هل تكفي هذه المواقف اللفظية لردع مشروع بهذا الحجم؟
أثارت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة، التي تحدّث فيها عن رؤيته لما أسماه "إسرائيل الكبرى"، عاصفة من الإدانات في الأوساط العربية الرسمية والشعبية. فقد اعتُبرت هذه التصريحات استفزازًا مباشرًا للمنطقة بأسرها، وتأكيدًا على أطماع توسعية لا تقف عند حدود فلسطين التاريخية، بل تمتد إلى ما هو أبعد، على حساب سيادة دول عربية وحقوق شعوبها.
هذه الرؤية، التي تعكس فكرًا استراتيجيًا طويل المدى، ليست جديدة في الخطاب السياسي الإسرائيلي، لكنها تأتي اليوم في سياق إقليمي ودولي شديد التعقيد. فالوضع العربي يعاني من انقسامات داخلية وصراعات إقليمية، ما يجعل البيئة السياسية هشّة أمام أي مشروع خارجي يهدف إلى فرض أمر واقع.
رغم الإدانات القوية التي صدرت من عواصم عربية عدة، يبقى السؤال الأهم: هل تكفي هذه المواقف اللفظية لردع مشروع بهذا الحجم؟ التجارب السابقة تشير إلى أن الاكتفاء بالشجب والاستنكار لم يوقف سياسات الاحتلال ولا توسع الاستيطان، بل على العكس، ساهمت حالة الضعف العربي في منح إسرائيل مساحة أوسع للمناورة السياسية والعسكرية.
إذا لم تتغيّر الحالة الراهنة من التشتت العربي، فإن ما يبدو اليوم "تصريحات استفزازية" قد يتحول غدًا إلى وقائع ملموسة على الأرض. فالسياسة لا تعترف بالفراغ، ومن لا يملك القوة لتثبيت حدوده وحماية سيادته، سيجد نفسه في موقع الدفاع المستمر عن مصالحه، وربما حتى عن وجوده.
من هنا، فإن مواجهة مثل هذه الرؤى التوسعية تتطلب أكثر من ردود فعل إعلامية، بل تستلزم إستراتيجية عربية موحّدة، تعيد الاعتبار لمفهوم الأمن القومي العربي، وتربط بين القضايا المصيرية للدول العربية ككل، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والخلافات العابرة.
إن "إسرائيل الكبرى" قد تبقى فكرة في عقول الساسة إذا ما امتلك العرب الإرادة والقدرة على مواجهتها، لكنها قد تصبح حقيقة إذا ظلّ الوضع على ما هو عليه. والتاريخ يعلّمنا أن من لا يكتب مستقبله بيده، سيكتبه الآخرون وفق مصالحهم وأجنداتهم.