الأسلحة الصينية تثبت فعاليتها في أول اختبار حقيقي أثناء القتال بين الهند وباكستان
آسيامقارنة بالأسلحة الفرنسية والأمريكية التي تمتلكها الهند، جلبت الأسلحة الصينية التي نشرها الجيش الباكستاني الأنظار، فيبدو أنها حققت هدفها في أول اختبار ميداني على أرض الواقع لصناعة بكين العسكرية. وأثار ذلك اهتمام بعض الأوساط العسكرية الدولية وقلق العواصم الغربية.
نشرت في: 16/05/2025 - 17:01
8 دقمدة القراءة
إعداد:
ليلا جاسينتو

في الساعة الرابعة فجرا، وصل دبلوماسيون صينيون، لا يزال النعاس يغالبهم، إلى مقر وزارة الخارجية الباكستانية.
ترأس الوفد سفير بكين في إسلام آباد، وسرعان ما أُبلغ بخبر سار: الأسلحة التي وفرتها الصين للجيش الباكستاني أثبتت نجاعة مرضية.
وفي وقت لاحق من اليوم نفسه، صرح وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار قائلا: "أسقطت مقاتلاتنا ثلاث طائرات رافال فرنسية تابعة لسلاح الجو الهندي". وأضاف: "مقاتلاتنا من طراز J-10" في إشارة إلى طائرة "تشينغدو J-10 فيغوراس دراغون" الصينية، وهي طائرة قتالية لم يسبق أن خاضت اختبارا في ميدان قتال حقيقي.
في الجهة المقابلة، التزمت السلطات الهندية الصمت ورفضت التعليق على هذه الادعاءات. أما الصين، فقد تكتمت على اللقاء الليلي الذي جمع بعض من موظفيها في السفارة الصينية بنظرائهم الباكستانيين.
تجدر الإشارة إلى أن الشفافية فيما يتعلق بقضايا الأمن ليست قاعدة متبعة في هذه المنطقة التي تمتلك فيها كل من الهند وباكستان والصين أسلحة نووية، وعرفت صدامات عسكرية وأمنية متكررة خلال العقود السبعة الماضية.
اقرأ أيضاالهند وباكستان تتبادلان الاتهامات بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار
وفي سعيهم لتوضيح الصورة، لجأ محللون عسكريون وخبراء إقليميون إلى مصادر استخباراتية رفيعة المستوى، وأبحاث عبر الأقمار الصناعية. وركزوا اهتمامهم على مجموعة من الأسلحة الجديدة وأنظمة الدفاع الصينية التي تمتلكها باكستان.

"نصر كبير للصين"
قبل هذا التصعيد، كانت الكفة العسكرية تميل نسبيا لصالح نيودلهي، التي تخلت عن سياستها التقليدية الاستراتيجة المتمثلة في ضبط النفس.شنت الهند هجمات على كشمير والمناطق الحدودية، بل واستهدفت إقليم البنجاب القلب السياسي للدولة الباكستانية. وأطلقت صواريخ على قاعدة نور خان الجوية في مدينة روالبندي، الواقعة قرب العاصمة. وهي منطقة عسكرية حساسة تضم مقر "قيادة الخطط الاستراتيجية" التي تشرف على الترسانة النووية الباكستانية.
بالمقابل، جاء رد باكستان صادما لنيودلهي. وأثارت مزاعم إسقاط مقاتلات J-10C لطائرات رافال الهندية موجة من الفخر الوطني على منصة "ويبو" الصينية.
أما الصمت الهندي حيال تأكيد أو نفي خسارة طائراتها المتطورة، فقد عزز مصداقية هذه الادعاءات.
وبينما رفضت شركة "داسو" الفرنسية المصنعة لطائرات رافال الإجابة على أسئلة "فرانس24"، أفادت وكالة "رويترز" بأن إحدى الطائرات الهندية التي أُسقطت كانت من طراز رافال.
اقرأ أيضاالهند تعلن أنها "ستقطع مياه" الأنهار التي تنبع من أراضيها وتروي باكستان
أفاد تحليل نشرته صحيفة "واشنطن بوست" استنادا إلى صور من موقع السقوط، إلى أن حطام الطائرة العسكرية تتطابق مع مقاتلتين من صناعة فرنسية وهما "رافال" و"ميراج 2000"، والتي يملكها السلاح الجوي الهندي.
وترى "يون سون"، مديرة برنامج الصين في مركز "ستيمسون" بواشنطن، أن المواجهة العسكرية بين الهند وباكستان كشفت حقيقتين واضحتين: "الأولى أن نظام التسلح الهندي لم يكن بالنجاعة المتوقعة. والثانية، هي أن الأهداف الاستراتيجية للهند قد تكون أكثر طموحا بكثير مما يعتقده البعض".
من جهتها، أشارت كارلوتا ريناودو، الخبيرة في الشؤون الصينية لدى "الفريق الدولي لدراسة الأمن" (ITSS) في فيرونا، إلى أن ذلك شكل "نصرا كبيرا للصين من منطق تلميع صورتها. لا سيما وأن هذا البلد (الصين) لم يخض نظريا نزاعا منذ حربفيتنام عام 1979، ولا تضاهي سمعة أسلحتها سمعة الأسلحة الفرنسية أو الأمريكية".
أسلحة زهيدة الثمن لكنها "فعالة"
خلال السنوات الأخيرة، عززت الهند حضورها الجيوسياسي في المنطقة إلى درجة أنها أصبحت تعتبر منافسا قويا لطموحات الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.ضخ رئيس الوزراء ناريندرا مودي أموالا وفيرة لتحديث الترسانة العسكرية الهندية التي كانت تشتريها أساسا من روسيا.
فوفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام ،(SIPRI)، كانت الهند بين عامي 2017 و2021 أكبر مستورد للأسلحة في العالم، قبل أن تتقدمها أوكرانيا بسبب الغزو الروسي.
في المقابل، تخلت باكستان عن اعتمادها على الأسلحة الأمريكية خلال الحرب الباردة. وكانت آنذاك تعتبر محورا استراتيجيا لواشنطن في مواجهة الاتحاد السوفياتي ثم مكافحة الإرهاب في أفغانستان، على الرغم من شكوك بممارسة الجهاز الأمني الباكستاني "لعبة مزدوجة".
بفعل تصاعد الاحترازات من أمريكا، لجأت إسلام آباد إلى حليفها الإقليمي القديم، الصين. هذا البلد يخوض بدوره نزاعات حدودية مع الهند. وعلى الرغم من أن بكين قدمت لباكستان دعما في التكنولوجيا النووية، إلا أن إمداداتها بالسلاح اقتصرت سابقا على الدبابات والمدفعية والأسلحة الخفيفة.
غير أن الصين شهدت خلال عهدة الرئيس شي جينبينغ تطورا نوعيا في قدرات الإنتاج العسكري وارتفعت نسبة تصديرها الأسلحة، خصوصا إلى دول الجنوب: أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، مستفيدة من الأسعار التنافسية.
اقرأ أيضاالصراع بين الهند وباكستان: كيف طورت الدولتان ترسانتهما النووية؟
وقالت ريناودو:"لطالما ارتبطت صورة الأسلحة الصينية بالمنتجات الصينية الرخيصة. اعتُبرت أدنى جودة. لكن هذا لم يعد صحيحا".
وتابعت: "اليوم، الصين تبيع أسلحة حديثة ومتطورة وفعالة. الدرس الأهم الذي يجب استخلاصه هو أن الأسلحة الصينية ليست بالضرورة أقل جودة وفعالية من الأسلحة الغربية".
الدفاع المضاد للطائرات في وضع صعب
مع ذلك، حذرت يون سون من المبالغة في تقييم جودة السلاح الصيني، مؤكدة أنه "من السهل التعميم واعتبار بأن آلية صينية معينة قد تكون متفوقة" فتوضح أن الواقع أكثر تعقيدا لأن الأمر مرتبط أيضا بعوامل أخرى مثل "تدريب الطيارين والتنسيق بينهم وبين قوات عسكرية أخرى".
وبينما تخطت مقاتلات J-10 التوقعات برأي الجميع، فإن أنظمة الدفاع الجوي الصينية HQ-9 أظهرت محدوديتها في التصدي لصواريخ "سكالب" الفرنسية بعيدة المدى التي أطلقتها الهند، والتي تلاعبت بالدفاعات الجوية المضادة الباكستانية.
وعلى العكس، أثبتت بطاريات S-400 الروسية التي تملكها الهند فعاليتها في الميدان، وفقا للخبراء.
وتوضح ريناودو: "كشفت هذه المواجهة مكامن القوة والضعف لدى الجانبين. ومن دون شك، كانت الدفاعات الجوية المضادة الباكستانية الحلقة الأضعف" لدى إسلام آباد.
كما شهد النزاع أول حرب بالطائرات دون طيار بين البلدين. وبحسب الجيش الهندي، تمكنت طائرات "هاروب" الانتحارية الإسرائيلية من تحييد عدة أنظمة رادار باكستانية.
وعلقت ريناودو: "هذا أشبه بضرب عين الخصم الذي لم يعد يرى الصواريخ أو المسيرات وهي تعبر الأجواء. إنه أمر محرج للغاية لباكستان".
هل من دروس لتايوان؟
يرى العديد من المحللين العسكريين أن تايوان راقبت عن كثب هذا الصراع الذي احتلت فيه الأسلحة الصينية الواجهة في مواجهة أسلحة تنتمي إلى ترسانة دول منضوية تحت لواء حلف الناتو.ففي السنوات الأخيرة، استعرضت الصين قوتها عبر اختراق مقاتلاتها J-10 بانتظام مجال تايوان الجوي.
ومع ذلك، تحذر يون سون من القيام بمقارنة بالتوازي بين وضعين تعتبرهما مختلفين فتقول إنها كمقارنة "البرتقال بالتفاح". ففي حين أن المواجهة بين الهند وباكستان دارت بين الأساس في الأجواء. أما السيناريو العسكري التايواني فهو مرتبط بشكل رئيسي بالعناصر البحرية للقوات المسلحة الأمريكية. سيكون لسلاح الجو دور، لكنه على الأرجح لن يمثل المحرك الأساسي.
احتفاء مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الصينيين بالأداء العسكري اللافت لبلادهم مؤخرا كان مستحقا إلا أن الاشتباك بين الهند وباكستان أظهر محدودية النفوذ الدبلوماسي لبكين في هذا الصراع، بحسب يون سون.
فعلى الرغم من تذبذب دبلوماسية إدارة ترامب، كانت الولايات المتحدة في النهاية هي الطرف الحاسم في ممارسة الضغط اللازم على الخصمين الآسيويين.
وقالت يون سون في هذا الشأن: "ما حدث يُعد تجليا واضحا لقوة الوساطة التي تتمتع بها الولايات المتحدة. لا أعتقد أن الصين كانت قادرة على لعب دور الوسيط، لأن الهند لم تكن لتقبل بها. فالصين لا تُعد طرفا محايدا في هذا النزاع، كونها مالت بشكل يكاد يكون كاملا إلى جانب باكستان".
France 24