من أعماق البحر إلى ساحل النصر: دور البحرية السعودية في عاصفة الصحراء

حميد707 

﴿ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ﴾
طاقم الإدارة
مـراقــب عـــام
إنضم
6 مارس 2015
المشاركات
8,235
التفاعل
56,904 5,317 0
الدولة
Saudi Arabia
:بداية:

ملحمة البحر... من سواحل الجبيل إلى شواطئ الكويت

IMG_4437.gif



المقدمة

في فجرٍ مُضطرب من صيف عام 1990، كانت مياه الخليج العربي تغلي بالأحداث كما تشتعل الرمال تحت جنازير الدبابات العراقية التي اجتاحت الكويت.

وبينما انشغلت أنظار العالم بالمعارك البرية والتهديدات الجوية، كانت هناك جبهة صامتة، تُدير حربها في الأعماق... إنها جبهة البحر.

على امتداد السواحل الشرقية للمملكة، كانت⚓القوات البحرية الملكية السعودية⚓ تقف على أهبة الاستعداد، تُراقب الشمال بعينٍ من حديد، وتنتظر ساعة المواجهة التي لن تتأخر طويلًا.

لقد أُوكل إليها حماية الحدود البحرية للمملكة، وتأمين الممرات الدولية، وردع أي تهديد عراقي قد يأتي من البحر.


ومنذ اليوم الأول للغزو، تحوّل البحر إلى مسرحٍ للبطولة، حيث خاض رجال البحرية السعودية واحدةً من أنجح العمليات البحرية في تاريخ الصراع العربي الحديث



الخلفية الاستراتيجية قبل الحرب


قبل اندلاع الحرب، كانت المنطقة الشرقية للمملكة تمثل أحد أهم الممرات البحرية في العالم، إذ تضم منشآت نفطية استراتيجية وموانئ صناعية وتجارية كبرى مثل الجبيل ورأس تنورة والخفجي، وهي الشريان البحري لاقتصاد المملكة.

وفي المقابل، كان النظام العراقي يمتلك قدرات بحرية محدودة ولكن عدوانية، تضم زوارق صاروخية سريعة وزوارق إنزال، إلى جانب لجوئه إلى زرع الألغام البحرية كأسلوب غير متكافئ لتهديد الملاحة في الخليج.

في ظل هذا الواقع، كانت البحرية السعودية قد بدأت بالفعل في تحديث قدراتها منذ منتصف الثمانينات عبر إدخال الفرقاطات الحديثة من فئة المدينة، وكاسحات الألغام فئة الدرعية، وزوارق الصواريخ فئة بدر ومن فئة الصديق، ما جعلها تدخل الحرب وهي في ذروة جاهزيتها الفنية والعملياتية.

وبحلول أغسطس 1990، ومع الغزو العراقي للكويت، أعلنت البحرية حالة التأهب القصوى، ونشرت قطعها البحرية في شمال الخليج لحماية المياه الإقليمية السعودية.




⚓التشكيل البحري السعودي أثناء حرب الخليج الثانية

عشية اندلاع حرب الخليج الثانية (1990–1991)، كانت القوات البحرية الملكية السعودية قد وصلت إلى مستوى متقدّم من الجاهزية والتنظيم، بعد عقدٍ من برامج التطوير والتسليح التي بدأت مطلع الثمانينيات.

وقد تمحور التشكيل البحري حينها حول الأسطولين الشرقي والغربي، المنتشرين في الخليج العربي والبحر الأحمر على التوالي، مع قابلية تنفيذ عمليات مشتركة وتبادل للمعلومات مع طائرات الإنذار المبكر (E-3A Sentry) التابعة للقوات الجوية الملكية السعودية.


الأسطول البحري السعودي أثناء الحرب

الفئة
الصورة
النوع
العدد
المهام الرئيسية
المدينة (Al-Madinah-class)
unnamed.gif
فرقاطات متعددة المهام
4
الدفاع الجوي ومكافحة السفن والغواصات
الصديق (Al-Siddiq-class)

AlSiddiq_r.jpg
زوارق مطاردة صاروخية
9
الدفاع الساحلي والاشتباك السريع ضد السفن المعادية
بدر (Badr-class)

Badr_Class_r.jpg
كورفيتات
4
الدوريات الساحلية ومكافحة السفن والغواصات
الدرعية (Al-Diriyah-class)
1450000093.jpg
كاسحات ألغام
4
تطهير الممرات البحرية وتأمين مناطق الرسو
بريدة (Boraida-class)
rsns-boraida-line1.gif
سفن إمداد وتموين
2
تزويد القطع بالوقود والمؤن في البحر
زوارق بحرية
9ed42c641958e1fb9c56c2c.jpeg
إنزال - دوريات - اعتراضية
غير محدد
انزال القوات على الشواطئ وحماية خطوط الإمداد

القيادة والسيطرة والتنسيق العملياتي


اعتمدت القوات البحرية الملكية السعودية على نظام قيادة وسيطرة مرن ومتقدم، يتيح تنسيق العمليات بين السفن والوحدات الساحلية والطائرات العمودية البحرية.

كما كانت السفن السعودية تتبادل البيانات التكتيكية والمعلومات الملاحية مع طائرات الإنذار المبكر (E-3A Sentry) التابعة للقوات الجوية، مما وفر تغطية جوية ورادارية شاملة لمسرح العمليات البحري.

ولم يقتصر التنسيق على الجانب الجوي فحسب، بل شمل أيضًا التكامل مع منظومات الدفاع الجوي المنتشرة على طول الساحل الشرقي، لضمان حماية الوحدات البحرية من أي تهديدات جوية معادية أثناء تنفيذ المهام القتالية.

تم ذلك ضمن منظومة القيادة والسيطرة المشتركة للقوات المسلحة السعودية، بالتكامل بين مركز العمليات الجوية في الرياض ومركز العمليات البحرية المتقدم في الجبيل، ما أتاح اتخاذ قرارات آنية دقيقة في بيئة قتال متغيرة وسريعة الإيقاع.


IMG_4428.gif




دور القوات البحرية السعودية في معارك الخليج


حين اشتعلت الحرب، كان البحر خط النار الأول، وكانت سفن ومروحيات ومشاة البحرية السعودية الدرع الذي وقف بين العدو وحدود الوطن، في ملحمةٍ خاضها الرجال بثبات الموج وصلابة الفولاذ.


الفرقاطات: درع البحر ورمح الهجوم


IMG_4398555.jpeg



منذ الساعات الأولى للاجتياح العراقي للكويت، انطلقت الفرقاطات من فئة المدينة لتتمركز شمال الخليج العربي، حيث بدأت بعمليات تمشيط واستطلاع مكثفة جمعت خلالها معلومات استخباراتية دقيقة عن تحركات القوات العراقية.

كانت هذه السفن مزودة بأنظمة استخبارات إلكترونية ورادارية متقدمة جعلتها بمثابة نقطة إنذار مبكر ترصد كل تحرك جوي أو بحري في المنطقة.


ولم يقتصر دورها على الرصد، بل تولّت أيضًا تأمين ومرافقة زورقين صاروخيين كويتيين نجحا في مغادرة الكويت بعد الغزو، لتصل بهم بأمان إلى قاعدة الملك عبدالعزيز البحرية في الجبيل.


كما شاركت الفرقاطات في تقديم إسناد ناري مباشر بمدافعها من عيار 100 ملم خلال معركة الخفجي في يناير 1991، وساهمت في عمليات تطهير العاصمة الكويتية من القوات العراقية المتحصنة على الساحل.

IMG_4430.gif



الزوارق الصاروخية: ضربات دقيقة ونتائج حاسمة


أحد أبرز فصول البطولة كان من نصيب الزورق الصاروخي فيصل (517) الذي نفّذ واحدة من أنجح الضربات البحرية في الحرب.

تمرين البحريه 1 (1).jpg



ففي 24 يناير 1991م، رصد الزورق أكبر سفينة حربية عراقية كانت تقوم بزراعة الألغام داخل المياه الإقليمية السعودية.

وبقيادة الرائد البحري سامي صالح شاهين، أُطلقت ضربة صاروخية بصاروخ "Harpoon" من مدى 60 ميلًا بحريًا (حوالي 111 كم) لتصيب الهدف إصابة مباشرة وتغرقه بالكامل.


3-3.jpg


بهذه العملية، تم إزالة أحد أخطر التهديدات البحرية العراقية وتأمين السواحل السعودية من خطر الألغام.




كاسحات الألغام: أبطال الصمت


كان البحر يعجّ بالألغام التي زرعها الجيش العراقي بشكل عشوائي، مهددة الملاحة الإقليمية والدولية.

هنا برز دور كاسحات الألغام من فئة الدرعية، التي نفّذت مهامًا مضنية في تطهير مياه الخليج من شماله حتى مضيق هرمز، بما في ذلك المياه الإقليمية الكويتية بعد التحرير.

كانت تلك المهام شديدة الخطورة، لكنها أنجزت بنجاح بفضل شجاعة الأطقم ومهارتهم التقنية.

1457669602.jpg


زوارق الدورية والحماية


إلى جانب الوحدات الثقيلة، كان لزوارق الدورية السعودية دور أساسي في تأمين القوافل البحرية للتحالف ومرافقة السفن التجارية واللوجستية المتجهة إلى مناطق العمليات، مما ضمن انسيابية خطوط الإمداد وحماية الممرات الحيوية للمملكة.

EslT7C4XIAE.jpg



🚁 طيران القوات البحرية: العيون التي لا تنام

مروحيات AS365 Dauphin


مروحيات AS365 Dauphin السعودية كانت مجهزة تجهيزًا متقدّمًا آنذاك وشكّلت عنصر الهجوم البحري الرئيسي للبحرية السعودية .

تميّزت بقدرتها على الإقلاع من على متن الفرقاطات من فئة المدينة، وزُوّدت بمنظومات إلكترونية ورادارية متطورة مكّنتها من أداء مهام الاستطلاع البحري والهجوم الدقيق ضد الأهداف السطحية. الرادار من نوع Agrion 15 الفرنسي هو رادار بحث سطحي عالي الأداء يصل مداه إلى نحو 150 كيلومتراً ويتيح كشف وتتبع السفن السطحية بدقة حتى في الظروف الجوية الصعبة. بالإضافة إلى ذلك، كانت المروحية مزودة بجهاز سونار يمكّنها من كشف وتتبع الأهداف السطحية والبحرية منخفضة الانعكاس وتقديم معلومات دقيقة إلى غرف العمليات. تسلّحت الدوفين بصواريخ AS.15TT المخصصة لمكافحة السطحيات، بمدى تشغيلي يُقدّر بحوالي 15 كيلومترًا، ما منحها قدرة على توجيه ضربات دقيقة ضد الزوارق والسفن الصغيرة والمتوسطة.


IMG_4353.jpeg



في 30 يناير 1991م نفّذَت مروحيتان من طراز AS365 Dauphin هجومًا جريئًا ضد خمسة زوارق إنزال عراقية كانت على وشك تنفيذ إنزال برمائي على شواطئ الخفجي.

نجحت المروحيات في تدمير الزوارق بالكامل بصواريخ AS.15TT، مما أحبط محاولة العدو وقطع خط الإمداد البحري للقوات العراقية، وعكست فاعلية التكامل بين الاستطلاع الجوي والنيران البحرية.


IMG_4429.gif


مروحيات AS.332 Super Puma


مروحيات AS.332 Super Puma العاملة ضمن قوة الواجب كانت منصات متعددة المهام مزوّدة بأنظمة رصد واستطلاع إلكتروني متقدمة، ومجهزة لصواريخ Exocet المضادة للسفن، إلى جانب مدافع رشّاشة ونظام إطلاق صواريخ من عيار 68 مم لاستخدامها في مهام الإسناد الناري لمشاة البحرية. هذا التشكيل التسليحي والخِدمي منح السوبر بوما قابلية تنفيذ مهام نقل قوات، إسقاط وتهبط للقوات الخاصة، وإسناد ناري مباشر في عمليات الاقتحام الساحلي.

IMG_4165.gif


خلال حرب الخليج الثانية شاركت AS.332 Super Puma في نقل وحدات القوات الخاصة ومشاة البحرية إلى ساحل الخفجي ومواقع في الكويت، وقدمت دعماً إسنادياً حيوياً أثناء عمليات التحرير. لعبت دورًا لوجستيًا مباشرًا في إنزال القوات وتقديم تسليحات قصيرة المدى أثناء المواجهات الساحلية، كما سهلت عمليات الإخلاء الطبي والإمداد تحت نيران العدو، مما جعلها ركناً أساسياً في نجاح العمليات البحرية–الساحلية.


مشاة البحرية ووحدات الأمن البحرية الخاصة - فرسان الساحل -


في تلك الفترة، كانت قوات مشاة البحرية الملكية السعودية تشكّل ذراع الاقتحام الساحلي للقوات البحرية، وتتبع في تنظيمها الأسطول الشرقي.

بلغ قوامها حينها ثلاثة كتائب مجهّزة بمركبات مدرعة برمائية ومصفحات ناقلة للأفراد ومدافع هاون متوسطة، مما منحها القدرة على تنفيذ عمليات الإنزال الساحلي والدفاع عن الشواطئ والمرافئ الحيوية.

كما كانت تمتلك جاهزية عالية للتعامل مع المهام المشتركة إلى جانب القوات البرية والجوية، وتُسند إليها مهام تأمين المنشآت النفطية والموانئ الحيوية.

أما وحدات الأمن البحرية الخاصة، فكانت تمثل النخبة العملياتية للأسطول، وتضم عناصر مدرّبة على عمليات الاقتحام البحري، مكافحة الإرهاب، وتطهير الموانئ والمنشآت الساحلية. وقد أُوكل إليها تنفيذ المهام الحساسة خلف خطوط العدو وتحت ظروف عالية الخطورة.

وفي معركة تحرير الخفجي، برز دورهم البطولي؛ إذ شاركت كتيبة مشاة البحرية بقيادة العقيد عمار القحطاني في تحرير الخط الساحلي شمال الخفجي وقطع خطوط الإمداد العراقية.

في الوقت نفسه، نفّذت وحدات الأمن البحرية الخاصة عمليات اقتحام دقيقة لتطهير مصافي النفط في الخفجي وتأمينها من أي عناصر معادية.


وخلال تحرير الكويت، تقدّمت كتائب مشاة البحرية ووحدات الأمن الخاصة لتحرير الموانئ الكويتية:

سعود، عبدالله، الشعيبة، الأحمدي، والشويخ

حيث تم تأمينها بالكامل وإعادة تشغيلها لصالح القوات الكويتية وقوات التحالف، قبل أن تبقى هذه الوحدات في مهام الحماية لمدة سبعة أشهر حتى تسليم الموانئ رسميًا للحكومة الكويتية.


GHHxEkTXAAAULZT.jpeg

ما بعد الحرب: إرثٌ من الخبرة والتطوير


بعد انتهاء العمليات وتحرير الكويت، خرجت القوات البحرية الملكية السعودية من الحرب وهي أكثر نضجًا وخبرة في مجالات القيادة، والتخطيط، والتنسيق المشترك.

أظهرت الحرب الحاجة لتطوير قدرات الاستطلاع البحري والدفاع الساحلي، وهو ما تُرجم لاحقًا في إدخال أنظمة جديدة وتعزيز التعاون مع الدول الصديقة في مجال مكافحة الألغام، والقيادة والسيطرة، والاتصالات البحرية المتقدمة.

كما أصبحت تجربة حرب الخليج الثانية مرجعًا أساسيًا في تطوير العقيدة البحرية السعودية، التي توازن اليوم بين الردع البحري والحماية الاستراتيجية للمنشآت والممرات الحيوية.


IMG_4436.gif


إرث المجد على الموج


في سجلّ البطولات السعودية، تبقى معارك البحر صفحةً مشرّفة من الصمود والعزيمة.

أثبتت القوات البحرية الملكية السعودية خلال حرب الخليج الثانية أنها درع الوطن على الماء، وسيفه في الأعماق.

واجهت التحديات بكفاءةٍ واقتدار، وأدّت واجبها الوطني بروحٍ لا تعرف التراجع ولا المساومة.

ومن بين هدير الموج وصمت الأفق، ارتفع اسمها شاهدًا على أن حماية الوطن لا تقتصر على حدود اليابسة، بل تمتد إلى كل قطرةٍ من مياهه وسيادته.

وهكذا، خرجت البحرية السعودية من تلك الحرب أكثر احترافًا وصلابة، لتبقى جاهزةً دومًا لحماية الوطن... حيث يبدأ الأفق وتنتهي الأمواج.




- انتهى -

IMG_4438.gif
 
يعطيك العافية على الموضوع الجميل و التاريخي ، كل هذي الإنجازات المشرفة في الدفاع عن سواحلنا

ايضاً كان القوات البحرية السعودية دور كبير في حرب اليمن في تحرير الجزر اليمنية
 
يعطيك العافية على الموضوع الجميل و التاريخي ، كل هذي الإنجازات المشرفة في الدفاع عن سواحلنا

ايضاً كان القوات البحرية السعودية دور كبير في حرب اليمن في تحرير الجزر اليمنية

يعطيك العافية على الموضوع الجميل اتمنى موضوع مماثل لدور القوات البحرية في عمليات عاصفة الحزم

 
عودة
أعلى