الصواريخ الباليستية الكورية الشمالية.

سعت الجمهورية الشعبية الديمقراطية لكوريا (كوريا الشمالية) لاكتساب قدرة الصواريخ الباليستية لأكثر من 30 عامًا. في أواخر السبعينيات، أصبح برنامج الصواريخ أولوية وطنية مساوية للبرنامج النووي؛ وبناءً عليه، حقق خلال العقد الماضي تقدمًا مستمرًا وعددًا من النجاحات رغم الانهيار الاقتصادي والمجاعة.
اليوم، تُعد بيونغ يانغ صاحب أكبر قوة صواريخ باليستية في العالم الثالث —تتألف من حوالي 36 منصة إطلاق و700 صاروخ— وتقف على وشك نشر صواريخ باليستية قد تشكل تهديدًا للولايات المتحدة.
لا تقتصر كوريا الشمالية على تصنيع الصواريخ الباليستية فحسب، بل تقوم ببيعها أيضًا. فقد أدى نجاحها على مدار عشرين عامًا في تسويق أنظمة كاملة، ومكونات، وتقنيات إنتاج، إلى ترسيخ مكانة بيونغ يانغ كأبرز ناشر للصواريخ الباليستية في العالم. وقد صدّرت كوريا الشمالية صواريخ أو تقنيات صاروخية إلى مجموعة من الدول تشمل مصر، إيران، ليبيا، باكستان، سوريا، والإمارات العربية المتحدة. وتُساهم هذه الصادرات بشكل كبير في تعزيز قدرات وبرامج التطوير للدول المستقبِلة، كما تؤدي إلى زيادة التوتر في مناطق تتسم أساسًا بعدم الاستقرار السياسي والعسكري.
إن السمة الأبرز والأكثر إثارة للإعجاب في برنامج كوريا الشمالية الصاروخي هي سرعة تطوره، وخاصة التوسع السريع في القدرات خلال العقد الأخير. وبالنظر إلى المستويات المعروفة للعلوم والتكنولوجيا والبنية التحتية الصناعية داخل كوريا الشمالية، يصعب تصديق أنها بلغت هذا المستوى المتقدم من الكفاءة الصاروخية (وخاصة في مجالي التوجيه والمحركات) دون مساعدة خارجية كبيرة. وهنا تبرز الأسئلة: "من قدم هذه المساعدة ومتى؟" و"ما طبيعة هذه المساعدة؟"
ورغم أن الصورة الكاملة لا تزال غير مكتملة، فإن المعروف هو أن كوريا الشمالية:
(1) شاركت في تبادل تقنيات الصواريخ مع مصر، وإيران، وليبيا، وباكستان، وسوريا، وربما العراق؛
(2) حصلت — بشكل علني وسري — وما تزال تسعى للحصول على تقنيات ومكونات ومواد خاصة بالصواريخ الباليستية من أوروبا، واليابان، وروسيا، وجمهورية الصين الشعبية؛
(3) استعانت، على مر السنين، بخدمات عدد محدود من مصممي ومهندسي وخبراء الصواريخ الأجانب.
التطور المبكر لبرنامج كوريا الشمالية الصاروخي
وفقًا لمعظم المصادر المفتوحة، استلمت كوريا الشمالية أول نظام صواريخ باليستية لها، وهو صاروخ سكود-بي السوفيتي، من مصر في أواخر السبعينيات أو أوائل الثمانينيات. وبحلول منتصف الثمانينيات، نجحت كوريا الشمالية في إعادة هندسة صاروخ سكود-بي ليكون أساسًا لإنتاج صاروخ "هواسونغ-5" محليًا، والذي قامت أيضًا بتصديره.
وفي نهاية العقد نفسه، بدأت كوريا الشمالية بإنتاج صاروخ هواسونغ-6 الأطول مدى – وهو نسخة مطورة من سكود-سي – وفي عام 1990 أجرت أول اختبار لصاروخ نودونغ، وهو صاروخ باليستي متوسط المدى يعتمد على تكنولوجيا سكود.
ويُعتقد أن صاروخ نودونغ شكّل الأساس لصاروخ شهاب-3 الإيراني وصاروخ غوري الباكستاني، حيث ساعدت إيران في تطويره، واشترته باكستان في أوائل التسعينيات. وقد يكون علماء سوفييت/روس (ربما دون موافقة حكوماتهم) قد ساعدوا في تطوير صاروخ نودونغ، ما قد يفسر قصر فترة تطويره نسبيًا.
كما يُرجّح أن كوريا الشمالية بدأت أيضًا خلال هذه الفترة تطوير صواريخ تايبودونغ-1 و تايبودونغ-2 ذات المدى الأطول. ويُعتقد أن العمل على تصميم هذه الصواريخ متعددة المراحل بدأ في أواخر الثمانينيات أو أوائل التسعينيات، وقد حددها المحللون الغربيون لأول مرة في عام 1994.
كوريا الشمالية، التي ليست طرفًا في أي اتفاقيات أو منظمات دولية تهدف إلى الحد من انتشار الصواريخ الباليستية مثل نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ (MTCR)، صعدت إلى الصدارة في سوق السلاح العالمي بالتزامن مع تطورها في تكنولوجيا الصواريخ خلال الثمانينيات.
وبالإضافة إلى تعاونها مع مصر في إعادة هندسة صاروخ سكود-بي، بدأت كوريا الشمالية بعد عام 1985 ببيع تكنولوجيا الصواريخ إلى إيران، التي كانت حينها تخوض "حرب المدن" ضد العراق. وبحسب أحد المحللين، بلغت كوريا الشمالية ذروة مبيعاتها من الصواريخ إلى الخارج في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وكانت تُصدّر بشكل رئيسي إلى دول في الشرق الأوسط.
وقد ساهمت عدة عوامل في انخفاض صادرات كوريا الشمالية الصاروخية لاحقًا، منها: انخفاض الطلب الخارجي، وزيادة قدرات الإنتاج المحلي لدى المشترين السابقين، والضغوط الدولية على الدول المستلمة.
لكن، وعلى الرغم من تضاؤل نطاق المبيعات، إلا أن مستوى التعاون التقني مع دول مثل إيران وسوريا وباكستان ازداد خلال تلك الفترة. ويعتقد العديد من المحللين أن التعاون الصاروخي بين كوريا الشمالية وإيران كان قويًا، رغم صعوبة تقييم مستواه الحالي من خلال المصادر المفتوحة.
ومن المؤكد أن حصول كوريا الشمالية على خدمات هؤلاء الخبراء قد يكون عاملًا رئيسيًا — رغم صعوبة قياسه — في نجاح برنامجها الصاروخي. ومع ذلك، من غير الحكيم التقليل من التزام وكفاءة المصممين والمهندسين والمتخصصين الكوريين الشماليين أنفسهم. فقد كان برنامج الصواريخ الباليستية منذ فترة طويلة أولوية وطنية في مجال التنمية، وتلقى باستمرار مستوى عالٍ من الموارد والاهتمام، بما يتماشى مع هذه المكانة.
تشمل الأنظمة قصيرة ومتوسطة المدى لدى كوريا الشمالية مجموعة واسعة من المدفعية والصواريخ القصيرة المدى، بما في ذلك صواريخ سكود القديمة وصواريخ "نو دونغ". وفي عام 2019، اختبرت كوريا الشمالية مجموعة جديدة من الصواريخ القصيرة المدى العاملة بالوقود الصلب مثل KN-23 وKN-25.
كما أحرزت كوريا الشمالية تقدمًا في تقنيات الصواريخ بعيدة المدى، حيث اختبرت لأول مرة صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات، وهو "هواسونغ-14"، في يوليو 2017، تبعه اختبار تصميم أثقل لصاروخ عابر للقارات، "هواسونغ-15"، في نوفمبر من العام نفسه. وقد طورت كوريا الشمالية بعض هذه التكنولوجيا في إطار برنامجها الفضائي "أونها" (تايبو دونغ-2)، والذي استخدمته لإطلاق أقمار صناعية بدائية إلى المدار. كما عرضت كوريا الشمالية صاروخين باليستيين بعيدي المدى آخرين، هما KN-08 وKN-14، إلا أنه لم يتم اختبارهما بعد بالطيران، ولا تزال حالة تطويرهما غير واضحة حتى الآن.
وكان برنامج كوريا الشمالية للصواريخ الباليستية العابرة للقارات من بين الدوافع الرئيسية وراء قرار الولايات المتحدة تطوير ونشر نظام الدفاع الأرضي للمرحلة الوسطى (Ground-based Midcourse Defense System) لحماية أراضيها.
سنخصص هذا الموضوع ان شاء الله الى الصواريخ البالستية الشمال كورية متابعة شيقة للجميع.
التعديل الأخير: