سلسلة من علماء التفسير

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,779
التفاعل
17,897 114 0

سلسلة من علماء التفسير
الإمام جلال الدين السيوطي

اسمه ومولده:

هو الإمام الحافظ أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن كمال الدين أبي المناقب أبي بكر بن ناصر الدين محمد بن سابق الدين أبي بكر بن فخر الدين عثمان بن ناصر الدين محمد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد بن الشيخ همام الدين الهمام الخضيري الأسيوطي[1]. وُلِد السيوطي في القاهرة[2] بعد المغرب ليلة يوم الأحد غرة شهر رجب سنة 849هـ/ أكتوبر 1445م[3]، وعاش بها القاهرة[4].

طفولته وتربيته:

كان جلال الدين السيوطي سليل أسرة اشتهرت بالعلم والتدين، وكان أبوه من العلماء الصالحين ذوي المكانة العلمية الرفيعة التي جعلت بعض أبناء العلماء والوجهاء يتلقون العلم على يديه. وقد تُوفِّي والد السيوطي ولابنه من العمر ست سنوات، فنشأ الطفل يتيمًا، واتجه إلى حفظ القرآن الكريم، فأتم حفظه وهو دون الثامنة[5]، ثم حفظ بعض الكتب في تلك السن المبكرة مثل: العمدة، ومنهاج الفقه والأصول، وألفية ابن مالك؛ فاتسعت مداركه، وزادت معارفه. وكان السيوطي محل العناية والرعاية من عدد من العلماء من رفاق أبيه، وتولى بعضهم أمر الوصاية عليه، ومنهم (الكمال ابن الهمام الحنفي) أحد كبار فقهاء عصره، وتأثر به الفتى تأثرًا كبيرًا، خاصةً في ابتعاده عن السلاطين وأرباب الدولة[6].

ولو نظرنا في الطفولة المبكرة للسيوطي فإننا نرى مدى الحرص الشديد على تلقي العلم منذ الأيام الأولى، فقد كان هناك وعي كبير بأهمية العلم وقيمته في عملية التربية؛ يوجَّه الولد نحو حفظ القرآن الكريم، وحفظ المتون الدينية، كما نرى مدى حرص الآباء على أن يدفعوا أولادهم نحو العلوم.
عاش السيوطي في عصر كثر فيه العلماء الأعلام الذين نبغوا في علوم الدين على تعدد ميادينها، وتوفروا على علوم اللغة بمختلف فروعها، وأسهموا في ميدان الإبداع الأدبي، فتأثر السيوطي بهذه النخبة الممتازة من كبار العلماء، فابتدأ في طلب العلم سنة (864هـ/ 1459م) ودرس الفقه والنحو والفرائض، ولم يمضِ عامان حتى أجيز بتدريس العربية، وألَّف في تلك السنة أول كتبه وهو في سن السابعة عشرة، فألف (شرح الاستعاذة والبسملة)، فأثنى عليه شيخه علم الدين البلقيني، فكتب عليه تقريظًا، ولازمته في الفقه إلى أن مات، فلازمت ولدَه[7].

ملامح شخصيته وأخلاقه:

كان السيوطي واسع العلم غزير المعرفة؛ قال عن نفسه: " قد رُزقتُ -ولله الحمد- التبحر في سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع"[8]. إضافةً إلى أصول الفقه والجدل والتصريف، والإِنشاء والترسُّل والفرائض والقراءات التي تعلمها بنفسه، والطب، غير أنه لم يقترب من علمي الحساب والمنطق[9].
عاصر السيوطي 13 سلطانًا مملوكيًّا[10]، وكانت علاقته بهم متحفظة، وطابعها العام المقاطعة وإن كان ثمة لقاء بينه وبينهم؛ فقد وضع نفسه في مكانته التي يستحقها، وسلك معهم سلوك العلماء الأتقياء، فإذا لم يقع سلوكه منهم موقع الرضا قاطعهم وتجاهلهم. وكان الأمراء والأغنياء يأتون إلى زيارته ويعرضون عليه الأموال النَّفيسة فيردها، وأهدى إليه الغوري خَصِيًّا وألف دينار، فردَّ الألف وأخذ الخصيَّ، فأعتقه وجعله خادمًا في الحجرة النبوية، وقال لقاصد السلطان: لا تعُدْ تأتينا بهدية قطُّ؛ فإن الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك. وطلبه السلطان مرارًا فلم يحضر إليه[11]، وألَّف في ذلك كتابًا أسماه (ما وراء الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين)[12].

شيوخه:

كان منهج السيوطي في الجلوس إلى المشايخ هو أنه يختار شيخًا واحدًا يجلس إليه، فإذا ما توفِّي انتقل إلى غيره، وكان عمدة شيوخه (محيي الدين الكافيجي) الذي لازمه السيوطي أربعة عشر عامًا كاملة، وأخذ منه أغلب علمه في التفسير والأصول والعربية والمعاني، وأطلق عليه لقب (أستاذ الوجود). ومن شيوخه (شرف الدين المُنَاويّ) وأخذ عنه القرآن والفقه، و(تقي الدين الشبلي) وأخذ عنه الحديث أربع سنين، وأخذ العلم أيضًا عن شيخ الحنفية (الأقصرائي) و(العز الحنبلي)، و(المرزباني) و(جلال الدين المحلي) و(تقي الدين الشمني) و(علم الدين البلقيني)، وغيرهم[13].
ولم يقتصر تلقي السيوطي على الشيوخ من العلماء الرجال، بل كان له شيوخ من النساء اللاتي بلغن الغاية في العلم، منهن (آسية بنت جار الله بن صالح الطبري)، و(كمالية بنت عبد الله بن محمد الأصفهاني)، و(أم هانئ بنت الحافظ تقي الدين محمد بن محمد بن فهد المكي)، و(خديجة بنت فرج الزيلعي)، وغيرهن كثير[14].

تلاميذه:

وتلاميذ السيوطي من الكثرة والنجابة بمكان، وأبرزهم (شمس الدين الداودي) صاحب كتاب (طبقات المفسرين) الذي كتبه بمساعدة أستاذه السيوطي، و(شمس الدين بن طولون) صاحب كتاب (مفاكهة الخلان)، و(شمس الدين الشامي) صاحب كتاب (السيرة الشامية)، والمؤرخ الكبير (ابن إياس) صاحب كتاب (بدائع الزهور)[15].

مؤلفاته:

زادت مؤلفات السيوطي على الثلاثمائة كتاب ورسالة، عدَّ له بروكلمان (415) مؤلَّفًا، وأحصى له حاجي خليفة في كتابه (كشف الظنون) حوالي (576) مؤلفًا، ووصل بها البعض كابن إياس إلى (600) مؤلف.

ومن مؤلفاته في علوم القرآن والتفسير:

1- الإتقان في علوم القرآن.
2- متشابه القرآن.
3- الإكليل في استنباط التنزيل.
4- مفاتح الغيب في التفسير.
5- طبقات المفسرين.
6- الألفية في القراءات العشر.
7- التحبير في علوم التفسير.
8- الناسخ والمنسوخ في القرآن.
9- التفسير المسند المسمَّى (ترجمان القرآن).
10- الدر المنثور في التفسير بالمأثور.

أما الحديث وعلومه، فكان السيوطي يحفظ مائتي ألف حديث كما رَوَى عن نفسه، وكان مغرمًا بجمع الحديث واستقصائه؛ لذلك ألف عشرات الكتب في هذا المجال، يشتمل الواحد منها على بضعة أجزاء، وفي أحيانٍ أخرى لا يزيد على بضع صفحات. ومن كتبه:

11- إسعاف المبطأ في رجال الموطأ. 12- تنوير الحوالك في شرح موطأ الإمام مالك.
13- جمع الجوامع.
14- الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة.
15- المنتقى من شعب الإيمان للبيهقي.
16- أسماء المدلسين.
17- آداب الفُتْيا.
18- طبقات الحفاظ.

وفي الفقه ألَّف:

19- الأشباه والنظائر في فقه الإمام الشافعي. 20- الحاوي في الفتاوي.
21- الجامع في الفرائض.
22- تشنيف الأسماع بمسائل الإجماع.
وفي اللغة وعلومها كان له فيها أكثر من مائة كتاب ورسالة، منها:
23- المزهر في اللغة.
24- الأشباه والنظائر في اللغة.
25- الاقتراح في النحو.
26- التوشيح على التوضيح.
27- المهذب فيما ورد في القرآن من المعرب.
28- البهجة المرضية في شرح ألفية ابن مالك.

وفي ميدان البديع كان له:

29- عقود الجمان في علم المعاني والبيان.
30- الجمع والتفريق في شرح النظم البديع.
31- فتح الجليل للعبد الذليل.

وفي التاريخ والطبقات ألف أكثر من (55) كتابًا ورسالة، يأتي في مقدمتها:

32- حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة.
33- تاريخ الخلفاء.
34- الشماريخ في علم التاريخ.
35- تاريخ الملك الأشرف قايتباي.
36- الإصابة في معرفة الصحابة.
37- بغية الوعاة في طبقات النحاة.
38- نظم العقيان في أعيان الأعيان.
39- در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة.
40- طبقات الأصوليين.

ومن مؤلفاته الأخرى الطريفة:

41- منهل اللطايف في الكنافة والقطايف.
42- الرحمة في الطب والحكمة.
43- الفارق بين المؤلف والسارق.
44- الفتاش على القشاش.
45- الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض[16].

وقد شاءت إرادة الله أن تحتفظ المكتبة العربية والإسلامية بأغلب تراث الإمام السيوطي، وأن تطبع غالبية كتبه القيمة، وينهل من علمه الكثيرون. وقد ذكر الأستاذ إياد خالد الطباع أغلب مؤلفات الإمام السيوطي في كتابه (الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي).

منهجه في التفسير:

وأهم ما يميز تفسير السيوطي:
1- يذكر مكان نزول السورة، وهل هي مكية أم مدنية.
2- يذكر ما ورد في هذه السورة من فضائل.
3- يقسم السورة إلى مقاطع، فيذكر الآية أو الآيتين في السور المدنية الطوال، أو مجموعة من الآيات في السور المكية القصار.
4- ثم يفسِّر الكلمة أو الجملة مبيِّنًا فيها:
أ- سبب النزول إن وجد. ب- القراءات: إن ورد فيها قراءات.
ج- الناسخ والمنسوخ د- شرح غريب اللفظ، ومبهم العبارات.
هـ- إذا كانت الآية تتضمن أحكامًا فقهية، فإنه يذكر ما ورد فيها من أحكام[17].

منهج السيوطي في كتابة التاريخ:

كان للسيوطي رحمه الله منهجٌ في بحثه التاريخي، نستطيع أن نتلمس آثاره في كتبه التي صنفها:
1- كان السيوطي حريصًا على ذكر المصادر التي أخذ عنها معلوماته، فبركة العلم نسبة القول إلى قائله، بل هو في التاريخ أكثر ضرورة؛ نظرًا لحاجة التاريخ لمصدر يوثق الحادثة.
2- يوضح المسألة بإبراز الأقوال التي جاءت فيها، والردود التي وردت باسم صاحبها؛ وذلك نظرًا لسعة اطِّلاعه على المرويات والأخبار.
3- اتَّبع السيوطي منهج المحدِّثين بتتبع الأخبار ونقدها، كما بيَّن ذلك في فصل له بعنوان (فصل في بيان كونه عليه الصلاة والسلام لم يستخلف وسرّ ذلك)، حيث أظهر رأيه في آخر الروايات التي ذكرها، ودفع المتعارض منها[18].

آراء العلماء فيه:

قال عنه تلميذه الداودي: "وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه رجالاً وغريبًا، ومتنًا وسندًا، واستنباطًا للأحكام منه، وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث؛ قال: ولو وجدت أكثر لحفظته. قال: ولعله لا يوجد على وجه الأرض الآن أكثر من ذلك"[19].
وقال عنه تلميذه عبد القادر بن محمد الشاذلي: "الأستاذ الجليل الكبير، الذي لا تكاد الأعصار تسمح له بنظير... شيخ الإسلام، وارث علوم الأنبياء عليهم السلام، فريد دهره، ووحيد عصره، مميت البدعة، ومحيي السنة... العلاَّمة البحر الفهامة، مفتي الأنام، وحسنة الليالي والأيام، جامع أشتات الفضائل والفنون،... وأوحد علماء الدين، إمام المرشدين، وقامع المبتدعة والملحدين، سلطان العلماء، ولسان المتكلمين،... إمام المحدِّثين في وقته وزمانه"[20].
وقال عنه تلميذه المؤرِّخ البحَّاثة ابن إياس: "كثير الاطِّلاع، نادرة في عصره، بقية السلف وعمدة الخلف، وبلغت عدَّة مصنفاته نحوًا من ست مائة تأليف، وكان في درجة المجتهدين في العلم والعمل"[21]. وقال عنه ابن العماد الحنبلي: "المُسْنِد المحقِّق المدقِّق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة"[22].

وفاته:

تمرَّض السيوطي رحمه الله بورم شديد في ذراعه اليسرى، فمكث سبعة أيام، وتُوُفِّي رحمه الله في سحر ليلة الجمعة (19 من جمادى الأولى عام 911هـ/ 17 من أكتوبر عام 1505م) في منزله بروضة المقياس، وقد استكمل من العمر إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية عشر يومًا. ونُقل عنه أنه قرأ عند احتضاره سورة (يس)، وصلى عليه خلائق بجامع الأباريقي بالروضة عقب صلاة الجمعة، وصلى عليه مرة ثانية خلائق لا يحصون، وكان له مشهد عظيم، وكما يقول تلميذه الشاذلي: "لم يَصِلْ أحدٌ إلى تابوته من كثرة ازدحام الناس". ودُفِن بحوش قوصون خارج باب القرافة، كما صُلِّي عليه غائبةً بدمشق في الجامع الأموي، يوم الجمعة ثامن رجب من السنة المذكورة[23].

الهوامش:

[1] السيوطي: التحدث بنعمة الله ص5.
[2] السيوطي: التحدث بنعمة الله ص16. العيدروس: النور السافر عن أخبار القرن العاشر ص29.
[3] العيدروس: النور السافر عن أخبار القرن العاشر ص29. إياد خالد الطباع: الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي ص29.
[4] السيوطي: السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[5] السيوطي: التحدث بنعمة الله ص63. العيدروس: النور السافر عن أخبار القرن العاشر ص29. إياد خالد الطباع: الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي ص 32، 33.
[6] العيدروس: النور السافر عن أخبار القرن العاشر ص29.
[7] السيوطي: طبقات المفسرين 1/1.
[8] السيوطي: التحدث بنعمة الله ص203.
[9] السابق نفسه ص203، 204.
[10] إياد خالد الطباع: الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي ص15.
[11] ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في خبر من ذهب 10/ 76.
[12] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[13] السيوطي: طبقات المفسرين 1/ 1.
[14] إياد خالد الطباع: الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي ص65- 68.
[15] إياد خالد الطباع: الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي ص410- 424.
[16] العيدروس: النور السافر عن أخبار القرن العاشر ص29. إياد خالد الطباع: الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي ص 314- 405.
[17] محمد يوسف الشربجي: الإمام السيوطي وجهوده في علوم القرآن ص277. إياد خالد الطباع: الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي ص115، 116.
[18] إياد خالد الطباع: الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي ص274.
[19] ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب 10/ 76.
[20] إياد خالد الطباع: الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي ص5.
[21] السابق نفسه ص5.
[22] ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب 10/ 74.
[23] نجم الدين الغزي: الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة 1/ 231. إياد خالد الطباع: الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي ص436، 437.

عن موقع قصة الإسلام

يتبع
 
التعديل الأخير:
من علماء التفسير/الإمام الطبري

الإمام الطبري

اسمه ومولده

هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري رحمه الله تعالى، يُكنى بـأبي جعفر، وعُرف بذلك، واتفق المؤرخون على أنه لم يكن له ولد يسمى بـجعفر، بل إنه لم يتزوج أصلاً، ولكنه تكنَّى التزامًا بآداب الشرع الحنيف، فقد كان النبي يُطلِق الكُنَى على أصحابه[1].
وُلِد سنة 224هـ/ 839م[2]، وكانت ولادته بآمُل عاصمة إقليم طبرستان[3]. قال الخطيب البغدادي: "استوطن الطبري بغداد، وأقام بها إلى حين وفاته"[4].

طفولته وتربيته

نشأ الطبري بآمل، وتربى في أحضان والده وغمره برعايته، وتفرس فيه النباهة والذكاء والرغبة في العلم فتولى العناية به ووجَّهه منذ الطفولة إلى حفظ القرآن الكريم، كما هي عادة المسلمين في مناهج التربية الإسلامية، وخاصةً أن والده رأى رؤيا تفاءل بها خيرًا عند تأويلها.
فقد رأى أبوه رؤيا في منامه أن ابنه واقف بين يدي الرسول ومعه مخلاة مملوءة بالأحجار، وهو يرمي بين يدي رسول الله ، وقصَّ الأب على مُعَبِّرٍ رؤياه فقال له: "إن ابنك إن كبر نصح في دينه، وذبَّ عن شريعة ربه".
ويظهر أن الوالد أخبر ولده بهذه الرؤيا وقصها عليه عدة مرات؛ فكانت حافزًا له على طلب العلم والجد والاجتهاد فيه والاستزادة من معينه، والانكباب على تحصيله ثم العمل به، والتأليف فيه؛ ليدافع عن الحق والدين[5].
وظهرت على الطبري في طفولته سمات النبوغ الفكري، وبدت عليه مخايل التفتح الحاد والذكاء الخارق والعقل المتقد، والملكات الممتازة، وأدرك والده ذلك فعمل على تنميتها وحرص على الإفادة والاستفادة منها؛ فوجَّهه إلى العلماء ومعاهد الدراسة، وساعده على استغلال كل هذه الطاقات دون أن يشغله بشيء من شئون الحياة ومطالبها، وخصص له المال للإنفاق على العلم والتعلم، وسرعان ما حقق الطبري أحلام والده، وزاد له في آماله وطموحه.
وقد حرص والده على إعانته على طلب العلم منذ صباه، ودفعه إلى تحصيله، فما كاد الصبي الصغير يبلغ السن التي تؤهله للتعليم، حتى قدمه والده إلى علماء آمل، وشاهدته دروب المدينة ذاهبًا آيبًا يتأبط دواته وقرطاسه.
وسرعان ما تفتح عقله، وبدت عليه مخايل النبوغ والاجتهاد، حتى قال عن نفسه: "حفظت القرآن ولي سبع سنين، وصليت بالناس وأنا ابن ثماني سنين، وكتبت الحديث وأنا في التاسعة"[6].

ملامح شخصيته وأخلاقه

تمتع الإمام الطبري رحمه الله بمواهب فطرية متميزة، جبله الله عليها، وتفضل عليه بها، كما حفلت حياته بمجموعة من الصفات الحميدة، والأخلاق الفاضلة، والسيرة المشرفة؛ ومن هذه الصفات:

1- نبوغ الطبري وذكاؤه:
إن كثيرًا من صفات الإنسان تكون هبة من الله ، وعطاءً مباركًا من الخالق البارئ، ولا دخل للإنسان فيها، والله يختص برحمته من يشاء، ويفضل بعض الناس على بعض، ويرزق المواهب الخاصة لمن يشاء من عباده.
وكان الطبري -رحمه الله- موهوب الغرائز، وقد حباه الله بذكاء خارق، وعقل متقد، وذهن حاد، وحافظة نادرة، وهذا ما لاحظه فيه والده، فحرص على توجيهه إلى طلب العلم وهو صبي صغير، وخصص له موارد أرضه لينفقها على دراسته وسفره وتفرغه للعلم. ومما يدل على هذا الذكاء أنه رحمه الله حفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وصلى بالناس وهو ابن ثماني سنين، وكتب الحديث وهو ابن تسع سنين[7].
2- حفظ الطبري:
كان الطبري رحمه الله يتمتع بحافظة نادرة، ويجمع عدة علوم، ويحفظ موضوعاتها وأدلتها وشواهدها، وإن كُتُبه التي وصلتنا لأكبر دليل على ذلك، حتى قال عنه أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن المفلس: "والله إني لأظن أبا جعفر الطبري قد نسي مما حفظ إلى أن مات ما حفظه فلان طول عمره"[8].
3- ورع الطبري وزهده:
وهاتان الصفتان من فضائل الأخلاق، ومن أشد الصفات التي يجب أن يتحلى بها العالم والداعية، والمربِّي والإمام، وكان الطبري رحمه الله على جانبٍ كبير من الورع والزهد والحذر من الحرام، والبُعد عن مواطن الشُّبَه، واجتناب محارم الله تعالى، والخوف منه، والاقتصار في المعيشة على ما يَرِدُهُ من ريع أرضه وبستانه الذي خلَّفه له والده[9].
قال عنه ابن كثير: "وكان من العبادة والزهادة والورع والقيام في الحق لا تأخذه في ذلك لومة لائم،... وكان من كبار الصالحين"[10].
وكان الطبري رحمه الله زاهدًا في الدنيا، غير مكترث بمتاعها ومفاتنها، وكان يكتفي بقليل القليل أثناء طلبه للعلم، وبما يقوم به أوده، ويمتنع عن قبول عطايا الملوك والحكام والأمراء[11].
4- عفة الطبري وإباؤه:
وكان الطبري رحمه الله عفيف اللسان، يحفظه عن كل إيذاء؛ لأن فعل اللسان قد يتجاوز في بعض الأحيان السنان، ولأن جرح السيف قد يُشفى ويبرأ، ولكن هيهات أن يُشفى جرح اللسان. وكان الطبري متوقفًا عن الأخلاق التي لا تليق بأهل العلم ولا يؤثرها إلى أن مات، ولما كان يناظر مرة داود بن علي الظاهري في مسألة، فوقف الكلام على داود، فشق ذلك على أصحابه، فقام رجل منهم، وتكلم بكلمة مَضَّة وموجعة لأبي جعفر، فأعرض عنه، ولم يرد عليه، وترفَّع عن جوابه، وقام من المجلس، وصنَّف كتابًا في هذه المسألة والمناظرة[12]. وكان الطبري عفيف النفس أكثر من ذلك، فهو مع زهده لا يسأل أحدًا، مهما ضاقت به النوائب، ويعفُّ عن أموال الناس، ويترفع عن العطايا[13].
5- تواضع الطبري وعفوه:
كان الطبري شديد التواضع لأصحابه وزواره وطلابه، دون أن يتكبر بمكانته، أو يتعالى بعلمه، أو يتعاظم على غيره، فكان يُدعى إلى الدعوة فيمضي إليها، ويُسأل في الوليمة فيجيب إليها[14].
وكان رحمه الله لا يحمل الحقد والضغينة لأحد، وله نفس راضية، يتجاوز عمن أخطأ في حقه، ويعفو عمن أساء إليه[15].
وكان محمد بن داود الظاهري قد اتهم الطبري بالأباطيل، وشنَّع عليه، وأخذ بالرد عليه؛ لأن الطبري ناظر والده، وفنَّد حججه، وردَّ آراءه، فلما التقى الطبري مع محمد بن داود تجاوز عن كل ذلك، وأثنى على علم أبيه، حتى وقف الولد عن تجاوز الحد، وإشاعة التهم على الطبري[16].
ومع كل هذا التواضع، وسماحة النفس، والعفو والصفح، كان الطبري لا يسكت على باطل، ولا يمالئ في حق، ولا يساوم في عقيدة أو مبدأ؛ فكان يقول الحق، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ثابت الجنان، شجاع القلب، جريئًا في إعلان الصواب مهما لحق به من أذى الجهال، ومضايقة الحساد، وتخرصات الحاقدين[17].

شيوخه:

من أشهر شيوخ الطبري: محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وأحمد بن منيع البغوي، ومحمد بن حميد الرازي، وأبو همام الوليد بن شجاع، وأبو كريب محمد بن العلاء، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وأبو سعيد الأشج، وعمرو بن علي، ومحمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، وخلق كثير نحوهم من أهل العراق والشام ومصر[18].

تلاميذه:

من أشهر تلامذته: أحمد بن كامل القاضي، ومحمد بن عبد الله الشافعي، ومخلد بن جعفر[19]، وأحمد بن عبد الله بن الحسين الجُبْني الكبائي[20]، وأحمد بن موسى بن العباس التميمي[21]، وعبد الله بن أحمد الفرغاني، وعبد الواحد بن عمر بن محمد أبو طاهر البغدادي البزاز[22]، ومحمد بن أحمد بن عمر أبو بكر الضرير الرملي[23]، ومحمد بن محمد بن فيروز[24]، وخلق كثير غيرهم.

مؤلفاته:

ترك لنا الطبري ثروة علمية تدل على غزارة علمه، وسعة ثقافته،، ودقته في اختيار العلوم الشرعية والأحكام المتعلقة بها، وكان له قلم سيَّال، ونَفَس طويل، وصبر في البحث والدرس، فكان يعتكف على التصنيف، وكتابة الموسوعات العلمية في صنوف العلوم، مع ما منَّ الله عليه من ذكاء خارق، وعقل راجح متفتح، وجَلَد على تحمل المشاق؛ ومن هذه المؤلفات:

1- جامع البيان في تأويل القرآن، المعروف بتفسير الطبري.
2- تاريخ الأمم والملوك، المعروف بتاريخ الطبري.
3- كتاب ذيل المذيل.
4- اختلاف علماء الأمصار في أحكام شرائع الإسلام، المعروف باختلاف الفقهاء وهو في علم الخلاف.
5- لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام، وهو كتاب فقه في المذهب الجريري.
6- الخفيف في أحكام شرائع الإسلام، وهو في تاريخ الفقه.
7- بسط القول في أحكام شرائع الإسلام، وهو في تاريخ الفقه الإسلامي ورجاله وأبوابه.
8- تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار، وسماه القفطي (شرح الآثار) وهو كتاب في الحديث، بقيت منه بقايا طُبعت في أربع مجلدات.
9- آداب القضاة، وهو في الفقه عن أحكام القضاء وأخبار القضاة.
10- أدب النفوس الجيدة والأخلاق الحميدة.
11- كتاب المسند المجرد، ذكر فيه الطبري حديثه عن الشيوخ، بما قرأه على الناس.
12- الرد على ذي الأسفار، وهو ردٌّ على داود بن علي الأصبهاني مؤسِّس المذهب الظاهري.
13- كتاب القراءات وتنزيل القرآن، ويوجد منه نسخة خطية في الأزهر.
14- صريح السنة، وهي رسالة في عدة أوراق في أصول الدين.
15- البصير في معالم الدين. وهو رسالة في أصول الدين، كتبها لأهل طبرستان فيما وقع بينهم من الخلاف في الاسم والمسمى، وذكر مذاهب أهل البدع، والرد عليهم.
16- فضائل علي بن أبي طالب، وهو كتاب في الحديث والتراجم، ولم يتمه الطبري رحمه الله.
17- فضائل أبي بكر الصديق وعمر، ولم يتمه.
18- فضائل العباس، ولم يتمه.
19- كتاب في عبارة الرؤيا في الحديث، ولم يتمه.
20- مختصر مناسك الحج.
21- مختصر الفرائض.
22- الرد على ابن عبد الحكم على مالك، في علم الخلاف والفقه المقارن.
23- الموجز في الأصول، ابتدأه برسالة الأخلاق، ولم يتمه.
24- الرمي بالنشاب، أو رمي القوس، وهو كتاب صغير، ويُشك في نسبته إلى الطبري.
25- الرسالة في أصول الفقه. ذكرها الطبري في ثنايا كتبه، ولعلها على شاكلة الرسالة للإمام الشافعي في أصول الاجتهاد والاستنباط.
26- العدد والتنزيل.
27- مسند ابن عباس. ولعله الجزء الخاص من كتاب (تهذيب الآثار)، وطبعت البقية الباقية منه في مجلدين.
28- كتاب المسترشد.
29- اختيار من أقاويل الفقهاء[25].

منهجه في التفسير:

لقد لخص لنا الأستاذ الفاضل محمد محمود الحلبي - في كلمة الناشر للطبعة الثالثة - منهجَ الطبري باختصار فقال: "وهو تفسير ذو منهج خاص، يذكر الآية أو الآيات من القرآن، ثم يعقبها بذكر أشهر الأقوال التي أُثرت عن الصحابة والتابعين من سلف الأمة في تفسيرها، ثم يورد بعد ذلك روايات أخرى متفاوتة الدرجة في الثقة والقوة في الآية كلها أو في بعض أجزائها بناءً على خلافٍ في القراءة أو اختلاف في التأويل، ثم يعقِّب على كل ذلك بالترجيح بين الروايات واختيار أولاها بالتقدمة، وأحقها بالإيثار، ثم ينتقل إلى آية أخرى فينهج نفس النهج: عارضًا ثم ناقدًا ثم مرجِّحًا".
"وهو إذ ينقد أو يرجِّح يردُّ النقد أو الترجيح إلى مقاييس تاريخية من حال رجال السند في القوة والضعف، أو إلى مقاييس علمية وفنية: من الاحتكام إلى اللغة التي نزل بها الكتاب، نصوصها وأقوال شعرائها، ومن نقد القراءة وتوثيقها أو تضعيفها، ومن رجوع إلى ما تقرر بين العلماء من أصول العقائد، أو أصول الأحكام أو غيرهما من ضروب المعارف التي أحاط بها ابن جرير، وجمع فيها مادة لم تجتمع لكثير من غيره من كبار علماء عصره"[26].
آراء العلماء فيه
قال عنه ياقوت الحموي: "أبو جعفر الطبري المحدِّث، الفقيه، المقرئ، المؤرِّخ، المعروف، المشهور"[27].
وقال الخطيب البغدادي: "كان أحد أئمة العلماء، يُحكم بقوله، ويُرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظًا لكتاب الله، عارفًا بالقراءات كلها، بصيرًا بالمعاني، فقيهًا في أحكام القرآن، عالمًا بالسنن وطرقها: صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفًا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم...، عارفًا بأيام الناس وأخبارهم"[28].
وقال القفطي: "العالم الكامل، الفقيه، المقرئ، النحوي، اللغوي، الحافظ، الإخباري، جامع العلوم، لم يُرَ في فنونه مثله، وصنف التصانيف الكبار"[29]. وقال عنه محمد بن إسحاق بن خزيمة: "ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير"[30].
وقال ابن كثير: "كان أحد أئمة الإسلام علمًا وعملاً بكتاب الله وسُنَّة رسوله"[31]. وقال الإمام الذهبي: "الإمام الجليل، المفسر أبو جعفر، صاحب التصانيف الباهرة... من كبار أئمة الإسلام المعتمدين"[32].
وقال عنه الذهبي أيضًا: "كان ثقة حافظًا صادقًا، رأسًا في التفسير، إمامًا في الفقه والإجماع والاختلاف، عَلاَّمةً في التاريخ وأيام الناس، عارفًا بالقراءات واللغة، وغير ذلك"[33].
وقال عنه ابن تغري بردي: "وهو أحد أئمة العلم، يُحكم بقوله، ويُرجع إلى رأيه، وكان متفننًا في علوم كثيرة، وكان واحد عصره"[34].

آراء العلماء في مؤلفاته:

احتل تفسير الطبري سويداء القلب عند العلماء على مر العصور في القديم والحديث، وحظي بالرعاية والعناية، وأثنى عليه الأئمة والعلماء والمؤرخون والمفسرون، وسطروا الجمل المذهبة حوله، وعلقوا عليه أوسمة الفخار. قال عنه الإمام النووي: "لم يصنف أحد مثله"[35].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وتفسير محمد بن جرير الطبري هو من أجلِّ التفاسير وأعظمها قدرًا..."[36]. وقال أيضًا: "وأما التفاسير التي في أيدي الناس فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بكير والكلبي"[37].
وقال مؤرِّخ الإسلام الذهبي: "وله كتاب التفسير، لم يصنف أحد مثله"[38]. وقال عنه القفطي: "وصنف التصانيف الكبار، منها تفسير القرآن الذي لم يُرَ أكبر منه، ولا أكثر فوائد"[39].
وقال السيوطي في الإتقان: "وكتابه أجلُّ التفاسير وأعظمها... فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض، والإعراب والاستنباط، فهو يفوقها بذلك"[40].
وقال الشيخ محمد الفاضل بن عاشور: "فكان جديرًا بالتفسير حين تناوله الطبري بتلك المشاركة الواسعة، وذلك التفنُّن العجيب أن يبلغ به أوجه، وأن يستقر على الصورة الكاملة التي تجلت فيها منهجيته، وبرزت بها خصائصه مسيطرة على كل ما ظهر من بعده من تآليف لا تحصى في التفسير"[41].
وقال أبو حامد الإسفراييني الفقيه: "لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصِّل تفسير ابن جرير، لم يكن كثيرًا"[42].

وفاته:

عاش الطبري راهبًا في محراب العلم والعمل حتى جاءته الوفاة ولا رادَّ لأمر الله. قال الخطيب: "واجتمع عليه (حال الجنازة) من لا يحصيهم عددًا إلا الله، وصُلِّي على قبره عدة شهور ليلاً ونهارًا، ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب"[43]. وكان ذلك في يوم 26 من شهر شوال سنة 310هـ/ 923م على الأرجح، في عصر الخليفة العباسي المقتدر بالله، ودُفِن في داره الكائنة برحبة يعقوب ببغداد[44].

الهوامش:

[1] ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 165.
[2] ياقوت الحموي: معجم الأدباء 18/ 48.
[3] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[4] الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 549.
[5] ياقوت الحموي: معجم الأدباء 18/ 49. د/ محمد الزحيلي: الإمام الطبري ص31.
[6] ياقوت الحموي: السابق نفسه، الصفحة نفسها. د/ فؤاد سيزكين: تاريخ التراث العربي 1/ 159. د/ محمد الزحيلي: السابق نفسه ص37.
[7]ياقوت الحموي: معجم الأدباء 18/ 49. د/ محمد الزحيلي: الإمام الطبري ص61، 62.
[8] ياقوت الحموي: السابق نفسه 18/ 69. د/ محمد الزحيلي: الإمام الطبري ص62.
[9] تاج الدين السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 3/ 125.
[10] ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 166.
[11] د/ محمد الزحيلي: الإمام الطبري ص68.
[12] ياقوت الحموي: معجم الأدباء 18/ 78، 79.
[13] د/ محمد الزحيلي: الإمام الطبري ص71.
[14] ياقوت الحموي: معجم الأدباء 18/ 89.
[15] السابق نفسه 18/ 84.
[16] السابق نفسه 18/ 80. ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 146.
[17] ياقوت الحموي: معجم الأدباء 18/ 85، 86. د/ محمد الزحيلي: الإمام الطبري ص76.
[18] الخطيب البغدادي: تاريخ بغدد 2/ 548.
[19] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[20] ابن الجزري: غاية النهاية في طبقات القراء 1/ 72.
[21] السابق نفسه 1/ 139، 140.
[22] السابق نفسه 1/ 475.
[23] السابق نفسه 2/ 77.
[24] السابق نفسه 2/ 247.
[25] د/ محمد الزحيلي: الإمام الطبري ص51- 53.
[26] تفسير الطبري 1/ 4.
[27] ياقوت الحموي: معجم الأدباء 18/ 40.
[28] الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 550.
[29] القفطي: إنباه الرواة 3/ 89.
[30] الذهبي: العبر في خبر من غبر 1/ 460.
[31] ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 146.
[32] الذهبي: ميزان الاعتدال 3/ 498، 499.
[33] الذهبي: سير أعلام النبلاء 14/ 270.
[34] ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 3/ 205.
[35] الإمام النووي: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 78.
[36] ابن تيمية: مجموع الفتاوى الكبرى 13/ 361.
[37] السابق نفسه 13/ 385.
[38] الذهبي: سير أعلام النبلاء 14/ 270.
[39] القفطي: إنباه الرواة 3/ 89.
[40] السيوطي: الإتقان في علوم القرآن 2/ 190.
[41] الشيخ محمد الفاضل بن عاشور: التفسير ورجاله ص31.
[42] الذهبي: العبر في خبر من غبر 1/ 460.
[43] الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 554.
[44] ياقوت الحموي: معجم الأدباء 18/ 40. القفطي: إنباه الرواة 3/ 90. تاج الدين السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 3/ 126. ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 332. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 166.

عن موقع قصة الإسلام

يتبع
 
من علماء التفسير/الإمام القرطبي

من علماء التفسير
الإمام القرطبي

اسمه ومولده:

هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي المفسِّر[1]. ولد في قرطبة[2] أوائل القرن السابع الهجري (ما بين 600 - 610هـ)[3]، وعاش بها[4]، ثم انتقل إلى مصر حيث استقر بِمُنْيَة بني خصيب في شمال أسيوط، ويقال لها اليوم: المنيا، وبقي فيها حتى تُوفِّي[5].

نشأته وتربيته:

أقبل القرطبي منذ صغره على العلوم الدينية والعربية إقبال المحبِّ لها، الشغوف بها؛ ففي قرطبة تعلم العربية والشعر إلى جانب تعلمه القرآن الكريم، وتلقى بها ثقافة واسعة في الفقه والنحو والقراءات وغيرها على جماعة من العلماء المشهورين، وكان يعيش آنذاك في كنف أبيه ورعايته، وبقي كذلك حتى وفاة والده سنة 627هـ[6].
وكان إلى جانب تلقيه العلم ينقل الآجُرَّ لصنع الخزف في فترة شبابه، وقد كانت صناعة الخزف والفخَّار من الصناعات التقليدية التي انتشرت في قرطبة آنذاك. وكانت حياته متواضعة، إذ كان من أسرة متوسطة أو خامِلة - مع علوِّ حَسَبه ونسبه - إلا أنه أنبه شأن أسرته، وأعلى ذِكرها بما قدَّم من آثار ومؤلفات.
عاش مأساة الأندلس، فقد بقي بقرطبة حتى سقوطها، وخرج منها نحو عام 633هـ، فرحل إلى المشرق طلبًا للعلم من مصادره، فانتقل إلى مصر التي كانت محطًّا لكثير من علماء المسلمين على اختلاف أقطارهم، فدرس على أيدي علمائها، واستقرَّ بها[7].

ملامح شخصيته وأخلاقه:

1- زهده وورعه:

كان القرطبي -رحمه الله- من الزهد والورع بمكان، ومن ثَمَّ أثنى عليه المؤرخون لتحلِّيه بهذه الصفات الحميدة؛ قال ابن فرحون: "كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين الورعين، الزاهدين في الدنيا، المشغولين بما يعنيهم من أمور الآخرة"[8].
ونرى في مطالعتنا لكتب القرطبي نَفَس العالِم الصالح الورع الزاهد في كل صفحة من صفحاتها، فهو يشكو دائمًا من كثرة الفساد، وانتشار الحرام، والابتعاد عن الواجبات، والوقوع في المحرمات[9].
ومن مظاهر ورعه وزهده: تصنيفه كتابي (قمع الحرص بالزهد والقناعة) و(التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة). ومن مظاهره أيضًا: ذَمُّه الغِنَى الذي يجعل صاحبه مزهوًّا به، بعيدًا عن تعهُّد الفقراء، ضعيفًا في التوكل على ربِّ الأرض والسماء[10].

2- شجاعته وجرأته في الحق:

لا غرابة في أن يكون القرطبي شجاع القلب، جريئًا في إعلان ما يراه حقًّا؛ لأنه قد اكتسب تلك الأسباب التي تسلحه بهذه الجرأة من علم واسع، وورعٍ مشهود، واستهانة بالدنيا ومظاهرها؛ لهذا كان رحمه الله ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، ويتمثل هذا في إيمائه في أكثر من موضع في تفسيره إلى أن الحكام في عصره حادوا عن سواء السبيل، فهم يظلمون ويرتشون، وتسوَّد عندهم أهل الكتاب، ومن ثَمَّ فهم ليسوا أهلاً للطاعة، ولا للتقدير[11].
نذكر من ذلك ما كتبه في (التذكرة) إذ يقول: "هذا هو الزمان الذي استولى فيه الباطل على الحق، وتغلَّب فيه العبيد على الأحرار من الخلق، فباعوا الأحكام، ورضي بذلك منهم الحكام، فصار الحكم مكسًا، والحق عكسًا لا يوصل إليه، ولا يقدر عليه، بدَّلوا دين الله، وغيَّروا حكم الله، سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[12]"[13].

3- بساطته وتواضعه:

كان رحمه الله -فيما عرف عنه- يُعنى بمظهره دون تكلف وبذخ؛ إذ كان يمشي بثوب واحد مما يدل على رقة حاله، وأنه لم يصب من الغنى ما يجعله يعيش حياة مترفة[14].

4- الجدية ومضاء العزيمة:

إن الدارس لحياة القرطبي ليعجب كل العجب من حياة الجد والصرامة التي أخذ نفسه بها حتى ألفها، فهو رحمه الله قد كرَّس حياته للعلم والمطالعة والتأليف، دون أن يُؤثَر عنه ملل أو سَأَم، أو يُعرف عنه أنه كان يتوقف عن ذلك لراحةٍ أو استجمام[15]؛ ولذا وصفه مترجموه بقولهم: "أوقاته معمورة ما بين توجُّه وعبادة وتصنيف"[16].
ولا شك أن جدية إمامنا القرطبي كانت بسبب استشعار قيمة وعظمة ما يدرس ويصنِّف، فهو على صلة دائمة مع النصوص الشرعية التي تحث على الصدق في القول والعمل، ومخاطبة الناس بالطيب من القول، وتنهى عن السفه وبذاءة اللسان، وتنفِّر من الكبر والرياء والنفاق، وتحذِّر من الافتتان بمباهج الحياة والانسياق وراء مغرياتها. ولا نستغرب ولا تنتابنا الدهشة من هذا الخُلُق إذا فهمنا البواعث النفسية التي كانت تسيطر على صاحبنا، فهو كثير الهمِّ على مسلمي عصره، شديد التمسك بسُنَّة نبيه ، متأثر بما حلَّ ببلاده، حريص على العلم الشرعي، فضلاً عن تأثره بخُلُق كثير من مشايخه لا سيما المحدِّثين منهم، الذين كانوا يتصدرون لتدريس الحديث وروايته، ويحرصون كل الحرص على التقيد بالآداب العامة، ويتشددون في التزامها والتحلي بها؛ كي يكون لهم المهابة والوقار في نفوس مستمعيهم وطلابهم، وحتى لا يكون هناك تناقض بين سلوكهم وأقوالهم، بل هم يشددون على أنفسهم كي يكونوا قدوةً حسنة لتلاميذهم[17].

5- أمانته:

كان القرطبي -رحمه الله- يلتزم الأصول العلمية، ويتبع أساليب العلماء الفضلاء الذين لا يعنيهم إلا أن يثبتوا الفضل لأهله، ويتورعوا عن أن ينسبوا لأنفسهم ما ليس لهم. وهذه هي الأمانة العلمية التي يعمل علماء العالم الآن على تأصيلها، وتثبيت قيمها، واتخاذ أساليب لتنفيذها؛ ولا يتصور أنها تخرج عما ارتضاه الإمام القرطبي لنفسه حين كتب (تفسيره) حيث قال: "وشرطي في هذا الكتاب إضافة الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يضاف إلى قائله"[18].

6- اجتهاده وكثرة مطالعته:

ذكر غير واحد من مؤرخي حياة إمامنا القرطبي أن أوقاته كانت معمورة بين توجه للعبادة أو التصنيف، وهذا شأن العلماء، وسمة العارفين الفضلاء، ومنشأ هذه الميزة في شخصيته العلمية هي جديته في الحياة، ومضاء عزيمته كما ذكرنا.
كان -رحمه الله- كثير المطالعة، مجدًّا في التحصيل، كثير الحديث عما يشكل. وكان يحب الكتب حبًّا جمًّا، ويحرص على جمعها واقتنائها، حتى لقد تجمَّع لديه منها مجموعات كثيرة منوَّعة؛ ولو أن باحثًا قام بجمع موارده في (تفسيره) فقط، لتجمَّع لديه الشيء الكثير، والعجب العجاب من آثار المشرقيين والمغربيين معًا. وإليك مثال من حبِّه للكتب وشغفه بالمطالعة، من كتابه (التذكرة) فقط؛ قال رحمه الله: "وكنتُ بالأندلس قد قرأتُ أكثر كتب المقرئ الفاضل أبي عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان، تُوُفِّي سنةَ أربعٍ وأربعين وأربعمائة"[19].
فهذا النص يدلنا على ولعه بالقراءة والكتب منذ نعومة أظفاره، إذ صرَّح بأنه قرأ أكثر كتب ذلك العالِم المذكور وهو في الأندلس بعدُ. كما كان ولوعًا بكتب حافظ المغرب (ابن عبد البر)، والفقيه العلامة المالكي (ابن العربي)، فأكثر النقل من كتبهما، ولا سيما (التمهيد) للأول، و(أحكام القرآن) للثاني، وهذا يدلنا على مدى تأثره بهما، إذ اجتمع معهما في صفات علمية كثيرة[20].

شيوخه: من شيوخ القرطبي:

1- ابن رَوَاج: وهو الإمام المحدث أبو محمد عبد الوهاب بن رواج، واسمه ظافر بن علي بن فتوح الأزدي الإسكندراني المالكي، المُتوفَّى سنة 648هـ[21].
2- ابن الجُمَّيْزِيّ: وهو العلامة بهاء الدين أبو الحسن علي بن هبة الله بن سلامة المصري الشافعي، المتوفَّى سنة 649هـ، وكان من أعلام الحديث والفقه والقراءات[22].
3- أبو العباس ضياء الدين أحمد بن عمر بن إبراهيم المالكي القرطبي، المتوفَّى سنة 656هـ، صاحب (المُفهِم في شرح صحيح مسلم)[23].
4- الحسن البكري:0 هو الحسن بن محمد بن عمرو التَّيْمِيُّ النيسابوري ثم الدمشقي، أبو علي صدر الدين البكري، المتوفَّى سنة 656هـ[24].

تلاميذه:

من أشهر تلاميذه ابنه شهاب الدين أحمد[25]، وأبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن محمد بن إبراهيم بن الزبير بن عاصم الثقفي العاصمي الغرناطي[26]، وإسماعيل بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد الخراستاني[27]، وأبو بكر محمد ابن الإمام الشهيد كمال الدين أبي العباس أحمد بن أمين الدين أبي الحسن علي بن محمد بن الحسن القسطلاني المصري[28]، وضياء الدين أحمد بن أبي السعود بن أبي المعالي البغدادي، المعروف بالسطريجي[29].

مؤلفاته:

ذكر المؤرخون للقرطبي -رحمه الله- عدَّة مؤلفات غير تفسيره العظيم (الجامع لأحكام القرآن)[30]؛ ومن هذه المؤلفات:
(التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة)، وهو مطبوع متداول[31].
(التذكار في أفضل الأذكار)، وهو أيضًا مطبوع متداول[32].
(الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العليا)[33].
(الإعلام بما في دين النصارى من المفاسد والأوهام وإظهار محاسن دين الإسلام)[34].
(قمع الحرص بالزهد والقناعة وردّ ذُل السؤال بالكسب والصناعة)[35].
وقد أشار القرطبي في تفسيره إلى مؤلفات له، منها: (المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس)[36]، و(اللمع اللؤلؤية في شرح العشرينات النبوية)[37]، وغيرها من التصانيف.

منهج القرطبي في التفسير:

قدَّم المؤلف لتفسيره مقدمة حافلة ببيان فضائل القرآن وآداب حملته، وما ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه به.
ثم أوضح مقصده وباعثه على كتابة هذا التفسير بقوله: "وعملته تذكرةً لنفسي، وذخيرةً ليوم رَمْسِي، وعملاً صالحًا بعد موتي"[38].
وقد التزم القرطبي في هذا التفسير الأمانة العلمية، والموضوعية في الإفادة من أسلافه؛ فقال: "وشرطي في هذا الكتاب إضافة الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله"[39].
وكان لا يقف في تفسير القرآن عند حدِّ ما رُوي من ذلك عن الرسول والسلف الصالح، بل يتخذ ما أُوتيه من أدوات العلم وسيلةً يستعين بها على فهمه.
وكان يقصد إلى تفسير القرآن الكريم ببيان التعبير القرآني وأسراره ومنزلته من الكلام العربي، ومن هنا عُنِي باللغات والإعراب والقراءات؛ كان يورد الآية أو الآيات ويفسرها بمسائل يجمعها في أبواب، فيقول مثلاً تفسير سورة الفاتحة، وفيه أربعة أبواب؛ الباب الأول: في فضلها وأسمائها، وفيه سبع مسائل ويذكرها. الباب الثاني: في نزولها وأحكامها، وفيه عشرون مسألة. الباب الثالث: في التأمين، وفيه ثماني مسائل. الباب الرابع: فيما تضمنته الفاتحة من المعاني والقراءات والإعراب، وفضل الحامدين، وفيه ست وثلاثون مسألة، وهكذا. وتارةً يكون التفسير بمسائل يعدُّها على نحو ما تقدم من دون فتح باب، ولا ذكر عنوان.
وكان القرطبي في هذه المباحث أو المسائل ينتقل من تفسير المفردات اللغوية وإيراد الشواهد الشعرية، إلى بحث اشتقاق الكلمات ومآخذها، إلى تصريفها وإعلالها، إلى تصحيحها وإعرابها، إلى ما قاله أئمة السلف فيها، إلى ما يختاره المؤلف أحيانًا من معانيها.
وأحسن المؤلف كل الإحسان بعزو الأحاديث إلى مخرِّجيها من أصحاب الكتب الستة وغيرهم، وقد يتكلم على الحديث متنًا وسندًا، قبولاً وردًّا[40].
وكان القرطبي يبين أسباب النزول، ويذكر القراءات واللغات ووجوه الإعراب، وتخريج الأحاديث، وبيان غريب الألفاظ، وتحديد أقوال الفقهاء، وجمع أقاويل السلف، ومن تبعهم من الخلف؛ ثم أكثر من الاستشهاد بأشعار العرب، ونقل عمن سبقه في التفسير، مع تعقيبه على ما ينقل عنه، مثل ابن جرير، وابن عطية، وابن العربي، وإلْكِيَا الهرَّاسي، وأبي بكر الجصَّاص.
وأضرب عن كثير من قصص المفسرين، وأخبار المؤرخين والإسرائيليات، وذكر جانبًا منها أحيانًا؛ كما ردَّ على الفلاسفة والمعتزلة وغلاة المتصوفة وبقية الفرق، ويذكر مذاهب الأئمة ويناقشها، ويمشي مع الدليل، ولا يتعصب لمذهبه (المالكي)، وقد دفعه الإنصاف إلى الدفاع عن المذاهب والأقوال التي نال منها ابن العربي المالكي في تفسيره، فكان القرطبي حرًّا في بحثه، نزيهًا في نقده، عفيفًا في مناقشة خصومه، وفي جدله، مع إلمامه الكافي بالتفسير من جميع نواحيه، وعلوم الشريعة.

آراء العلماء فيه:

قال عنه ابن فرحون: "كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين الورعين الزاهدين في الدنيا، المشغولين بما يعنيهم من أمور الآخرة، أوقاته معمورة ما بين توجه وعبادة وتصنيف"[41]. وقال عنه الذهبي: "إمام متفنن متبحر في العلم"[42].
وقال ابن العماد الحنبلي عن القرطبي: "كان إمامًا عَلَمًا، من الغوَّاصين على معاني الحديث"[43]. وقال عنه الزركلي: "من كبار المفسرين، صالح متعبد"[44].

آراء العلماء في مؤلفاته:

قال الذهبي عن مؤلفاته: "له تصانيف مفيدة، تدل على كثرة اطلاعه ووفور فضله... وقد سارت بتفسيره العظيم الشأن الركبان، وهو كامل في معناه. وله كتاب (الأسنى في الأسماء الحسنى)، وكتاب (التذكرة)، وأشياء تدل على إمامته وذكائه وكثرة اطلاعه"[45].
وقال ابن فرحون عن كتابه (جامع أحكام القرآن والمبين لما تضمن من السنة وآي القرآن): "وهو من أجلِّ التفاسير وأعظمها نفعًا، أسقط منه القصص والتواريخ، وأثبت عوضها أحكام القرآن واستنباط الأدلة، وذكر القراءات والإعراب، والناسخ والمنسوخ"[46]. وقال ابن فرحون أيضًا: "وكتاب التذكار في أفضل الأذكار وضعه على طريقة التبيان للنووي، لكن هذا أتم منه، وأكثر علمًا"[47].
وقال ابن فرحون أيضًا عن كتابه (قمع الحرص بالزهد والقناعة وردّ ذل السؤال بالكتب والشفاعة): "لم أقف على تأليفٍ أحسن منه في بابه"[48]. وقال ابن العماد الحنبلي عن مؤلفاته: "حسن التصنيف، جيد النقل"[49].

وفاته:

في (مُنْيَة الخصيب) بصعيد مصر، كانت وفاة عالمنا الجليل ليلة الاثنين التاسع من شهر شوال سنة 671هـ، وقبره بالمنيا شرق النيل[50].

الهوامش:

[1] الداودي: طبقات المفسرين 2/65، 66. السيوطي: طبقات المفسرين ص79. الصفدي: الوافي بالوفيات 2/122، 123.
[2] السابق نفسه ص14.
[3] مشهور حسن محمود سلمان: الإمام القرطبي شيخ أئمة التفسير ص20.
[4] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[5] السابق نفسه ص45.
[6] السابق نفسه ص15.
[7] مشهور حسن محمود سلمان: الإمام القرطبي شيخ أئمة التفسير ص17- 19.
[8] ابن فرحون: الديباج المذهب في معرفة علماء أعيان المذهب ص317.
[9] مشهور حسن محمود سلمان: الإمام القرطبي شيخ أئمة التفسير ص47.
[10] السابق نفسه ص48.
[11] مشهور حسن محمود سلمان: الإمام القرطبي شيخ أئمة التفسير ص50.
[12] سورة المائدة: الآية 44.
[13] القرطبي: التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة ص740.
[14] القصبي زلط: القرطبي ومنهجه في التفسير ص36.
[15] مشهور حسن محمود سلمان: الإمام القرطبي شيخ أئمة التفسير ص57.
[16] ابن فرحون: الديباج المذهب ص317. المقري: نفح الطيب 2/409. الداودي: طبقات المفسرين 2/65.
[17] مشهور حسن محمود سلمان: الإمام القرطبي شيخ أئمة التفسير ص58.
[18] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن الكريم 1/3. مشهور حسن محمود سلمان: السابق نفسه ص158، 159.
[19] القرطبي: التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة ص717.
[20] مشهور حسن محمود سلمان: الإمام القرطبي شيخ أئمة التفسير ص159، 160.
[21] المراكشي: الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5/585. الداودي: طبقات المفسرين 2/66. السيوطي: طبقات المفسرين ص79.
[22] الداودي: طبقات المفسرين 2/66. السيوطي: طبقات المفسرين ص79.
[23] المقري: نفح الطيب 2/409.
[24] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن الكريم 15/141.
[25] السيوطي: طبقات المفسرين ص79.
[26] المراكشي: الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5/585.
[27] ابن حجر: الدرر الكامنة 1/379.
[28] ابن رشيد الفهري: ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة 3/425.
[29] القرطبي: التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة ص234.
[30] مشهور حسن محمود سلمان: الإمام القرطبي شيخ أئمة التفسير ص98.
[31] السابق نفسه ص128.
[32] السابق نفسه ص135.
[33] القرطبي: التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة ص329- 522. القرطبي: الجامع لأحكام القرآن الكريم 1/141.
[34] رحمة الله الكيرانوي: إظهار الحق 2/395- 397. البغدادي: هدية العارفين 2/56- 326.
[35] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن الكريم 13/16.
[36] السابق نفسه 1/173.
[37] السابق نفسه 10/268.
[38] السابق نفسه 1/3.
[39] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[40] مشهور حسن محمود سلمان: الإمام القرطبي شيخ أئمة التفسير ص104- 109.
[41] ابن فرحون: الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب 1/164.
[42] الذهبي: تاريخ الإسلام 50/75.
[43] ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب، تحقيق عبد القادر الأرناءوط ومحمود الأرناءوط، دار ابن كثير، دمشق- بيروت، الطبعة الأولى، 1986م، 7/585.
[44] الزركلي: الأعلام 5/322.
[45] الذهبي: تاريخ الإسلام 50/75.
[46] ابن فرحون: الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب ص317.
[47] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[48] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[49] ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب 7/585.
[50] السيوطي: طبقات المفسرين ص79. مشهور حسن محمود سلمان: الإمام القرطبي شيخ أئمة التفسير ص45.

عن موقع قصة الإسلام

يتبع
 
التعديل الأخير:
من علماء التفسير/أبو القاسم البغوي

من علماء التفسير
أبو القاسم البغوي

اسمه ونشأته:

هو عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان بن سابور بن شاهنشاه أبو القاسم البغوي ويعرف بابن بنت منيع، قال أبو بكر بن شاذان: سمعت البغوي يقول: ولدت سنة ثلاث عشرة ومائتين (213هـ). وجاء في تاريخ بغداد قال ابن شاهين: سمعته يقول: ولدت سنة أربع عشرة، قال الخطيب: وابن شاهين أتقن.
وقد ولد أبو القاسم البغوي بين هراة ومرو الروز في بغشور أو (بغ)، فهو بذلك ينسب إلى بلدته. وتولى جده تربيته، وأسمعه في الصغر، بحيث إنه كتب بخاله إملاء، في ربيع الأول، سنة خمس وعشرين ومائتين، فكان سنه يومئذ عشر سنين ونصفًا، ولا نعلم أحدًا في ذلك العصر طلب الحديث وكتبه أصغر من أبي القاسم، فأدرك الأسانيد العالية، وحدثه جماعة عن صغار التابعين.
قال أبو أحمد بن عدي في "الكامل": كان أبو القاسم صاحب حديث، وكان وراقًا من ابتداء أمره، يورِّق على جده وعمه وغيرهما.

شيوخه:

رأى أبا عبيد القاسم بن سلام ولم يسمع منه، وسمع من أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وعلي بن الجعد وخلف بن هشام بن البزار وخلق كثير، وكان معه جزء فيه سماعه من ابن معين، فأخذه موسى بن هارون الحافظ فرماه في دجلة، وقال: يريد أن يجمع بين الثلاثة؟! وقد تفرد عن سبع وثمانين شيخًا.

تلاميذه:

محمد بن إسحاق وقد سمع الحديث من أبي القاسم البغوي، ومحمد بن جعفر وقد سمع ابن جرير والبغوي.
ومن تلامذته أيضًا عبد الله بن محمد المري الواسطي يعرف بابن السقا، سمع عبدان وأبا يعلي الموصلي وابن أبي داود والبغوي.
ومن تلامذته أيضًا الخليل بن أحمد القاضي شيخ الحنفية في زمانه، كان مقدمًا في الفقه والحديث، سمع ابن جرير والبغوي.

آراء العلماء فيه:

قال ابن كثير: "كان ثقة حافظًا ضابطًا، روى عن الحفاظ وله مصنفات". وقال موسى بن هارون الحافظ: كان ابن بنت منيع ثقة صدوقًا. فقيل له: إن ههنا ناسًا يتكلمون فيه. فقال: يحسدونه، ابن بنت منيع لا يقول إلا الحق".
قال عنه الدارقطني: كان البغوي قلما يتكلم على الحديث، فإذا تكلم كان كلامه كالمسمار في الساج. وقد ذكره ابن عدي في كامله فتكلم فيه وقال: حدث بأشياء أنكرت عليه، وكان معه طرف من معرفة الحديث والتصانيف. وقد انتدب ابن الجوزي للرد على ابن عدي في هذا الكلام، وذكر أنه توفي ليلة عيد الفطر منها وقد استكمل مائة سنة وثلاث سنين وشهورًا، وهو مع ذلك صحيح السمع والبصر والأسنان، يطأ الإماء.
قال أبو محمد الرامهرمزي: لا يعرف في الإسلام محدث وازَى البغوي في قدم السماع. قال الخطيب: كان ثقة ثبتًا فهمًا عارفًا.

مؤلفاته:

1- تفسير البغوي "معالم التنزيل": كتاب متوسط، نقل فيه مصنفه عن مفسري الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وهو من أجلّ الكتب وأنبلها حاوٍ للصحيح من الأقوال، عارٍ عن الغموض والتكلف في توضيح النص القرآني، محلى بالأحاديث النبوية والآثار الغالب عليها الصحة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والبغوي تفسيره مختصر من الثعالبي، لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة. وقد سئل -رحمه الله- عن أيِّ التفاسير أقرب إلى الكتاب والسنة، الزمخشري أم القرطبي أم البغوي أو غير هؤلاء؟ فأجاب: أما التفاسير الثلاثة المسئول عنها، فأسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة تفسير البغوي.
2- كتاب السنن على مذاهب الفقهاء.
3- وله معجم الصحابة في مجلدين يدل على سعة حفظه وتبحره.
4- كتاب الجعديات حديث علي بن الجعد الجوهري.
5- كتاب شرح السنة، الذي يعد من أعظم كتبه، بل هو من أجل كتب السلف في ترتيب الحديث.

وفاته:

مات البغوي ليلة الفطر سنة سبع عشرة وثلاث مائة (317هـ)، وكانت وفاته ببغداد، ودفن بمقبرة باب التبن. رحمه الله وأكرم مثواه

عن موقع قصة الإسلام

يتبع
 
من علماء التفسير/الإمام الواحدي النيسابوري

من علماء التفسير
الإمام الواحدي النيسابوري

نسبه ومولده:

علي بن أحمد بن محمد بن علي، أبو الحسن الواحدي النيسابوري. كان من أولاد التجار من ساوه، وكان أوحد عصره في التفسير. كان إمامًا عالمًا بارعًا محدثًا؛ وكان له أخ اسمه عبد الرحمن قد تفقه وحدث أيضًا، أصله من (ساوة) من قرى نيسابور بخراسان، وكان مولده بنيسابور.

مؤلفاته:

من تصانيفه: أسباب النزول، شرح الأسماء الحسنى، شرح ديوان المتنبي، وصنف ثلاثة تفاسير للقرآن الكريم: البسيط والوسيط، والوجيز. وبتلك الأسماء سمى الغزالي تواليفه الثلاثة في الفقه. ولأبي الحسن كتاب أسباب النزول، مروي، وكتاب التحبير في الأسماء الحسنى، وشرح ديوان المتنبي. وكان طويل الباع في العربية واللغات. وله أيضًا: كتاب الدعوات، وكتاب المغازي، وكتاب الإغراب في الإعراب، وكتاب تفسير النبي ، وكتاب نفي التحريف عن القرآن الشريف.

آراء العلماء فيه:

ذكر السيوطي في طبقات المفسرين: أنه كان واحد عصره في التفسير، نعته الذهبي بإمام علماء التأويل.

شيوخه:

لزم الأستاذ أبا إسحاق الثعلبي، وأكثر عنه، وأخذ علم العربية عن أبي الحسن القهندزي الضرير. وسمع من: أبي طاهر بن محمش، والقاضي أبي بكر الحيري، وأبي إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، ومحمد بن إبراهيم المزكي، وعبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأحمد بن إبراهيم النجار، وخلق.

تلامذته:

روى عنه أحمد بن عمر الأرْغيَانيِ، وعبد الجبار بن محمد الخُوَارِيّ، وحدث عنه: أحمد بن عمر الأرغياني، وعبد الجبار بن محمد الخواري، وطائفة أكبرهم الخواري.

أهم ملامح شخصيته:

كان منطلق اللسان في جماعة من العلماء ما لا ينبغي، وقد كفر من ألف كتاب حقائق التفسير، فهو معذور. وله شعر رائق، تصدر للتدريس مدة، وعظم شأنه.
قال عن نفسه: درست اللغة على أبي الفضل أحمد بن محمد بن يوسف العروضي وكان من أبناء التسعين. روى عن الأزهري تهذيبه في اللغة، ولحق السماع من الأصم، وله تصانيف وأخذت التفسير عن الثعلبي، والنحو عن أبي الحسن علي بن محمد الضرير، وكان من أبرع أهل زمانه في لطائف النحو وغوامضه، علقت عنه قريبًا من مائة جزء في المشكلات وقرأت القراءات على جماعة.
قال أبو سعد السمعاني: كان الواحدي حقيقًا بكل احترام وإعظام، لكن كان فيه بسط لسان في الأئمة، وقد سمعت أحمد بن محمد بن بشار يقول: كان الواحدي يقول: صنف السلمي كتاب حقائق التفسير، ولو قال: إن ذلك تفسير القرآن لكفرته. قلت: الواحدي معذور مأجور.

وفاته:

مات الإمام الواحدي النيسابوري -رحمه الله- بنيسابور في جمادى الآخرة، سنة ثمان وستين وأربع مائة.

عن موقع قصة الإسلام

يتبع
 
رد: من علماء التفسير

كنت انتضرك حتى تنتهي من اتمام الموضوع ولاكن لم استطع ان احبس شكري لك على هدا المجهود الرائع
فان كل العلماء المدكورة اسمائهم لهم وزن في علم التفسير وانا كنت انتضر موضوعا كهادا ودالك لوجوده في مقرري الدراسي
وانا الان اعيد شكري لك ولك احلى تقيم
 
من علماء التفسير/مجاهد بن جبير


من علماء التفسير
مجاهد بن جبير

مجاهد بن جبر ويقال بن جبير أبو الحجاج المكي مولى عبد الله بن السائب القارئ قال محمد بن إسحاق كان مجاهد مولى لبني مخزوم. وعاش مجاهد حياته فى الكوفة.

ملامح شخصيته وأخلاقه:

يلاحظ علي مجاهد بن جبير التقوي والورع والخوف من الله و العمل ليوم تشخص فيه الأبصار، وكان أحد أوعية العلم. وكان أعلم من بقي بالتفسير، قال عنه الذهبي"إنه شيخ القراء والمفسرين "
وكان مجاهد من الذين يتلون كتاب الله عز وجل ويتلذذون بهذه التلاوة. وكان يحب السفر والسياحة فى الأرض فقدم على سليمان بن عبد الملك وعلى عمر بن عبد العزيز وشهد وفاته، وكانوا يحرصون على التنقل والسير فى الأرض من منطلق قوله تعالى :{ فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله }.

شيوخه وتلاميذه:

لزم ابن عباس ونهل من علمه وقرأ عليه القرآن قراءة تدبُّر وتفاعل وتعامل، روي عنه أنه قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت، وكيف كانت؟ كماسمع من ابن عمر وعليا. [رضي الله عنهم أجمعين]
وأخذ مجاهد العلم عن أعلام الصحابة وعلمائهم عن ابن عمر، وأبي هريرة وابن عمرو وأبي سعيد ورافع بن خديج وعنه خلق من التابعين.
روي عن مجاهد بن جبير: عكرمة وطاوس وجماعة من أقرانه وقتادة ومنصور والأعمش وعمرو بن دينار وأيوب السختياني وابن عون وعمر بن ذر وعبد الله بن أبي نجيح ومعروف بن مشكان وخلق.

من كلماته:

قال مجاهد من أكرم نفسه وأعزها أذل دينه ومن أذل نفسه أعز دينه، وقال شعبة عن الحكم عن مجاهد قال قال لي يا أبا الغازي كم لبث نوح في الأرض قال قلت ألف سنة إلا خمسين عاما قال فإن الناس لم يزدادوا في أعمارهم وأجسادهم وأخلاقهم إلا نقص، وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي علية عن ليث عن مجاهد قال ذهبت العلماء فما بقى إلا المتعلمون وما المجتهد فيكم إلا كاللاعب فيمن كان قبلكم وروى ابن أبي شيبة أيضا عن ابن إدريس عن ليث عن مجاهد قال لو لم يصب المسلم من أخيه إلا أن حياء منه يمنعه من المعاصي لكان في ذلك خير وقال الفقيه من يخاف الله وإن قل علمه والجاهل من عصى الله وإن كثر علمه وقال إن العبد إذا أقبل على الله بقلبه أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه.
وقال مجاهد إن الله عز وجل ليصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده.

المؤلفات:

صنف مجاهد تفسير القرآن.

منهجه في التفسير:

وكان مجاهد من أهل الاستنباط والاجتهاد، والحرية العقلية، فربما يصرف النصوص عن ظاهرها كتأويل المسخ قردةً بمسخ القلوب – وقد عرَّضه ذلك، لاحقا، لشيء من الانتقاد وما كان ذلك لينقص من قدره فعليه اعتماد الشافعي في التفسير وكذا البخاري في صحيحه.

من تفسيراته:

عن مجاهد بن جبير أن اليهود لما صلبوا ذلك الرجل الذي شبه لهم وهم يحسبونه المسيح وسلم لهم أكثر النصارى بجهلهم ذلك تسلطوا على أصحابه بالقتل والضرب والحبس فبلغ أمرهم إلى صاحب الروم وهو ملك دمشق في ذلك الزمان فقيل له إن اليهود قد تسلطوا على أصحاب رجل كان يذكر لهم أنه رسول الله وكان يحيي الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص ويفعل العجائب فعدوا عليه فقتلوه وأهانوا أصحابه وحبسوهم فبعث فجيء بهم وفيهم يحيى بن زكريا وشمعون وجماعة فسألهم عن أمر المسيح فأخبروه عنه فبايعهم في دينهم وأعلى كلمتهم وظهر الحق على اليهود وعلت كلمة النصارى عليهم وبعث إلىالمصلوب فوضع عن جذعه وجيء بالجذع الذي صلب عليه ذلك الرجل فعظمه.
ولمجاهد أقوال وغرائب في العلم والتفسير تُسْتنكر. فقد ذهب إلى بابل، وطلب من متوليها أن يوقفه على هاروت وماروت. قال فبعث معي يهودي، حتى أتينا تنورا في الأرض، فكشف لنا عنهم، فإذا بهما معلَّقان منكَّسان، فقلت: آمنت بالذي خلقكم. فاضطربا فغُشِي عليَّ وعلى اليهودي، ثم أفقنا بعد حين، فلامني اليهودي، وقال: كِدْتَ أن تهلكنا.
قال أبو بكر بن عياش: قلت: للأعمش: ما لهم يتقون تفسير مجاهد قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب.

آراء العلماء فيه:

قال عنه ابن كثير "أحد أئمة التابعين والمفسرين كان من أخصاء أصحاب ابن عباس وكان أعلم أهل زمانه بالتفسير حتى قيل أنه لم يكن أحد يريد بالعلم وجه الله إلا مجاهد وطاووس وقال مجاهد أخذ ابن عمر بركابي وقال وددت أن ابني سالما وغلامي نافعا يحفظان حفظك وقيل أنه عرض القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة وقيل مرتين أقفه عند كل آية وأسأله عنه ".قال عنه سفيان الثوري
« إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به »
وكان ابن عمر غبط ابن عباس على هذا الصاحب الممتاز، فقال لمجاهد« وددت أن نافعا يحفظ حفظك ( يعني مولاه نافعا وكان من أبرز تلاميذه.
وقال عنه الذهبي " أبو الحجاج المكي المقريء المفسر أحد الأعلام ".
قال الثوري: خذوا التفسير على أربعة: مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والضحاك وقال خصيف: كان مجاهد أعلمهم بالتفسير. وقال قتادة: أعلم من بقي بالتفسير مجاهد.
وقال عنه الأعمش "كان إذا نطق خرج من فمه اللؤلؤ"
قال ابن جريج: لأن أكون سمعت من مجاهد فأقول: سمعت مجاهدا أحب إلي من أهلي وما لي. قال ابن معبين وجماعة: مجاهد ثقة. وقيل: سكن الكوفة بأخرة. قال سلمة من كهيل: ما رأيت أحدا يريد بهذا العلم وجه الله إلا هؤلاء الثلاثة: عطاء ومجاهد وطاوس"
وعن قتادة، قال: أعلم من بقي بالحلال والحرام الزهري، وأعلم من بقي بالقرآن مجاهد.

وفاته:

اختلف فى سنة وفاته قال ابن كثير مات مجاهد بالكوفة وهو ساجد سنة مائة وقيل إحدى وقيل ثنتين وقيل ثلاث ومائة وقيل أربع ومائة وقد جاوز الثمانين والله أعلم.
وجاء فى كشف الظنون أنه توفي سنة 104ه.
وجاء فى العبر أن توفي سنة ثلاث ومائة عن نيف وثمانين سنة

من أهم مصادر الدراسة:

-صفة الصفوة ابن الجوزي
- موقع الشبكة الإسلامية
تاريخ الإسلام الذهبي ج1 ص839
- البداية والنهاية ج2 ص95

عن قصة الإسلام
 
من علماء التفسير/الإمام المفسر ابن كثير

من علماء التفسير
الإمام المفسر ابن كثير

اسمه ونسبه:

هو إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء بن زرع، الشيخ الإمام العلامة عماد الدين أبو الفداء ابن الشيخ شهاب الدين أبي حفص القرشي البصروي الدمشقي الشافعي، المعروف بابن كثير[1]. وُلِد سنة 701هـ/ 1301م[2]، في قرية مجيدل من أعمال بُصْرى الشام[3]، وعاش في دمشق[4].

طفولته وتربيته:

كان للبيئة المحيطة بابن كثير أثر كبير في نشأته؛ فقد كان أبوه خطيبًا ببلدة مجيدل القُرَيَّة إلى أن توفِّي سنة 703هـ، وبقي ابن كثير تحت رعاية أخيه كمال الدين عبد الوهاب، الشقيق والشفيق، وترعرع في طفولته في هذه القرية مدة أربع سنوات، وهي سن الطفولة يتيمًا بعد فَقْد الوالد ولكنه امتلأ قلبه من ذكريات الطفولة، ونَعِم بآثار والده المعنوية، وحفظ أحاديث الناس عن خطب والده، وأقواله المأثورة، وأشعاره المحفوظة، وأدرك بحسِّه منزلة العالم المخلص، وأثره في الحياة والمجتمع، ومكانته في القلوب والنفوس، وسمع من إخوته وأخواته سبب تسميته بإسماعيل، تيمنًا بأخيه الأكبر (من أبيه) الذي سلك طريق العلم، فأخذه عن والده.
ثم ارتحل إلى دمشق لاستكمال التكوين العلمي، فاختطفته يد المنون في شبابه، فوُلِد للوالد هذا الابن الأخير فسمَّاه إسماعيل ليكون كأخيه في طلب العلم، فاتجه ابن كثير رحمه الله تعالى إلى تحصيل العلم منذ السن المبكر؛ ليقرَّ عين والده في قبره، وليصبح كأبيه في قلوب الناس.
ولما بلغ ابن كثير السابعة من عمره، ارتحل بصحبة أخيه الشقيق عبد الوهاب إلى مدينة دمشق التي كانت مَوْئِلَ العلماء، وحاضرة العلم، ومركز الحضارة، وينبوع العطاء، ومحط الأنظار، ومرابع المعرفة التي يفد إليها العلماء والطلاب من كل حدب وصوب.
وكان أخوه عبد الوهاب بمنزلة الأب والأستاذ الأول لابن كثير، الذي أخذ منه الشيء الكثير، واستمر في ملازمته والاستفادة من علمه طوال حياته التي امتدت إلى سنة 750هـ.
ويحدثنا ابن كثير -رحمه الله تعالى- عن رحلته إلى دمشق بصحبة أخيه عبد الوهاب، فيقول: "ثم تحولنا من بعده (بعد وفاة الوالد) في سنة سبع وسبعمائة إلى دمشق، صحبه كمال الدين عبد الوهاب، وقد كان لنا شقيقًا، وبنا رفيقًا شفوقًا، وقد تأخرت وفاته إلى سنة خمسين، فاشتغلت على يديه في العلم، فيسَّر الله تعالى منه ما يسر، وسهَّل منه ما تعسر"[5].
واستقر ابن كثير في دمشق، وصار ابنًا من أبنائها، وعالمًا من علمائها، وخطيبًا ومدرسًا فيها، وأحبها من قلبه فلم يفارقها حتى مات ودُفن فيها، وكان وفيًّا لها فكتب تاريخها، ووصف أفراحها وانتصاراتها، وبكى أحزانها وأتراحها، وشارك في أحداثها، وكان له دور فاعل في ذلك حتى صار يُشار إليه بالبنان: محدِّثًا ومفسرًا، ومدرسًا ورئيسًا، ومصلحًا وداعيةً، ومعلمًا ومؤرخًا[6].

ملامح شخصيته وأخلاقه:

لقد حبا الله تعالى ابن كثير -رحمه الله- بكثيرٍ من الصفات الحميدة، والشمائل الكريمة، والخلال العذبة، والتي لا يتصف بها إلا العلماء الأخيار الأفذاذ؛ ومن هذه الصفات:

1- الحفظ:
وهب الله تعالى ابن كثير حافظة قوية، وذاكرة ممتازة، وموهبة متفوقة، فكان قادرًا على حفظ العلوم والمتون، واكتناز المعلومات، وظهر أثر ذلك في مصنفاته؛ فقد حفظ ابن كثير القرآن الكريم وهو في الحادية عشرة من عمره، كما صرَّح بذلك في تاريخه[7]، وحفظ التنبيه في الفقه الشافعي، وعرضه سنة ثماني عشرة، وحفظ مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه[8]، وحفظ المتون المتنوعة في العلوم؛ ولذلك وصفه عدد من العلماء بحفظ المتون، فقال شيخه الذهبي: "ويحفظ جملة صالحة من المتون والرجال وأحوالهم، وله حفظ ومعرفة"[9].
وقال عنه تلميذه ابن حِجِّي: "كان أحفظ مَن أدركناه لمتون الأحاديث، وأعرفهم بجرحها ورجالها، وصحيحها وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك"[10].
2- الاستحضار:
اقترنت صفة الحفظ عند ابن كثير بصفة أخرى وهي صفة الاستحضار؛ مما يدل على المنحة الإلهية له بقوة الذاكرة، وقلة النسيان. وهو من أعظم المواهب الإلهية، وأكبر ميزة للعالم والمصنِّف والفقيه؛ لذلك كان ابن كثير يستحضر المتون والكتب والعلوم حتى لفت نظر المحققين والمحدثين، فهو ينقل من مصادر عدة، ولكنه يضع المعلومات بصيغته وأسلوبه الخاص به، مما يرجح أنه كان يكتب ويصنف من ذاكرته وحافظته، ويتصرف بذلك حسب مقتضى الحال والمقام[11].
3- الفَهْم الجيد:
هذه الصفة من المنح الإلهية للإنسان، ومن التوفيق الرباني له، وتتأثر بالعوامل المكتسبة عن طريق الإخلاص، والتقصِّي والدراسة، والاستيعاب والاجتهاد، وتحرِّي الدقة العلمية؛ مما تساعد صاحبها -بفضل الله تعالى وتوفيقه- على الفهم الجيد، والإدراك الصحيح، والاستنتاج المقبول[12]؛ لذلك يقول عنه تلميذه ابن حجي: "وكان فقيهًا جيد الفهم، صحيح الذهن"[13].
4- خفة الروح:
وهذه الصفة من الصفات الحسنة للإنسان عامَّةً، ومن عوامل التفوق والنجاح في التدريس والوعظ خاصَّةً، وتدل على سماحة النفس، والاهتمام بالطلاب، والتخفيف عنهم، والترويح في التدريس[14].

5- الالتزام بالحديث والسُّنَّة: من صفات ابن كثير أنه كان حريصًا على التزام السنة، والدعوة إلى اتِّباع السلف، وهو ما يظهر عند مراجعة مؤلفاته وكتبه؛ ولا غرابة في ذلك فهو المحدِّث الفقيه الحافظ لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان ابن كثير رحمه الله يحارب البدع، ويدعو إلى تركها، ويساهم في إنكارها، ويفرح لإبطالها، ويسجِّل هذه المشاعر والعواطف والمبادئ في كتبه ومصنفاته، وكان يتتبع البدع ويتألم لوجودها، ويسعى لإبطالها، ويهلل لإلغائها[15].
6- الخلق والفضيلة والموضوعية: كانت أخلاق ابن كثير رحمه الله حميدة، ويلتزم الفضائل والقيم، وسعة الصدر، والحلم، والصداقة المخلصة، والتقدير لشيوخه؛ فقد ترجم لعدد كبير منهم في تاريخه، وأثنى عليهم خيرًا، وعدَّد مناقبهم، وأثبت فضائلهم، واعترف بالأخذ عن الأساتذة، وحسن الصحبة للزملاء والمعاصرين[16].
7- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهذا من المبادئ الإسلامية الرشيدة في الدعوة والنصح والإرشاد، والتكافل والتناصح بين أفراد الأمة والمجتمع، وهو واجب عيني على كل مسلم قادر ومستطيع أن يقوم به[17]؛ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ..."[18]. ويتأكد واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الدعاة والعلماء والمصلحين، ثم على الحكام والمحكومين؛ وكان ابن كثير يعرف واجبه في هذا الجانب الخطير، ويؤدِّي حقه في مرضاة الله تعالى للحاكم والمحكومين، لا يبتغي بذلك إلا الأجر والثواب من الله تعالى، ولا يخشى في الله لومة لائم؛ فيقول الحق، ويقرر الشرع، ويؤدي الأمانة، ويبلِّغ حكم الله تعالى في كل الأمور والظروف والأحوال، ولو كان الأمر يتعلق بشئون الحكم، والخلاف بين الأمراء الذين يحاولون أن يتحصنوا بفتوى كبار العلماء، ويجعلوها ذريعة لتحقيق مآربهم[19].
8- إنصاف الخصوم:
يقول الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } [النساء: 58]. والعدل مطلوب من الحكام والقضاة، ومن كل ذي ولاية وسلطة مهما تنوعت واختلفت وتفاوتت درجتها، وذلك بإنصاف الناس -وحتى الخصوم- من النفس، وحينئذٍ يصبح الإنسان من السابقين إلى ظلِّ الله تعالى يوم القيامة.
والعدل من الفضائل، وخاصةً إذا كان الأمر مع الخَصْم، فهو أعلى درجات العدل بأن ينصف الإنسان خصمه من نفسه، وهذه المرتبة العليا لا يبلغها إلا القلة، وتدل على أن صاحبها بلغ رتبة عالية من تطبيق أحكام الشرع وآدابه، ومراقبة الله تعالى في ذلك، حتى يجاهد نفسه فيخضعها للحق، ويقف بها عند جادَّة الصواب، ولا يستسلم لهواه وأهوائه.
وهذا ما حدث مع ابن كثير -رحمه الله- في ترجمته لكثير من خصومه في الرأي والفكر والمواقف، فيصفهم بالحق والعدل، ولا يتجنى عليهم، ولا ينقصهم صفة لهم؛ ومن الشواهد الكثيرة على ذلك نجد في (البداية والنهاية) أنه كان بين ابن كثير وبين قاضي القضاة تقي الدين السبكي خصومة فكرية، وتشاء الظروف أن تُوجَّه اتهامات إلى قاضي القضاة بالتفريط في أموال الأيتام، وطُلِب من المفتين أن يضعوا خطوطهم بتثبيت الدعوى ضده لتغريمه ومحاكمته، ويصل الأمر إلى صاحبنا العلامة ابن كثير ذي الخُلُق الكريم، والموقف العادل، فيأبى الكتابة، ويُنصِف قاضي القضاة، ويوقف الافتراء والاتهام إلى أن يتبين الحق، ويسجِّل ذلك في تاريخه في أحداث سنة 743هـ[20].
9- الإصلاح الديني:
نزل الإسلام صافيًا من السماء، وبلغه رسوله عليه الصلاة والسلام حتى لحق بالرفيق الأعلى، وقد ترك أمته على المحجة البيضاء، والتزم الصحابة -رضوان الله عليهم- بهذا الطريق القويم، وأدوا الأمانة، ونشروا الإسلام في الخافقين، وسار التابعون وتابعو التابعين على نهجهم، فكانوا خير القرون في تطبيق الإسلام، ونصاعة مبادئه. ثم بدأ يعلق به الغبار مع الأيام، وتُضاف إليه بعض الأمور التي لا تتفق مع جوهر الدين، وتُلحق به البدع والخرافات شيئًا فشيئًا، وقد تستشري في بعض الأحيان لتشوه صورة الإسلام النقية.
وهنا يأتي دور العلماء والدعاة والمصلحين الذين ينادون بالدعوة إلى تطبيق الإسلام، والعودة إلى مبادئه الصافية، وتطهيره من البدع والخرافات. وقد ظهر في القرن السابع والثامن الهجريين علماء أفذاذ يمثلون هذا الاتجاه الإصلاحي، وكان الأشهر والأبرز في هذه المدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي وقف في وجه البدع والخرافات الموجودة والمنتشرة في ذلك الوقت، ورفع الراية في وجه المبتدعة وغلاة الصوفية.
وكان من نتيجة ذلك أن انقسم العلماء والفقهاء والحكام والناس في شأن ابن تيمية إلى فريقين، فتحامل عليه علماء الصوفية، وكثير من الفقهاء والقضاة حتى وشوا به عند الحكام، فوقف بعضهم بجانبه، والبعض الآخر وقف ضده، وكان من الذين وقفوا مع ابن تيمية وناصروه ابن كثير رحمه الله[21].

شيوخه:

أخوه الأكبر عبد الوهاب بن عمر بن كثير كمال الدين[22]، وعيسى المطعم، وأحمد بن الشيخة، والقاسم بن عساكر، ومحمد بن محمد بن محمد الشيرازي، وإسحاق بن يحيى الآمدي، ومحمد بن أحمد الزراد، وابن قاضي شهبة، وابن الزَّمْلَكاني، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وبرهان الدين الفزاري (ابن الفِرْكاح)، ومحمد بن شرف الدين البعلبكي الحنبلي، وابن الشحنة، وعبد الله بن محمد بن يوسف المقدسي، وأبو الفتح الدَّبُوسي، وعلي بن عمر الواني، ويوسف الختني، ومؤرخ الشام البِرْزالي، والحافظ أبو الحجاج المِزِّي، ومؤرِّخ الإسلام الذهبي، وشمس الدين الأصفهاني، وغيرهم[23].

تلاميذه:

من أشهر تلاميذ ابن كثير: سعد الدين النووي[24]، وشهاب الدين بن حجي[25]، وابن الجزري[26]، والزركشي[27]، وغيرهم.

مؤلفات ابن كثير:

(تفسير القرآن العظيم)، و(البداية والنهاية)، وكتاب (التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل) جمع فيه كتابي شيخيه المِزِّي والذهبي وهما: "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" و"ميزان الاعتدال في نقد الرجال"، مع زيادات مفيدة في الجرح والتعديل. و(تخريج أحاديث أدلة التنبيه في فروع الشافعية)، و(تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه)، و(فضائل القرآن)، وكتاب في السماع، ومسند الشيخين، والنهاية في الفتن والملاحم، والمقدمات، ومسند عمر بن الخطاب والآثار المروية عنه.
وكتاب (الهَدْي والسَّنَن في أحاديث المسانيد والسُّنَن) وهو المعروف بجامع المسانيد، جمع فيه بين مسند الإمام أحمد والبزار وأبي يعلى ومعجمي الطبراني مع الكتب الستة: الصحيحين والسنن الأربعة، ورتبه على الأبواب. و(طبقات الشافعية) مجلد وسط، ومعه مناقب الشافعي، وشرع في (شرح صحيح البخاري) ولم يكمله، وشرع في كتاب كبير في (الأحكام) وصل فيه إلى الحج، واختصار علوم الحديث، اختصر فيه مقدمة ابن الصلاح المعروفة، وسمَّاه (الباعث الحثيث)، و(مسند الشيخين) يعني أبا بكر وعمر، و(السيرة النبوية) مطوَّلة ومختصرة، و(الاجتهاد في طلب الجهاد)، و(قصص الأنبياء)، وغيرها[28].

منهج ابن كثير في تفسيره:

أ- تفسير الآية بعبارة سهلة، وبأسلوب مختصر، يوضِّح المعنى العام للآية الكريمة.
ب- تفسير الآية بآية أخرى إن وجدت؛ حتى يتبين المعنى، ويظهر المراد، وقد يذكر ابن كثير عدة آيات في تفسير الآية الأولى، وكأنه يجمع بين الآيات المتشابهة والمتماثلة في المعنى، والمتحدة في الموضوع، فتأتي الآيات المتناسبة في مكان واحد.
ج- رواية الأحاديث بأسانيدها غالبًا، وبغير إسناد أحيانًا لإلقاء الضوء النبوي على معنى الآية؛ لأن وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم التبليغ والبيان.
د- تفسير القرآن بأقوال الصحابة؛ حيث يُردِف ابن كثير في تفسير الآية ما وصله من أقوال الصحابة في تفسير هذه الآية، حسب المؤهلات التي يمتلكونها.
هـ- الاستئناس بأقوال التابعين وتابعي التابعين ومَن يليهم من علماء السلف، وخاصةً أهل القرون الأولى الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية، وحملوا الدعوة والإسلام[29].
و- الإسرائيليات: نتج عن روايات بعض الصحابة وبعض التابعين وجود الأحاديث والروايات المأخوذة من مصادر أهل الكتاب، والتي تُسمَّى الإسرائيليات، ومعظمها غير صحيح وغير معقول، وأكثرها غرائب وطرائف. وقد نوَّه ابن كثير على وجود هذه الإسرائيليات في مقدمة تفسيره، فقال: "تُذكر للاستشهاد لا للاعتضاد"[30].
وكان ابن كثير ينبِّه على الإسرائيليات والموضوعات في التفسير، تارةً يذكرها ويعقِّب عليها بأنها دخيلة على الرواية الاسلامية، ويبين أنها من الإسرائيليات الباطلة المكذوبة، وتارةً لا يذكرها بل يشير إليها، ويبيِّن رأيه فيها. وقد تأثر في هذا بشيخه ابن تيمية، وزاد على ما ذكره كثيرًا، وكل من جاء بعد ابن كثير من المفسرين ممن تنبه إلى الإسرائيليات والموضوعات، وحذر منها.
ولا عجب في هذا، فهو من مدرسة عُرفت بحفظ الحديث، والعلم به روايةً ودرايةً، وأصالة النقد، والجمع بين المعقول والمنقول، وهي مدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه: ابن القيم، والذهبي، وابن كثير، وأمثالهم.
ز- الأحكام الفقهية: يتعرض ابن كثير عند تفسير آيات الأحكام إلى بيان الأحكام الشرعية، ويستطرد في ذكر أقوال العلماء وأدلتهم، ويخوض في المذاهب ويعرض أدلتهم.
حـ- الشواهد اللغوية والشعرية: اعتمد ابن كثير على اللغة العربية في فهم كلام الله تعالى الذي نزل باللغة العربية، ويجب أن يفسر حسب مقتضى الألفاظ، وأساليب اللغة، ودلالات الألفاظ، وشواهد الشعر التي تدل على المعنى، وتوضِّح المراد.
ط- الأعلام والرجال: حرص ابن كثير على ذكر الأعلام الذين نقلت عنهم الآراء؛ ليكون دقيقًا في نقله، مع المحافظة على الأمانة العلمية، فجاء تفسيره زاخرًا بأسماء العلماء وأعلام الرجال.
ك- قوة الشخصية: عرض ابن كثير لأحاديث متعددة، وروايات كثيرة، وأقوال مختلفة، ولكنه لم يقف عند هذا الحد، بل كانت شخصيته العلمية واضحة وبارزة، فكان يبين درجة الأحاديث، ويثبت صحة أكثرها، ويضعِّف بعض الروايات، ويعدِّل بعض الرواة، ويجرِّح بعضًا آخر؛ وكل ذلك لباعه الطويل في فنون الحديث وأحوال الرجال. وسار على هذا النهج في إيراد الأحكام الفقهية، وآراء المذاهب، فيعمد إلى بيان الراجح منها، والموافق لدلالات الآيات الكريمة.
ي- الاقتباس: كان ابن كثير رحمه الله يعتمد على من سبقه من المفسرين، وينقل عنهم، ويصرح بذلك؛ ومنهم إمام المفسرين ابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وابن عطية، وأقوال شيخ الإسلام ابن تيمية[31].

آراء العلماء فيه:

قال عنه الذهبي: "الإمام الفقيه المحدِّث البارع عماد الدين، درس الفقه وأفتى، وتفهم العربية والأصول، ويحفظ جملة صالحة من المتون والرجال وأحوالهم، وله حفظ ومعرفة"[32]. وقال الذهبي في المختص: "الإمام المفتي، المحدث البارع، ثقة، متفنن، محدث متقن"[33]. وقال عنه السيوطي: "الإمام المحدث الحافظ، ذو الفضائل، عماد الدين..."[34].
وقال عنه المؤرخ الشهير ابن تغري بردي: "الشيخ الإمام عماد الدين أبو الفداء...، وجمع وصنَّف، ودرَّس وحدَّث وألَّف، وكان له اطلاع عظيم في الحديث والتفسير والفقه والعربية وغير ذلك"[35].
وقال ابن حبيب فيه: "إمام ذوي التسبيح والتهليل، وزعيم أرباب التأويل، سمع وجمع وصنَّف، وأطرب الأسماع بقوله وشنَّف، وحدَّث وأفاد، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت إليه رئاسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير"[36]. وقال عنه الزركلي: "حافظ مؤرخ فقيه"[37].

آراء العلماء في مؤلفاته:

قال السيوطي عن تفسير ابن كثير: "وله التفسير الذي لم يؤلَّف على نمطه مثله"[38]. وقال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة: "وسارت تصانيفه في البلاد في حياته، وانتفع بها الناس بعد وفاته"[39]. وقال الذهبي في المعجم المختص: "وله تصانيف مفيدة"[40].
وقال ابن تغري بردي عن كتابه (البداية والنهاية): "وهو في غاية الجودة... وعليه يعول البدر العيني في تاريخه"[41].

وفاته:

اتفق المؤرخون على أن ابن كثير -رحمه الله- تُوفِّي بدمشق يوم الخميس، السادس والعشرين من شعبان سنة 774هـ/ 1373م عن أربع وسبعين سنة، وكانت جنازته حافلة ومشهودة، ودُفن بوصية منه في تربة شيخ الإسلام ابن تيمية لمحبته له، وتأثره به؛ لينعم بجواره حيًّا وميتًا[42]. وقد رثاه أحد طلاب العلم فقال:

لفقـدك طلاب العلوم تأسفوا *** وجادوا بدمع لا يبيد غزير
ولو مزجوا ماء المدامع بالدِّمـا *** لكان قليلاً فيك يابن كثير[43]​

رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله عن الإسلام والقرآن خير الجزاء.

الهوامش:

[1] ابن تغري بردي: المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي 1/ 177. السيوطي: طبقات الحفاظ 1/ 112.
[2] ابن تغري بردي: السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[3] د. محمد الزحيلي: ابن كثير الدمشقي ص55، 56.
[4] السابق نفسه ص68.
[5] ابن كثير: البداية والنهاية 14/ 32.
[6] د. محمد الزحيلي: ابن كثير الدمشقي ص66- 69.
[7] ابن كثير: البداية والنهاية 14/150- 312.
[8] ابن حجر: إنباء الغمر بأبناء العمر 1/ 39. ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب 6/ 231. ابن تغري بردي: المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي 1/ 416. د. محمد الزحيلي: ابن كثير الدمشقي ص119.
[9] الذهبي: معجم محدثي الذهبي (المعجم المختص) ص56. وانظر: المنهل الصافي 2/ 416.
[10] الداودي: طبقات المفسرين 1/ 111. النعيمي: الدارس في تاريخ المدارس 1/36.
[11] د. محمد الزحيلي: ابن كثير الدمشقي ص121.
[12] السابق نفسه ص123.
[13] الداودي: طبقات المفسرين 1/ 111.
[14] د. محمد الزحيلي: ابن كثير الدمشقي ص123.
[15] د. محمد الزحيلي: ابن كثير الدمشقي ص124.
[16] السابق نفسه ص126.
[17] السابق نفسه ص130.
[18] مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان (49). والنسائي (5008)، وأحمد (11166).
[19] د. محمد الزحيلي: ابن كثير الدمشقي ص130، 131.
[20] ابن كثير: البداية والنهاية 14/131، 132. د. محمد الزحيلي: ابن كثير الدمشقي ص132- 135.
[21] د. محمد الزحيلي: ابن كثير الدمشقي ص137- 140.
[22] ابن تغري بردي: المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي 1/ 177.
[23] ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية 1/ 156. ابن تغري بردي: السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[24] ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب 7/ 49. السخاوي: الضوء اللامع 3/ 254.
[25] ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية 1/ 156.
[26] ابن الجزري: طبقات القراء 2/ 247. السخاوي: الضوء اللامع 9/ 255. الزركلي: الأعلام 7/ 274.
[27] ابن حجر: الدرر الكامنة 4/ 17.
[28] د. محمد الزحيلي: ابن كثير الدمشقي ص150- 152.
[29] السابق نفسه ص216- 218.
[30] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/ 4.
[31] د. محمد الزحيلي: ابن كثير الدمشقي ص218- 222.
[32] ابن تغري بردي: المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي 1/ 177.
[33] السيوطي: طبقات الحفاظ 1/ 112.
[34] السيوطي: ذيل طبقات الحفاظ ص361.
[35] ابن تغري بردي: المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي 2/ 415.
[36] ابن حجر: إنباء الغمر 1/ 12.
[37] الزركلي: الأعلام 1/ 320.
[38] السيوطي: طبقات الحفاظ 1/ 112.
[39] ابن حجر: الدرر الكامنة 1/ 125. السيوطي: السابق نفسه 1/ 112.
[40] ابن حجر: السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[41] ابن تغري بردي: المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي 1/ 177.
[42] ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية 1/ 156. ابن تغري بردي: السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[43] ابن تغري بردي: السابق نفسه، الصفحة نفسها.

عن موقع قصة الإسلام

يتبع
 
من علماء التفسير/الإمام المفسر النسفي

من علماء التفسير
الإمام المفسر النسفي

اسمه ونسبه:

هو حافظ الدين عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين أبو البركات النسفي الحنفي، والنسفي نسبة إلى نسف من بلاد السند فيما وراء النهر بين جيحون وسمرقند، وهو من كبار أئمة الأحناف، وأهم أعيان الماتريدية.
البلد التي ولد فيها:

أصبهان.

شيوخه:

تفقه على محمد بن عبد الستار الكردري، وعلى حميد الدين الضرير، وبدر الدين خواهر زاده، وغيرهم.

مؤلفاته:

أشهر تصانيفه: مدارك التنزيل وحقائق التأويل في تفسير القرآن. ومن مؤلفاته أيضًا: كنز الدقائق في الفقه، والمنار في أصول الفقه، وكشف الأسرار وشرح المنار، والوافي في الفروع، والكافي في شرح الوافي، والمصفى في شرح منظومة أبي حفص النسفى في الخلاف.

ثناء العلماء عليه:

قال عنه صاحب كتاب معجم المطبوعات العربية: كان إمامًا كاملاً عديم النظير في زمانه، رأسًا في الفقه والأصول، بارعًا في الحديث ومعانيه.

وفاته:

توفي في أصبهان سنة 710هـ/ 1310م.

المراجع:

- هدية العارفين.. الباباني.
- معجم المطبوعات العربية.. اليان سركيس.
- الأعلام.. الزركلي.

عن موقع قصة الإسلام
 
التعديل الأخير:
من علماء التفسير/الإمام أبو السعود العمادي

من علماء التفسير
الإمام أبو السعود العمادي

هو محمد بن محمد الإمام العلامة، المحقق المدقق الفهامة، العلم الراسخ، والطود الشامخ، المولى أبو السعود العمادي الحنفي مفتي التخت السلطاني وهو أعظم موالي الروم، وأفضلهم لم يكن له نظير في زمانه في العلم، والرئاسة، والديانة، ولد سنة 896هـ بقرية قرب
القسطنطينية، وقرأ على والده وتنقل في المدارس واكتسب علمًا كثيرًا. تولى قضاء (بورسه) ثم نقل إلى قضاء القسطنطينية، ثم قضاء العسكر في ولاية الروميلي، ثم تولى منصب الإفتاء في السلطنة.

ملامح شخصيته وأخلاقه:

كان حاضر الذهن، سريع البديهة، وكان متمكنًا من العربية والفارسية والتركية. من مؤلفاته تفسيره المشهور ( إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) جمع فيه ما في تفسير البيضاوي، زاد فيه زيادات حسنة من تفسير القرطبي، والثعلبي والواحدي، والبغوي، وغيرها، وله كتاب جمع فيه بعض ملازميه جملة صالحة من فتاويه، وله رسائل في الوقف.
وكان المولى أبو السعود عالمًا عاملاً، وإمامًا كاملاً شديد التحري في فتاويه حسن الكتابة عليها، وقدرًا مهيبًا حسن المجاورة، وافر الأنصاف دينًا خيرًا سالمًا مما ابتلي به كثير من موالي الروم من أكل المكيفات، سالم الفطنة جيد القريحة، لطيف العبارة، حلو النادرة؛ سئل عن شخص لا هو مريض ولا صحيح، ولا حي ولا ميت، ولا عاقل ولا مجنون، ولا نائم ولا يقظان، فأجاب بقوله: إن كان لهذا وجود فهو الترياقي. وسئل عن شرب القهوة قبل أن يكمل اشتهارها بعدما قرر له اجتماع الفسقة على شربها، فأجاب بقوله: ما أكب أهل الفجور على تعاطيه، فينبغي أن يجتنبه من يخشى الله ويتقيه. وهذا ليس فيه تصريح بتحريمها، بل يقتضي أن الأولى تركها حذرًا من التشبه بالفجار، والكلام في القهوة الآن قد انتهى الاتفاق على حلها في نفسها، وأما اجتماع الفسقة على إدارتها على الملاهي والملاعب، وعلى الغيبة والنميمة، فإنه حرام بلا شك.
وله القصيدة الميميَّة المشهورة التي أوَّلها:
أبعد سليمى مطلب ومرام *** ودون هواها لوعة وغرام
وفوق حماها ملجأ ومثابة *** ودون ذراها موقف ومقام​

شيوخه:

أخذ عن علماء عصره منهم العلامة المولى قادري جلبي، وترقى في التداريس، والمناصب حتى ولي الإفتاء الأعظم.

مؤلفاته:

من مصنفاته: إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم في تفسير القرآن مجلدين مطبوع بمصر، بضاعة القاضي في الصكوك، ثواقب الأنظار في أوائل منار الأنوار في الأصول، حسم الخلاف في المسخ على الخفاف، غلطات العوام غمرات المليح في أول مباحث قصد العام من التلويح، الفتاوى، قانون المعاملات، معاقد الطراز، موقف العقول في وقف المنقول، قصيدة ميمية مشهورة، نهاية الأمجاد على كتاب الجهاد على الهداية للمرغياني.

وفاته:

توفي المفتي أبو السعود -رحمه الله تعالى- بالقسطنطينية في الثلث الأخير من ليلة الأحد خامس جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة (982هـ)، وكانت جنازته حافلة وصلى عليه في حرم جامع السلطان محمد الكبير في ملأ عظيم، وجمع كثير، وتقدم للصلاة عليه فخر الموالي سنان، ودفن في القسطنطينية بمقبرته التي أنشأها بالقرب من تربة الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه.

عن موقع قصة الإسلام
 
من علماء التفسير/الإمام أبو الثناء الألوسي

من علماء التفسير

الإمام أبو الثناء الألوسي

اسمه ومولده:

هو محمود بن عبد الله الحسيني الألوسيّ، شهاب الدين أبو الثناء، مفسِّر محدِّث أديب من المجددين[1]. وُلِد في بغداد[2] سنة 1217هـ/ 1802م[3]، وعاش بها[4].

نشأته:

ذكر الإمام الألوسي في مقدمته أنه منذ عهد الصغر، لم يزل متطلبًا لاستكشاف سر كتاب الله المكتوم، مترقبًا لارتشاف رحيقه المختوم، وأنه طالما فرَّق نومه لجمع شوارده، وفارق قومه لوصال فرائده، لا يَرْفَلُ في مطارف اللهو كما يرفل أقرانه، ولا يهب نفائس الأوقات لخسائس الشهوات كما يفعل إخوانه؛ وبذلك وفَّقه الله للوقوف على كثيرٍ من حقائقه، وحلِّ وفير من دقائقه. وذكر أنه قبل أن يكمل سنَّه العشرين، شرع يدفع كثير من الإشكالات التي ترد على ظاهر النظم الكريم، ويتجاهر بما لم يُظفر به في كتابٍ من دقائق التفسير.
ثم ذكر أنه كثيرًا ما خطر له أن يُحرِّر كتابًا يجمع فيه ما عنده من ذلك، وأنه كان يتردد في ذلك، إلى أن رأى في بعض ليالي الجمعة من شهر رجب سنة 1252هـ أن الله جلَّ شأنه أمره بطيِّ السموات والأرض، ورتق فتقها على الطول والعرض، فرفع يدًا إلى السماء، وخفض الأخرى إلى مستقر الماء، ثم انتبه من نومه وهو مستعظم لرؤيته، فجعل يفتِّش لها عن تعبير، فرأى في بعض الكتب أنها إشارة إلى تأليف تفسير، فشرع فيه في الليلة السادسة عشرة من شهر شعبان من السنة المذكورة، وكان عمره إذ ذاك أربعًا وثلاثين سنة، وذلك في عهد محمود خان ابن السلطان عبد الحميد خان. وذكر في خاتمته أنه انتهى منه ليلة الثلاثاء لأربعٍ خلون من شهر ربيع الآخر سنة 1267هـ، ولما انتهى منه سمَّاه (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني).
كما اشتغل الألوسي بالتدريس والتأليف وهو ابن ثلاث عشرة سنة، فدرس في عدَّة مدارس، وقُلِّد إفتاء الحنفية سنة 1248هـ، فشرع يدرِّس سائر العلوم في داره الملاصقة لجامع الشيخ عبد الله العاقولي في الرُّصافة، وقد تتلمذ له وأخذ عنه خلقٌ كثير من قاصي البلاد ودانيها. وله حاشية على شرح قطر الندى لابن هشام ألَّفها وعمره لا يتجاوز ثلاث عشرة سنة[5].

ملامح شخصيته وأخلاقه:

كان -رحمه الله- عالمًا باختلاف المذاهب، مطلعًا على الملل والنحل، شافعيَّ المذهب، إلا أنه في كثير من المسائل يقلد الإمام أبا حنيفة رحمه الله، وكان آخر أمره يميل إلى الاجتهاد.
وكان -رحمه الله- شيخ العلماء في العراق، سلفيَّ الاعتقاد، مجتهدًا، نادرةً من نوادر الأيام، جمع كثيرًا من العلوم حتى أصبح علاَّمة في المنقول والمعقول، فهَّامة في الفروع والأصول، محدِّثًا لا يُجارى، ومفسرًا لكتاب الله لا يبارى.
وكان -رحمه الله- يواسي طلبته في ملبسه ومأكله، ويُسكِنهم البيوت الرفيعة من منزله، حتى صار في العراق العلم المفرد، وانتهت إليه الرياسة لمزيد فضله الذي لا يحمد، وكان نسيجًا وحده في النثر وقوة التحرير، وغزارة الإملاء، وجزالة التعبير.
كما كان مجاهدًا في نشر الحق والرد على الباطل، فشنَّ غاراته على الخرافات المتأصلة في النفوس، فكتب الرسائل، وألَّف المؤلفات التي زعزعت أسس الباطل، وأحدثت دويًّا وإصلاحًا عظيمًا، وارتفع صوته كمصلح ديني يدوِّي في المطالبة بتطهير الدين مما لحقه من البدع.
وكان ذا حافظة عجيبة، فكثيرًا ما كان يقول: "ما استودعتُ ذهني شيئًا فخانني، ولا دعوتُ فكري لمعضلة إلا وأجابني"[6].
وكان -رحمه الله- أحد أفراد الدنيا، يقول الحق، ولا يحيد عن الصدق، متمسكًا بالسنن، متجنبًا عن الفتن، حتى جاء مجددًا، وللدين الحنفي مسددًا، وكان جُلُّ ميله لخدمة كتاب الله، وحديث جَدِّه رسول الله ؛ لأنهما المشتملان على جميع العلوم، وإليهما المرجع في المنطوق والمفهوم. وكان غايةً في الحرص على تزايد علمه، وتوفير نصيبه منه وسهمه[7].
كَلِف بالعلوم منذ حداثة سنِّه، وبذل النفس والنفيس في إحراز جواهرها، حتى إن رغبته في طلب المعارف شغلته عن حُطام الدنيا، وأَنْستهُ هناء العيش وملاذ الحياة، وبرز في العلوم الدينية فصار إمامًا في التفسير والإفتاء، وكان مع ذلك كاتبًا بليغًا وخطيبًا مِصْقَعًا. وفي 1262هـ/1845م سافر برفقة عبدي باشا المشير إلى الموصل، ثم إلى ماردين فديار بكر فأُرزوم فسيواس فالأستانة، واجتمع حيث دخل بأعلام العلماء وأئمة الأدباء، وكانوا يتهافتون إليه؛ ليقتبسوا من أنواره، ويغرفوا من بحاره. فلما عاد إلى وطنه سنة 1269هـ انقطع إلى التأليف.
وكان الألوسي سريع الخاطر، ونسيج وحده في قوة التحرير وسهولة الكتابة ومسارعة القلم؛ قيل: إنه كان لا يقصر تأليفه في اليوم والليلة عن أقل من ورقتين كبيرتين[8]. كما كان شاعرًا له شعر قليل إلا أنه غاية في الرقة، منها هذه الأبيات يذكر العراق في غربته:

أهيمُ بآثار العـراقِ وذكـره *** وتغدو عيـوني من مسرَّتـها عَبْـرَى
وألثم إخـفاقًا وطـنَ ترابـه *** وأكحـلُ أجفـانًا بتربتـه العَطْـرَى
وأسهر أرعى في الدياجي كواكبًا *** تمرُّ إذا سارت علـى ساكني الزورا
وأنشقُ ريح الشرق عند هبوبها *** أداوي بها يا ميُّ مُهجتي الحَرّا​

وقال في وصف بغداد وفراقه لها:

أرضٌ إذا مرَّت بها ريحُ الصبـا *** حملت من الأرجاء مسكـًا أذفـرا
لا تسمعَنَّ حديث أرضٍ بعدها *** يُروى فكل الصيد في جوف الفـرا
فارقتها لا عن رضًى وهجـرتها *** لا عن قلًى ورحلـتُ لا متخيَّـرا
لكنـها ضاقـت عليَّ برحبـها *** لمـا رأيتُ بها الزمـان تنكَّـرا​

ومن حسن قوله وصفه لشاعر سهل الألفاظ بعيد المعاني:

تتحيَّرُ الشعراء إن سمعوا به *** في حسن صنـعته وفي تأليفـه
فكأنهُ في قربه من فهمهم *** ونكولهم في العجز عن ترصيفـهِ
شجرٌ بدا للعين حسنُ نباتهِ *** ونأى عن الأيدي جَنَى مقطوفهِ​

وقال مستغفرًا وقد افتتح به كتاب مقاماته:

أنا مذنبٌ أنا مجرمٌ أنا خاطئ *** هو غافرٌ هو راحمٌ هو عافـي
قابلتهـنَّ ثلاثـةٌ بثلاثـةٍ *** وستغلبَن أوصـافُهُ أوصـافـي[9]​
شيوخه:

أخذ الألوسي العلم عن فحول العلماء، منهم والده العلاَّمة، والشيخ خالد النقشبندي، والشيخ على السويدي[10]، والشيخ علي الموصلي، والشيخ يحيى المروزي العمادي[11]، ومحمد بن أحمد التميمي الخليلي المصري[12].
كما روى عن عبد الرحمن الكزبري، وعبد اللطيف بن حمزة فتح الله البيروتي، والشمس محمد أمين بن عابدين مكاتبةً، واجتمع في إسلامبول بشيخ الإسلام عارف الله بن حكمة الله، وأجاز كل منهما صاحبه، والشمس محمد التميمي الحنفي، وأخذ في العراق عن علاء الدين عليّ الموصلي، وعلي بن محمد سعيد السويدي، وعبد العزيز بن محمد الشواف، والمعمر يحيى المروزي العمادي، والشيخ عبد الفتاح شوَّاف زاده[13]، وغيرهم.

تلاميذه:

أخذ عنه كثيرون، ونتصل بمروياته ومؤلفاته من طرقٍ منها: عن إبراهيم بن سليمان الحنفي المكي عن محمد بن حميد الشرقي مفتي الحنابلة بمكة المكرمة عنه، ومنها عن الشيخ أحمد أبي الخير المكي عن نعمان الألوسي عن أبيه، ومنها بأسانيدنا إلى عارف الله بن حكمة الله عنه[14]. ومن أشهر تلاميذه صالح بن يحيى بن يونس الموصلي السعدي، وغيرهم[15].

مؤلفاته:

ألف الألوسي كتبًا عديدة في التفسير والفقه والمنطق والأدب واللغة، وخلَّف رحمه الله تعالى ثروة علمية كبيرة ونافعة، بَيْدَ أنَّه يأتي على رأس هذه المؤلفات كتابه: (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني)، و(نشوة الشمول في السفر إلى إسلامبول) رحلته إلى الأستانة، و(نشوة المدام في العود إلى دار السلام)، و(غرائب الاغتراب) ضمَّنه تراجم الذين لقيهم، وأبحاثًا ومناظرات، و(دقائق التفسير)، و(الخريدة الغيبية) شرح به قصيدة لعبد الباقي الموصلي، و(كشف الطرة عن الغرة) شرح به درة الغواص للحريري، و(المقامات) في التصوف والأخلاق، عارض بها مقامات الزمخشري، و(الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية)، و(حاشية على شرح القطر) لابن هشام ألَّفها وعمره لا يتجاوز ثلاث عشرة سنة في النحو، و(الرسالة اللاهورية)، و(التبيان في مسائل إيران)، و(شرح السلم في المنطق)[16]، و(شهي النغم في ترجمة عارف الحكم)[17].

تفسير روح المعاني ونهج مؤلفه فيه:

كان الألوسي -رحمه الله- شيخ العلماء في العراق في عصره، ونادرة من النوادر التي جادت بها الأيام؛ جمع كثيرًا من علوم المنقول والمعقول، وأحكم فهم علمي الفروع والأصول، وكان مع هذا وذاك مفسرًا لكتاب الله لا يُبارى، ومحدِّثًا للسُّنَّة لا يُجارى.
ومع أنه -رحمه الله- كان شافعيَّ المذهب إلا أنه في كثير من المسائل كان يقلد الإمام أبا حنيفة، وكان عالمًا باختلاف المذاهب، ومطلعًا على الملل والنحل، وكان في آخر حياته يميل إلى الاجتهاد، وقد خلَّف ثروةً علمية كبيرة ونافعة، يأتي في مقدمتها تفسيره المسمى (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني).
وهذا التفسير -كما يتبين للناظر فيه- قد أفرغ فيه مؤلِّفه وسعه، وبذل جهده، حتى أخرجه للناس تفسيرًا جامعًا لآراء السلف روايةً ودرايةً، ومشتملاً على أقوال الخلف بكل أمانة وعناية، فهو تفسير -والحق يقال- جامعٌ لخلاصة ما سبقه من التفاسير.
ثم إن المؤلف -رحمه الله- إذ ينقل من تفاسير مَن سبقه من المفسرين، لم يكن مجرَّد ناقل فحسب، بل كان يُنَصِّب من نفسه حَكَمًا عدلاً على كل ما ينقل، ويجعل من نفسه ناقدًا مدقِّقًا وممحصًا لكل رأي وقول، ثم هو بعدُ يُبدِي رأيه حرًّا فيما ينقل. ويلاحظ على مؤلِّفنا أنه كان كثيرًا ما يتعقب الرازي في العديد من المسائل الفقهية، ويخالفه الرأي فيها، لكن إن استصوب رأيًا لبعض مَن ينقل عنهم انتصر له، ونافح عنه بكل ما أُوتى من قوة.
لكن مما يُؤخذ على الألوسي أنه كان مترددًا في مسائل الأسماء والصفات بين مذهبي السلف والخلف؛ فهو أحيانًا يميل إلى مذهب السلف ويقرره وينسب نفسه إليه، كما فعل عند تفسيره لصفة الحياء في قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً } [البقرة: 26]، وأحيانًا أخرى نجده يميل لمذهب الأشاعرة وينتصر لهم كما فعل عند تفسيره لصفة الكلام في قوله تعالى: { مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ } [البقرة: 253]. ونحن في حينٍ ثالث نجده يُظهِر نوعًا من التحفُّظ وعدم الصراحة الكاملة، كما فعل عند حديثه على صفة الفوقية في قوله تعالى: { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [الفتح: 10]، وفي حينٍ آخر نجده يقرر مذهب السلف والخلف ويرجِّح مذهب الخلف، كما فعل في صفة الاستواء في قوله تعالى: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه: 5]. وهكذا نجده متردِّدًا -رحمه الله- بين مذهب السلف والخلف؛ ولأجل هذا عدَّه بعضهم من أصحاب التفسير بالمعقول.

ثم إننا نلحظ من منهجه في تفسيره -فوق ما تقدم- الأمور التالية:

- استطراده كثيرًا في المسائل الكونية التي ليس لها علاقة وثيقة بعلم التفسير.
- وكان له استطراد أيضًا في ذكر المسائل النحوية، إذ كان يتوسع بها أحيانًا إلى درجة يكاد يخرج بها عن وصف كونه مفسِّرًا.
- أما المسائل الفقهية فمنهجه فيها أن يستوفي أقوال أهل العلم في المسألة موضوع البحث، ومن ثَمَّ يختار منها ما يؤيده الدليل، من غير تعصب لمذهب معين، بل رائده في ذلك: أن الحق أحق أن يُتَّبع.
- وكانت للمؤلف -رحمه الله- عناية ملحوظة بنقد الروايات الإسرائيلية، وتفنيد الأخبار المكذوبة التي ساقها بعض المفسرين السابقين له، فنحن - مثلاً - نجده يُعَقِّب بعد أن ساق قصة من القصص الإسرائيلي، فيقول: "وليس العجب من جرأة من وضع هذا الحديث، وكذب على الله تعالى، إنما العجب ممن يُدخِل هذا الحديث في كتب العلم من التفسير وغيره، ولا يُبيِّن أمره"[18]. وعلى هذا المجرى يجري في تفنيده لتلك المرويات والأخبار.
- وكغيره من المفسرين السابقين، نجد الألوسي يعرض للقراءات القرآنية الواردة في الآية الكريمة، بيد أنه لا يتقيد بالمتواتر منها، بل ينقل غير المتواتر لفائدة يراها، ولكن يُنبِّه عليه.
- ويُلاحظ أن للألوسي عناية ملحوظة بذكر أوجه المناسبات بين الآيات والسور، مع تعرضه لذكر أسباب النزول لفَهْم الآيات وفق أسباب نزولها.
- وأخيرًا، فإن الألوسي في تفسيره كان ميَّالاً إلى التفسير الإشاري، وهذا ما أُخذ عليه؛ فهو بعد أن يفرغ من الكلام عن كل ما يتعلق بظاهر الآيات، تُراه يذكر لها تفسيرًا إشاريًّا، أي يفسرها تفسيرًا يخرج بها عن ظاهرها، وهذا فيه ما هو مقبول، وفيه ما هو مردود، لا يُوافَق عليه.
ومهما يكن، فإن تفسير (روح المعاني) يبقى موسوعة تفسيرية قيِّمة، جمعت جُلَّ ما قاله علماء التفسير المتقدمين، وامتازت بالنقد الحر، والترجيح المعتمد على الدليل، والرأي البنَّاء، والاتزان في تناول المسائل التفسيرية وغيرها، مما له ارتباط بموضوع التفسير. فجزى الله مؤلِّفه خير الجزاء، ونفع المسلمين بعلمه[19].

وفاته:

تُوفِّي -رحمه الله تعالى- في بغداد يوم الجمعة 25 من ذي القعدة سنة 1270هـ الموافق 1854م. وقيل: توفي في 21 من ذي القعدة، ودُفِن بالقرب من الشيخ معروف الكرخي ، وقبره مشهور يُزار[20].

وقد أرَّخ وفاته الإمام الأديب الشيخ عبد الباقي أفندي العمري بقوله:

قبر به قد توارى خير مفقـود *** فاغتم حزنًا عليه كل موجـود
أبو الثناء شهاب الدين فيه ثوى *** فيا لمثوى برفد الفضل مرفـود
كجَدِّه كان سيفًا يستضاء به *** فحاز في الرشد حدًّا غير محـدود
مضى تغمده المـولى برحمتـه *** فليفتخر لحـده فيـه بمغمـود
من بعده لا فقدنا من بنيه فتى *** لم يبك ميت ولم يفرح بمولـود
تفسير روح معاني الذكر نضدها *** كعِقْد دُرٍّ بأيدي الفكر منضود
على تبحره في العلم شاهـدة *** كفى بها شاهدًا في حق مشهـود
أجاب أعلام إيـران بأجـوبة *** برهانها غير مدفـوع ومـردود
حور الجنان به حفت مؤرخـة *** جنات روح المعاني قبر محمـود[21]
الهوامش:

[1] الزركلي: الأعلام 7/176.
[2] الزركلي: السابق نفسه، الصفحة نفسها. لويس شيخو: السابق نفسه 1/48.
[3] السابق نفسه، الصفحة نفسها. لويس شيخو: تاريخ الآداب العربية 1/54.
[4] الزركلي: السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[5] لويس شيخو: تاريخ الآداب العربية 1/48.
[6] د/محمد حسين الذهبى: التفسير والمفسرون، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة السابعة، 2000م، 1/251.
[7] عبد الرزاق البيطار: حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر 2/125.
[8] لويس شيخو: تاريخ الآداب العربية ص90.
[9] لويس شيخو: تاريخ الآداب العربية، دار المشرق، بيروت، طبعة ثالثة، 1991م، ص91.
[10] عبد الرزاق البيطار: حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر 2/125.
[11] لويس شيخو: تاريخ الآداب العربية 1/54.
[12] الكتاني: فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات 1/267.
[13] لويس شيخو: تاريخ الآداب العربية 1/52.
[14] الكتاني: فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات 1/140
[15] السابق نفسه، الصفحة نفسها. الزركلي: الأعلام 3/198.
[16] الزركلي: السابق نفسه 7/176. لويس شيخو: تاريخ الآداب العربية 1/48.
[17] الزركلي: السابق نفسه 1/141.
[18] الألوسي: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون تاريخ، 6/86.
[19] موقع الشبكة الإسلامية، الرابط: http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php?lang=A&id=40355
[20] عمر كحالة: معجم المؤلفين 12/175. لويس شيخو: تاريخ الآداب العربية 1/48. عبد الرزاق البيطار: حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر 2/125، 126.
[21] عبد الرزاق البيطار: السابق نفسه، الصفحة نفسها.

عن موقع قصة الإسلام

يتبع
 
التعديل الأخير:
من علماء التفسير/الشيخ عبد الرحمن السعدي

من علماء التفسير
الشيخ عبد الرحمن السعدي


هو الشيخ العلامة الزاهد الورع الفقيه الأصولي المفسر عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله بن ناصر بن حمد آل سعدي من نواصر من بني عمرو أحد البطون الكبار من قبيلة بني تميم.

ومساكن بعض بني عمرو بن تميم في بلدة قفار إحدى القرى المجاورة لمدينة حائل عاصمة المقاطعة الشمالية من نجد.

قدمت أسرة آل سعدي من بلدة المستجدة أحد البلدان المجاورة لمدينة حائل إلى عنيزة حوالى عام 1120هـ ، أما نسبه من قبل والدته فأمه من آل عثيمين، وآل عثيمين من آل مقبل من آل زاخر البطن الثاني من الوهبة، نسبة إلى محمد بن علوي بن وهيب ومحمد هذا هو الجد الجامع لبطون الوهبة جميعاً وآل عثيمين كانوا في بلدة أشيقر الموطن الأول لجميع الوهبة ونزحوا منها إلى شقراء فجاء جد آل عثيمين وسكن عنيزة وهو سليمان آل عثيمين وهو جد المترجم له من أمه.

ولد في مدينة عنيزة في الثاني عشر من شهر الله المحرم سنة ألف وثلاثمائة وسبع للهجرة النبوية الشريفة.

وتوفيت أمه سنة 1310هـ، وتوفي والده سنة 1313هـ فعاش يتيم الأبوين، وكان والده من أهل العلم والصلاح، وكان إماماً في مسجد المسوكف في عنيزة.

ولما توفي والده عطفت عليه زوجة والده، وأحبته أكثر من حبها لأولادها، فكان عندها موضع العناية؛ فلما شبَّ عن الطوق صار في بيت أخيه الأكبر حمد، واعتنى به أخوه حمد عناية فائقة، وكان يجله، ويناديه باسم الشيخ، وكان الشيخ عبدالرحمن يخاطب أخاه باسم الوالد، ويقول له باللهجة العامية: (يبه) _ كما أفاد بذلك ابنُ أخيه عبدُالرحمن بنُ حمد _.

وقد أقر الله عين حمد بأخيه الشيخ عبدالرحمن؛ حيث رأى أخاه والأنظار ترنو إليه بعين التجلة، والإكبار؛ لعلمه، وفضله، ومكانته. وقد امتد العمر بـ: حمد؛ فتجاوز المائة، وعاش بعد أخيه الشيخ عبدالرحمن اثنتي عشرة سنة؛ حيث توفي سنة 1388هـ، وهو يكبر الشيخ بما يزيد على عشرين سنة تقريباً _ كما أفاد بذلك عبدالرحمن بن حمد _.

فنشأ نشأة صالحة كريمة، وعرف من حداثته بالصلاح والتقى ، وقال الشيخ محمد العثمان القاضي في ما يرويه عن أبيه الشيخ عثمان أن الشيخ عبدالرحمن قد خرج إلى صلاة الفجر صباح سطوة آل سليم وله من العمر خمس عشرة سنة والقصر فيه الرماة والناس كلهم متحصنون في منازلهم خوفاً على أنفسهم فقابله بعض الناس فقالوا إلى أين تريد فقال لصلاة الفجر فضربوه حتى ألجأوه إلى الرجوع إلى منزله. وأقبل على العلم بجد ونشاط وهمة وعزيمة فحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب قبل أن يتجاوز الثانية عشرة من عمره، واشتغل بالعلم على علماء بلده والبلاد المجاورة لها ومن يرد إلى بلده من العلماء وانقطع للعلم وجعل كل أوقاته مشغولة في تحصيله حفظاً وفهماً ودراسة ومراجعة واستذكاراً حتى أدرك في صباه ما لا يدركه غيره في زمن طويل.

ولما رأى زملاؤه في الدراسة تفوقه عليهم ونبوغه تتلمذوا عليه وصاروا يأخذون عنه العلم وهو في سن البلوغ، فصار في هذا الشباب المبكر متعلماً ومعلماً. وما أن تقدمت به الدراسة شوطاً حتى تفتحت أمامه آفاق العلم فخرج عن مألوف بلده من الاهتمام بالفقه الحنبلي فقط إلى الاطلاع على كتب التفسير والحديث والتوحيد وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الذي فتقت ذهنه ووسعت مداركه فخرج من طور التقليد إلى طور الاجتهاد المقيد فصار يرجح من الأقوال ما رجحه الدليل وصدقه التعليل. ثم كاتب علماء الأمصار ومفكري الآفاق في جديد المسائل وعويصات الأمور حتى صار لديه جرأة وجسارة على محاولة تطبيق بعض النصوص الكريمة على بعض مخترعات هذا العصر وحوادثه، فهذه همته وعزيمته في تحصيل العلم .

أما بذله العلم ونشره إياه فإنه صرف أوقاته كلها للتعليم والافادة والتوجيه والارشاد فلا يصرفه عن حلق الذكر ومجالس الدرس صارف، ولا يرده عنها راد، إلا ما يتخلله من الفترات الضرورية. فاجتمع إليه الطلبة وأقبلوا عليه واستفادوا منه كما قدم عليه الطلاب من البلاد المجاورة لبلده لما اشتهر به من سعة العلم وحسن الافادة وكريم الخلق ولطف العشرة.

كما وردت إليه الأسئلة العديدة فأجاب عليها بالأجوبة السديدة وكان حاضر الجواب سريع الكتابة بديع التحرير سديد البحث.

فلما بلغ أشده ونضج علمه ورسخ قدمه شرع في التأليف ففسر القرآن الكريم وبين أصول التفسير وشرح جوامع الكلام النبوي ووضح أنواع التوحيد وأقسامه وهذب مسائل الفقه وجمع أشتاتها ورد على الملاحدة والزنادقة والمخالفين وبين محاسن الإسلام كل ذلك في كتب ورسائل طبعت ووزعت ونفع الله بها.

والقصد أنه صار مرجع بلاده وعمدتهم في جميع أحوالهم وشئونهم فهو مدرس الطلاب، وواعظ العامة وإمام الجامع وخطيبه، ومفتي البلاد وكاتب الوثائق وحرر الأوقاف والوصايا وعاقد الأنكحة ومستشارهم في كل ما يلمهم.

وكان لا ينقطع عن زيارتهم في بيوتهم ومشاركتهم في مجتمعاتهم ومع هذا بارك الله في أوقاته فقام بهذه الأشياء كلها ولم تصرفه عن التأليف والمراجعة والبحث فأعطى كل ذي حق حقه.

مؤلفاته:
إن العلامة السعدي عالم متبحر ألف في معظم أبواب العلم، من التفسير وعلومه والحديث وشروحه، والفقه وأصوله، والتوحيد ومقاصده، وكانت معظم كتبه تصل إلى طلبة العلم في كل مكان وبالمجان إذ يتولى أبناؤه الأبرار وتلامذته الأخيار، نشرها وإشاعتها بين الناس احتسابا لوجه الله تعالى، وقد جاوزت مؤلفاته الأربعين كتابا ومن أهمها:
 تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن.
 القواعد الحسان في تفسير القرآن.
 طريق الوصول إلى العلم المأمول من الأصول.
 الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين.
 القواعد والأصول الجامعة في أصول الفقه.
 التوضيح والبيان لشجرة الإيمان.
 الدرة البهية شرح القصيدة التائية لابن تيمية.
 الخطب العصرية المنبرية.
 الوسائل المفيدة للحياة السعيدة.
 توضيح الكافية الشافية لابن القيم.
 إرشاد أولي البصائر والألباب لمعرفة الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب.
 الرياض الناضرة في العقائد والفنون.
 القول السديد في مقاصد التوحيد.
 الحق الواضح المبين في توحيد الأنبياء والمرسلين.
 تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله.
 رسالة في القواعد الفقهية.
 المختارات الجلية في المسائل الفقهية.
 المناظرات الفقهية.
 الفتاوى السعدية.
 بهجة القلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار.
 منظومة في القواعد الفقهية.
 منظومة في أحكام الفقه.
 منظومة في السير إلى الله والدار الآخرة....إلخ.
والعلامة الشيخ السعدي هو أول من أنشأ مكتبة في بلدة (عنيزة) 1358هـ.

وفاته ورثاؤه:

وقد توفي الشيخ السعدي سنة 1376هـ تاركا خلفه ثلاثة من الأبناء هم: عبد الله ومحمد وأحمد، وكانت وفاته بعد زيارتنا له بعام واحد فكان هذا آخر العهد به، وقد رثاه د. عبد الله العثيمين بقصيدة طويلة نقتطف منها هذه الأبيات:
مهج تذوب وأنفس تتحسر * ولظى على كل القلوب تسعر

كيف التحدث عن مصاب فادح * أكبادنا من هوله تتفطر

يا راحلا ريع الثقات لفقده * وبكى تغيبه الحمى والمنبر

ما مات من نشر الفضيلة والتقى * وأقام صرحا أسه لا يكسر

ما مات من غمر الأنام بعلمه * الكتب تشهد والصحائف تخبر

يا ناصر الإسلام ضد خصومه * لك في الجهاد مواقف لا تحصر

قد كنت للدين الحنيف معضدا * وبشرعه الهادي القويم تعبر

يا زاهدا عرف الحياة فما هوى * في المغريات ولا سباه المظهر

نم في جنان الخلد يا علم التقى * وانعم بظل وارف لا يحسر

نسأل الله المولى القدير أن يتقبل شيخنا السعدي في زمرة العلماء العاملين، وأن يحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يبارك في عمر من بقي من تلامذته أمثال العلامة المؤرخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام ، والفقيه المجتهد محمد بن صالح العثيمين وينفع بهم الإسلام والمسلمين.

عن موقع العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي
 
سلسلة من علماء التفسير/الشيخ محمد متولي الشعراوي

من علماء التفسير

الشيخ محمد متولي الشعراوي .. المفسر الموهوب

تجمعت القلوب حوله، وأحاطته بمشاعر الحب والتقدير، فتراهم يرقبون ظهوره على شاشات الرائي، أو خلف أجهزة المذياع، ليستمعوا إلى تفسيره لآيات الذكر الحكيم، ويستمتعوا بما يجود الله به عليه من خواطر قرآنية.. إنه الشيخ محمد متولي الشعراوي.

الشيخ الشعراوي .. سيرته وشخصيته

ولد الشيخ الشعراوي في الخامس عشر من شهر ربيع الثاني عام 1329هـ/ 1911م، في قرية دقادوس، التابعة لمحافظة الدقهلية، في جمهورية مصر العربية. وحفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره، وعندما بلغ الخامسة عشرة كان قد أتم تجويده.
تابع دراسته الابتدائية والثانوية في المعاهد الأزهرية في محافظة الزقازيق، وتخرج في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر عام 1359هـ/ 1941م، وحصل على شهادة (العالمية) مع إجازة التدريس عام 1361هـ/ 1943م.
وفي عام 1396هـ/ 1976م مُنح وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، بمناسبة بلوغه سن التقاعد، وتفرغه لشئون الدعوة الإسلامية.
وحصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1408هـ/ 1988م، كما حصل على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة في عام 1410هـ/ 1990م. وحصل على جائزة إمارة دبي لشخصية عام 1418هـ/ 1998م.

مواقف الشيخ الشعراوي

تمتع الشيخ الشعراوي بطبيعة ثائرة، لا ترضى الضيم، ولا تسكت على هوان، وتثور على كل من لم يُلْقِ لأمر الدين بالاً.
ومن مواقفه المشهودة والمشهورة بهذا الصدد، أنه عندما كان طالبًا في معهد الزقازيق رَأَسَ اتحاد الطلاب. ولما تفجرت ثورة الأزهر عام 1352هـ/ 1934م مطالبة بإعادة الشيخ المراغي بعد عزله من رئاسة الأزهر، خرج الشيخ في مُقدِّمة المطالبين بإعادة الشيخ المراغي إلى منصبه، وألقى أبياتًا من الشعر، اعتُبرت حينئذ ماسَّة بمنصب (الملكية)، فقُبض عليه، وأودع السجن.

الوظائف التي شغلها الشيخ الشعراوي

بعد أن أنهى الشيخ الشعراوي دراسته الجامعية، عمل مدرسًا في العديد من المعاهد الدينية في مصر، ثم أعير إلى المملكة العربية السعودية، للتدريس في كلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز آل سعود بمكة المكرمة.
ولما انتهت فترة إعارو الشيخ الشعراوي للملكة العربية السعودية عاد إلى مصر، وعُيّن وكيلاً لمعهد طنطا الديني، ثم مديرًا لإدارة الدعوة بوزارة الأوقاف. كما عُيّن مفتشًا للعلوم العربية بجامعة الأزهر الشريف، وعُين مديرًا لمكتب شيخ الأزهر حسن مأمون.
في عام 1394هـ/ 1975م عُيِّن الشيخ الشعراوي مديرًا عامًّا لمكتب وزير شئون الأزهر، وعُين بعد ذلك وكيلاً لوزارة شئون الأزهر للشؤون الثقافية، وعُين وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر في وزارة السيد ممدوح سالم، وخرج من الوزارة في 1398هـ/ 1978م.
وعُين بعد ذلك بمجمع البحوث الإسلامية عام 1400هـ/ 1980م، ثم بعد ذلك تفرغ لشأن الدعوة، ورفض جميع المناصب السياسية أو التنفيذية التي عُرضت عليه.

الشيخ الشعراوي .. المفسر الموهوب

انخرط الشيخ الشعراوي في محاولة لتفسير القرآن، وأوقف حياته على هذه المهمة؛ ولأنه ضليع في اللغة العربية كان اقتراب اللغوي من التفسير آية من آيات الله.
أول مزية للشيخ الشعراوي نلمحها في منهجه التفسيري، أن تفسير القرآن على لسانه يبدو جديدًا فريدًا. أما المزية الثانية، فهي أن الشيخ الشعراوي -رحمه الله- رُزق موهبة نقل الأفكار بأبسط الكلمات، وأرشق الأساليب، وقلما اجتمع هذا لأحد ممن توجهوا لتفسير القرآن مباشرة.
وقد أحسّ كل من تابع تفسير الشيخ للقرآن عبر وسائل الأعلام، أو في المجالس المخصصة لذلك، بأن الله يفتح عليه وهو يتحدث، ويلهمه معاني وأفكارًا جديدة. فكان تفسير الشيخ الشعراوي للقرآن جديدًا ومعاصرًا، يفهمه العوام، ويلبي حاجات الخواص، وكانت موهبته في الشرح لآيات القرآن، وبيان معانيه قادرة على نقل أعمق الأفكار، بأسلوب سلس مشوق جذاب، يكاد يأخذ بلباب العقول، ويدخل القلوب بغير استئذان.
وقد وصف الشيخ الشعراوي جهده الذي بذله في تفسير القرآن بأنه "فضل جود، لا بذل جهود".
ومما قاله بهذا الصدد: "فهذا حصاد عمري العلمي، وحصيلة جهادي الاجتهادي، شرفي فيه أني عشت كتاب الله، وتطامنت لاستقبال فيض الله، ولعلِّي أكون قد وفيت حق إيماني، وأديت واجب عرفاني، وأسأل الله سبحانه أن تكون خواطري مفتاح خواطر من يأتي بعدي".
واللافت للانتباه، أن الشيخ الشعراوي لم يعتبر جهده الذي بذله في توضيح وبيان آيات القرآن الكريم تفسيرًا له، بل -بحسب رأي الشعراوي نفسه- جملة خواطر ليس إلاّ، يقول في بيان هذا المعنى: "خواطري حول القرآن لا تعني تفسيرًا للقرآن، وإنما هي هبات صفائية، تخطر على قلب مؤمن في آية أو بضع آيات، ولو كان القرآن من الممكن أن يفسر لكان الرسول صلى الله عليه وسلم أَوْلى الناس بتفسيره".
وشيء آخر يستوقف المتابع لتفسير الشيخ الشعراوي وهو تعريفه للقرآن الكريم، حيث إن للشيخ تعريفًا للقرآن، يغاير بعض الشيء التعريف المشهور للعلماء، فهو يعرّف القرآن بأنه: "ابتداء من قوله تعالى: { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)}(الفاتحة)، إلى أن نصل إلى قوله: { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)}(الناس)، على أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، قبل أن نقرأ أي آية من القرآن".
وعلى الجملة، فقد وُفِّق الشيخ الشعراوي في تعامله مع النص القرآني شرحًا وتبيانًا ما لم يوفق الكثير إليه، ونفع الله به خلقًا كثيرًا.

الشيخ الشعراوي .. جهوده العلمية

ترك الشيخ الشعراوي للمكتبة الإسلامية -غير خواطره التفسيرية- العديد من المؤلفات القيِّمة، التي تعتبر زادًا للمسلم في خضم هذه الحياة. من تلك المؤلفات نذكر التالي: (الإسراء والمعراج)، و(الإسلام والفكر المعاصر)، و(الإسلام والمرأة عقيدة ومنهج)، و(الشورى والتشريع الإسلامي)، و(الطريق إلى الله)، و(المرأة كما أرادها الله)، و(معجزة القرآن)، و(من فيض القرآن)، و(المنتخب من تفسير القرآن)، وغير ذلك من المؤلفات المكتوبة كثير.
وللشيخ -غير المؤلفات المكتوبة- تسجيلات مسموعة ومرئية، يأتي في مقدمتها (خواطر الشعراوي)، وهي خواطر محورها الأساس أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله، إضافةً إلى تسجيلات صوتية موضوعها (قصص الأنبياء) عليهم السلام، وقبل هذا وذاك تسجيلات حول (خواطره القرآنية).
ومما ينبغي أن يشار إليه هنا، أن التفسير المطبوع للشيخ الشعراوي، لم يضعه هو نفسه، وإنما جمعته بعض دور النشر من تسجيلاته الصوتية، وقام بعض علماء الأزهر بمراجعته وتخريج أحاديثه.

الشيخ الشعراوي .. جهوده الدعوية

لم يكن الشيخ الشعراوي مجرد مفسر للقرآن الكريم فحسب، بل نشط أيضًا في مجال الدعوة إلى الله، وأبلى في هذا الجانب بلاء حسنًا، وشد الرحال داعيًا إلى الله على بصيرة، وكان خير سفير للإسلام في كل مكان وطأته قدماه.
ومن الدول التي قصدها الشيخ داعيًا إلى الله العديد من الدول الأوربية، وأمريكا، واليابان، وتركيا، وأغلب الدول الإسلامية، حيث دعا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبلّغ رسالة الإسلام خير بلاغ، واستمر على ذلك حتى أتاه اليقين، فكان -بحق- من خير الدعاة إلى الله في هذا العصر.

قالوا عن الشيخ الشعراوي

لقد قيل عن الشيخ الشعراوي في أثناء حياته وبعد مماته الكثير الكثير، نقتبس غيضًا من فيض:
فالأستاذ أحمد بهجت، يصف الشيخ الشعراوي، بأنه "كان واحدًا من أعظم الدعاة إلى الإسلام في العصر الذي نعيش فيه... والمَلَكة غير العادية التي جعلته يُطلِع جمهوره على أسرار جديدة وكثيرة في القرآن. وكان ثمرة لثقافته البلاغية التي جعلته يدرك من أسرار الإعجاز البياني للقرآن الكريم ما لم يدركه الكثيرون. وكان له حضور في أسلوب الدعوة، يُشرك فيه جمهوره، ويوقظ فيه ملكات التلقي".
أما الدكتور محمد عمارة فيقول: "الشعراوي قدَّم لدينه ولأمته الإسلامية والإنسانية كلها أعمالاً طيبة، تجعله قدوة لغيره في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة".
وقال الشيخ سيد طنطاوي: "كان له أثر كبير في نشر الوعي الإسلامي الصحيح، وبصمات واضحة في تفسير القرآن بأسلوب فريد، جذب إليه الناس من مختلف المستويات الثقافية".
وقال الشيخ القرضاوي: "لا شك أن وفاة الإمام الراحل -طيب الذكر- الشعراوي تمثل خسارة فادحة للفكر الإسلامي، والدعوة الإسلامية، والعالم الإسلامي بأسره. فقد كان رحمه الله رمزًا عظيمًا من رموز ذلك كله، وخاصة في معرفته الشاملة للإسلام، وعلمه المتعمق، وصفاء روحه، وشفافية نفسه، واعتباره قدوة تحتذى في مجال العلم والفكر والدعوة الإسلامية".

وفاة الشيخ الشعراوي

بعد جهاد كبير في مجال التفسير، والدعوة إلى الله، ألقى الشيخ الشعراوي عصا التسيار، وفارق الدنيا في التاسع عشر من شهر ذي الحجة عام 1418هـ، الموافق السابع عشر من إبريل عام 1998م.
وقد تركت وفاته أثرًا عميقًا في نفوس المسلمين كافَّة، وصدى كبيرًا في أقطار الإسلام عامَّة، وخسرت الأمة بوفاته عَلَمًا من أعلامها، وداعية من دعاتها.

المصدر: موقع إسلام ويب.
 
عودة
أعلى