هل انقرضت؟.....

QRPS

عضو
إنضم
31 مارس 2019
المشاركات
5,502
التفاعل
8,273 130 2
الدولة
Saudi Arabia

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة


طائرات قاذفة القنابل المقاتلة fighter bomber الاصيلة​

تُعد قصة تطور وانقراض طائرات ال "Fighter bomer" المتخصصة، واستبدالها التدريجي بالمقاتلات متعددة المهام (Multirole Fighters) كان انقلاباً جذرياً في العقيدة العسكرية، وفلسفة التصميم الهندسي، وحسابات التكلفة مقابل العائد. لفهم هذا التحول بعمق، يجب الغوص في تاريخ هذا النوع من الطائرات التي ميزت حقبة الحرب الباردة، وتحليل الأسباب التي دفعت الدول العظمى الغربية تحديدا للتخلي عن هذا النوع من المقاتلات واستبدالها بمقاتلات متعددة المهام.
ماجعل السوخوي 34 (Su-34) الأحفورة الوحيده الحيه هي والتورنيدو الألمانية لنوع من الطائرات المنقرضة

بداية عصر قاذفات القنابل التكتيكية​

في أيام الحرب الباردة، وتحديداً خلال ال1960s، واجه حلف الناتو وحلف وارسو تهديد خطير يهدد مستقبل السيادة الجوية. تمثلت هذه التهديدات في التطور المتسارع لأنظمة الصواريخ أرض-جو (SAM) بعيدة المدى وعالية الارتفاع. أثبتت حادثة إسقاط طائرة التجسس الأمريكية U-2 التي تطير في سقف السماء في ارتفاع 20 الف متر بصاروخ S-75 Dvina
أن الارتفاعات الشاهقة لم تعد ملاذاً آمناً. فرض هذا الواقع الجديد تحولاً تكتيكياً نحو "الاختراق على ارتفاع منخفض جداً" (Low-Level Penetration) او باختصار الطيران على مسافة منخفضة من الأرض وفي هذا الحدث وٌلِدت الحاجة لطائرات المقاتلة القاذفة


20100722_U2HighFlight_0921-2130x1598.jpg

صور لطائرات الU-2 وهي تنفذ طلعات جوية بارتفاعات عالية

ولكن لم تكن المقاتلات الموجودة آنذاك مؤهلة لهذا الدور. فالتحليق بسرعة قريبة من سرعة الصوت (Transonic) على ارتفاعات تصل 200 متر يضع الطائرة وطاقمها في بيئة ديناميكية هوائية شديدة القسوة. كثافة الهواء العالية والاضطرابات الجوية والمطبات الهوائية الناتجة عن التيارات الحرارية والتضاريس تتطلب تصميمات هندسية محددة جداً لضمان استقرار المنصة وسلامة الهيكل، وهو ما أدى إلى ظهور فئة "المقاتلة القاذفة" المتخصصة مثل General Dynamics F-111 Aardvark و Panavia Tornado و Sukhoi Su-24.4

General-Dynamics-F-111-Aardvark-1.jpg

F-111 قاذفة القنابل المقاتلة الامريكية
الخارجه من الخدمة ونلاحظ هنا ان لها مقعدين بجانب بعضهم البعض وهذا بسبب طبيعة ان الطاقم يعمل لوقت طويل متواصل فيسهل عليهم التواصل


مشاهدة المرفق NAPO-Su-34-Fullback-V.Kuzmin-0112-2.jpg
su-34 قاذفة قنابل مقاتلة مازالت تعمل بالخدمة في الجيش الروسي
ونلاحظ المقاعد ايضا بجانب بعضها البعض وهذا مايميز قاذفات القنابل المقاتلة بالغالب


الطائرات ذات الاجنحة المتحركة هي مايميز القاذفات المقاتلة​

الطائرات ذات الأجنحة المتحركة (Variable-Sweep Wings) مثل Tornado و F-111 كانت هدفها راحة الطاقم عند الطيران بمسافات قريبة من الأرض وهي المهام المخصصه للقاذفات المقاتلة. من خلال سحب الأجنحة للخلف بزوايا حادة (تصل إلى 67 أو 72 درجة)، كانت هذه الطائرات تقلل مساحة الرفع الفعالة وتزيد الحمل الجناحي بشكل مصطنع، مما يجعلها تخترق التيارات الهوائية بثبات استثنائي. هذا الاستقرار كان حاسماً ليس فقط لراحة الطاقم وتقليل الإرهاق الجسدي والذهني في المهام الطويلة، بل لضمان دقة توجيه الأسلحة وقراءة العدادات التناظرية والدجيتال في ذلك الوقت. ولكن ليست كل طائرات القاذفات المقاتلة تتميز بالاجنحة المتحركة وليست هي حكرا على القاذفات المقاتلة لكنها شي غالبا يميز هذا النوع من الطائرات



في المقابل، تعاني الطائرات متعددة المهام الحديثة ذات الأجنحة الثابتة (مثل F-15E Strike Eagle) من استجابة أعلى للاضطرابات الجوية (Gust Response Slope). ورغم أن F-15E تمتلك حملاً جناحياً عالياً نسبياً (حوالي 650 كجم/م2)، إلا أن مساحة سطحها الكبير وتصميمها المخصص أصلاً للهيمنة الجوية يجعل رحلتها المنخفضة "وعرة" و"قاسية" مقارنة بـ "الركوب السلس" الذي كانت توفره الـ F-111 أو التورنيدو. هذا الفارق يؤثر بشكل مباشر على قدرة الطاقم على التحمل (Endurance) في المهام التي تتطلب تحليقاً منخفضاً لساعات طويلة، وهي قدرة تآكلت تدريجياً في الأساطيل الغربية الحديثة.


الجدول المقارن: خصائص "الركوب" بين الأجيال​

الخاصية
F-111 / Tornado (المتخصصة)
F-15E / Su-30SM (المتعددة المهام)
التأثير العملياتي المفقود
تصميم الجناح
متحرك (Variable Sweep)​
ثابت (Fixed)​
القدرة على تغيير "الحمل الجناحي" ديناميكياً حسب مرحلة الطيران.​
استجابة الاضطرابات
منخفضة جداً (عند سحب الأجنحة)​
متوسطة إلى عالية​
راحة الطاقم، استقرار منصة السلاح، تقليل الإجهاد الهيكلي.​
التركيز التصميمي
الاختراق السريع المنخفض (Penetration)​
المناورة والقتال الجوي (Agility)​
القدرة على التخفي الطبوغرافي المستمر بسرعات عالية.​
نظام الملاحة
رادار تتبع تضاريس مخصص (TFR)​
رادار متعدد الأنماط أو بود خارجي​
الاعتمادية والاستقلالية في التحليق الأعمى الملاصق للأرض.​

الانقراض التقني: لماذا ماتت الأجنحة المتحركة؟​

رغم المزايا الديناميكية الهوائية الهائلة للأجنحة المتحركة في مهام الضربة، إلا أنها انقرضت تماماً من خطوط الإنتاج الغربية. يعود ذلك لعدة عوامل متشابكة:


  1. التعقيد الميكانيكي والوزن: تتطلب آلية تحريك الأجنحة (Wing Pivot Mechanism) صناديق تروس ضخمة وهياكل تيتانيوم ثقيلة (Wing Carry-Through Box)، مما يضيف وزناً ميتاً يقلل من نسبة الدفع للوزن ويزيد من استهلاك الوقود في غير حالات الطيران المنخفض. كما أنها تمثل كابوساً للصيانة وتزيد من تكلفة التشغيل بشكل كبير مقارنة بالأجنحة الثابتة.12​
  2. ظهور تقنية التخفي (Stealth): مع دخول عصر الجيل الخامس (B-2, F-22, F-35)، أصبح التخفي الراداري هو الوسيلة الأساسية للبقاء، وليس الاختراق المنخفض. الأجنحة المتحركة، بفواصلها الميكانيكية وتغير شكلها الهندسي، تتعارض جذرياً مع مبادئ التخفي التي تتطلب حوافاً ثابتة ومحاذية بدقة لتشتيت الموجات الرادارية. لذلك، تخلت التصاميم الحديثة عنها لصالح أشكال ثابتة مع مواد ماصة للرادار.14​
  3. تحسن أنظمة الطيران بالسلك (Fly-by-Wire): مكنت الأنظمة الرقمية الحديثة الطائرات غير المستقرة ديناميكياً (مثل F-16 و Typhoon) من تحقيق أداء جيد في مختلف الظروف، مما قلل الحاجة إلى التغيير الفيزيائي لشكل الجناح، وإن لم يعوض تماماً عن جودة الركوب الفيزيائية في الارتفاعات المنخفضة.5​

التحول العقائدي الغربي: من "تحت الرادار" إلى "فوق الدفاعات"​

جاءت حرب الخليج الثانية (1991) لتكون نقطة اختبار وتحول في عقيدة القوات الجوية الغربية. في الأيام الأولى للحرب، حاولت طائرات التورنيدو البريطانية (RAF Tornado GR1) تطبيق عقيدة الناتو الكلاسيكية: ضرب القواعد الجوية العراقية من ارتفاعات منخفضة جداً باستخدام أنظمة نثر الذخائر "JP233". كانت النتيجة خسائر مؤلمة وغير متوقعة. حيث أثبتت المدافع المضادة للطائرات والأسلحة الخفيفة ونظم الدفاع الجوي المحمولة (MANPADS) كثافتها وفعاليتها ضد الطائرات المنخفضة، حتى تلك السريعة جداً


vjvxju5by25y.jpg

انظمة نثر الذخائر jp233



أدى هذا الواقع العملياتي إلى تحول فوري ودائم نحو "القصف من الارتفاعات المتوسطة" (Medium Altitude Strike). ساعد في هذا التحول نضوج تقنيات "بودات التهديف" (Targeting Pods) مثل LANTIRN و Sniper، والذخائر الموجهة بالليزر (LGBs) و GPS (JDAM)، التي سمحت للطائرات بالتحليق فوق مدى التهديدات الأرضية القصيرة (فوق 15,000 قدم) وإلقاء القنابل بدقة عالية. بالتالي، أصبحت الحاجة لطائرة متخصصة في "ركوب المطبات" على ارتفاع 200 قدم أقل إلحاحاً، مما مهد الطريق لسيادة المقاتلات متعددة المهام التي تفضل العمل في الارتفاعات المتوسطة والعالية.19


السوخوي 34: لماذا سبحت روسيا ضد التيار؟​

بينما كان الغرب يفكك أساطيل الـ F-111 والـ Tornado ويحل عصر القاذفات المقاتلة لتقاعد ليبدء عصر المقاتلات المتعددة المهام، كانت روسيا في التسعينيات ومطلع الألفية تصارع لإنتاج طائرة تبدو وكأنها تنتمي لحقبة سابقة بالمفهوم الغربي، لكنها سابقة لزمانها بالمفهوم الروسي: Su-34


تعتبر Su-34 الطائرة الوحيدة في العالم الموجوده بالخدمة اليوم التي تصنف كـ "قاذفة مقاتلة" (Fighter Bomber) وليست مجرد مقاتلة معدلة. ورغم أنها تشترك في الهيكل الأساسي مع عائلة Su-27 Flanker، إلا أن التعديلات التي أدخلت عليها جعلتها منصة مختلفة كلياً، مصممة لسد فجوة لا تؤمن العقيدة الروسية بأن المقاتلات متعددة المهام (مثل Su-30SM و Su-35) قادرة على سدها.


1. فلسفة "الدبابة الطائرة": التدريع كبديل للتخفي​

القدرة الحصرية الأبرز في Su-34، والتي لا توجد في أي مقاتلة حديثة أخرى (بما في ذلك F-15E أو Su-35)، هي "الكبسولة المدرعة". قمرة القيادة في Su-34 عبارة عن "حوض" (Bathtub) مصنوع من التيتانيوم الملحوم بسمك يصل إلى 17 ملم، يحيط بالطيارين والأنظمة الحيوية. يزن هذا الدرع وحده قرابة 1480 كجم، وهو مصمم لتحمل إصابات مباشرة من مدافع عيار 23 ملم و30 ملم وشظايا الصواريخ. في حين تعتمد الطائرات الغربية الحديثة على التخفي لتجنب الإصابة، صممت Su-34 لتتلقى الضربة وتستمر في الطيران، وهو انعكاس لعقيدة روسية تتوقع العمل في بيئات شديدة العدائية وقريبة من الأرض حيث لا مفر من النيران الكثيفة


2. بيئة العمل البشرية: عامل التحمل (Endurance)​

من القدرات المفقودة في الطائرات المتعددة المهام هي "قابلية السكن" (Habitability). المهام الاستراتيجية التكتيكية (مثل ضرب أهداف في عمق أوروبا أو المحيط الأطلسي انطلاقاً من روسيا) قد تستمر لـ 10 ساعات أو أكثر. في مقاتلة مثل F-15E أو Su-30، يكون الطاقم مقيداً في مقاعدهم بوضعيات ثابتة، مرتدين أقنعة الأكسجين، مما يسبب إرهاقاً شديداً يحد من الفعالية القتالية بمرور الوقت لكنها مازالت من الناحية العملياتيه والسجل فهي افضل من القاذفة المقاتلة



صممت Su-34 لتكسر هذه القاعدة. القمـرة "جنباً إلى جنب" (Side-by-Side) ليست مجرد خيار تصميمي بل هي ضرورية في القاذفات المقاتلة لتسهيل التواصل. الأهم من ذلك، القمـرة مضغوطة بالكامل (Pressurized) حتى ارتفاعات شاهقة (تصل إلى 10,000 متر)، مما يسمح للطاقم بالعمل دون أقنعة أكسجين ("Shirt-sleeve environment"). توجد مساحة خلف المقاعد تسمح لأحد أفراد الطاقم بالوقوف الكامل لتمديد عضلاته أو الاستلقاء، كما تحتوي الطائرة على "مبولة" (Urinal Device) ومسخن للطعام (Galley). هذه الميزات، التي تبدو رفاهية، هي في الواقع قدرات قتالية حصرية تسمح للطاقم بالحفاظ على ذروة التركيز الذهني في المهام ذات المدى الطويل، وهو ما تفتقده تماماً طائرات مثل Rafale أو Typhoon.22


3. التخصص الراداري والهيكلي​

لماذا لا تكفي Su-30SM؟ رغم أن Su-30SM طائرة متعددة المهام قادرة، إلا أن رادارها (Bars) وهيكلها مصممان في الأساس للقتال الجوي والمناورة العالية. في المقابل، زودت Su-34 برادار "Sh-141" (Leninets B004)، وهو رادار PESA ضخم مصمم خصيصاً لمهام القصف والاختراق. يتميز هذا الرادار بقدرات حصرية في تتبع التضاريس (Terrain Following) ورسم الخرائط الأرضية بدقة عالية من مسافات بعيدة جداً، واكتشاف الأهداف البحرية الصغيرة (مثل البريسكوب) من مسافات تصل إلى 135 كم

tfr.jpg
رادرات تتبع التضاريس


ايضا يعتبر هيكل قاذفات المقاتلة مثل Su-34 أثقل بكثير، وتستخدم نظام هبوط خلفي مزدوج العجلات (Tandem Bogie) يسمح لها بالعمل من مدارج غير ممهدة أو متضررة بحمولات قتالية لا يمكن لأي مقاتلة أخرى حملها دون تحطيم إطاراتها أو تضرر هيكلها. هذا التخصص الهيكلي يجعلها "شاحنة قنابل" حقيقية قادرة على حمل ذخائر ضخمة (مثل قنابل FAB-3000 بوزن 3 أطنان) لا تستطيع المقاتلات العادية حملها


الجدول المقارن: القدرات الحصرية المفقودة في المتعددة المهام​

القدرة
Su-34 (الضربة المتخصصة)
F-15E / Su-30SM (المتعددة المهام)
الأهمية التكتيكية
حماية الطاقم
كبسولة تيتانيوم ملحومة (17 ملم)​
دروع خفيفة أو معدومة (كيفلار/سيراميك محدود)​
البقاء في بيئات CAS و AA الكثيفة.​
راحة الطاقم
قمرة مضغوطة، مساحة للوقوف، مطبخ/حمام​
مقاعد قذفية مقيدة، أقنعة أكسجين دائمة​
استدامة المهام الطويلة (10+ ساعات) دون تدهور الأداء البشري.​
رادار الهجوم
Sh-141 مخصص للأرض/البحر (رؤية خلفية في بعض النسخ)​
رادارات متعددة الأنماط بتركيز جو-جو​
كشف أهداف برية/بحرية معقدة وتضاريس بدقة أعلى.​
الهبوط الثقيل
عجلات خلفية مزدوجة (Tandem)​
عجلات فردية​
العمل من مدارج سيئة بحمولات قصوى لا تحتملها المقاتلات.​

الدرس الأوكراني لمن يريد الأستمرار بأستخدام القاذفات المقاتلة​

مثلت الحرب الروسية الأوكرانية ساحة اختبار قاسية وغير مسبوقة لعقيدة الطيران الروسية، وللـ Su-34 تحديداً. في الأسابيع الأولى للغزو، حاولت القوات الجوية الروسية (VKS) استخدام Su-34 في دورها الكلاسيكي الذي صممت من أجله: اختراق منخفض لإلقاء قنابل حديدية غير موجهة بدقة عالية باستخدام نظام "SVP-24 Hephaestus" للملاحة والتهديف. كانت الفرضية أن السرعة والدرع التيتانيوم سيحميان الطائرة. لكن الواقع كان مغايراً؛ واجهت الطائرات شبكة دفاع جوي أوكرانية كثيفة ومتكاملة، تشمل صواريخ S-300 و Buk متوسطة المدى، وآلاف صواريخ الكتف (MANPADS) الغربية (Stinger, Starstreak). تكبد أسطول Su-34 خسائر فادحة وموثقة بصرياً (أكثر من 35 طائرة حسب بعض المصادر المفتوحة)، مما أثبت أن مفهوم "الاختراق المنخفض المدرع" لم يعد صالحاً أمام الدفاعات الجوية الحديثة المتشابكة.




فيديو لسقوط طائرة سع-34 في اوكرانيا تحلق في ارتفاعات منخفضة حيث ضٌرِبت بقاذف محمل كتفا ستينغر

وهنا بدات روسيا بتغيير استراتيجيتها بعدما لاحظت ان زمن القاذفات المقاتلة انتهى. فبدات بتحويل su-34 من "مقاتلة اختراق" إلى "منصة إطلاق عن بعد" (Standoff Platform). بدأت روسيا في الاعتماد المكثف على قنابل "UMPK" (وحدات التخطيط والتصحيح الموحدة)، وهي حزم تحويل القنابل الغبية إلى قنابل انزلاقية موجهة بالأقمار الصناعية (بمدى 40-70 كم). سمح هذا التكتيك للـ Su-34 بإلقاء حمولاتها الضخمة من ارتفاعات شاهقة ومسافات آمنة، بعيداً عن تغطية الدفاعات الجوية الأوكرانية قصيرة ومتوسطة المدى. وهنا ظهرت فائدة "التخصص" مرة أخرى: قدرة Su-34 على حمل قنابل ثقيلة جداً مثل FAB-1500 وحتى FAB-3000 المعدلة، وهي أوزان لا تستطيع المقاتلات المتعددة المهام الأصغر التعامل معها بكفاءة أو حملها بأعداد كبيرة لمسافات بعيدة. تحولت الـ Su-34 إلى "مدفعية جوية بعيدة المدى" عالية الدقة، وأصبحت العمود الفقري للعمليات الهجومية الروسية، مما يؤكد العقيدة الغربية ان زمن القاذفات المقاتلة انتهت

كما تم دمج بودات استطلاع متقدمة (Sych) تحت بدن الطائرة، مما حولها إلى منصة استطلاع مسلح قادرة على كشف الأهداف وضربها في آن واحد، مستفيدة من مداها الطويل للبقاء في الجو لفترات ممتدة كمنصة مراقبة.


المعضلة الألمانية: التورنيدو، القنبلة النووية، والـ F-35​

في الجانب الغربي، يقدم الجدل الألماني حول استبدال أسطول Tornado IDS المتقادم دليلاً حياً على الفراغ الذي تركته طائرات الضربة المتخصصة. كانت التورنيدو هي العمود الفقري للمشاركة النووية الألمانية في الناتو، حيث كانت الطائرة الوحيدة المؤهلة لحمل وإلقاء القنابل النووية الأمريكية B61 المخزنة في ألمانيا. عندما حان وقت استبدالها، وجدت برلين نفسها في مأزق.

حاولت الصناعة الأوروبية (ممثلة في Airbus) الضغط لاعتماد Eurofighter Typhoon كبديل، لكن العوائق كانت تقنية وعقائدية. التايفون صممت في الأساس كمقاتلة سيادة جوية، وتفتقر إلى التصميم المخصص للاختراق النووي المنخفض الذي كانت تتميز به التورنيدو. الأهم من ذلك، أن عملية "التصديق النووي" (Nuclear Certification) للتايفون من قبل الولايات المتحدة كانت ستتطلب سنوات طويلة (قد تمتد لعقد) وتستلزم كشف أسرار تقنية دقيقة لواجهة الطائرة الإلكترونية للجانب الأمريكي، وهو ما لم يكن مرغوباً أو عملياً ضمن الجدول الزمني لخروج التورنيدو من الخدمة (2025-2030)

علاوة على ذلك، في مواجهة الدفاعات الجوية الروسية المتطورة (S-400)، لم تعد الطائرات الجيل الرابع (مثل التايفون أو F-18 Super Hornet) تعتبر منصات "اختراق" ذات مصداقية لتوصيل سلاح نووي تكتيكي (سقوط حر). الحل الوحيد المتاح لضمان "الاختراق" في العصر الحديث كان الاعتماد على الشبحية (Stealth). لهذا السبب فكما كان الاختراق يعتمد على الطيران بارتفاع منخفض بالحرب الباردة اصبح اليوم يعتمد على التقيات الشبحية. والشبحية هو مجرد عصر من عصور الاختراق الذي بدء من التحليق بمسافات مرتفعة جدا الى الأختراق بمسافات منخفضة جدا الى الشبحية اليوم، اضطرت ألمانيا -رغم رغبتها في دعم الصناعة الأوروبية- إلى اختيار F-35A Lightning II لهذا الدور النووي تحديداً. كان هذا اعترافاً ضمنياً بأن "المتعددة المهام" الأوروبية لا يمكنها استبدال "الضربة النووية" الذي كانت من مهام القاذفات الاستراتيجية مثل التورنيدو، وأن القدرة على البقاء في بيئة شديدة العدائية تتطلب الآن تكنولوجيا تخفٍ لا توفرها سوى منصة متخصصة من الجيل الخامس.

الصين والـ JH-7A: المقاربة الشرقية الموازية​

لا يمكن الحديث عن طائرات الضربة دون الإشارة إلى الطائرة الصينية Xi'an JH-7A (Flying Leopard). رغم أنها أقدم تقنياً من Su-34، إلا أنها تمثل نفس الفلسفة الشرقية في الحفاظ على قاذفة تكتيكية او باسم اخر قاذفة مقاتلة. JH-7A طائرة ضخمة، ثقيلة، بمحركين وهو مايميز القاذفات المقاتلة، ومقعدين جنباً لجنب (في النماذج الأولية ثم Tandem في الإنتاج)، صممت خصيصاً لحمل صواريخ مضادة للسفن وقنابل موجهة لمسافات بعيدة. ورغم دخول مقاتلات متعددة المهام متطورة مثل J-16 (الموازية للـ Su-30/F-15E) إلى الخدمة الصينية، إلا أن الصين لا تزال تحتفظ بأسطول JH-7A وتحدثه لكن مع تغيير طريقة استخدامها من مقاتلة قاذفة الى مقاتلة قادرة على حمل صواريخ ثقيلة بعيدة المدى واصبحت منصة قنص لصواريخ الثقيلة ولعمليات الstand-off بدلا من الاعتماد على مهمتها الاصلية وهي القصف التكتيكي

Xian_JH-7A_at_Shagol.jpg

YJ-8_Missile_20220203.jpg
اليوم تستخدم القاذفة التكتيكية JH-7A في مواجهة السفن لقدرتها على حمل صواريخ وقنابل ثقيلة بعيدة المدى فاصبحت منصة للقنص بعيد المدى وعمليات الstand off

الخاتمة هل في هذا العصر لهذه الطائرات اي فائدة؟​

في الحقيقية يثبت بقاء وتطور مهام Su-34 الروسية أن هناك طريقاً آخر. لقد أظهرت الحرب الأوكرانية أن التخصص لا يزال له مكان في ساحة المعركة الحديثة، ليس بصورته القديمة (الاختراق المنخفض الانتحاري)، بل بصورة جديدة (منصة إطلاق ثقيلة بعيدة المدى ومحمية). فبينما تحولت المقاتلات الغربية إلى منصات استشعار وشبكات بيانات طائرة، بقيت Su-34 وفية لمفهوم "القوة الغاشمة" الذكية: طائرة بنيت لتضرب بصواريخ ثقيلة من مسافات بعيدة وتحمل كمية من الوقود وتعود بطاقمها إلى الديار.


وليست قاذفات القنابل المقاتلة الوحيدة هي التي تحولت الى منصات قنص بصواريخ بعيدة المدى وعمليات الstand off ايضا تحولت قاذفات القنابل التقليدية الى منصات stand off
B52OwensValley-860x484.jpg

النسخة الجديدة التي طورتها امريكا b-52j بمحركات و رادرات جديدة لتتحول من قاذفات قنابل الى منصة stand-off

مددت امريكا مدة خدمة هذه القاذفة التقليدية لأنها وجدj مهمه بديله لها وهي عمليات الstand off فبسبب حجمها الضخم وحمولتها الضخمة التي تصل الى "32 الف كيلوغرام" هي قادرة على حمل صواريخ ثقيلة بعيدة المدى باليستية او كروز والقيام بمهام اطلاق بعيدة المدى لصيد السفن من بعيد او الدفاعات الجوية من بعيد


ملاحظة الموضوع انا كتبته لكن ترتيب الموضوع كان عن طريق الAI
 

المرفقات

  • images (2).jpg
    images (2).jpg
    4.6 KB · المشاهدات: 12
  • U-2-high-altitude-from-U-2-top-860x574.jpg
    U-2-high-altitude-from-U-2-top-860x574.jpg
    38.7 KB · المشاهدات: 13
  • التقاط54745745r78457.JPG
    التقاط54745745r78457.JPG
    114.8 KB · المشاهدات: 11
  • 0718_LRSO_002.jpg
    0718_LRSO_002.jpg
    187.6 KB · المشاهدات: 8
الشبحية لم تقضي على فكرة القذف الجوي بالعكس اعادت بعثه في صورة جديدة ،، ليس معنى ذلك الحكم باعدام القاذفات الكلاسيكية (القديمة) ،، تطويرات القاذفات اخذ ابعاد مهمة في روسيا و الصين لكن يجب الاشارة الى عدم وجود مشاريع جديدة من هذه الفئة (القاذفات) و الاكتفاء بما تم انتاجه و الاتجاه الى الشبحية كما في حالة الصين و بما يتم انتاجه في روسيا ،، مع بعض التطويرات التى تم مناقشتها في الموضوع.

القذف الجوي فكرة ،، و الفكرة لا تموت.
 
عودة
أعلى