26 يناير 1952: اليوم الذي احترقت فيه القاهرة واحترق معه المستقبل

معنى ذلك ان الحرايق الحالية مدبرة لانهاء الحكم العسكري

او لانهاء حالة الفوضى الاعلامية بسبب كامل الوزير وعمايله حتى الاعلاميين بقى منظرهم وحش الناس كلها غيرت الاتجاه اعلام والناس الكل يتكلم عن السنترال
 
"أين كانت مصر في زمن الملكية مقارنة بالعالم؟ الحقيقة التي لا تُقال"



غالبًا ما جرى تصوير مصر الملكية في الكتب المدرسية والخطاب الرسمي للجمهوريات المتعاقبة كبلد منهك، غارق في الفقر، يرزح تحت الاحتلال، ويحتاج إلى "ثورة تُنقذه". لكن الحقيقة التاريخية أكثر تعقيدًا ودهشة. فحين نقارن حال مصر الملكية (1922–1952)، خاصة في عهد الملك فاروق، مع حال دول العالم المعاصر لها — شرقًا وغربًا — نجد أن مصر لم تكن دولة فاشلة أو متهالكة، بل كانت تسير بخطى وئيدة نحو النهوض، وتملك مؤسسات سياسية، واقتصادًا منتجًا، وطبقة وسطى صاعدة، ومجتمعًا ثقافيًا مدنيًا حيًا.

فأين كانت مصر فعليًا؟ وكيف كان موقعها عالميًا؟ وما الذي تغيّر بعد 1952؟


---

الحرية السياسية والمؤسسات

في مصر الملكية، كان هناك برلمان منتخب، وأحزاب كبرى (الوفد، السعديين، الأحرار الدستوريين)، وصحافة حرة تنقد الملك نفسه، ومجتمع مدني قوي.

في المقابل، معظم دول أوروبا الشرقية كانت تحت ديكتاتوريات، والهند لم تكن قد استقلت بعد، والصين كانت تغرق في الحرب الأهلية، وتركيا ألغت الأحزاب وجمّدت الحريات، وأمريكا اللاتينية تُحكم بالجنرالات.

→ مصر في ذلك السياق كانت واحدة من الدول القليلة غير الغربية التي تمتلك حياة سياسية مدنية نشطة.


---

الاقتصاد والإنتاج

مصر كانت:

المنتج الأول عالميًا للقطن طويل التيلة.

تصدّر السكر، الأرز، البصل، الكتان.

تمتلك بورصتين (القاهرة والإسكندرية) من الأهم في العالم.

تملك سككًا حديدية تغطي معظم القطر.

الجنيه المصري كان قويًا جدًا (1 جنيه = أكثر من 4 دولارات أحيانًا).

ميزانية الدولة متوازنة بدون مديونية كارثية.


→ في حين كانت أوروبا تخرج من حرب مدمّرة وتعيش على "خطة مارشال"، كانت مصر مكتفية زراعيًا وتخطو نحو التصنيع.


---

التعليم والثقافة

نشأت جامعة فؤاد الأول (القاهرة) وجامعة فاروق الأول (الإسكندرية).

انتشرت المدارس الثانوية والتجارية.

حركة الترجمة والفكر بلغت ذروتها: العقاد، طه حسين، سلامة موسى، زكي نجيب محمود.

القاهرة والإسكندرية مركزا إشعاع ثقافي عربي، تتوزع فيه دور السينما، والأوبرا، والمسارح.


→ في المقابل، كانت الهند غارقة في الأمية، والاتحاد السوفيتي في التعليم المؤدلج، وأوروبا تُعيد بناء جامعاتها من تحت الركام.


---

المجتمع المدني والتنوع

كان في مصر يهود ومسيحيون وشوام وإيطاليون ويونانيون يعيشون كمواطنين كاملي الحقوق.

الجمعيات الخيرية (الهلال الأحمر، الشبان المسلمين، الكشافة) كانت نشطة.

الحراك الطلابي والنقابي موجود.

حرية اللباس، والتدين، والاختلاف الفكري… كلها كانت متاحة.


→ مقارنة بدول مثل إيران الشاه التي كانت بوليسية، أو تركيا الكمالية التي قمعت الدين، أو ألمانيا النازية… كانت مصر أكثر توازنًا وليبرالية اجتماعيًا.


---

في مقابل ذلك… بعد 1952؟

تم إلغاء الأحزاب، وصودرت الصحافة، وتحولت مصر إلى دولة الصوت الواحد.

الاقتصاد دخل نفق التأميم ثم الانفتاح الفوضوي ثم الديون المتراكمة.

التعليم أصبح مجانيًا شكليًا وفقد جودته.

النقابات صارت تابعة، والجامعات أُخضعت للأمن.

الطبقة الوسطى تآكلت، والمجتمع أُفرغ من النخب، والحريات اختفت.

وتراجعت مصر من قائدة إقليمية إلى دولة متعثرة بين القروض والمشاريع الوهمية.



---

الخلاصة: ماذا كانت مصر؟ وماذا أصبحت؟

لم تكن مصر الملكية مثالية، لكن كانت قابلة للإصلاح.

كانت مصر تسبق كثيرًا من دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وتقترب من مستوى جنوب أوروبا ثقافيًا واجتماعيًا.

ما حدث بعد 1952 لم يكن ثورة تحرر فعلي، بل كان قطيعة عن مسار كان يمكن أن يضع مصر في مصاف الدول الصاعدة.


وكما قال المؤرخ رؤوف عباس:

> "كنا نملك دولة تسير إلى الأمام ببطء، فجاء من وعدونا بسرعة التقدم، فأعادونا إلى الخلف… إلى حيث لا نرى حتى أثر الطريق."
 
الموضوع جميل جدا
استفدت منه كتير
و يفسر لما نحن على ما عليه اليوم

اشكرك
 
بدون الدخول في التفاصيل

النظام الملكي ميزته بشكل عام المرونه والتعامل مع المتغيرات بشكل افضل من نظام جمهوري عسكري

مقصد الاخ بأحث في التاريخ @بأحث في التاريخ ان للملكيه سلبياتها ولكن كان الافضل الاستمرار فيها الى ان يذهب المستعمر ومع السنوات تتطور التجربه بشكل افضل من الرجوع الى الوراء بقياده عسكريه
 
بدون الدخول في التفاصيل

النظام الملكي ميزته بشكل عام المرونه والتعامل مع المتغيرات بشكل افضل من نظام جمهوري عسكري

مقصد الاخ بأحث في التاريخ @بأحث في التاريخ ان للملكيه سلبياتها ولكن كان الافضل الاستمرار فيها الى ان يذهب المستعمر ومع السنوات تتطور التجربه بشكل افضل من الرجوع الى الوراء بقياده عسكريه
بالظبط دي الخلاصه لوجهه نظري

الملكيه في مصر لو استمرت غالبا كان هيبقى نموذج مشابهه لبريطانيا و كان حالها اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا افضل بكثير
 
حقيقة تاريخنا ✍️

نحن أصحاب أكبر تاريخ معاصر مزور بعيد عن الحقائق!
علمونا أن العهد الملكى البائد كان أسوأ العهود التى انتشرت فيها ثلاثية الجهل والفقر والمرض.
هل هذا صحيح؟

تقول الإحصاءات أن سعر الدولار الأمريكى عام ١٩٥٠م كان ٢٥ قرشاً، وأن الجنيه الإسترلينى كان سعره ٩٧ قرشاً، وأن الفرنك السويسرى كان سعره ثمانية قروش! وكانت المصانع الإنجليزية فى مدينتى مانشستر سيتى ويوركشاير تعتمد على القطن المصرى فى الصناعة.

وفى زمن الجهل المزعوم ظهر طه حسين، وعباس العقاد، وسلامة موسى، ونجيب محفوظ، وبنت الشاطئ، ومحمد عبدالوهاب، وأم كلثوم، وبيرم التونسى، وزكريا أحمد، والشيخ محمد رفعت، والشيخ على عبدالرزاق.

وفى عهد الفقر المزعوم، أقام طلعت باشا حرب ٤٣ شركة أساسية فى جميع المجالات باستثمارات وطنية ما زالت تمثل قاعدة قوية للاقتصاد الوطنى حتى يومنا هذا. وفى هذا العهد كان السائح المصرى هو أهم سائح فى لبنان، حتى إنهم يطلقون على العملة فى بلادهم لقب «المصارى» نسبة إلى المصريين.

وفى زمن كبت الحريات المزعوم كان لدى مصر أفضل دستور يعلو الحريات والقيم وهو دستور ١٩٢٣م الذى كان ينافس نصوص وروح دستورى فرنسا وبلجيكا. وفى زمن كبت الحريات المزعوم كان البرلمان يسحب الثقة من الحكومات ويسقطها الواحدة تلو الأخرى. وفى هذا الزمن أيضاً، رفض رئيس الحكومة طلباً للملك فاروق كى يسحب مبلغاً نقدياً على ذمة مخصصات الملكية قبل أن يعرف أوجه صرفها، وكان الملك يريدهما من أجل نفقات رفاهه!

وفى هذا العهد خسر مرشح الملك فى انتخابات نادى الضباط أمام مرشح غير موالٍ له هو اللواء محمد نجيب! وفى هذا العهد قام القضاء المصرى الشامخ بتبرئة أنور السادات، ومحمد إبراهيم كامل، وسعيد توفيق، وآخرين من تهمة قتل أحد عملاء الإنجليز رغم أن أركان الجريمة الجنائية كانت واضحة إلا أن وظيفة القضاء غلبت على كل شىء آخر.

هذا لا يعنى أن البلاد لم تكن تعرف الفساد أو المحسوبية، أو أن النظام الملكى لم يكن لديه عيوب، ولكن الأهم أن الرقابة الشعبية كانت متوافرة، وحرية الصحافة كانت مؤثرة، وسلطة القضاء كانت حرة رغم الاحتلال، وأن سلطة البرلمان كانت فوق الجميع. تلك هى الحقيقة كما أراها.
 
بسم الله الرحمن الرحيم


في صباح السادس والعشرين من يناير عام 1952، احترقت القاهرة. لم يكن مجرد حريق في شوارع المدينة، بل زلزالًا حضاريًا اجتاح قلب مصر، لتبدأ البلاد بعدها رحلة انحدار طويلة لم تتوقف حتى يومنا هذا. سُوّيت عشرات المعالم بالأرض: دور السينما، الفنادق الراقية، المتاجر الكبرى، مكتبات كانت منارات للثقافة، ونوادي مثلت روح التعايش والانفتاح… احترق كل شيء، ولم تنجُ إلا الرماد والمرارة.


كانت مصر قبل ذلك اليوم تقف على أعتاب حداثة حقيقية. ملكية دستورية بنظام برلماني، صحافة حرة، طبقة وسطى صاعدة، نخب ثقافية متألقة، واقتصاد منفتح على العالم. رغم الاحتلال البريطاني والفساد السياسي الذي أصاب النظام في سنواته الأخيرة، إلا أن ملامح المدنية كانت واضحة، والطبقات المتعلمة والطموحة تترقب إصلاحًا تدريجيًا من داخل الدولة لا من خارجها.


لكن النار لم تلتهم الجدران وحدها، بل التهمت معها الحلم. لم تمضِ أشهر حتى سقطت الملكية، لا لتُستبدل بجمهورية العدل والحرية، بل بنظام عسكري مركزي أحكم قبضته على كل شيء: السياسة، الاقتصاد، الثقافة، والعقل الجمعي. جمهورية بدأت بشعارات كبرى، وانتهت إلى دولاب مغلق من القمع والفشل والجمود.


لقد احترقت القاهرة في ساعات، لكن ما تلا الحريق كان احتراقًا بطيئًا للدولة والمجتمع والهوية. كان ذلك اليوم، بلا مبالغة، لحظة فُتحت فيها أبواب المجهول، واختنق فيها المستقبل بدخان لم يتبدد حتى اليوم.


الأوضاع في مصر قبل الحريق: ملامح مجتمع كان يمكن أن ينجو

قبل أن تشتعل النيران في قلب القاهرة، كانت مصر الملكية تقف عند مفترق طرق حساس. كان الاحتلال البريطاني لا يزال حاضرًا بثقله، والملك فاروق محاطًا باتهامات بالتدخل والفساد، لكن خلف هذا المشهد المضطرب، كانت دولة في طور التكوين، تمتلك مؤسسات دستورية، ونخبة ثقافية، واقتصادًا قوميًّا بدأ يشق طريقه بثقة. الملكية المصرية لم تكن مجرد واجهة لحكم فردي كما يصورها خطاب ما بعد يوليو، بل كانت تجربة دستورية نادرة في العالم العربي، أُقرت منذ عام 1923 بدستور حديث يحدد سلطات الملك، ويؤسس لفكرة البرلمان المنتخب، ويرسخ الصحافة الحرة والسلطة القضائية المستقلة. وفي ذلك المناخ، كانت الصحف تعارض وتحاسب، وتُغلق أحيانًا وتعود أقوى، وكان من الطبيعي أن يتواجه رئيس الوزراء والملك في صراع سياسي دستوري داخل الإطار المدني، لا خلف ظهر المؤسسات بالبندقية, ورغم أن الملك فاروق اتُّهم كثيرًا بالتدخل في السياسة، إلا أن الحياة النيابية لم تكن شكلية، بل كانت ساحة حقيقية للصراع الوطني, حزب الوفد، مثلًا، كان حزبًا شعبيًا ضخمًا يضم العمال والفلاحين والطلبة، وكان بمقدوره إسقاط الحكومات في الشارع. وخصومه، مثل السعديين والأحرار الدستوريين، كانوا من النخبة الإصلاحية التي تتنافس على برامج حقيقية.


مشاهدة المرفق 799246
الملك فؤاد يفتتح البرلمان بحضور سعد باشا زغلول واحمد زيوار باشا سنه 1925​


القاهرة في تلك الحقبة لم تكن مدينة عربية فحسب، بل مركزًا عالميًا نابضًا بالثقافة والتنوع والانفتاح. حيث وسط المدينة كان يعج بالحياة الفكرية،فكانت القاهرة تُناظر باريس في سحرها الأوروبي الشرقي. شارع فؤاد الأول (طلعت حرب حاليًا) كان يضجّ بمقاهي النخبة والمثقفين، من مقهى "جروبي" إلى "زهرة البستان". على الأرصفة، يجلس توفيق الحكيم يتأمل ويكتب، وتمر بجواره عربات أنيقة لسيدات من الطبقة الوسطى المتعلمة، يدرن أندية خيرية ومدارس أهلية.من مقاهي المثقفين في شارع فؤاد الأول، إلى دور السينما والمكتبات التي تعرض آخر نتاج الفكر الفرنسي والبريطاني، مرورًا بندوات الجامعات التي كان يحضرها طه حسين والعقاد وسلامة موسى. كانت الحياة الثقافية نشطة إلى درجة أن القارئ المصري العادي في حي شبرا أو مصر الجديدة كان يقرأ كل أسبوع مقالات مترجمة عن نيتشه وسارتر، في مجلات تُطبع في وسط البلد وتصل إلى الصعيد. في تلك الفترة كتب طه حسين عبارته الخالدة: "إن التعليم كالماء والهواء"، وكان يناضل من موقعه كوزير للمعارف من أجل مجانية التعليم، وهي فكرة رآها آنذاك كثير من نخب القصر خيالية، لكنها تحققت داخل الإطار الملكي، لا بعده.


أما على المستوى الاقتصادي، فقد بدأت مصر تحرر نفسها من التبعية الخالصة للزراعة عبر مشروع قومي وطني تبنّاه طلعت حرب، حين أسس بنك مصر عام 1920. لم يكن البنك مجرد مؤسسة مالية، بل مشروعًا حضاريًا لبناء اقتصاد مصري مستقل، أنشأ أكثر من خمس وعشرين شركة في الصناعة والنقل والطيران والتأمين. في المحلة الكبرى وحدها، وقفت مصانع الغزل والنسيج كقلعة وطنية توظف الآلاف من أبناء الطبقة العاملة، برواتب حقيقية، وتغطية صحية، ونقابات حرة. كان هناك حلم واضح ببناء اقتصاد وطني منتج، لا ريعي ولا عسكري، وإنما ينهض على التصنيع والمنافسة والأسواق,وكان الاقتصاد المصري حينها يُعد من بين الأكثر تنوعًا في المنطقة، بل إن الجنيه المصري كان يعادل الجنيه الإسترليني في القيمة.


مشاهدة المرفق 799247
الملك فؤاد يجلس في السرادق المقام بشركة غزل ونسيج القطن بالمحلة الكبرى حيث كان يستمع إلى خطبة طلعت حرب


حتى أزمة الإقطاع التي يُبالغ البعض في تصويرها، كانت تُعالَج من داخل الدولة. ففي أواخر الأربعينيات، بدأت حكومة النحاس باشا – بدعم من الوفد – إعداد مشروع قانون لتحديد الملكية الزراعية بحد أقصى 200 فدان، وهو الحد ذاته الذي أُقر لاحقًا بعد الثورة. لكن الفرق أن مشروع الوفد كان يتم عبر البرلمان والتوافق والمشاورات، لا بالمرسوم والفرض القسري. وقد قال مصطفى النحاس في إحدى جلسات مجلس النواب: "نريد عدالة اجتماعية تُرضي الفلاح، دون أن نخنق الأرض المنتجة". كانت النية واضحة: إصلاح متدرج، لا هدم متهور.


الطبقة الوسطى، ابنة هذا الزمن، كانت في قمة حضورها. الشاب الذي تخرّج من السعيدية أو الخديوية، دخل كلية الحقوق أو الطب أو دار العلوم، ووجد نفسه موظفًا محترمًا في الحكومة أو في شركة مصر للطيران، يقرأ في المساء نجيب محفوظ ويستمع إلى أسمهان. لم يكن ابن التاجر الصغير أو الفلاح مكسور الحلم، بل كانت أمامه سلالم حقيقية للصعود، تؤمن بها الدولة وتدعمها الصحافة. وفي كل حي، كانت هناك جمعية ثقافية أو نادٍ أدبي، وكانت الجامعات تستقبل بعثات إلى فرنسا وبريطانيا، يعود أصحابها ليعملوا في الوزارات والجامعات، لا ليُقصوا ويُهمّشوا كما حدث لاحقًا مع العقول المستقلة,فخرجت لنا أجيالًا صعدت إلى قلب الحياة السياسية والثقافية. وكان التعليم العام مجانيًا، ذا مستوى مرتفع، حتى أن شهادة التوجيهية المصرية كانت تُعادل البكالوريا الفرنسية.




مشاهدة المرفق 799254
احد فصول محو الاميه للفتيات


حتى في الصحافة، كانت الكلمة تملك سلاحها. مجلة روز اليوسف، التي أسستها سيدة مسيحية مهاجرة من لبنان، تحولت إلى أكثر الصحف السياسية تأثيرًا، وكانت تنشر مقالات تنتقد الملك والاحتلال، وتناقش قضايا العدالة الاجتماعية، وترسم كاريكاتيرًا يُزلزل الحكومة. كانت الكلمة تُقاوِم، وكانت الحرية تُمارَس، وكانت السلطة تُنتقَد من داخل النظام، لا خارجه. وقد كتب توفيق الحكيم في مذكراته عن تلك المرحلة قائلًا: "كانت مصر تتحدث، وكان للحوار طعم، وللمعارضة معنى".


الحياة السياسية كانت نابضة، حتى وإن شوهها الاحتلال أو أفسدها القصر أحيانًا. حزب الوفد لم يكن نخبة بيروقراطية، بل حركة شعبية حقيقية لها جذورها في الشارع. وكانت الانتخابات تُجرى، وإن شابها التزوير أحيانًا، لكنها كانت قائمة، وكان النائب يُحاسب من دائرته. وفي لحظة نادرة في تاريخ المنطقة، كان الشعب المصري يعرف من يمثله، ويعرف إلى من يكتب الخطاب، ومن يقف له تحت قبة البرلمان.

وربما يلخص السياسي مكرم عبيد باشا روح تلك المرحلة حين قال في مجلس النواب ذات مرة:



كانت هناك مشكلات دون شك: فساد في بعض النخب، تباين طبقي، تردد الملك في بعض المواقف. لكن السياق العام كان يوحي بأن مصر تتغير — ببطء، نعم — لكنها تتغير بثقة. لم تكن بحاجة لزلزال، بل لإصلاح تدريجي, لكن ما لم يتوقعه أحد هو أن الزلزال سيأتي في صورة لهب، وأنه سيحرق ليس فقط مباني وسط البلد، بل كل هذا التراكم المدني والمؤسساتي الذي بناه المصريون عبر عقود.

مصر كانت تُبنى، صحيح أنها لم تكتمل، وصحيح أن الفساد تسرّب للنظام في أواخره، لكن الأهم أن هناك كان مسارًا مدنيًا إصلاحيًا واضحًا، طريقًا لم يستكمل، لا لأنه فشل، بل لأن النار أجهزت عليه. فحين احترقت القاهرة، لم تحترق مباني وسط البلد فقط، بل احترق مسار بأكمله: مسار برلماني، ثقافي، اقتصادي، مدني، كان يمكن له أن يُنتج تجربة مصرية حرة ذات طابع خاص. لقد احترقت مدينة، لكن على رمادها أُعلنت بداية النهاية.


هل هناك كتب تناولت الحادثة بالتفصيل ؟
 
عودة
أعلى