شريف الفيلالي سقط في فخ الموساد !

يحي الشاعر

كبير المؤرخين العسكريين
عضو مميز
إنضم
2 فبراير 2008
المشاركات
1,560
التفاعل
98 0 0
شريف الفيلالي سقط في فخ الموساد !




منقول من جريدة الوسط



د يحي الشاعر

شريف الفيلالي سقط في فخ الموساد !
spacer.gif
p_comment_06.gif
spacer.gif
13 مارس 2008 - 03:23 مساء
28152bg.jpg
الحلقة الثامنة من كتاب " حرب الجواسيس في القرن الـ21"
بقلم الكاتب الصحفي الكبير/ مجدي كامل.

حا أقول.. كل حاجة.. حا اعترف !!
أنا شاب مصري من أسرة عادية، تعلمت في المدارس المصرية، أبي كان يعمل طوال عمره في مجال البنوك، وأمي سيدة مصرية مثل أي ربة بيت عادية لاتعمل، لم يكن لي سوي أخت تصغرني بسبع سنوات .
في البداية كانت أسرتي تعيش في شقة بحي الزيتون، ثم حصل أبي علي عقد عمل في أحد البنوك بالمملكة العربية السعودية، وهذا ما مكننا من شراء شقة جديدة هي التي تعيش فيها أسرتي حتي اليوم أذكر أننا اشترينا هذه الشقة في نفس السنة التي التحقت فيها بكلية الهندسة بجامعة عين شمس، وبعد خمس سنوات بالتمام تخرجت في كلية الهندسة بتقدير عام جيد .
وفي هذه الفترة كان والدي يقيم بمفرده في السعودية بينما كنت وأمي وأختي في مصر.. وبعد التخرج بدأت رحلة البحث عن عمل.. لكني كنت كلما تقدمت بطلب للعمل في أي شركة أجنبية كانوا يرفضون طلبي، لانهم كانوا يفضلون خريجي الجامعة الامريكية، كنا في ذلك الوقت في بداية سنة1989 .

وكان لي خال يعمل مديرا لادارة الزراعة في مدينة العبور، وعندما عرف أنني أبحث عن عمل، تمكن من أن يحصل لي علي وظيفة في ادارة التعاونيات بجهاز مدينة العبور، كمهندس اشرافي من طرف الحكومة، وبدأت العمل فعلا وظللت فيه حوالي 8 أشهر.
لكني بصراحة كنت أشعر بالضيق والتبرم.. هذا العمل الحكومي لم يكن سيحقق طموحاتي.. ولم أجد نفسي فيه يوما.. ناهيك عن ضعف المرتب، وتدهورت حالتي النفسية، وكنت أنام وأحلم بأنني هربت من هذا كله وسافرت للخارج، وكانت المانيا دائما في خيالي، لماذا لأنني أثناء إحدي اجازات الصيف في الكلية كنت قد سافرت إليها كان لي صديق اسمه محمد، وفكر والده في أن يرفه عنه، وكان يعلم أننا لانفترق فقام بتدبير رحلة سياحية لنا إلي ألمانيا، ولم أدفع مليما واحدا من ثمن تذاكر السفر أو الفنادق التي عشنا فيها في ألمانيا.


يتنهد الجاسوس الشاب وهو يتذكر: هناك أنبهرت بألمانيا وباسلوب الحياة الاوربي، هذه الحياة الرائعة والثقافة والرقي.. وعدت من الرحلة لكن المانيا ظلت دائما. في خيالي وظل حلم العودة إليها لايفارقني.. وذات يوم ذهبت إلي أبن عمي.. وهو مهندس حاصل علي درجة الدكتوراه ويعمل في مركز مرموق بوزارة الزراعة.. وقلت له: أريد أن أستكمل دراستي العليا في ألمانيا.. هل يمكن أن تساعدني؟
وقال لي: هناك جامعات ألمانية كثيرة.. وسوف أعطيك رقم تليفون الملحق الثقافي في سفارة ألمانيا بالقاهرة وهو سوف يعطيك اسماء هذه الجامعات وعناوينها، ويمكنك أن تراسلها، ربما توافق احدي هذه الجامعات علي إعطائك منحة للدراسة بها..

وقابلت الملحق الثقافي الالماني وأعطاني أسماء وعناوين الجامعات الالمانية، وبدأت بالفعل في مراسلة هذه الجامعات، لكن اليأس كان يتولاني كلما وصلني الرد نأسف.. لعدم الموافقة علي طلبك منحة..!




وصباح يوم الإجازة انطلقت مع 'إيمانويل'.. وفوجئت بها تقودني إلي شقة أحد أصدقائها قالت إنه عازف كمان ، وبمجرد أن دخلت الشقة حتي توقفت مذهولا عندما شاهدت علم إسرائيل معلقا على الحائط !!
01_alf.jpg
وكنت أعلم أنهم يرفضون طلبي ،بسبب زيادة عدد الطلاب المصريين الذين يدرسون بالجامعات الالمانية في ذلك الوقت، وأنه لاحل أمامي سوي أن أسافر بنفسي إلي ألمانيا، وأتعلم اللغة الالمانية أولا، ثم أحاول بعد ذلك الالتحاق بأي جامعة ألمانية.
وفاتحت أبي في الموضوع.
فقال لي: أنا ما عنديش مانع يا ابني.. وأنت عارف أي حاجة في مصلحتك حا أعملها.. توكل علي الله.. وبدأت أراسل معهد جوتة لتعليم اللغة الالمانية في ألمانيا..
وجاءني الرد بأن 'الكورس' الواحد هناك بالاضافة إلي السكن يتكلف حوالي 4 الاف جنيه، ويستغرق هذا 'الكورس' حوالي الشهرين، وبدأت اتخاذ إجراءات السفر، ومنها الحصول علي شهادة بإيداعات أبي في البنوك وذلك لكي أحصل علي تأشيرة دخول ألمانيا.
وفي شهر مارس 1990 حصلت علي تأشيرة دخول ألمانيا. وأسرعت أبلغ الخبر بالتليفون لابي، الذي كان لايزال في السعودية، لكن والدتي وأختي ذهبتا للإقامة معه.

قلت له : بارك لي يابابا.. معهد جوتة قبلني وأنا خلصت إجراءات السفر..
قال لي أبي: مبروك.. لكن لاتسافر إلي ألمانيا مباشرة.. تعال عندي في السعودية أولا، تعمل عمرة عشان ربنا يبارك لك في سفرك وفعلا سافرت أديت العمرة.. وعدت إلي مصر في نفس الشهر، ثم ركبت الطائرة متوجها إلي ألمانيا، بالتحديد كان ذلك يوم أول مايو سنة 1990، واتجهت إلي مدينة 'مورناد' في جنوب ميونيخ حيث مكان المعهد، وكان والدي قد سدد لي ثمن 'كورسين' بالمعهد، كما أعطاني مبلغا لابأس به لمصروفاتي الشخصية، تقريبا حوالي 2000 مارك ألماني..
وبدأت الدراسة في معهد جوتة بألمانيا.. وسكنت في حجرة مشتركة تابعة لسكن المعهد، وكان رفيقي في الحجرة شابا تركيا اسمه حسن، أما في الحجرة المجاورة فقد تعرفت علي شاب فلسطيني من غزة، وهو شخصية استفزازية وكان دائما يدعي الفقر، مع أنه كان يتلقي نقودا كثيرة من سويسرا، حتي أننا شككنا في أنه.. يعمل مع الموساد..!

وسارت أموري علي ما يرام.وبسرعة انتهت مدة الدراسة التي استغرقت 4 شهور، وكانت نقودي قد نفدت، فاتصلت بوالدي لابلغه بذلك وبرغبتي في استكمال دراسة اللغة الالمانية، من خلال الكورس الثالث الذي سيؤهلني للدراسة بالجامعات الالمانية، وبدلا من أن يرسل لي نقودا حضر إلي أبي وأمي في زيارة بألمانيا، وسدد لي مصروفات 'الكورس' الثالث، ثم غادر مع أمي ألمانيا..
وبدأت دراسة 'الكورس' الأخير.. لكن ذات يوم حدث شيء. اقتربت مني احدي زميلاتي بالمعهد.. وهي سويسرية تدعي 'إيمانويل'. كنت ألاحظ أنها تحاول التقرب مني، وقدمت نفسها لي وتعارفنا. وسألتني إيمانويل ببساطة: تحب تقضي اجازة نهاية الاسبوع معي؟
سألتها: أين؟

قالت: في ميونيخ.. ورغم أنني كنت أعلم أنه لايوجد لديها سكن في ميونيخ إلا أنني وافقت، أنا في الحقيقة خلال 3 شهور كنت قد تغيرت دون أن أشعر، لم أعد نفس الشاب الملتزم الذي يعرفه الأهل والجيران في مصر، خلاص أنا عايش في أوروبا، تعودت علي السهر في الحفلات مع البنات، وبدأت أشرب البيرة، كل شيء لم أكن أفعله في مصر أصبح الآن.. مباحا.
وصباح يوم الاجازة انطلقت مع 'إيمانويل'.. وفوجئت بها تقودني إلي شقة أحد أصدقائها قالت انه عازف كمان، وبمجرد أن دخلت الشقة حتي توقفت مذهولا عندما شاهدت علم اسرائيل معلقا علي الحائط.

سألتها: ما علاقتك بإسرائيل يا إيمانويل؟
هزت كتفيها قائلة: أنا سويسرية لكني يهودية.. إنت ما تعرفش؟!

وبدأت ايمانويل تحدثني عن السلام بين مصر وإسرائيل، وقالت ان اليهود والعرب 'أولاد عم' وان السلام لابد أن يعم المنطقة في النهاية.
والحقيقة انني لم أعط هذا الحديث أي اهتمام. كنت مهتما بشيء آخر لكني بعد تلك الواقعة بدأت آخذ حرصي من إيمانويل السويسرية اليهودية!
وانتهت دراستي للغة الالمانية.. ورغم أن والدتي كانت ترسل لي نقودا كل فترة، إلا أنها لم تكن تكفي.. وكان لابد لي من البحث عن عمل، وسافرت إلي مدينة شتوتجارت الصناعية بحثا عن هذا العمل، ووجدت وظيفة في شركة مرسيدس بأجر يومي وسرعان ما تركتها لاعمل كمساعد كهربائي في فندق شتوتجارت. وكنت لا أزال أسكن وحدي في غرفة تابعة لسكن الجامعة. كان ايجارها 450 ماركاً شهرياً وهو ايجار مرتفع بالنسبة لي .


كان والدي قد ترك العمل في البنك في السعودية. وعاد ليستقر مع الاسرة في مصر، واتصل بي ليبلغني أنه لن يستطيع بعد الآن أن يرسل لي المزيد من النقود.. وأيضا قبل أن يغادر السعودية نهائيا طلب مني أن أطير إلي السعودية لأداء العمرة، وسافرت له فعلا وأديت العمرة. ومكثت عنده حوالي شهر، ثم عدت إلي ألمانيا مرة أخري لاستكمال دراستي في جامعة شتوتجارت.
وكان لابد لي من العثور علي عمل جديد . كنت قد تعرفت علي شاب مصري اسمه عوني كان صديقا لمصري آخر من بورسعيد اسمه أشرف يعمل معيدا في قسم هندسة المرور بجامعة شتوتجارت. وعرض علي عوني أن أعمل مساعدا لاشرف مقابل 800 مارك شهريا. كنت أدفع منها 450 ماركاً للحجرة التي كنت أقيم بها. وأما أشرف هذا فقد كان شخصية غريبة بالفعل!
بالرغم من أنه مصري لكنه كان حاقدا علي مصر والمصريين بشكل فظيع، كان دائما يحاول تسفيه المصريين أمام الالمان، وكان دائما يردد أن مصر بلد متخلف. وأن جميع الشهادات الجامعية في مصر لاتزيد قيمتها عن ثمن الورق الذي كتبت عليه!
ولم أكن أستطيع مجادلة هذا الشخص الحاقد!

وبصراحة.. لأني كنت محتاجا لوظيفتي كمساعد له، وهو أيضا كان يعلم ظروفي المادية الصعبة. وفي أحد الأيام قال لي: لماذا لاتنضم إلي حزب الليبراليين الصغار F.D.P هنا في ألمانيا؟ .. سألته: وماذا سأستفيد من ذلك؟
قال: انضمامك لهذا الحزب سوف يعطيك فرصة هائلة للحصول علي منحة دراسة مجانية في جامعة شتوتجارت. قلت لنفسي: وماله!





المصريين بطبيعتهم بيكرهوا اليهود. ومهما حصل من اتفاق سلام بين مصر واسرائيل سيظل حاجز الكراهية النفسي.. وأي مصري بيسافر اسرائيل يعتبره المصريون شخصا مشبوها.
02_alf.jpg
وفعلا تقدمت بطلب للالتحاق بهذا الحزب الذي يعد وسطا بين أحزاب اليمين واليسار في ألمانيا، وبينما كنت أقدم الطلب تعرفت علي شابين مصريين كانا أيضا يريدان الانضمام للحزب بحثا عن المنحة الجامعية! الأول اسمه 'سعيد' وهو شاب لديه خلفية عن الحياة السياسية في مصر. وكان عضوا في حزب العمل المصري. والثاني اسمه 'عواد' وهو من أرض النعام بعين شمس.
وحضرت اجتماعا للتعارف في الحزب. ثم بدأت أحضر الاجتماعات العادية، وبدأوا يسألونني بوصفي مصريا عن مصر، وعن ظروفها السياسية وأحزابها، وكنت أرد عليهم بأن لدينا في مصر الحزب الوطني وحزب الوفد الذي كنت أتصور وقتها أنه يساوي حزب الليبراليين الالمان الذي انضممت إليه كما سألوني عن عملية السلام بين مصر وإسرائيل.
وسألوني : ما هو تأثير عملية السلام علي الشعب المصري؟.. هل يتقبل الشعب المصري اتفاقية السلام مع اسرائيل؟.. وما هو مدي استعداد للمصريين للتطبيع مع إسرائيل؟ .. وكنت أرد عليهم : أصلا المصريين بطبيعتهم بيكرهوا اليهود. ومهما حصل من اتفاق سلام بين مصر واسرائيل سيظل حاجز الكراهية النفسي.. وأي مصري بيسافر اسرائيل يعتبره المصريون شخصا مشبوها .. فكانوا يقولون لي:عدم تطبيع العلاقات بين مصر واسرائيل يعتبر نوعا من انواع الهروب من المصريين. هذا يعد من جانب المصريين.. عدم ثقة في الاسرائيليين!
لكن أغرب سؤال وجهوه لي كان: هل لو قام الحزب بعمل زيارة لاسرائيل.. توافق علي الذهاب إلي هناك.. وهل لوزرنا الكنيست تقدر تقف في نفس المكان الذي وقف فيه أنورالسادات؟!

واعترف.. بأن هذه الأسئلة صدمتني، لكني أعترف أيضا بأنني قبلت هذه الاسئلة.
بل وجدت نفسي أقول لهم: أنا موافق.. لاني بطبيعتي عندي الرغبة في التعرف علي أي جديد. وأعترف أيضا بأنهم عرضوا الفكرة نفسها علي الشاب المصري 'سعيد'.. لكنه رفض تماما!
وانتظرت أياما حتي يعلنوني بموعد الزيارة لاسرائيل ، لكني فوجئت أنهم يبلغونني بأن اسمي لم ينزل ضمن كشف أعضاء الحزب الذين سوف يسافرون إلي اسرائيل.

بل إنني بعد شهر من انضمامي للحزب وبعد حضوري حوالي 6 اجتماعات معهم، فوجئت برفض المنحة الجامعية التي التحقت أساسا بالحزب من أجلها. بينما تمت الموافقة لزميلي المصري 'عواد' علي منحته، وقد جعلني هذا أفكر في الابتعاد عن الحزب واجتماعاته.. طالما مافيش فايدة ولامنحة.
لكني في الفترة دي لاحظت حاجة غريبة. ان كل البنات في الحزب كانوا بيميلوا بصورة واضحة لليهود والإسرائيليين!
لكن بقيت مشكلتي الكبيرة: الإقامة في ألمانيا!
وكان لابد لي من ايجاد أي وسيلة للحصول علي إقامة دائمة في ألمانيا، وهو الشيء الذي لم يكن سيحدث إلا بوسيلة وحيدة، وهي أن اتعرف علي أية أمرأة ألمانية وأتزوجها. دي الفكرة اللي كانت عند معظم المصريين في ألمانيا!


أما أنا.. فكانت لي خطتي .. كان تركيزي كله هو العثور علي أمرأة ألمانية 'كبيرة في السن' ولايكون عندها رغبة ولاقدرة علي الإنجاب، حتي أتزوجها بدون أن يكون لي بعد ذلك 'أي ذيول' في ألمانيا.. واحدة كبيرة في السن تعطيني الإقامة القانونية. وما فيش مانع إنها تساعدني علي ظروفي المادية الصعبة!
وقابلت.. 'دوريس فانكلير'! .. وكان فيها كل المواصفات التي أبحث عنها 'كانت مطلقة ألمانية في السادسة والاربعين من عمرها عندها طفل في التاسعة، وكانت تعمل كسكرتيرة في معهد دراسات التربة والطرق التابع لجامعة شتوتجارت.
ولاحظت في البداية أنها معجبة بي.. بل أنها عرضت علي وظيفة في المعهد، أفضل كثيرا في المرتب من وظيفتي كمساعد 'لأشرف' في الجامعة. كانت دوريس متيسرة ماديا. وتوطدت علاقتي بها بسرعة وبشدة. حتي أصبحنا بعد أيام نعيش وكأننا.. زوجان!وعندما فكرت في قضاء أجازة سريعة في مصر.. طلبت من دوريس أن تأتي إلي مصر بعد وصولي إليها وأقامت معي في شقة كنت أملكها بطريق مطار القاهرة، وقضت دوريس معي في مصر أسبوعين، زرنا خلالها سيناء ودير سانت كاترين ووادي الراحة.

لكني لاحظت شيئا غريبا!
كانت دوريس في كل الأماكن التي ذهبت إليها، حريصة علي تصوير كل المواقع طوال الوقت كانت الكاميرا في يدها وتقوم بالتصوير!
وعدنا إلي ألمانيا.. وفاتحتها في رغبتي بالزواج منها.. لكني فوجئت بها تقول: موافقة.. بشرط واحد!

سألتها: ما هو؟
قالت: أن تترك ديانتك الإسلامية.. وتصبح مسيحيا!

ورفضت هذا الشرط. لكن صلتي بدوريس لم تنقطع. كنا نتصل تليفونيا. وأحيانا كنت أزورها في عطلة نهاية الأسبوع.
ثم كانت.. الالمانية الثانية في حياتي! .. آنا روزا فوجل..
كنت أتجول في الشارع يوم اجازتي.. وتوقفت لأرتاح قليلا في 'شلوت بلاتس' أو ميدان القصر.. عندما لمحتها!
شابة ألمانية رائعة الجمال..نظرت في اتجاهها.. ووجدت نفسي ابتسم لها.


وفوجئت بها تبتسم. ولم أتردد.. سرت نحوها وعرفتها بنفسي.. وبسرعة تعرفت عليها كانت في الرابعة والثلاثين من عمرها. موظفة في شركة لوفتهانزا، ولأول مرة في حياتي أشعر أنني أحب 'من أول نظرة'! وعشت أجمل شهرين مع آنا.. لكن فجأة حدث ما لم يكن يخطر لي علي بال.. فجأة أصيبت آنا بحالة نفسية لا أعرف لها سببا. حالة اكتئاب واحباط جعلتها تعزف عن الحياة، وعني، حتي أنها قدمت استقالتها من عملها، وأختفت!
وكانت صدمة كبيرة لي.. فجأة وجدت نفسي أنا الآخر في حالة اكتئاب، لاني اكتشفت أنني بالفعل كنت أحبها.





واجهني مصطفي بانه اكتشف أمر علاقتي مع إيرينا.. وأشار لي نحو باب الشقة. وطردني قائلا: اطلع بره بيتي!

03_alf.jpg
وفكرت في أن أترك عملي.. بل وأترك مدينة شتوتجارت كلها. وهو ما حدث.. بالفعل!
كنا في نهاية عام 1994وقررت الانتقال إلي مدينة 'ديرم شتات' التي تبعد حوالي 40 كيلومترا عن فرانكفورت، وقررت أن أنقل أوراقي إلي جامعتها، وكنت قبلها أعمل في مصنع مناشير واستطعت ادخار حوالي 5 آلاف مارك.. لابدأ حياتي من جديد في فرانكفورت.
وكنت أعرف شابا مصريا يدعي 'مصطفي درويش' يقيم في فرانكفورت، تعرفت عليه في شتوتجارت، وهو شاب من مدينة نصر، وكان يدرس السياسة والاعلام في جامعة فرانكفورت.

وكان مصطفي درويش يقيم في شقة صغيرة.. أقرب إلي ما يطلقون عليه في الغرب اسم 'الاستديو' في منطقة تدعي 'فوجل سايل'، وعرض علي مصطفي أن أقيم معه في شقته. كنت قد اشتريت سيارة مرسيدس موديل قديم بمبلغ 800 مارك.. وخلال إقامتي مع مصطفي لاحظت انه ينفق ببذخ، وأن كثيرا من الفتيات الالمانيات يترددن عليه في شقته. ومن بين هؤلاء تعرفت علي .. 'إيرينا'!
كانت ' إيرينا ' ألمانية جميلة.. لايمكن لاحد ان يكتشف انها في الخمسين من عمرها!

وعرفت أنها تدرس اللغة العبرية في جامعة فرانكفورت ومن خلال ترددها علي شقة مصطفي بدأت تتقرب مني، وعندما عرفت انني أبحث عن سكن، وانني ضيف علي مصطفى . عرضت علي أيضا أن تساعدني في البحث عن عمل! .. ولم تكن 'إيرينا' تتقرب مني.. من طرف واحد!
أنا أيضا بصراحة كنت أتقرب إليها.. في تلك الفترة كان عندي استعداد لأي حاجة'.. لأنني كنت لتوي خارجا من التجربة العاطفية الفاشلة مع 'آنا فوجل'.. وكل جراحي في حاجة إلي تضميد؟ وتوطدت علاقتي 'بإيرينا'.
وبدأت تعطيني نقودا.. مرة 600 مارك ومرة أخري ألف مارك، لم أكن أطلب منها لكنها هي التي كانت تعرض علي النقود، ومن ناحيتي لم أكن أعترض، كنت أعيش حالة بوهيمية غريبة، ولا أستطيع التركيز في شيء محدد وكنت بدأت أدمن تعاطي الخمور بشدة .
وأدمنت شيئا آخر.. ' فراش إيرينا '. ولم يستغرق مصطفي وقتا طويلا حتي اكتشف سر علاقتي بصديقته إيرينا، وانتابته ثورة غضب هائلة. رغم انه وقتها كان علي علاقة شديدة بامرأة اسبانية!


وفي يوم.. واجهني مصطفي بانه اكتشف أمر علاقتي مع إيرينا.. وأشار لي نحو باب الشقة. وطردني قائلا: اطلع بره بيتي!
وجدت نفسي مطرودا في الشارع.. وأسرعت نحو أقرب كشك تليفون لاتصل بإيرينا، لكني صدمت عندما اكتشفت أن تليفونها المحمول مغلق، ولم أكن أعرف لها تليفونا آخر.
وعدت لأطلبها وأطلبها من جديد.. ولكن لافائدة.. التليفون مغلق!

ولم يكن أمامي سوي أن أقضي الليلة نائما داخل سيارتي! ومضت أربعة أيام.. علي نفس الحال. وفي اليوم الخامس.. رد تليفون إيرينا. قلت لها: إيرينا.. الحقيني.. مصطفي عرف حكايتنا وطردني من شقته!

ردت قائلة: ولايهمك.. مافيش مشكلة.. إنت فين دلوقت؟
وأسرعت إيرينا لتقابلني. وقالت لي إنها بسرعة دبرت أمر استئجار شقة في منطقة مانيس.. القريبة من فرانكفورت بإيجار شهري 850 مارك.
قلت لها: بس ده إيجار غالي.. وإنتي عارفة أنا لسه ما اشتغلتش؟
قالت: ولايهمك.. أنا حادفع ايجار الشقة.
سألتها: والشغل؟
قالت: ولايكون عندك هم.. سوف أحصل لك علي وظيفة في شركة كبيرة اسمها شركة 'لامير انترناشيونال'.. ودي شركة ألمانية عالمية متخصصة في الإنشاءات، ولها أعمال في معظم بلاد العالم.
وصدقت إيرينا وعدها.

انتقلت إلي الشقة التي أستأجرتها لي.. وبعد أيام عرفتني بمن يدعي 'سلوك جيان' الذي يعمل مديرا لقسم عمليات الشرق الأوسط في الشركة.
وكان 'سلوك' رجلا أرمني الأصل يقول عن نفسه إنه لبناني في الأربعينيات من عمره..

وأجري لي مقابلة شخصية قبل بداية العمل.
وسألني: أنت مقيد في السفارة المصرية في ألمانيا؟
قلت له: أيوه.
سألني: لماذا؟
قلت له: أبي نصحني بذلك.. حتي إذا ضاع مني جواز سفري يمكن للسفارة أن تستخرج لي جوازا آخر بسهولة لأن اسمي عندهم.
فوجئت به يسألني: بتشتغل مع أي منظمة عربية؟
قلت: لا.
سألني: بتشتغل مع أي جهاز مخابرات عربي.. بتشتغل مع جهاز المخابرات المصري؟
قلت بدهشة: لا أنا مابشتغلش مع أي جهاز مخابرات.
قال لي: اسمع.. شركتنا عندها 'جهاز تحري' قوي.. ولو اكتشفنا أنك بتعمل مع أي جهاز مخابرات تأكد أن الشركة حاتعرف ويكون لها تصرف معاك. عدت لأؤكد له أنني لا أعمل لصالح أي جهاز مخابرات. وحصلت علي الوظيفة.. بعد ذلك!




وعندما فتحت ملف مصر.. وجدت رؤوس موضوعات عن مناقصات خاصة بمشروع مترو الأنفاق.. وذهلت..عثرت علي إحصائيات كثيرة عن مصر.

04_alf.jpg
وكانت وظيفتي: مساعد سلوك جيان نفسه! .. لم يكن سلوك يتحدث سوي اللغة الفرنسية، وكان محتاجا لشخص يعرف الألمانية والعربية، لأنه كان يحتفظ في مكتبه بملفات لجميع الدول التي تتعامل معها الشركة، ومنها دول عربية وافريقية وكانت وظيفتي أن أقرأ أي ورقة أو مستند يصل إلي مكتبه، ثم أحدد إلي أي ملف سوف توضع هذه الورقة أو المستند حسب الدولة المتعلقة بها. ولاحظت شيئين غريبين علي 'سلوك جيان'!
الشيء الأول أنه كان في حديثه عن مصر دائما نوع من أنواع التهكم والسخرية.

وكان يقول لي: عارف إن الملكة كليوباترا اللي المصريين بيفخروا بيها.. دي أصلها أرمني.. وعارف نوبار باشا أول رئيس وزراء محترم في مصر.. كان أصله أرمني!
أما الشيء الثاني فهو.. حرصه الشديد!
لدرجة أنه كان يمنع دخول أي شخص بالشركة إلي مكتبه وهو غير موجود فيه. وفيما بعد وبعد أن وثق في كان يتركني بمفردي في مكتبه. وكانت طبيعة عمله تفرض. أن يسافر إلي دول عربية كثيرة للتمهيد لعقد الصفقات مع الشركة. وكانت فترات زيارته للدول العربية.. فرصة لي!

كنت أغلق باب المكتب.. وأطلع علي الملفات الهامة التي لم يكن مسموحا لأحد سوي 'سلوك' نفسه الاطلاع عليها.
ومن هذه الملفات.. عرفت الكثير..عرفت مثلا أن شركتنا هي التي قامت قبل حرب الخليج الاولي بين العراق وايران ببناء مخابيء سرية اسمنتية ودشم لقواعد الصواريخ والمدرعات في العراق.. واطلعت علي ملف اسرائيل وعرفت أن الشركة تعاقدت مع اسرائيل علي عملية مطار وادي عربة في مكان ما بين اسرائيل والاردن..

وعندما فتحت ملف مصر.. وجدت رؤوس موضوعات عن مناقصات خاصة بمشروع مترو الأنفاق.. وذهلت..عثرت علي إحصائيات كثيرة عن مصر.. ودراسة إحصائية عن الدخل القومي المصري من سنة 66 إلي سنة ..1995 ودراسة عن الدين العام المصري، وأوراق مناقصة لتطوير ماكينات بالسد العالي.. لكن ما أذهلني أكثر!
كان عثوري علي تقرير صادر من المخابرات المركزية الامريكية. ويتضمن إحصائيات وجداول خطيرة عن جميع دول العالم، بما فيها مصر، وهذا التقرير صادر سنة 94/1995، ويشمل نواحي كثيرة مثل الدخل القومي ومعدل النمو ونسبة البطالة والتضخم ونسب الذكور والإناث ومعدل الانفاق الحكومي!

معلومات كثيرة ومذهلة.. متأكد أنها تفوق بكثير أية معلومات مشابهة علي الإنترنت!
لم يكن قد مضي علي عملي بالشركة أكثر من 6 شهور. واتضحت لي الصورة، ان سلوك جيان يعتمد في عمله علي جمع أكبر معلومات ممكنة عن كل دولة عربية، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الشعبية. ولابد أن للشركة جهازا استخباريا يجمع كل هذه المعلومات. لكن ياتري ما حجم المصروفات الهائلة التي ينفقونها لجمع هذه المعلومات.. لم أستطع الأجابة علي هذا السؤال!
وسؤال آخر لم أستطيع الاجابة عليه وهو!
هل الشركة نفسها تتبع جهاز مخابرات احدي الدول؟
أو أن 'سلوك جيان' نفسه.. عميل لجهاز مخابرات؟!

لكن المهم أن كل ورقة أو مستند اطلعت عليه أثناء سفر 'سلوك جيان' خارج ألمانيا إلي الدول العربية.. كنت أقوم بتصوير نسخ منه.. ومن هذه المستندات مناقصة مترو الأنفاق..وفيما يعد..قمت بتسليم هذه الصور.. لعميل الموساد .. وهذه قصة أخري !!
نسيت أن أقول.. إنني بعد عملي في الشركة بدأت علاقتي مع إيرينا تتواري شيئا فشيئا.. وكانت قد طلبت مني بعد بداية عملي ألا تعطيني المزيد من النقود.. وكان السبب في ذلك أنني فوجئت بصاحب الشقة التي استأجرتها لي يخبرني أن مبلغ الإيجار الذي حولته إيرينا لحسابه في البنك قد تم سحبه. وهددني صاحب البيت بطردي من الشقة. بل وهددني بالدفع أو أنه سيستأجر بعض البلطجية ليضربوني علقة لن أنساها.. ولم يكن أمامي سوي حل من اثنين إما الدفع.. أو الهروب!

واخترت الحل الثاني.. هربت من الشقة وتركت المفتاح داخلها.. بصراحة في تلك الفترة.. كان ضميري ميتا!
واستأجرت حجرة في سكن تابع لجامعة ديرم شتات. وكنت قد تحولت إلي انسان آخر تماما أصبحت عندي رغبة مجنونة في أن يتم تثبيتي في هذه الشركة. أولا لأنها تتعامل في موضوعات ومعلومات خطيرة جدا. وثانيا لان لها فروعا في جميع أنحاء العالم، وثالثا لأن الشركة عالمية.. ولها 'برستيج' كبير!

وبدأت أحدث 'سلوك جيان' عن رغبتي في التعيين بصفة دائما في الشركة. وفوجئت به يقول لي أحسن فرع ممكن تشتغل فيه بالشركة هو اسرائيل!
سألته: لماذا؟ . . قال: لاسباب كثيرة.. أهمها ان اسرائيل بتخطط أنها تكون صاحبة المركز المالي الاول في الشرق الأوسط، وذلك بإنشاء سوق شرق أوسطية مركزها اسرائيل. علي غرار السوق الاوربية المشتركة، وأيضا لأن شركتنا لها مشاريع في اسرائيل مثل مشروع مطار غزة ومطار وادي عربة.. ولابد أن هذا سيحتاج إلي مهندس من الشركة يجمع بين اللغتين العربية والعبرية..ثم سكت قليلا..وقال لي: لماذا لاتدرس اللغة العبرية ياشريف ؟
وعدت إلي بيتي وقد أستقر عزمي.. اتصلت بايرينا لعلمي بأنها تدرس اللغة العبرية.. ورويت لها ما حدث فشجعتني.. وقالت لي: لماذا لا تلتحق بدورة لتعلم اللغة العبرية في المركز الثقافي الاسرائيلي في فرانكفورت، إن مصاريفه رمزية وستكون مناسبة لك.. ولم أكذب الخبر!
وأسرعت أتقدم إلي المركز الثقافي الاسرائيلي في فرانكفورت لاطلب الالتحاق لدورة تعليم اللغة العبرية. وعندما عرفوا أنني مصري.. رحبوا بي جدا.. جدا.. جدا..!

وقال لي أحدهم وأنا أكتب الطلب: باهر شريف.. إنت دلوقت بتعمل عمل بطولي!
ولم يكن صعبا علي من اللحظة الاولي أن أستنتج أن كل العاملين في المركز الثقافي الاسرائيلي.. من الموساد!
وسرعان ما تعرفت في المعهد علي مدرسة اسرائيلية.. اسمها إستر..وعندما علمت مني أنني أعمل في شركة لها نشاط في اسرائيل.، وإني من الممكن أن أذهب من خلال الشركة للعمل هناك، شجعتني..
وقالت لي: أوعي تتردد.. وسافر اسرائيل لو طلبوا منك علي طول!
بل إنها أعطتني رقم تليفون بيتها في اسرائيل لاتصل بها هناك، إذا حدث أنني ذهبت وكانت هي هناك.. لكن المشكلة كانت! صعوبة اللغة العبرية!

وبصراحة أكثر.. أنا كنت متوقعا ان البنات اللاتي سوف أجدهن يدرسن بالمعهد صغيرات السن.. لكني صدمت عندما وجدت أن معظمهن من اليهوديات الشرقيات، اللاتي يتعلمن العبرية للهجرة إلي اسرائيل.. وان معظمهن.. كبيرات في السن!
في هذه الفترة.. عادت علاقتي بإيرينا!وأخذت تحدثني بصراحة عن الصراع العربي الإسرائيلي.. وبالذات عن مصر.. وسألتني: هل الجيل الحالي في مصر قادر علي دخول حرب مع اسرائيل؟
قلت لها: الاجيال تتغير.. والشباب الآن كل ما يهمه هو الحصول علي لقمة العيش.. ولا أعتقد أنه جيل سيحارب.. لأنه توجد حالة لامبالاة..!

كانت اسارير إيرينا نتفرج كلما حدثتها بهذه الطريقة. ووجدت نفسي أقول لها: تعرفي ياإيرينا.. ياريت دولة أجنبية تحتل مصر.. عشان الناس تفوق!
ابتسمت أكثر..وقالت لي: أنا متأكدة ياشريف ان الشباب المصري عندهم قوة خصوبة وذكورة شديدة، لكن ياعيني موش قدرين يتزوجوا.. إيه رأيك لو اتيحت لهم فرص الزواج من بنات اسرائيليات!
وقبل أن أرد..عادت لتقول ضاحكة: فكرة جنان.. لو حد في اسرائيل فكر يعملها حايكسب ملايين!
لكني فشلت في تعلم العبرية في المركز الثقافي الاسرائيلي فتركته!
واكتفيت بمحاولة تعلمها في البيت.. لكني في النهاية فشلت.. فعدت إلي 'سلوك جيان'.
وقلت له بصراحة أنا موش قادر علي اللغة العبرية.. إيه رأيك لو الشركة تشغلني في مشروع مترو الانفاق في مصر؟
لكني فوجئت به يثور في وجهي.


وبدأ يتحول ضدي بشكل عجيب.. كان هذا في نهاية عام .196وكانت أختي قد أصبحت شابة. وعلمت من أسرتنا أن شابا تقدم للزواج منها وكان لابد أن أعود إلي القاهرة لحضور حفل زواجها.. وعدت.. وقضيت فترة فكرت فيها في عدم العودة إلي ألمانيا. وأن أبحث عن وظيفة في مصر، لكني سرعان ما تركت الفكرة.. وعدت إلي ألمانيا.. لاتلقي الصدمة الكبيرة.. لقد رفدتني الشركة.. نهائيا!
وحاولت عبثا الاتصال 'بسلوك جيان' ليعيدني إلي العمل.. كما فشلت في نفس المحاولة مع إيرينا. والتي عرفت أخيرا.. أنها يهودية!


كانت نقودي توشك علي التبخر.. ولم يعد أمامي.. سوي الخطة الأولي التي فشلت في تنفيذها في ألمانيا.. خطة البحث عن عروس كبيرة السن مقتدرة ماليا !


05_alf.jpg
وأخذت أبحث كالمجنون في كل ألمانيا عن عمل.. عملت في إحدي الشركات لمدة 10 أيام.. ثم وجدت نفسي بعدها في الشارع!
وفي كل عمل كنت ألتحق به كنت أفاجأ بأن الشارع هو مصيري في النهاية.. وبدون أسباب منطقية!
وفي النهاية تأكدت من أن نفوذ شركة 'لاماير' أقوي مني.. أو بصورة أخري.. إنه اللوبي اليهودي في ألمانيا كان يضيق الخناق حولي.. 'وبالتأكيد.. بأوامر من 'سلوك جيان'!

وضاقت ألمانيا في عيني.. فكان قراري بأن أتركها.. إلي أسبانيا .. لماذا.. أسبانيا ؟ .. لأني كنت في احدي الاجازات القصيرة كنت قد سافرت إليها مع إيرينا وبالتحديد سافرنا إلي منطقة 'بالمادي مايوركا' الرائعة الجمال.. وأيامها اكتشفت أنه يوجد الكثير هناك ممن يتكلمون اللغة الالمانية.. ولهذا فكرت في السفر إلي أسبانيا.. للبحث عن فرصة جديدة لابدأ حياتي من جديد.. علي صفحة بيضاء!
ولانني قررت أن أترك ألمانيا.. بلا عودة .. فقد استخدمت بطاقات الإئتمان في سحب مبالغ من البنوك الالمانية وصلت إلي حوالي 12 ألف مارك.. دون أن يكون لي رصيد يغطي!

وركبت الطائرة إلي بالمادي مايوركا الجميلة . وتنقلت من فندق إلي آخر.. ووجدت النقود تتسرب من يدي مع الايام دون أن أشعر. ونشرت إعلانا بالصحف الاسبانية يقول 'مهندس عربي يتحدث العربية والالمانية يبحث عن عمل'.. لكن الاعلان لم يأت بأية فائدة؟
كانت نقودي توشك علي التبخر.. ولم يعد أمامي.. سوي الخطة الأولي التي فشلت في تنفيذها في ألمانيا.. خط : البحث . عن عروس كبيرة السن.. مقتدرة ماليا !
كنت جالسا علي مقهي يواجه الشاطيء .. أرقب في شرود الرائحات والغاديات، وعندما وقعت عيناي عليها وهي تسير في دلال، أدركت أنها غايتي المنشودة أسبانية حسناء في النصف الثاني من الأربعينات، ألقت نظرة عابرة في إتجاهي، كانت نظرة تقول كل شيء. ونهضت مسرعا خلفها علي الشاطيء.


لم أعد نفس الشاب الشرقي المتردد، كنت أصبحت أدرك أن الحديث مع امرأة غربية لايحتاج إلي كثير من الشجاعة، وتقدمت منها وألقيت عليها التحية، توقفت وابتسمت وردت التحية..

اسمي شريف.. مصري..هل تقبلين دعوتي لتناول مشروب؟
لا مانع عندي!
هكذا وببساطة تعارفنا.. ولم أضيع الوقت اصطحبتها إلي كازينو يطل علي البحر، مكان شاعري ورومانسي. لكن حديثنا لم يكن سهلا.. كانت روز تتحدث الاسبانية فقط.. أما الانجليزية عندها فهي 'مكسرة'.. ومع ذلك فإن لغة العواطف 'عالية'!
لم أفهم الكثير عن عملها سوي أنها تمتلك محلا لبيع الاعشاب الطبيعية.. المهم.. أنها كانت ميسورة الحال!
ولم يكن صعبا علي شاب مثلي أن يجعل امرأة في الثالثة والاربعين من عمرها.. في ذلك الوقت أن ترتبط به عاطفيا.. وانتقلت للإقامة معها في بيتها، وعشت معها كزوج حقيقي، وعرفت أن روز منفصلة عن زوجها الأول، وقد أوشكت إجراءات طلاقها منه علي الانتهاء، وقررت أنها الزوجة المطلوبة، خاصة بعد أن علمت منها أنها لاتستطيع الإنجاب.. لأنها أجرت عملية جراحية لإزالة الرحم!
ومع الايام عرفت شيئا آخر عن روز.. إنها تعمل أيضا كوسيطة روحانية.. وكان الناس يأتون إليها من كل مكان، وتعد جلسات روحانية وهي جالسة وسطهم علي نغمات موسيقي هندية. وتجري 'اتصالات روحية' خفية. وكانت قد تعلمت ذلك أثناء زيارة لها إلي الهند قبل سنوات..

وتم طلاق روز من زوجها الأول.. وبدأت أنهي الأوراق التي أحتاجها للزواج منها، ومن أجل ذلك كان لابد لي من العودة إلي مصر، فحضرت وجاءت روز معي ذهبنا إلي بيت أسرتي مباشرة من المطار. وعندما سألوني عنها : قلت لهم: أقدم لكم زوجتي .. رغم أننا لم نكن قد تزوجنا بعد.
وفي أثناء تلك الزيارة ناقش معي أبي فكرة عودتي نهائيا إلي مصر، وأن أبدأ نشاطا تجاريا ببناء مصنع للملابس الجاهزة في مدينة العبور، لكن الفكرة كانت تحتاج إلي تمويل مالي كبير. فقررنا تأجيلها إلي الوقت المناسب..

وكنت قد أنفقت كل ما عندي من نقود علي روز. هكذا كانت خطتي في البداية علي اعتبار أن كل مبلغ أنفقته عليها هو 'استثمار للمستقبل'، فسوف تكون زوجتي، وستكون ثروتها ثروتي!
وعدت مع روز إلي أسبانيا.
وفكرنا سويا في تنظيم رحلات سياحية للأسبان إلي مصر. وبالفعل قمنا بتنظيم حوالي خمس رحلات وكسبنا منها أموالا لا بأس بها كنا نقتسمها مناصفة بيننا.


وفي تلك الفترة تعرفت علي الملحق التجاري المصري في السفارة المصرية بمدريد. وتوطدت الصداقة بيننا. وفوجئت بأنه وضعني ضمن وفد رجال الاعمال المصريين في أسبانيا الذين سوف يصحبهم الملك خوان كارلوس إلي مصر أثناء زيارته لها!​
وهكذا عدت مرة أخري إلي القاهرة..

كانت الساعة قد اقتربت من الثالثة صباحا.. وكانت منافض السجائر في مكتب المحامي العام لنيابات أمن الدولة قد أمتلأت وفرغت أكثر من مرة!
واستبدل 'محمد' سكرتير التحقيق القلم الذي انتهي.. وفي المكتب المواجه للحجرة. كان الرجل صاحب النظارة السوداء مازال جالسا في هدوء ينتظر نهاية التحقيق..
ومضي الجاسوس شريف يكمل حكايته التي اقتربت من ذروة إثارتها.​


احنا عندنا معلومات أن البحرية المصرية قامت بإجراء تعديلات علي بعض القطع البحرية .. وأنت سبق أن أبلغتني أن أحد أقاربك كان ضابطا بحريا والآن يعمل مرشدا في هيئة قناة السويس.. لماذا لاتتصل به وتحاول معرفة هذه التعديلات؟

06_alf.jpg
بعد آخر رحلة سياحية لمصر نظمتها في ديسمبر .1998 حدث خلاف بيني وبين روز التي كانت قد أصبحت زوجتي رسميا. وكانت تريد تنظيم الرحلات بطريقتها الخاصة، لكني رفضت وحدثت مشادة كبيرة بيننا، وانتهي الأمر بأنني سحبت مبالغ مالية كبيرة من حسابنا المشترك في أحد بنوك مدريد..
وبدأت أحاول البحث عن عمل في أية شركة هندسية أسبانية من بينها شركة 'التيرن' وهي شركة أسبانية مقرها مدريد. وكانت خلافاتي مع روز قد اشتعلت ووصلت علاقتنا إلي طريق مسدود..

حتي أنني قلت لها في النهاية : لا مفر من طلاقنا.. سأذهب إلي بلدي في زيارة قصيرة وأعود لننهي إجراءات الطلاق!
وعدت بالفعل إلي مصر.. لكن بعد أيام فوجئت بمكالمة تليفونية منها .. قالت لي: يجب أن تعود إلي أسبانيا في أسرع وقت.. لقد اتصلت بك شركة 'ألتيرن' إنهم يقولون أن الوظيفة التي تطلبها موجودة!

وصدقتها.. وبسرعة عدت إلي أسبانيا.. لكن بعد أن فات الأوان عرفت أن روز كانت تريد عودتي في أسرع وقت إلي أسبانيا ليس من أجل الوظيفة.. ولكن حتي لاتكون عندي فرصة للانسحاب من 'مسرح الأحداث'.. هذا المسرح الذي كان يتم إعداده بدهاء دون أن أشعر!
نعم هذا ما أعتقده بل أجزم به الآن لابد أن روز كانت ضالعة في هذه القصة.. ولابد انها علي علاقة بالموساد.. وان المسألة كلها كانت مخططة من البداية وبإحكام شديد!
لكن.. لماذا أسابق الأحداث؟
عدت إلي اسبانيا.. وفي صباح اليوم التالي أسرعت إلي شركة 'ألتيرن' وهناك قابلتني حسناء أسبانية. وطلبت مني بياناتي ورقم تليفوني.. ثم ودعتني قائلة: سوف نتصل بك سنيور شريف !


وكنت قبل عودتي إلي أسبانيا اتصلت باحدي صديقات زوجتي روز وطلبت منها أن ترشح لي اسم فندق لاقيم به. لانه لم يكن بالطبع ممكنا أن أقيم مع روز في بيتها ونحن نستعد للطلاق! ورشحت لي صديقة زوجتي فندقا في مدريد.. وذهبت للإقامة في هذا الفندق..
وبعد يومين تعرفت علي صاحبه.. شخص اسمه 'رومان' كان يعمل قناصا في الجيش الاسباني.. وحدث شيء غريب لم ألتفت إليه وقتها..
وكنت أتحدث مع 'رومان' وذكر لي شيئا عارضا عن صديق له يعمل في تجارة السلاح. قال إن اسمه 'جريجوري شافيز'.
وبعد أيام عدت إلي الشركة لأسأل الحسناء الأسبانية عن أخبار الوظيفة. فطلبت مني الانتظار بضعة أيام، وتبادلنا الحديث وعرفت أنني أقيم في فندق، وعندما سألتها إن كانت تعرف فندقا آخر أرخص ورشحت لي أحد البنسيونات.
وبالتحديد.. بنسيون مدام جلوريا . وأسرعت إلي الفندق أحمل حقيبة ملابسي منه. لأستأجر غرفة في بنسيون 'مدام جلوريا'.
وفي مساء نفس اليوم وبينما كنت أغادر غرفتي.. وجدت نزيل الغرفة المجاورة يستعد لمغادرتها.. التقينا بطريقة عابرة في الردهة تبادلنا التحية.


ولدهشتي وجدته يمد يده نحوي وهو يقدم نفسه: أهلا.. أنا أسمي 'جريجوري شافيز' !
لم أسأل نفسي كيف توطدت العلاقة هكذا بمنتهي السرعة بيني وبين جريجوري الذي اخبرني انه روسي. لكنه أوكراني الاصل . وكان يعمل ضابطا في ال 'كي. جي . بي' جهاز مخابرات الاتحاد السوفيتي، وبعد أن تفكك الاتحاد عمل لحساب الموساد .
في المرة الاولي سلمه جريجوري مبلغ ألفي دولار.. وفي المرة الثانية تسلم من ضباط الموساد مبلغ 3 الاف دولار. وكان عليه أن يسدد الخيانة.. علي دفعات أيضا !

وعاد جريجوري يقول له : احنا عندنا معلومات أن البحرية المصرية قامت بإجراء تعديلات علي بعض القطع البحرية .. وأنت سبق أن أبلغتني أن أحد أقاربك كان ضابطا بحريا والآن يعمل مرشدا في هيئة قناة السويس.. لماذا لاتتصل به وتحاول معرفة هذه التعديلات؟
ويتصل شريف بقريبه المرشد ويسأله ..

فيقول له الأخير: أنا ما أعرفش.. لكن ممكن أدلك علي واحد معرفة، وهو لواء بالمعاش يمكن أن يفيدك.
ويتصل شريف باللواء السابق.. ويقول له: أنا ابن عم صديقك 'فلان' المرشد بقناة السويس.
يرد اللواء السابق قائلا: أهلا وسهلا.. أي خدمة ؟

ويقول له شريف: أبدا.. عندي صديق يعمل في تجارة السلاح. وكان يريد شراء بعض المعدات البحرية من موديلات تمتلك البحرية المصرية مثلها. وعلم انه تم إجراء تعديلات عليها، ويريد أن يعرف طبيعة هذه التعديلات قبل أن يتورط في الصفقة ؟
تسود لحظة صمت..ويسمع شريف علي الناحية الأخري من التليفون صوت أنفاس تتسارع.

ويفاجأ باللواء السابق يرد عليه في عنف: ده كلام في منتهي الخطورة اللي انت بتقوله يا أخينا.. أنت عارف انت بتسأل علي ايه !
دي أسرار عسكرية.. ياأبني ما أقدرش أفيدك في أي شيء.. وياريتك تكون بتهزر. مع السلامة !
يعود شريف إلي جريجوري حزينا . لكن الاخير يفهمه بأن عليه العودة إلي مصر. وهو يحمل معه أجهزة الاتصال والكمبيوتر.. وأن يبحث عن المعلومات المطلوبة بأي وسيلة. وأن يقوم بتخزينها علي الاجهزة التي يحملها، كما يطلب منه البحث عن معلومات أخري عن بعض الدول العربية.

ويركب شريف الطائرة عائدا إلي القاهرة . وكما حدث تماما عندما هبطت به الطائرة في رحلته الاخيرة إلي مدريد. سار في مطار القاهرة. دون أن ينتبه إلي هذا الشخص الذي هبط خلفه مع بقية الركاب .
وهو يرتدي نظارة سوداء.. رغم الظلام!
فجأة.. توقف الجاسوس عن الكلام..عندما صدر صوت غريب من جهاز الاتصال الذي كان قد تم ضبطه في بيته.
ونهض المحامي العام لينظر في شاشة الجهاز. محاولا البحث عن سبب الصوت الغريب.
وكان واضحا أن الجهاز قد تلقي في التو رسالة.. لكن ما هي.. ومن أي مكان جاءت؟
نهض المحامي العام من علي مكتبه.. فتح الباب.. اتجه مباشرة إلي الحجرة المواجهة التي يجلس فيها الرجل.. صاحب النظارة السوداء!
وقال له: لقد تلقي جهاز الاتصال رسالة غامضة الآن.. هل لك أن تحاول تفسيرها لنا؟
في هدوء نهض صاحب النظارة السوداء الي غرفة المحامي العام. اتجه إلي جهاز الاتصال. وضغط علي بعض الأزرار.
وظهرت الرسالة المجهولة.. كانت موجهة لشريف.. من جريجوري عميل الموساد.
وكانت الرسالة تقول أين أنت.. وماذا حدث لك.. هل وقعت في مشاكل؟ أرجو أن تتصل بي للأهمية!


نظر المحامي العام إلي صاحب النظارة السوداء؟
وسأله، هل سيكون هناك رد علي هذه الرسالة ؟ وابتسم صاحب النظارة السوداء ابتسامة غامضة .. وقال: الرد وصل !
سأله المحامي العام: كيف ؟ قال صاحب النظارة السوداء: هؤلاء يعرفون جيدا.. أنه عندما لا يصل رد علي رسائلهم.. فإن الرد يكون قد وصل بالفعل.. بأنهم فشلوا.. كالعادة!

كان الصبح قد طلع.. عندما انتهي شريف من اعترافه امام المحامي العام لنيابات أمن الدولة العليا ، الذي سأله في النهاية السؤال التقليدي: هل لديك أقوال أخري؟
تهالك شريف علي مقعده.. تحسس رقبته في يأس.. وقال بصوت كأنه قادم من الأعماق: أنا بعت نفسي.. وأهلي.. وبلدي.. وأنا معترف بذنبي !

دق المحامي العام علي جرس مكتبه .. دخل الحرس ليقتادوا الجاسوس إلي السجن..
كانت هذه هي اعترافات الجاسوس شريف الفيلالي ، الذي توفي داخل زنزانته في ليمان طرة حيث كان يقضي عقوبة السجن 15 سنة ، و الذي أكد تقرير الطب الشرعي ان الوفاة طبيعية نتيجة هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية ، و أن الجثة خالية من آثار أية إصابات ظاهرة.
 
هذا مصير الخونة

اللهم انصر مصر على اعدائها
 
رد: شريف الفيلالي سقط في فخ الموساد !

السلام عليكم
يجب على المخابرات العربية التنسيق فيما بينها لمراقبة العرب المهاجرين
و هذا حتى لا يكون الضغط على جهاز واحد و السرعة في إقتناص ضباط التجنيد اليهود
 
عودة
أعلى