تصرفات وتصريحات القادة الامريكان حول موضوع استفتاء جنوب السودان تؤكدان ان هناك مصالح امريكية عليا في انفصال جنوب السودان عن شماله. ومن ينظر الى وجوههم المتحمسة اثناء اطلاقهم تصريحاتهم الهادفة الى تقسيم السودان يعتقد ان السودان تحتل مدينة من المدن الامريكية حان الوقت لتحريرها، او ان وحدة السودان تمثل تهديدا مباشرا للمصالح الامريكية، وكما هو معروف فان المصالح الامريكية محصورة في المال اولا واسرائيل ثانيا، وكل ما عدا ذلك قابل للتغيير.
التصريحات الامريكية الداعمة لانفصال جنوب السودان عن شماله تدل على ان قرار الانفصال قد تم في واشنطن حتى قبل ان يقول الجنوبيون قرارهم، ويبدو ان الامريكيين مستعدون لفعل اي شيء من اجل اتمام هذا الانفصال، وما يحدث هذه الايام من اثارة للمشاكل ومن هجوم اعلامي امريكي مفاجئ على سورية ولبنان يهدف في الاصل الى لفت انظار العرب الى مكان اخرغير جنوب السودان، الى حين اتمام تمرير عملية الانفصال. والايام القادمة ستكون حبلى بالمشاكل العربية لنفس السبب، خاصة ان بعض الكتاب العرب بدأوا اخيرا في التنبيه الى مخاطر هذا الانفصال.
هزيمة امريكا النكراء في العراق وترنحها امام لكمات معارضيها في كل الاماكن الممتدة من تركيا الى كوريا الشمالية مرورا بافغانستان، جعلها تخسر الكثير من الاموال، الى ان شارفت على الهزيمة الاقتصادية امام دول كثيرة منافسة لها مثل الصين، التي بدأت باختراق السوق الافريقية بقوة وثبات مستغلة انشغال امريكا بحماقاتها.
هذه الهزائم تجبر امريكا على البحث عن ارض وليدة حديثا، ويفضل ان تكون غنية بالنفط والمياة معا من اجل استثمارها اقتصاديا وعسكريا من اجل تعويض خسائر حروبها في قارة اسيا، وكالعادة فان الضحية الاسهل هم العرب، خاصة الدول العربية الغنية المؤهلة للتقسيم مثل السودان، فجنوب السودان غني جدا ان انضمت مدينة ابيي اليه ويصلح ان يكون قاعدة عسكرية واقتصادية لامريكا، علما بان انفصال جنوب السودان سيكون كارثيا على كل الدول العربية عموما وعلى جمهورية مصر خصوصا.
ربما يسأل احد لماذا مصر على وجه الخصوص؟ والجواب هو اولا: مصر تعتمد على نهر النيل اعتمادا كاملا في حياتها، وولادة دولة جديدة يمر النيل من خلالها هو تهديد حقيقي لامن مصر المائي، خاصة ان هذه الدولة الوليدة ستستخدم مياه النيل في صناعتها المستقبلية المدعومة امريكيا، ويمكن استخدام هذه المياه سلاحا في وجه مصر متى ارادت امريكا ذلك.
ثانيا: سيصبح السودان دولة فقيرة جدا بدون النفط، لان امريكا لن تسمح ان يكون نفط ابيي من حصة شمال السودان ابدا، وبالتالي سيكون السودان الشمالي عبئا اقتصاديا على دولتي ليبيا ومصر، ولا اعتقد ان الاقتصاد المصري قادر على تحمل تبعات افقار السودان.
ثالثا: اتوقع بناء قواعد عسكرية امريكية واسرائيلية في جنوب السودان بعد انفصاله، مما سيجعل كل افريقيا تحت رحمة هذه القواعد وستفقد الدول العربية الافريقية ثقلها الافريقي وخاصة مصر.. وهذا ما يفسر شدة تحمس الامريكيين لانفصال جنوب السودان.
رابعا: مصر ستفقد السوق الافريقي لان جنوب السودان سيوفر الارضية المناسبة للامريكيين من اجل مواجهة المد الاقتصادي الصيني في افريقيا، وبالتالي سيغرق السوق الافريقي بالبضائع الصينية القادمة من اسيا، والامريكية الاسرائيلية المصنعة في جنوب السودان.
خامسا: انفصال جنوب السودان سيشجع المطالبة بانفصال اماكن اخرى عن السودان مثل دارفور.. وعلى الرغم من عدم اهمية دارفور بالنسبة للامريكيين بسبب عدم وجود نفس الميزات الاقتصادية لجنوب السودان فيها (ولاسباب عقائدية ايضا) ولكن زيادة مشاكل شمال السودان الداخلية مكسب بحد ذاته من اجل بناء جنوب السودان على حساب شماله، وهذه المشاكل ستؤذي الاقتصاد المصري بطرق كثيرة جدا لا مجال لحصرها في هذا المقال.
ان ارادت مصر ضمان مستقبل ابنائها فعليها العمل وبقوة على منع تقسيم السودان، لان هذا التقسيم سيجر الويلات على مصر، وبالتالي على كل الدول العربية، علما بان وجود قواعد عسكرية امريكية في جنوب السودان سيجعلها تنهي هيمنة الدول العربية الضعيفة اصلا على البحر الاحمر، وسيسمح لامريكا بالتدخل المباشر وغير المباشر في شؤون كل الدول العربية وبكل سهولة من اليمن الى المغرب.
http://alquds.co.uk/index.asp?fname=today\12qpt25.htm&arc=data\2010\11\11-12\12qpt25.htm