خناجر في الظهر: 20 خائناً غيّروا مجرى التاريخ الإسلامي

إنضم
7 مارس 2022
المشاركات
13,771
التفاعل
20,621 398 12
الدولة
Egypt
بسم الله الرحمن الرحيم


الخيانة أخطر من السيوف، والغدر أشد فتكًا من جيوش الجراد إذا اجتاحت أرضًا. فقد عرفت الأمة الإسلامية على مر تاريخها الطويل أعداءً من الخارج، لكن الطعنات الأكثر إيلامًا جاءت دائمًا من الداخل، من رجالٍ لبسوا ثوب الولاء ورفعوا رايات العهد، ثم انقلبوا خناجر مسمومة غرست في ظهر الأمة.


لم تكن خياناتهم أحداثًا عابرة، بل كانت لحظات فاصلة غيّرت مجرى التاريخ الإسلامي، وأعادت رسم خرائطه بالدم والدموع. فمن مقتل الخلفاء الراشدين، إلى سقوط بغداد بيد المغول، إلى ضياع الأندلس، وصولًا إلى انهيار الخلافة العثمانية ودخول الاستعمار الحديث… يقف في الخلفية دائمًا خائن خان أمانته وسلّم مفاتيح الحصون لأعداء الأمة.


في هذا الموضوع ننطلق في رحلة عبر الزمن والمكان، نكشف فيها سجل العار المظلم، ونسلط الضوء على خمسةٍ وعشرين خائنًا حملوا معاول الهدم وأسقطوا حضارات بأكملها. لكل واحد منهم حكاية مأساوية، ولكل منهم جرح غائر تركه في جسد الأمة لا يندمل.


هذه ليست مجرد أسماء، بل هي الخناجر في الظهر، التي غيّرت مسار التاريخ الإسلامي.


1756141908318.png

 

1) عبد الله بن أبيّ بن سلول – زعيم المنافقين وخنجر الغدر في قلب المدينة​


في يثرب قبل الهجرة، كان عبد الله بن أبيّ سيد الخزرج ورجلهم المقدم، وقد كانوا يهيئون له التاج ليكون ملك المدينة، لولا أن قدوم النبي ﷺ أطفأ هذا الحلم إلى الأبد. من يومها حمل في صدره غلًّا دفينًا لم ينطفئ، فدخل الإسلام مكرهًا يوم أن أسلم قومه، لكنه بقي في داخله عدوًا متربصًا.


أظهر الرجل الإيمان وأبطن الكفر، وصار رأس المنافقين وزعيمهم. ما أن استقر النبي ﷺ في المدينة حتى بدأ ابن سلول في دسائسه، تارةً بالهمز واللمز، وتارةً بالتخذيل في المعارك، وتارةً أخرى ببث الإشاعات بين صفوف المسلمين.


كانت أول خياناته العظمى يوم غزوة بدر، حينما اعترض على خروج النبي ﷺ، ثم غزوة أحد حيث انسحب بثلث الجيش – نحو ثلاثمائة مقاتل – قبل المعركة بقليل، تاركًا المسلمين يواجهون قريشًا وحدهم. كانت تلك الطعنة في خاصرة المسلمين سببًا مباشرًا في ضعف صفوفهم وما أصابهم يومئذٍ من جراح.


ولم يكتفِ بهذا، بل حين عاد النبي ﷺ من غزوة بني المصطلق، أشعل فتنةً كادت تمزق الأنصار والمهاجرين، حين قال كلمته الشهيرة: "لَئِن رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ"، قاصدًا أن يخرج النبي ﷺ وصحابته. فأنزل الله في شأنه آيات صريحة في سورة المنافقون تفضح مكنونه:


﴿يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون﴾ [المنافقون: 8].

وفي حادثة الإفك، التي اتُهمت فيها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ظلمًا، كان عبد الله بن أبيّ هو رأس الأفعى الذي أشاع الكذب، حتى أنزل الله براءة أم المؤمنين في قرآن يُتلى إلى يوم القيامة. قال سعد بن معاذ يومها للنبي ﷺ: "يا رسول الله إن كان من الأوس قتلناه، وإن كان من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك." وقد أرادوا رأس عبد الله بن أبيّ، لكن النبي ﷺ آثر الصبر لئلا يقال إن محمدًا يقتل أصحابه.


ظل هذا الخائن يحيك المؤامرات، لكن حكمة النبي ﷺ حالت دون أن يشعل حربًا أهلية داخل المدينة. وحين مات، جاء ابنه عبد الله – وكان صالحًا – يطلب من النبي ﷺ أن يصلي عليه، فأراد النبي ﷺ أن يستغفر له لعل الله يغفر له، فأنزل الله قوله:


﴿استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم﴾ [التوبة: 80].

فكان ذلك إعلانًا من السماء بأن هذا الرجل لن يُغفر له.


انتهت حياة عبد الله بن أبيّ ميتةً باهتة، لكن أثره كان مدمرًا. فقد رسّخ نموذج الخيانة الداخلية، وأسس مدرسة النفاق التي بقيت عبر الأزمان، يلبس أصحابها ثوب الدين وهم أعداء الأمة من داخلها. ولا عجب أن الصحابة سموه "رأس المنافقين"، لأنه كان أول من طعن الأمة من الداخل بخنجر مسموم.



1756142662723.png


2) عبد الله بن سبأ – رأس الفتنة الكبرى وصانع الانشقاق الأول​


في قلب اليمن، خرج رجل يهودي الأصل اسمه عبد الله بن سبأ، اعتنق الإسلام ظاهريًا وهو يحمل في صدره حقدًا دفينًا على الدين الجديد الذي أزاح سلطان قومه وأطفأ نار أطماعهم. لم يكن دخوله في الإسلام بحثًا عن الحق، بل كان ستارًا يختبئ خلفه لينسج خيوط الفتنة.


تنقّل ابن سبأ بين الأمصار الإسلامية؛ من الحجاز إلى البصرة ثم الكوفة فالشام وأخيرًا مصر. كان كلما حلّ في مدينة بدأ يبث الشكوك في قلوب العامة، فيتحدث عن ظلم مزعوم وقع عليهم من الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويثير فيهم روح التمرد، ويوهمهم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقتضي الثورة على ولي الأمر. وفي الوقت ذاته، أخذ يزرع بذور الغلو في آل البيت، حتى وصل به الحال أن ادّعى الوصاية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، بل وأضفى عليه صفات لا تجوز إلا لله عز وجل.


حين استقر به المقام في مصر، وجد البيئة مهيأة. جمع حوله الغوغاء والسخطاء، وأحكم التحريض، حتى خرجت جموع من مصر والبصرة والكوفة متوجهة إلى المدينة. كانت النتيجة أن حوصر بيت الخليفة عثمان رضي الله عنه، الرجل الذي استحيا منه ملائكة الرحمن، فقتل وهو يتلو كتاب الله. تلك اللحظة كانت الشرارة الأولى للفتنة الكبرى التي شقت الأمة نصفين.


لم يتوقف ابن سبأ عند هذا الحد، بل حين اقترب الصحابة من الصلح في البصرة، بين علي وطلحة والزبير رضي الله عنهم، دبّر مكيدة ليفسد الاتفاق. أرسل أتباعه ليلًا ليضربوا جيش علي وجيش طلحة والزبير في وقت واحد، فظن كل طرف أن الآخر قد غدر به. اندلعت معركة الجمل، وتلطخت الأرض بدماء آلاف الصحابة والتابعين، وكانت الأمة الإسلامية لأول مرة تتقاتل بسيوفها في الداخل بدلًا من أن تتوحد لمواجهة أعدائها.


يصفه المؤرخون بأنه كان رأس الفتنة الكبرى، فهو الذي زرع الشقاق وأوقد نار الحروب الداخلية. قال الطبري: "كان عبد الله بن سبأ يهوديًا من أهل صنعاء، أظهر الإسلام وأراد الفتنة بين المسلمين." أما ابن كثير فيصفه بقوله: "هو أول من أظهر القول بوجوب إمامة علي، والغلو فيه، وكذب على الله وعلى رسوله."


لقد كانت بصمته في التاريخ دموية سوداء: مقتل عثمان رضي الله عنه، اندلاع الفتنة الكبرى، وظهور الفرق التي لا تزال الأمة تعاني من آثارها إلى يومنا هذا. أما نهايته فظلت موضع خلاف، فبعض الروايات تقول إن عليًا رضي الله عنه أحرق بعض أتباعه بعدما ادعوا الألوهية فيه وكان هو من بينهم، بينما روايات أخرى تشير إلى نفيه إلى المدائن. أياً كان مصيره، فإن أثره لم ينتهِ بموته، فقد ترك خلفه نارًا لم تنطفئ لقرون طويلة.



1756142746118.png


3) كسيلة بن ملزم – خيانة على أبواب المغرب​


حين اندفعت جيوش الإسلام غربًا بقيادة القائد العظيم عقبة بن نافع، كانت أرض المغرب العربي تعيش صراعًا مريرًا بين أهلها والبيزنطيين. جاء الإسلام ليحرر البلاد من الاستعمار الرومي ويجمع القبائل المتفرقة تحت راية واحدة. في هذه اللحظة ظهر رجل اسمه كسيلة بن ملزم، زعيم قبيلة من البربر، الذي أعلن إسلامه على يد عقبة وأظهر الولاء للدولة الأموية.


لكن إسلام كسيلة لم يكن إلا ستارًا يخفي وراءه طموحًا دنيويًا، وحقدًا على القائد الفاتح الذي لم يمنحه المكانة التي كان يتوق إليها. ظل سنوات يساير المسلمين، حتى جاء الوقت الذي ظن فيه أنه قادر على الغدر.


في سنة 63هـ/682م، وبعد أن أكمل عقبة فتح شمال إفريقيا حتى وصل إلى المحيط الأطلسي وقال كلمته الشهيرة وهو يركض بفرسه داخل البحر: "اللهم لولا هذا البحر لمضيت في سبيلك مجاهدًا"، قرر العودة شرقًا لتأمين الطرق. لكن كسيلة كان قد عقد حلفًا سرّيًا مع البيزنطيين، يتربص بجيش المسلمين العائد.


نصب الخائن كمينًا محكمًا في منطقة "تهودة" بالجزائر، وهناك باغت عقبة بن نافع ومعه نحو 300 فارس من خيرة رجاله. قاتل عقبة حتى اللحظة الأخيرة، رافضًا الهرب، وهو يردد: "اللهم اشهد أني قد بلغت الجهد في سبيلك." لكن كثرة العدو وخيانة كسيلة رجحت كفة البيزنطيين، فسقط القائد عقبة شهيدًا، ومعه نخبة من فرسان الإسلام.


بهذا الغدر انهارت مكاسب الفتح مؤقتًا، وعادت الجيوش البيزنطية لتسيطر على أجزاء واسعة من المغرب، وظن كسيلة أنه صار سيد البلاد. لكن الله أمهل ولم يهمل، فلم تلبث الجيوش الإسلامية أن عادت بقيادة زهير بن قيس البلوي، الذي هزم كسيلة في معركة "مسكيانة"، وقتله شر قتلة سنة 686م.


لقد كان كسيلة مثالًا للخيانة التي غيّرت مسار الفتوحات الإسلامية في المغرب. لولا غدره، لكان الإسلام قد استقر أبكر مما استقر، لكنه أخر ذلك بسنوات ودفع آلاف المسلمين والأهالي ثمن دماء لا ذنب لهم فيها.


وقد قال المؤرخ ابن خلدون عن تلك المرحلة:


"وكانت فتنة كسيلة من أعظم ما جرى على المسلمين بالمغرب، حتى انثنى أمر الفتح وتزلزلت أركانه."

هكذا ظل اسمه محفورًا في ذاكرة التاريخ باعتباره "الخائن الأول" في بلاد المغرب.


1756142802254.png


4) نصّار المردي – خيانة على تخوم الأناضول​


في القرن الثالث الهجري، كانت الدولة العباسية في أوج قوتها، تمتد جيوشها إلى أعماق الأناضول، وتكسر شوكة البيزنطيين معركة بعد أخرى. كان القائد عمر الأقطع، أحد أعظم قادة العباسيين، يقود الحملات بنفسه، وفي عام 249هـ (863م) حقق انتصارًا باهرًا على الإمبراطور البيزنطي مايكل الثالث في معركة مرج الأسقف. فتح مدنًا كثيرة من الأناضول، ورفع راية الإسلام على أرضٍ لم تطأها جيوش المسلمين من قبل.


لكن بين صفوف جيشه كان هناك رجل اسمه نصّار المردي. أصله من قبائل "المردة" النصرانية التي تسكن جبال لبنان وغرب الشام. دخل الإسلام ظاهرًا، وصار جنديًا ثم قائدًا في جيش العباسيين، حتى وثق به عمر الأقطع نفسه. بدا كواحد من أبناء الدعوة، لكن قلبه ظل متعلقًا بعقيدته الأولى وبأحلام البيزنطيين.


بعد الانتصار الكبير، اضطر عمر الأقطع أن يعود بجزء من جيشه، تاركًا معه عددًا قليلًا من الجنود لتأمين الأرض المفتوحة. هنا وجد نصّار فرصته. تواصل سرًا مع قادة البيزنطيين، ووعدهم أن يسلم لهم القائد العباسي. وما إن قلّت أعداد الجيش المسلم، حتى انقلب نصّار، وهاجم سيده عمر الأقطع في كمينٍ غادر. قاوم القائد حتى استُشهد مع رجاله جميعًا، وسالت دماؤهم على ثرى الأناضول.


لم يكتف نصّار بالغدر، بل أعلن ارتداده جهارًا، والتحق بالجيش البيزنطي محاربًا إخوته السابقين. أصبح واحدًا من قادتهم، يوجّه سهامه إلى صدور المسلمين الذين كان بالأمس يقاتل معهم. واستمر يقاتل العباسيين أعوامًا طويلة إلى أن سقط قتيلًا في إحدى معارك الثغور.


لقد كانت خيانته نقطة فاصلة؛ إذ توقفت مكاسب المسلمين في الأناضول لسنوات، وفقدوا فرصة ذهبية للوصول إلى القسطنطينية في ذلك الوقت. ولولا نصّار المردي، لربما تغيّر مسار الصراع مع بيزنطة مبكرًا.


وقد وصفه أحد المؤرخين البيزنطيين بقولٍ ساخر:


"إنه باع دين محمد ليشتري رضا قيصر، فخسر الاثنين معًا."

وهكذا بقي نصّار المردي شاهدًا على أن الخيانة الفردية يمكن أن تغيّر وجه معركة، بل وجه تاريخ أمة بأكملها.


1756143093273.png



5) عبيد الله القداح – الطعنة التي أنقذت روما​


في مطلع القرن الرابع الهجري، كانت جيوش المسلمين تطرق أبواب أوروبا.
العباسيون في المشرق والأغالبة في المغرب العربي نسجوا معًا حلمًا واحدًا: فتح القسطنطينية، ومن بعدها روما عاصمة النصرانية في الغرب.
كانت الحملات تتوالى على الأناضول وجنوب إيطاليا، وسيطر المسلمون على جزر البحر المتوسط حتى صارت طرق التجارة في قبضة الإسلام، وارتجفت أوروبا من مشهد الهلال وهو يرفرف قريبًا من قلبها.


في هذا المشهد المصيري، ظهر رجل اسمه عبيد الله القداح.
ابنٌ لغموض النسب، ادّعى أنه من آل البيت، وراح يزرع أفكاره بين الناس، يثير الشكوك، ويجمع الأتباع في الظلام. لم يكن مجرد صاحب عقيدة منحرفة، بل كان يحمل مشروعًا سياسيًا مدمّرًا، يتربص بالأمة في لحظة هي الأخطر على أعدائها.


عام 293هـ (906م)، وبينما كان والي إفريقية زيادة الله الأغلبي منشغلًا بالقتال في جنوب إيطاليا، والجيش الأغلبي مبعثرًا بين الثغور البعيدة، أشعل عبيد الله القداح وأتباعه تمردًا هائلًا في قلب إفريقية (تونس حاليًا).
لم يكن هذا التمرد عابرًا؛ بل كان طوق نجاة للبيزنطيين، الذين كانوا على حافة السقوط. الأوروبيون كانوا يقولون وقتها إن الإمبراطور ليو السادس سيكون آخر قياصرتهم، وإن الهلال سيعلو فوق كنيسة القديس بطرس.


لكن طعنة القداح غيّرت كل شيء.
تفككت الجبهة الإسلامية، اضطر الأغالبة للعودة من إيطاليا، وتعطلت خطة استكمال الفتوحات.
وبينما تنفست روما الصعداء، كان القداح يؤسس لدويلة جديدة في المغرب: الدولة العبيدية (التي يسميها أتباعها زورًا "الفاطمية").


لم تكن تلك الدولة إلا خنجراً في خاصرة الأمة؛ تحالفت مع أعداء الإسلام، وحاربت الخلافة العباسية، ومدت يدها إلى الصليبيين لاحقًا، وكانت سببًا في مآسٍ لا تنتهي.


يقول المؤرخ ابن كثير في وصفها:


"وكان قيامها من أعظم أسباب تفرق كلمة الإسلام، وفتنة عمت بلاد المغرب والمشرق."

إن خيانة عبيد الله القداح لم تكن سقوط مدينة أو خسارة معركة، بل كانت تغييرًا لمسار التاريخ؛ فقد أنقذ أوروبا في لحظة ضعف قاتلة، وأقام كيانًا معاديًا في قلب العالم الإسلامي استمر قرونًا.


لقد كانت طعنته خنجرًا صدئًا، لكنه كان أعمق أثرًا من سيوف ألف جندي.



1756143282269.png
 

6) الأفضل بن بدر الدين الجمالي – الوزير الذي جلب الصليبيين​


في أواخر القرن الخامس الهجري، كانت الأمة الإسلامية منقسمة بين دولتين متنافستين:
الخلافة العباسية في بغداد، والدولة العبيدية في مصر.
أما بلاد الشام، فكانت ساحة صراع بين الطرفين، كل طرف يحاول مد نفوذه عليها.


في هذا المشهد المضطرب، كان الأفضل بن بدر الدين الجمالي هو الحاكم الفعلي لمصر، رجل قوي بيده مقاليد الدولة العبيدية، لكنه لم يكن يملك مشروعًا للوحدة الإسلامية، بل كان همه أن يضمن بقاء سلطانه في القاهرة.


ومع صعود السلاجقة في المشرق وتحالفهم مع العباسيين، أخذ ميزان القوى يميل ضد العبيديين.
السلاجقة حرروا معظم بلاد الشام من سيطرة القاهرة، وأصبح سقوط مصر نفسها مسألة وقت.
وهنا، بدلاً من أن يتوحد الأفضل مع إخوانه المسلمين، ارتكب جريمة ستظل وصمة عار في التاريخ: تحالف مع الصليبيين.


عام 1095م أعلن البابا أوربان الثاني في فرنسا الحملة الصليبية الأولى، وانطلقت جموع الفرنجة تعبر أوروبا نحو المشرق.
وحين وصلوا إلى الأناضول وبدأوا معاركهم مع السلاجقة، وجدوا في الأفضل حليفًا لا يُقدّر بثمن.
لقد راسلهم، وقدّم لهم الدعم، ثم دعاهم لغزو الشام ليجعل منهم حائطًا بينه وبين العباسيين والسلاجقة.


دخل الصليبيون أنطاكية، ثم توجهوا نحو القدس.
وفي عام 1098م، بينما كانت قوات المسلمين تقاتل ببسالة، غدر بهم الأفضل: انتزع فلسطين منهم في لحظة ضعف، ثم بعد عام فقط سلّم القدس للصليبيين بعد مقاومه ضعيفه طوعًا مقابل الأمان لحاميته العبيدية، مكتفيًا بالاحتفاظ بعسقلان.


هكذا سقطت القدس عام 1099م، وارتكب الصليبيون فيها مجزرة مروعة ذُبح فيها سبعون ألف مسلم.
كان الأفضل شريكًا مباشرًا في هذه الكارثة، لأنه سهّل الطريق، وضمن للغزاة الاستقرار في قلب العالم الإسلامي.


المؤرخ ابن الأثير كتب بمرارة:


"ولو أن الأفضل قاتلهم كما قاتلهم المسلمون من قبله، لما تجرؤوا على بيت المقدس."

لقد أراد الأفضل أن يحمي كرسيه في القاهرة، فضحّى بالقدس، وترك الأمة تغرق في الدماء.
وكانت خيانته هي الجسر الذي عبرت منه الحملات الصليبية لتقيم ممالكها في الشام أكثر من قرن ونصف.


إنه نموذج للخائن الذي يبيع مقدسات الأمة ليبقى في الحكم، فيغدو اسمه مرادفًا للعار إلى يوم الدين.


1756143470840.png


7) شاور بن مجير السعدي – الذي فتح أبواب القاهرة للصليبيين​


في منتصف القرن السادس الهجري، كانت مصر تحت حكم الدولة العبيدية (المعروفة خطأً بالفاطمية).
وكان شاور بن مجير السعدي الرجل الأقوى، الحاكم الفعلي لمصر، يتحكم في مقاليد الأمور من وراء الخليفة الصوري العاضد بالله.


لكن دوام الحال من المحال.
فقد أُطيح بشاور من كرسيه، ووجد نفسه طريدًا بلا سلطان.
حينها لجأ إلى نور الدين محمود زنكي في الشام، واستنجد به، عارضًا عليه أن يعيده إلى الحكم مقابل الولاء والتزامات يقطعها على نفسه.


نور الدين، الحاكم العادل المجاهد، صدّقه، وأرسل جيشًا بقيادة القائد العظيم أسد الدين شيركوه وبرفقته ابن أخيه الشاب صلاح الدين الأيوبي.
دخل شيركوه مصر بجيشه، وانتصر، وأعاد شاور إلى كرسيه.
لكن ما إن استقر له الحكم حتى انقلب على وعوده، وأدار ظهره لنور الدين.


لم يكتف شاور بنكث العهد، بل ارتكب خيانة لم يسبقه إليها أحد:
فقد دعا الصليبيين إلى التدخل في مصر، وطلب من البيزنطيين أن يغزوا الإسكندرية!
تحولت القاهرة إلى ساحة مؤامرات، بين جيش شيركوه وصلاح الدين من جهة، وجيوش الصليبيين المتحالفة مع شاور من جهة أخرى.


وبعد مفاوضات، خرج شيركوه من مصر بشرط خروج الصليبيين أيضًا.
لكن شاور لم يرضَ، فعاد ليُدخل الفرنجة مرة أخرى، حتى جعل لهم حاميات عسكرية على أسوار القاهرة نفسها، في قلب دار الإسلام!


لقد بلغ به الغدر أن جلس على مائدة واحدة مع قادة الصليبيين، وسمح لهم أن يحرسوا عاصمته.
لم يكن يهمه الدين ولا الأمة ولا مصر، إنما كان همه الوحيد أن يبقى في الحكم، ولو باع البلد كلّه.


لكن نهايته كانت عبرة.
فبعد أن استعاد شيركوه وصلاح الدين السيطرة على مصر، تظاهر شاور بالولاء، بل دعاهم إلى وليمة كبرى كان يخطط فيها لتسميمهم.
إلا أن مؤامرته انكشفت، فأمر شيركوه بقتله سنة 564هـ (1169م).


كتب المؤرخون أن أهل مصر استراحوا من شره يوم قُتل، وعلقوا بمرارة:


"من استقوى بالعدو على قومه، كانت نهايته على يد من استنجد بهم."

لقد طبع شاور اسمه في سجل الخيانة، كرجل جعل الصليبيين أوصياء على القاهرة، وجعل عاصمة الإسلام ساحة مطامع الغر
باء.

1756143673657.png





8) محمد بن الأحمر – الذي باع الأندلس لقاء عرش صغير​


في القرن السابع الهجري، كانت الأندلس تعيش آخر أنفاسها.
سقطت دولة الموحدين، وتوزّعت بلاد الأندلس بين أمراء يتنازعون الحكم، فيما كانت ممالك قشتالة وأراغون وليون تتربص بكل مدينة وقرية.


في تلك اللحظة ظهر رجل اسمه محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر، مؤسس ما عُرف لاحقًا بدولة بني الأحمر في غرناطة.
ظهر بشعار براق كتبه على راياته: "ولا غالب إلا الله"، لكن ما فعله على أرض الواقع كان خيانة سوداء خلدها التاريخ.


كان الأندلسيون قد اجتمعوا تحت قيادة محمد بن هود الجذامي، وخرجت الجموع بالمئات والألوف عازمة على استرداد المدن التي ضاعت.
وكانت قرطبة، عاصمة الحضارة الإسلامية في الغرب، لا تزال صامدة تنتظر النصر.


لكن محمد بن الأحمر لم يكن يرى إلا نفسه وعرشه.
ففي الوقت الذي كانت الأمة تستعد لمعركة مصيرية، انقلب على ابن هود، وتمرد عليه، بل تحالف مع الإسبان الصليبيين أنفسهم!
وقف معهم كتفًا بكتف، وساعدهم في حصار قرطبة حتى سقطت عام 1236م، وبعدها شاركهم في إسقاط إشبيلية عام 1248م.


لم يكن هدفه إلا أن يمنحه الإسبان إمارة صغيرة يتسلطن عليها.
فكان له ما أراد، إذ حصل على غرناطة ليكون أول ملوك بني الأحمر، لكن بثمن غالٍ: بيع معظم الأندلس.


المؤرخ ابن الخطيب يصف هذه المرحلة بقوله:


"لقد أصبح سلطان غرناطة مجرد تابع يدفع الجزية للملوك الإسبان، لا يملك إلا ما يُبقيه هؤلاء ليكون حاجزًا بينهم وبين المسلمين."

وهكذا تحولت غرناطة إلى آخر قلاع المسلمين في الأندلس، دولة ضعيفة تقوم على المهادنة والجزية، بفضل خيانة ابن الأحمر الذي فضّل عرشًا صغيرًا على وحدة الأمة.


ولم ينسَ الإسبان جميله؛ بل جعلوه أداتهم لتفكيك بقية الحصون الإسلامية، وظل بنو الأحمر يدفعون الجزية قرونًا، حتى انتهى أمرهم عام 1492م بسقوط غرناطة نفسها، وخروج المسلمين من الأندلس إلى الأبد.


لقد كان محمد بن الأحمر رمزًا للخائن الذي يبيع أرضه وعرضه مقابل تاج زائف، ترك خلفه وصمة عار أبدية، ودموع ملايين من المهجرين والمقهورين من أهل الأندلس.




1756143817301.png



9) الكامل محمد الأيوبي – سلطان يسلّم القدس بلا قتال​


كانت الحروب الصليبية في أوجها، والجيوش الإسلامية تتصدى لمحاولات متكررة من أوروبا لاحتلال القدس وأرض فلسطين.
بعد جهاد عظيم قاده صلاح الدين الأيوبي وأحفاده، عادت القدس إلى حضن الأمة، وصارت رمزًا لانتصار المسلمين على الصليبيين.


لكن الخيانة كثيرًا ما تأتي من داخل البيت.
وفي عام 1229م، ظهر السلطان الكامل محمد الأيوبي، حفيد صلاح الدين، على مسرح الأحداث، ليكتب واحدة من أبشع الصفحات في تاريخ الأمة.


كان الكامل يحكم مصر، بينما كان إخوته وأبناء عمومته يتقاسمون بقية بلاد الشام.
وكعادة الأيوبيين بعد صلاح الدين، تنازعوا السلطة، وانشغلوا بالصراع الداخلي أكثر من مواجهة الخطر الخارجي.
الكامل نفسه كان يخشى من طموحات إخوته وأقاربه أكثر من خشيته من الصليبيين.


وعندما وصل الإمبراطور الألماني فريدريك الثاني إلى الشام يقود الحملة الصليبية السادسة، لم يجد أمامه جيوشًا موحدة أو مقاومة صلبة، بل وجد سلطانًا مرتعدًا يمد له يده سرًا.


الكامل لم يقاتل، لم يحاصر، لم يفاوض من موقع قوة، بل سارع إلى توقيع اتفاقية يُعدها المؤرخون فضيحة تاريخية: معاهدة يافا سنة 1229م.
بموجبها سلّم القدس وما حولها من مدن للصليبيين، باستثناء الحرم القدسي الشريف!
وأشرف بنفسه على إخلاء المسلمين منها، مفرّغًا المدينة من أهلها ومجاهدها.


القدس، التي حررها صلاح الدين بدماء عشرات الآلاف من المجاهدين، أعادها حفيده الكامل بقطعة ورق وبصمة على معاهدة.


يقول المؤرخ ابن الأثير غاضبًا من هذا الحدث:


"ما سُمع بمثل هذه الفضيحة منذ أن فُتح الإسلام، أن تُسلّم مدينة القدس للكفار بلا حرب ولا دماء، إنما هو عار على بني أيوب كلهم."

والأدهى أن الكامل لم يفعل ذلك إلا ليضمن دعم فريدريك الثاني ضد خصومه من الأيوبيين الآخرين.
باع القدس مقابل أن يثبت عرشه!


هكذا تحولت مدينة الأنبياء إلى ورقة مساومة سياسية، وفقدت الأمة قدسها مرة أخرى، لا بسيوف الصليبيين وحدهم، بل بخيانة سلطان من سلالة البطل الذي حررها.


لقد كان الكامل محمد الأيوبي مثالًا حيًا على كيف يمكن للطمع والخوف أن يحوّلا قائدًا إلى خنجر في ظهر الأمة، ويقلبا النصر إلى هزيمة.



1756144023222.png


10) ابن العلقمي – الوزير الذي سلّم بغداد للمغول​


حين نذكر سقوط بغداد سنة 1258م، فإننا نتحدث عن واحدة من أبشع الكوارث في تاريخ الأمة الإسلامية.
مدينة السلام، عاصمة الخلافة العباسية، حاضرة الدنيا، ومركز العلم والحضارة، سقطت في قبضة المغول، فتحولت أنهارها إلى دماء، ومكتباتها إلى رماد، وقلوب أهلها إلى جراح لم تلتئم قرونًا.


وفي قلب هذه المأساة، كان يقف اسم واحد يُردد في كتب التاريخ مقرونًا بالخيانة: مؤيد الدين محمد بن العلقمي، الوزير الرافضي للخليفة المستعصم بالله.


ابن العلقمي لم يكن مجرد وزير ضعيف أو غير كفء، بل كان خائنًا متآمرًا.
كان ساخطًا على الخلافة العباسية، كارهاً للخليفة المستعصم، فمدّ يده سرًا إلى المغول، وبدأ يراسلهم بالخرائط والأخبار، ممهدًا الطريق لهولاكو ليدك أسوار بغداد.


ولم يقف خيانته عند الرسائل السرية. بل عمل من الداخل على إضعاف جيش الخلافة.
يروي المؤرخون أن جيش العباسيين كان قد بلغ 100 ألف مقاتل، لكن ابن العلقمي أقنع الخليفة بتسريح معظمهم بحجة الاقتصاد، حتى لم يبقَ سوى 10 آلاف فقط!
فلما وصل المغول، لم يجدوا أمامهم إلا جيشًا هزيلًا عاجزًا عن الدفاع عن أكبر عاصمة إسلامية.


ثم جاءت الطعنة الأخيرة:
عندما اقترب هولاكو من بغداد، زعم ابن العلقمي أنه قادر على التفاوض، وأنه توصّل لاتفاق آمن، وأقنع الخليفة المستعصم بالخروج بنفسه للقاء هولاكو!
خرج الخليفة وهو يظن أن هناك صلحًا، فإذا به يقع في الأسر، ثم يُقتل بمهانة لم يعرفها خلفاء المسلمين من قبل.


دخل المغول بغداد، وبدأت المذبحة.
قُتل ما يزيد عن 800 ألف مسلم في أيام معدودة، وغُرقت الكتب في دجلة حتى قيل إن مياه النهر صارت سوداء من مدادها، وحمراء من دماء أهلها.
أما ابن العلقمي، فقد كافأه المغول بأن أبقوه وزيرًا شكليًا ذليلًا، يسير في الشوارع تحت حراسة جنودهم.
حتى قيل إن امرأة من بغداد صاحت فيه يومًا:


"أهكذا كان يعاملك بنو العباس يا ابن العلقمي؟"

فعاد إلى داره مكسورًا، ومات بعدها بأسابيع قليلة، يجر خلفه لعنة أبدية.


كتب المؤرخ ابن كثير في البداية والنهاية:


"كان ابن العلقمي رافضيًا خبيثًا، أظهر للمسلمين الود، وأبطن الكيد، وكان من أسباب زوال دولة الإسلام ببغداد."

لقد صار ابن العلقمي مرادفًا للخيانة في التراث الإسلامي.
اسم يُذكر كلما أراد الناس أن يصفوا من يطعن الأمة من داخلها، أو من يفتح أبوابها لأعدائها.


سقوط بغداد لم يكن هزيمة عسكرية فقط، بل كان خيانة من الداخل جسّدها هذا الوزير، الذي سيظل اسمه مقرونًا بالعار إلى قيام الساعة.


1756144172383.png
 

11) مظفر الدين السلغوري – الذي تحالف مع المغول ضد المسلمين​


بعد أن اجتاح المغول المشرق الإسلامي وأسقطوا بغداد بفضل خيانة ابن العلقمي، لم يكتفوا بذلك، بل أرادوا التوسع أكثر نحو بلاد فارس والشام والأناضول.
وفي هذا التوقيت، برز اسم أحد أمراء الفرس التركمان: مظفر الدين أبو بكر بن سعد السلغوري، حاكم فارس من سلالة سلاجقة فارس المعروفين بـ"آل سلغور".


هذا الرجل كان يُفترض أن يكون سدًّا منيعًا أمام المغول، لأن إمارته كانت واقعة على طرق استراتيجية بين العراق وفارس والبحر.
لكن بدل أن يقاتل، فضّل أن يبيع نفسه ومصالح المسلمين، وفتح الأبواب لهولاكو.


فقد راسل المغول سرًا، وأعلن ولاءه لهم، حتى إنه أرسل الهدايا والضرائب إليهم قبل أن يصلوا إلى حدوده.
ولم يكتفِ بذلك، بل شارك في حملاتهم، وساعدهم في إخضاع بلاد المسلمين الأخرى، على أمل أن يرضى عنه هولاكو فيبقيه حاكمًا على فارس تحت سيادة المغول.


المؤرخ ابن الفوطي يذكر أن مظفر الدين لم يكن مجرد تابع، بل كان عينًا للمغول في المنطقة، ينقل لهم أخبار الإمارات الإسلامية ويضمن لهم خضوع البلاد دون مقاومة.


وبالفعل، حين زحف المغول إلى فارس، وجدوا الطريق ممهدًا، والناس بلا قائد يقودهم، لأن الأمير الذي يفترض أن يحميهم قد خانهم.
سقطت البلاد مدينة بعد مدينة، وصارت فارس قاعدة كبرى من قواعد المغول في هجماتهم القادمة على الشام.


لكن التاريخ لا يرحم.
فالمغول الذين استخدموه لم يُبقوا على سلطانه طويلًا، وبعد سنوات قليلة فقد مكانته، وتفككت دولته، وضاعت أسرته، وبقي اسمه وصمة عار في تاريخ المسلمين.


لقد كان مظفر الدين السلغوري صورة مكررة من ابن العلقمي:
رجل سلّم مفاتيح بلاده للغزاة، وظن أن خيانته ستبقيه سيدًا، بينما لم يترك وراءه إلا الخزي والعار.


1756144322980.png





12) ابن فروخ – خيانة ميورقة وضياع درة جزر الأندلس​


في القرن الثالث عشر الميلادي، كانت الأندلس الإسلامية تعيش لحظات حرجة، فبعد سقوط قرطبة وإشبيلية، لم يبقَ للمسلمين سوى بعض الجيوب والمدن. وفي ذلك الزمن، كانت ميورقة (مايوركا الحالية في جزر البليار) من أغنى وأهم المناطق الإسلامية في البحر المتوسط.


حاكمها كان أبو يحيى بن إسحاق بن فروخ، رجل من أسرة حكمت الجزيرة منذ أيام المرابطين.
لكن بدل أن يقف ثابتًا في وجه الخطر القادم من الشمال، تحوّل إلى رمز للخيانة والتخاذل.


فعندما بدأ جايمس الأول ملك أراغون التخطيط لغزو ميورقة عام 1229م، كان المسلمون قادرين على الدفاع، فقد كانت الجزيرة حصينة وغنية وتملك أسطولًا بحريًا قويًا.
لكن ابن فروخ خان الأمانة.


المصادر تذكر أن الرجل كان يعيش في حياة لهو ورفاهية، مشغولًا بملذاته عن تجهيز الجيوش.
بل الأسوأ من ذلك، أنه أرسل رسائل سرية إلى ملك أراغون، يعرض عليه الجزية والطاعة مقابل أن يبقيه حاكمًا تحت التاج المسيحي!


لكن الإسبان لم يكونوا ليرضوا بأقل من السيطرة الكاملة.
وبمجرد أن وصل جيش أراغون، وجد الجزيرة ممزقة بلا قيادة موحدة، إذ انقسمت القبائل الإسلامية بين من يثق بابن فروخ ومن يرفضه.
وسرعان ما سقطت الحصون، ودخل النصارى العاصمة ميورقة في مذبحة مروعة عام 1230م، قتل فيها عشرات الآلاف من المسلمين، وتم أسر آلاف آخرين ونقلهم عبيدًا إلى كتالونيا.


أما ابن فروخ نفسه، فهرب مذعورًا، وقيل إنه حاول أن يطلب الأمان من جايمس الأول، لكنه طُرد واعتُبر مجرد خائن لا يستحق الثقة، فمات ذليلًا بلا سلطان ولا أرض.


هكذا، وبخيانة رجل واحد، ضاعت واحدة من أثمن جزر الأندلس الإسلامية، وسقط خط دفاع استراتيجي في البحر المتوسط.
ومنذ ذلك اليوم، لم تعد ميورقة تحت حكم المسلمين أبدًا.


المؤرخ ابن عذاري علّق على تلك الكارثة بقوله: "ما ضاعت ميورقة إلا بخيانة أميرها وركونه إلى الدعة والهوى، ولو ثبت لأهله ما نالها عدو قط."


لقد كانت خيانة ابن فروخ واحدة من الطعنات الكبرى التي عجّلت بانتهاء الوجود الإسلامي في الأندلس.


1756144490125.png




13) مراد جيراي – خان العثمانيين فأنقذ فيينا​


كان القرن السابع عشر زمن صراع مصيري بين الدولة العثمانية وأوروبا.
فبعد قرون من التوسع الإسلامي، وصلت جيوش السلطان محمد الرابع العثماني بقيادة القائد الأعظم قرة مصطفى باشا إلى أبواب فيينا، عاصمة النمسا، في عام 1683م.
كان العالم الإسلامي كله يترقب لحظة فتح هذه المدينة، التي اعتبرها العثمانيون مفتاح السيطرة على قلب أوروبا.


لكن بين صفوف الجيش العثماني، كان هناك رجل يحمل قلبًا آخر، قلبًا تغذيه الأهواء الشخصية والحسابات الضيقة: مراد جيراي، خاني القرم، الذي كان تابعًا للعثمانيين، مكلفًا بمهمة خطيرة: إغلاق المنافذ الغربية والجنوبية لفيينا ومنع وصول أي إمدادات أوروبية.


لو أن مراد التزم بمهمته، لكان الحصار محكمًا ولربما سقطت فيينا.
لكن بدلاً من الوفاء بعهد الجهاد، خان الأمانة.
فبدافع الغيرة من قرة مصطفى باشا، وخوفًا من أن يسجّل التاريخ النصر باسمه وحده، ترك الطرق مفتوحة عمداً، فدخلت جيوش الإمداد الأوروبية بقيادة ملك بولندا يان سوبيسكي.


كان ذلك التحول نقطة فاصلة: ففي 12 سبتمبر 1683، هاجمت قوات التحالف الأوروبي العثمانيين من حيث لا يتوقعون، وكانت النتيجة هزيمة ساحقة، انهار بعدها الحصار وانكسرت هيبة الدولة العثمانية في أوروبا.
ومنذ تلك المعركة، بدأت مرحلة التراجع العثماني التي استمرت حتى سقوط الخلافة.


المؤرخ العثماني جلال زاده يصف خيانته قائلاً: "لو أن مراد خان القرم سد المنافذ كما أُمر، لما بقي لفيينا باقٍ، ولرأى الناس اليوم أوروبا دار إسلام."


لكن مراد لم يكتفِ بذلك.
ففي بلاده القرم، سعى لاحقًا إلى إلغاء الشريعة الإسلامية واستبدالها بقوانين مستوحاة من المغول، في سابقة خطيرة لم تحدث في ولايات الدولة العثمانية من قبل.

رغم خيانته العظمى، لم ينل مراد جيراي ما كان يتمناه من سلطةٍ أو مجدٍ شخصي.
فبعد هزيمة فيينا، حمّله العثمانيون جزءًا كبيرًا من المسؤولية، واتهموه بالتخاذل والتآمر.
لكن بدلاً من أن يُعدم كما كان يُفعل بالخونة عادة، أُبقي عليه خانًا لفترة قصيرة مراعاةً لمكانة التتار القرم في الجيش، ثم عُزل عن منصبه ذليلًا.


انتهت حياته في عزلةٍ ومرض، بعيدًا عن مجد الدولة وعن صفحات البطولة التي كان يتمنى أن يُذكر فيها.
ومات في عام 1696م، وقد لُعن اسمه في المعسكرات العثمانية، وأصبح عبرة على أن الخيانة لا تصنع مجدًا، بل تكتب العار في صحائف التاريخ.

وهكذا أصبح مراد جيراي رمزًا للخيانة التي غيّرت مجرى التاريخ: فبسبب طموحاته الشخصية، ضاعت فرصة فتح فيينا، ونجت أوروبا من مصيرها المحتوم، وبدأت مرحلة جديدة من النهضة الأوروبية مقابل انكسار المسلمين.


1756144692535.png

14) يوسف باشا التبليسي – الخنجر الذي أنهى آخر مملكة إسلامية في جورجيا​


في القرن الثامن عشر الميلادي، كانت القوقاز ساحة صراع بين قوى كبرى: العثمانيين، الفرس الصفويين، والروس الصاعدين. وسط هذه الدوامة، برزت مملكة صغيرة في جورجيا المسلمة يحكمها الملك محمد قولي باغراتيوني، رجلٌ اعتنق الإسلام بصدق، وجعل من عرشه حصنًا أمام التمدد الروسي والصفوي، بل وحمل السلاح مرارًا إلى جانب الجيوش العثمانية، وحقق معها انتصارات مهمة على الروس والفرس.


لكن الطعنة لم تأتِ من الخارج، بل من الداخل.
فقد أرسل العثمانيون أحد قادتهم الكبار، يوسف باشا التبليسي، ليجلس مع الملك محمد قولي في خيمته ويبحثان في توحيد الجهود. دخل الملك المسلم وهو مطمئن، فقد قاتل طويلًا مع العثمانيين وكان يرى فيهم سندًا للأمة. لكنه لم يكن يعلم أن الخيانة قد سبقت اللقاء.
في لحظةٍ غادرة، أمر يوسف باشا أحد خدمه فاندفع وطعن الملك طعنة غادرة أردته قتيلًا على الفور.


لم تكن الطعنة موجهة لرجلٍ واحد، بل كانت خيانةً لأمة كاملة. فبموت الملك محمد قولي، انتهى وجود الإسلام السياسي في جورجيا، وسُلّم العرش على طبق من ذهب إلى الأمير المسيحي تيموراز الثاني، الذي أصبح حليفًا مخلصًا للروس. ومنذ تلك اللحظة، تحولت جورجيا إلى قاعدة متقدمة للنفوذ الروسي في القوقاز، وماتت معها آخر محاولة لجعلها دولة مسلمة قوية.


المؤرخون وصفوا تلك اللحظة بأنها “نقطة تحول في تاريخ القوقاز”؛ إذ لم يعد للمسلمين في جورجيا بعدها شأن، وغُرست بذور الهيمنة الروسية التي ستمتد لقرون. أما يوسف باشا، فقد سقط اسمه في سجل الخيانة السوداء، إذ خان حليفًا وفيًا وأغلق بابًا كان يمكن أن يحمي الأمة من توسع عدوٍ لا يرحم.


قال أحد مؤرخي جورجيا في وصف تلك الحادثة:
“لم يكن موت محمد قولي باغراتيوني موت ملك، بل كان موت أمة بكاملها.”

1756144834244.png


 
تعقيب ومرور صغير على الموضوع كسيلة ليس بخائن بل كان قد اسلم وهو قبائل اوربة وصنهاجة البربرية الجزائرية على يد ابي المهاجر دينار وتمرده على عقبة هو رد على طغيان وعصبية وتجبر هذا الاخير وسوء معاملته للبربر عكس ابي المهاجر الذي هو الاخر لم يسلم من طغيان عقبة وكبل بالحديد والاغلال رغم كل ما بذله في سبيل نشر الدعوة في بلاد المغرب ...

اما الفاطمين فرغم كل مساوئهم فانهم عصروا عصر النهضة البيزنطية في العصور الوسطى التي بداءت عمليا قبل الفاطمين منذ العهد الامبراطور Basil I وبلغت اوجها في عهد الاباطرة نيكفور الثاني فوكاس و John I Tzimiskes و Basil II والذي عصروا الفاطمين وكانوا في صراع محتدم معهم ولولا وجود القوة الفاطمية في سوريا وفلسطين لا كانت الامبراطورية الرومانية الشرقية لا اعادت استراجاع كل اراضي سوريا وفلسطين بعد ان استطاع اباطرتها منذ عهد Romanos II استرجاع كريت من ايدي المسلمين والشروع في استرجاع واخضاع كل من كيليكية وارمينيا وقبرص وشمال سوريا وكل الساحل السوري من انطاكية الى غاية ابواب طرابلس واجبار الدولة الحمدانية في حلب للخضوع للسيطرة وتبعية الدولة الرومانية في المشرق ....

Sans titre.png
 
التعديل الأخير:

15) مير جعفر: خنجر الإنجليز في قلب الهند​


في منتصف القرن الثامن عشر، كانت شبه القارة الهندية لا تزال أرضًا عامرة بالحضارة الإسلامية، إذ كانت إمبراطورية المغول المسلمين في الهند على الرغم من ضعفها لا تزال قائمة، وكانت البنغال من أغناها وأكثرها أهمية، حتى لُقبت ﺑـ "جنة الهند" لما فيها من ثراء وأراضٍ خصبة وتجارات واسعة. وفي تلك الحقبة برز اسم مير جعفر علي خان، الرجل الذي ارتبط اسمه بخيانة أودت بمستقبل المسلمين في الهند وأعطت بريطانيا أولى مفاتيح السيطرة على القارة.


كان مير جعفر أحد كبار قادة جيش نواب البنغال سراج الدولة، آخر حاكم مسلم مستقل للبنغال. لكن طموح مير جعفر لم يكن يعرف حدودًا، فقد كان يتطلع لأن يجلس على عرش البنغال بدلًا من خدمة سيده. وعندما بدأ الصراع يحتدم بين شركة الهند الشرقية البريطانية والنواب سراج الدولة، وجد الإنجليز في مير جعفر فرصة ذهبية لاختراق صفوف المسلمين من الداخل.


بدأت الاتصالات السرية بين مير جعفر والإنجليز بقيادة روبرت كلايف، ذلك الضابط الذي سيُسجل اسمه لاحقًا كمهندس الاستعمار البريطاني للهند. عُرض على مير جعفر وعدٌ ثمين: إذا خان سيده سراج الدولة وساعد على إسقاطه، فسوف تُنصبه بريطانيا نوابًا للبنغال وتغرقه بالذهب والجاه. لم يتردد مير جعفر طويلًا، فقد باع قومه ودينه مقابل العرش الموعود.


وجاءت لحظة الامتحان في معركة بلاسي (Plassey) سنة 1757م. كان الجيش البنغالي يفوق جيش الإنجليز عددًا وعتادًا، وكان النصر قاب قوسين أو أدنى لو قاتل الجميع بوفاء. لكن مير جعفر، قائد الجناح الأكبر في الجيش، أعطى أوامره لجنوده بعدم الاشتباك، وجلس يراقب بينما يُذبح إخوانه. كانت خيانة سافرة في وضح النهار. انهار جيش سراج الدولة، وأُسر الحاكم المسلم الشاب ثم أُعدم بوحشية، لتبدأ مرحلة جديدة من السيطرة البريطانية على الهند.


لم يطل فرح مير جعفر بالخيانة؛ صحيح أن الإنجليز نصبوه نوابًا للبنغال، لكنه لم يكن سوى دمية في أيديهم. سرعان ما أدرك أنه لم يحكم، بل كان مجرد وسيط لتثبيت نفوذ شركة الهند الشرقية. وحين حاول التمرد على البريطانيين لاحقًا، تخلوا عنه بسهولة وأزاحوه كما يزاح بيدق شطرنج انتهى دوره. عاش آخر أيامه ذليلًا، منبوذًا حتى من أهل بلده الذين لم ينسوا خيانته، ومات في عام 1765م بلا مجد ولا احترام.


كتب أحد المؤرخين الإنجليز عن دوره قائلًا:
"لو لم يخن مير جعفر في بلاسي، لاحتاجت بريطانيا مئة عام إضافية لتضع قدمها في الهند. بخيانته، فُتحت الأبواب في ليلة واحدة."


هكذا كان مير جعفر خنجرًا مسمومًا غيّر مسار تاريخ الهند. لقد باع أمة كاملة مقابل عرش هش، ومنح بريطانيا بداية الإمبراطورية التي ستصبح لاحقًا "جوهرة التاج البريطاني".


1756146382123.png

16) مير صادق: الخيانة التي أسقطت أسد ميسور​


في أواخر القرن الثامن عشر، كان المسلمون في جنوب الهند ما زالوا يمتلكون بقعة مضيئة في بحر النفوذ الاستعماري المتزايد: مملكة ميسور. وكان على عرشها واحد من أعظم قادة المسلمين في تاريخ الهند، السلطان تيبو، الذي لُقب بـ “أسد ميسور”. واجه هذا البطل البريطانيين في أربع حروب طاحنة، وأذاقهم مرارة الهزيمة مرارًا، حتى صار اسمه يقض مضاجع قادة شركة الهند الشرقية.


لكن كما اعتاد التاريخ أن يُظهر، لا تأتي الضربات القاصمة من الخارج وحدها، بل من خيانة الداخل. وهنا يطل اسم مير صادق، الوزير المقرب من السلطان تيبو، الذي أظهر الولاء علنًا، بينما كان في السر يتآمر مع أعداء أمته.


عندما بدأ الإنجليز بقيادة اللورد كورنواليس يعدون لحملتهم الأخيرة على ميسور، مدّوا جسور الاتصال بمير صادق. أغروه بالذهب والجاه، ووعدوه أن يجعلوه وزيرًا أول بعد سقوط تيبو، إن هو ساعد على فتح أبواب القلعة من الداخل. لم يتردد مير صادق طويلًا؛ باع السلطان، وباع الدين، وباع مستقبل مملكة كاملة.


وجاءت ساعة الحسم في معركة سريرانغابتم سنة 1799م. كان تيبو يقاتل ببسالة أسطورية على أسوار القلعة، يثبت رجاله ويصد الهجمات تلو الأخرى. في تلك اللحظة الحرجة، أصدر مير صادق أوامره إلى آلاف الجنود الذين كانوا تحت قيادته بالانسحاب إلى داخل القلعة بحجة “توزيع المؤن”، فخلا الجناح الذي كانوا يحرسونه. لم يكد الإنجليز يصدقون ما جرى، فانقضوا من تلك الثغرة واندفعوا إلى قلب دفاعات ميسور.


قاتل تيبو حتى اللحظة الأخيرة، ورفض الاستسلام. وعندما طُلب منه النجاة بفتح الأبواب أمام الإنجليز، قال مقولته الشهيرة:
"أفضل أن أعيش يومًا كـأسد على أن أموت مئة عام ككلب."


سقط أسد ميسور شهيدًا، ودخل الإنجليز القلعة، وانتهت بمقتله آخر مقاومة قوية ضدهم في جنوب الهند. أما مير صادق، فقد نال نصيبه من الخيانة سريعًا. فما أن استقر البريطانيون في الحكم، حتى أمروا بقتله سرًا والتخلص منه، فقد انتهى دوره ولم يعودوا بحاجة إليه. قُتل غدرًا، وترك جثته للناس عبرة، فمزقها أهالي ميسور الغاضبون بالحجارة والنعال، حتى لم يبقَ منها إلا أشلاء.


كتب أحد المؤرخين الهنود:
"خان مير صادق رجلاً لو عاش لكان كابوسًا للإمبراطورية البريطانية. بخيانته، أُسدل الستار على استقلال الهند المسلمة، وبدأت قصة العبودية الطويلة."


لقد كان مير صادق تجسيدًا للخيانة في أنقى صورها: خان سلطانًا عظيمًا، خان شعبه، وخان دينه، فمات بلا كرامة، وتحوّل اسمه إلى مرادف للخيانة في الذاكرة الهندية.

1756146564693.png

اسد ميسور تيبو سلطان




17) السلطان محمود شاه : خيانة تُسقط جنة الشرق في يد البرتغاليين​


في مطلع القرن السادس عشر، كانت سلطنة ملاكا (Malacca Sultanate) جوهرة التجارة في جنوب شرق آسيا. فقد كانت مركزًا استراتيجيًا على مضيق ملاكا، يعبر منه كل من يقصد الصين أو الهند أو جزر التوابل. وكان هذا الموقع الفريد قد جعل السلطنة أغنى وأقوى دولة مسلمة في المنطقة.


لكن حين ظهر البرتغاليون بقيادة القائد ألفونسو دي ألبوكيرك عام 1511م، قرروا السيطرة على الملايو بالقوة. وقف السلطان محمود شاه (1488–1528م) في البداية ضدهم، لكن سرعان ما ظهر ضعفه وعجزه عن توحيد الصفوف. لم يُحسن تنظيم الدفاعات، ولم يُحسن إدارة التحالفات مع القوى المسلمة المحيطة (مثل آتشيه أو جاوة).


والمأساة الكبرى جاءت من داخل مجلسه؛ إذ اتُّهم السلطان محمود شاه بالاعتماد على وزراء خانوا الأمانة وتعاونوا سرًا مع البرتغاليين، كما اتُّهم هو شخصيًا بالتقصير والتخاذل، بل وبعقد صفقات سرية أملاً في الحفاظ على عرشه ولو ذليلًا تحت حماية الغزاة. ومع أول هجوم حاسم من البرتغاليين، انهارت المقاومة سريعًا، ودخلت قوات ألبوكيرك ملاكا بعد معركة قصيرة نسبيًا.


سقطت ملاكا عام 1511م، وكان ذلك السقوط بداية نهاية السيادة الإسلامية في بحر الملايو. ومنذ تلك اللحظة، صار المضيق الأشهر في العالم تحت سيطرة الصليبيين الأوروبيين، وانفتح الباب واسعًا أمام موجة الاستعمار الغربي في جنوب شرق آسيا.


أما السلطان محمود شاه، فقد فرّ هاربًا متنقلًا بين جوهور وبين مناطق في سومطرة، يحاول بلا جدوى أن يستعيد ملكه. لكنه عاش معزولًا بلا هيبة، ومات في عام 1528م مطاردًا، وقد لُعن اسمه في الذاكرة الملايوية باعتباره السلطان الذي فرّط في أمانة أجداده وترك جنة الشرق تسقط في يد الغرباء.


كتب المؤرخ الملايوي في "سجلات الملايو (Sejarah Melayu)":

"كان محمود شاه آخر ملوك ملاكا، لكنه خان الأمانة التي حملها أسلافه، فبخيانته ضاعت المملكة وتحوّل تاجها إلى سيف مسلول على رقاب المسلمين."

1756146863838.png

 
موسوعه تاريخية مشاء الله
مواضيعك كالعاده دسمه وتحتاج الوقت الكبير للقراءه والاطلاع على حقائق لا احد يعلم عنها شئ
اتمنى من الإدارة @الإدارة أن تعطيك ترقيه تستحقها بجدارة
 

18) السلطان خليفة بن سعيد: الباب الذي فُتح للاستعمار في شرق إفريقيا​


في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كانت زنجبار جوهرة شرق إفريقيا الإسلامية، ومركزًا عالميًا لتجارة القرنفل والعاج، وموطناً لحضارة بحرية جمعت بين الثقافة العربية والروح الإفريقية. وكان آل بوسعيد – سلاطين عمان – قد جعلوا من زنجبار عاصمة لهم بعد ازدهارها، لتصبح أهم قاعدة للمسلمين على المحيط الهندي.


حين تولى الحكم السلطان خليفة بن سعيد البوسعيدي (1825–1890م) عام 1856م، كان أمامه تحدٍ كبير: الحفاظ على سيادة المسلمين أمام زحف القوى الأوروبية. لكن السلطان، بدل أن يكون حاجزًا أمام الاستعمار، أصبح أحد أكبر الأبواب التي فتحت له.


فقد سار على نهجٍ مهادنٍ مع البريطانيين، ووقّع معهم معاهدات تجارية واتفاقيات “حماية” أعطت بريطانيا اليد الطولى في شؤون زنجبار. بحجة “مكافحة تجارة الرقيق”، استغل الإنجليز ضعفه ورغبته في الاحتفاظ بعرشه، فأملوا شروطهم التي قيدت استقلال السلطنة، ومنعوا توسعها نحو الداخل الإفريقي، وحصروها في شريط ساحلي ضيق.


كانت هذه الاتفاقيات بداية النهاية. فما أن اشتد النفوذ البريطاني حتى تحول تدريجيًا إلى هيمنة كاملة، وأصبحت زنجبار “محمية بريطانية” فعلية، رغم بقاء السلطان صوريًا على العرش. وبذلك ساهم خليفة بن سعيد في قطع الطريق على أي إمكانية لبناء دولة إسلامية قوية في شرق إفريقيا، وترك المجال مفتوحًا أمام الاستعمار الأوروبي لاقتسام القارة.


يصف أحد المؤرخين البريطانيين تلك المرحلة بقوله:
"لقد كان سلطان زنجبار صديقًا عظيمًا لبريطانيا، فبفضله دخلنا إفريقيا الشرقية بلا مقاومة تذكر."


مات السلطان خليفة عام 1890م، بعد أن ترك زنجبار منارةً إسلامية ضعيفة، تحت نفوذ أجنبي متزايد. ولُقب في الذاكرة الإفريقية بأنه السلطان الذي مهّد بضعفه وتبعيته لوقوع زنجبار – ثم شرق إفريقيا بأسره – في يد الاستعمار.


1756147078957.png

19) الخديوي توفيق: الخيانة التي فتحت مصر للمدافع البريطانية​


في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كانت مصر على مفترق طرق. فبعد عصر محمد علي وخلفائه الذين سعوا لتأسيس دولة قوية مستقلة، جاء الجيل الجديد من الخديويات وقد أثقلتهم الديون، وتلاعبت أوروبا بمصير البلاد عبر القروض والشركات الأجنبية. وسط هذه الظروف ظهر اسم الخديوي توفيق بن إسماعيل (1852 – 1892م)، الذي جلس على عرش مصر عام 1879م بعد خلع والده بضغط من بريطانيا وفرنسا.


منذ البداية، ارتبط حكمه بوصاية القوى الأوروبية، فقد كان مدينًا بعرشه لدعمهم. ومع تصاعد الثورة العرابية بقيادة أحمد عرابي عام 1881م – وهي حركة وطنية عسكرية ومدنية طالبت بالدستور، والعدل، وطرد النفوذ الأجنبي – وجد توفيق نفسه في مواجهة أصعب امتحان: إما أن يقف مع شعبه وجيشه، أو أن يلجأ إلى أسياده الأوروبيين.


اختار توفيق طريق الخيانة. فحين هتف العرابيون بشعارهم الشهير: “الله الوطن الملك”، رفض الإصلاح، واعتبر مطالبهم تهديدًا لعرشه. وبدل أن يحاورهم أو يسعى لاستقلال مصر، كتب إلى الإنجليز والفرنسيين يستنجد بهم لحمايته من “فتنة الشعب”.


في يونيو 1882، حين اندلعت معركة الإسكندرية بعد قصف الأسطول البريطاني للمدينة، كان الخديوي توفيق قد لجأ بالفعل إلى معسكر الإنجليز، معلنًا ولاءه لهم. وفي معركة التل الكبير (سبتمبر 1882م)، خان السلطان عرشه وشعبه، فقد تواطأ مع القائد البريطاني السير غارنت ولسلي، وزودهم بخطط الجيش المصري، وسهّل لهم الانقضاض على قوات أحمد عرابي ليلًا.


انهزم الجيش المصري، ووقع الاحتلال البريطاني الذي استمر 74 عامًا، وكانت خيانة الخديوي توفيق هي المفتاح الذي فتح لهم أبواب القاهرة.


كتب المؤرخ الإنجليزي وليم بلانت، الذي عاصر الأحداث:
"لقد كان الخديوي توفيق عميلاً أكثر منه حاكمًا، فوجوده في الحكم كان ضمانة لبريطانيا أن مصر ستفتح أبوابها بلا مقاومة."


مات توفيق عام 1892م وهو لا يزال على العرش، لكنه عاش ومات مكروهًا من شعبه، محفورًا في ذاكرة الأمة كرمز للحاكم العميل الذي فضّل كرسيه على استقلال وطنه، فسجّله التاريخ واحدًا من أخطر الخونة الذين غيّروا مجرى التاريخ الإسلامي والعربي.


1756147252998.png




20) محمد الصادق باي: توقيع معاهدة العار التي أسقطت تونس​


بعد وفاة أحمد باي الذي كان أول حاكم في تونس يتأثر مباشرة بأوروبا الحديثة. فقد أعجب بالنموذج الغربي، خصوصًا الفرنسي، وبدأ ينقل إلى بلاده إصلاحات عسكرية وتعليمية على النمط الأوروبي: أنشأ جيشًا جديدًا على الطراز الفرنسي، وبنى مدرسة باردو الحربية، وأرسل البعثات إلى باريس. ادت افعاله الي أغراق تونس في الديون، واعتمد في تمويل جيشه ومشاريعه على القروض الأجنبية، ما فتح الباب للتغلغل الأوروبي في الاقتصاد التونسي. كما منح الامتيازات للأجانب، وفتح أبواب البلاد أمام نفوذ القناصل الفرنسيين والإيطاليين، حتى صار القرار السياسي مرهونًا برضا باريس أكثر من رضا إسطنبول أو الشعب.، جاء خلفاؤه أضعف وأشد تبعية للأوروبيين، حتى وصل إلى العرش محمد الصادق باي (1827–1882م) عام 1859م. ورغم محاولات شكلية للحفاظ على سلطة العائلة الحسينية، فإن الديون الأجنبية والامتيازات الأوروبية كانت قد أرهقت تونس وأضعفت استقلالها.


في أبريل 1881م، تحركت فرنسا عسكريًا نحو تونس بحجة "تأديب القبائل المتمردة" القريبة من حدود الجزائر (التي كانت مستعمرة فرنسية منذ 1830). خلال أيام قليلة، اجتاحت القوات الفرنسية البلاد واقتربت من العاصمة.


هنا لعب الصادق باي دور الخيانة الحاسمة. فبدل أن يعلن الجهاد ويدعو الشعب لمقاومة الاحتلال، انصاع للأمر الواقع، ووقّع تحت ضغط الفرنسيين معاهدة باردو (12 مايو 1881م). هذه المعاهدة سلّمت فعليًا السيادة التونسية إلى فرنسا، فجعلت الشؤون الخارجية والجيش والمالية تحت الإدارة الفرنسية، بينما أبقت الباي مجرد حاكم صوري منزوع الصلاحيات.


بهذا التوقيع، تحولت تونس من دولة مسلمة مستقلة إلى محمية استعمارية، وصار الصادق باي يُنظر إليه باعتباره الخائن الذي باع بلاده على الورق، ممهّدًا لاحتلال استمر حتى منتصف القرن العشرين.


المؤرخ الفرنسي إرنست ميرسييه كتب بوضوح:
"لم يكن إخضاع تونس يحتاج إلى حرب طويلة، فقد كفانا توقيع الباي الذي ارتضى أن يكون ظلًا تحت رعايتنا."


أما المؤرخ التونسي الطاهر بن عاشور فوصف تلك اللحظة بأنها:
"يوم طُعن فيه قلب تونس بيد من كان يُفترض أنه حاميها."


توفي محمد الصادق باي سنة 1882م بعد عام واحد من خيانته، لكن وصمة "معاهدة باردو" ظلت تلاحق اسمه كأحد أبرز الطعنات التي فتحت الباب واسعًا للاستعمار في العالم العربي والإسلامي.


1756148207588.png
 
انتهي بفضل الله في انتظار تقييم الاخوه الكرام و تعليقاتهم

لو في خطاء وقع مني فاكيد هيكون غير مقصود و في انتظار التصحيح و النقاش لتبادل المعلومه و لتعم الفائده علي جميع الاعضاء
 
موسوعه تاريخية مشاء الله
مواضيعك كالعاده دسمه وتحتاج الوقت الكبير للقراءه والاطلاع على حقائق لا احد يعلم عنها شئ
اتمنى من الإدارة @الإدارة أن تعطيك ترقيه تستحقها بجدارة
كلامك شهاده اعتز بيها اخي الفاضل و الف شكر عليها اتمني الموضوع يعجبك ان شاء الله
 
موضوع ممتاز جداً هناك أكثر من شخصية لفتت أنتباهي راح اتعمق فيها أكثر مثل الأفضل بن بدر الدين الجمالي (قرأت عن والده كان وزير عظيم للفاطميين وأنقذهم من سقوط محتوم) وكذلك شاور السعدي

بالنسبة لي اتحفظ على ورود اسم الشريف حسين بالقائمة
 
تعقيب ومرور صغير على الموضوع كسيلة ليس بخائن بل كان قد اسلم وهو قبائل اوربة وصنهاجة البربرية الجزائرية على يد ابي المهاجر دينار وتمرده على عقبة هو رد على طغيان وعصبية وتجبر هذا الاخير وسوء معاملته للبربر عكس ابي المهاجر الذي هو الاخر لم يسلم من طغيان عقبة وكبل بالحديد والاغلال رغم كل ما بذله في سبيل نشر الدعوة في بلاد المغرب ...
الي فعله يعتبر خيانه اخي الكريم بردو معظم الي مذكورين هنا من سبب خيانتهم هو كرههم لقادتهم و لمطامع شخصيه في النهايه هو تسبب في مقتل قائده و عوده الجيوش البيزنطية لتسيطر على أجزاء واسعة من المغرب،

اما الفاطمين فرغم كل مساوئهم فانهم عصروا عصر النهضة البيزنطية في العصور الوسطى التي بداءت عمليا قبل الفاطمين منذ العهد الامبراطور Basil I وبلغت اوجها في عهد الاباطرة نيكفور الثاني فوكاس و John I Tzimiskes و Basil II والذي عصروا الفاطمين وكانوا في صراع محتدم معهم ولولا وجود القوة الفاطمية في سوريا وفلسطين لا كانت الامبراطورية الرومانية الشرقية لا اعادت استراجاع كل اراضي سوريا وفلسطين بعد ان استطاع اباطرتها منذ عهد Romanos II استرجاع كريت من ايدي المسلمين والشروع في استرجاع واخضاع كل من كيليكية وارمينيا وقبرص وشمال سوريا وكل الساحل السوري من انطاكية الى غاية ابواب طرابلس واجبار الدولة الحمدانية في حلب للخضوع للسيطرة وتبعية الدولة الرومانية في المشرق ....

مشاهدة المرفق 808329
اخي لا تنسي دور السلاجقه بعد ملاذكرد كانوا يعتبر ماسكين الاناضول كلها

الفاطميين لهم سيائت و حسنات لكنهم دورهم في وقف حركه الفتوحات في ايطاليا دور سلبي جدا و ده الي ذكرته هنا
 
موضوع ممتاز جداً هناك أكثر من شخصية لفتت أنتباهي راح اتعمق فيها أكثر مثل الأفضل بن بدر الدين الجمالي (قرأت عن والده كان وزير عظيم للفاطميين وأنقذهم من سقوط محتوم) وكذلك شاور السعدي

بالنسبة لي اتحفظ على ورود اسم الشريف حسين بالقائمة
شكرا اخي الكريم

اه انصحك جدا بالقراءه عنه صحيح ان والد ساهم في انتهاء الشده المستنصريه لكن ابنه ساهم في ترسخ الوجود الصليبي في الشام نكايه في السلاجقه لكنه في النهايه اكتوي بنارهم لانه في النهايه لم يستطع التحكم فيهم كما كان يتخيل

و شاور له حكايات مع صلاح الدين و عمه انصحك فعلا بقراتها لانها مليانه عبر

بالنسبه لتحفظك فهو حقك اخي الكريم لكن اتمني ان تبين سببه لتثري الحوار في الموضوع
 
شكرا اخي الكريم

اه انصحك جدا بالقراءه عنه صحيح ان والد ساهم في انتهاء الشده المستنصريه لكن ابنه ساهم في ترسخ الوجود الصليبي في الشام نكايه في السلاجقه لكنه في النهايه اكتوي بنارهم لانه في النهايه لم يستطع التحكم فيهم كما كان يتخيل

و شاور له حكايات مع صلاح الدين و عمه انصحك فعلا بقراتها لانها مليانه عبر

بالنسبه لتحفظك فهو حقك اخي الكريم لكن اتمني ان تبين سببه لتثري الحوار في الموضوع

الشريف حسين لم يكن خائن حكم العثمانيين كان سيء جداً يمكن ان نصف الرجل بأنه "مغفل" رحمة الله لكن كلمة خيانة اراها كبيرة في حقه

ياخي فقط اقرا عن الوالي جمال باشا السفاح في الشام وما كان يفعله هناك سبب كافي لطردهم

حزب الاتحاد والترقي هو سبب الكوارث
 
الشريف حسين لم يكن خائن حكم العثمانيين كان سيء جداً يمكن ان نصف الرجل بأنه "مغفل" رحمة الله لكن كلمة خيانة اراها كبيرة في حقه

ياخي فقط اقرا عن الوالي جمال باشا السفاح في الشام وما كان يفعله هناك سبب كافي لطردهم

حزب الاتحاد والترقي هو سبب الكوارث
كلامك صحيح لكن في النهاية هو تحالف مع جهه خارجيه ضد دولته

حالته لا تفرق عن الكثير من الخونه معظمهم خانوا لأنهم مختلفين ضد قائدهم او ضد سياسه معينه لدولتهم و ده لا يعطيهم حق ليقوموا بالخيانه

عموما وصفك انه مغفل اكتر وصف مناسب فعلا لان فعلا بعد خيانته لم يستفد اي شئ كما كان متخيل
 
بسم الله الرحمن الرحيم


الخيانة أخطر من السيوف، والغدر أشد فتكًا من جيوش الجراد إذا اجتاحت أرضًا. فقد عرفت الأمة الإسلامية على مر تاريخها الطويل أعداءً من الخارج، لكن الطعنات الأكثر إيلامًا جاءت دائمًا من الداخل، من رجالٍ لبسوا ثوب الولاء ورفعوا رايات العهد، ثم انقلبوا خناجر مسمومة غرست في ظهر الأمة.


لم تكن خياناتهم أحداثًا عابرة، بل كانت لحظات فاصلة غيّرت مجرى التاريخ الإسلامي، وأعادت رسم خرائطه بالدم والدموع. فمن مقتل الخلفاء الراشدين، إلى سقوط بغداد بيد المغول، إلى ضياع الأندلس، وصولًا إلى انهيار الخلافة العثمانية ودخول الاستعمار الحديث… يقف في الخلفية دائمًا خائن خان أمانته وسلّم مفاتيح الحصون لأعداء الأمة.


في هذا الموضوع ننطلق في رحلة عبر الزمن والمكان، نكشف فيها سجل العار المظلم، ونسلط الضوء على خمسةٍ وعشرين خائنًا حملوا معاول الهدم وأسقطوا حضارات بأكملها. لكل واحد منهم حكاية مأساوية، ولكل منهم جرح غائر تركه في جسد الأمة لا يندمل.


هذه ليست مجرد أسماء، بل هي الخناجر في الظهر، التي غيّرت مسار التاريخ الإسلامي.


مشاهدة المرفق 808300

شكرا جزيلا يازميلي على فرد هذا الموضوع التاريخي الفريد والشيق 👍
 
نسيت ملك خائن
حكم سنتين و كانت نهايته مأساوية بحشو جثته تبنا و عرضها أمام العامة في المدن
محمد المتوكل على الله
 
موضوع جميل تُشكر عليه، ولكن لديَّ تحفّظ بخصوص الشريف حسين والملك حسين – رحمهم الله – فوصْفهما بالخيانة أمرٌ جلل في الحقيقة.
 
عودة
أعلى