التنصت والتشويش والرادارات والحرب الكترونيه عدة مواضيع دسمه مدمجه
تقوم الطائرات المحشوة بالإلكترونيات بعملها منذ وقت مبكر جداً لتفاجئ دفاعات الخصم وتعمّيها، ويعود تصميمها إلى أيام الحرب الباردة، غير أنها ما فتئت تتحسن باستمرار، حتى أضحت حتمية لكل جيش حديث. وتتوزع هذه الطائرات، بشكل تبسيطي، في ثلاث فئات رئيسية: التنصت الإلكتروني، والتشويش الهجومي، ومهاجمة وسائل الدفاع.
تتمثل مهمة طائرات التنصت الإلكتروني، التي ظهرت بكثرة خلال الحرب الباردة، في التجول بطول حدود البلد المستهدف لجمع أكبر قدر من المعلومات حول رادارات الدفاع الجوي، وشبكات القيادة، وحالة استعداد القوات البرية، والجوية والبحرية.
في داخل هذه الطائرات المحشوة بالإلكترونيات، التي تستمر مهامها أحياناً أكثر من عشر ساعات، هنالك اختصاصيو استعلام مدربون على أجهزة التنصت الأحدث ومنظومات السلاح من كل الأنواع. الطائرات الأشهر ضمن هذه الفئة هي الأمريكية. ونعني بها ال Rc-135 Rivet Joint، المشتقة من البوينغ 757 ومن ال EP-3E (المشتقة من طائرة الدورية P-3 Orion).
هذه الطائرات، التي يعود تصميمها إلى ستينيات القرن العشرين، قادرة على القيام بمهمات لمدة عشر ساعات أو أكثر. وقد وضعت في الخدمة إبان ستينيات وسبعينيات القرن العشرين للتجسس على الرادارات الروسية، والفيتنامية الشمالية، وللعثور على ثغرات في الأنظمة الدفاعية الأحدث. وبعد إخضاعها لعدد من التحسينات، عادت لتظهر بانتظام في عرض يوغسلافيا، والصين، والعراق.
بعد المعالجة، يغذي جزءٌ من المعلومات التي تحصل عليها هذه الطائرات أجهزةَ الحماية الذاتية للطائرات القتالية وقواعد المعلومات التكتيكية. وبهذه الطريقة، يَسْهُل تحديد القاعدة الجوية، ومركز القيادة، أو أيضاً نوع الطائرة الخاصة، وذلك من خلال عملية البث الكهرومغنطيسي الذي تطلقه هذه العناصر الأخيرة.
نموذجياً، تشتمل كل واحدة من هذه الطائرات على أربعة أقسام متمايزة: مكوِّن حامل Porteur (الطائرة والطيارون)؛ ومكوّن Elint (التنصت إلى الرادارات)؛ ومكوّن Comint (التنصت إلى الاتصالات)؛ أخيراً مكوّن غونيومتري goniometrie، مكرس لتحديد مواضع الإشارات الملتقطة. ومستقبلات هذه الطائرة الفائقة الحساسية موصولة بهوائيات مدمجة في البدن أو محمية تحت قبة هوائي الرادار القابل للسحب retractable وتكون الطائرات، خلال كل مهمة قادرة على التجسس على إشارات الخصم اللاسلكية على مسافة مئات الكيلومترات وبنطاق تردد واسع جداً (يمكن لبعض الطائرات، حسب بعض التقديرات، التغطية من 0,5 ميغاهرتز إلى 40 جيغاهرتز). وربما أصبحت قادرة، منذ وقت قصير، على أخذ البصمات Fingerprinting، أي تعيين رادارين من الطراز نفسه من خلال اختلافات ضئيلة في التردد المستخدم أو نمط التضمين .modulation
نقطة ضعف
في ميدان التنصت على الاتصالات، تقوم طائرات RC-135 Rivet Joint بما هو أحدث من ذلك: هذه الطائرات مجهزة بمنظومات تنصت على الهواتف النقالة والأجهزة الهاتفية العاملة بالأقمار الصنعية.
تعمل هذه الطائرات عادة بالتعاون مع طائرات المراقبة الجويةAwacs وStars (مراقبة الأرض). لذلك، فهي مزودة بوسائل بث آمنة عالية الإنتاجية. وإذا كانت منظومات مهام هذه الطائرات تتيح لها التحليق على مسافة أمان من وسائل دفاع الخصم، فإنها بالمقابل شديدة التعرض للنيران، لأنها بطيئة وضعيفة المناورة في حالات الخطر.
خلال المهام النموذجية، تكون الأولوية لدى مَلاَكاتها هي لتأمين سلامة الأطقم...، التي يطلب منها أحياناً تجاوز حدود الخصم للحصول على استقبال أفضل. وفي ذلك مخاطر محتملة. وكانت مثل هذه المغامرة قد حدثت منذ أشهر مع طائرة EP-3E تابعة للأسطول الأمريكي عندما ضُبطت على مقربة من قاعدة صينية. وبعد أن أجبِرت على الهبوط في الأراضي الصينية، تسنى للطاقم وقتٌ لتشغيل جهاز التدمير الذاتي لمنظومة المهمة قبل الهبوط بدقائق، مما جعل الوصول إلى محتوى المهمة أمراً متعذراً من الناحية النظرية.
ووفقاً للعديد من الخبراء الأمريكيين، فإن الصينيين تمكنوا مع ذلك من وضع يدهم على مكونات فائقة الحساسية في منظومة المهمة... قبل إعادة الطائرة إلى الأمريكيين.
في هذا النوع من المهمات، يتمثل الأمر الجوهري أحياناً في التحليق أعلى ما يمكن للتخلص من الدفاعات المعادية وتحسين مدى الاستقبال، وقد أفضى هذا المفهوم إلى صنع الطائرة الشهيرة U-2 القادرة على التحليق على علو أكثر من 21000 متر، وأيضاً الطائرة غير المأهولة Hale Global Hawk المكرسة للحلول محل U-2 في غضون بضع سنوات.
يقوم الاستعراض الآخر على التحليق عالياً وبسرعة، وهو الميدان الذي كان مخصصاً حتى خمس سنوات مضت للطائرة السرية جداً SR-71 Blackbird، القادرة -حسبما يقال- على تجاوز 3500 كم- سا للتحليق فوق روسيا بكل أمان. ومن خلالها أمكن التقاط صور للقواعد الروسية الرئيسية وإنجاز دراسات إشارات رادارات الدفاع الجوي. وربما تكون هذه الطائرة، المصنوعة من التيتان، قد استُبدل بها في سلاح الجو الأمريكي طائرة فرط صوتية خفية مشتقة من البرنامج البحثي Aurora.
في ميدان التشويش الإلكتروني، الأعقد، تندر الطائرات، حيث لا توجد سوى طائرتين قادرتين على الاضطلاع بهذه المهمة: ال EA-6B Prowler وال EC-130 Compass Call، وتعود الأولى، EA-6B Prowler، في أصلها إلى الطائرة الهجومية المحمولة Intruder التي وضعت في الخدمة في ستينيات القرن العشرين. وتَسْتَخدم هذه الطائرةُ، المسلحة بطاقم من أربعة أشخاص: قائد الطائرة وثلاثة اختصاصيين، منظومةَ تشويش فائقة القدرة تسمى ALQ-99. ويظهر وجود هذه المنظومة في الطائرة على شكل هوائيات موزعة على البدن، ومجموعة الذيل والجناحين. يقوم قسم التشويش على ثلاث باسنات (سِلال) nacelles مجهزة بمحركات هوائية صغيرة في الجزء الأمامي، وكل منها قادرة على تشويش عدة مصادر تهديد. وقد برهنت ال EA-6B Prowler التي تُعتبر فُرْنَ موجات ميكروية طائراً حقيقياً، عن قدراتها خلال جميع الصراعات الحديثة. إلا أن نقطة ضعفها تكمن في بطئها قياساً بالطائرات التي من المفترض أنها تواكبها. هذا عدا عن عجزها عن حماية نفسها في حالة التعرض لهجوم.
التشويش بأمان
يكمن دفاع هذه الطائرة الوحيد في قدرتها عملياً على تشويش كل أنماط الرادارات ومنظومات الاتصالات المعروفة اليوم. وعند الحاجة، يمكنها أيضاً إطلاق صواريخ فوق صوتية AGM-88 Harm المضادة للرادارات. وستُستبدل بطائرات هذا الطراز ال104، في غضون السنوات القادمة، نسخة خاصة من طائرة F/A-18 المسماة (Growler)G.
في روسيا، ربما كانت هناك دراسات مشابهة تهدف إلى تزويد نسخة خاصة من المطاردة الرهيبة Su-27 بباسنات (سلال) تشويش عالية القدرة.
طائرة التشويش الأخرى بامتياز هي نسخة خاصة من طائرة النقل التكتيكية C-130 المسماة Compass Call. هذه الطائرة، المسلحة بعشرة فنيين، مجهزة بمنظومة تجزيئية modulaire قادرة على تشويش كل الاتصالات، مع بقائها على مسافة أمان كافية. وترسم من أجل ذلك مسارات خاصة تسمى Hypodromes مع غطاء حراسة من طائرات قتالية.
أخيراً، قد لا يكتمل هذا التعداد للطائرات الحربية الإلكترونية إذا لم نشر إلى طائرة الحرب النفسية (PSYOPS)، المسماة Commando Solo. هذه الطائرة، التي تعتبر مرسل راديو وتلفزيون حقيقياً، مجهزة بمرسلات قوية مصممة لبث البرامج الموجهة على أقنية البلد المستهدف الإذاعية والتلفزيونية. وتهدف رسائل هذه البرامج إلى إضعاف معنويات الوحدات المعادية أو حتى حث السكان على شجب زعمائهم السياسيين والعسكريين.
هذه الطائرات هي في الخدمة في سلاح الجو الأمريكي منذ ستينيات القرن العشرين، ويجري تحديثها بانتظام لإبقائها متجانسة مع وسائل البث التلفزيوني الحديثة.
وبالتكامل مع هذه الطائرات الحربية الإلكترونية، المكرسة لإعماء رادارات الخصم، تستخدم القوات الجوية طائرات مجهزة بصواريخ مضادة للرادارات. وتتميز هذه الصواريخ المضادة للرادارات برأس "منقِّب" ينضبط رتاجه على عمليات بث الرادار المستهدف لتدميره بشكل أفضل... أو ببساطة لإجبار فنيي الرادار على إطفاء لاقطهم capteur...
أصعب ما في هذا النوع من المهام، المسماة Wild Weasel (ابن عرس البري)، هو تحديد موضع الرادار المطلوب تدميره دون الدخول إلى منطقة رمايات الدفاعات المعادية... في هذا الميدان، فرنسا متقدمة جداً مع طائراتها Mirage F-1 CR المجهزة بباسنة التنصت وتحديد مواضع الرادارات Astac.
يمكن الحصول على المعلومات عن طريق طائرات التنصت الإلكتروني، ومنظومة تحديد المواضع على متن الطائرة الحاملة أو عبر الموجِّه الذاتي للصاروخ المضاد للرادارات... في أوربا، هذا النوع من الطائرات يسمى Tornado، وفي الولايات المتحدة يسمى F-18, EA6B, F-16CJ...
تبقى هذه الطائرات، وهي مجمعات تكنولوجية حقيقية، في متناول عدد صغير جداً من البلدان، لأنها لا تقدر بثمن. مع ذلك، هي حتمية بالنسبة لكل الجيوش الحديثة، إذ تؤدي دوراً مضاعف القوة والحد من الخسائر.
إنها تُضاعفُ القوةَ لأن طائرة واحدة تكفي لتحديد مواضع عدة تهديدات وتدميرها. وتقلل أيضاً من الخسائر في الطائرات التي تنفذ غارات على التهديدات الجوية المضادة المتنامية التطور باستمرار.
حماية ذاتية: تفاجئ دون أن تنخدع
أصبحت الطائرات القتالية اليوم أفضل فأفضل تجهيزاً على مستوى التدابير الإلكترونية المضادة. ويتمثل دور هذه المنظومات في حماية الطائرات من الرادارات المعادية والأجهزة المنصوبة على الأرض. يمكن أن تكون التدابير المضادة مدمجة، كما هو الحال في الطائرات الفرنسية، أو أن تكون على شكل باسنات (سلال) خاصة، كما هو الحال في الطائرات الأمريكية والروسية في ثمانينيات القرن العشرين.
تبسيطياً، يجب أن تكون منظومات الحماية الذاتية قادرة على كشف كل أنواع التهديدات الرادارية. وهذه المنظومات هي عبارة عن لاقطات صغيرة يمكنها التنصت أو تحديد مواضع الرادارات المهددة بسرعة.
عندئذ، تشغّل المنظومةُ جهازَ تشويشٍ داخلياً يطلق تشويشاً مكيفاً. يُحْدث جهاز التشويش، بطريقة إلكترونية، مئات الأصداء الشبيهة بطائرات حقيقية لقيادة الرمي المعادي. وفي حالة الرمي، يسعى جهاز التشويش لإيهام الصاروخ المعادي أنه موجود على مسافة مئات الأمتار من موضعه الحقيقي.... ويرتكز ذلك إلى معرفة تامة بالتهديد وإلى تقنية تشويش تبقى سرية للغاية.
تقوم إحدى التقنيات المستخدمة على تسجيل بث الخصم الراداري وإلى تكرار هذا البث مع حيدان خفيف بقدرة مكيَّفة. وهذا الفن صعب، لأن الرادارات الحديثة مبرمجة لكشف محاولات التشويش ويمكنها عندئذ الانتقال إلى أسلوب ملاحقة التشويش. وفي هذه الحال، تنقلب منظومة الحماية الذاتية في الطائرة ضدها.
لمواجهة عمليات إدارة الرمي الرادارية الحديثة، هناك طريقة تقوم على قَطْر جهاز تشويش يتصرف كمشوش إضافي. ويعمل التأثير المشترك للمشوش المقطور والآخر الداخلي في الطائرة على تضليل غالبية الصواريخ الحديثة. وعند الشك، أو في حال الخطر الوشيك، يغير المشوش المقطور بثه ليتحول إلى مغنطيس صواريخ.
وربما كان بعض طائرات جيل ال F-22 الأمريكية أو ال Rafale الفرنسية مزوداً بمنظومة إلكترونية قادرة على جعلها غير مرئية افتراضياً للرادار. وقد يتم الكشف عن هذه التقنية في غضون 50 سنة.
ولمواجهة الصواريخ الموجهة بالأشعة تحت الحمراء، التي تضبط على حرارة المحركات ومجموعة الأجنحة، زودت الطائرات بكاشفات أشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية للكشف عن سحب دخان الصاروخ. يتلو ذلك إطلاق لوسائل الخداع الحرارية التي تشتعل بملامستها الهواء، فتنسخ البصمة الحرارية للطائرة. وستكتمل هذه المنظومات مستقبلاً بمشوشات ليزرية، أكثر فعالية في إعماء، وتضليل، وأيضاً، لم لا، تدمير الصواريخ المعادية في أقل من ثانية.
مثل هذه المنظومات هي قيد التثبيت على مجموعة المدافع الطائرة C-130 Gunship الأمريكية.
*عن "العلم والحياة" الفرنسية،
العدد الفصلي 3، خاص بالطيران، 2003.
تقوم الطائرات المحشوة بالإلكترونيات بعملها منذ وقت مبكر جداً لتفاجئ دفاعات الخصم وتعمّيها، ويعود تصميمها إلى أيام الحرب الباردة، غير أنها ما فتئت تتحسن باستمرار، حتى أضحت حتمية لكل جيش حديث. وتتوزع هذه الطائرات، بشكل تبسيطي، في ثلاث فئات رئيسية: التنصت الإلكتروني، والتشويش الهجومي، ومهاجمة وسائل الدفاع.
تتمثل مهمة طائرات التنصت الإلكتروني، التي ظهرت بكثرة خلال الحرب الباردة، في التجول بطول حدود البلد المستهدف لجمع أكبر قدر من المعلومات حول رادارات الدفاع الجوي، وشبكات القيادة، وحالة استعداد القوات البرية، والجوية والبحرية.
في داخل هذه الطائرات المحشوة بالإلكترونيات، التي تستمر مهامها أحياناً أكثر من عشر ساعات، هنالك اختصاصيو استعلام مدربون على أجهزة التنصت الأحدث ومنظومات السلاح من كل الأنواع. الطائرات الأشهر ضمن هذه الفئة هي الأمريكية. ونعني بها ال Rc-135 Rivet Joint، المشتقة من البوينغ 757 ومن ال EP-3E (المشتقة من طائرة الدورية P-3 Orion).
هذه الطائرات، التي يعود تصميمها إلى ستينيات القرن العشرين، قادرة على القيام بمهمات لمدة عشر ساعات أو أكثر. وقد وضعت في الخدمة إبان ستينيات وسبعينيات القرن العشرين للتجسس على الرادارات الروسية، والفيتنامية الشمالية، وللعثور على ثغرات في الأنظمة الدفاعية الأحدث. وبعد إخضاعها لعدد من التحسينات، عادت لتظهر بانتظام في عرض يوغسلافيا، والصين، والعراق.
بعد المعالجة، يغذي جزءٌ من المعلومات التي تحصل عليها هذه الطائرات أجهزةَ الحماية الذاتية للطائرات القتالية وقواعد المعلومات التكتيكية. وبهذه الطريقة، يَسْهُل تحديد القاعدة الجوية، ومركز القيادة، أو أيضاً نوع الطائرة الخاصة، وذلك من خلال عملية البث الكهرومغنطيسي الذي تطلقه هذه العناصر الأخيرة.
نموذجياً، تشتمل كل واحدة من هذه الطائرات على أربعة أقسام متمايزة: مكوِّن حامل Porteur (الطائرة والطيارون)؛ ومكوّن Elint (التنصت إلى الرادارات)؛ ومكوّن Comint (التنصت إلى الاتصالات)؛ أخيراً مكوّن غونيومتري goniometrie، مكرس لتحديد مواضع الإشارات الملتقطة. ومستقبلات هذه الطائرة الفائقة الحساسية موصولة بهوائيات مدمجة في البدن أو محمية تحت قبة هوائي الرادار القابل للسحب retractable وتكون الطائرات، خلال كل مهمة قادرة على التجسس على إشارات الخصم اللاسلكية على مسافة مئات الكيلومترات وبنطاق تردد واسع جداً (يمكن لبعض الطائرات، حسب بعض التقديرات، التغطية من 0,5 ميغاهرتز إلى 40 جيغاهرتز). وربما أصبحت قادرة، منذ وقت قصير، على أخذ البصمات Fingerprinting، أي تعيين رادارين من الطراز نفسه من خلال اختلافات ضئيلة في التردد المستخدم أو نمط التضمين .modulation
نقطة ضعف
في ميدان التنصت على الاتصالات، تقوم طائرات RC-135 Rivet Joint بما هو أحدث من ذلك: هذه الطائرات مجهزة بمنظومات تنصت على الهواتف النقالة والأجهزة الهاتفية العاملة بالأقمار الصنعية.
تعمل هذه الطائرات عادة بالتعاون مع طائرات المراقبة الجويةAwacs وStars (مراقبة الأرض). لذلك، فهي مزودة بوسائل بث آمنة عالية الإنتاجية. وإذا كانت منظومات مهام هذه الطائرات تتيح لها التحليق على مسافة أمان من وسائل دفاع الخصم، فإنها بالمقابل شديدة التعرض للنيران، لأنها بطيئة وضعيفة المناورة في حالات الخطر.
خلال المهام النموذجية، تكون الأولوية لدى مَلاَكاتها هي لتأمين سلامة الأطقم...، التي يطلب منها أحياناً تجاوز حدود الخصم للحصول على استقبال أفضل. وفي ذلك مخاطر محتملة. وكانت مثل هذه المغامرة قد حدثت منذ أشهر مع طائرة EP-3E تابعة للأسطول الأمريكي عندما ضُبطت على مقربة من قاعدة صينية. وبعد أن أجبِرت على الهبوط في الأراضي الصينية، تسنى للطاقم وقتٌ لتشغيل جهاز التدمير الذاتي لمنظومة المهمة قبل الهبوط بدقائق، مما جعل الوصول إلى محتوى المهمة أمراً متعذراً من الناحية النظرية.
ووفقاً للعديد من الخبراء الأمريكيين، فإن الصينيين تمكنوا مع ذلك من وضع يدهم على مكونات فائقة الحساسية في منظومة المهمة... قبل إعادة الطائرة إلى الأمريكيين.
في هذا النوع من المهمات، يتمثل الأمر الجوهري أحياناً في التحليق أعلى ما يمكن للتخلص من الدفاعات المعادية وتحسين مدى الاستقبال، وقد أفضى هذا المفهوم إلى صنع الطائرة الشهيرة U-2 القادرة على التحليق على علو أكثر من 21000 متر، وأيضاً الطائرة غير المأهولة Hale Global Hawk المكرسة للحلول محل U-2 في غضون بضع سنوات.
يقوم الاستعراض الآخر على التحليق عالياً وبسرعة، وهو الميدان الذي كان مخصصاً حتى خمس سنوات مضت للطائرة السرية جداً SR-71 Blackbird، القادرة -حسبما يقال- على تجاوز 3500 كم- سا للتحليق فوق روسيا بكل أمان. ومن خلالها أمكن التقاط صور للقواعد الروسية الرئيسية وإنجاز دراسات إشارات رادارات الدفاع الجوي. وربما تكون هذه الطائرة، المصنوعة من التيتان، قد استُبدل بها في سلاح الجو الأمريكي طائرة فرط صوتية خفية مشتقة من البرنامج البحثي Aurora.
في ميدان التشويش الإلكتروني، الأعقد، تندر الطائرات، حيث لا توجد سوى طائرتين قادرتين على الاضطلاع بهذه المهمة: ال EA-6B Prowler وال EC-130 Compass Call، وتعود الأولى، EA-6B Prowler، في أصلها إلى الطائرة الهجومية المحمولة Intruder التي وضعت في الخدمة في ستينيات القرن العشرين. وتَسْتَخدم هذه الطائرةُ، المسلحة بطاقم من أربعة أشخاص: قائد الطائرة وثلاثة اختصاصيين، منظومةَ تشويش فائقة القدرة تسمى ALQ-99. ويظهر وجود هذه المنظومة في الطائرة على شكل هوائيات موزعة على البدن، ومجموعة الذيل والجناحين. يقوم قسم التشويش على ثلاث باسنات (سِلال) nacelles مجهزة بمحركات هوائية صغيرة في الجزء الأمامي، وكل منها قادرة على تشويش عدة مصادر تهديد. وقد برهنت ال EA-6B Prowler التي تُعتبر فُرْنَ موجات ميكروية طائراً حقيقياً، عن قدراتها خلال جميع الصراعات الحديثة. إلا أن نقطة ضعفها تكمن في بطئها قياساً بالطائرات التي من المفترض أنها تواكبها. هذا عدا عن عجزها عن حماية نفسها في حالة التعرض لهجوم.
التشويش بأمان
يكمن دفاع هذه الطائرة الوحيد في قدرتها عملياً على تشويش كل أنماط الرادارات ومنظومات الاتصالات المعروفة اليوم. وعند الحاجة، يمكنها أيضاً إطلاق صواريخ فوق صوتية AGM-88 Harm المضادة للرادارات. وستُستبدل بطائرات هذا الطراز ال104، في غضون السنوات القادمة، نسخة خاصة من طائرة F/A-18 المسماة (Growler)G.
في روسيا، ربما كانت هناك دراسات مشابهة تهدف إلى تزويد نسخة خاصة من المطاردة الرهيبة Su-27 بباسنات (سلال) تشويش عالية القدرة.
طائرة التشويش الأخرى بامتياز هي نسخة خاصة من طائرة النقل التكتيكية C-130 المسماة Compass Call. هذه الطائرة، المسلحة بعشرة فنيين، مجهزة بمنظومة تجزيئية modulaire قادرة على تشويش كل الاتصالات، مع بقائها على مسافة أمان كافية. وترسم من أجل ذلك مسارات خاصة تسمى Hypodromes مع غطاء حراسة من طائرات قتالية.
أخيراً، قد لا يكتمل هذا التعداد للطائرات الحربية الإلكترونية إذا لم نشر إلى طائرة الحرب النفسية (PSYOPS)، المسماة Commando Solo. هذه الطائرة، التي تعتبر مرسل راديو وتلفزيون حقيقياً، مجهزة بمرسلات قوية مصممة لبث البرامج الموجهة على أقنية البلد المستهدف الإذاعية والتلفزيونية. وتهدف رسائل هذه البرامج إلى إضعاف معنويات الوحدات المعادية أو حتى حث السكان على شجب زعمائهم السياسيين والعسكريين.
هذه الطائرات هي في الخدمة في سلاح الجو الأمريكي منذ ستينيات القرن العشرين، ويجري تحديثها بانتظام لإبقائها متجانسة مع وسائل البث التلفزيوني الحديثة.
وبالتكامل مع هذه الطائرات الحربية الإلكترونية، المكرسة لإعماء رادارات الخصم، تستخدم القوات الجوية طائرات مجهزة بصواريخ مضادة للرادارات. وتتميز هذه الصواريخ المضادة للرادارات برأس "منقِّب" ينضبط رتاجه على عمليات بث الرادار المستهدف لتدميره بشكل أفضل... أو ببساطة لإجبار فنيي الرادار على إطفاء لاقطهم capteur...
أصعب ما في هذا النوع من المهام، المسماة Wild Weasel (ابن عرس البري)، هو تحديد موضع الرادار المطلوب تدميره دون الدخول إلى منطقة رمايات الدفاعات المعادية... في هذا الميدان، فرنسا متقدمة جداً مع طائراتها Mirage F-1 CR المجهزة بباسنة التنصت وتحديد مواضع الرادارات Astac.
يمكن الحصول على المعلومات عن طريق طائرات التنصت الإلكتروني، ومنظومة تحديد المواضع على متن الطائرة الحاملة أو عبر الموجِّه الذاتي للصاروخ المضاد للرادارات... في أوربا، هذا النوع من الطائرات يسمى Tornado، وفي الولايات المتحدة يسمى F-18, EA6B, F-16CJ...
تبقى هذه الطائرات، وهي مجمعات تكنولوجية حقيقية، في متناول عدد صغير جداً من البلدان، لأنها لا تقدر بثمن. مع ذلك، هي حتمية بالنسبة لكل الجيوش الحديثة، إذ تؤدي دوراً مضاعف القوة والحد من الخسائر.
إنها تُضاعفُ القوةَ لأن طائرة واحدة تكفي لتحديد مواضع عدة تهديدات وتدميرها. وتقلل أيضاً من الخسائر في الطائرات التي تنفذ غارات على التهديدات الجوية المضادة المتنامية التطور باستمرار.
حماية ذاتية: تفاجئ دون أن تنخدع
أصبحت الطائرات القتالية اليوم أفضل فأفضل تجهيزاً على مستوى التدابير الإلكترونية المضادة. ويتمثل دور هذه المنظومات في حماية الطائرات من الرادارات المعادية والأجهزة المنصوبة على الأرض. يمكن أن تكون التدابير المضادة مدمجة، كما هو الحال في الطائرات الفرنسية، أو أن تكون على شكل باسنات (سلال) خاصة، كما هو الحال في الطائرات الأمريكية والروسية في ثمانينيات القرن العشرين.
تبسيطياً، يجب أن تكون منظومات الحماية الذاتية قادرة على كشف كل أنواع التهديدات الرادارية. وهذه المنظومات هي عبارة عن لاقطات صغيرة يمكنها التنصت أو تحديد مواضع الرادارات المهددة بسرعة.
عندئذ، تشغّل المنظومةُ جهازَ تشويشٍ داخلياً يطلق تشويشاً مكيفاً. يُحْدث جهاز التشويش، بطريقة إلكترونية، مئات الأصداء الشبيهة بطائرات حقيقية لقيادة الرمي المعادي. وفي حالة الرمي، يسعى جهاز التشويش لإيهام الصاروخ المعادي أنه موجود على مسافة مئات الأمتار من موضعه الحقيقي.... ويرتكز ذلك إلى معرفة تامة بالتهديد وإلى تقنية تشويش تبقى سرية للغاية.
تقوم إحدى التقنيات المستخدمة على تسجيل بث الخصم الراداري وإلى تكرار هذا البث مع حيدان خفيف بقدرة مكيَّفة. وهذا الفن صعب، لأن الرادارات الحديثة مبرمجة لكشف محاولات التشويش ويمكنها عندئذ الانتقال إلى أسلوب ملاحقة التشويش. وفي هذه الحال، تنقلب منظومة الحماية الذاتية في الطائرة ضدها.
لمواجهة عمليات إدارة الرمي الرادارية الحديثة، هناك طريقة تقوم على قَطْر جهاز تشويش يتصرف كمشوش إضافي. ويعمل التأثير المشترك للمشوش المقطور والآخر الداخلي في الطائرة على تضليل غالبية الصواريخ الحديثة. وعند الشك، أو في حال الخطر الوشيك، يغير المشوش المقطور بثه ليتحول إلى مغنطيس صواريخ.
وربما كان بعض طائرات جيل ال F-22 الأمريكية أو ال Rafale الفرنسية مزوداً بمنظومة إلكترونية قادرة على جعلها غير مرئية افتراضياً للرادار. وقد يتم الكشف عن هذه التقنية في غضون 50 سنة.
ولمواجهة الصواريخ الموجهة بالأشعة تحت الحمراء، التي تضبط على حرارة المحركات ومجموعة الأجنحة، زودت الطائرات بكاشفات أشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية للكشف عن سحب دخان الصاروخ. يتلو ذلك إطلاق لوسائل الخداع الحرارية التي تشتعل بملامستها الهواء، فتنسخ البصمة الحرارية للطائرة. وستكتمل هذه المنظومات مستقبلاً بمشوشات ليزرية، أكثر فعالية في إعماء، وتضليل، وأيضاً، لم لا، تدمير الصواريخ المعادية في أقل من ثانية.
مثل هذه المنظومات هي قيد التثبيت على مجموعة المدافع الطائرة C-130 Gunship الأمريكية.
*عن "العلم والحياة" الفرنسية،
العدد الفصلي 3، خاص بالطيران، 2003.
التعديل الأخير: