أجل تحقيق هذه الغاية. حقيقة أن التفسيرات تعددت حول مضمون التصريح على ألسنة الزعماء البريطانيين([24]) بأسلوب يرضي العرب أحياناً ويتحاشى سخط اليهود أحياناً أخرى فقال بعضهم إن هذا التصريح لا يعني البدء في إنشاء وطن قومي لليهود مباشرة وإنه لم يعد اليهود بشيء محدود ملموس وقال البعض الآخر إنه منح اليهود كل شيء([25]).

وإلى جانب ذلك فإن الكنيسة الإنجليزية أعربت عن معارضتها لهذا التصريح ورأت بأن إيجاد مركز لليهود في فلسطين سيكون معادياً للمسيحية([26]).

أما عن الشق الثاني من التصريح فيتضمن مساندة بريطانيا للحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين وتجنب ذكر كلمة عرب وهذا يعني وضع عرب فلسطين في عداد الأقليات على حين كانت نسبتهم في ذلك الوقت تزيد على 90 % في حين وصف الأقلية اليهودية التي كانت تعيش في فلسطين بأنها الشعب اليهودي. ومن هنا فالتصريح يتناقض في عباراته خصوصاً وأن اليهود لم يكونوا سوى أفراد مشتتين في جميع أنحاء العالم على حين كان العرب هم أصحاب فلسطين يضاف إلى ذلك أن هذا التصريح لم يكن له سند في القانون أو العرف الدولي وليس له في التاريخ ما يؤيده من سوابق خاصة وأن فلسطين كانت عند صدور هذا الوعد جزءاً من ممتلكات الدولة العثمانية ولم يبت في وضعها بصفة دولية، ومن هنا فإن الحكومة البريطانية قد أعطت لليهود ما لا تملكه، وخولت لنفسها حق التصرف في بلد ليست لها عليه أية ولاية.

ومع كل ذلك فقد قضت السياسة المرحلية في تنفيذ تصريح بلفور في طريقها في غير هوادة لإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين كخطوة لإنشاء الدولة اليهودية، وتعاونت الحركة الصهيونية مع الحركة الاستعمارية وغدت بريطانيا أداة طيعة في يد الصهاينة([27]).

موقف العرب من تصريح بلفور

في الوقت الذي قوبل فيه تصريح بلفور من اليهود بفرح بالغ وحماسة شديدة، فإن العرب استاءوا عند سماعهم بهذا التصريح استياءاً شديداً، إذ رأوا فيه اعتداءاً على قطر عربي وسلباً لحقوق أهله، وتسليمه لليهود، ومن هنا سارعوا في الاتصال بالحكومة البريطانية تجاه عرب فلسطين.

وعلى الرغم من أن بريطانيا قد أكدت أنها لم تسمح بإسكان اليهود في فلسطين إلا بالقدر الذي يتفق مع حقوق العرب وحريتهم السياسية والاقتصادية، فإن العرب وقد تزايدت ريبتهم نحو نوايا بريطانيا في فلسطين خاصة وأن هذا التصريح تجاهل ما سيلحق بالعرب من جراء فتح أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتسهيل انتقال أراضيهم لليهود، يضاف إلى ذلك أن هذا التصريح قد عمد إلى تجاهل عرب فلسطين الذين كانوا يمثلون 93 % من إجمالي السكان فلم يذكروا حتى بالاسم بل أشار إليهم بالجماعة غير اليهودية.

ونتيجة لذلك انعقدت العديد من المؤتمرات العربية التي أعلنت رفضها لتصريح بلفور، وهجرة اليهود إلى فلسطين وطالبت بإلغاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وإعطاء أهل فلسطين حق تقرير المصير، فعلى سبيل المثال عقد مؤتمر في القاهرة عام 1357 ﻫ/ 1938 م باسم المؤتمر البرلماني العالمي، وقرر بطلان تصريح بلفور لأنه اعتداء على حقوق العرب، وعلى ما أعلنه الرئيس الأمريكي ولسن من مبادئ في عام 1336 ﻫ/ 1917 م، هذا إلى جانب أنه إلغاء لما التزمت به عصبة الأمم من مبادئ([28]).

كما أعرب الوطنيون السوريون المقيمون في مصر عن معارضتهم لتصريح بلفور، وعقدوا عدة اجتماعات للإعراب عن احتجاجهم عليه، كما أرسلوا مبعوثين من قبلهم إلى الشريف حسين في مكة للاستفسار عن السياسة البريطانية الخاصة بفلسطين، وما يجب أن يتخذ حيالها([29]) ونتيجة لذلك طلب الشريف حسين إيضاح الأمر من بريطانيا فأخبرته بمضمون التصريح وأعربت له عن أن الإنجليز سيعملون ما فيه الخير للعرب([30]).

يضاف إلى ذلك أن الوطنيين السوريين المقيمين في مصر أرسلوا ببرقية احتجاج على التصريح إلى بلفور بتاريخ 14 من نوفمبر 1917 م بينوا فيها أن فلسطين جزء لا يتجزأ من بلاد الشام، ولا يمكن فصلها سياسياً أو اجتماعياً عنها([31]).

ولم يقتصر أمر الاحتجاج على وعد بلفور على عرب المشرق بل امتد نطاقها إلى أفراد الجاليات الإسلامية في أوربا حيث قدموا احتجاجاتهم إلى الحكومة البريطانية موضحين عدم شرعية الادعاءات الصهيونية في فلسطين.

وهكذا وقف العرب موقف المعارضة من التصريح، ومن الإنجليز والصهاينة.

موقف اليهود من تصريح بلفور

عد معظم اليهود([32]) تصريح بلفور خطوة نحو تحقيق تنبؤات كتبهم المقدسة ونهاية لآلامهم، وأن عودتهم إلى فلسطين أصبحت مسألة واقعية وكان من نتائج ذلك ما يلي:

1 - جمع هذا التصريح اليهود حول هدف واحد هو إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، فحتى هذا الوقت لم تكن الصهيونية تفكر في إقامة الدولة اليهودية، ومن الثابت أن اليهود ترددوا في المكان الذي ستقام عليه دولتهم، وكانت جماعة منهم تعارض فكرة استيطان أرض فلسطين، ولم تتوقف معارضتها إلا بعد تصريح بلفور.

2 - نشطت المجهودات الصهيونية بعد صدور التصريح في العمل على إقامة الدولة اليهودية بفلسطين على حساب العرب أصحاب البلاد الأصليين، واتخاذهم من التصريح سنداً قانونياً لهم في معظم تحركاتهم، وقد أسفر عن ذلك القبول الرسمي البريطاني بتشكيل لجنة صهيونية تجسد التشكيل المدني الذي يعمل جنباً إلى جنب مع الإدارة العسكرية في حكم فلسطين([33]).

صك الانتداب البريطاني على فلسطين 1341 ﻫ/ 1922 م

نص ميثاق عصبة الأمم في مادته الثانية على ما عرف بصك الانتداب. وفي مؤتمر سان ريمو تم وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني مع الالتزام بتنفيذ وعد بلفور، مما نقل الأوضاع داخل فلسطين من التزام بريطاني إلى التزام دولي.

وقد اشتمل قرار الانتداب على 128 مادة منها سبع مواد تتعلق بمسألة الوطن القومي لليهودي في فلسطين وإتاحة الفرصة ليهود العالم بالهجرة إليها، وتسهيل حصولهم على الجنسية فيها([34]) وإنشاء الوكالة اليهودية للتعاون مع حكومة الانتداب البريطاني في تسيير أمور اليهود الوافدين إلى فلسطين([35]).

وفي ظل ذلك خضعت فلسطين لإدارة عسكرية قامت بمساعدة اليهود في فتح أبواب الهجرة لهم، وسرعان ما ألغت بريطانيا هذه الإدارة العسكرية وأبدلتها بإدارة مدنية وضعت على رأسها وزيرها اليهودي "هربرت صمويل" الذي ساند الحركة الصهيونية، وقام بتنفيذ ما ورد في تصريح بلفور، ففتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية ونتيجة لذلك سارت عملية التهويد في عدة خطوط متوازية هي:


1 - إغراق فلسطين بأفواج متلاحقة من يهود العالم حتى تكون لهم الغالبية العددية.

2 - استخدام كافة الوسائل لنقل ملكية الأراضي من العرب إلى اليهود.

3 - السيطرة على اقتصاديات فلسطين بهدف فتح مجالات عديدة للعمل أمام اليهود، وخنق عرب فلسطين اقتصادياً.

4 - العناية بالمؤسسات الدينية والثقافية والاجتماعية لليهود في فلسطين([36]).


وهكذا يتضح أن صك الانتداب جاء في الأصل منافياً للهدف الذي أنشئ من أجله نظام الانتداب وهو مساعدة الشعوب في تطوير نفسها بواسطة دولة كبيرة متقدمة يضاف إلى ذلك أن بريطانيا قد وضعت وعد بلفور موضع التنفيذ العملي مما كان له أكبر الأثر في منشأ كل الاضطرابات التي حدثت في عهد الانتداب البريطاني لفلسطين.

كفاح الشعب الفلسطيني للحفاظ على عروبة بلاده

نشط كفاح عرب فلسطين للحفاظ على عروبة بلادهم بعد صدور تصريح بلفور، فتعددت الاجتماعات وتألفت في مدن فلسطين جمعيات تحت اسم "الجمعيات المسيحية"([37]) دلالة على تضامن الفلسطينيين "مسلمين ومسيحيين" ضد خطة بريطانيا والصهيونية الخاصة بتهويد فلسطين، كما تكونت لجنة تنفيذية للإشراف على الحركة الوطنية ومواجهة الدعاية الصهيونية على اختلاف أجهزتها ببسط قضيتهم وحقوقهم في بلادهم كما حددت اللجنة مهمتها داخل فلسطين بمواجهة كل محاولة تحاول الانتقاص من الحقوق العربية أو تساعد على تحقيق فلسطين تعبيراً عن السخط على السياسة البريطانية([38]).

وتبلور برنامج كفاح عرب فلسطين في الأهداف الرئيسية التالية:


1. إلغاء تصريح بلفور.

2. رفض الاعتراف بالانتداب البريطاني على فلسطين.

3. استقلال فلسطين.

4. تأسيس حكومة فلسطينية نيابية([39]).


ونتيجة لخطورة الموقف الناجم عن غضبة عرب فلسطين حاولت بريطانيا تهدئة الأمور في محاولة منها لتحويل الحركة الوطنية عن غايتها وذلك عن طريق تشكيل لجان للتحقيق تارة، ودعوة زعماء العرب إلى مؤتمرات لبحث الأمر تارة أخرى، ولكن ذلك كله لم يأت بنتيجة عملية سوى استياء العرب من السياسة البريطانية المؤيدة للصهيونية.

ونتيجة لتفاقم الأمور وقع صدام في القدس بين العرب واليهود في أبريل عام 1920 م سقط فيه عدد من القتلى والجرحى من الجانبين، وقد أعقب هذا الصدام قيام مظاهرة عربية نادت بوحدة فلسطين وسورية والاستقلال، وسقوط الصهيونية والانتداب، ولحسم الموقف شكلت بريطانيا لجنة عسكرية لمحاكمة المحرضين على هذه المظاهرة حكمت بالسجن على بعض الزعماء العرب([40])، وفي عام 1921 م قامت ثورات خطيرة في فلسطين أسفرت عن قتل وإصابة العديد من اليهود والعرب ولتمييع الموقف دعت بريطانيا زعماء الفلسطينيين العرب إلى لندن لمفاوضة الحكومة البريطانية بشأن تأسيس حكومة فلسطينية ونتيجة لإصرار العرب على إلغاء وعد بلفور، ووقف الهجرة اليهودية حاولت بريطانيا تهدئة نفوس العرب فأصدر ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطاني بياناً رسمياً في 3 يونيو 1922 م عرف باسم "الكتاب الأبيض" حاول فيه بث الطمأنينة في نفوس العرب والقضاء على مخاوفهم، كما أنه أكد أيضاً عزم بريطانيا على تحقيق رغبة الصهيونية في فلسطين، ففي حين أنكر أن الهدف من تنفيذ تصريح بلفور جعل فلسطين برمتها يهودية فقد دافع عن اليهود في فلسطين مدعياً عدم رغبتهم في أن يكون لهم أي قسط في إدارة شؤون البلاد العامة.

وعلى كل حال فإنه يمكن تلخيص بنود هذا الكتاب في النقاط الآتية:

1 - أن تصريح بلفور «غير قابل للتغيير» مما سبب صدمة للأماني العربية، وأكد تصميم بريطانيا على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

2 - أن الوجود اليهودي في فلسطين ستسانده بريطانيا وتؤيده.

3 - عزم بريطانيا على إنشاء الحكم الذاتي في فلسطين([41]).

وقد رفض العرب هذا الكتاب، وهاجموا العديد من نقاطه التي ترمي إلى إفناء عرب فلسطين في حين رحب به الصهاينة في أول الأمر للمكاسب التي حققها لهم.

وعلى كل حال فقد تدفق عدد من المهاجرين اليهود على فلسطين كما زادت مساحة الأراضي التي امتلكوها بتشجيع من السلطات البريطانية وهكذا كان الكتاب الأبيض تأكيداً لسياسة بريطانيا المناصرة لليهود وإجحافاً بحقوق العرب.

كل ذلك أدى إلى اندلاع ثورة عرب فلسطين في عام 1929 م والتي استمرت خمسة عشر يوماً وعرفت بثورة البراق.

ثورة البراق (حادث المبكى) 1929 م

تجددت الاضطرابات في فلسطين بما يعرف بحادث البراق عند العرب والمبكى عند اليهود حيث ادعى اليهود أن حائط المبكى أثر من آثار هيكلهم الزائل في حين يعده المسلمون من الآثار الإسلامية المقدسة حيث ربط فيه النبي محمد r جواده الذي عرج به إلى السماء، لذلك فهو تراث إسلامي وذخر من ذخائر المسلمين التي ورثوها جيلاً بعد جيل وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها([42]).

وكان اليهود قبيل وعد بلفور، وقبيل استفحال نفوذهم في فلسطين يذهبون إلى هذا الحائط، ويبكون عنده تاريخهم الغابر ولما استفحل نفوذهم خرقوا هذه التقاليد التي جروا عليها من زمن بعيد وبدأوا في إقامة "ساتراً" على الحائط ورفضوا إزالته، مما أدى إلى إثارة ثائرة العرب.

ونظراً لتفاقم الموقف قام الإنجليز بإزالة هذا الساتر، وكان من الممكن أن يتوقف الأمر عند هذا الحد، ولكن اليهود استغلوا هذا الموقف في الدعاية بأن حريتهم الدينية قد أهدرت، وقاموا بمظاهرات صاخبة اصطدموا خلالها بالعرب مما أدى إلى سقوط مئات من القتلى والجرحى من الفريقين، ونظراً لذلك شكلت الحكومة البريطانية لجنة للتحقيق في عام 1930 م أوصت بالحد من هجرة اليهود إلى فلسطين، والحد من انتقال الأراضي الفلسطينية إلى أيدي اليهود، كما دعت بريطانيا زعماء العرب الفلسطينيين إلى لندن للتفاوض، ولكن المفاوضات فشلت نتيجة لإصرار تمسك الإنجليز بوعد بلفور والانتداب على فلسطين.

الكتاب الأبيض 1930 م

رأت بريطانيا أن واجبها كدولة منتدبة على فلسطين أن تحاول تهدئة الأمور فأصدرت في عام 1930 م ما يعرف بالكتاب الأبيض الذي حاولت فيه إزالة المخاوف العربية، وأهم ما جاء في هذا الكتاب هو:

1 - أن الوطن القومي لليهود في فلسطين لا يراد به فرض الجنسية اليهودية على فلسطين إجمالاً.

2 - وأن بريطانيا لا تخل بواجبها تجاه الفلسطينيين إرضاء لآراء المتطرفين الصهاينة.

3 - وأنها لا تسمح بزيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين بما لا تتحمله موارد هذه البلاد الاقتصادية.

4 - وأنه ليس من حق الوكالة اليهودية المشاركة في حكم البلاد بل من حقها إسداء النصح والمعونة فقط.

5 - وأن بريطانيا ستمنح الفلسطينيين نوعاً من الحكم الذاتي في الوقت المناسب.

6 - وأنها ستوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين في الحالات الضرورية([43]).

وعند تحليلنا لنصوص هذا الكتاب نجد أنه إذا كان قد وقف بجانب عرب فلسطين في بعض المسائل فيما يختص بمسألة الهجرة والأرض فإنه لم يغير شيئاً في جوهر السياسة البريطانية تجاه فلسطين من حيث تمسكها بإقامة وطن لليهود في فلسطين واتخاذها من صك الانتداب وسيلة تسوغ به سياستها المساندة لليهود.

ثورة 1936 م

بعد أن يئس عرب فلسطين من الوصول إلى حل يحقق لهم مطالبهم العادلة بالطرق السلمية نتيجة لتأييد بريطانيا لليهود أعلن الشعب الفلسطيني ثورته ضد الإنجليز أنفسهم فتألفت لجنة سرية عربية في حيفا في نوفمبر 1935 م برئاسة الشيخ عز الدين القسام، كان هدفها الجهاد لتحرير فلسطين عن طريق إرهاب الإنجليز والفتك بدورياتهم، وقد نجحت هذه الجماعة في الفتك بعدد غير قليل من الإنجليز، ونتيجة لذلك جردت الحكومة البريطانية حملة عسكرية ضخمة ضد أفراد هذه الجماعة، استشهد فيها الشيخ القسام وعدد من أفراد جماعته بمنطقة جنين في نوفمبر 1935 م([44]) مما أثار ثائرة الفلسطينيين الذين حولوا جنازة الشهداء إلى مظاهرة شعبية ضخمة هتفوا فيها ضد الإنجليز. ولما قام الإنجليز بالتحرش بالمشيعين هاجمهم المشيعون بضراوة وتعقبوهم حتى مركز البوليس الذين دمروا أبوابه ونوافذه، وفي أعقاب ذلك تفاقم الموقف واشتعلت نيران ثورة 1936 م ضد الإنجليز حيث اتحدت الأحزاب الفلسطينية في هيئة عربية عليا دعت إلى الإضراب العام في فلسطين كلها، وقطعت خطوط المواصلات، وهاجمت المستعمرات البريطانية. وعلى الرغم من محاولات بريطانيا قمع هذه الثورة بالقوة([45]) فقد استمر أوارها مشتعلاً مائة وستة وسبعين يوماً هجر اليهود خلالها مستعمراتهم، وتجمعوا في المدن الفلسطينية الكبرى. وقد أصر عرب فلسطين خلال هذه الثورة على ما يلي:

1 - وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين تماماً.

2 - منع انتقال الأراضي إلى اليهود.

3 - إنشاء حكومة وطنية وحياة برلمانية.

ولقد كان لهذه الثورة صداها في بلدان العالم عامة والوطن العربي خاصة، فقد أخذت الصحف العالمية تتابع أحداث الثورة وتنشر تحقيقاتها، كما توالت احتجاجات الحكومات العربية على السياسة البريطانية في فلسطين، وتوافد المتطوعون من الأقطار العربية لنصرة إخوانهم الفلسطينيين ولم تهدأ الثورة إلا بعد أن تدخل رؤساء بعض الحكومات العربية في الأمر بعد إقناعهم لبريطانيا لبحث مطالب الشعب الفلسطيني بروح العدل([46]) ووعدت بريطانيا ببحث المطالب العربية، وعادت الحكومة البريطانية إلى سياسة تشكيل اللجان، والمراوغة لكسب الوقت وتسكين الأمور فشكلت "لجنة بيل" لدراسة أسباب الاضطرابات وتقديم توصياتها على أساس تنفيذ صك الانتداب والوفاء بالتزامات بريطانيا نحو العرب واليهود.

وقد تقدمت اللجنة بتقريرها في عام 1937 م موضحة فيه الأسباب التي أدت إلى تلك الاضطرابات متمثلة في رغبة العرب في نيل استقلالهم القومي، ورفضهم لفكرة إنشاء وطن قومي لليهود، وزيادة هجرة اليهود إلى فلسطين مع استمرار انتقال ملكية الأراضي إليهم.

واقترحت اللجنة كعلاج للمشكلة تقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق هي:

1 - دولة يهودية في الأراضي التي يكون اليهود أكثر سكانها وهي تشمل أجود الأراضي الفلسطينية من حدود لبنان إلى جنوبي يافا وتشمل عكا وحيفا وصفد وطبرية والناصرة وتل أبيب وترتبط الدولة الجديدة مع بريطانيا برباط التحالف.

2 - دولة عربية وتشمل ما تبقى من أرض فلسطين تنضم إلى شرق الأردن، ويجري التبادل بين السكان في كل من هاتين الدولتين.

3 - توضع الأماكن المقدسة أي بيت المقدس، وبيت لحم وممر يصل بينهما من جهة وبين يافا من جهة أخرى تحت الانتداب البريطاني الذي يشرف كذلك على الأماكن المقدسة حول بحيرة طبرية والناصرة.

4 - اقترحت اللجنة أن تدفع الدولة اليهودية وبريطانيا مساعدات للدولة العربية، وأن تعقد معاهدة جمركية بين الدولتين العربية واليهودية لتوحيد الضرائب بينهما إلى حد كبير([47]).

وبهذا التقسيم ظهر لأول مرة في تاريخ المشكلة الفلسطينية وثيقة رسمية تمكن اليهود من إقامة وطن قومي في فلسطين.

وقد رحبت الحكومة البريطانية بتقرير اللجنة خاصة وأنه يحقق لها توطيد سيطرتها على هذه البلاد، ووعدت بعرضه على عصبة الأمم لنيل موافقتها عليه.

وفي حين رفض العرب تقرير "لجنة بيل" رفضاً تاماً فقد رحب به معظم زعماء اليهود خاصة وأنه يمكنهم من إنشاء دولة يهودية في جزء من فلسطين يتخذونه ذريعة للاستيلاء على الجزء الآخر.

وإمعاناً في تحدي بريطانيا لشعور العرب عرض المشروع على عصبة الأمم في جنيف لدراسته ثم سرعان ما تخلت بريطانيا عن هذا المشروع نظراً لاستمرار الثورات العربية، وللصعاب السياسية والإدارية والمالية التي ينطوي عليها التقسيم ورأت أن تواصل الاضطلاع بمسؤوليتها في حكم فلسطين([48]).

مؤتمر الدائرة المستديرة 1357 ﻫ/ 1939 م

بعد أن عدلت بريطانيا عن فكرة التقسيم، عملت على إرضاء العرب فدعت مندوبين من عرب فلسطين، ومن الدول العربية، ومندوبين من اليهود إلى الاجتماع في لندن على مائدة واحدة، وقد رفض عرب فلسطين فكرة الاجتماع بمندوبي اليهود في مكان واحد، مما جعل الإنجليز يجتمعون بكل فريق على حدة وقد انفض المؤتمر في مطلع 1939 م دون أن يصل إلى أي اتفاق([49]) خصوصاً بعد أن ظهر البون الشاسع بين الحكومة العربية والمطالب الصهيونية، ونتيجة لذلك أصدرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض في 17 مايو 1939 م متضمناً خطتها السياسية الجديدة نحو القضية الفلسطينية.

الكتاب الأبيض 1358 ﻫ/ 1939 م

بعد أن فشلت بريطانيا في إنجاح مؤتمر المائدة المستديرة أعلنت أنها ستقدم حلاًّ عادلاً للقضية بعد موافقة مجلس العموم البريطاني عليها([50]) فأصدرت الكتاب الأبيض الثالث في عام 1939 م والتي أوضحت فيه سياستها الجديدة بشأن فلسطين، وحاولت أن تظهر فيه بمظهر المنصف بين العرب واليهود، ومن هنا حاولت أن تكون عباراته مطاطة وغير محددة وتحتمل أكثر من معنى فأعلنت أن التزامها لليهود في تصريح بلفور لا يعني تحويل فلسطين إلى دولة يهودية بل ينبغي أن تقوم فيها دولة فلسطينية مستقلة ترتبط برباط التحالف مع بريطانيا، ويتم إنشاؤها بعد انقضاء فترة انتقال مدتها عشر سنوات يتوطد خلالها الأمن والنظام في فلسطين توطيداً كافياً، ويرأسها حاكم إنجليزي يعاونه ستة أعضاء من العرب، ويهوديان.

وعن الهجرة اليهودية أقر الكتاب الأبيض استمرارها خلال السنوات الخمس القادمة بخمسة وسبعين ألفاً([51]) وبعدها يقفل باب الهجرة إلى فلسطين تماماً، ولا يصرح به إلا بعد موافقة عرب فلسطين أنفسهم([52]). وبذلك ظنت بريطانيا أنها أوفت بوعودها لليهود بمساعدتهم على إنشاء وطن قومي كما أنها أرضت العرب بتحديد هجرة اليهود إلى فلسطين.

أما بشأن الأراضي وانتقالها إلى اليهود فقد صدر تشريع عام 1940 م قسم فلسطين إلى ثلاث مناطق:

1 - منطقة يسمح فيها ببيع الأراضي العربية لليهود دون قيد أو شرط. وقد لوحظ أن هذه الأراضي تشمل أجود المناطق الساحلية وأخصبها.

2 - منطقة يتوقف فيها البيع إلا بتصريح خاص من حكومة فلسطين.

3 - منطقة يحظر فيها البيع البتة حتى يتسنى للعرب المحافظة على ما يتبقى بأيديهم من الأراضي([53]).

وقد رفض اليهود توصيات الكتاب الأبيض رفضاً باتاً، وكذلك رفضها عرب فلسطين وأعلنوا عدم تعاونهم مع الحكومة البريطانية في تنفيذها لأنها لم تحقق مطالبهم الأساسية وهي إلغاء تصريح بلفور، وإعادة فلسطين إلى وجهها العربي الصحيح، يضاف إلى ذلك أن مندوبي الدول العربية التي شاركت في مؤتمر المائدة المستديرة بلندن([54]) قد رفضت هذه التوصيات نظراً لما يحيط بها من غموض([55]).

ونتيجة لذلك وجدت الحكومة البريطانية نفسها في موقف صعب مليء بالمتناقضات والأخطار، وفي الوقت نفسه بدأ اليهود تنظيم هجرتهم غير المشروعة إلى فلسطين على مدى أوسع من ذي قبل إلى أن نشبت الحرب العالمية الثانية([56]).

نشوب الحرب العالمية ودخول القضية الفلسطينية في معترك جديد

وبنشوب الحرب العالمية الثانية 1939 م وظهور نتائجها دخلت القضية الفلسطينية في طور جديد تمثل فيما يأتي:

1 - دخول الولايات المتحدة الأمريكية كعامل جديد في المشكلة بجانب بريطانيا بتأثير من الصهيونية العالمية.

2 - إنشاء جامعة الدول العربية، وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية عربية.

3 - تحويل مركز الثقل المساند للصهيونية من بريطانيا إلى أمريكا([57]) بعد محاولات الإنجليز الحد من هجرة اليهود إلى فلسطين.

4 - الاتجاه بالقضية إلى المحيط الدولي واحتلالها شطراً كبيراً من اهتمام الرأي العام العالمي.

5 - استغلال اليهود ظروف الحرب لصالحهم، ونشر دعايتهم عن الاضطهاد النازي الذي تعرضوا له، وعن أهمية إيجاد حل لمشكلتهم.

ونتيجة لهذه الأمور مجتمعة استطاع اليهود استدرار عطف الولايات المتحدة عليهم لدرجة أنها أعلنت عن عزمها فيما عرف بتصريح "بلتيمور"([58]) على إقامة دولة يهودية في فلسطين وإطلاق الهجرة إليها([59]).

يضاف إلى ذلك قيام الرئيس الأمريكي "ترومان" بتأييد اليهود في فلسطين وتأييد هجرتهم إليها فأرسل إلى المستر "اتلي" رئيس وزراء بريطانيا في 31 من أغسطس 1945 م يؤيد فتح أبواب فلسطين لليهود النازحين من ألمانيا ويطالب بهجرة مائة ألف يهودي إليها.

ونتيجة لذلك رأت بريطانيا أن تشرك الولايات المتحدة في هذه القضية، وقد رحبت أمريكا بهذه الدعوة ورأت الدخول إلى جانب بريطانيا لتحقيق أهداف الصهيونية في فلسطين([60])، ومن هنا تشكلت اللجنة البريطانية الأمريكية في عام 1946 م لبحث هذه المشكلة، وتقصي الحقائق حول القضية الفلسطينية.

وقد أصدرت هذه اللجنة تقريرها في 20 من أبريل 1946 بتأييد المطالب الصهيونية عملياً فرأت ضرورة السماح لمئة ألف يهودي بالهجرة إلى فلسطين، كما اعترفت بأن فلسطين وحدها لا تستطيع حل مشكلة اليهود المتشردين من الاضطهاد النازي.

وقد احتج العرب على تقرير هذه اللجنة، وعقد مجلس الجامعة العربية اجتماعاً في "بلودان" عام 1946 م أوضح فيه رفضه لقرار اللجنة البريطانية الأمريكية، ورفضه لقرار التقسيم كحل للمشكلة الفلسطينية.

وعلى كل حال فبعد مشاورات مستمرة بين بريطانيا والولايات المتحدة أعلنت الحكومة البريطانية عن مشروع جديد لحل القضية الفلسطينية عرف «بمشروع موريسون» ويقترح هذا المشروع تقسيم فلسطين إلى أربع مناطق إدارية: منطقة عربية، ومنطقة يهودية، ومنطقتين تحت الإدارة البريطانية هما "القدس" و"النقب"([61]) على أن تقوم في المنطقتين العربية واليهودية حكومات محلية تمارس مظاهر التشريع والإدارة ويكون أمر العلاقات الخارجية والدفاع والجمارك بيد الحكومة البريطانية.

وقد رفض العرب هذا المشروع جملة وتفصيلاً، وتقدموا بمشروع طالبوا فيه بإقامة دولة موحدة في فلسطين وإيقاف الهجرة اليهودية إليها، واحترام حرمة الأماكن المقدسة، ولكن بريطانيا أصرت على أن مشروع موريسون هو الحل الأمثل بالنسبة لقضية فلسطين([62]).

القضية الفلسطينية أمام هيئة الأمم المتحدة 1366 ﻫ

ونظراً لتعقد الأمور بالنسبة للقضية الفلسطينية انتقلت المشكلة برمتها إلى هيئة الأمم المتحدة التي قررت تأليف لجنة تحقيق من ممثلي إحدى عشرة دولة محايدة هي: استراليا، وكندا، وتشيكوسلوفاكيا، وجواتيمالا، والهند، وهولندا، وإيران، وبيرو، والسويد، وأورجواي، ويوغوسلافيا.

وقد انتهت اللجنة من وضع تقريرها في الحادي والثلاثين من أغسطس 1947 والذي أوصت به الأغلبية ويرمي إلى تقسيم فلسطين إلى دولة عربية، وأخرى يهودية، ومنطقة دولية في القدس تكون تحت رقابة الأمم المتحدة وإلى إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، ومنح فلسطين الاستقلال، والعمل على حل مشكلة اليهود المشردين في أوربا.

وقد صدر قرار التقسيم في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1947 م([63]) بأغلبية 33 صوتاً مقابل 13 صوتاً وامتناع عشر دول عن التصويت. وفي أعقاب ذلك أعلنت بريطانيا عن استعدادها لسحب قواتها من فلسطين في 14 من مايو([64])، كما عينت الأمم المتحدة لجنة للإشراف على تنفيذ قرار التقسيم([65]).

وهكذا كان قرار الأمم المتحدة الخاص بتقسيم فلسطين، وفي حين هلل له اليهود، صدم العرب به صدمة كبيرة، وانفجرت ثورتهم، واشتبكوا مع اليهود في مصادمات واسعة داخل فلسطين مما جعل الوضع بالغ الخطورة وأدى إلى نزاع دموي رهيب كان له رد فعل داخل أروقة الأمم المتحدة وأدى إلى انعقاد مجلس الأمن لمناقشة الأوضاع داخل فلسطين، ومناشدته لجميع الحكومات والشعوب وبنوع خاص في داخل فلسطين وما حولها لاتخاذ الوسائل الممكنة لتخفيف حدة النزاع القائم في فلسطين([66])، كما طلب المجلس من الجمعية العامة للأمم المتحدة بحث القضية الفلسطينية من جديد.

وقد احتج اليهود على ذلك، وأكدوا عزمهم على إعلان دولتهم في قسمهم الذي منحهم إياه مشروع التقسيم.

وعلى كل حال فقد ازدادت الأمور تعقيداً واضطراباً داخل فلسطين، وبدأت حرب العصابات بين العرب واليهود ارتكب اليهود خلالها المذابح الرهيبة في "دير ياسين" وغيرها والتي راح ضحيتها الكثير من النساء والأطفال.

ومضى اليهود في ترويع عرب فلسطين لإجبارهم على الهجرة منها، ونتيجة لذلك تدفق المتطوعون من البلدان العربية لمساندة إخوانهم في فلسطين([67]).

وخلال ذلك أعلنت بريطانيا أنها ستنهي انتدابها على فلسطين 14 من مايو 1948 م، وفي حين أخذت القوات البريطانية في الرحيل عن فلسطين حدثت العديد من المجازر البشرية بين العرب واليهود على مرأى ومسمع من السلطات البريطانية([68])، وفي منتصف ليلة 15 من مايو 1948 م غادر المندوب السامي البريطاني ميناء حيفا معلناً انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وعلى أثر مغادرته أعلن بن جوريون قيام دولة إسرائيل([69])، وقد اعترفت بها الولايات المتحدة فور الإعلان عن قيامها([70]).

ونتيجة لذلك بدأت مرحلة الكفاح المسلح بين العرب واليهود حيث لم تجد الدول العربية بداً من التدخل العسكري في فلسطين لإنقاذ أهلها، فدخلت القوات العربية فلسطين في اليوم التالي لإنهاء الانتداب معلنة وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني ودفع الظلم عنه، وتمكينه من الدفاع عن نفسه حتى يحقق استقلال فلسطين.

وقد شكا مندوب الوكالة اليهودية الدول العربية إلى مجلس الأمن وطلب إصدار الأوامر إليها بالانسحاب من فلسطين في حين انبرى مندوب الهيئة العربية العليا إلى إبلاغ مجلس الأمن «أن الهيئة المذكورة التي تمثل الكثرة الساحقة من سكان فلسطين هي التي وجهت الدعوة إلى الدول العربية ترجوها فيها دخول الأراضي الفلسطينية»([71]) ومناصرة الحق الفلسطيني كما تلقى مجلس الأمن أيضاً طلباً من الحكومة الإسرائيلية تناشد فيه التدخل لوقف الزحف المصري، الأمر الذي أجاب عليه مندوب مصر بقوله: «إن البيت الذي بجوارنا يحترق بسرعة فمن حق مصر والحالة هذه، لا بل من أقدس واجباتها أن تسرع لإطفاء هذه النار»([72]).

وفي 17 من مايو تقدم مندوب الولايات المتحدة باقتراح يدعو فيه الفريقين إلى إيقاف إطلاق النار في خلال 36 ساعة على أساس أن الحالة في فلسطين تهدد السلم العالمي. وبعد مناقشات حامية وجه مجلس الأمن في 22 من مايو دعوته إلى المقاتلين بوقف القتال نهائياً في خلال 36 ساعة، وقد أعربت السلطات اليهودية عن استعدادها لوقف القتال إذا فعل العرب ذلك. وحسماً للموقف تقدم المندوب البريطاني باقتراح هدنة في فلسطين مدتها أربعة أسابيع تشمل ما يلي:

1 - عدم تصدير الأسلحة إلى فلسطين أو الدول العربية.

2 - عدم تجنيد أو تعبئة أو تدريب القادرين على حمل السلاح في فلسطين أو الدول العربية.

3 - عدم هجرة الذكور البالغين إلى فلسطين.

4 - تنفيذ وقف إطلاق النار من قبل الجانبين يوم الثلاثاء أول يونيو.

وبعد عدة مناقشات وافق مجلس الأمن على هدنة الأربعة الأسابيع، وحرم على الطرفين جلب الأسلحة مع السماح للمهاجرين اليهود بالقدوم على ألا يشتركوا في القتال خلال فترة الهدنة([73]).

ولقد كانت الغاية من عقد هذه الهدنة هو تسهيل مهمة "الكونت برنادوت" الوسيط الدولي في الوصول إلى اتفاق بين العرب واليهود. وعلى الرغم من تمكن الجيوش العربية من ناصية الأمور فقد قبل العرب بوقف القتال وقبول هدنة الأربعة الأسابيع، كما قبل به اليهود

وفي التاسع عشر من يونيو شرع "الكونت برنادوت" بإجراء المفاوضات في مقر عمله في "رودس" مع خبراء من العرب واليهود ليتمكن بذلك من وضع مقترحاته بشأن تسوية القضية الفلسطينية وكان اليهود خلال هذه الفترة يخرقون الهدنة، ويأتون بالمعدات والرجال غير عابئين بحرمة العهود، وكان ذلك بشهادة مراقبي الهدنة([74]).

وفي السابع والعشرين من يونيو تقدم "الكونت برنادوت" إلى العرب واليهود بمقترحات لتسوية مشكلة فلسطين أبرز ما جاء فيها هو:

1 - إنشاء اتحاد من دولتين، دولة عربية ودولة يهودية يشمل الأراضي التي كانت تحت الانتداب البريطاني عام 1922 م.

2 - تعيين لجنة خاصة تتولى تحديد تخوم هذا الاتحاد المنبثق من دولتين تفصل بينهما حدود يتم تعيينها.

3 - تكون مدينة القدس منطقة عربية على أن تتمتع الطائفة اليهودية فيها بالحكم الذاتي.

وبعد أن درست اللجنة السياسية العربية هذه المقترحات دراسة وافية أجابت عليها بالرفض لاستنادها على التقسيم كما رفضت اقتراح برنادوت بتمديد أجل الهدن لمدة شهر، وفي الساعة الثامنة من صباح اليوم التاسع من يوليو استأنفت الجيوش العربية القتال في فلسطين إلا أن "الكونت برنادوت" ناشد العرب واليهود وجوب تمديد الهدنة ولكن الجامعة العربية أعلنت عن رفضها لذلك مبررة أن الهدف من دخول الجيوش العربية هو إنقاذ فلسطين من طغيان العصابات الصهيونية الغاشمة ولإعادة الأمن والنظام إلى نصابها في فلسطين([75]).

وخلال هذه الفترة تمكن اليهود من استجماع قواهم وتحقيق أهدافهم بسلسلة من الاعتداءات الغادرة مستغلين التصدع الذي كانت تعانيه الجبهة العربية سواء من الناحية السياسية أم العسكرية فاستولوا على العديد من المناطق في فلسطين.

وانتهى الأمر بعقد هدنة "رودس" بين الدول العربية المجاورة لحدود فلسطين وإسرائيل، فتم عقد الهدنة بين مصر وإسرائيل في 24 من فبراير 1949 م، وبين لبنان وإسرائيل في 23 من مارس 1949 م وبين الأردن وإسرائيل في 3 أبريل 1949 م وأخيراً عقدت الهدنة بين سورية وإسرائيل في 20 من يوليو 1949 م([76]).

وينتهي الأمر بوقوف الشعب الفلسطيني وحيداً في الميدان أمام هذه القوى الغادرة ليقدم الضحايا بلا حساب.

ونتيجة لما حدث تسنى لليهود وضع أيديهم على فلسطين كلها عدا منطقتين هما:

1. منطقة غزة وقد تمركزت فيها القوات المصرية.

2. منطقة غرب الأردن التي انضمت فيما بعد إلى إمارة شرق الأردن وكونت معها المملكة الأردنية الهاشمية.

3. القدس وقد اقتسمت بين الأردن وإسرائيل.

وهكذا هزت حرب فلسطين الشعوب العربية كلها، وتبين لها العديد من مواضع القصور في مواجهة الموقف من أجل فلسطين.

تطورات القضية الفلسطينية من حرب 1948 إلى الانتفاضة

أخذ العدو الصهيوني بعد حرب 1948 م وطبقاً لخطته المرسومة ينطلق من إستراتيجية العدوان المستمر على الجبهة العربية عسكرياً وسياسياً بينما كانت الجبهة العربية تنطلق من إستراتيجية الدفاع المستمر.

ونتيجة لقرار الرئيس عبد الناصر تأميم قناة السويس في يوليو 1956 م استغل اليهود الفرصة وهجموا على قطاع غزة، وتمكنوا من الاستيلاء عليه، ولكنه أعيد إلى مصر بعد تدخل الدول الكبرى خصوصاً الولايات المتحدة التي فرضت إرادتها بخصوص انسحاب القوات المعتدية، واتخاذ قوات الطوارئ الدولية لمواقعها - بناء على قرار الأمم المتحدة في 5 نوفمبر 1956 م - على حدود سيناء، وفي خليج العقبة، وشرم الشيخ وغزة.

وفي محاولة من الشعب الفلسطيني لإثبات وجوده انطلقت الثورة الفلسطينية رافعة شعلة الجهاد في فاتح كانون الثاني (يناير) 1965 م واعتمدت في ذلك على مبادئ أساسية محددة أبرزها ما يلي:

1 - اعتماد الكفاح المسلح والثورة الشاملة كأسلوب وحيد لتحرير فلسطين وتصفية الكيان الصهيوني.

2 - ضرورة انصهار كل الطاقات الفلسطينية في بوتقة الثورة من أجل بروز الكيان الفلسطيني الثوري.

3 - رفض أي مساومة على حقوق الشعب الفلسطيني ورفض جميع المشاريع الاستعمارية.

4 - اعتماد الحرب الشعبية طويلة الأمد إستراتيجية للثورة الشاملة.

5 - إعطاء معركة تحرير فلسطين الأولوية على كافة القضايا العربية باعتبارها معركة البقاء بالنسبة للأمة العربية.

ولقد استطاعت الثورة الفلسطينية من خلال العديد من المعارك البطولية أن تثبت وجودها على مسرح الأحداث، وأن تحقق العديد من الإنجازات([77]).

ونتيجة لأعمال الفدائيين ضد إسرائيل بلغت حدة التوتر بين إسرائيل والدول العربية أشدها مما جعل الأمور تصل إلى حد الانفجار، وزاد الأمور تعقيداً مطالبة الحكومة المصرية من سكرتير عام الأمم المتحدة سحب قوات الطوارئ الدولية من غزة وشرم الشيخ وإغلاق خليج العقبة أمام السفن الإسرائيلية مما أدى إلى هجوم إسرائيل المفاجئ على المطارات والطائرات المصرية في صباح 5 يونيو 1967 م، ثم استيلائها على سائر الأراضي الفلسطينية إضافة إلى سيناء من مصر والجولان من سورية، وحاولتها فرض الصلح على العرب بالقوة وفرض شروطها عليهم.

وقد نتج عن ذلك قيام الثورة الفلسطينية، وبروز الكيان الفلسطيني المستقل فقامت منظمة التحرير الفلسطينية وخرج الشعب الفلسطيني ليأخذ قضيته بنفسه ويدافع عن حقوقه بنفسه واستطاع العمل الفلسطيني أن يفرض نفسه فتحول الشعب الفلسطيني من شعب من اللاجئين إلى شعب من المقاتلين([78]).

وفي العاشر من رمضان 1393 ﻫ قامت مصر وسورية بشن الحرب على إسرائيل، ووقف العرب بجانبهما حتى تم إحراز العديد من الانتصارات العسكرية، ثم توقف القتال انتظاراً للحلول السلمية التي طال أمدها.

حقيقة أن حرب أكتوبر 1973 م كانت حدثاً عظيماً في تاريخ العرب الحديث والمعاصر ومع ذلك فإنها لم تحسم الأمر نهائياً لمصلحتهم.

وحقيقة لقد وضع العرب أقدامهم على بداية الطريق الصحيح ولكن عليهم متابعة السير بجرأة وثبات وتوحيد الصف والهدف.

الانتفاضة الفلسطينية وإشراقة الأمل

نتيجة لإذلال الصهاينة لأبناء الشعب الفلسطيني، واستعمالهم شتى أنواع القهر والبطش والإرهاب وإحساس الفلسطينيين بضياع وطنهم وقهر إرادتهم وامتهان كرامتهم وتجاهل المجتمع الدولي لقضيتهم العادلة كان لابد من التضحية بالنفس والنفيس، وإبراز حقيقة الوجود الصهيوني في فلسطين، ومقدرة أبناء الشعب الفلسطيني على مواجهة الصلف الصهيوني المدجج بالسلاح.

ولكي تتضح أبعاد الانتفاضة سنتعرض لأوضاع الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال الصهيوني.

أولاً: الوضع السياسي

بدأت الحكومة الإسرائيلية في أعقاب حرب 1967 م بالتوسع في سياسة الاستيطان داخل الأرض المحتلة فأنشأت العديد من المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية والجولان وسيناء وتَمَّ طرد العرب من أراضيهم، كما وصل الأمر إلى طرد سكان القدس من منازلهم لدرجة أن أصبح معظمهم بلا مأوى([79])، وقد استمر هذا الوضع التعسفي بالفلسطينيين تحت ضغط الإرهاب والامتهان، ووصل الأمر بالحكومة الإسرائيلية أن أصدرت أوامرها بحل أمانة مدينة القدس العربية وإلحاق موظفيها وعمالها ببلدية القدس الإسرائيلية وبهذه الطريقة تمكن اليهود من جعل هذه المدينة المقدسة خاضعة هي وسكانها خضوعاً كاملاً للسيطرة الإسرائيلية([80]).

وإلى جانب ذلك سلب الصهاينة من عرب فلسطين حريتهم السياسية، فلم يسمحوا لهم بإنشاء المنظمات السياسية، ووضعوا نواديهم الاجتماعية والرياضية تحت المراقبة، كما أصبحت القرى والمخيمات الفلسطينية تعيش في حالة من الحصار المستمر([81])، وتجوب شوارعها الدوريات العسكرية الإسرائيلية المكثفة التي تقوم بتفتيش الفلسطينيين هذا إلى جانب الدوريات الجوية التي تحوم حول المناطق العربية ليلاً ونهاراً.

كل هذه القيود والأعمال التعسفية قد شلت قدرة الناس، وقيدت حركاتهم داخل الأرض المحتلة مما جعلهم يعيشون في حالة من الاكتئاب، وينتظرون يوم الخلاص بعد أن فقدوا حريتهم وأصبحوا لا يستطيعون التعبير عن آرائهم وأفكارهم([82]).

ثانياً: الأوضاع الاقتصادية

هددت سوء الأوضاع الاقتصادية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة الكيان العربي خصوصاً بعد أن أخذت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بمصادرة الأراضي الزراعية ومنع أصحابها من الدخول إليها وحصاد ما بها من محاصيل([83]) مما أدى إلى تحطيم البنية الاقتصادية للسكان في محاولة لتجويعهم وإجبارهم على مغادرة بلادهم.

وفي محاولة لدمج الاقتصاد الفلسطيني في الاقتصاد الإسرائيلي صادرت سلطات الاحتلال محاصيل الحمضيات المعدة للتصدير إلى أوربا بقصد منع منافسة المزارعين الفلسطينيين لإسرائيل، يضاف إلى ذلك قيام اليهود بإعاقة العلاقات التجارية بين الفلسطينيين والأردن، ومحاولتهم تقوية علاقاتهم الاقتصادية بالأرض المحتلة فمنعت الدينار الأردني من التعامل به في مدينة القدس([84]). كما منعت إسرائيل أي شخص من دخول الأراضي المحتلة ومعه أكثر من ثلاثة آلاف دولار([85]). ونتيجة لهذه الأعمال التعسفية تحولت حياة الفلسطينيين إلى جحيم حيث تدهورت أحوالهم الاقتصادية وانتشرت البطالة بينهم.

يضاف إلى ذلك أن السلطات الصهيونية مكنت اليهود من إقامة المصانع الكبيرة داخل الأراضي المحتلة فاحتكروا مصانع الأسمنت وغيرها في حين منع الفلسطينيون من ذلك([86])، واقتصر دورهم على الصناعات الخفيفة واليدوية مما أدى إلى إضعاف القطاع الصناعي، وفرض المنافسة غير المتكافئة بين الصناعات الوطنية والصناعات الإسرائيلية.

ثالثاً: الأوضاع الاجتماعية

لم تكتف الحكومة الإسرائيلية بما حدث للاجئين الفلسطينيين الذين سلبتهم ممتلكاتهم، وعاشوا على ما تقدمه لهم وكالة غوث اللاجئين الدولية من طعام وكساء بل عملت على تمزيق وحدة المجتمع الفلسطيني، وبث الشك بين أفراده عن طريق تجنيد بعض العملاء لمتابعة ما يحدث داخل التجمعات الفلسطينية والزج بأفرادها داخل السجون([87])؛ كما اتجهت إلى التفرقة بين الفلسطينيين أنفسهم حتى تحدث البغضاء والكراهية بينهم، ففي النقب قسمت الأهالي إلى قسمين قسم يملك الأراضي، وقسم لا يملك وإلى جانب ذلك قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بنسف المنازل وتشريد أصحابها مما أثر على الاستقرار الاجتماعي([88]) وجعل المجتمعات العربية داخل الأراضي المحتلة بعيدة عن الاستقرار، وأجبر السكان العرب على سكنى الأكواخ المزدحمة.

رابعاً: إجراءات القمع والاعتقال والتعذيب

قام الإسرائيليون باستعمال كل أساليب الإرهاب والقمع ضد الفلسطينيين دون رادع من شريعة أو قانون، فاعتقلوا الأهالي وشردوهم، وهدموا المنازل وصادروا الأراضي وأقاموا عليها المستوطنات، وأغلقوا المحلات التجارية، وطوقوا الطرقات والشوارع بإقامة الحواجز القمعية الاستفزازية والاعتقالات العشوائية التي لا تفرق بين كبير وصغير سواء أكان امرأة أم رجلاً وفرضوا الإقامات الجبرية والاعتقالات الإدارية والطرد إلى خارج الوطن، وأطلقوا الرصاص على المتظاهرين من الطلاب باسم القانون والأمن والنظام([89]).

ويتعرض المعتقلون لأشكال من التعذيب والإهانة وعمليات غسل الدماغ حتى يصل الأمر بالمعتقل إلى فقدان الذاكرة، ويستمر التعذيب باستخدام الكهرباء، واستخدام الكلام والضرب بالعصي البلاستيكية على الأعضاء الجنسية والتهديد بالقتل([90]). فإلى متى يستيقظ ضمير الإنسانية على عظم الكارثة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني؟!!

خامساً: الوضع الديني

من الأعمال الاستفزازية التي اتخذتها إسرائيل منذ عام 1967 م العمل على تهويد المسجد الأقصى والاستيلاء عليه وتحويله إلى معبد يهودي، ومحو كل أثر للإسلام به فقد قامت إسرائيل بعمليات حفر وتنقيب تحت جدران المسجد الأقصى بحثاً عن هيكلهم المزعوم، كما قام بعض الصهاينة بمحاولة إحراق المسجد الأقصى. وإلى جانب ذلك تعرضت العديد من المساجد لعمليات القصف المباشر من قبل الصهاينة، هذا بالإضافة إلى تعطيل الشعائر الإسلامية، والتدخل في شؤون المسلمين الدينية([91])، ومن ذلك مراقبة خطب الجمعة التي تلقى في المساجد، وحذف بعض فقراتها ثم إدخال بعض الزوار غير المسلمين إلى المسجد الأقصى بحالة تتعارض مع الديانة الإسلامية([92]) والقيام بالتعدي على المسجد الإبراهيمي وإغلاقه أمام المسلمين في معظم أيام الأسبوع عدا ساعات قليلة يوم الجمعة مع فتحه للإسرائيليين طوال أيام الأسبوع وضرب الإمام والمصلين وتحطيم الآيات القرآنية مما أثار شعور المسلمين المتواجدين في المسجد، فحاولوا الدفاع عن مقدساتهم، ولكنهم جوبهوا بوحشية كبيرة من قبل السلطات العسكرية الإسرائيلية([93]).

ونتيجة لكل هذه الأمور كان حدوث الانتفاضة أمراً حتمياً، وكان الانفجار ينتظر الشرارة التي تمثلت في قيام سيارة إسرائيلية في الثامن من ديسمبر 1987 م بقتل أربعة من الفلسطينيين عمداً لطعن أحد الفلسطينيين لإسرائيلي في غزة في يوم سابق على الحادث مما أدى إلى قيام طلبة المدارس بمظاهرة ضد إسرائيل، ولما قام الإسرائيليون بمواجهتها رشقهم الطلاب بالحجارة، واستخدموا معها القضبان الحديدية، وزجاجات المولوتوف، ورفعوا العلم الفلسطيني كرمز للمقاومة ضد الحكم الإسرائيلي([94])، وانتقلت المقاومة إلى باقي المناطق المحتلة([95]) لمواجهة الاحتلال الصهيوني وإثبات قدرة الشخصية الفلسطينية على مواجهة التحديات مما أربك قوات الاحتلال الصهيوني، وأحدث ضجة عالمية خاصة بعد نجاح أطفال الحجارة في إثبات حقهم في الحياة وفشل جميع الأساليب التي لجأ إليها الصهاينة لقمعهم، فبالرغم من ضراوة القمع الصهيوني، وتطبيق سياسة "العصا وكسر العظم" التي أعلنها "إسحق رابين" وزير الدفاع الإسرائيلي وعلى الرغم من الوسائل غير الإنسانية التي تتبعها إسرائيل لكبح الانتفاضة مثل استعمال الذخيرة الحية، والرصاص المطاطي والأنواع المختلفة من الغاز السام المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين([96])، والاعتقالات المستمرة للشعب الفلسطيني المناضل والإهانات المستمرة لأفراده، وتدمير منازلهم فإن حدة الانتفاضة في تزايد([97]) نتيجة لقوة الإصرار ويقين الإيمان لدرجة أن اعترف قادة العدو الصهيوني بعدم قدرتهم على إخماد الانتفاضة([98]).

ونتيجة لذلك حازت الانتفاضة على عطف الرأي العام العالمي وكشفت حقيقة الكيان الصهيوني القائم على الإرهاب والجريمة وعدم التورع عن قتل الأطفال والنساء مما أبرز القضية الفلسطينية، وشد انتباه الرأي العام العالمي، وشكل رعباً وفزعاً كبيرين للسلطات الإسرائيلية التي تبين لها استحالة إعادة الأمور في الأراضي المحتلة إلى ما قبل الانتفاضة فحتى داخل المؤسسة الإسرائيلية أحدثت "ثورة الحجارة" هزة عنيفة، وأربكت خطط المحافظة على الأمر الواقع التي يبدو أنها كانت الاستراتيجية الإسرائيلية المفضلة خاصة لدى تكتل الليكود الذي يتزعمه إسحق شامير. وتبدو قوة الهزة التي أحدثتها ثورة الحجارة واضحة داخل الكيان الصهيوني في الجدل الحاد الذي ثار داخل حكومة ائتلاف العمل/ الليكود، وفي المؤسسات الشعبية، ولولا مسحة التمسك بالوحدة الوطنية التي يحاول الزعماء الإسرائيليون جاهدين الظهور بها أمام العالم لانكشفت خفايا مثيرة ويكفي للتدليل على عنف الهزة التي أصابت المؤسسة الصهيونية الحاكمة مسلسل الاستقالات والطرد والشتائم المتبادلة بين مسؤولين كبار في حزب "حيروت" أكبر أحزاب تجمع "الليكود" بل إن "شامير" اليميني المتطرف وجد نفسه في عدة مناسبات في موقف الدفاع عندما بدأ وكأنه يلين أمام ضغط الأحداث الجارية ليتحدث عن إمكانية التفاوض حول الأرض مما جعل بعض غلاة اليهود المتطرفين في حزبه يطالبونه بنفي هذه التصريحات.

ونتيجة لانعكاسات الثورة الفلسطينية على تركيبة المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة قدم شامير ما أسماه «مبادرة جديدة» تتضمن منح الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة حكماً ذاتياً كاملاً لتولي إدارة شؤونهم من خلال أجهزة منتخبة على أن تبقى المسائل المتعلقة بالأمن والسياسة الخارجية في أيدي إسرائيل، وأن يكون هذا الترتيب لفترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، تبدأ بعدها مفاوضات لتحديد مستقبل هذه المناطق، وما إذا كانت سترتبط بالأردن أو بإسرائيل([99]).

وعند دراسة مبادرة "شامير" نجدها قريبة الشبه بمفهوم الحكم الذاتي الذي حددته اتفاقيات "كامب - ديفيد" ورفضه الشعب الفلسطيني، ونتيجة لذلك افتقدت هذه المبادرة منذ الوهلة الأولى أبسط مقومات نجاحها، خاصة وأن المؤتمر الدولي للسلام هو صيغة التفاوض المقبولة لدى الفلسطينيين والعديد من دول العالم.

ومن مصر انطلقت مبادرة أخرى طرحها الرئيس حسني مبارك في جولة أوربية وأمريكية واسعة النطاق بدأت في "بون" وشملت "باريس" و"واشنطن" و"روما" و"لندن" و"أثينا".

وتدعو مبادرة مبارك إلى تهدئة الوضع الراهن في الأراضي المحتلة مقابل تعهد إسرائيلي بوقف المستوطنات في هذه المناطق لمدة ستة أشهر، ووقف ممارسات القمع والإبعاد التي تمارسها إسرائيل والإعداد لمحادثات سلام تجري تحت مظلة الأمم المتحدة بمشاركة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وكل أطراف النزاع بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية التي يكون تمثيلها ضمن وفد أردني فلسطيني مشترك.

وعلى الرغم من أن خطة مبارك حظيت بمباركة رؤساء حكومات دول أوربا الغربية التي زارها إلا أن الأمريكيين تحفظوا على العديد من بنودها([100]).

وعلى كل حال فإنه نتيجة للانتفاضة البطولية للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وردود الفعل التي أعقبتها اجتمع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، ثم أعلن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية "ياسر عرفات" في الخامس عشر من نوفمبر 1988 م عن وثيقة الاستقلال للدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، كما أعلن اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بقرار مجلس الأمن رقم 242 الذي يعني الاعتراف ضمنياً بإسرائيل.

وترجع أسباب هذا الإعلان إلى ما يلي:

1. حق الشعب الفلسطيني الطبيعي في أن يكون له أرض ووطن يمارس عليه سيادته واستقلاله.

2. ملأ الفراغ السياسي الذي تركه القرار الأردني بفك علاقته القانونية والإدارية بالضفة الغربية حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من تأكيد سيادته على أرضه.

3. زيادة روح النضال بين أفراد الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة، خاصة وأن الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية جاء نتيجة طبيعية لنضاله المستمر.

4. أن منظمة التحرير بقبولها الاعتراف بالقرار 242 يعني أنها قبلت بمبدأ تقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة يهودية والأخرى فلسطينية.

وقد حاز قرار إعلان قيام الدولة الفلسطينية على قبول أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني بالإجماع، وأيده 98 % من أبناء الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة([101]).

وعلى الرغم من ردود الفعل المؤيدة والمعارضة للقرار بين الفلسطينيين أنفسهم([102]) فقد اتسمت معظم ردود الفعل العربية بالترحيب الشديد به، وجاء اعتراف معظم الدول العربية بالدولة الفلسطينية ليعكس وجهات النظر العربية في السلام، والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ومساندتهم لهذا الحق، كما عكس هذا الترحيب موقف العالم العربي من مسألة الحل السلمي المطروحة على أساس المؤتمر الدولي، والذي يستند إلى قراري مجلس الأمن رقم 242، 338 كأساس لعقد هذا المؤتمر.

يضاف إلى ذلك أن هذا القرار قد واجه العالم بأسره بخصوصية الموقف الفلسطيني واستعداده للسلام الشامل، وعلى أثر ذلك اعترفت أكثر من مئة دولة بالدولة الفلسطينية وكان من أولى هذه الدول العديد من البلدان العربية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية المستقلة عقب إعلانها في الجزائر عام 1988 م، وقررت رفع مستوى مكتب منظمة التحرير الفلسطينية إلى سفارة([103]).

ويوماً بعد يوم تتعاظم بسالة الانتفاضة، ويتزايد القمع الوحشي لها، ويتعاظم عدد الشهداء الذين يضحون بأنفسهم يومياً. وعلى الرغم من تزايد عدد الإصابات وعدد المعتقلين من أبطال الانتفاضة فإن الانتفاضة مستمرة، وأن أبطالها مصممون على الاستمرار إلى أن تحقق أهدافها، لدرجة أن أصبح أفرادها كل أفراد الشعب الفلسطيني بلا استثناء، فالشهداء من مختلف الأعمار، والسجناء من كل الفئات والجرحى والمصابون من كل عمر وجنس.

وقد دلل على عظمة الانتفاضة ما صرح به الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بقوله: «لقد أثبتت الانتفاضة أن عالمنا اليوم لم يعد يحكم بموازين القوى العسكرية وإنما بالتحركات الشعبية التي أصبحت سمة للمرحلة الحالية، وأنه في ظل هذا الجو يعيش الشعب الفلسطيني انتفاضته البطلة والتي هي أيضاً نتيجة تراكم ثوري طويل من الكفاح ضد المستعمر الصهيوني ومقاومة قوات الاحتلال ([104]) اتضح من خلاله أن الفلسطينيين قادرون على قلقلة الأمن الإسرائيلي حتى دون اللجوء إلى السلاح».

وخلال ذلك ظهرت مؤشرات إيجابية تؤكد أن القضية الفلسطينية عادت لتستحوذ على صدر اهتمامات القوى الكبرى. فبدأت الولايات المتحدة تجدد مساعيها لعقد الاجتماع الثلاثي في واشنطن بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة من أجل الترتيب لعقد حوار فلسطيني إسرائيلي خاصة وأن المناخ الدولي يكاد يكون مهيئاً بكامله لتحريك عملية السلام في الشرق الأوسط، وأن العقبة الوحيدة ما زالت تتمثل في عزوف كتلة "الليكود" الحاكمة في إسرائيل عن مجاراة تيار السلام، ورفضها الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية برغم تيار الاعتدال الفلسطيني السائد([105]).

يضاف إلى ذلك أن هجرة اليهود السوفييت الجماعية إلى إسرائيل أخذت تشكل تهديداً حقيقياً للسلام في الشرق الأوسط([106])، خاصة وأن هذه الهجرة ستكون مرتكزاً لتوسع جديد([107]).

ومما سبق يتضح أن انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني لبلاده تحولت إلى ثورة عارمة اكتملت مقوماتها ضد العدو المغتصب لبلادهم مما أدهش العالم، وأوجد وقعاً جديداً، ومعطيات جديدة برهنت على استحالة العودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانتفاضة، كما أوضحت الوجه البشع للكيان الصهيوني، واهتزاز صورته أمام العالم وتعميق الخلافات بين قطاعاته الاجتماعية، ومؤسساته الاقتصادية والسياسية. كما أصبح واضحاً الآن أن الفلسطينيين أصبحوا حقيقة سياسية لا جدال بشأنها، وأن الشعب الفلسطيني في هذا الوقت بالذات بأمس الحاجة لدعم إخوانه العرب والمسلمين ليتمكن من الخروج منتصراً في الجولات القادمة الصعبة والمحفوفة بالمخاطر، وأنه يجب على الإسرائيليين الاعتراف بأن الضمان الأمني الحقيقي لهم يكمن في الإقدام على تحقيق السلام مع الشعب الفلسطيني على أساس إنهاء الاحتلال للأراضي العربية الفلسطينية، وعلى أساس الاعتراف بمبدأ الدولتين في ظل ضمانات دولية ومن خلال مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة.

ويبدو أن الرياح دائماً لا تأتي بما تشتهي السفن، فقد حولت أزمة الاحتلال العراقي للكويت - في أغسطس 1990 - الأنظار عن القضية الفلسطينية لفترة، خاصة بعد وقوف رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بجانب الموقف العراقي مما أدى إلى استياء العديد من الدول العربية والأوربية بالإضافة إلى الولايات المتحدة من ذلك الموقف.

وفي اعتقادنا أن المنظمة وقعت في خطأ كبير بانحيازها للعراق أثناء أزمة الخليج، وخاصة وأن دولة فلسطين التي عانت من تجاهل إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي لم يكن يجوز لها أن تؤيد الاحتلال العراقي على حساب الشعب الكويتي، بل كان من مصلحتها الوقوف بجانب الشرعية وتطبيق قرارات الأمم المتحدة لأن ذلك يخدم قضيتها ويدفع المجتمع الدولي إلى مساندتها.

وعلى كل حال فبعد أن تحررت الكويت وعادت الشرعية إليها فإننا نأمل الاستمرار في تطبيق قرارات مجلس الأمن الأخرى المتعلقة بمشاكل المنطقة، ووضع الحلول العادلة للقضية الفلسطينية بشكل جذري يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة سواء أكان ذلك عن طريق عقد مؤتمر دولي للسلام أو عن طريق ضغط دولي على إسرائيل لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية؛ وعلى الرغم من أن إسرائيل تحاول إبعاد أي عطاء دولي لمباحثات السلام وإبعاد شبح القانون الدولي والشرعية الدولية كأسس للحل السلمي للمشكلة - فإن إرادة الحق ستنتصر في النهاية.

وفي محاولة لإيجاد حل للقضية أطلقت الولايات المتحدة مبادرة دبلوماسية انتهت بعقد مؤتمر للسلام في مدريد.

ولما كانت إسرائيل ترى أن قرارات هذا المؤتمر لم تكن في صالحها خاصة وأنها ستعجل بانسحابها من الأراضي العربية التي احتلتها في عام 67، وأن من مصلحتها تقويض قرارات وفاعليات هذا المؤتمر والالتفاف حوله، فقد قامت بفتح قناة سرية للمفاوضات في "أوسلو" بينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية والتي انتهت إلى بلورة اتفاق إعلان للمبادئ، في سبتمبر 1993 .

وقد ترتب على اتفاق أوسلو (1) انسحاب إسرائيل من 65 % من مساحة غزة، ومن مدينة أريحا في عام 1994 م كما ترتب على اتفاق أوسلو (2) في عام 1995 م التوصل إلى ترتيبات المرحلة الانتقالية للانسحاب من الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أن أوسلو (2) تضمن في مرجعيته القرار 242 إلا أن إسرائيل أثبتت بالدليل القاطع أنها لا تنوي الانسحاب من كل الأراضي الفلسطينية، وأنها رأت في هذا الاتفاق أنها تقدم بعض التنازلات الإقليمية، وتقبل بعودة قيادات المنظمة التي كانت تصفها بأنها إرهابية إلى الأرض المحتلة في مقابل القيام بحماية إسرائيل من غضبة الشعب الفلسطيني، ونظراً لأن هذه الاتفاقيات كان يشوب طريقة تنفيذها المماطلة وعدم حسن النوايا، فإن جذور عملية السلام لم تكن بالصلابة، ولا بالقدر الكافي من الثبات والتماسك خاصة وأن إسرائيل لم تتوقف عن بناء المستوطنات وحصار الفلسطينيين وإذلالهم.

ونتيجة للمراوغات والمماطلات التي تعرضت لها عملية السلام تَمَّ اغتيال "رابين"، ووصول "بنيامين نتنياهو" إلى قمة الحكم في إسرائيل وجهوده المعروفة لتقويض عملية السلام والتخلص من اتفاقات أوسلو، ثم وصول "إيهود باراك" ومحاولاته الحفاظ على المستوطنات، والقدس، وإسقاط حقوق اللاجئين، وعدم نجاحه في إنجاز اتفاق سلام نهائي مع الفلسطينيين، وسماحه باقتحام "أريل شارون" لساحة الحرم القدسي تحت حراسة ثلاثة آلاف جندي إسرائيلي كل ذلك كان له أثره في خروج قطار السلام عن قضبانه واندلاع انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر 2000 م، ثم سقوط باراك ومجيء شارون إلى رئاسة وزراء إسرائيل وانهيار عملية السلام.

وللمقارنة بين الانتفاضة الأولى والثانية يتضح أن عدد الشهداء في الانتفاضة الأولى التي استمرت حوالي ست سنوات 1856 شهيداً واقترب عدد المصابين من العشرة آلاف. وفيما كانت الحجارة هي الأداة الرئيسية للمقاومة، وكان من نتيجتها فتح الأبواب أمام الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وعودة قيادتها إلى الأرض المحتلة.

أما الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) والتي ما زالت مستمرة فإنها لابد أن تؤدي إلى التحرير والاستقلال أي إلى استعادة الأرض المحتلة وإقامة الدولة.

ومعنى ذلك أنه إذا كانت الانتفاضة الأولى قد أدت إلى تحريك الموقف فإن الانتفاضة الثانية ستنتهي بالتحرير والاستقلال رغم صواريخ وطائرات ودبابات إسرائيل.

ولكي تكون جذور هذه الانتفاضة راسخة بالمطلوب من العالم العربي ما يلي:

1 - موقف موحد تنسق فيه المواقف للتصدي للاستفزازات الإسرائيلية من خلال انتفاضة الأقصى حتى يتم التسليم بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف التي هي أرض فلسطينية محتلة منذ عام 1967 م فضلاً عما لها من تأثير روحي ومكانة دينية، واستعادة جميع الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك انسحاب إسرائيل الكامل من الضفة الغربية وقطاع غزة ومن الجولان السوري المحتل إلى خط الرابع من يونيو 67، واستكمال الانسحاب من الجنوب اللبناني إلى الحدود المعترف بها دولياً بما في ذلك مزارع شبعا، وإزالة جميع المستوطنات الإسرائيلية.

2 - توفير الدعم المادي والسياسي للشعب الفلسطيني حتى يتمكن من مواصلة كفاحه.

3 - التصدي لمحاولات تغلغل إسرائيل في العالم العربي تحت أي مسمى، والتوقف عن إقامة أية علاقات مع إسرائيل حتى يتم إنجاز حقيقي تجاه السلام العادل والشامل في المنطقة.

4 - التمسك بقرارات لجنة القدس في دورتها الأخيرة "بأكَادير" بالمملكة المغربية برئاسة جلالة الملك محمد السادس التي تؤكد دعم موقف دولة فلسطين في التمسك بالسيادة على القدس الشرقية بما فيها الحرم الشريف وجميع الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية التي تشكل جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

5 - تفعيل العمل العربي المشترك بدعم جامعة الدول العربية وتحديثها وتطوير مؤسساتها تعزيزاً لمستقبل دورها القومي.

6 - المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية تكلف بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وملاحقة من تسببوا في الممارسات البشعة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، ومطالبة مجلس الأمن بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين الذين ارتكبوا المجازر بحق الفلسطينيين.

وفي النهاية يمكن القول إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لن يتوقف إلا إذا تخلت إسرائيل عن مشروعاتها التوسعية، واعترفت للشعب الفلسطيني بحقه في ترابه الوطني، وفي إقامة دولته المستقلة.

الهوامش
---------
([1]) انظر من الآية الرابعة إلى الآية الثامنة.

([2]) أحمد عزت عبد الكريم، دراسات في تاريخ العرب، بيروت، دار النهضة العربية، 1970، ص. 429 وما بعدها.

([3]) حول تفاصيل ذلك انظر روجيه جارودي، إسرائيل والصهيونية السياسية، ص. 41.

([4]) محمود منسي، تصريح بلفور، دار الفكر العربي، القاهرة، ص. 19.

([5]) تنسب الصهيونية Zionism إلى جبل صهيون الذي تقوم عليه مدينة القدس.

([6]) إسماعيل ياغي ومحمود شاكر، تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر، ج 1، الجناح الآسيوي، صص. 102-103.

([7]) منسي، المرجع السابق، ص. 20.

([8]) ياغي وشاكر، المرجع السابق، ص. 102.

([9]) أحمد عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص. 434.

([10]) محمد خليفة التونسي، بروتوكولات حكماء صهيون ، ترجمة عباس محمود، دار الكتاب، بيروت، 1404 ﻫ، ص. 33.

([11]) الشناوي، الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، الأنجلو المصرية، القاهرة، 1980، ج 2، صص. 973-974.

([12]) قاسم حسن، العرب والمشكلة اليهودية، المؤسسة التجارية، بغداد، 1964، صص. 93-94.

([13]) الشناوي، المرجع السابق، ج 2، ص. 988.

([14]) عبد الحميد الثاني، مذكراتي السياسية، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1402 ﻫ، ص. 24 وما بعدها.

([15]) الشناوي، المرجع السابق، ج 2، صص. 975-979.

([16]) نفسه.

([17]) محمود حسن صالح، تصريح بلفور، دار الفكر العربي، بيروت، د. ت، صص. 27-28.

([18]) منسي، المرجع السابق، ص. 25.

([19]) فيشر، تاريخ أوربا في العصر الحديث، ترجمة أحمد نجيب هاشم ووديع الضبع، دار المعارف، القاهرة، ط. 2، ص. 532.

([20]) عن تفصيل أثر تصريح بلفور على اليهود الألمان انظر: Stein, Leonard, The Balfour Declaration, London, 1961, pp. 569-570..

([21]) حسن صبري الخولي، سياسة الاستعمار والصهيونية تجاه فلسطين في النصف الأول من القرن العشرين، دار المعارف، القاهرة، 1973، م 1، ص. 209.

([22]) ياغي وشاكر، المرجع السابق، ج 1، ص. 106.

([23]) عن تفاصيل هذا الوعد وما سبقه من مراسلات بين بلفور واليهود انظر:

محمد عبد الرءوف سليم، تاريخ الحركة الصهيونية الحديثة 1897-1918 القسم الثاني، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1974، صص. 25-34.

([24]) محمود منسي، المرجع السابق، صص. 102-106.

([25]) عن تفاصيل هذه المناقشات انظر:

Hansard's Parliamentary Debates: Official Reports, Fifth Series, Vol. X, p. 382.

([26]) محمود منسي، الشرق العربي أثناء الحرب العالمية الأولى، ص. 266.

([27]) من تصدير الدكتور الشناوي لكتاب تصريح بلفور.

([28]) إحسان أبو رحاب، خطب للدفاع عن فلسطين، القاهرة، 1938، ص. 32.

([29]) عن تفاصيل ذلك انظر: محمد عبد الرءوف سليم، المرجع السابق، صص. 156-157.

([30]) حسن صبري الخولي، المرجع السابق، ج 1، ص. 291.

والجدير بالذكر أن الزعيم الصهيوني وايزمان تمكن من انتزاع اتفاق خطير من الأمير فيصل بن الحسين ممثل المملكة الحجازية في ذلك الوقت تضمن اتخاذ جميع الإجراءات التي من شأنها تقديم الضمانات لتنفيذ تصريح بلفور وتشجيع الهجرة اليهودية.

([31]) ولتفاصيل ذلك انظر: منسي، تصريح بلفور، المرجع السابق، ص. 126.

([32]) عن تحفظ بعض اليهود على التصريح وردود فعل الأوساط اليهودية انظر: محمد عبد الرءوف سليم، المرجع السابق، ص. 57-61.

([33]) نفسه، ص. 179 وما بعدها.

([34]) عمر رشدي، الصهيونية وربيبتها إسرائيل، النهضة المصرية، القاهرة، 1965، صص. 85-86.

([35]) أحمد فراج طايع، صفحات مطوية عن فلسطين، مطابع الشعب، القاهر، د. ت، صص. 20-21.

([36]) ياغي وشاكر، المرجع السابق، ص. 110.

([37]) حسن صبري الخولي، المرجع السابق، ص. 515.

([38]) عباس العقاد، الصهيونية وقضية فلسطين، بيروت، 1963، ص. 166.

([39]) أحمد عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص. 445.

([40]) حسن صبري الخولي، المرجع السابق، ص. 517.

([41]) الخولي، المرجع السابق، ص. 521.

([42]) أحمد عبد الغفور عطار، عروبة فلسطين والقدس، بيروت، 1400 ﻫ، ص. 82.

([43]) سالم الكسواني، المركز القانوني لمدينة القدس، صص. 133-134.

([44]) محمود السمرة، فلسطين الفكر والكلمة، ص. 22.

([45]) أحمد عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص. 451.

([46]) حسن صبري الخولي، المرجع السابق، ص. 597.

([47]) أحمد عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص. 452 وما بعدها.

([48]) محمد طه بدوي، المجتمع العربي والقضية الفلسطينية، صص. 387-388.

([49]) ياغي وشاكر، المرجع السابق، ص. 114.

([50]) لتفصيل ذلك انظر: عادل غنيم،، الحركة الوطنية الفلسطينية من ثورة 1936 حتى الحرب العالمية الثانية، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1980، ص. 233.

([51]) نفسه.

([52]) عمر رشدي، الصهيونية وربيبتها إسرائيل، ص. 150.

([53]) أحمد عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص. 456.

([54]) وهذه الدول هي مصر، والعراق، والسعودية، واليمن، وشرق الأردن.

([55]) أحمد عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص. 456.

([56]) ياغي وشاكر، المرجع السابق، ص. 115.

([57]) لتفاصيل ذلك انظر: أحمد طربين، فلسطين في خطط الصهيونية والاستعمار - أمريكة في خدمة الدولة اليهودية 1939-1947، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1973، الفصل الأول.

([58]) نسبة إلى فندق بلتمور Biltmore، بنيويورك.

([59]) محمد طه بدوي، المرجع السابق، ص. 390.

([60]) عمر رشدي، المرجع السابق، ص. 94.

([61]) أحمد طربين، المرجع السابق، ص. 361.

([62]) محمد طه بدوي، المرجع السابق، ص. 392.

([63]) شاكر الدبس، الدول العربية في منظمة الأمم المتحدة، دمشق، 1948، ص. 115.

([64]) أحمد عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص. 465.

([65]) شاكر الدبس، المرجع السابق، ص. 116.

([66]) شاكر الدبس، المرجع السابق، صص. 118-119.

([67]) أحمد عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص. 466.

([68]) إبراهيم خليل أحمد، إسرائيل فتنة الأجيال، بيروت، 1960، ص. 247.

([69]) عمر رشدي، المرجع السابق، ص. 104.

([70]) حسن صبري الخولي، المرجع السابق، ص. 458.

([71]) الدبس، المرجع السابق، ص. 123.

([72]) نفسه.

([73]) ياغي وشاكر، المرجع السابق، ص. 119.

([74]) الدبس، المرجع السابق، صص. 127-130.

([75]) الدبس، المرجع السابق، ص. 139.

([76]) أحمد عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص. 471. وعن تفاصيل ذلك انظر: اتفاقية رودس بين العرب وإسرائيل عام 1949 والتي نشرها مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر في عام 1974.

([77]) للتفاصيل انظر بيان سياسي صادر بمناسبة الذكرى الرابعة لانطلاقة الثورة الفلسطينية يناير 1969.

([78]) اليقظة العربية، أبريل 1985، صص. 36-37.

([79]) حسين أبو النمل وآخرون، الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1975، بيروت، ط. 1، 1399 ﻫ/ 1978 م، ص. 105-107.

([80]) تيسير النابلسي، الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، 1395 ﻫ/ 1975، ص. 196.

([81]) صالح سرية، تعليم العرب في إسرائيل، مركز الأبحاث، بيروت، 1393 ﻫ/ 1973 م، ص. 16.

([82]) فلسطين الثورة، العدد 542، الصحيفة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية في 26/1/1985 م/ 1405 ﻫ، ص. 20.

([83]) أبو النمل، مرجع سابق، ص. 117.

([84]) النابلسي، مرجع سابق، ص. 196.

([85]) شؤون فلسطين، العدد 163، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية، 1407 ﻫ/ 1986 م، صص. 15، 16.

([86]) شؤون فلسطين، العدد 165، ص. 78.

([87]) جورج خوري نصر الله، الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1392 ﻫ/ 1972 م، ص. 620.

([88]) جورج نصر الله، الوثائق الفلسطينية لعام 1974، ص. 183.

([89]) مجلة المجتمع، العدد 781 في الثلاثاء 28 ذي الحجة 1406 ﻫ/ 3 سبتمبر 1986.

([90]) للتفاصيل انظر: جورج نصر الله، الوثائق الفلسطينية لعام 1970، ص. 422.

([91]) المرجع نفسه، ص. 889.

([92]) وليد أبي مرشد وآخرون، الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1967، ص. 548.

([93]) جورج خوري، الوثائق الفلسطينية لعام 1976، ص. 165.

([94]) مجلة المجتمع الكويتية، العدد 891 في 5 ربيع الآخر 1408 ﻫ/ 15 نوفمبر 1988.

([95]) المسلمون، العدد 200 في 29 ربيع الثاني 1408 ﻫ/ 8 ديسمبر 1988.

([96]) اليمامة، العدد 989 في الأربعاء الأول من جمادى الآخرة 1408 ﻫ، ص. 34.

([97]) مجلة المجتمع الكويتية، العدد 891 في ربيع الآخر 1408 ﻫ/ 15 نوفمبر 1988، صص. 31-32.

([98]) الصخرة الكويتية، العدد 210 في 6 سبتمبر 1988.

([99]) اليمامة، العدد 992 في الأربعاء 22 جمادى الآخر 1408 ﻫ، ص. 30.

([100]) المرجع نفسه، ص. 30.

([101]) الشرق، العدد 480 في 17 من ربيع الثاني 1400 ﻫ تحت عنوان "الدولة الفلسطينية بداية للانتصار.. أم للتنازل"، ص. 18.

([102]) من المعروف أن هذا القرار يناقض المادة 21 من الميثاق الوطني الفلسطيني والتي تقول برفض الثورة الفلسطينية للحلول البديلة عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً، ورفض المشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تدويلها، ومن هنا فقد اعتبره بعض الفلسطينيين بداية مرحلة من تكتيك التنازلات، ولكن الأطراف المؤيدة للبيان تقول أن الاعتراف بالقرار 242 جاء مشروطاً بحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية. (لتفاصيل ذلك انظر: الشرق، العدد السابق، ص. 19).

([103]) الشرق، المقال السابق، ص. 18.

([104]) الأهرام في 12/1/1990 تحت عنوان «حصاد أول قمة عربية صحفية».

([105]) الأهرام في 12/1/1990.

([106]) الأهرام في 28/2/1990.

([107]) القبس الكويتية في 17/4/1990.

عن موقع مجلة التاريخ العربي
 
التعديل الأخير:
رد: القضية الفلسطينية من النكبة إلى الانتفاضة/د.عبد المنعم إبراهيم

بارك الله فيك استاذ نبيل على المجهود
فلسطين امتحان واختبار
فالذي يبقى يتفرج على ضياع اخته الصغرى يصبح عنده استعداد نفسي بمرور الزمن على تضييع اخته المتوسطة و الكبرى
 
عودة
أعلى