– الحلقة الثامنة عشر -
من كتاب " في قلب العاصفة : سنواتي في الـ "
سي.آي. إيه CIA
ألمؤلف
جورج تينيت المدير السابق
لوكالة المخابرات الأمريكية ..
حملة تجنيد الجواسيس والعملاء وأسرار اللحظات الأخيرة قبل غزو العراق
من كتاب " في قلب العاصفة : سنواتي في الـ "
سي.آي. إيه CIA
ألمؤلف
جورج تينيت المدير السابق
لوكالة المخابرات الأمريكية ..
حملة تجنيد الجواسيس والعملاء وأسرار اللحظات الأخيرة قبل غزو العراق
أسرار تأتى ... بعد دهور ... ليعرف الشعب المصرى والعربى ، ماذا كان يدور خلف ظهره ...
يحى الشاعر
يحى الشاعر
المصدر
http://www.el-wasat.com/details.php?id=3640
المؤلف : جورج تينيت المدير السابق لوكالة المخابرات الأمريكية
غالباً ما ينتظر العالم طويلاً لحظة الكشف عن أسرار اللحظات الأخيرة التي تسبق أي حرب من شأنها تغيير مجرى التاريخ.. ولأن حرب العراق كذلك ، لما لها من تداعيات علي منطقة بحجم وأهمية الشرق الأوسط ، فقد كان لهذا الجزء من كتاب تينيت قيمة بالغة ، لا سيما وأنه ليس بصحافي يروي ما نقلته له مصادره ، أو باحث قلب في الأوراق كي يصل لمبتغاه ، وإنما هو شاهد عيان ، وعضو مشارك ، ورجل قدر له أن يكون المسئول الأول عن مخابرات بلاده ، في لحظة فارقة من تاريخها ، لا تزال تدفع ثمن اندفاعاتها فيها إلى حرب غير عادلة ، وغير مُبررة ، ستظل وصمة عار عليها ما بقيت على خريطة العالم.
ترجمة الأستاذ/ مجدي كامل
وصل قطار الحرب على العراق إلى محطته في مارس 2003.. وبالنسبة لـ " سي. آي. إيه " ، فإن هذه الحرب كانت من كل الجوانب مختلفة عن الحرب ، التي خضنا غمارها في أفغانستان. فهناك كانت الوكالة بحسب لغة المصطلحات العسكرية القيادة " المدعومة " - الجهة التي تخوض الحرب - أما في العراق فهي مجرد جهة " داعمة ".. وشتان بين هذا وذاك.
في حالة غزو أفغانستان ، كانت الوكالة هي إلى حد كبير التي جاءت بخطة الغزو. وقامت بصياغة وتنقيح وبلورة ووضع الاستراتيجية وصقلها على امتداد شهور طويلة ، سبقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، على أمل الحصول على إذن بالانطلاق وراء القاعدة في معقلها.
وبالاستعانة بأعداد محدودة من رجال القوات الخاصة والقوة الجوية الأميركية قمنا بقيادة قوات العديد من أمراء الحرب وجماعات القبائل المعارضة ، للإطاحة بنظام طالبان.
ولأن العراق مسألة مختلفة تماماً ، فقد أبلغت وكالتي إدارة بوش - ومنذ البداية - بأن نموذجاً مختلفاً تماماً سيكون علينا تطبيقه فيما يتعلق بغزونا العراق. وبعد وقت قصير من تسلم إدارة بوش مقاليد السلطة ، أكدنا لكبار مسؤوليها ، وبصفة خاصة ديك تشيني نائب الرئيس ، على أنه ليس بمقدور أي عمليات سرية لـ " سي. آي. إيه " الإطاحة بصدام حسين.. وأن هذا أمر أكيد.
وقد وصلت الوكالة إلى هذه النتيجة من خلال تجربتها المؤلمة في منتصف التسعينيات ، حيث لم تكلل أي محاولة في هذا الصدد بالنجاح في ضوء البطش الذي مارسه الرئيس العراقي آنذاك والأخطاء التي وقعت فيها الوكالة والتي أسفرت عن مصرع العشرات ممن لجأت إلى توظيفهم من العراقيين.
وقد كان حجم عملياتنا السرية ضد صدام في الماضي علي نفس الوتيرة سواء من حيث حجم التمويل ، أوالمهارات العملياتية ، كما فعلنا ضد الروس في أفغانستان إبان الحرب الباردة.
وقد حكم علينا بعض حلفائنا التقليديين في الشرق الأوسط بأننا لم نكن جادين في سعينا للإطاحة بصدام ، بالنظر إلي ضآلة تمويلنا لهذه القضية ، وكذلك عدم التزامنا بمساندة ودعم عملية سرية يتم تنفيذها بقوة عسكرية.
وكانت دائماً هناك فرصة لتدخل سلاح الجو الأمريكي كي يلعب دوراً في إسقاط صدام متى طلبنا منه ذلك. ولكن في الممارسة العملية ، بدت عملية الإطاحة بالنظام في بغداد صعبة للغاية وليس من المحتمل نجاحها.
تفادينا مشكلة الأسري بدعوة جنود وضباط الجيش العراقي
لإلقاء السلاح والعودة لبيوتهم.. ففعلوا عن طيب خاطر !!
لإلقاء السلاح والعودة لبيوتهم.. ففعلوا عن طيب خاطر !!
فما تعلمناه في أفغانستان هوالنجاح المنشود يتحقق عندما يوكل إلـى سي. آي. إيه " القيام بدورها الخاص بالعمل السري في إطار خطة عسكرية أكبر وأشمل. وما كنا نريد أن نقوله للرئيس بوش في تلك الفترة هو أن " سي. آي. إيه " لا يمكنها أن تذهب بمفردها لإسقاط صدام ، وأنه يتعين استنفار كل وسائل القوة الأمريكية المتاحة لتحقيق مثل هذا الهدف. وقد يعتقد البعض أننا كنا نتهرب من الاضطلاع بهذه المهمة ، أو جعل الإطاحة بصدام تبدو عملية مستحيلة ، ولكن الحقيقة هي ببساطة كنا ننقل للرئيس ، الحقيقة التي تعلمناها من واقع خبرتنا التاريخية.
وخلافاً لما جرى في أفغانستان ، فقد اقتصر دور الوكالة في العراق على تقديم المعلومات للعسكريين ، حول مواضع تمركز القوات المعادية ، وقدراتها ، وتمهيد البيئة السياسية ، وتنسيق جهود الشبكات المحلية من المتعاونين ، الذين مهدوا الطريق للتقدم العسكري الأميركي ، وقاموا بعمليات تخريب ، وما إلى ذلك ، وهو دور تقليدي تلعبه أجهزة المخابرات في مثل هذه المواقف ، لكنه لم يكن سهلاً ولا يسيراً في أي من جوانبه.
وكان أول إجراء قامت به الوكالة في شهر فبراير عام 2002 هواستدعاء وإعادة توجيه فرق ضباط الاتصال التابعة لـ " سي. آي. إيه " التي كانت قد اتخذت أماكنها التاريخية وسط الأكراد في شمال العراق.
وبمجرد عودة هذه الفرق إلي العراق في شهر يوليو، بدأ ضباطها في القيام بجهود مضنية لتجنيد عملاء ، وإقامة خلايا من رجال القبائل والأفراد العاديين المستعدين ليس فقط لجمع المعلومات ، ولكن أيضاً لحمل السلاح. وكنا نريد منهم القيام بأعمال عدائية لتحدي شرعية النظام قدر استطاعتهم. وتخريب السكك الحديدية ، وعرقلة وسائل الاتصال ، ومهاجمة مقار حزب البعث المحلية ، والقيام بكل هذه الأعمال بقوة السلاح لتفعيلها وتعظيم العائد منها.
الشهواني قائد قوات صدام الخاصة كان عميلاً لنا والتقيته سراً في خيام
الـ " سـي. آي. إيـه " بصحراء العراق قبل الغزو بشـهور قليلة !!
وقد عملنا في الداخل العراقي فيما وراء المناطق الشمالية ، ووصلنا حتى حدود الدول المجاورة من الجنوب والشرق. وقدمنا للعسكريين الأمريكيين رؤية واضحة وشفافة للإتصالات التي كنا نجريها ، وتقديم القوات الأمريكية الخاصة لعملاء لنا داخل العراق الذين نأمل في قيامهم بتأمين عملية انشقاق عدد من وحدات وضباط الجيش العراقي وتمردهم علي نظام صدام متى بدأت الحرب البرية ، بحيث تنضم إلينا هذه الوحدات المنشقة ، أوتستسلم لنا.الـ " سـي. آي. إيـه " بصحراء العراق قبل الغزو بشـهور قليلة !!
وفي النهاية كانت المحصلة هي انشقاق عدد قليل من الوحدات العراقية ولكن الأهم أن الكثير من وحدات جيش صدام التي لم تنشق لم تحارب أيضاً.
وقد كانت قوات جيش صدام النظامية تدرك أنها ستواجه الموت إذا ما تقدمت لمواجهة القوات الأمريكية ، وتدرك أيضاً أن قوات الحرس الجمهوري العراقي خلفهم وما لم يساندوا نظام صدام فسوف يقتلونهم. وقد اختارت الاستسلام على القتال بعد أن نقل عملاؤنا رسالة تشجعهم علي الاستسلام بدلاً من دفعنا لقتلهم.
ولكن ظهرت مشكلة لم تكن في الحسبان ، وهي ماذا سنفعل مع العدد الهائل من الجنود الذين استسلموا ، والمفروض أن نعاملهم وفق اتفاقات جنيف. وسبب المشكلة هي أن عدد الأسري الهائل في حاجة لقوات أمريكية تفوق الأعداد الموجودة علي أرض العراق. ونتيجة لهذا فقد تم إبلاغ جنود وضباط الجيش العراقي من خلال منشورات ألقتها الطائرات العسكرية الأمريكية ، أن ألقوا بأسلحتكم وعودوا لبيوتكم. وقد تلقي العراقيون الرسالة بترحاب بالغ ، ونفذوا ما دعتهم إليه عن طيب خاطر بمجرد أن سمعوا الطلقات الأولي لقواتنا !!
(فيما بعد وبالتحديد في 23 مايو 2003 ،عندما اراد الحاكم العسكري الأمريكي للعراق جيري بريمر مواجهة الانتقادات الموجهة إليه وتبرير موقفه بتسريح الجيش العراقي رد بقوله إن الجيش حل نفسه بنفسه. وقد يكون بريمر قد أصاب كبد الحقيقة ، ولكن الجيش العراقي قد حل نفسه ولكن مضطراً وبدرجة كبيرة بسبب الخوف من عواقب القتال ، مع الأخذ في الاعتبار أن عدداً كبيراً من الجنود قد احتفظوا معهم بأسلحتهم ، وهم يعودون لبيوتهم ، ولم يكن لديهم ما يساعدهم علي إعالة عوائلهم ).
وكنت قد قمت بعدة زيارات لضباط الـ " سي. آي. إيه " ، قبل الحرب ، في قواعدهم السرية المنتشرة في الصحراء شرق وجنوب العراق ، بعيدة عن الأعين ، وكان دورها هو تزويد الخلايا التي شكلناها من رجال القبائل العراقيين بالسلاح لدخول المدن والقيام بعمليات استطلاع وتخريب ، قبل نقل حصيلة ما جمعوه من معلومات إلي قواتنا العسكرية.
وكان هؤلاء الضباط الذين التقيت بهم يقيمون منذ شهور في خيام للإعداد للحرب ، وكانوا يترقبون بدء الحرب بفارغ الصبر.
وبعض هؤلاء الضباط كانوا من صغار السن ، ومعظمهم كان في أول مهمة خارجية له ، وبالنسبة لعدد كبير منهم كنت أول مدير مخابرات أمريكية يخدمون معه لحداثة عهدهم بالخدمة في " سي. آي. إيه ". وقد حاولت في هذه الزيارة أن أرفع من معنوياتهم ، وأن أجعلهم يدركون كم أنا فخور بهم ، وواثق من قدرتهم علي مواجهة التحدي. ولكني في قرارة نفسي ، كنت أعرف أن عدداً كبيراً منهم قد يلقي حتفه بمجرد اندلاع الحرب !!
وفي إحدي زياراتي للعراق سرا قبل الحرب التقيت في خيامنا الصحراوية مع مجموعة من العسكريين العراقيين في مقدمتهم اللواء محمد عبد الله الشهواني قائد قوات صدام الخاصة أثناء الحرب العراقية الإيرانية. وكان قد تم تقديم الشهواني لـ " سي. آي. إيه " في عام 1991 ، ليصبح بسرعة أكبر شركائنا العراقيين في سعينا للإطاحة بصدام.
وكان الشهواني ، الذي بدأ سجله العسكري طياراً حربياً ، نموذجاً للرجل الذي يعتمد عليه الأمريكيون لا سيما وأنه يتمتع بالحظوة والمكانة لدي العراقيين ، بعد ما أظهره من قدرات ومهارات في الحرب ضد إيران وقيادته لطائرة مقاتلة وشنه هجوماً ناجحاً ضد موقع إيراني محصن أعلي تبة ، سرعان ما علا نجمه بعده ، وتقلد علي أثره الأوسمة ، ثم أصبح قائداً لقوات صدام الخاصة.
ومن هنا فقد استطاع هذا الرجل إقامة شبكة لنا من العملاء داخل العراق. ولكن في منتصف التسعينيات تم اكتشاف أمره ، علي أيدي أجهزة الأمن العراقية ، فأمر صدام بإعدام أبنائه الثلاثة ، واستمر الشهواني رغم ذلك في التعاون معنا لإقامة شبكة لنا من العملاء داخل العراق ، من مهامها أن تكون همزة اتصال بيننا وبين الزعامات الدينية والقبلية في الشهور المؤدية للحرب في ربيع عام 2003.
فشلنا في اقناع زعماء جماعة دينية في الشمال بالتعاون فقبلوابـ 2 مليون دولار
وكانوا يأتوننا بـ 4 ضباط جيش على الأقل كل أسبوع لكي نتخذهم عملاء !!
وكانوا يأتوننا بـ 4 ضباط جيش على الأقل كل أسبوع لكي نتخذهم عملاء !!
ومن خلال الشهواني استطعنا تجنيد العشرات من ضباط وجنود الجيش العراقي ، وتمكنا من خلاله باستخدام آخرين لتأمين وحماية الكباري والجسور المنتشرة علي نهر الفرات ، والمؤدية إلي بغداد ، لتسهيل عملية دخول قواتنا البرية العاصمة وإسقاط النظام. كما استطعنا بمعاونة الشهواني تجنيد بعض الضباط والجنود للعمل علي منع صدام من إحراق خطوط أنابيب بترول الجنوب.
ومع اقتراب الحرب ، انتقل كبير ضباطنا في بغداد " شارلي أس " – اسمه الحركي - إلي الدوحة ، حيث بقي إلي جوار الجنرال تومي فرانكس ، ليصبح أحد أهم أفراد الفريق العسكري الأمريكي.
وكانت مهمة رجلنا " شارلي أس " مع فرانكس هي نقل المعلومات إليه من خلايانا داخل العراق ، ومساعدته علي تحديد الأهداف ، التي يتعين ضربها ، والأهداف التي لا ينبغي أن يشملها القصف. علي سبيل المثال ، تم توجيه أمر لمقاتلة أمريكية بقصف موقع يتحصن داخله أحد أبرز قيادات مخابرات صدام ، واستمات تشارلي لإلغاء الأمر ، واستبداله بأمر للقوات بالعمل علي اعتقاله حياً ، لأنه حسبما أكد رجلنا سيكون كنز معلومات وقد كان.
وفي الشمال ، حققت فرق " سي. أي. آيه " خلال الفترة ما بعد شهر يوليو عام 2002 ، نجاحاً هائلاً في تجنيد أعداد كبيرة من العملاء العراقيين الراغبين في العمل معنا علي الإطاحة بنظام صدام ، رغم عدم وجود غطاء عسكري لحماية فرقنا هذه ، وانتشار عيون صدام من قوات أمنه في المنطقة.
وكانت هناك جماعة تجمعها روابط مذهبية وكانت مهمة لنا علي وجه الخصوص. وقد استطعنا إقناع زعماءها بأننا جادين في سعينا للإطاحة بصدام ، ولكن لم ينجح مسعانا في كسب ولاء هذه الجماعة إلا بعد أن سلمنا هؤلاء الزعماء مليوني دولار ، فراحوا علي الفور يتعاونون معنا ، ويمدوننا بالمعلومات. وكانت هذه الجماعة تأتي إلي ضباطي بأربعة ضباط عراقيين علي الأقل كل اسبوع يعلنون انضمامهم إلينا.
أسرار المحاولة الفاشلة لاغتيال صدام في هجوم جوي
بعد أمر مباشر من بوش لفرانكس بمقره في الدوحة !!
واستطاع رجالنا ومن خلال اختراقهم لشبكة اتصالات صدام ، تتبع حركته داخل بغداد في فترة ما قبل الغزو بقليل.بعد أمر مباشر من بوش لفرانكس بمقره في الدوحة !!
وقبل يومين فقط من المهلة التي قدمتها إدارة بوش للنظام العراقي للإنصياع لمطالبها وشروطها وإلا تكون الحرب ، علمنا من أحد مصادرنا أن هناك اجتماع لصدام وجميع أفراد أسرته بما فيهم ولداه عدي وقصي ، وأن الاجتماع سيكون في مزرعة زوجة صدام في " الدرة ". وأن هدف الاجتماع هو تحديد ما يمكن عمله حال وقوع الغزو الأمريكي. وقد مرر مصدرنا هذه المعلومات إلي فرق الـ " سي. آي. إيه " في شمال العراق ، وعلي الفور طيروا الخبر إلي الجنرال تومي فرانكس وفريق عمله العسكري في الدوحة بقطر.
وفي صباح اليوم التالي 19 مارس ، ابلغنا المصدر أن صدام سيذهب مرة أخري إلي مزرعة زوجته بـ " الدرة " مساء ذاك اليوم ، وتأكد رجالنا من هذه المعلومة من مصادر أخري بمنطقة المزرعة نفسها.
فما كان مني ، وبمجرد علمي بأنباء اجتماع صدام المرتقب إلا أن اصطحبت نائبي ماجلوغلين معي ، إلي مكتب وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ، الذي كنت قد طلبت لقاءه علي الفور ، وفي جراج السيارات لمحت أحد كبار مساعدي المسئول عن العمليات في الوكالة ، فقلت له : تعالى معنا. وبمجرد إطلاعي رامسفيلد علي ما لدي ، رد بأن عملاً عاجلاً لابد من اتخاذه ما دمنا نعلم مكان صدام يقيناً.
وطلب الرئيس بوش ، وطلب الترتيب لكي نلتقيه في البيت الأبيض علي الفور ، لوجود أمر هام لا يمكن تأجيله.
وقبل الدخول فاجأنا رامسفيلد ، الذي كان يصطحب معه رئيس أركانه ديك مايرز ، بأن " كوندوليزا رايس وأندي كارد موجودين فوق مع الرئيس ".. وما هي لحظات حتي طلب بوش من باول أن ينضم إلينا.
وقد أبلغت أنا ونائبي ماجلوغلين الرئيس بما لدينا ، وقلنا إن هذه المعلومات موثوق فيها ، ولكننا لا نستطيع أن نقسم بأنها صحيحة بنسبة 100 % ، ولا نستطيع أن نقسم أيضاً أنها ليست خدعة ، ولكننا نعتقد أنها معلومات جيدة جداً ، مع احتمال أن يغير صدام مكانه ، حتى نضرب هدفاً خاطئاً فيستخدم هذا في حرب دعاياته.. والحقيقة أن توجيه ضربة لمكان صدام لم يكن بالقرار السهل.
وقلنا للرئيس إنه ليس من المحتمل أن نتمكن من الحصول علي أية معلومات إضافية لمساعدته علي اتخاذ القرار. ولكن بعد لحظات حصلنا بالفعل علي المزيد. فقد تلقينا في الحال مكالمة حولت لي من مصدر لنا بالمنطقة يؤكد أن حرس صدام وقوات أمنه شوهدت تصل المنطقة تباعاً ، وأن هناك شائعات بأن الرئيس العراقي سيصل فيما بين الساعة 3 والساعة 3.30 فجراً بتوقيت بغداد.
وما هي لحظات حتي جاءنا بلاغاً آخر عبر خط تيليفوني آمن من رئيس فريق عملياتنا السرية بالعراق يوضح فيه بأن صدام سيجتمع وأسرته في " ملجأ " بالمزرعة موضحاً أنه خندق محصن تحت الأرض ، لن تخترقه صواريخ طائراتنا من طراز " كروز ". وهذا معناه أننا سنكون في حاجة إلي قنابل ذكية !
الحقيقة ، لقد كنا علي شفا لحظة فارقة.. لحظة اتخاذ القرار.. وبعد أن استجمع الرئيس نفسه ، وقطع الغرفة جيئة وذهاباً.. امر بتوجيه الضربة. وصدرت الأوامر لتومي فرانكس في الدوحة واستعد الطيارون ، وجهزت مقاتلاتنا بي – 2 ، واتخذت القنابل المضادة للانفاق تحت الأرض أماكنها علي قاذفات الطائرات ، وتمني الجميع ألا يكون مع صدام في الفيلا بالمزرعة أطفال ونساء كثيرون ، حتي لا نتعرض لمشكلات علي الساحة الدولية.
وبعد قصف مكان اجتماع صدام ، أبلغنا مصدر لنا أنه قد تم انتشال جثة تشبه كثيراً صدام من مكان الهجوم. وقد منينا النفس بأن تكون هذه هي بداية الحرب التي ستكون بالتأكيد أقل تكلفة ، في ضوء مقتل رأس النظام.
ولكن لسوء الحظ لم يحدث ما تمنيناه. وعلمنا أنه كان هناك فعلاً اجتماع ، ولكن في مبني مجاور للمبني الذي استهدفناه ، ثم علمنا فيما بعد أن صدام وولديه لم يكونوا من بين الموجودين ، وأن مصادرنا كانت تبلغنا بما تعتقده ، وليس ما تراه بأم أعينها !!.
تشيني وفيث ووولفويتز ورطونا مع أحمد الجلبي عميلهم المختلس الهارب من السجن
وأسسوا له حزباً وشكلوا له قوة قتالية رغم تأكيدنا لهم أنه مدع ونصاب!!
وأسسوا له حزباً وشكلوا له قوة قتالية رغم تأكيدنا لهم أنه مدع ونصاب!!
ومن بين الأجزاء التي اعتمدت عليها خطة الغزو عراقي اسمه أحمد الجلبي. وقد سمعت اسمه لأول مرة عنما جاء مكتبي في سي. آي. إيه قبل الحرب ، كولونيل من وزارة الدفاع الأمريكية وأبلغني أنه مكلف بتشكيل قوة قتالية من العراقيين في المنفى وانه اختار لها اسم " قوة تحرير العراق ".وهنا أعرب بعض ضباطنا بأن هذه القوة التي يتحدث عن تجهيزها وتسليحها ، ومطلوب أن يكون قوامها ما بين 12 - 15 ألف رجل " فرقة كاملة " هي أمر يشبه " الفانتازيا " ، وأنه سيكون محظوظاً إذا عثر علي ألف عراقي فقط لهذه القوة. وقد اختار الكولونيل احمد الجلبي كي يكون مسئولاً معه عن هذه القوة.
والحقيقة أن الجلبي هو واحد من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في الدراما العراقية. الجلبي كان مهاجراً رحلت أسرته عن العراق عام 1958 عندما كان طفلاً. ونما وترعرع في بريطانيا والولايات المتحدة. والحقيقة أن الجلبي لم يكن معروفاً في العراق كما هومعروف لبعض الدوائر في الإدارة الأمريكية بواشنطون. وقد حصل الجلبي الذي كان متكلفاً في مظهره المتأنق ، على درجة الدكتوراه في الرياضيات من جامعة " شيكاغو". وكان قد حوكم وأدين وحكم عليه بالسجن غيابياً في أواخر الثمانينيات بتهمة القيام باختلاسات مصرفية في الأردن. وبعد حرب الخليج الأولي استطاع الجلبي بمساعدة سي. آي. إيه تأسيس حزب المؤتمر الوطني العراقي في المنفى ، ولكن خلال السنوات التالية سرعان ما اكتشفت سي. آي. إيه أنه شريك لا يمكن الاعتماد عليه.
وقد حذر ت قيادات سي. آي. إيه من الجلبي. وتجاهل الكولونيل وقبله إدارة بوش التحذير ، وبدأوا ينادون علي المصلين في المساجد الأوربية ، ويقدمون لهم استمارات للانضمام لحزب وقوة الجلبي القتالية!!
وكانت النتيجة أسوأ مما توقعنا ، حيث لم يوقع علي استمارات الانضمام سوى حفنة من الأشخاص.
وبعد ذلك ثبت للجميع في واشنطون أن جلبي كان أبعد ما يكون عما كانوا يروجون له ، وأنه لم يقدم شيئاً لنا منذ أن أنزلناه هو ومن معه إلى " الناصرية " جنوب العراق ، وأنه كان يكذب علي قواتنا هناك ، وشكل دون علم الأمريكيين قوة " بدر " وهي قوة مسلحة من عراقيين محليين اشترى ولاءهم ، وطلب منا أن نذهب بهم إلي بغداد لكي يحصل من خلالنا علي شرعية تولي السلطة. وما هي إلا فترة من دخولنا العراق ، حتي ثبت كل ما قلناه عنه !!.
انتظرونا غدا مع الحلقة التالية.