من الواضح أن الاستثمار في أي دولة يهدف بالأساس إلى تحقيق الربح وتعظيم الثروات، وليس من وظيفة رجال الأعمال المصريين أو العرب أو الأجانب أن يضخوا أموالهم في السوق المصري بدافع وطني أو خيري فقط، بل يدفعهم إلى ذلك دراسة الجدوى والفرص لتحقيق عائد على استثماراتهم. هذا ليس عيبًا في المستثمرين بل هي طبيعة من طبائع النشاط الاقتصادي العالمي، فدورهم هو ضخ رأس المال بحثًا عن فرص لعائد جيد وربح مستدام، وليس المغامرة بأموالهم دون حساب أو خطة واضحة.
مع ذلك، ما زال جزء غير قليل من الرأي العام المصري ينظر للمستثمر العربي أو الأجنبي – وأحيانًا حتى المصري – بتوجس أو انتقاد حين يجني أرباحًا كبيرة، أو حين ينسحب من السوق عند فقدان الجدوى الاقتصادية أو اصطدامه بعراقيل بيروقراطية. يفسر بعض المراقبين هذا الموقف بثقافة عامة قديمة قائمة على «شيطنة رأس المال»، أو بسبب التغطية الإعلامية التي تضع المستثمر تلقائيًا في موقع الاتهام بصفته مستفيدًا على حساب العامة، أو بسبب ضعف الشفافية والمعلومات الموثوقة حول آليات الاستثمار وتأثيره.
أما عن المناخ الاستثماري في مصر، فثمة ما يجمع عليه كثير من الخبراء والمستثمرين: أداء الحكومة وتعاملها مع المستثمرين ليس مشجعًا في كثير من الأحيان. العوائق تشمل:
البيروقراطية الشديدة وتعقد الإجراءات وتعدد الجهات الإدارية، مما يصعب تأسيس المشروعات ويزيد زمن وتكلفة التعامل مع الدولة.
عدم استقرار السياسات والتشريعات، فالقوانين تتغير فجأة وبدون إخطار مسبق أو فلسفة واضحة، وهو ما يخيف المستثمر الجاد الذي يبحث عن وضوح في الرؤية.
ضعف تنافسية السوق المحلية، ووجود تدخلات حكومية أو من جهات تابعة للدولة تُزاحم القطاع الخاص، فلا تترك الساحة مستقرة للمنافسة العادلة.
ضعف الإصلاح الضريبي وتداخل الجهات المسؤولة عن الضرائب وتحصيلها، مما يؤدي إلى عبء زائد على المستثمر وشكاوى دائمة من عدم العدالة أو الشفافية.
صعوبة فض المنازعات وعدم كفاءة النظام القضائي في حسم الخلافات الاستثمارية بسرعة وعدالة.
كل هذه العوامل تدفع كثيرين من رجال الأعمال المصريين وغيرهم إما للعزوف عن الاستثمار في الداخل أو حتى لنقل رؤوس أموالهم للخارج بحثًا عن بيئة أكثر استقرارًا واتباعًا للقانون.
خلاصة الأمر: المستثمرون يدخلون السوق بغرض الربح وتكبير رأس المال، وليس للتبرع أو المغامرة المجانية. ولن يتحسن حال الاستثمار في مصر إلا إذا واجهت الحكومة بجدية أسباب هروب الاستثمارات، من بيروقراطية وتداخل مؤسسي وتخبط تشريعي ونقص الشفافية. هذا يحتاج إلى تغيير في السياسات لا الأقل إلى إعادة وعي مجتمعي بدور رأس المال في دفع التنمية وليس شيطنته أو تحميله فوق طاقته.