اللاجئون الفلسطينيون من مجازر "أمل" إلى جرائم "بدر"
كانت رائحة الموت تملأ الأجواء.. غير بعيد كان مقاتلي منظمة أمل الشيعية يهتفون بحماس في شوارع بيروت الغربية قبل عشرين عاماً ونيف (2/6/1985) "لا إله إلا الله والعرب أعداء الله", محتفلين بمجزرتهم في مخيم صبرا الفلسطيني [وفقاً لما ذكرته صحيفة الوطن الكويتية في اليوم التالي].. الفرحة تعم أوساط المنظمة التي يترأسها رئيس البرلمان اللبناني الحالي, نبيه بري؛ فقد خلَّفوا للتو نحو 3000 بين قتيل وجريح في صفوف الفلسطينيين..
إيلي حبيقة القائد المسيحي سبق نبيه بري بثلاث سنوات فقط في تنفيذ مذبحة في المخيم ذاته ومستديرة شاتيلا, وبتواطؤ "إسرائيلي" يقوده ـ عسكريا ـ الغائبُ عن الحياة شارون, ما أسفر وقتها عن سقوط ربع هذا العدد تقريباً من القتلى..
كما رائحة الموت, الفزع أيضاً يظلل بسحبه الداكنة سماء المخيم.. "اليهود أفضل منهم", صرخت سيدة فلسطينية وهي تتفحص جثث الشهداء.. جبهة الإنقاذ الفلسطينية أصدرت بياناً في نهاية مايو من العام نفسه, تستصرخ الجميع وقف المجزرة الشيعية ضد مخيم صبرا الفلسطيني وترثي لحال اللاجئين "إن المنازل جرفت والمساجد خربت وخزانات المياه فجرت والكهرباء والماء قطعت والمواد الغذائية نفذت، والجرحى دون أطباء أو أدوية، والشهداء في الشوارع بسبب حصار حركة أمل واللواء السادس والثامن ومن يساندهم في البرزة" [نقلاً عن عبد الله الغريب/أمل والمخيمات الفلسطينية], وهذان اللواءان جل تعدادهم من الشيعة الإمامية, وللمفارقة؛ فإن من أمدهم بالعتاد والوقود كان مجرم الحرب "السابق" (قبل أن تسقط جرائمه بالتقادم, ويوضع اسمه أعلى قائمة المرشحين لخلافة (الرئيس اللبناني) إيميل لحود!!) العماد ميشيل عون.. الحال لم يتغير الآن برغم الأقنعة الليبرالية الزائفة.. عون زعيم التيار "الحر" يتحالف مع حسن نصر الله, صاحب الحنجرة العالية والعدد القليل من القتلى "الإسرائيليين" الذين قضوا بذراعه الإيراني العسكري, بما لا يقارن مع من قتلتهم الميليشيات الشيعية في مخيم صبرا قبل عشرين عاماً. عون بمعية نصر الله اليوم لنسف تحالف 14 مارس, ليجعل السنَّة مجدداً منفردين, ظهورهم للحائط..
اللواءان السادس والثامن الطائفيان في الجيش اللبناني يدعمان منظمة أمل في مجزرتها ببيروت ضد اللاجئين الفلسطينيين.. وبعد عشرين عاماً: لواءا الذئب والعقرب الطائفيان في الداخلية العراقية يدعمان منظمة بدر في بغداد في مجزرة أصغر حجماً ضد اللاجئين الفلسطينيين في بغداد..
ميشيل عون قدم عوناً لمليشيات أمل بزعامة الطائفي نبيه بري, أما جورج بوش فقد درًّبت قواته عناصر الشرطة العراقية برئاسة الطائفي بيان جبر صولاغ.. جبهة الإنقاذ الفلسطينية تصرخ " إن المنازل جرفت والمساجد خربت", فصائل منظمة التحرير الفلسطينية تحذر في بيان لها من بيروت أيضاً من "مجزرة شبيهة بمجازر صبرا وشاتيلا , وهذا يستلزم استنهاض كافة الطاقات الشعبية والنقابية والرسمية الفلسطينية للعمل والشعب بقوة من اجل عودة أبناء الجالية الفلسطينية في العراق إلى موطنهم فلسطين" كما جاء في بيانها المترافق مع ازدياد معاناة الفلسطينيين في العراق.. أما المساجد فلا فرق أن تكون فلسطينية أو عراقية في العراق, ذاك أن مناطق السنة بوجه عام تعرضت لتخريب شمل العشرات من المساجد طبقاً لبيان هيئة علماء المسلمين في العراق بلغ 180 مسجداً إثر أحداث تفجير القبة الذهبية وفي مدة زمنية لم تتجاوز شهراً, وهو هم يحمله العراقيون السنة كما الفلسطينيون في العراق.
وإن صمتت الآن أجهزة الإعلام الصهيونية عن تتبع المأساة الفلسطينية؛ فإنها في الماضي أماطت ألثمة التعتيم عن تواطؤ بين الكيان الصهيوني ومثل هذه المليشيات في تنفيذ هذه المجازر يصل لحد التنسيق والتشجيع والمساندة, وقد قالت صحيفة جروزاليم بوست العبرية ( 23/5/1985 وفقاً لكتاب أمل والمخيمات الفلسطينية): "إنه لا ينبغي تجاهل تلاقي مصالح أمل وإسرائيل، التي تقوم على أساس الرغبة المشتركة في الحفاظ على منطقة جنوب لبنان وجعلها منطقة آمنة خالية من أي هجمات ضد إسرائيل", كما لا يغيب عن كثير من الخبراء من جهة أخرى التشابه اللافت بين الطريقة التي تتم بها المذابح في المدن العراقية وحتى مجمعات اللاجئين الفلسطينيين والأسلوب الصهيوني الذي بات اللغة السائدة للقتل والتهجير طبقاً لسياسة الأرض المحروقة "الإسرائيلية"..
الآليات واحدة هنا وهناك, والفاعل واحد هو ميليشيا (أمل/بدر) والهدف واحد الفلسطينيون في قبل بيروت أو قلب بغداد.. المساجد كما المساجد.. المذابح كما المذابح.. التهديدات كما التهديدات .. اللاجئون هم اللاجئون.. التهجير هو التهجير.. الخسة في الإجهاز على من نجوا من قبضة الصهاينة هي الخسة كذلك.. وأي دناءة تسفل عن ذبح نساء وأطفال خرجوا من ديارهم وهم ألوف خشية موت من سياسة تنفذها ضدهم عصابات الصهيونية الإرهابية؟!
الفروق قليلة: فاللاجئون الفلسطينيون في لبنان جاوزوا ثلث مليون نسمة, فيما لاجئو فلسطين في العراق لا يتعدون خمسين ألفاً وفقاً لإحصاءات رسمية, والأولون لم يحظوا بأي قدر من الاهتمام الإعلامي في وقت منع رجال أمل واللواءان المجرمان مندوبي الصحف والوكالات من تغطية المجازر, بينما تمضي مجازر بغداد في ظل عصر الفضائيات وثورة المعلومات الهائلة..
يقول رجل الأعمال الفلسطيني عبد الكريم درويش :"لا يمكن لأي جهة مشبوهة مثل فيلق بدر أن تمس هذه العلاقة الأخوية بين الشعبين الفلسطيني والعراقي, فالشعب العراقي احتضن اللاجئين الفلسطينيين منذ النكبة غير أن فيلق بدر يرتكب جرائم بحق الفلسطينيين بتشجيع من جهات معينة". [دنيا الوطن 28/2/2006] وهو هنا يدلل على تورط بدر في هذه الجرائم, وبعد تصريحه بشهر كان قاطنو مجمع البلديات (أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في العراق ويضم 10 آلاف نسمة) يتحدثون وفقا للمصدر نفسه عن اقتحام مجموعة من لواء الذئب الطائفي في الداخلية العراقية للمجمع ناشرين في جنباته الرعب.. فيما أكد دليل قسوس القائم بالأعمال الفلسطيني في العراق أن 60 فلسطينياً قتلوا في العراق بحجة انتمائهم لـ"الصداميين", ويعزز ذلك ما وزعته منظمات طائفية مجهولة من منشورات تدعو الفلسطينيين إلى الرحيل, جاء في بعضها :"إلى الخونة من الفلسطينيين الوهابيين التكفيريين النواصب الصداميين البعثيين الساكنين في منطقة الشؤون في مدينة الحرية عليكم مغادرة أماكنكم خلال 10 أيام وإلا سنقوم بتصفيتكم". التوقيع "سرايا يوم الحساب" [الشرق الأوسط 27/3/2006].. الرعب انتشر مع بث المنشورات تلك حتى هجرت 16 عائلة منازلها باتجاه الأردن وافترشت 300 عائلة الأخرى العراء قبالة مجمع البلديات إذعاناً لأوامر الطائفيين من فيلق بدر وغيره, حتى طفح الكيل بأحد اللاجئين فقال للصحيفة ذاتها : "نكبتنا بدأت في مايو 2005 عندما وجهت أصابع الاتهام إلى أربعة فلسطينيين في بغداد الجديدة ويوم 12 مايو في العراق بالنسبة لنا يوازي يوم النكبة، أي 14 مايو وقيام دولة إسرائيل" (والمفارقة أنها أيضاً مرت بمايو 1985 حين جزت ميليشيا أمل رؤوس الفلسطينيين في صبرا)..
ويبدو التاريخ لم يغير من طبيعة الحنق الطائفي شيئاً, فحنق نبيه بري على الفلسطينيين هو ذاته بغي صولاغ عليهم.. كما لم يكن السيستاني والحكيم في عزفهما على أوتار الاحتلال بأحسن حالاً من نصير الدين الطوسي وابن العلقمي حين عبدا الطريق للتتار..