التطاول على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ رؤية أعمق وأشمل
محمد جلال القصاص
25 - 2 - 2008
التعدي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينبع من عبّاد الصليب ، هم المستنقع الآسن الذي يغرف منه من يتطاولون ، وعندهم النفق المظلم الذي يتآمر فيه الحاقدون على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ما حدث هو أن النصارى أعادوا قراءة ( التراث الإسلامي ) ـ كما يسمونه ـ من جديد ، وأعادوا صياغة المفاهيم الإسلامية ، وكانوا جادين في هذا الأمر ، فأخرجوا ( دائرة المعارف الإسلامية ) وهي عمل ضخم يعطي تصوراً مغلوطاً عن كثير من مفاهيم الإسلام بل كل مفاهيم الإسلام ، وشخصياته ، وأحداثه التاريخية ، وخاصة في القرن الأول الهجري . أو الأحداث التي ترتبط بالعقيدة الإسلامية ( الفرق والمذاهب ) . كان عملا جادا دؤوبا بدأ في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي ، ولا زال مستمراً إلى اليوم .
وتم تسريب هذه المفاهيم ، أو بالأحرى تم تسريب فكرة إعادة قراءة السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي وأحكام الإسلام إلى نفر من ( المسلمين ) ذوي الخلفيات الفكرية الغربية ، وبالفعل نشط قوم ـ جاهلون أو حاقدون أو باحثون عن ذواتهم ـ يقرءون التاريخ الإسلامي بمفاهيم ما ننكره فيها أكثر مما نعرفه ، والشر إن خُلط بالخير وتعذر فصله هو شر جديد وقد يكون أشد في كونه يلتبس على عامة المسلمين ، فظهرت كتابات كثيرة تقرأ السيرة بمنظور جديد ، أخفها يفسر النور الذي أضاء الدنيا على يد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ بأنه كان بعبقرية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعبقرية عمر وأبي بكر وعلي وخالد وغيرهم ـ رضي الله عن الجميع ـ ، يسند النصر للأشخاص لا للمنهج ، ولولا أن أضاء المنهج هذه الصدور ما فعلت شيئا . وهو فكر يعطي جملة مفادها ، أن النصر كان بهؤلاء العباقرة ، فابحثوا عن مثلهم . أو فامدحوهم هم .
وظهرت كتابات أخرى تعيد قراءة ( التراث الإسلامي ) ، كانت أكثر جرأة على دين الله ، من أمثال ( نحو أفاق إسلامية أوسع ) لأبكار السقاف ، ثم ظهرت موجة من المنهزمين ، الذين قرءوا الشريعة بعين الغرب . وهو أمر بيّن يعلمه الجميع .
ثم ظهرت موجة أشد وهي التي تضربنا الآن ، كَتَبَ النصارى بأيديهم عن الوحي ، وعن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقولون علمته خديجة ، ويقولون كان ملكا يطلب ملك أبيه ، ويقولون حكايات يهود شربها جدّه عبد المطلب ثم سقاه إياها فنبت نبيا . ويقولون كان تطوراً طبعيا للبيئة وقتها .
وهذا قول النصارى المارونيين ، وصل إلينا على ظهر ( خليل عبد الكريم ) الذي هلك من سنوات قليلة ـ و ( سيد القمني ) ـ لا زال حيا ـ يتكلم. ثم عاد هذا الكلام ثانية على يد زكريا بطرس ، يتلوه على الناس على أنه قول المسلمين .!!
فاشتد سعير هذه الحملة بدخول النصارى مع المنحرفين ، مستخدمين كل الوسائل المتاحة من حوار تلفزيوني ومقال كتابي ، وعرض سينمائي الخ، وكان من آثار ذلك:
1 ـ ثارت الجماهير ، وتبلبل فكرها ، وارتد نفر منهم . وهو أمر يسمع به الداني والقاصي .
2 ـ نشط ( القرآنيون ) بدعوى الدفاع عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينكرون السنة ، ويتطاولون على البخاري ومسلم . ويقدمون أنفسهم على أنهم مدافعين عن الإسلام . !!
3 ـ تجرأ الملحدون على جناب النبي الكريم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حتى كتبت هذه المجرمة كتابها ونشرته بيننا ، وهي آمنة مطمئنة من أن يراجعها أحد بلسانه أو بقلمه أو بيده .
4ـ ثارت بعض القضايا الفكرية على الساحة الدعوية ، مثل ( رضاع الكبير ) ، ( مدة الحمل ) ، ( حد الردة ) ، ( الجهاد ) ، ( أهل الذمة ) . فهذه كلها مصدرها النصارى الذين يتطاولون على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى الدين .
5ـ تم النبش عن المنحرفين من تحت ركام الأيام ، وجرى إخراجهم للناس ، فمن كان سيعرف ( خليل عبد الكريم ) أو ( أبكار السقاف ) أو غيرهم . و ( دائرة المعارف الإسلامية ) ... الخ
6 ـ دخل أهل الفن والرقص ، ومن لا نعرف له سندا إلى أهل العلم ، ولم نسمع منه متنا صحيحا ـ الدعاة الجدد ـ يتكلمون ، ويجدون من يسمعهم ..
فهم الآن يجلسون على ضفة نهرنا الصافية ، ويعكرون صفو مائنا بأحجارٍ يلقونها بين الحين والآخر، فصرنا وراء الحدث ، ندفعه أو نحكيه ونحلله ، وليت شعري متى نكون أمامه نقوده ونوجهه .
فرصة سانحة
ـ يمسك الزمام الآن المتطرفون من النصارى والملحدون ، من أمثال زكريا بطرس ، وسيد القمني وهذه المرأة الوضيعة التي تجرأت على جناب الحبيب ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ . وقد ساقوا قومهم إلى حتفهم ، إذ أصبحت المواجهة الآن صريحة بين النصرانية وبين الإسلام ، هم يدعون الناس للكفر لأن الإسلام لا يصلح أن يكون هو الدين ، ويدعون الناس لرفض سنة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأنه لم يكن على خلق عظيم ـ بزعمهم وهم كاذبون ـ ويدعون الناس إلى الكفر ـ أو الفسوق ـ كونه الصراط المستقيم.
ومواجهة من هذا الشأن يمكن حسمها في أيام ، لو أن من يدافع عن ديننا ممن يسمع له ، وممن يعرفه الناس ويثقون فيه ... أشير إلي من منَّ الله عليهم بالتحدث للناس في القنوات الفضائية ، والكاسيت من شيوخنا حفظهم الله . وأناديهم أن شمروا واشتدوا فقد ألقت إليكم النصرانية بزمامها ، وجاءت بكل عزيز عليها ، ووالله ما هو إلا أن تدور رحاها ساعة حتى تكون العزة لله ورسوله وعباده المؤمنين . وهو عز الدنيا والآخرة .
أيها الكرام !
التاريخ أصم أو يكاد .. يرى الفعال ، ولا يسمع الكلمات .
والتاريخ يختزل عُمْرَ أحدنا في مواقفه وأفعاله ، خيراً أو شراً ، ومن لا مواقف له لا تاريخ له .
والرُتَبْ في الإسلام بالأفعال لا بالأقوال : ( ربح البيع أبا يحى ) ( ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم ) ( نصرت الله ورسوله يا عمير ) ... .
والمقصود :
أولاً: المشكلة ( التطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم ) ـ عميقة ، وما يحدث ثمرة لشجرة خبيثة زرعت من قرن أو يزيد من الزمن ، ويجب قلعها من جذورها .
ـ قضية التطاول ليست شخصية تتعلق بتهجم من امرأة أو رجل ، وإنما هو توجه عام ، أو فكر عام تم بثه بين الناس ويظهر آثاره بين حين وحين علي يد هذا أو هذه .
ثانياً: القضية شرعية بالدرجة الأولى ، ويمكن معالجتها بعيدا عن الاحتكاك بالساسة ، ومن يرهبون الناس حفاظاً على أمن دولتهم ـ زعموا ـ .
ثالثاً: الجماهير الآن فقدت الثقة في ساستها ، , وأفلس منظروا القومية والوطنية وغيرها ، وزمامها خَلِيّ ، شربت كل الكؤوس حتى ملّت ، وأصبح الخطاب الديني هو المقبول عندها ، فهي الآن تحت أرجلكم قد ضفرت شعرها ، ولبست ما عندها ، ومدت يدها ، وبرقت عينها لهفا على ودّكم ، فأنتم أنتم .!!
رابعاً: ويتبع هذا القولُ بأن ( الدعاة الجدد ) خطر ، بشكل أو بآخر ، فهم يدُ المنهزمين الآن لقطع الطريق على الجادين ، أو لإدخال الأمة في طريق ملتوي ، أو لفتح دوامات فكرية أقل نتائجها استقطاب الجهد وتفريق الصف . والحمد لله أن كان عندنا منهج ( الجرح ) و ( التعديل ) .
خامساً: ولا يخفى على حضراتكم أن الانحرافات العقدية ثبتت واستقرت في الأمة بأدعياء وخاصة إذا كان معهم السلطان . كان الإرجاء وكان أهل السنة في وجوههم ، ثم جاء أهل الكلام كحل وسط بين هؤلاء وهؤلاء ـ هكذا قالوا ـ فقبلتهم الجماهير بعد أن كلَّت وملّت ، أو قبلتهم باعتبار أن ( الوسطية ) مقبولة عند عامة المثقفين . وأدخلوا الأمة في تيه طويل حتى جاء شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المجددين.
سادساً: النصارى ـ وهم سبب كل ما يحدث ـ لا يتحملون حديثاً يتكلم عن ما في كتابهم من خرافات ، وبذاءات ، وأحكام كأن مشرعها صبي أو سفيه ، وأراه دون ذلك .
أعرف أن حديثا عن النصرانية لا نستطيع التحدث به في قنوات فضائية ، خشية أن يقال ( نثير الفتنة ) ولكن يكفي أن يشار إلى طلبة العلم بأن تعلموا شيئا عن النصرانية .أو أن يتحدث عن النصرانية في المواسم ، أو شرائط الكاسيت من باب المقارنه ، ولن يكونوا أجرأ منا ، وقد رأينا من حالهم ونحن ننازلهم أن لا شيء يألمهم أكثر من التحدث عن الكتاب ( المقدس ) ، وماذا قال عن أنبياء الله ، وعن الله ، وعن المرأة ، وغير ذلك من أحاديث .
مقترحات عملية :
1 ـ تقوم القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت بعرض برامج فلاشية أو دروس صوتية أو حوارية أو غير ذلك عن المصادر الفاسدة التي يتكلم هؤلاء منها ، كدائرة المعارف الإسلامية ، وكتب خليل عبد الكريم ، وسيد القمني . وأبكار السقاف ، والعقاد . وغيرهم .
2 ـ نقوم بعمل إضاءة على كتب التراث الإسلامي ، وبث ثقافة عامة في علم الحديث وعلم التاريخ ، كي يعرف الناس ما يأخذون وما يتركون . وتبرز الشخصيات الإسلامية كنموذج يحتذى به .
3 ـ نقوم بعرض برنامج للرد على الشبهات المثارة حول الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، وتتناول شبهات النصارى صراحة ، دون تسمية أشخاص ، أو بتسميتهم إن كانت تطيق .
ولي بحث آخر أرد فيه على الكذاب اللئيم زكريا بطرس ـ مصدر كل شر الآن ـ كدت أنتهي منه ، فمن يرى تزكيته أو طباعته ، ولا أبحث عن ربح ، فالحمد لله ميسور الحال .
4 ـ رسم إستراتيجية عامة للدعوة ، يكون محورها الأساسي الدفاع عن الدين ككل ، والتصدي للأفكار والأشخاص الهدامة ، يعلوها ـ الاستراتيجية ـ الانتصار للحبيب صلى الله عليه وسلم ـ .
كتبت لأقول إن للمشكلة جذوراً عميقة ، وشجرتها لا زالت تجد من يسقيها ، ولا زالت تثمر ، وأنها فرصة سانحة لتقديم مشروع دعوي تاريخي يتصدى لكل أعداء الأمة ، وهي فرصة لتجميع الأمة تحت شعار نصرة الحبيب ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ . فأن نجتمع على نصرة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، خير من أن نجتمع على الجاهل فريق يعذره وفريق لا يعذره ، أو على المبدل والمنحي للشريعة نلحقة بالمرتدين أم بالفاسقين ؟
محمد جلال القصاص
25 - 2 - 2008
جذور المشكلة :
التعدي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينبع من عبّاد الصليب ، هم المستنقع الآسن الذي يغرف منه من يتطاولون ، وعندهم النفق المظلم الذي يتآمر فيه الحاقدون على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ما حدث هو أن النصارى أعادوا قراءة ( التراث الإسلامي ) ـ كما يسمونه ـ من جديد ، وأعادوا صياغة المفاهيم الإسلامية ، وكانوا جادين في هذا الأمر ، فأخرجوا ( دائرة المعارف الإسلامية ) وهي عمل ضخم يعطي تصوراً مغلوطاً عن كثير من مفاهيم الإسلام بل كل مفاهيم الإسلام ، وشخصياته ، وأحداثه التاريخية ، وخاصة في القرن الأول الهجري . أو الأحداث التي ترتبط بالعقيدة الإسلامية ( الفرق والمذاهب ) . كان عملا جادا دؤوبا بدأ في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي ، ولا زال مستمراً إلى اليوم .
وتم تسريب هذه المفاهيم ، أو بالأحرى تم تسريب فكرة إعادة قراءة السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي وأحكام الإسلام إلى نفر من ( المسلمين ) ذوي الخلفيات الفكرية الغربية ، وبالفعل نشط قوم ـ جاهلون أو حاقدون أو باحثون عن ذواتهم ـ يقرءون التاريخ الإسلامي بمفاهيم ما ننكره فيها أكثر مما نعرفه ، والشر إن خُلط بالخير وتعذر فصله هو شر جديد وقد يكون أشد في كونه يلتبس على عامة المسلمين ، فظهرت كتابات كثيرة تقرأ السيرة بمنظور جديد ، أخفها يفسر النور الذي أضاء الدنيا على يد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ بأنه كان بعبقرية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعبقرية عمر وأبي بكر وعلي وخالد وغيرهم ـ رضي الله عن الجميع ـ ، يسند النصر للأشخاص لا للمنهج ، ولولا أن أضاء المنهج هذه الصدور ما فعلت شيئا . وهو فكر يعطي جملة مفادها ، أن النصر كان بهؤلاء العباقرة ، فابحثوا عن مثلهم . أو فامدحوهم هم .
وظهرت كتابات أخرى تعيد قراءة ( التراث الإسلامي ) ، كانت أكثر جرأة على دين الله ، من أمثال ( نحو أفاق إسلامية أوسع ) لأبكار السقاف ، ثم ظهرت موجة من المنهزمين ، الذين قرءوا الشريعة بعين الغرب . وهو أمر بيّن يعلمه الجميع .
ثم ظهرت موجة أشد وهي التي تضربنا الآن ، كَتَبَ النصارى بأيديهم عن الوحي ، وعن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقولون علمته خديجة ، ويقولون كان ملكا يطلب ملك أبيه ، ويقولون حكايات يهود شربها جدّه عبد المطلب ثم سقاه إياها فنبت نبيا . ويقولون كان تطوراً طبعيا للبيئة وقتها .
وهذا قول النصارى المارونيين ، وصل إلينا على ظهر ( خليل عبد الكريم ) الذي هلك من سنوات قليلة ـ و ( سيد القمني ) ـ لا زال حيا ـ يتكلم. ثم عاد هذا الكلام ثانية على يد زكريا بطرس ، يتلوه على الناس على أنه قول المسلمين .!!
فاشتد سعير هذه الحملة بدخول النصارى مع المنحرفين ، مستخدمين كل الوسائل المتاحة من حوار تلفزيوني ومقال كتابي ، وعرض سينمائي الخ، وكان من آثار ذلك:
1 ـ ثارت الجماهير ، وتبلبل فكرها ، وارتد نفر منهم . وهو أمر يسمع به الداني والقاصي .
2 ـ نشط ( القرآنيون ) بدعوى الدفاع عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينكرون السنة ، ويتطاولون على البخاري ومسلم . ويقدمون أنفسهم على أنهم مدافعين عن الإسلام . !!
3 ـ تجرأ الملحدون على جناب النبي الكريم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حتى كتبت هذه المجرمة كتابها ونشرته بيننا ، وهي آمنة مطمئنة من أن يراجعها أحد بلسانه أو بقلمه أو بيده .
4ـ ثارت بعض القضايا الفكرية على الساحة الدعوية ، مثل ( رضاع الكبير ) ، ( مدة الحمل ) ، ( حد الردة ) ، ( الجهاد ) ، ( أهل الذمة ) . فهذه كلها مصدرها النصارى الذين يتطاولون على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى الدين .
5ـ تم النبش عن المنحرفين من تحت ركام الأيام ، وجرى إخراجهم للناس ، فمن كان سيعرف ( خليل عبد الكريم ) أو ( أبكار السقاف ) أو غيرهم . و ( دائرة المعارف الإسلامية ) ... الخ
6 ـ دخل أهل الفن والرقص ، ومن لا نعرف له سندا إلى أهل العلم ، ولم نسمع منه متنا صحيحا ـ الدعاة الجدد ـ يتكلمون ، ويجدون من يسمعهم ..
فهم الآن يجلسون على ضفة نهرنا الصافية ، ويعكرون صفو مائنا بأحجارٍ يلقونها بين الحين والآخر، فصرنا وراء الحدث ، ندفعه أو نحكيه ونحلله ، وليت شعري متى نكون أمامه نقوده ونوجهه .
فرصة سانحة
ـ يمسك الزمام الآن المتطرفون من النصارى والملحدون ، من أمثال زكريا بطرس ، وسيد القمني وهذه المرأة الوضيعة التي تجرأت على جناب الحبيب ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ . وقد ساقوا قومهم إلى حتفهم ، إذ أصبحت المواجهة الآن صريحة بين النصرانية وبين الإسلام ، هم يدعون الناس للكفر لأن الإسلام لا يصلح أن يكون هو الدين ، ويدعون الناس لرفض سنة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأنه لم يكن على خلق عظيم ـ بزعمهم وهم كاذبون ـ ويدعون الناس إلى الكفر ـ أو الفسوق ـ كونه الصراط المستقيم.
ومواجهة من هذا الشأن يمكن حسمها في أيام ، لو أن من يدافع عن ديننا ممن يسمع له ، وممن يعرفه الناس ويثقون فيه ... أشير إلي من منَّ الله عليهم بالتحدث للناس في القنوات الفضائية ، والكاسيت من شيوخنا حفظهم الله . وأناديهم أن شمروا واشتدوا فقد ألقت إليكم النصرانية بزمامها ، وجاءت بكل عزيز عليها ، ووالله ما هو إلا أن تدور رحاها ساعة حتى تكون العزة لله ورسوله وعباده المؤمنين . وهو عز الدنيا والآخرة .
أيها الكرام !
التاريخ أصم أو يكاد .. يرى الفعال ، ولا يسمع الكلمات .
والتاريخ يختزل عُمْرَ أحدنا في مواقفه وأفعاله ، خيراً أو شراً ، ومن لا مواقف له لا تاريخ له .
والرُتَبْ في الإسلام بالأفعال لا بالأقوال : ( ربح البيع أبا يحى ) ( ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم ) ( نصرت الله ورسوله يا عمير ) ... .
والمقصود :
أولاً: المشكلة ( التطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم ) ـ عميقة ، وما يحدث ثمرة لشجرة خبيثة زرعت من قرن أو يزيد من الزمن ، ويجب قلعها من جذورها .
ـ قضية التطاول ليست شخصية تتعلق بتهجم من امرأة أو رجل ، وإنما هو توجه عام ، أو فكر عام تم بثه بين الناس ويظهر آثاره بين حين وحين علي يد هذا أو هذه .
ثانياً: القضية شرعية بالدرجة الأولى ، ويمكن معالجتها بعيدا عن الاحتكاك بالساسة ، ومن يرهبون الناس حفاظاً على أمن دولتهم ـ زعموا ـ .
ثالثاً: الجماهير الآن فقدت الثقة في ساستها ، , وأفلس منظروا القومية والوطنية وغيرها ، وزمامها خَلِيّ ، شربت كل الكؤوس حتى ملّت ، وأصبح الخطاب الديني هو المقبول عندها ، فهي الآن تحت أرجلكم قد ضفرت شعرها ، ولبست ما عندها ، ومدت يدها ، وبرقت عينها لهفا على ودّكم ، فأنتم أنتم .!!
رابعاً: ويتبع هذا القولُ بأن ( الدعاة الجدد ) خطر ، بشكل أو بآخر ، فهم يدُ المنهزمين الآن لقطع الطريق على الجادين ، أو لإدخال الأمة في طريق ملتوي ، أو لفتح دوامات فكرية أقل نتائجها استقطاب الجهد وتفريق الصف . والحمد لله أن كان عندنا منهج ( الجرح ) و ( التعديل ) .
خامساً: ولا يخفى على حضراتكم أن الانحرافات العقدية ثبتت واستقرت في الأمة بأدعياء وخاصة إذا كان معهم السلطان . كان الإرجاء وكان أهل السنة في وجوههم ، ثم جاء أهل الكلام كحل وسط بين هؤلاء وهؤلاء ـ هكذا قالوا ـ فقبلتهم الجماهير بعد أن كلَّت وملّت ، أو قبلتهم باعتبار أن ( الوسطية ) مقبولة عند عامة المثقفين . وأدخلوا الأمة في تيه طويل حتى جاء شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المجددين.
سادساً: النصارى ـ وهم سبب كل ما يحدث ـ لا يتحملون حديثاً يتكلم عن ما في كتابهم من خرافات ، وبذاءات ، وأحكام كأن مشرعها صبي أو سفيه ، وأراه دون ذلك .
أعرف أن حديثا عن النصرانية لا نستطيع التحدث به في قنوات فضائية ، خشية أن يقال ( نثير الفتنة ) ولكن يكفي أن يشار إلى طلبة العلم بأن تعلموا شيئا عن النصرانية .أو أن يتحدث عن النصرانية في المواسم ، أو شرائط الكاسيت من باب المقارنه ، ولن يكونوا أجرأ منا ، وقد رأينا من حالهم ونحن ننازلهم أن لا شيء يألمهم أكثر من التحدث عن الكتاب ( المقدس ) ، وماذا قال عن أنبياء الله ، وعن الله ، وعن المرأة ، وغير ذلك من أحاديث .
مقترحات عملية :
1 ـ تقوم القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت بعرض برامج فلاشية أو دروس صوتية أو حوارية أو غير ذلك عن المصادر الفاسدة التي يتكلم هؤلاء منها ، كدائرة المعارف الإسلامية ، وكتب خليل عبد الكريم ، وسيد القمني . وأبكار السقاف ، والعقاد . وغيرهم .
2 ـ نقوم بعمل إضاءة على كتب التراث الإسلامي ، وبث ثقافة عامة في علم الحديث وعلم التاريخ ، كي يعرف الناس ما يأخذون وما يتركون . وتبرز الشخصيات الإسلامية كنموذج يحتذى به .
3 ـ نقوم بعرض برنامج للرد على الشبهات المثارة حول الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، وتتناول شبهات النصارى صراحة ، دون تسمية أشخاص ، أو بتسميتهم إن كانت تطيق .
ولي بحث آخر أرد فيه على الكذاب اللئيم زكريا بطرس ـ مصدر كل شر الآن ـ كدت أنتهي منه ، فمن يرى تزكيته أو طباعته ، ولا أبحث عن ربح ، فالحمد لله ميسور الحال .
4 ـ رسم إستراتيجية عامة للدعوة ، يكون محورها الأساسي الدفاع عن الدين ككل ، والتصدي للأفكار والأشخاص الهدامة ، يعلوها ـ الاستراتيجية ـ الانتصار للحبيب صلى الله عليه وسلم ـ .
كتبت لأقول إن للمشكلة جذوراً عميقة ، وشجرتها لا زالت تجد من يسقيها ، ولا زالت تثمر ، وأنها فرصة سانحة لتقديم مشروع دعوي تاريخي يتصدى لكل أعداء الأمة ، وهي فرصة لتجميع الأمة تحت شعار نصرة الحبيب ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ . فأن نجتمع على نصرة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، خير من أن نجتمع على الجاهل فريق يعذره وفريق لا يعذره ، أو على المبدل والمنحي للشريعة نلحقة بالمرتدين أم بالفاسقين ؟