إحسان الفقيه:
عرفت السينما في الولايات المتحدة الأمريكية بقوة الإخراج السينمائي،
لكن الفصل الأخير من الحرب الإسرائيلية الإيرانية قد أثبت براعة أمريكا في الإخراج السياسي أيضا.
طيلة أيام الحرب كان ترامب يكتفي بالتصريحات التي يفهم منها رضاه ومباركته للهجمات الإسرائيلية وضرورة وضع حد للهرولة الإيرانية باتجاه امتلاك القنبلة النووية، إضافة إلى التلويح غير القطعي بدخول أمريكا المعركة إلى جانب دولة الاحتلال.
وقف ترامب يراقب التصعيد المتبادل بين الطرفين، دون التدخل المباشر، فمن ناحية ترك نتنياهو يستعرض قوته وقدراته العسكرية والاستخباراتية، ليحصد تأييدا واسعا في الداخل الإسرائيلي يغطي على إخفاقه في ملف غزة وقضية الأسرى، ويعطيه قبلة الحياة باعتباره الزعيم الذي واجه تهديدا وجوديا متمثلا في الخطر الإيراني.
في الوقت نفسه وقف ترامب على القدرات الصاروخية لإيران وفتح المجال لاستنزافها وإدراك تكتيكات الهجوم بالصواريخ المتنوعة والمسيرات.
كان من الواضح أن الولايات المتحدة ترغب في أن تمتد الحرب بالقدر الذي يثير المخاوف الإقليمية والدولية، ويصبح إيقاف المعركة غاية ومطلبا لكل الأطراف، ولكن دون مستوى التصعيد الذي يسوق المنطقة إلى حرب شاملة متعددة الأطراف، فجاءت الضربة الأمريكية للمنشآت النووية لتضع حدًا للمعركة يكون لأمريكا اليد العليا في إسدال الستار على أيام القتال المرعبة.
كللت الضربة الأمريكية الهجمات الإسرائيلية على إيران، لتجعل النهاية ناطقة بانتصار نتنياهو ونجاحه في إعادة البرنامج النووي الإيراني بضع سنوات إلى الوراء قبل أن تتحمل دولة الاحتلال مزيدا من الضربات والخسائر الناتجة عن التصعيد المتبادل.
لم تكن هناك مشكلة لدى الإيرانيين في تبادل الهجمات مع دولة الاحتلال طالما أن أمريكا لا تتدخل بشكل مباشر، تعوّل في ذلك على المسيرات والصواريخ متعددة المدى على الرغم من ضعف دفاعاتها الأرضية في مواجهة الطيران الإسرائيلي، فتتحمل الضربة ثم تقوم بالرد وهكذا.لكن مع التدخل الأمريكي المباشر، أدركت إيران ضرورة الخروج من المعركة، فهي لن تستطيع الرد كما ينبغي أن يكون الرد، فجاء الإخراج الأمريكي ليصنع مسارا للخروج اللائق بإيران كدولة كبرى في المنطقة، فكان الاتفاق المسبق على الهجوم على القاعدة الأمريكية في العديد بعد إخلاء من فيها، حفظا لماء الوجه الإيراني، أعقبه رسالة شكر من ترامب إلى إيران لتحذيرها المسبق بإخلاء القاعدة الأمريكية.
حقق الإخراج الأمريكي مراده، فتم الاتفاق على وقف إطلاق النار، بعد أن حقق نتنياهو أهدافه من عرقلة المشروع النووي الإيراني، والتغطية على إخفاقاته في غزة، وتحقيق مكاسب سياسية تعزز موقعه في الداخل.الولايات المتحدة تجمعها وإيران مساحات شاسعة من التفاهمات، أكثر بكثير من العداء المعلن، فأمريكا لا تريد محو إيران، بل ترغب في وجودها ضمن لعبة التوازنات بين المكون السني والشيعي، خاصة مع وجود صدع عربي فارسي تاريخي.