بسم الله الرحمن الرحيم
فضيحة مثيرة في كتاب أمريكي جديد
المخابرات الأمريكية باعت تصميمات القنبلة النووية إلي إيران
ووفرت عليها عشر سنوات
State Of War
The Secret History Of The CIA And The Bush Administration
للكاتب جيمس ريزن
ملخص الكتاب: من صحيفة الفجر المصرية
العدد 67 - 18/9/2006
ضغطت مسئولة الشفرة في وكالة المخابرات المركزية ( الأمريكية ) علي لوحة مفاتيح الكمبيوتر لترسل سيلاً من المعلومات السرية إلي واحد من العملاء في طهران .. ثم قامت لتتناول وجبة الغداء الخفيفة .. لكن .. قبل ان تترك مكتبها .. عرفت ان المخابرات الإيرانية قبضت علي شبكة الجواسيس الأمريكيين هناك .. فقد إتضح ان العميل الذي تلقي المعلومات السرية هو عميل مزدوج.
لم تذكر الصحف شيئاً عن الفضيحة التي جعلت الوكالة شبه عمياء في إيران .. خاصة في وقت يحاول فيه الرئيس جورج بوش إثبات أن إيران تتحرك بسرعة لتطوير أسلحتها النووية .. وعجزت الوكالة عن إثبات ذلك .. تماماً كما عجزت من قبل عن تقديم أدلة واضحة علي وجود أسلحة دمار شامل في العراق.
بعد هذه الفضيحة التي وقعت في ربيع عام 2005 قدم بورتر جوس مدير الوكالة تقريراً إلي البيت الأبيض يخبره فيه أن مخابرات بلاده لا تعرف حقاً متي تصبح إيران قوة نووية .. وفي الوقت نفسه تساءل بورتر جوس بعصبية عن ما الذي حدث في عملية تسليم التصميمات النووية إلي الإيرانيين؟
السؤال ينقله جيمس ريزن محرر نيويورك تايمز الحائز علي جائزة بوليتزر في كتابه الأخير والمثير : " دولة في حرب " عن التاريخ السري لوكالة المخابرات المركزية وإدارة بوش .. وهو سؤال يكشف أكبر فضيحة للوكالة .. تتلخص في أنها - صدق او لا تصدق - هي التي أعطت بنفسها تصميمات القنبلة النووية لإيران
تعود البداية إلي إدارة الرئيس بيل كلينتون .. ففي منتصف فبراير عام 2000 راح عالم روسي يلف شوارع مدينة فيينا وهو يشعر برعب لا يضاهيه سوي البرد القارص .. كان الرجل يقتل وقته في التنقل بين عربات الخطوط المختلفة للترام وهو يشاور عقله . هل يمضي في مهمته السرية ام يتراجع عنها؟
قال لنفسه : انا عالم ولست جاسوساً فما الذي يمكن أن أفعله هنا ؟ .. ثم تحسس مظروفاً دسه في ثنايا معطفه ليتأكد من أن الوثائق التي لا تقدر بثمن لا تزال في مكانها .. وان العمل الجنوني الذي علي وشك القيام به ليس حلماً مزعجاً
قرأ ورقة عليها عنوان : " شارع هاينش شتراسي " حيث مقر البعثة الإيرانية لدي وكالة الطاقة النووية .. لكنه قبل ان يصل إليه تساءل من جديد :
" ما الذي تريده المخابرات الأمريكية من وراء هذه العملية المثيرة للإستغراب ؟ "
وكان سؤاله في محله .. فقد كان عليه توصيل تصميمات قنبلة نووية للبعثة الإيرانية .. بدقة أكثر كانت التصميمات لجهاز تفجير النواة . أخطر الأسرار الهندسية للقنبلة الذرية .. والحصول عليه يوفر حلولاً لمشاكل لا نهاية لها .. تصل إيران بعدها إلي القنبلة .. وتصبح عضواً في النادي النووي.
كان الرجل غير مصدق للأوامر التي تلقاها من المقر العام للمخابرات الأمريكية في لانجلي .. الضاحية القريبة من واشنطن .. بل اكثر من ذلك لم يصدق انها سلمته التصميمات النووية وارسلته إلي فيينا كي يبيعها - او بكل بساطة كي يسلمها - إلي مندوبي إيران لدي وكالة الطاقة الذرية .. وبتنفيذ هذه المهمة تبدو المخابرات المركزية وكأنها بصدد مساعدة إيران علي تجاوز واحدة من آخر العقبات الهندسية المتبقية التي تقف في طريقها للوصول إلي السلاح النووي
كان الرجل مهندساً نووياً سوفيتياً فر إلي الولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة سنوات ونجح في إجتياز اختبار المخابرات لتوطين الفارين من بلاده.. وحسب تقارير المخابرات عنه .. هو شخصية معروفة بصعوبة التعامل معها بسبب طبيعته المتغطرسة والجشعة .. لكنه في الوقت نفسه يمكن إستخدامه في عمليات سرية ذات أولوية عالية.
إتخذت المخابرات كل الترتيبات اللازمة ليصبح مواطناً أمريكياً وخصصت له راتباً شهرياً خمسة آلاف دولار وهو ما وفر له حياة سهلة مريحة خاصة أنه غير مقيد بأي شروط .. وكان سعيداً لأنه كان علي متن قطار المخابرات السريع للكسب غير المتعب.
لكن فجأة , وضعته المخابرات في مقدمة الصفوف الخفية لتنفيذ مهمة تبدو متنافرة كل التنافر مع المصالح الأمريكية .. وتطلب الأمر من ضابط المخابرات المكلف بملفه قوة إقناع هائلة ليجعله يمضي قدماً نحو عملية مارقة وشاذة بكل المقاييس.
كان الإسم الكودي للعملية " مرلين " .. حددت مهمة العميل الروسي في تقديم نفسه كعالم عاطل وجشع مستعد ان يبيع روحه قبل ان يبيع اسرار القنبلة الذرية إلي من يعرض أعلي سعر .. ولو وصل إلي الإيرانيين ومعه التصميمات فإنهم سوف يهرعون بها إلي رؤسائهم في طهران.
جري عرض الخطة علي العالم الروسي في فندق فاخر في سان فرانسيسكو .. ولاحظ ضابط المخابرات بأن عميلهم بادي العصبية .. فحاول التقليل من اهمية ما سيفعل ... وقالوا له إنهم يقومون بهذه العملية فقط لتحديد النقطة التي وصل إليها الإيرانيون في برنامجهم النووي .. وأضافوا إنها مسعي إلي جمع معلومات مخابراتية وليست محاولة غير مشروعة لإهداء الإيرانيين ما تبقي من أسرار القنبلة النووية .. بل أوحوا له أن الإيرانيين يملكون بالفعل التكنولوجيا التي يعتزم تسليمها إليهم .. فالأمر كله لعبة .. لاشئ فيها خطر
لكن العالم الروسي الذي وافق علي مضض ظل مرتاباً في دوافع المخابرات .. وكانت خشيته نابعة من معرفته بقيمة المعلومات التي سيسلمها إلي الإيرانيين .. فهو عالم ومهندس سابق في " أرزماس-16 " المركز الرئيسي لبرنامج الأسلحة النووية للإتحاد السوفيتي وهناك صنعت أول قنبلة ذرية وأول قنبلة هيدروجينية , وسبق أن عمل هناك نحو 30 ألف عالم نووي قبل ان يغير الرئيس الروسي بوريس يلتسين اسم المركز إلي ساروف
وقبل أن ينتشر العلماء السوفيت وهم يحملون الأسرار النووية عارضين بيعها لمن يدفع الثمن ..
وهو ما دفع عضوين في الكونجرس وهما سام نان وريتشارد لوجر إلي تمرير قانون أمريكي تشتري بمقتضاه الحكومة الأمريكية العلماء والأسرار والمواد والأسلحة النووية السوفيتية مهما كان الثمن.
تحت إلحاح ضابط العملية راح العالم الروسي يبعث برسائل إلكترونية إلي البعثة الإيرانية لدي وكالة الطاقة الذرية في فيينا تفيد أن بحوزته معلومات مغرية لهم .. كما بدأ في مخالطة عملاء الذرة الأمريكيين من أصل إيراني في مؤتمرات متخصصة .. كان يريد أن يلفت النظر بأنه بائع أسرار نووية .. ومستعد لتوصيل الطلبات إلي المنازل .. وما ضاعف من اهميته كطعم ان روسيا وقعت عقداً مع إيران قيمته 800 مليون دولار لبناء مفاعل نووي يعمل بالماء الخفيف في منطقة بوشهر .. كما ان روسيا كانت تنظر دائماً إلي إيران بإعتبارها زبوناً يتوق إلي إمتلاك سلاح روسي نووي وليس بإعتباره مصدراً لتهديد استراتيجي متعاظم في الشرق الأوسط .. وهو ما خلق مناخاً طبيعياً لقبول العالم الروسي الباحث عن زبون إيراني لبضاعته ..
وفي أحد المؤتمرات وقع علي كنز ثمين عندما إلتقي بعالم فيزيائي كبير من طهران .. كان مدخله المناسب للعملية. عرفت المخابرات ان مسئولاً إيرانياً رفيع المستوي سوف يطير إلي فيينا ويزور البعثة الإيرانية لدي وكالة الطاقة النووية فقررت المخابرات بدء العملية وإرسال العالم الروسي إلي هناك في نفس التوقيت .
في فيينا إستعرض الرجل خياراته مرة اخري وإتخذ قراراً بفتح المظروف الذي يخفي التصميمات النووية ووضع فيه رسالة شخصية منه للإيرانيين .. لم يكن يهمه ما تريد المخابرات الأمريكية .. سوف يضع رهاناته علي النحو الذي يراه مناسباً .. لا جدال ان هناك عيوباً في هذه التصميمات .. ولذلك قرر لفت نظر الإيرانيين إلي تلك الحقيقة في رسالته .. سوف يكتشفون تلك العيوب بأنفسهم بكل تأكيد .. ولو لم يسارع بتنبيههم فلن يعودوا ويتعاملوا معه مرة أخري ..
وفيما بعد سلم ضابط العملية نسخة طبق الأصل من رسالته التي كان نصها :
" دعوني أولاً أن أعرفكم بنفسي , إنني شخص عمل سنوات طويلة في مجال الصناعة النووية وأود أن أخبركم بمعلومات ثمينة جداً حول تصميمات سلاح ذري . وفي حوزتي هذه المرة وصف لواحد من المكونات الأساسية للنظام الحديث ( ت ب أ - 480 ) ذي الكتلة الأتوماتيكية الحساسة ... والجهاز الموصوف يعرف بكوبس النار الذي يشغل في وقت واحد جميع صواعق التفجير في نواة الرأس النووي ( الشحنة الكروية ) .. وأنا علي يقين من أن أجهزة أخري سوف تكون في متناولكم لمراجعتها في المستقبل.
لم أتصل بالأشخاص المعنيين في بلادكم , لانني لم أتمكن من العثور عليهم للأسف .. طبعاً حاولت وبطرق عديدة أخري ان الفت الإنتباه إلي هذه المعلومة لكن من دون جدوي .. ثمة سوء فهم كلي هنا .. وبالتالي إضاعة للوقت .. وخيبة للأمل .. لذا قررت ان اعرض هذه المعلومات الأساسية والثمينة من دون مقابل الآن وبإمكانكم أن تقدروا ذلك بأنفسكم.
ما الغرض من عرضي ؟! .. اذا حاولتم صنع جهاز مماثل فلابد من طرح بعض الأسئلة العملية .. ما من مشكلة علي الإطلاق .. سوف تحصلون علي الإجابات .. إنما أتوقع أن أتقاضي ثمناً لها .. فدعونا نتحدث في التفاصيل لاحقاً عندما أري إهتماماً حقيقياً منكم بالموضوع.
والآن خذوا وقتكم لدراسة الوثائق الموجودة في المظروف .. وستجدون في الصفحة التالية من الرسالة طريقة الإتصال بي.
كان الرجل في رسالته يحذر الإيرانيين وبأكبر قدر ممكن من الإحتراس من وجود عيب ما في مكان ما من التصميمات ويلفت نظرهم إلي إمكان مساعدتهم علي إكتشافه .. وفي الوقت نفسه كان ماضياً في تنفيذ مهمة المخابرات الأمريكية بالطريقة الوحيدة التي يظن انها قابلة للنجاح
دس رسالته في المظروف مع التصميمات وأعاد غلقه من جديد . وبعد نهار قضاه في الطواف رجع إلي فندق قريب من " شتاد بارك " .. أكبر حدائق المدينة وفي تلك الليلة نام وهو عازم علي تنفيذ المهمة في اليوم التالي.
وفي الساعة الثامنة صباحاً وجد العنوان ( 19 شارع هاينش ) وكان مبنياً من خمسة طوابق ومؤلفاً من وحدات سكنية , ذا واجهه مطلية باللونين الأخضر والبيج الباهت في ضاحية متواضعة نوعاً ما تقع في ضواحي العاصمة .. كان الشارع مكتظاً بمحلات بيع التبغ والبارات والمقاهي .. ولم يكن بالمبني ما يدل علي وجود الإيرانيين فيه .. فكل ما عليه حرفان هما الراء والواو .. بجانب كلمة إيران
ما ان إقترب من المبني حتي راحت ضربات قلبه تدق علي صدره بقوة .. لكنها سرعان ما هدأت بعد ان علم ان المكتب مغلق في هذا اليوم لسبب غير معلوم .. وراح الرجل يكمل يومه في التسكع .. وفي المساء عاد لفندقه لينام.
وفي صباح اليوم التالي, عاد إلي المقر الإيراني ليجد ساعي بريد نمساوياً يفتح الباب ويلقي بالبريد في الصناديق المخصصة لكل ساكن .. فقرر ان يحذو حذوه بعد أن غادرته الشجاعة .. فانسل داخلاً وأسقط علي عجل المظروف الذي يحمله في ثقب الباب الداخلي للمكتب الإيراني .. وطار عائداً إلي بلاده.
بعد بضعة أيام أفادت وكالة الأمن القومي الأمريكي ان مسئولاً إيرانياً في فيينا غير جدول أعماله وعاد إلي طهران .. وهو ما يعني ان التصميمات أصبحت الآن في طهران.
وفي الوقت نفسه , كرر العالم الروسي مخاوفه بشأن العملية .. فهو في النهاية واجهه لما يمكن ان تعد اكثر العمليات طيشاً وتهوراً في تاريخ المخابرات الأمريكية .. فهي مهما كانت المبررات عملية من شأنها أن تساهم في وضع السلاح النووي في يد عضو أصيل فيمن أسماهم بوش : محور الشر
لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية منزعجة من البرنامج النووي الإيراني وتريد بشتي الطرق إيقافه أو تعطيله .. خاصة بعد أن توقعت ان تصل إيران إلي القنبلة النووية في فترة ما بين خمس وعشر سنوات ..
فكانت عملية مرلين في تصورها عملية مناسبة لإختراق البرنامج النووي الإيراني وتسلل عالم روسي جاسوس إليه لمعرفة ما يجري في داخله .. كما ان هذه العملية كان لها هدف آخر هو تضليل الخبراء الإيرانيين وتوجيههم في طريق خاطئ .. فما ان يتسلموا التصميمات الخاطئة ويدرسونها حتي يشرعوا في بناء قنبلة نووية تشوبها أخطاء وعيوب .. وستصاب طهران بدهشة عندما يحاول علماؤها تفجير قنبلتهم الجديدة .. فعوضاً عن تصاعد السحابة التي تشبه فطر عش الغراب .. سيشاهدون فشلاً مخيباً للآمال .. وبالتالي سيصاب برنامجهم النووي بنكسة مخزية .. ويتأخر حصولهم علي السلاح النووي سنوات أخري.
وفي غضون ذلك سيتسني للمخابرات الأمريكية ان تحصل علي معلومات تخفيها إيران بطريقة يصعب إختراقها. وقد حازت الخطة موافقة بيل كلينتون وجورج بوش علي أمل تكرارها مع كوريا الشمالية ودول أخري خطرة .. وبالفعل حصلت المخابرات الأمريكية علي التصميمات المطلوبة وطلبت من عملائها زرع عيوب فيها تكون ذكية جداً ومخفية بحيث لا يقدر احد إكتشافها .. حتي العميل الروسي الذي سيحملها إلي الإيرانيين .. لكن الخطة كالعادة لم تسر كما رسمت .. فقد كشف العميل الروسي العيوب والأخطاء بسهولة .. كما ان المخابرات الأمريكية لم تضع ضوابط علي التصميمات الخطرة .. ولم تحسب حساب براعة العلماء الإيرانيين انفسهم في كشف العيوب المدسوسة والإستفادة من المعلومات الهامة التي تقدمها التصميمات .. وهو ما حدث بالفعل .. فقد وفرت العملية علي العلماء الإيرانيين خمس سنوات علي الأقل من برنامج سلاحهم النووي .. ففور ان إكتشفوا عيوب التصميمات سارعوا بتصحيحها والإستفادة منها .. وبالتالي تكون وكالة المخابرات المركزية أعانت طهران علي الإنضمام إلي النادي النووي ..
وبعد هذه التفاصيل السرية المثيرة والمذهلة التي نُشِرت في الولايات المتحدة دون تكذيب ....
فضيحة مثيرة في كتاب أمريكي جديد
المخابرات الأمريكية باعت تصميمات القنبلة النووية إلي إيران
ووفرت عليها عشر سنوات
State Of War
The Secret History Of The CIA And The Bush Administration
للكاتب جيمس ريزن
ملخص الكتاب: من صحيفة الفجر المصرية
العدد 67 - 18/9/2006
ضغطت مسئولة الشفرة في وكالة المخابرات المركزية ( الأمريكية ) علي لوحة مفاتيح الكمبيوتر لترسل سيلاً من المعلومات السرية إلي واحد من العملاء في طهران .. ثم قامت لتتناول وجبة الغداء الخفيفة .. لكن .. قبل ان تترك مكتبها .. عرفت ان المخابرات الإيرانية قبضت علي شبكة الجواسيس الأمريكيين هناك .. فقد إتضح ان العميل الذي تلقي المعلومات السرية هو عميل مزدوج.
لم تذكر الصحف شيئاً عن الفضيحة التي جعلت الوكالة شبه عمياء في إيران .. خاصة في وقت يحاول فيه الرئيس جورج بوش إثبات أن إيران تتحرك بسرعة لتطوير أسلحتها النووية .. وعجزت الوكالة عن إثبات ذلك .. تماماً كما عجزت من قبل عن تقديم أدلة واضحة علي وجود أسلحة دمار شامل في العراق.
بعد هذه الفضيحة التي وقعت في ربيع عام 2005 قدم بورتر جوس مدير الوكالة تقريراً إلي البيت الأبيض يخبره فيه أن مخابرات بلاده لا تعرف حقاً متي تصبح إيران قوة نووية .. وفي الوقت نفسه تساءل بورتر جوس بعصبية عن ما الذي حدث في عملية تسليم التصميمات النووية إلي الإيرانيين؟
السؤال ينقله جيمس ريزن محرر نيويورك تايمز الحائز علي جائزة بوليتزر في كتابه الأخير والمثير : " دولة في حرب " عن التاريخ السري لوكالة المخابرات المركزية وإدارة بوش .. وهو سؤال يكشف أكبر فضيحة للوكالة .. تتلخص في أنها - صدق او لا تصدق - هي التي أعطت بنفسها تصميمات القنبلة النووية لإيران
تعود البداية إلي إدارة الرئيس بيل كلينتون .. ففي منتصف فبراير عام 2000 راح عالم روسي يلف شوارع مدينة فيينا وهو يشعر برعب لا يضاهيه سوي البرد القارص .. كان الرجل يقتل وقته في التنقل بين عربات الخطوط المختلفة للترام وهو يشاور عقله . هل يمضي في مهمته السرية ام يتراجع عنها؟
قال لنفسه : انا عالم ولست جاسوساً فما الذي يمكن أن أفعله هنا ؟ .. ثم تحسس مظروفاً دسه في ثنايا معطفه ليتأكد من أن الوثائق التي لا تقدر بثمن لا تزال في مكانها .. وان العمل الجنوني الذي علي وشك القيام به ليس حلماً مزعجاً
قرأ ورقة عليها عنوان : " شارع هاينش شتراسي " حيث مقر البعثة الإيرانية لدي وكالة الطاقة النووية .. لكنه قبل ان يصل إليه تساءل من جديد :
" ما الذي تريده المخابرات الأمريكية من وراء هذه العملية المثيرة للإستغراب ؟ "
وكان سؤاله في محله .. فقد كان عليه توصيل تصميمات قنبلة نووية للبعثة الإيرانية .. بدقة أكثر كانت التصميمات لجهاز تفجير النواة . أخطر الأسرار الهندسية للقنبلة الذرية .. والحصول عليه يوفر حلولاً لمشاكل لا نهاية لها .. تصل إيران بعدها إلي القنبلة .. وتصبح عضواً في النادي النووي.
كان الرجل غير مصدق للأوامر التي تلقاها من المقر العام للمخابرات الأمريكية في لانجلي .. الضاحية القريبة من واشنطن .. بل اكثر من ذلك لم يصدق انها سلمته التصميمات النووية وارسلته إلي فيينا كي يبيعها - او بكل بساطة كي يسلمها - إلي مندوبي إيران لدي وكالة الطاقة الذرية .. وبتنفيذ هذه المهمة تبدو المخابرات المركزية وكأنها بصدد مساعدة إيران علي تجاوز واحدة من آخر العقبات الهندسية المتبقية التي تقف في طريقها للوصول إلي السلاح النووي
كان الرجل مهندساً نووياً سوفيتياً فر إلي الولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة سنوات ونجح في إجتياز اختبار المخابرات لتوطين الفارين من بلاده.. وحسب تقارير المخابرات عنه .. هو شخصية معروفة بصعوبة التعامل معها بسبب طبيعته المتغطرسة والجشعة .. لكنه في الوقت نفسه يمكن إستخدامه في عمليات سرية ذات أولوية عالية.
إتخذت المخابرات كل الترتيبات اللازمة ليصبح مواطناً أمريكياً وخصصت له راتباً شهرياً خمسة آلاف دولار وهو ما وفر له حياة سهلة مريحة خاصة أنه غير مقيد بأي شروط .. وكان سعيداً لأنه كان علي متن قطار المخابرات السريع للكسب غير المتعب.
لكن فجأة , وضعته المخابرات في مقدمة الصفوف الخفية لتنفيذ مهمة تبدو متنافرة كل التنافر مع المصالح الأمريكية .. وتطلب الأمر من ضابط المخابرات المكلف بملفه قوة إقناع هائلة ليجعله يمضي قدماً نحو عملية مارقة وشاذة بكل المقاييس.
كان الإسم الكودي للعملية " مرلين " .. حددت مهمة العميل الروسي في تقديم نفسه كعالم عاطل وجشع مستعد ان يبيع روحه قبل ان يبيع اسرار القنبلة الذرية إلي من يعرض أعلي سعر .. ولو وصل إلي الإيرانيين ومعه التصميمات فإنهم سوف يهرعون بها إلي رؤسائهم في طهران.
جري عرض الخطة علي العالم الروسي في فندق فاخر في سان فرانسيسكو .. ولاحظ ضابط المخابرات بأن عميلهم بادي العصبية .. فحاول التقليل من اهمية ما سيفعل ... وقالوا له إنهم يقومون بهذه العملية فقط لتحديد النقطة التي وصل إليها الإيرانيون في برنامجهم النووي .. وأضافوا إنها مسعي إلي جمع معلومات مخابراتية وليست محاولة غير مشروعة لإهداء الإيرانيين ما تبقي من أسرار القنبلة النووية .. بل أوحوا له أن الإيرانيين يملكون بالفعل التكنولوجيا التي يعتزم تسليمها إليهم .. فالأمر كله لعبة .. لاشئ فيها خطر
لكن العالم الروسي الذي وافق علي مضض ظل مرتاباً في دوافع المخابرات .. وكانت خشيته نابعة من معرفته بقيمة المعلومات التي سيسلمها إلي الإيرانيين .. فهو عالم ومهندس سابق في " أرزماس-16 " المركز الرئيسي لبرنامج الأسلحة النووية للإتحاد السوفيتي وهناك صنعت أول قنبلة ذرية وأول قنبلة هيدروجينية , وسبق أن عمل هناك نحو 30 ألف عالم نووي قبل ان يغير الرئيس الروسي بوريس يلتسين اسم المركز إلي ساروف
وقبل أن ينتشر العلماء السوفيت وهم يحملون الأسرار النووية عارضين بيعها لمن يدفع الثمن ..
وهو ما دفع عضوين في الكونجرس وهما سام نان وريتشارد لوجر إلي تمرير قانون أمريكي تشتري بمقتضاه الحكومة الأمريكية العلماء والأسرار والمواد والأسلحة النووية السوفيتية مهما كان الثمن.
تحت إلحاح ضابط العملية راح العالم الروسي يبعث برسائل إلكترونية إلي البعثة الإيرانية لدي وكالة الطاقة الذرية في فيينا تفيد أن بحوزته معلومات مغرية لهم .. كما بدأ في مخالطة عملاء الذرة الأمريكيين من أصل إيراني في مؤتمرات متخصصة .. كان يريد أن يلفت النظر بأنه بائع أسرار نووية .. ومستعد لتوصيل الطلبات إلي المنازل .. وما ضاعف من اهميته كطعم ان روسيا وقعت عقداً مع إيران قيمته 800 مليون دولار لبناء مفاعل نووي يعمل بالماء الخفيف في منطقة بوشهر .. كما ان روسيا كانت تنظر دائماً إلي إيران بإعتبارها زبوناً يتوق إلي إمتلاك سلاح روسي نووي وليس بإعتباره مصدراً لتهديد استراتيجي متعاظم في الشرق الأوسط .. وهو ما خلق مناخاً طبيعياً لقبول العالم الروسي الباحث عن زبون إيراني لبضاعته ..
وفي أحد المؤتمرات وقع علي كنز ثمين عندما إلتقي بعالم فيزيائي كبير من طهران .. كان مدخله المناسب للعملية. عرفت المخابرات ان مسئولاً إيرانياً رفيع المستوي سوف يطير إلي فيينا ويزور البعثة الإيرانية لدي وكالة الطاقة النووية فقررت المخابرات بدء العملية وإرسال العالم الروسي إلي هناك في نفس التوقيت .
في فيينا إستعرض الرجل خياراته مرة اخري وإتخذ قراراً بفتح المظروف الذي يخفي التصميمات النووية ووضع فيه رسالة شخصية منه للإيرانيين .. لم يكن يهمه ما تريد المخابرات الأمريكية .. سوف يضع رهاناته علي النحو الذي يراه مناسباً .. لا جدال ان هناك عيوباً في هذه التصميمات .. ولذلك قرر لفت نظر الإيرانيين إلي تلك الحقيقة في رسالته .. سوف يكتشفون تلك العيوب بأنفسهم بكل تأكيد .. ولو لم يسارع بتنبيههم فلن يعودوا ويتعاملوا معه مرة أخري ..
وفيما بعد سلم ضابط العملية نسخة طبق الأصل من رسالته التي كان نصها :
" دعوني أولاً أن أعرفكم بنفسي , إنني شخص عمل سنوات طويلة في مجال الصناعة النووية وأود أن أخبركم بمعلومات ثمينة جداً حول تصميمات سلاح ذري . وفي حوزتي هذه المرة وصف لواحد من المكونات الأساسية للنظام الحديث ( ت ب أ - 480 ) ذي الكتلة الأتوماتيكية الحساسة ... والجهاز الموصوف يعرف بكوبس النار الذي يشغل في وقت واحد جميع صواعق التفجير في نواة الرأس النووي ( الشحنة الكروية ) .. وأنا علي يقين من أن أجهزة أخري سوف تكون في متناولكم لمراجعتها في المستقبل.
لم أتصل بالأشخاص المعنيين في بلادكم , لانني لم أتمكن من العثور عليهم للأسف .. طبعاً حاولت وبطرق عديدة أخري ان الفت الإنتباه إلي هذه المعلومة لكن من دون جدوي .. ثمة سوء فهم كلي هنا .. وبالتالي إضاعة للوقت .. وخيبة للأمل .. لذا قررت ان اعرض هذه المعلومات الأساسية والثمينة من دون مقابل الآن وبإمكانكم أن تقدروا ذلك بأنفسكم.
ما الغرض من عرضي ؟! .. اذا حاولتم صنع جهاز مماثل فلابد من طرح بعض الأسئلة العملية .. ما من مشكلة علي الإطلاق .. سوف تحصلون علي الإجابات .. إنما أتوقع أن أتقاضي ثمناً لها .. فدعونا نتحدث في التفاصيل لاحقاً عندما أري إهتماماً حقيقياً منكم بالموضوع.
والآن خذوا وقتكم لدراسة الوثائق الموجودة في المظروف .. وستجدون في الصفحة التالية من الرسالة طريقة الإتصال بي.
كان الرجل في رسالته يحذر الإيرانيين وبأكبر قدر ممكن من الإحتراس من وجود عيب ما في مكان ما من التصميمات ويلفت نظرهم إلي إمكان مساعدتهم علي إكتشافه .. وفي الوقت نفسه كان ماضياً في تنفيذ مهمة المخابرات الأمريكية بالطريقة الوحيدة التي يظن انها قابلة للنجاح
دس رسالته في المظروف مع التصميمات وأعاد غلقه من جديد . وبعد نهار قضاه في الطواف رجع إلي فندق قريب من " شتاد بارك " .. أكبر حدائق المدينة وفي تلك الليلة نام وهو عازم علي تنفيذ المهمة في اليوم التالي.
وفي الساعة الثامنة صباحاً وجد العنوان ( 19 شارع هاينش ) وكان مبنياً من خمسة طوابق ومؤلفاً من وحدات سكنية , ذا واجهه مطلية باللونين الأخضر والبيج الباهت في ضاحية متواضعة نوعاً ما تقع في ضواحي العاصمة .. كان الشارع مكتظاً بمحلات بيع التبغ والبارات والمقاهي .. ولم يكن بالمبني ما يدل علي وجود الإيرانيين فيه .. فكل ما عليه حرفان هما الراء والواو .. بجانب كلمة إيران
ما ان إقترب من المبني حتي راحت ضربات قلبه تدق علي صدره بقوة .. لكنها سرعان ما هدأت بعد ان علم ان المكتب مغلق في هذا اليوم لسبب غير معلوم .. وراح الرجل يكمل يومه في التسكع .. وفي المساء عاد لفندقه لينام.
وفي صباح اليوم التالي, عاد إلي المقر الإيراني ليجد ساعي بريد نمساوياً يفتح الباب ويلقي بالبريد في الصناديق المخصصة لكل ساكن .. فقرر ان يحذو حذوه بعد أن غادرته الشجاعة .. فانسل داخلاً وأسقط علي عجل المظروف الذي يحمله في ثقب الباب الداخلي للمكتب الإيراني .. وطار عائداً إلي بلاده.
بعد بضعة أيام أفادت وكالة الأمن القومي الأمريكي ان مسئولاً إيرانياً في فيينا غير جدول أعماله وعاد إلي طهران .. وهو ما يعني ان التصميمات أصبحت الآن في طهران.
وفي الوقت نفسه , كرر العالم الروسي مخاوفه بشأن العملية .. فهو في النهاية واجهه لما يمكن ان تعد اكثر العمليات طيشاً وتهوراً في تاريخ المخابرات الأمريكية .. فهي مهما كانت المبررات عملية من شأنها أن تساهم في وضع السلاح النووي في يد عضو أصيل فيمن أسماهم بوش : محور الشر
لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية منزعجة من البرنامج النووي الإيراني وتريد بشتي الطرق إيقافه أو تعطيله .. خاصة بعد أن توقعت ان تصل إيران إلي القنبلة النووية في فترة ما بين خمس وعشر سنوات ..
فكانت عملية مرلين في تصورها عملية مناسبة لإختراق البرنامج النووي الإيراني وتسلل عالم روسي جاسوس إليه لمعرفة ما يجري في داخله .. كما ان هذه العملية كان لها هدف آخر هو تضليل الخبراء الإيرانيين وتوجيههم في طريق خاطئ .. فما ان يتسلموا التصميمات الخاطئة ويدرسونها حتي يشرعوا في بناء قنبلة نووية تشوبها أخطاء وعيوب .. وستصاب طهران بدهشة عندما يحاول علماؤها تفجير قنبلتهم الجديدة .. فعوضاً عن تصاعد السحابة التي تشبه فطر عش الغراب .. سيشاهدون فشلاً مخيباً للآمال .. وبالتالي سيصاب برنامجهم النووي بنكسة مخزية .. ويتأخر حصولهم علي السلاح النووي سنوات أخري.
وفي غضون ذلك سيتسني للمخابرات الأمريكية ان تحصل علي معلومات تخفيها إيران بطريقة يصعب إختراقها. وقد حازت الخطة موافقة بيل كلينتون وجورج بوش علي أمل تكرارها مع كوريا الشمالية ودول أخري خطرة .. وبالفعل حصلت المخابرات الأمريكية علي التصميمات المطلوبة وطلبت من عملائها زرع عيوب فيها تكون ذكية جداً ومخفية بحيث لا يقدر احد إكتشافها .. حتي العميل الروسي الذي سيحملها إلي الإيرانيين .. لكن الخطة كالعادة لم تسر كما رسمت .. فقد كشف العميل الروسي العيوب والأخطاء بسهولة .. كما ان المخابرات الأمريكية لم تضع ضوابط علي التصميمات الخطرة .. ولم تحسب حساب براعة العلماء الإيرانيين انفسهم في كشف العيوب المدسوسة والإستفادة من المعلومات الهامة التي تقدمها التصميمات .. وهو ما حدث بالفعل .. فقد وفرت العملية علي العلماء الإيرانيين خمس سنوات علي الأقل من برنامج سلاحهم النووي .. ففور ان إكتشفوا عيوب التصميمات سارعوا بتصحيحها والإستفادة منها .. وبالتالي تكون وكالة المخابرات المركزية أعانت طهران علي الإنضمام إلي النادي النووي ..
وبعد هذه التفاصيل السرية المثيرة والمذهلة التي نُشِرت في الولايات المتحدة دون تكذيب ....